التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٩

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٩

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0683-3
الصفحات: ٣٥٥

وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(٧٢)

أى : أن هؤلاء المشركين الذين ينازعونك فيما جئتهم به من عند ربك ، يتركون ما تدعوهم إليه ـ أيها الرسول الكريم ـ من إخلاص للعبادة لله ـ تعالى ـ ويعبدون من دونه ـ سبحانه ـ آلهة أخرى لا دليل لهم على عبادتها من عقل أو نقل.

إذ قوله ـ سبحانه ـ : (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) نفى لأن يكون لهم دليل سمعي على عبادتها وقوله ـ تعالى ـ : (وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) نفى لأن يكون لهم دليل عقلي على عبادتها.

والتنكير في قوله : «سلطانا ، وعلم» للتقليل. أى : لا دليل لهم أصلا لا من جهة السمع ، ولا من جهة العقل ، ومع ذلك يتمسكون بهذه العبادة الباطلة.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) تهديد بسوء المصير لهؤلاء المشركين.

أى : وما للظالمين الذين وضعوا العبادة في غير موضعها ، من نصير ينصرهم من عقاب الله وعذابه ، لأنهم بسبب عبادتهم لغير الله ـ تعالى ـ ، قد قطعوا عن أنفسهم كل رحمة ومغفرة.

ثم بين ـ سبحانه ـ أنهم بجانب ضلالهم ، تأخذهم العزة بالإثم إذا ما نصحهم الناصحون بالإقلاع عن هذا الضلال فقال : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ ، يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا ..).

وقوله (يَسْطُونَ) من السطو ، بمعنى الوثب والبطش بالغير. يقال : سطا فلان على فلان ، إذا بطش به بضرب أو شتم أو سرقة أو ما يشبه ذلك.

أى : وإذا تتلى على هؤلاء الظالمين ، آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، من قبل عبادنا المؤمنين (تَعْرِفُ) ـ أيها الرسول الكريم ـ (فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) بهذه الآيات البينات (الْمُنْكَرَ) أى : ترى في وجوههم الإنكار لها ، والغضب منها ومن قارئها ، والكراهية والعبوس عند سماعها.

بل ويكادون فوق ذلك ، يبطشون بالمؤمنين الذين يتلون عليهم آياتنا ، ويعتدون عليهم بالسب تارة ، وبالضرب تارة أخرى.

٣٤١

وذلك لأن هؤلاء الظالمين ، حين عجزوا عن مقارعة الحجة بالحجة لجئوا إلى السطو والعدوان ، وهذا شأن الطغاة الجاهلين في كل زمان ومكان.

ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول لهؤلاء الطغاة على سبيل التهديد والوعيد ، ما من شأنه أن يردعهم عن سطوهم وبغيهم فقال : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ).

أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الظالمين ألا أخبركم بما هو أشد ألما من غيظكم على من يتلو عليكم آياته ، ومن همكم بالسطو عليه؟.

أشد من كل ذلك (النَّارُ) التي (وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أى : وعدهم بدخولها ، وبالاصطلاء بسعيرها (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) مصير هؤلاء الكافرين.

قال الجمل : وقوله : (النَّارُ) خبر مبتدأ محذوف ، كأن سائلا سأل فقال : وما الأشر؟ فقيل : النار ، أى : هو النار. وحينئذ فالوقف على ذلكم ، أو على النار.

ويصح أن يكون لفظ النار مبتدأ ، والخبر : وعدها الله. وعلى هذا فالوقف على : كفروا .. (١).

ثم وجه ـ سبحانه ـ نداء إلى الناس. بين فيه أن كل آلهة تعبد من دونه ـ عزوجل ـ فهي باطلة وهي أعجز من أن تدافع عن نفسها ، وأن كل عابد لها هو جاهل ظالم. فقال ـ تعالى ـ :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤) اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ

__________________

(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ١٨٠.

٣٤٢

رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)(٧٦)

والمثل : الشبيه والنظير ، ثم أطلق على القول السائر المعروف ، لمماثلة مضربه ـ وهو الذي يضرب فيه ـ بمورده ـ وهو الذي ورد فيه أولا ـ ولا يكون إلا لما فيه غرابة.

وإنما تضرب الأمثال لإيضاح المعنى الخفى ، وتقريب الشيء المعقول من الشيء المحسوس ، وعرض الغائب في صورة المشاهد ، فيكون المعنى الذي ضرب له المثل أوقع في القلوب ، وأثبت في النفوس.

