الأخلاق في القرآن - ج ١

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

الأخلاق في القرآن - ج ١

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : الأخلاق
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8139-05-9
ISBN الدورة:
964-8139-27-X

الصفحات: ٣٥٢

المرحلة الرابعة : محو الأنانيّة ، والفناء في مُقابل عظمة الحق.

وفي هذه المرحلة التي ينقطع الإنسان فيها عن التّعلقات المادية ، من الأهل والأموال والأولاد واللّذات ، تكون الشّهوات الماديّة والخياليّة قد تغيّرت وتبدّلت ، إلى تعلّقٍ وإرتباطٍ روحي ومعنوي ، والذي يبقى هو التّعلق بالذّات والنّفسٍ ، وهذا التعلّقً متجذّر وقويّ لدرجةٍ كبيرةٍ جدّاً ، ولشدّة ظهوره : خفي ، وتبقى ملاحظةٌ واحدةٌ وهي ، أنّ هدف السّالك في جميع هذه المراحل هو الوصول إلى لقاء الله ، وفي الواقع والباطن أنّ كلّ عمل يكون قد أدّاه هو له ولنفسه.

وبعبارة اخرى : كان يُريد الوصول إلى المقامات العليا ، والقُرب من الله تعالى ، والحصول على الكمالات المعنوية والروحية ، فكلّ ذلك كان بدافع النّفس والذّات ، وليس لِلهدف الأصلي ، ولذلك فهو عند وصوله لمثل هذا المقام يفرح غاية الفرح ، ولكن إذا وصل غيره إلى هذا المقام ، فسوف لن يكون فرحاً لهذا الحد ، وهنا يجب أن تُحذف «الأنا» وتُنسى ، ويكون المحبوب للسّالك هو تجلّي الله سبحانه ، لا من خلال حبّ الذّات ، أو بعبارةٍ أوضح ، يجب أن تُمحى «الأنا» ، وهي الحِجاب الأكبر والمانعُ الأقوى ، وآخر الحُجب للوصول إلى الله تعالى ولقائه.

ولإزالة هذا المانع ، توجد عدّة طرق :

١ ـ طريق التّوجه القلبي لله تعالى ، والتّوحيد الذّاتي والصّفاتي والأفعالي ، ومنه يفهم أنّ غيره لا شيء في مُقابله.

٢ ـ التّفكر والإستدلال للوقوف بوجه «الأنانية» وحجاب النفس ، بمعنى أن يرى أنّ الله تعالى غير محدودٍ بحدٍّ ، وهو الأزلي والحقّ المطلق ، والنفس هي الموجود المحدود في كلّ شيء ، وفي منتهى الضّعف والعجز والفقر والحاجة إلى الله تعالى ، ومن دون المدد الإلهي فإنّها لا تستطيع الصّمود ولا لِلِحظةٍ واحدةٍ.

٣ ـ المعالجة بالأضداد ، بمعنى أنّه كلّما أحسّ بوجود «الأنا» في وعيه ، يعالج هذا الموقف بالتّوجه لله والصّالحين من عباده ، لكي يعيش في الحضور الدّائم مع الباري تعالى.

المرحلة الخامسة : في هذه المرحلة يصبح السّالك إنساناً ملكوتياً ، ويدخل في عالم

١٢١

الجبروت!. والقصد من الدخول في مرحلة الجبروت ، هو أنّ الإنسان يصل إلى مرحلةٍ من الصّفاء والإخلاص ، يكون فيها مندّكاً في ذاتِ الله تعالى ، وله نفوذٌ وسلطةٌ على الامور ، فيتحرك في أداء وظائفه الإلهيّة ، وإرشاد الناس ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، من موقع المسؤولية والإنضباط في خط الرّسالة ، ويكون على بصيرةٍ كاملةٍ من أمره.

أو الأحرى ، ينسى نفسه ، ويكون على علمٍ بكلّ المسائل والوظائف والأحكام والآداب الشرعية ، وطرق السّير والسّلوك ، ويكون تشخيصه لِلأمراض والأدوية دقيق جدّاً ، كالطّبيب الحاذق الذي يعرف الدّاء والدّواء ويشخصه جيّداً (١).

والجدير بالذّكر أنّه قد استدلّ لكلّ هذه المطالب في كتابه ، بالآيات والرّوايات الإسلاميّة ، كشاهدٍ على مُدّعاه.

خلاصة ما تقدم من مذاهب السّير والسّلوك :

يُستفاد ممّا تقدّم من تعليمات أرباب هذا الفن ، والطريق : (الذين مشوا في نهج الإسلام الأصيل وطريق أهل البيت عليهم‌السلام لا المتصوفة) ، اصولٌ مشتركةٌ في عمليّةِ السّيرِ والسّلوك إلى الله وهي :

١ ـ أنّ الهدف الأصلي ، هو لقاء الله وشهود ذاته المقدسة ، بالبصيرة والحُضور الروحي المعنوي عنده.

٢ ـ للوصول لهذا الهدف ، ينبغي التّحرك أولاً من موقع التوبة من جميع الذنوب والرذائل الأخلاقية ، والتّحلي بالفضائل.

٣ ـ في هذا الطريق يجب أن لا ينسى الآداب الأربعة : المشارطة ، والمراقبة ، والمحاسبة ، والمعاقبة ، يعني يُشترط في الصّباح على نفسه ، أن لا يذنب ولا يخالف رضا الباري تعالى ، ويراقب نفسه في طول النّهار وفي اللّيل وعند النوم ، يجلس للمحاسبة ، وإذا ما صدرت منه مخالفةٌ يعاقب نفسه بتركه لأنواع اللّذائذ.

٤ ـ التّصدي لهوى النفس من موقع المخالفة ، لأنّ الهوى هو من أكبر السّدود في هذا

__________________

١ ـ للإطّلاع ، يرجى الرجوع إلى كتاب : «لقاء الله» ، للعلّامة الكبير المُصطفوي.

١٢٢

الطّريق ، ومخالفته هي من أوجب الواجبات.

