الأخلاق في القرآن - ج ٢

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأخلاق في القرآن - ج ٢

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : الأخلاق
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8139-26-1
ISBN الدورة:
964-8139-27-X

الصفحات: ٤٤٨

وعند ما يُؤمر نبي الإسلام بالتواضع وإظهار المحبّة للمؤمنين فإنّ وظيفة المؤمنين وتكليفهم الأخلاقي تجاه بعضهم البعض واضح ، لأن النبي الأكرم يُعتبر قدوة واسوة لجميع أفراد الامّة الإسلامية.

وقد ورد هذا المضمون أيضاً في الآية ٨٨ من سورة الحجر حيث يقول تعالى (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) وهنا نرى أنّ المخاطب في هذه الآية هو النبي الأكرم أيضاً حيث أمره الله تعالى بخفض جناحه للمؤمنين أي بالتواضع المقرون بالمحبّة في تعامله مع اتباعه من المؤمنين.

وشبيه هذه العبارة مع تفاوت بسيط ورد في سورة الإسراء كتكليف للمسلم تجاه والديه حيث تقول الآية (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ).

ومن مجموع ما ورد من الآيات أعلاه نستوحي جيداً أنّ القرآن الكريم لم يكتف بذم التكبّر والاستكبار في مجمل السلوك الأخلاقي للإنسان بل أكد على النقطة المقابلة له أي التواضع والانعطاف واثنى عليه بتعبيرات مختلفة.

التواضع في الروايات الإسلامية :

لقد ورد في المصادر الروائية لدى الشيعة وأهل السنّة أحاديث كثيرة في باب التواضع تبين أهمية هذه الصفة الأخلاقية في حركة الإنسان التكاملية والاجتماعية ، وورد في بعضها علامات المتواضعين ونتائج وثمار التواضع وحدوده وآدابه.

أما عن أهمية التواضع فقد وردت تعبيرات جميلة وجذابة في الروايات الشريفة منها :

١ ـ ورد في الحديث الشريف أنّ رسول الله قال يوماً مخاطباً أصحابه : ما لي لا ارى عليكم حلاوة العبادة؟! قالوا : وما حلاوة العبادة؟ قال : التواضع! (١).

__________________

١ ـ تنبيه الخواطر (مطابق لنقل ميزان الحكمة ، ج ٤ ، ح ٢١٨٢٥) ؛ المحجّة البيضاء ، ج ٦ ، ص ٢٢٢.

٦١

ولا يخفى أنّ حقيقة العبادة هي غاية الخضوع امام الله تعالى فالشخص الّذي ذاق حلاوة الخضوع والتواضع مقابل حقيقة الالوهية والذات المقدسة فإنه سيتحلّى أيضاً بالتواضع مع الخلق.

٢ ـ وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : عليك بالتواضع فانه من اعظم العبادة (١).

٣ ـ وورد عن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام : التواضع نعمة لا يحسد عليها (٢).

ومن الطبيعي أنّ كلّ نعمة تصيب الإنسان فإنه سيتعرض في الجهة المقابلة لأذى الحساد حيث تتحرك فيهم عناصر الحسد والكراهية أكثر بحيث يضيق الفضاء على صاحب النعمة ويعيش في حالة من التوتر الّذي يفرزه حالة الحسد في الطرف المقابل ولكن التواضع مستثنى من هذه القاعدة فهو نعمة لا تتغير بحسد الحساد.

ونختم هذا البحث المفصل بحديث آخر عن النبي الأكرم :

٤ ـ «يُبَاهِي اللهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ بِخَمْسَةٍ : بِالْمُجَاهِدِينَ ، وَالْفُقَرَاء ، وَالَّذِينَ يَتَوَاضَعُون للهِ تَعَالَى ، وَالْغَنِيِّ الّذي يُعْطِي الْفُقَرَاءَ وَلَا يَمُنُّ عَلَيْهِمْ ، وَرَجُلٍ يَبْكِي فِي الْخَلْوَةِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» (٣).

وعن ثمرات التواضع ونتائجه الإيجابية وردت روايات كثيرة عن المعصومين نكتفي بذكر نماذج منها :

ففي حديث شريف عن الإمام أمير المؤمنين : «ثَمَرَةُ التَّوَاضُعِ الْمَحَبَّةُ وَثَمَرَةُ الْكِبْرِ الْمَسَبَّةُ» (٤).

وفي حديث آخر عن هذا الإمام أيضاً : «بِخَفْضِ الْجَنَاحِ تَنْتَظِمُ الْامُورَ» (٥).

ومن الواضح أنّ عملية تنظيم امور المجتمع لا تتسنّى إلّا بالتعاون والتكاتف الإجتماعي

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٢ ، ص ١١٩ ، ح ٥.

٢ ـ تحف العقول ، ص ٣٦٣.

٣ ـ مكارم الأخلاق ، ص ٥١.

٤ ـ غرر الحكم ، ح ٤٦١٤ ـ ٤٦١٣.

٥ ـ غرر الحكم ، ح ٤٣٠٢.

٦٢

والعاطفي بين الأفراد ، وهذا التعاون والتكاتف لا يكون إلّا بأن يكون المدير والمدبّر والقائم على امور المجتمع لا يتعامل مع الأفراد بالضغط والإجبار أو بأن يتباهى ويتفاخر على الآخرين ويرى نفسه أفضل منهم ، فإنّ المدير الموفق في عمله هو من يعيش حالة الحزم والقاطعية في عين التواضع والمحبة مع الآخرين.

ونقرأ في حديث آخر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الَتَّوَاضُعُ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ الّا رَفْعَةً فَتَوَاضَعُوا يَرْفَعْكُمُ اللهُ» (١).

أحياناً يتصور الإنسان أنّ التواضع يقلل من قيمة الشخصية ويصغر شخصية الفرد في نظر الآخرين ، في حين أنّ هذا التصوّر ساذج ومجانب للصواب ، فإننا نرى أنّ الأشخاص المتواضعين في المجتمع يتمتعون بالاحترام البالغ من قِبل الآخرين ، وتواضعهم لا يزيدهم إلّا احتراماً وعزّة في نفوس الناس.

ويُستفاد من الأحاديث الإسلامية انّ التواضع شرط في قبول العبادات والطاعات ومن ذلك ما ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «الَتَّوَاضُعُ اصْلُ كُلِّ خَيْرٍ نَفِيسٍ وَمَرْتَبَةٌ رَفِيعَةٌ ... وَمَنْ تَوَاضَعَ للهِ شَرَّفَهُ اللهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ ... وَلَيْسَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَةٌ يَقْبَلُهَا وَيَرْضَيها الّا وَبَابُهَا التَّوَاضُعُ ، وَلَا يَعْرِفُ مَا فِي مَعْنى حَقِيقَةِ التَّوَاضُعِ الَّا الْمُقَرَّبُونَ الْمُسْتَقِلِّينَ بِوَحْدَانِيَّتِهِ ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعِبَادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْارْضِ هَوْناً وَاذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً» (٢).

ونختم هذا البحث بحديث عن السيّد المسيح عليه‌السلام حيث قال : «بِالتَّوَاضُعِ تَعْمُرُ الْحِكْمَةَ لَا بِالتَّكَبُّرِ ، كَذَلِكَ فِي السَّهْلِ يَنْبُتُ الزَّرْعَ لَا فِي الْجَبَلِ» (٣).

والخلاصة أنّ التواضع في حركة الحياة العلمية والثقافية يؤثر إيجابياً في حياة الإنسان (لأنّ الشخص المتكبّر يكون محجوباً عن رؤية حقائق الامور بسبب تكبره) وكذلك يؤثر التواضع تأثيراً إيجابياً في حركة الإنسان الإجتماعية (لأنّ الشخص المتواضع يزيده

__________________

١ ـ كنز العمّال ، ح ٥٧١٩.

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٢ ، ص ١٢١.

٣ ـ بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٦٢.

٦٣

تواضعه محبة في قلوب الناس ويحترمه الجميع لأخلاقه الحسنة والطيبة) وكذلك يؤثر التواضع تأثيراً إيجابياً في علاقة الإنسان بخالقه لأن التواضع يمثل روح العبادة ومفتاح قبول الأعمال والطاعات.

وبالنسبة إلى علامات التواضع فقد وردت روايات لطيفة وجميلة في الروايات الإسلامية ، ففي حديث عن الإمام علي بن أبي طالب نقرأ : «ثَلَاثٌ هُنَّ رَأْسُ التَّوَاضُعِ : انْ يَبْدَءَ بِالسَّلَامِ مَن لَقِيَهُ ، وَيَرْضَى بِالدُّونِ مِنْ شَرَفِ الْمجْلِسِ ، وَيَكْرَهُ الرِّيَاء وَالسُّمْعَةَ» (١).

وفي بعض الروايات نقرأ علامات اخرى أيضاً للتواضع منها ترك المراء والجدال ، أي أنّ الإنسان لا يدخل في مناقشة وجدل فكري من أجل اشباع رغبة التفوق على الآخرين واظهار فضله عليهم ، ومن العلامات الاخرى عدم الرغبة في ثناء الناس عليه ومدحهم له (٢).

١ ـ تعريف التواضع

«التواضع» من مادّة «وضع» ، وهي في الأصل بمعنى وضع الشيء إلى الأسفل.

وهذا التعبير ورد بالنسبة إلى النساء الحوامل اللآتي يلدن حملهن فيقال «وضعت حملها» وكذلك بالنسبة إلى الخسارة والضرر الّذي قد يتحمله الإنسان فيقال «وضيعة» ، وعند ما تُطلق هذه الكلمة ويُراد بها صفة أخلاقية في الإنسان فإنّ مفهومها أنّ الإنسان ينخفض بنفسه عن مكانته الإجتماعية ، بعكس حالة التكبّر الّتي يفهم منها استعلاء الإنسان عن واقعه الإجتماعي وطلب التفوق على الآخرين.

ويرى البعض من أهل اللغة أنّ «التواضع» بمعنى «التذلل» والمقصود من التذلل هنا الخضوع والتسليم.

وذكر المرحوم النراقي في «معراج السعادة» في تعريف التواضع أنّه قال (التواضع عبارة

__________________

١ ـ كنز العمّال ، ح ٨٥٠٦.

٢ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٢ ، ح ٦.

٦٤

عن الإنكسار النفسي الّذي لا يرى معه الإنسان نفسه أعلى من الآخرين ولازمه أن يتحرك الشخص تجاه الآخرين من موقع الاحترام والتعظيم لهم بكلماته وأفعاله) (١).

وفي حديث آخر عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام قال عند ما سُئّل : «مَا حَدُّ التَّوَاضُعِ الّذي إذَا فَعَلَهُ الْعَبْدُ كَانَ مُتَوَاضِعاً؟ فَقَالَ : التَّوَاضُعُ دَرَجَاتٌ مِنْهَا انْ يَعْرِفَ الْمَرْءُ قَدْرَ نَفْسِهِ فَيُنَزِّلُهَا مَنْزِلَتَهَا بِقَلْبٍ سَلِيمٍ لَا يُحِبُّ انْ يَأْتِيَ الَى احَدٍ الّا مِثْلُ مَا يُؤْتَى الَيْهِ ، انْ رَأىَ سَيِّئَةً دَرَاهَا بِالْحَسَنَةِ ، كَاظِمُ الْغَيْظِ ، عَافٍ عَنِ النَّاسِ ، وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (٢).

وممّا ورد في هذه الرواية الشريفة والمهمة هو في الحقيقة علامات التواضع حيث يمكننا من خلالها التوصل إلى تعريف التواضع.

وفي حديث آخر عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «التَّوَاضُعُ الرِّضَا بِالْمَجْلِسِ دُونَ شَرَفِهِ وَانْ تُسَلِّمَ عَلَى مَنْ لَقِيتَ وَانْ تَتْرُكَ الْمِرَاءَ وَانْ كُنْتَ مُحِقّاً» (٣).