٥ ـ التّوجه لأذكارٍ وأورادٍ وردت في الشّرع المقدس ، وأمثال : «لا حَولَ وَلا قُوَّةَ بِالله» ، وذكر (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ، وذكر «يا الله» و «يا حَيُّ» «يا قَيُّوم» وهي الزاد في هذا الطّريق والسبب للقوّة.

٦ ـ التوجه القلبي لحقيقة التّوحيد للذات والصّفات والأفعال لله تعالى ، والغرق في صفات كماله وجماله ، وهي زاد آخر لهذا الطريق الوعر المليء بالمطبّات والتّحديات الصعبة.

٧ ـ كسر أكبر الأصنام ، وهو صنم الأنانيّة والّذات الفرديّة ، وهو من أهم الشّروط للوصول للمقصود.

٨ ـ وقد إشترط البعض الإستعانة بالاستاذ ، والسّير في هذا الطريق تحت إشرافه ، فيكون كالطبيب الذي يعمل على معالجته ، والبعض لا يعتمدون على الاستاذ ، وحصل في كثير من الموارد ، وللأسف الشديد ، الوقوع في حبائل الشيطان ، وذلك بسبب الإعتماد على الاستاذ ، حيث يعتبرونه كالملاك ، فيذهب دينهم وإيمانهم وأخلاقهم إدراج الرّياح!.

ويرى البعض الآخر ، أنّ وظيفة الإرشاد والسير على هدي الأنبياء والأولياء ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هي آخر المراحل ، ولكن كثيراً منهم لم يذكروا شيئاً ، وتركوا السّالك بحاله.

والغرض من الإتيان بهذا البحث ، في المباحث الأخلاقية ، في هذا الكتاب ، هو :

أولاً : سرد عصارة من التّفكرات التي لها علاقة بالمباحث الأخلاقية ، حتى يتنور القاريء ويتحرك في طريق التّهذيب وإصلاح الذّات.

ثانياً : نحذّر طلاب الحقيقة ، أنّ الحدّ بين الحقّ والباطل ضيئل جدّاً ، فكثيرٌ من الشّباب من ذوي القلوب النّقية ، كان هدفهم الوصول إلى الحقّ والعين الصّافية ، ولكنّهم إنجرفوا في طريق الضّلالة ، وتركوا طريق العقل والشّرع ، ولذلك تاهوا في وادي الحيرة ، وغرقوا في مستنقع الخطيئة ، ولم يسلموا من مخالب الذّئاب الضّارية ، الذين يرتدون مسوح الزّهد والقداسة ، فأضاعوا وفقدوا كلّ ما لديهم.

١٢٣
١٢٤

١٠

هل يلزم وجود المُرشد في كلّ مرحلةٍ؟

يعتقد كثير من أرباب السّير والسّلوك ، أنّ السّائرين في طريق الكمال والفضيلة ، والتقوى والأخلاق ، والقرب إلى الله تعالى ، يجب أن يكونوا تحت إشراف الاستاذ والمرشد ، كما ذكر في رسالة السّير والسلوك للعلّامة بحر العلوم ، ورسالة لبّ الألباب للمرحوم العلّامة الطّباطبائي ، في الفصل الحادي والعشرون من وظائف السّائر إلى الله ، هو التّعليم والتعلم تحت نظر وإشراف الاستاذ ، سواء كان الاستاذ عالِم كالعلماء الذين مشوا في هذا الطريق ، أم الأساتذة الخصوصيين ، وهم الأنبياء الأئمة والمعصومين عليهم‌السلام.

ولكن المطّلعين من أهل الفن ، يُحذّرون السّائرين على طريق التّقوى والتّهذيب ، من عدم الإلتجاء بسهولة لأيٍّ كان ، وإذا لم يطمئنّوا إطمئناناً كافياً ، ولم يختبروا صلاحيتهم العلميّة والدينية ، فلا يسلّموهم أنفسهم ، ولا يكتفوا حتى بإخبارهم للمستقبليات ، ولا أعمالهم غير الطبيعيّة ، ولا حتى مرورهم على الماء والنار ، لأنّ صدور هذه الأعمال ممكن من المرتاضين غير المهذّبين أيضاً.

وقال البعض الآخر : إنّ الرّجوع للُاستاذ لازم في المراحل الأوليّة ، وأمّا بعد السّير وعبور عدّة مراحل ، فلا يحتاج إلى الاستاذ ، والرّجوع للُاستاذ الخصوصي وهو الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، حتّى نهاية المراحل ، يكون لازماً وضرورياً.

١٢٥

وقد إستدلوا على لزوم الرّجوع للُاستاذ تارةٌ ، بهذه الآية الشّريفة ، التي تقول : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١).

فرغم أنّها تتناول التعليم لا التربية ، ولكن الحقيقة أنّ التربية تعتمد على التّعليم في كثير من الموارد ، فلذلك يجب الرّجوع للمطلعين في مثل هذه الموارد ، وهذا المعنى يختلف إختلافاً واضحاً عن إختيار شخصٍ خاص ليكون ناظراً على أعمال وأخلاق الإنسان.

ويستشهد القائلون بضرورةِ المرشد تارةٌ اخرى ؛ بحكاية موسى مع الخضر عليهما‌السلام ، فقد كان موسى عليه‌السلام بحاجةٍ للخضر ، مع ما أنّه كان من الأنبياء وأولي العزم ، وقطع قسماً من الطّريق بمساعدته عليه‌السلام.

ولكن وبإلقاء نظرةٍ فاحصةٍ على قصّة موسى والخضر عليهما‌السلام ، نرى أنّ موسى عليه‌السلام عند ما تعلم من الخضر عليه‌السلام ، إنّما كان بأمر من الله تعالى لأجل الاطّلاع على أسرار الحكمة الإلهيّة بالنسبة للحوادث التي تحدث في هذا العالم ، والاخرى أنّ علم موسى عليه‌السلام كان عملاً ظاهرياً ، «ويتعلّق بدائرة التّكليف» ، وعلم الخضر عليه‌السلام علماً باطنياً ، (خارج عن دائرة التكليف) (٢) ، وهذا الأمر يختلف عن مسألة إختيار الاستاذ والمرشد ، في كل مراحل التّهذيب للنفس والسيّر في طريق التّقوى ، وإن كان يشير ولو بالإجمال إلى أهميّة كسب الفضيلة ، في محضر الاستاذ في خط التّكامل المعنوي.