والحقيقة هي أن تعريف التواضع لا ينفصل عن علامات التواضع لأن من أفضل التعاريف للمفردات اللغوية والأخلاقية هو التعريف المشتمل على علامات ذلك الموضوع المراد تعريفه.

٢ ـ التواضع وكرامة الإنسان

عادة نرى في مثل هذه المباحث الأخلاقية أنّ البعض يسلك فيها مسلك الافراط والبعض الآخر مسلك التفريط ، مثلاً يتصور البعض أنّ حقيقة التواضع هي أنّ الإنسان يستذل نفسه أمام الناس ولا يرى لنفسه مقداراً وشأناً من الشؤون ، وقد يقوم بأعمال واهنة يسقط بسببها من أنظار الناس فيساء الظن به كما ذكر في حالات الصوفية هذا المعنى أيضاً وأنّهم عند ما يشتهرون في منطقة بالصلاح والفضل فإنّهم يرتكبون أعمال قبيحة ومنافية

__________________

١ ـ معراج السعادة ، ص ٣٠٠.

٢ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٤.

٣ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٥ ، ص ١٧٦.

٦٥

للمروءة ليسقطوا في أنظار الناس ، مثلاً لا يهتمون بأمر العبادة وقد يرتكبون الخيانة في أمانات الناس بحيث يتركهم الناس ، وبهذه الطريقة يتصورون أنّ هذا الاسلوب هو نوع من التواضع ورياضة النفس.

بينما نجد أنّ الإسلام لا يُبيح للإنسان تحقير نفسه وإذلالها باسم التواضع ولا يرضى بأن يتحرّك الإنسان لإسقاط شخصيته وكرامته وسحقها ، فالمهم أنّ الإنسان في عين ممارسة التواضع يحفظ شخصيته الإجتماعية ولا يذل نفسه ، فلو أنّ الإنسان سعى للتحلي بالتواضع بصورته الصحيحة فليس لا يجد هذه الآثار السلبية فحسب بل على العكس من ذلك ، فإنّ احترامه وشخصيته ستزداد وتتعمق في أنظار الناس ، ولهذا ورد في الروايات الإسلامية عن أمير المؤمنين أنّه قال «بِالتَّوَاضُعِ تَكُونُ الرَّفْعَةُ» (١).

ويقول الفيض الكاشاني تحت عنوان غاية الرياضة في خلق التواضع : «اعلم إنّ هذا الخلق كسائر الأخلاق له طرفان وواسطة ، فطرفه الّذي يميل إلى الزيادة يسمى تكبراً ، وطرفه الّذي يميل إلى النقصان يسمى تخاسساً ومذلة ، والوسط يسمى تواضعاً ، والمحمود أن يتواضع في غير مذلة ومن غير تخاسس ، فإنّ كلا طرفي قصد الامور ذميم ، وأحب إلى الله تعالى أوساطها. فمن يتقدم على أمثاله فهو متكبر ، ومن يتأخر عنهم فهو متواضع ، أي أنّه وضع شيئاً من قدره الّذي يستحقه ، والعالم إذا دخل عليه اسكاف فتنحى له عن مجلسه وأجلسه فيه ثم تقدم وسوى له نعله وغدا إلى الباب خلفه فقد تخاسس وتذلل ، وهذا أيضاً غير محمود بل المحمود عند الله العدل وهو أن يعطي كل ذي حقّ حقّه ، فينبغي أن يتواضع بمثل هذا لأمثاله ولمن بقرب من درجته ، فأما تواضعه للسوقي فبالقيام والبشر في الكلام والرفق في السؤال وإجابة دعوته والسعي في حاجته وأمثال ذلك ، وأن لا يرى نفسه خيراً منه بل يكون على نفسه أخوف منه على غيره ، فلا يحتقره ولا يستصغره وهو لا يعرف خاتمة أمره وخاتمته» (٢).

__________________

(١) الفهرست الموضوعي لغرر الحكم ، ج ٧ ، ص ٤٠٥ ، طبعة جامعة طهران.

(٢) المحجّة البيضاء ، ج ٦ ، ص ٢٧١ (مع التلخيص).

٦٦

٣ و ٤

الحرص والقناعة

تنويه :

سبق وأن قرأنا في الفصل السابق الحديث الوارد عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين يذكر فيه أنّ أوّل مصدر للمعصية هو التكبّر حيث تكبّر إبليس ورفض السجود لآدم بسبب تكبره وطغيانه ، ثمّ ذكر الإمام زين العابدين (الحرص) بعنوان انه المصدر الثاني للمعصية حيث ذكر فيه ما صدر من الترك للأولى من قِبل آدم وحواء وأكلهما من الشجرة الممنوعة بدافع من الحرص ، ثمّ ذكر (الحسد) الّذي يتمثل في حسد قابيل لأخيه هابيل وقتله.

إن افرازات الحرص السلبية لم تتجلّى فقط في قصّة آدم بل في قصص الأنبياء وتصدّيهم لسلوكيات أقوامهم المنحرفة طيلة التاريخ البشري ، فنحن نرى في قصص الأقوام البشرية السالفة والمجتمعات المختلفة أنّ الحرص والطمع كان يمثل المصدر للكثير من الجرائم والحروب الدموية والغارات الوحشية وسحق المبادئ الإنسانية والفضائل الأخلاقية في حركة الحياة البشرية والمجتمعات الإنسانية.

والنقطة المقابلة لهذه الرذيلة الأخلاقية هي (القناعة) الّتي تورث الإنسان الطمأنينة والهدوء النفسي ، العدالة ، الصلح ، الاخوة والصفاء في دائرة العلاقات الإجتماعية ، وبالنظر

٦٧

إلى المنهج المتّبع لترتيب الفضائل والرذائل الأخلاقية (المنهج الّذي يبتدئ في دراسة واستعراض حالات الأنبياء من آدم إلى نبيّنا الكريم الواردة في القرآن المجيد) فإنّ ثاني صفة من الصفات الرذيلة هي الحرص المتمثل في قصّة آدم ، وكذلك قصة شعيب وداود وبشكل عام اليهود ، وسنتعرض كذلك ما ورد من الحوادث المتعلقة بالمسلمين والمشركين العرب في عصر النزول أيضاً.

وبهذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم لنستوحي من آياته الشريفة ما ورد في هذا المضمون الأخلاقي :

١ ـ (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى * فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)(١).

٢ ـ (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٢).

٣ ـ (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ* قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ)(٣).

٤ ـ (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ)(٤).

__________________

١ ـ سورة طه ، الآية ١٢٠ و ١٢١.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية ٨٥.

٣ ـ سورة ص ، الآية ٣٣ و ٣٤.

٤ ـ سورة البقرة ، الآية ٩٦.

٦٨

٥ ـ (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً)(١).

٦ ـ (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(٢).

٧ ـ (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ* الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ* يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ)(٣)

تفسير واستنتاج :

تتحدّث «الآية الاولى» من الآيات المذكورة آنفاً عن قصة آدم وزوجته حواء وما جرى لهما مع الشيطان الرجيم ، فطبقاً للآيات القرآنية فإنّ الله تعالى قد اسكن آدم وحواء الجنّة ونهاهما عن الاقتراب من الشجرة الممنوعة وحذرهما من إغواء إبليس ووسوسته ، ولكن الشيطان افلح في إغوائه ووسوسته وارتكب آدم ترك الأولى وأكل من الشجرة الممنوعة ، وبذلك طرد من الجنّة وغرق في دوّامة البلايا والمشاكل الدنيوية في هذه الحياة.

الآيات أعلاه تشير إلى هذه الحادثة التاريخية وتقول : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى * فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى).

وفي الواقع فإنّ الشيطان ذكر لآدم عن الشجرة الممنوعة بانّ كلّ من يأكل منها سوف يحظى بطول العمر ويغرق في النعمة والسعادة الخالدة.

ما هو السبب الّذي دفع آدم إلى قبول وسوسة الشيطان والاعتماد على كلماته ووعوده ونسيان الأمر الإلهي ونهيه عن تناول ثمرة الشجرة الممنوعة؟ أليس الحرص والطمع هو الّذي حجبه عن رؤية حقائق الامور؟

وبهذا نرى أنّ حالة التكبّر هي الّتي أدّت إلى ضلال الشيطان وعصيانه لأوامر الله تعالى

__________________

١ ـ سورة المعارج ، الآية ١٩ ـ ٢١.

٢ ـ سورة الجمعة ، الآية ١١.

٣ ـ سورة الهمزة ، الآية ، ١ ـ ٣.

٦٩

في بداية الخلقة ، وترتب على ذلك أعظم المفاسد في عالم الوجود ، وهكذا نرى أنّ حالة الحرص والطمع والرغبة في الملّذات المادية والدنيوية هي العامل الآخر لشقاء الإنسان وغرقه في وحل المفاسد والمشاكل الكثيرة في حياته ، ولهذا السبب فقد ورد في النصوص الدينية أنّ اصول الكفر ثلاثة : «التكبّر» الّذي أدّى إلى ضلال إبليس وانحرافه عن طريق الحق ، «الحرص» الّذي تسبب في انحراف آدم وخروجه من الجنّة ، و«الحسد» الّذي تسبب في قتل هابيل على يد أخيه قابيل.

وصحيح أنّ النهي الإلهي المتوجه لآدم لم يكن نهياً تحريمياً ولذلك لم تكن مخالفته معصية مطلقة بل كان من قبيل (الترك للأولى) ، أو بتعبير آخر كان نوعاً من النهي الإرشادي كما في نهي الطبيب للمريض عن تناول بعض الأطعمة غير الملائمة لصحته ومزاجه ولكن على أيّة حال فقد كان المتوقع من آدم أن لا يرتكب هذا الترك الأولى ، لكن صفة الحرص والطمع قد دفعت بآدم إلى هذا المنزلق الخطير ، وبالتالي أوقع نفسه وذريته من البشر في دوّامة من المشاكل والشدائد والمصائب في حركة الحياة.

«الآية الثانية» تتحدّث عن قصّة قوم شعيب الّذين دفعهم الحرص على المزيد من الملذات الدنيوية والطمع في التكاثر في الأموال والثروات المادية أن يديروا ظهورهم عن الحقّ ويتركوا دعوة نبيهم شعيب وإنكار التعليمات السماوية الّتي جاء بها هذا النبي الكريم لتهديدهم وتخليصهم من أدران الشهوات المادية الرخيصة حيث تقول الآية : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

وطبقاً لهذه الآية فإنّ انحراف قوم شعيب كان يتمثل أوّلاً في الشرك وعبادة الأوثان ثمّ التطفيف في الميزان وأكل أموال الناس بالباطل والغش والإفساد في الأرض ، وهكذا نرى أنّ هؤلاء القوم كانوا حريصين على الدنيا إلى درجة أنّهم قالوا لشعيب كما تصرّح الآية

٧٠

(قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا ...)(١).

هذا والحال أن غصب حقوق الناس والتطفيف في الميزان لم يكن ليؤدي إلى عدم زيادة ثرواتهم وأموالهم فحسب ، بل كما أشار القرآن الكريم ادّى إلى فساد المجتمع وإيجاد الخلل والارتباك في مفاصله وزوال الثقة بين الأفراد في عملية التفاعل الإجتماعي واهدار الطاقات واتلاف الأموال وأمثال ذلك ، وعليه فإنّ صفة الحرص أدّت إلى نتائج معكوسة في مسيرتهم الإجتماعية والدنيوية.