وقد يستشهد لذلك أيضاً بحكاية لقمان الحكيم وإبنه ، فهو استاذ إلهي أخذ بيد إبنه وساعده في سلوك ذلك الطريق (٣).

ونقل العلّامة المجلسي في بحار الانوار ، عن الإمام السجّاد عليه‌السلام أنّه قال : «هَلَكَ مَنْ لَيسَ لَهُ حَكِيمٌ يَرشُدُهُ» (٤).

ولكن ومن مجموع ما ذُكر ، لا يمكن إستفادة لزوم المرشد في دائرة السّلوك الأخلاقي و

__________________

١ ـ سورة الأنبياء ، الآية ٧.

٢ ـ يرجى مراجعة تفسير الأمثل ، ذيل الآية ٦٠ إلى ٨٢ من سورة الكهف.

٣ ـ يرجى الرجوع لتفسير الأمثل ، في تفسير سورة لقمان.

٤ ـ بحار الانوار ، ج ٧٥ ، ص ١٥٩.

١٢٦

تهذيب النفس ، بحيث إذا لم يكن تحرك الإنسان في خطّ التّهذيب النّفسي والتّزكية الأخلاقية ، تحت إشراف المرشد ، فسوف يختل برنامج التربية والأخلاق والتّقوى ، ويتعطل السّير والسّلوك في حركة الواقع النفسي والمعنوي لدى الفرد ، لأنّ الكثير من الأشخاص إلتزموا بالرّوايات والآيات والأحاديث الإسلامية ، وعملوا بها ، ووصلوا إلى مقاماتٍ عالية ودرجاتٍ كبيرةٍ دون الإستعانة بمرشدٍ أو معلّمٍ خاصٍ على مستوى التّربية الأخلاقيّة ، وطبعاً لا يمكن إنكار فائدة الأساتذة والمرشدين وتوجيهاتهم القيّمة ، فهم عناصر جيّدة للوصول إلى المقصود من أقرب الطرّق ، ومعدّات فاعلةٌ لمواجهة المشاكل الأخلاقيّة لتحديات الواقع ، وحلّها وفق مستجدّات الواقع ومستلزمات العقيدة.

وجاء في نهج البلاغة أيضاً : «أيُّها النّاسُ استَصبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصبَاحٍ ، وَاعظٌ مُتَّعِظٌ» (١).

ولكن وللأسف نجد في كثير من الموارد ، أنّ النّتيجة كانت عكسيّة ، فكثير من الأشخاص عرّفوا أنفسهم بأنّهم مرشدون للناس في سلوك سبيل التّربية والتّهذيب ، ولكن اتّضح بأنّهم قطّاع طُرق ، وكمْ من الأشخاص الطّاهرين الطالبين للحقّ إنخدعوا بهم ، وساروا في طريق التّصوف أو الإنحراف ، وسقطوا في منحدر الرّذيلة ، وارتكبوا مفاسد أخلاقية كبيرة ؛ وعليه فنحن بدورنا نحذّر السّائرين على هذا الطّريق ، إذا ما أرادوا الإستفادة من الحضور ، عند استاذ ومرشدٍ في المسائل الأخلاقيّة ، فيجب أن يتوخّوا جانب الحذر والإحتياط ، وليتأكدوا من حقيقة الأمر ، ولا يغترّوا بالمظاهر الخادعة ، بل ليتفحّصوا عن سوابقهم ، وليشاوروا أصحاب الفنّ في هذا المجال ، كي يصلوا إلى غايتهم المنشودة.

دور الواعظ الداخلي (الباطني):

تكلّمنا عن دور الواعظ الخارجي بصورةٍ كافيةٍ ، والآن جاء دور الواعظ الداخلي ؛ حيث يستفاد من بعض الأخبار والروايات الإسلامية أنّ الضّمير الحيّ هو الواعظ الداخلي والباطني للإنسان ، وله دور مهم في السّير على طريقِ التّكامل الأخلاقي والتّقوى ، وبالأحرى

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ١٠٥.

١٢٧

لا يمكن السّير بدونه ، في مواجهة التحديات الصّعبة وقوى الإنحراف.

فقد جاء في حديثٍ عن الإمام على بن الحسين عليهما‌السلام ، أنّه قال :

«يا إبنَ آدمَ إِنَّكَ لا تَزَالُ بِخَيرٍ ما كانَ لَكَ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِكَ ، وَما كانَتِ الُمحاسَبَةُ مِن هَمِّكَ» (١).

ونُقل أيضاً عنه عليه‌السلام ، مشابهٌ لهذا المعنى ، مع قليلٍ من الإختلاف (٢).

وجاء في نهج البلاغة أيضاً ، أنّ :

«وَاعَلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَنْ عَلَى نَفْسِهِ حتّى يَكُونَ لَهُ مِنْها وَاعِظٌ وَزَاجرٌ ، لَم يَكُن لَهُ مِنْ غَيرِها لا زَاجرٌ وَلا واعِظٌ» (٣).

ومن البديهي أنّ الإنسان في هذا الطّريق يحتاج إلى واعظٍ قبل كلّ شيء ، ليكون معه في كلّ حال ، : ويعلم أسراره الداخلية ، ويكون رقيباً عليه ومعه دائماً ، وأيّ عاملٍ أفضل من الواعظ الداخلي وهو الوجدان ، يتولي القيام بهذا الدّور ، وينبّه الإنسان إلى منزلقات الطّريق ، وتعقيدات المسير ، ويصدّه عن الإنحراف والسّقوط في الهاوية.

ونقرأ في حديثٍ عن الإمام عليّ عليه‌السلام :

«إِجْعَلْ مِنْ نَفْسِكَ عَلى نَفْسِكَ رَقِيباً» (٤).