«الآية الثالثة» من الآيات محل البحث تستعرض الحادثة الّتي حدثت لداود والّتي تعكس في مضمونها الصفة الذميمة للحرص وابعادها السلبية في حياة الإنسان وعلاقته مع الآخرين ، وتتلخص هذه القصة في أخوين جاءا إلى النبي داود فقال أحدهما (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ)(٢) وهكذا نجد أنّ صاحب التسع وتسعين نعجة طمع في ضم نعجة أخيه الواحدة إلى نعاجه وأصرّ عليه بقبول هذا العرض والطلب ، وعند ما سمع داود هذا الكلام تأثر كثيراً و (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ)(٣) ثمّ ذكر داود لهذين الأخوين أنّ هذه الحالة تكاد تكون طبيعية لدى بني البشر وخاصة في حالة الشركة مع بعضهم فيتحرك بعضهم من موقع الظلم والاجحاد بحقّ البعض الآخر ، باستثناء المؤمنين الّذين يمنعهم إيمانهم من سلوك طريق الباطل وقال لهما (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ).

ونقرأ في ذيل الآية الكريمة (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ)(٤).

__________________

١ ـ سورة هود ، الآية ٨٧.

٢ ـ سورة ص ، الآية ٣٣.

٣ ـ سورة ص ، الآية ٣٤.

٤ ـ سورة ص ، الآية ٣٤.

٧١

ولكن ما ذا حدث لداود في هذه الفتنة وهذا الامتحان الإلهي؟ هناك كلام كثير بين المفسّرين ، وأما ما ورد في التوراة المحرّفة الحالية فيتلخص في أنّ داود كان قد طمع في زوجة أحد قادته العسكريين ويدعى «اورياي حتى» والّذي كانت له زوجة جميله جدّاً فعشقها داود واحتال لتحريرها من قيد زوجيتها مع اوريا ليتمكن من الزواج بها مع انه كانت له أزواج عديدة ، وهكذا نرى أنّ هذه القصة المفتعلة لا تتناسب مطلقاً مع قداسة الأنبياء الإلهيين بل لا تتناسب مع الأخلاق الإنسانية لدى أيّ إنسان في المستوى المتوسط من الأخلاق ، فانّ كلّ إنسان يستقبح هذه الحالة في نفسه وفي غيره من البشر.

والمشهور بين المفسّرين الإسلاميين هو أنّ امتحان داود كان يتعلق بمسألة القضاء وانه استعجل في حكمه وقبل أن يسمع حجّة الطرف الآخر حكم بينهما وقضى للأوّل على الثاني ، وبالرغم من أنّ حكمه وقضائه كان مصيباً للحقّ فإنّ الله تعالى وبّخه على تركه للأولى في هذه القضية ، ثمّ إنّ داود التفت إلى ذنبه وتاب منه.

وعلى أيّة حال فمقصودنا من استعراض هذه القصة هو أنّ الإنسان عند ما يستولي عليه الحرص والطمع فإنه يتحرّك من موقع ارتكاب الظلم والجور حتّى بالنسبة إلى أخيه الضعيف والمسكين ولا يأبى عن غصب حقّه وحرمانه من أبسط لوازم الحياة والمعيشة.

أجل فإنّ الحرص على الدنيا وملذاتها لا يعرف حدّاً وحدوداً بل يجرّ الإنسان إلى ارتكاب أشنع الظلم والجور في حقّ الآخرين.

«الآية الرابعة» من الآيات التي جاءت فى البحث وتشير إلى حرص اليهود على الحياة الدنيا ، وتنطلق الآية من موقع الذم لهؤلاء فتقول : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا).

هؤلاء حريصون على جمع الأموال والثروات ، حريصون على الملك والتسلط على الدنيا ، حريصون على التمسّك بزمام الامور ، والعجيب أنّهم احرص من المشركين الّذين لا يلتزمون بأيّ دين ولا يعتقدون بأيّة شريعة سماوية في حين أنّ التعليمات السماوية تذم

٧٢

هذه الحالة الأخلاقية السلبية والمفروض بالإنسان الملتزم بالدين والشريعة أن تؤثر فيه هذه التعليمات السماوية وتحدد من حرصه على الدنيا وزخارفها الزائلة ولكننا نجد أنّ اليهود كانوا أحرص من المشركين عليها.

وكما تقول الآية (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ).

فهؤلاء ومن أجل جمع الثروات وبدافع الخوف من العذاب الإلهي الّذي ينتظرهم بسبب ظلمهم وعدوانهم وغصبهم لحقوق الآخرين وسفكهم لدماء الأبرياء فإنّهم كانوا يتمنون هذا العمر الطويل.

والملفت للنظر أنّ حالة اليهود في هذا العصر لم تختلف عنها في العصور السابقة فنراهم يعيشون حالة الحرص الشديد هذه بل وأشد من السابق ، فإنّ التاريخ المعاصر يشهد بأن اليهود لا يمتنعون من ارتكاب أيّة جناية في سبيل المزيد من جمع الثروات والأموال ، فما أكثر الحروب الدامية الّتي أشعلوها بين المجتمعات البشرية ، وما أكثر دماء الأبرياء الّتي سفكوها ، وما أكثر الفتن الّتي أوقدوا نيرانها بين الشعوب ، وما أكثر الأسلحة والمواد المخدّرة الّتي تاجروا بها لإفساد وتدمير العلاقات الإجتماعية بين أبناء البشر ، كلّ ذلك من أجل تحكيم اركان سيطرتهم على مقدّرات الامم والشعوب ، وما أكثر الكذب والدجل والذي يروجونه بين الناس من الإذاعات العالمية الّتي يقف الصهاينة واليهود من ورائها.

إذا أردنا أن نستعرض النتائج السلبية والعواقب الوخيمة لحالة الحرص والطمع وحب الدنيا على الإنسان فينبغي أن نستعرض أعمال هؤلاء على هذا المستوى.

وتعبير «حياة» الّذي جاء في الآية بصورة نكرة لعله إشارة إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ هؤلاء القوم يريدون ويطلبون الحياة لأجل اللّذة فقط ولكن أيّة حياة؟ هل هي حياة إنسانية ، أو حياة حيوانية ، أو حياة الوحوش في البراري والغابات؟ كلّ ذلك غير مهم في نظر هؤلاء.

وكما قال بعض المفسّرين أنّ هذه الآية لا تتحدّث عن اليهود فقط بل تمثل تحذيراً لجميع أفراد البشر تحذرهم من الحرص وعواقب حبّ الدنيا لكيلا يبتلوا بما ابتُلي به اليهود في حياتهم الدنيوية وسلوكياتهم الأخلاقية.

٧٣

وقد ورد في الآيات القرآنية والروايات الشريفة عن اليهود أنّهم قتلوا الكثير من الأنبياء الإلهيين لمجرّد مخالفتهم لهم ونهيهم عن سلوكياتهم المنحرفة ورغباتهم اللامشروعة في هذه الحياة ، وكذلك تحريفهم لآيات الله وكتبه السماوية وكلّ ذلك كان بسبب حرصهم وحبهم للدنيا.

«الآية الخامسة» تتحرّك على مستوى استعراض صفات الإنسان وحالاته السلبية من الحرص والجزع والبخل وأمثال ذلك وتقول : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً).

وقد ذكر المفسّرون وأرباب اللغة لكلمة «هلوع» معان كثيرة ، وفي الواقع أكثرها من باب اللازم والملزوم ومتقاربة المعنى ، ومن ذلك ما ذكره صاحب لسان العرب من المعاني الأربعة لهذه الكلمة وهي : الحرص ، الجزع ، الضجر ، وقلة الصبر ، وأورد في «مجمع البيان» أيضاً لمعنى الهلوع : «ضجور» و«شحيح» و«جزع» و«شديد الحرص».

وذهب صاحب كتاب التحقيق أنّ الجذر الأصلي لهذه الكلمة هو رغبة الإنسان في الاستمتاع بالنعم والملذات ، أما الجزع والحرص وقلّة الصبر فكلّها من آثار هذه الكلمة ومعناها الأصلي.

ومن مجموع ما تقدّم يظهر أنّ هذه الكلمة تتضمن ثلاث نقاط سلبية في دائرة الأخلاق وهي : الحرص ، الجزع والبخل.

وفي الواقع فإنّ تفسير كلمة «هلوع» ورد في نفس السورة بعد هذه الآية حيث يمكن استفادة المفهوم الواقعي لها بحيث تتضمن هذه المعاني الثلاثة لأن «جزوع» من مادة «جزع» و«منوع» من مادّة «منع» ، ويدخل في معناها البخل والحرص.

وعلى أيّة حال فإنّ الآيات المذكورة وردت في مقام ذم الأشخاص الّذين يستولي عليهم الحرص والبخل والجزع.

ويمكن القول أنّ «الحرص» هو المصدر الأساس للبخل ، لأن الحريص يريد الاحتفاظ

٧٤

بكلّ شيء لنفسه ومنه ينشأ البخل ، وكذلك فإنّ الحرص أحياناً يسبب الجزع وقلّة الصبر ، لأن الحريص إذا فقد بعض ممتلكاته ومتعلقاته فسوف يتألم كثيراً ويتعامل مع الامور من موقع الجزع والحدّة.

فالآية الشريفة تقرر بأن الإنسان قد خُلق بهذه الصفات ، ولكن قد يُثار في الذهن هذا التساؤل ، وهو أنّ الله تعالى قد خلق الإنسان من أجل السعادة الخالدة ونيل المقامات والكمالات المعنوية ، فكيف يخلقه بهذه النقائص ونقاط الضعف الّتي تحجبه عن سلوك طريق الحقّ وتصدّه عن السير في طريق الكمال والسعادة؟

وقد أجاب البعض على هذا السؤال بأن هذه الصفات السلبية تتعلق بالإنسان الفاقد للإيمان ، فإنّ طبع الإنسان المؤمن يتناغم مع الصبر والمثابرة والكرم وأمثال ذلك ولكن عند ما ينفصل عن دائرة الإيمان ، فمن الطبيعي أن يجزع مقابل أقل مشكلة وأدنى شدّة لأنّه يفتقد السند والدعامة الأساسية في حياته العملية ويجد نفسه وحيداً في مقابل تحدّيات الواقع الصعبة ، فلذلك يتعامل مع الحياة من موقع الحرص والبخل ولا يجد في نفسه اعتماداً وتوكلاً على الله تعالى الّذي بيده مفاتح الغيب وبالتالي لا يطمئن إلى غده وما سيواجهه في المستقبل من حوادث وأزمات.

والشاهد على هذا هو أنّ الآيات الّتي جاءت بعد هذه الآية استثنت المصلين من هذا الحكم العام على الإنسان ، ويحتمل أيضاً أنّ الآيات محل البحث كما هو الحال في كثير من الآيات الشريفة الّتي تصف الإنسان بأنه «ظلوم» و«جهول» و«يؤوس» و«كفور» و«طغى» وأمثال ذلك ، فتشير هذه الآيات إلى وجود بُعدين في كيان الإنسان : البُعد الّذي يأخذ بالإنسان ويصعد به إلى أعلى علّيين ، وهو ما يصطلح عليه بقوس الصعود ، والبُعد الآخر ما يجره إلى أسفل السافلين وهو قوس النزول.

ويرى العلّامة الطباطبائي في «الميزان» رأياً آخر في هذا الصدد ، فيقول بأن الحرص صفة من الصفات الذاتية للإنسان ومتفرعة على حبّ الذات ، وهي في الأصل ليست من الرذائل لأن حبّ الذات الّذي تتولد منه هذه الصفات هو المحور الأساس الّذي يسوق

٧٥

الإنسان إلى الكمال المعنوي ويدفعه نحو طريق السعادة الخالدة ، فهذه الصفات إنّما تكون ذميمة وقبيحة فيما لو لم يستخدمها الإنسان في الطريق الصحيح واللائق ، وفي الحقيقة أنّ هذه الصفات مثل سائر الصفات النفسانية الّتي إذا لزمت حدّ الاعتدال تُعدّ فضيلة وإذا تجاوزت إلى جهة الافراط أو التفريط فإنّها تكون من الرذائل.

وعلى أيّة حال فالآيات أعلاه تبين أنّ القرآن الكريم دعا جميع الناس إلى الإيمان والصلاة والدعاء والإنفاق في سبيل الله لإطفاء نار الحرص والبخل والجزع في وجوده وواقعه النفساني.