وجاء في حديثٍ آخر عنه عليه‌السلام :

«يَنبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُهَيمِناً عَلى نَفْسِهِ مُراقِباً قَلْبَهُ ، حافِظاً لِسانَهُ» (٥).

__________________

١ ـ بحارالأنوار ، ح ٧٥ ، ص ١٣٧.

٢ ـ المصدر السابق.

٣ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ٩٠.

٤ ـ غرر الحكم.

٥ ـ المصدر السابق.

١٢٨

١١

العناصر اللّازمة لتربية الفضائل الأخلاقيّة

إضافةً لما ذكرنا من برنامج للصّعود بالإنسان في أجواء التربية الأخلاقيّة ، يوجد هناك عناصر اخرى ، لها أثرها الكبير في منح الإنسان قوّة التّصدي ، لحالات الضعف أمام الرّذائل الأخلاقيّة ، وتقوية اصول الفضائل في واقع الإنسان ، وحركته التّكاملية في الحياة ، ومنها :

١ ـ طهارة وصفاء المحيط

ممّا لا شك فيه أنّ المحيط الذي يعيش فيه الإنسان ، يعكس أثره الكبير على سلوكيّات وروحيّات ذلك الإنسان ، حيث يسترفد كثيراً من صفاته وأفعاله من المحيط الإجتماعي والثّقافي ، فالمحيط النّظيف والطّاهر غالباً ما يفرز اناساً طاهرين ، والعكس صحيح.

ورغم أنّ الإنسان يمكن أن يعيش نظيفاً وطاهراً في الوسط الملّوث ، وبالعكس يمكنه أن يسير في طريق الرّذيلة والإثم في المحيط الطّاهر ، وبعبارةٍ اخرى إنّ الظّروف الإجتماعيّة والثّقافية التي يعيش فيها الإنسان ، ليست العلّة التّامة في صلاح وإنحراف الإنسان ، ولكنّها يمكن أن تُهيىء الأرضية لذلك قطعاً ، وهذا ممّا لا يقبل الإنكار.

وقد يقول البعض ، بأنّ الإنسان يخضع لإجبار المحيط والمجتمع ، «فيبقى الإنسان كما هو الموجود فعلاً» ، ولكننا ننكره جملة وتفصيلاً ، من دون أن ننكر دور العوامل القويّة في عمليّة

١٢٩

إخضاع الفرد لمتطلبات الواقع وتحدياته ، في أجواء التّفاعل الإجتماعي.

بعد هذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم ، ونقرأ الآيات التي تؤيّد تأثير المحيط في شخصيّة الإنسان ، بالدّلالة الإلتزاميّة ، أو المطابقيّة للكلام ، لنستوحي منها المفهوم القُرآني في هذا الإطار :

١ ـ (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)(١).

٢ ـ (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)(٢).

٣ ـ (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً)(٣).

٤ ـ (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)(٤).

٥ ـ (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً)(٥).

تفسير وإستنتاج :

«الآية الاولى» تحدّثت عن تأثير المحيط في أعمال وأفعال الإنسان ، ببيانٍ لطيفٍ وجذّابٍ ، وقد إختلف المفسّرون في تفسير هذه الآية ، وذهب كلّ واحدٍ منهم إلى رأي ...

فبعضهم قال : إنّ المراد منها ، أنّ ماء الوحي الرّقراق كقطرات المطر ، ينزل على أرض

__________________

١ ـ سورة الاعراف ، الآية ٥٨.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية ١٣٨.

٣ ـ سورة نوح ، الآية ٢٦ و ٢٧.

٤ ـ سورة العنكبوت ، الآية ٥٦.

٥ ـ سورة النساء ، الآية ٩٧.

١٣٠

القلوب فترتوي منه القلوب الطاهرة ، وتنبتُ ورود المعرفة وفواكه التّقوى والطّاعة اللّذيذة ، ولكن القلوب السّوداء والملوثة ، لا تتأثر به من موقع الإستفادة في حركة الحياة ، وعند ما نرى أنّ ردود الفعل ، قبال دعوات الأنبياء ، وتعاليم الوحي ليست متساوية عند الجميع ، فهذا لا يدلّ على وجود النقص والخلل في فاعليّة الفاعل ، بل أنّ الإشكال إنّما هو في قابليّة القابل (١).

والأمر الآخر أنّ الغرض من بيان هذا المثال ، هو أن يكون طلب الفضائل والمحاسن من محلّها المناسب ، لأنّ السّعي في المحل غير المناسب ليس هو إلّا إهدار وتضييع للطاقات (٢).

الإحتمال الثالث ، في تفسير هذه الآية ويمكن الإستفادة منه هنا ، هو أنّ في هذا المثال شبّه الإنسان بالنبات ، ولكن الأرض التي تنبت فيها النباتات إمّا حلوة أو سبخة ، ممّا تنعكس تأثيراته على النّبات أيضاً ، وفي المحيط الملّوث ، لا يمكن تربية الإنسان في إطار التعاليم الإلهيّة والقيم الأخلاقيّة ، مهما كانت التعليمات وأساليب التربية قويّةٌ ومؤثرةٌ ، فكما أنّ قطرات المطر المُوجبة لبعث الحياة للأرض ، لا يمكن أن تؤثر في الأرض السّبخة ، فكذلك الحال في عناصر التربية في المحيط الملّوث ، وبناءً عليه ، يجب علينا أن نهتم بإصلاح المحيط الإجتماعي ، والثّقافي ، الذي نعيشه ونتفاعل معه دائماً ، للتوصل إلى تهذيب النفوس ، وتحكيم الأخلاق الصالحة ، في واقع الإنسان والحياة.

وبالطّبع لا يوجد تقاطع بين التفسيرات الثلاثة المتقدّمة ، والمثال الآنف الذّكر ، يمكن أن يكون ناظراً لهذه التفسيرات الثّلاثة على السّواء.