«الآية السادسة» تستعرض واقعة من الوقائع الّتي جرت في زمان صدر الإسلام حينما كان المسلمون يعيشون القحط والجوع وغلاء الأسعار ، وهناك وردت قافلة إلى المدينة محملة بالبضائع والمواد الغذائية من الشام وقد صادف دخول هذه القافلة الظهر من يوم الجمعة حيث كان النبي يخطب في الناس خطبتي الجمعة.

وقد كان المتعارف في ذلك الزمان أنّه عند ما تَرد قافلة إلى مدينة معيّنة تُدق الطبول ويُعزف على آلات الموسيقى حتّى يجتمع الناس بسرعة لشراء ما يحتاجونه من هذه القافلة ، وعند ما سمع المصلون صوت القافلة الواردة إلى المدينة ترك بعضهم من الّذين أسلموا حديثاً صلاة الجمعة وتوجّهوا إلى السوق لشراء البضاعة من القافلة في حين لم يكن لذلك ضرورة لازمة وكان من الممكن التوجّه إلى القافلة بعد إتمام صلاه الجمعة ، وعلى أيّة حال فلم يبق في المسجد سوى اثنا عشر رجلاً وامرأة واحدة ، فنزلت الآيات أعلاه تذم هؤلاء الّذين تركوا صلاة الجمعة بدافع الحرص على زخارف الدنيا ، وقد ورد في الحديث الشريف أنّ النبي قال حينها : لو لم يبق هؤلاء النفر لأمطرت السماء حجارة على الناس.

ويُستفاد من سياق الآية أعلاه أنّ التوجّه إلى السوق والقافلة لم يكن بدافع من تأمين الحاجات الضرورية للمعيشة بل بدافع من الهوى وسُماع الألحان الموسيقية لدى البعض ، وقد يكون بدافع من التجارة والربح المادي لدى البعض الآخر.

٧٦

وعلى أيّ حال فإنّ القرآن الكريم يبين هذه الواقعة بهذه العبارة (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً).

ثمّ يخاطب النبي الكريم بالقول (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

ويُحتمل أنّ البعض ترك الصلاة والنبي الأكرم وتوجّه إلى السوق والقافلة لتأمين حاجاته الضرورية للحياة (بالرغم من وجود الوقت الكافي لتهيئتها بعد الصلاة) ولكن التعبير أعلاه يبين بوضوح أنّ فئة من هؤلاء توجّهوا إلى القافلة بدافع من الحرص على شراء السع والبضائع بقيمة زهيدة ثمّ بيعها بأعلى الأثمان طمعاً في الثروة والمال الكثير ، وجماعة توجّهوا إلى القافلة بوحي الأهواء والنوازع النفسانية وبذلك حرموا أنفسهم من السعادة العظمى في حضور الصلاه مع النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وجاءت الآية السابعة» والأخيرة من الآيات محل البحث لتتحدّث عن الأشخاص الّذين يتحركون في تعاملهم مع الآخرين من موقع السخرية والاستهزاء وذلك بدافع من الغرور لما يعيشونه من حالة الثراء ويتصورون أنّ ذلك يسوّغ لهم الاستهزاء بالمؤمنين الفقراء.

فتقول الآية (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ* الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ* يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) فمثل هذا الشخص الّذي يجمع الأموال بدون حساب للحلال والحرام ويتصور أنّ هذه الأموال تؤدي إلى بقائه وخلوده وابتعاد الموت عنه أنّ هذه الثروة تُبيح له السخرية بالآخرين من الفقراء والمُعدمين.

جملة «عَدَّده» الناظرة إلى حساب الأموال من قِبَل أصحاب الثروة تشير إلى شدّة حرصهم وولعهم بهذه الأموال والثروات بحيث إنه كلّما ازدادت أموالهم ازدادوا حبّاً وشغفاً بها ولذلك فهم يعدّدونها دائماً ويجدون في ذلك لذّة كبيرة.

وجملة (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) هي في الواقع بمثابة العلّة للهمز واللمز المذكور في

٧٧

الآية الاولى ، أي أنّ الثروة الدنيوية الطائلة ادّت بهم إلى درجة من الغرور والسكر بحيث إنّهم كانوا ينطلقون من موقع السخرية والاستهزاء بفقراء المؤمنين وكانوا يتصورون انه ليس فقط هذه الأموال والثروات هي الخالدة مدى الدهر بل أصحاب الثروة كذلك.

إنّ دراسة حال أصحاب الدنيا العجيب وتعاملهم الغريب مع الواقع يرشدنا إلى ما يحيّر العقول من عجيب سلوكياتهم ، فترى البعض منهم رغم احاطتهم الوافرة بالعلوم المادية والطبيعية ليس لهم هدف سوى جمع الأموال والثروات ، وعند ما يُسألون هؤلاء عن هدفهم من جمع المال رغم أنّهم لا يمتلكون عائلة ولا ينطلقون في سفرات ترفيهية وسياحية ، فيجيبون بأننا نفرح بإضافة صفر أمام أرقام الأموال الموُدعة لنا في البنوك!

النتيجة النهائية :

من مجموع ما تقدّم من الآيات الشريفة وما ذكر لها من تفسير نستنتج أنّ مسألة الحرص والطمع وحبّ الدنيا والشغف بجمع الأموال والثروات أمر خطير جدّاً في دائرة المفاهيم القرآنية ، وهو مصدر لكثير من أشكال الشر والفساد ويُعد من أقوى الموانع في مسيرة تهذيب النفس وفي خط التكامل الأخلاقي والمعنوي.

الحرص وحبّ الدنيا في الأحاديث الإسلامية :

إن مفردة «الحرص» والكلمات المرادفة لها وردت في الأحاديث الإسلامية بشكل واسع على مستوى أبعادها ودوافعها ونتائجها السلبية حيث نختار منها نماذج معدودة :

١ ـ نقرأ في الحديث الشريف عن النبي الأكرم يخاطب فيه أمير المؤمنين فيقول : «اعْلَم يَا عَلِيُّ! انَّ الْجُبْنَ وَالْبُخْلَ وَالْحِرْصَ غَرِيزَةٌ وَاحِدَةٌ يُجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ» (١).