نعم ، فإنّ المحيط الإجتماعي الملّوث بالرذيلة ، هو عدوّ للفضائل الأخلاقيّة ، والحال أنّ المحيط السّالم والطّاهر ، يهيىء أحسن وأفضل الفرص ، لغرض تهذيب النّفوس ، في معارج الكمال الرّوحي والمعنوي.

وقد ورد في الحديث المعروف عن الرّسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله مُخاطباً أصحابه :

«إِيّاكُم وَخَضراءِ الدِّمَنِ» ، قِيلَ يا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ خَضراءُ الدِّمَنِ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «المَرأةُ

__________________

١ ـ هذا التفسير جاء به الفخر الرازي ، وأتى به بعنوان الإحتمال الأول في معنى الآية ، : (تفسير الفخر الرازي ، ج ١٤ ، ص ١١٤) ونقله جماعَة اخرى عن إبن عباس

٢ ـ جاء هذا التفسير في مجمع البيان ، في تفسيره لسورة الحديد في ذيل الآية الآنفة الذكر.

١٣١

الحَسناءِ فِي مَنْبَتِ السُّوءِ» (١).

هذا التّشبيه البليغ ، يمكن أن يكون إشارةً ، لتأثير المحيط الصّالح والسّيء في شخصية الإنسان ، على المستوى الإيجابي والسّلبي ، أو هو إشارةٌ لمسألة الوراثة ، وتأثيرها على مُجمل الشّخصية ، أو إشارةٌ للإثنين معاً.

وفي «الآية الثانية» : إشارةٌ لقوم بني إسرائيل ، الّذين بقوا لسنواتٍ طويلةٍ ، تحت إشراف وتعليمات النّبي موسى عليه‌السلام ، في عمليّة الهداية الرّوحية والمعنويّة ، وفي مجال التوحيد وسائر الاصول الدينيّة ، ورأوا بامّ أعينهم المعجزات الإلهيّة ، كإنفلاق البحر لهم ، ونجاتهم من براثن فرعون وجنوده ، ولكن وبمجرد أن صادفوا في طريقهم للشام والأرض المقدسة ، قوماً يعبدون الأصنام ، تأثّروا بهم وبمحيطهم الملّوث ، وقالوا : (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ).

فتعجّب موسى عليه‌السلام من هذا الإنقلاب ، وغضب غضباً شديداً ، من قولهم هذا وقال لهم : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ).

وأخذ يبيّن لهم مفاسد عبادة الأصنام.

والعجيب أنّ قوم بني إسرائيل ، وبعد التّوضيحات الصّريحة والمكرّرة لموسى عليه‌السلام ، بقوا تحت تأثير هذا المحيط المسموم السّلبي ، بحيث إستطاع السّامري أن يتحرك من موقع إغوائهم ، وتفعيل عناصر الإنحراف لديهم في غيبة موسى عليه‌السلام ، والّتي إستغرقت عدّة أيّام ، حيث صنع لهم صنماً من ذهبٍ ، وتبعه الغالبيّة من هؤلاء القوم ، وتحوّلوا من أجواء التّوحيد إلى أجواء الشّرك.

فهذا الأمر يمثل علامةً واضحةً على تأثير المحيط السّلبي ، في صياغة السّلوك الإنساني ، من موقع الانحراف والزيغ في دائرة المسائل الأخلاقية ، بل وحتّى العقائديّة أيضاً ، ولا شك أنّ بني إسرائيل وقبل مرورهم باولئك القوم ، كانت لديهم الأرضيّة المساعدة لعبادة الأصنام ، وذلك إثر بقائهم مع الوثنييّن المصرييّن لمدةٍ طويلةٍ ، فعند ما رأوا ذلك المنظر ، عادوا في دائرة الذّاكرة إلى ذلك الماضي الأسود ، وعلى كل حال فإنّ كلّ هذه الامور ، هي دليل واضح على تأثير

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ١٩ ، ح ٧ ـ بحار الانوار ، ج ١٠٠ ، ص ٢٣٢ ، ح ١٠.

١٣٢

المحيط الإجتماعي ، في أخلاق وعقائد الإنسان في حركة الواقع النّفسي.

وفي «الآية الثالثة» : نجد شاهداً آخر على تأثير المحيط على أفكار وأفعال الإنسان ، وهو ما نراه في سلوك نوح عليه‌السلام ، ودعاؤه على قومه الكفّار بالفناء والَمحق.

إنّ نوحاً عليه‌السلام لم ينطلق في دعائه عليهم من موقع الذات والانفعال ، بل من موقع العقل والبرهان ، فقال الله تعالى في القرآن الكريم ، على لِسان نوحٍ : (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً).

فهم في الحال الحاضر كفّار ومنحرفون ، وفي حالة إستمرارهم في التّكاثر والتّناسل فسوف يؤثّرون على أولادهم في عمليّة الإيحاء لهم بالكفر ، ويربّوهم تربيةً منحرفةً.

ومن «الآيتين الرابعة والخامسة» ، نستوحي لزوم الهجرة من المجتمع والمحيط المنحرف ، حيث يخاطب الباري تعالى عباده في الآية الرابعة ، يقول : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ).

وفي الآية الخامسة ، يحذّر المؤمنين من البقاء في المجتمع الغارق في الضّلالة ، ويؤكّد لهم لزوم الهجرة ، وأنّ عذرهم غير مقبول في حالة البقاء والتكاسل ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً).

وفي الحقيقة إنّ مسألة الهجرة هي من الاصول الأساسيّة في الإسلام ، وقد شيّد الإسلام دعائمه عليها ، حيث تتضمن عمليّة الهجرة ، حكمٌ وغاياتٌ عديدةٌ وأهمّها الهروب والفرار من المحيط الملّوث ، والنجاة من تأثيراته السيّئة على واقع الإنسان ومحتواه الداخلي.

وليست الهجرة مختصة بزمان صدر الإسلام ، كما يعتقد البعض ، بل هي جارية في كلّ عصرٍ وزمانٍ يتعرض فيها المسلمون لضغوط قوى الشرك والفساد والكفر ، التي تشكّل عناصر ضغطٍ على الرّوح المنفتحة على الله والخير ، وليفرّوا بدينهم وأخلاقهم وعقائدهم من أجواء المحيط الملّوث ، فجاء في الحديث عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«مَنْ فَرَّ بِدِينِهِ مِنْ أَرْضٍ إِلى أَرْضٍ وَإِنْ كانَ شِبراً مِنَ الأَرضِ إِستَوجَبَ الجَنَّةَ وَكانَ

١٣٣

رَفِيقَ مُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله وَإِبراهِيمَ عليه‌السلام» (١).

فالتأكيد على مقدار الشّبر ، إنّما يدلّ على أهميّة المسألة في دائرة الإحتفاظ بالإيمان ؛ فلو تسنّى للإنسان ذلك ، وبأيّ مقدارٍ وأيّ زمانٍ ومكانٍ ، فمعناه التوافق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإبراهيم عليه‌السلام في خطّ الرّسالة والدّين.

والخلاصة ، أنّ المحيط والمجتمع الذي يعيش فيه الإنسان ، كان ولا يزال عاملاً مهمّاً في تكوين وصياغة شخصية الإنسان ، وأخلاقه ومؤثّراً فيها ، وإن كان الأمر ليس على وجه الجَبر ، وبناءً على ذلك فإنّ تطهير أجواء المحيط الإجتماعي من أهم العوامل لتهذيب الأخلاق وتربية الملكات الفاضلة في المحتوى الداخلي للإنسان.

وإذا لم يستطع أنّ يغيّر الإنسان من أجواء المحيط شيئاً ، فيجب عليه أن يُهاجر ويترك ذلك المحيط الغارق في الزّيغ والضّلالة ، وكما أنّ الإنسان ، وعند ما تتعرض حياته المادية للخطر ، يتحرك من موقع الإبتعاد والهجرة من أرضه ، فكذلك عليه أن يُهاجر منها ، عند ما تتعرض قِيمَهُ الأخلاقيّة وحياته المعنويّة ، التي هي أهم من حياته الماديّة ، للخطر ... ، ولا ينبغي أن يتذرّع بأنواع الحجج والأعذار ، ليبقى فيها بحجّة أنّها أرضي وأرضَ آبائي ... ، وغير ذلك من الأعذار والتّبريرات الواهية ، ويستسلم لعناصر التّلوث والإنحراف التي تؤثر عليه وعلى أولاده ، في الدائرة السّلبية ولا يهاجر منها؟

فيتوجب على جميع علماء الأخلاق ، أن يتحركوا في عمليّة التربية ، لغرض إحياء الفضائل الأخلاقية ، وتفعيل عناصر الخير والإيمان ، من خلال إصلاح المحيط والمجتمع ، وبدون ذلك ، فإنّ السّعي الفردي والآني في هذا الخط ، سيكون أثره ضعيفاً في حركة التّربية والتّهذيب.

٢ ـ دور الأصدقاء والعِشرة

والموضوع الآخر ، الذي أثبتت التجربة تأثيره العميق على السلوك الأخلاقي ، وإتّفق عليه جميع علماء الأخلاق والتربية والتعليم ، هو عنصر الأصدقاء ودور المعاشرة معهم ، ففي

__________________

١ ـ نور الثقلين. ج ١ ، ص ٥٤١.

١٣٤

حال كون الصّديق فاسداً ومنحرفاً ، في دائرة السّلوك الأخلاقي ، فسيؤثّر على صديقه السليم ، من موقع الانحراف كذلك ، والعكس صحيح أيضاً ، فالكثير من المؤمنين ، والأقوياء الإرادة ، إستطاعوا أن يؤثّروا على زملائهم الفاسدين ، على مستوى الهداية والإصلاح ، بحيث جعلوا منهم اناساً أتقياء ، وملتزمين في دائرة السّلوك الدّيني والأخلاقي.

ونعود للقرآن الكريم ، والآيات الّتي تتناول هذ الموضوع :

١ ـ (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ* وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ* حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ)(١).

٢ ـ (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ* يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ* أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ* قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ* فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ* قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ* وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)(٢).

٣ ـ (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً)(٣).

تفسير وإستنتاج :

الآيات الاولى ، التي وردت في محلّ البحث ، تحدّثت عن جلوس الشّيطان ، مع الغافلين عن ذكر الله ، من منطق الغُواية ، وتوضح تأثير قرين السّوء ، في السّلوك الأخلاقي للإنسان ومستقبله ، فتقول أولاً : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)(٤).

__________________

١ ـ سورة الزخرف ، الإية ٣٦ إلى ٣٨.

٢ ـ سورة الصافات ، الآية ٥١ إلى ٥٧.

٣ ـ سوره الفرقان ، الآية ٢٧ إلى ٢٩.

٤ ـ ذكروا معانٍ مختلفة لكلمة «نُقيّض» ، والتي هي من مادة قيض ، فالبعض قال : إنّها بمعنى التسبيب ، والبعض الآخر : بمعنى التقدير ، والبعض الآخر : كالراغب قال : هي بمعنى إستيلاء القيض على البيض ، وهو القشر الأعلى.

١٣٥

وبعدها يُبيّن القرآن الكريم ، دور قرين السّوء في حركة الإنسان والحياة ، فإنّ الشّياطين يوصدون طريق الهداية والحركة إلى الله تعالى ، أمام الإنسان ، ويقفوا عقبةً في طريق الوصول إلى الهدف المقدس ، والأنكى من ذلك ، أنّ هؤلاء المنخدعين يحسبون أنّهم مهتدون : (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ).

وبعدها يتطرّق القرآن الكريم إلى النتيجة ، فيقول : إنّ هذا الإنسان عند ما يرد في عرصات القيامة ، وعند حضور الجميع عند الله تبارك وتعالى ، وكشف الأسرار والحقائق ، يقول لقرينه الشّيطاني : (حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ).