__________________

١ ـ ميزان الحكمة ، ج ١ ، ص ٥٨٨ ، رقم ٣١٣٩.

٧٨

٢ ـ وهذا المعنى والمضمون نجده بصورة اخرى في نهج البلاغة في عهد أمير المؤمنين لمالك الأشتر حيث أوصاه الإمام أن يحذر ويتجنب من استشارة البخلاء والجبناء وأهل الحرص والطمع فقال «انَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزٌ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ» (١).

فالشخص الّذي يحسن الظن بالله تعالى وقدرته المطلقة على الوفاء بالعهد وتأمين الرزق للعباد فإنه سوف لا يحرص أبداً على جمع الأموال والثروات.

الإنسان الّذي يعيش حالة التوكّل على الله ويؤمن بألطافه وعناياته فإنه لا يخشى غيره ولا يخاف أيّة قوّة غير قوته المطلقة.

والإنسان الّذي يأمل دائماً برحمة الله تعالى ولطفه فإنه لا يجد في نفسه بخلاً اطلاقاً.

أجل فإنّ المؤمن الكامل في توحيده وإيمانه بالله تعالى وبأسمائه وصفاته الحسنى فإنه لا يمكن أن يتلوث بهذه الخصال الثلاثة القبيحة والرذيلة رغم انها تشترك في الباطل بأصل واحد (ولهذا السبب نجد أحياناً انها تسمّى باسم غريزة واحدة وأحياناً اخرى بأسماء مختلفة لأنها متعدّدة في الظاهر ولكنها متحّدة في الباطن).

٣ ـ إنّ الحرص على الدنيا وملذاتها وزخارفها بإمكانه أن يورث الإنسان التعب والشقاء ويورّطه في السعي الدائب لتأمين رغباته الوهمية ، وقد ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين أنّه قال «الْحِرْصُ مَطِيّةُ التَّعَبِ» (٢).

٤ ـ وفي حديث آخر عن الإمام أمير المؤمنين أيضاً أنّه قال : «الْحِرْصُ عَنَاءٌ مُؤَبَّدِ» (٣).

وعند ما ندرس حالات الّذين يعيشون الحرص والطمع في حركة الحياة نرى مدى التعب والشقاء الّذي يعيشه هؤلاء ليل نهار في سبيل جمع الأموال والزخارف الدنيوية من دون الاستفادة منها ، وهذا شاهد صدق على الحديث المذكور آنفاً.

٥ ـ الإنسان الحريص لا يجد طعم الشبع أبداً ، ولهذا السبب فهو دائماً يسعى لجمع

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، الرسالة ٥٣.

٢ ـ غرر الحكم ، ح ٨٢٠ ، ميزان الحكمة ، ج ١ ، ص ٥٨٦ ، رقم ٣٥٩٦.

٣ ـ غرر الحكم ، ح ٩٨٢ ، ميزان الحكمة ، ج ١ ، ص ٥٨٦ ، رقم ٣٥٩٢.

٧٩

الأموال واكتناز الثروات حتّى لو لم ينتفع بها ، ولذلك ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قوله : «الْحَرِيصُ فَقِيرٌ وَلَوْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا» (١).

٦ ـ وقد ورد في الأحاديث الشريفة أنّ الأشخاص الّذين يتخلصون من شراك الحرص ولا يقعون اسرى الطمع هم الّذين يتمتعون بالغنى الباطني ، ومن ذلك قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث آخر «اغْنَى الْغِنَي مَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحِرْصِ أَسِيراً» (٢).

٧ ـ الحرص على جمع الأموال والماديات يُفضي بالإنسان إلى الوقوع في الهلكة ، وليست الهلكة المعنوية فقط بل في كثير من الأحيان تكون مصحوبة بالهلكة المادية أيضاً ، حيث نقرأ في الحديث الشريف عن رسول الله قوله : «انَّ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ اهْلَكَا مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَهُما مُهْلِكَاكُمْ» (٣).

٨ ـ إنّ الإنسان الحريص يُكبّل نفسه بالقيود يوماً بعد آخر إلى أن يوصد أمامه طريق النجاة والفلاح ، كما نقرأ في المثال الّذي ورد عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «مَثَلُ الْحَرِيصِ عَلَى الدُّنْيَا مَثَلُ دُودَةِ الْقَزِّ ، كُلَّمَا ازْدَادَتْ مِنَ الْقَزِّ عَلَى نَفْسِهَا لَفّاً كَانَ ابْعَدَ لَهَا مِنَ الْخُرُوجِ! حَتَّى تَمُوتَ غَمّاً!» (٤).

٩ ـ إنّ الحرص والطمع يهدم شخصية الإنسان ويسحق كلّ قيمة له في أنظار الناس كما يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام «الْحِرْصُ يَنْقُصُ قَدْرَ الرَّجُلِ ، فَلَا يُزِيدُ فِي رِزْقِهِ!» (٥).

١٠ ـ إنّ الحرص من الامور الّتي تؤدي إلى الكثير من الذنوب والخطايا والقبائح منها عدم مراعاة الحلال والحرام وترك احترام حقوق الآخرين والتلوث بأنواع الظلم والجور والعدوان ، ولذلك ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام من جملة ما أوصى به مالك الأشتر في عهده

__________________

١ ـ غرر الحكم ، ح ١٧٥٣ ، ميزان الحكمة ، ج ١ ، ص ٥٨٧ ، رقم ٣٦١٥.

٢ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣١٦ ، ح ٧٦ ، باب «حبّ الدنيا والحرص عليها».

٣ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣١٦ ، ح ٦ ، باب «حبّ الدنيا والحرص عليها».

٤ ـ غرر الحكم ، ح ١٥٥٠ ، تصنيف الغرر ، ص ٢٩٤.

٥ ـ غرر الحكم ، ح ٦٦٢٨.

٨٠