حيث نستوحي من هذه التعبيرات ، بأنّ قرين السّوء ، يمكن أن يحرف الإنسان من موقع الأغواء ، عن طريق الباري تعالى ، ويصدّه عن سبيل الهداية والصّلاح ، فيهدم عليه دعائم الأخلاق ، ويشوّه الواقع النّفسي والفكري له ، فينخدع هذا المسكين ويحسب أنّه على هدىً ، فإرجاعه عن غيّه ، والعودة به إلى الصّراط المستقيم ، سيكون ضرباً من المحال ، ولن يستيقظ من أوهام الغفلة ، إلّا وقد فات الأوان ، وبعد غلق طريق العودة عليه.

وكذلك يُستفاد من الآية الشريفة ، أنّ قرين السّوء يبقى دائماً مع الإنسان في حياته الاخرويّة الأبديّة ، وكم هو مؤلم ، أن يرى الشّخص المسبّب في بؤسه وهلاكه ، يعيش معه دوماً ، ولن تنفع معه اليوم الأماني والآمال بالإنفصال عنه ومفارقته ، فيقول : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ)(١).

وفي مضمون الآيات الآنفة الذّكر ، الآية (٢٥) من سورة فصّلت ، فتقول :

(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ).

«الآية الثانية» : من هذه الآيات محل البحث ، تتحدث عن الأشخاص الذين عاشوا مع

__________________

١ ـ سورة الزخرف ، الآية ٣٩.

١٣٦

أصحاب السّوء ، وكانوا يتحركون معهم في أجواء الضّلالة والإنحراف ، ولكن اللّطف الإلهي شملهم ، وإستطاعوا بسعيهم وجدّهم في التّحرك بعيداً عن وساوس الشّيطان ، وأنقذوا أنفسهم من الوقوع في براثنه ، بعد أن كانوا قد وصلوا إلى حافّة الهاوية ، فُهنا يتحدث القرآن الكريم عن تأثير قرين السّوء في تكوين عقائد الإنسان وأخلاقه ، ولكن ليس بالشّكل الذي يكون فيه الإنسان مجبوراً وغيرُ قادرٍ على إنقاذ نفسه من شراك الزيغ فقال : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ* قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ* أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ)(١).

وفي هذا الأثناء يذكر قرينه القديم ، ويشرع بالبحث عنه ، فينظر من أعالي الجنّة ، فإذا به يراه في أعماق الجحيم : (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ).

فقال له : (قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ* وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ).

فنرى من هذه الآيات ، أنّ قرين السّوء بإمكانه أن يؤدي بالإنسان إلى الجحيم ، لو لا الإيمان والتّقوى ولطف الله تعالى في واقع الإنسان.

وفي «الآية الثالثة» : نرى التأسف الشّديد والتأثرّ العميق ، الذي يعيشه الظالمون في يوم القيامة ، بسبب إختيارهم ومصاحبتهم لأصدقاء السّوء ، لأنّهم كانوا العامل الأساس في محنتهم الفعلية :

(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً).

وبناءً على ذلك فإنّ الظّالم في يوم القيامة ، أول ما يتأسف على تركه الرّسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقطعه للعلاقة معه ، وبعدها يتأسف على توثيق العلاقة مع أصدقاء السّوء ، وبعدها يصرّح ، أنّ

__________________

١ ـ سورة الصافات ، الآية ٥٠ إلى ٥٣.

١٣٧

العامل الأصلي لضلاله ، هو نفس هؤلاء الأصدقاء المنحرفين ، ومرضى القلوب ، وأن تأثيرهم عليه كان أشدّ من تأثير النداءات الإلهيّة : (طبعاً عند المنحرفين فقط).

وأمّا «الآية الأخيرة» : فقد تحدثت عن أصدقاء السوء ، وعبّرت عنهم بجنود الشيطان وأنّهم من شياطين الإنس ، والجدير بالذكر ، أنّ التعبير عن تأسّف هذه الجماعة ، ورد بجملة : «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ...» ، وهي أعلى مراحل التّأسف ، ففي البداية ، يعضّ الإنسان إصبعه بدافع الندم ، وفي مرحلةٍ أقوى يعضّ باطن كفّه ، وفي مرحلةٍ أشدّ يعضّ على يديه الإثنتين ، وهو في الحقيقة نوعٌ من الإنتقام من نفسه ، وأنّه لماذا قصّر في حقّ نفسه ورماها في التهلكة؟

فما يُستفاد من الآيات الآنفة الذّكر ، هو أنّ الأصدقاء والأصحاب ، لهم أثرهم الكبير في سعادة أو شقاء الإنسان ، ليس على مستوى التّأثير في السّلوك الأخلاقي فحسب ، بل وعلى مستوى العقائد أيضاً ، فهنا يجب على المرشد أن يهتم في عمليّة صيانة الأفراد من الزيغ والإنحراف ، ويرعاهم بتوجيهاته بعيداً عن أجواء التلوّث ، وخصوصاً في عصرنا الحاضر ، الذي إنتشرت فيه وسائل الفساد ، عن طريق رِفاق السّوء بصورةٍ مُخيفةٍ ، وأصبحت سبباً من أسباب الإنحراف والسّير في خطّ الباطل.

دور الأخلّاء في الرّوايات الإسلاميّة :

وردت روايات وأحاديث مستفيضة في هذا المضمار عن الرّسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّة الأطهار عليهم‌السلام ، تعكس أهميّة هذه المسألة ، ففي حديث الرّسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : «المَرءُ عَلى دِينِ خَلِيلِهِ وَقَرِينِهِ» (١).

وجاء هذا المعنى أيضاً في حديثٍ آخر ، نقل عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال :

«وَلا تَصحَبُوا أَهْلَ البِدَعِ وَلا تُجالِسُوهُم فَتَصيرُوا عِنْدَ النّاسِ كَواحِدٍ مِنْهُم».

__________________

١ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٧٥ : باب مجالسة أهل المعاصي ، ح ٣.

١٣٨

قالَ رَسُولُ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «المَرءُ عَلى دِينِ خَلِيلِهِ وَقَرِينِهِ» (١).

ونفس هذا المعنى ورد عن الإمام علي عليه‌السلام أيضاً ، وفيه تصوير عن حالة التّأثير المُتقابل ، في دائرة التّفاعل المشترك بين الأفراد فقال :

«مُجالَسةِ الأخيارِ تَلحَقُ الأَشرارِ بالأخيارِ وَمُجالِسةِ الأَبرارِ لِلفُجَّارِ تَلحَقُ الأبرارِ بِالفُجَّارِ».

وجاء في ذيل هذا الحديث ، عبارةٌ في غاية الأهميّة ، حيث يقول : «مَنْ إِشتَبَهَ عَلَيكُمِ أَمرُهُ وَلَم تَعرِفُوا دِينَهُ فانظُرُوا إِلى خُلَطائِهِ» (٢).

وفي بعض الروايات ، ورد هذا المعنى في دائرة الّتمثيل ، فقال : «صُحبَةُ الأَشرارِ تَكسِبُ الشَّرَّ كَالرِّيحِ إُذا مَرَّتْ بِالنَّتِنِ حَمَلَتْ نَتِناً» (٣).

ويُستفاد من هذه التّعبيرات : أنّه وكما أنّ المعاشرة والصّحبة للأراذل ، تهيىء الأرضية لحركة الإنسان نحو الانزلاق في طريق الشر ، فإنّ المعاشرة مع الأَخيار تنير قلب الإنسان بضياء الهدى ، وتحُيي فيه عناصر الخير.

ونقرأ هذا المعنى في حديث عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنّه قال : «عَمارَةُ القُلُوبِ في مُعاشَرَةِ ذَوِي العُقُولِ» (٤).

وجاء في حديثٍ آخر عنه عليه‌السلام ، أنّه قال : «مُعاشَرَةُ ذَوِي الفَضائِلِ حَياةُ القُلُوبِ» (٥).

فتأثير الُمجالسة على قدرٍ من الأهميّة ، بحيث قال فيه النّبي سليمان عليه‌السلام :

«لا تَحْكُمُوا عَلى رَجُلٍ بِشيءٍ حَتّى تَنْظُرُوا إِلى مَنْ يُصاحِبُ فَإِنَّما يُعْرَفُ الرَّجُلُ بِأَشكَالِهِ وَأَقرَانِهِ ؛ ويُنْسَبُ إِلى أَصحابِهِ وَأَخدَانِهِ» (٦).

ونقرأ في حديثٍ جاء عن لقمان الحكيم ، في نصائحه لإبنه ، فقال له :

__________________

١ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٧٥ : باب مجالسة أهل المعاصي ، ح ٣.

٢ ـ كتاب صفات الشيعة ، للصدوق ، (طبقاً لنقل بحار الانوار ، ج ٧١ ، ص ١٩٧).

٣ ـ غُرر الحِكم.

٤ ـ المصدر السابق.

٥ ـ المصدر السابق.

٦ ـ بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ١٨٨.

١٣٩

«يا بُنَيَّ صاحِبِ العُلَماءَ ، وأَقرِبْ مِنْهُم ، وَجالِسهُم وَزُرهُم فِي بِيُوتِهِم ، فَلَعَلَّكَ تَشْبَهُهُم فَتَكُونَ مَعَهُم» (١).

وعلى كلّ حال ، فإنّ الرّوايات الشّريفة ، مليئة بمثل هذه النصائح ، في دائرة الإهتمام بالرّفقة وأثر الصّديق في أخلاق وسلوك الإنسان ، ولو جُمعت في إطارٍ واحدٍ لأمكن تأليف بحثٍ شاملٍ كاملٍ في هذا المضمار.

ونختم الكلام بحديث عن الإمام علي عليه‌السلام ، في وصاياه لإبنه الحسن الُمجتبى عليه‌السلام :

«قارِنْ أَهْلَ الخَيرِ ، تَكُن مِنْهُم ، وبايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ مِنْهُم» (٢).

تأثير العِشرة في التحليلات المنطقيِّة :

يقولون : إنّ أحسن وأفضل دليلٍ لإمكان الشيء ، هو وقوعه ، وفي موضوع بحثنا ، فإنّ رؤية نماذج عينيّة من مُعاشرة بعض الأفراد للأراذل ، وكيف أنّها أصبحت مصدراً لأنواع المفاسد والإنحرافات الخُلقيّة لهم ، وبالعكس ، فإنّ مُصاحبة الأخيار ، ساهمت لدى البعض ، على تطهير أنفسهم ، من شوائب الرّذيلة والزّيغ ، وهذه الموارد هي خير دليلٍ على بحثنا هذا.

فالتشبيه القديم القائل : إنّ الأخلاق القبيحة ، مثل الأمراض السّارِيَة ، تنتشر بين الأصدقاء والأقارب بسرعةٍ فائقةٍ ، هو تشبيهٌ صحيحٌ ، خصوصاً في الموارد التي يكون فيها الشخص ، حَدث السّن أو ضعيف الإعتقاد والإيمان ، وتكون نفسه مستعدّةً لقبول أخلاق الآخرين ، فالمُعاشرة لمثل هؤلاء الأفراد ، مع أصدقاء السّوء ، تكون بمثابة سهمٍ مُهلكٍ وقاتلٍ في دائرةِ الإيمان ، وعناصر الخَير في الشّخصية ، وقد شاهدنا الكثير من الأفراد والأشخاص من الطيّبين ، الذين تغيّروا بالكامل بسبب معاشرتهم لرفقاء السوء ، وتحوّل مجرى حياتهم من أجواء الخير إلى أجواء الشّر ، وهُناك إثباتاتٌ وأدلّةٌ مختلفةٌ من تقرير هذه الحالةٌ في واقع الإنسان من النّاحية النّفسية والرّوحية :

__________________

١ ـ بحارالأنوار ، ج ٧١ ، ص ١٨٩.

٢ ـ نهج البلاغة ، وصيّة الإمام علي عليه‌السلام للإمام الحسن عليه‌السلام (رسالة ٣١).

١٤٠