وسمى الله ـ تعالى ـ ما ساقه في هذه الآية الكريمة مثلا ، لأن ما يفعله المشركون من عبادتهم لآلهة عاجزة ، يشبه المثل في غرابته وفي التعجب من فعله.

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : الذي جاء به ـ سبحانه ـ ليس بمثل فكيف سماه مثلا؟.

قلت : قد سميت الصفة أو القصة الرائعة الملتقاة بالاستغراب مثلا ، تشبيها لها ببعض الأمثال المسيرة ، لكونها مستحسنة مستغربة عندهم (١).

والمعنى : يا أيها الناس لقد بينا لكم قصة مستغربة وحالا عجيبة. لما يعبد من دون الله ـ تعالى ـ فاستمعوا إليها بتدبر وتعقل.

وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ..) بيان للمثل وتفسير له.

والذباب : اسم جنس واحده ذبابة ـ وهي حشرة معروفة بطيشها وضعفها وقذارتها.

أى : إن المعبودات الباطلة التي تعبدونها أيها المشركون ، لن تستطيع أن تخلق ذبابة واحدة ، حتى لو اشتركت جميعها في محاولة خلق هذه الذبابة.

قال صاحب الكشاف : وهذا من أبلغ ما أنزله الله في تجهيل قريش ، واستركاك عقولهم. والشهادة على أن الشيطان قد خزمهم بخزائمه ـ أى قد ربطهم برباطه ، حيث وصفوا بالإلهية ـ التي تقتضي الاقتدار على المقدورات كلها ـ صورا وتماثيل ، يستحيل منها أن تقدر على أقل ما خلقه وأذله وأصغره وأحقره ، ولو اجتمعوا لذلك وتساندوا .. (٢).

__________________

(١ ، ٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٧١.

٣٤٣

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) بيان لعجز تلك الآلهة الباطلة من أمر آخر سوى الخلق.

أى : وفضلا عن عجز تلك الأصنام مجتمعة عن خلق ذبابة ، فإنها إذا اختطف الذباب منها شيئا من الأشياء لا تستطيع استرداده منه لعجزها عن ذلك.

قال القرطبي : وخص الذباب لأربعة أمور تخصه : لمهانته وضعفه ، ولاستقذاره وكثرته ، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره ، لا يقدر من عبدوه من دون الله ـ تعالى ـ على خلق مثله ، ودفع أذيته ، فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين ، وأربابا مطاعين ، وهذا من أقوى حجة وأوضح برهان(١).

ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بما يدل على عجز الخاطف والمخطوف منه فقال : (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).

قال الآلوسى : والطالب : عابد غير الله ـ تعالى ـ والمطلوب : الآلهة ، وكون عابد ذلك طالب لدعائه إياه ، واعتقاده نفعه ، وضعفه لطلبه النفع من غير جهته ، وكون الآخر مطلوبا ظاهرا كضعفه.

وقيل : «الطالب الذباب يطلب ما يسلبه من الآلهة ، والمطلوب : الآلهة ، على معنى المطلوب منه ما يسلب ..» (٢).

وعلى أية حال فإن هذا التعليل يدل دلالة واضحة على عجز كل معبود باطل ، وأنه قد تساوى في عجزه مع أضعف مخلوقات الله وأحقرها.

ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أن هؤلاء المشركين ، قد وضعوا الأمور في غير موضعها ، لجهلهم وغبائهم فقال : (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ...).

أى : ما عظموا الله حق تعظيمه ، وما عرفوه حق معرفته ، حيث تركوا عبادة الواحد القهار ، وعبدوا ما يعجز عن رد ما سلبه الذباب منه.

(إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) على خلق كل شيء (عَزِيزٌ) لا يغالبه مغالب ، ولا يدافعه مدافع.

ثم بين ـ سبحانه ـ أن له مطلق التصرف في اختيار رسله فقال : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ ...).

أى : الله ـ تعالى ـ وحده هو الذي يختار من بين ملائكته رسلا يرسلهم لتبليغ وحيه إلى

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ٩٧.

(٢) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ٢٠٢.

٣٤٤

أنبيائه ، كما اختار جبريل ـ عليه‌السلام ـ لهذه الوظيفة ، وهو الذي يختار من بين الناس رسلا ، كما اختار إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم لهذه المهمة ، فهو ـ سبحانه ـ أعلم حيث يجعل رسالته.

(إِنَّ اللهَ) ـ تعالى ـ (سَمِيعٌ) لأقوال عباده (بَصِيرٌ) بأحوالهم ، لا تخفى عليه خافية من شئونهم.

(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أى : يعلم ما قدموا من أعمال ، وما يعملون الآن ، وما سيعملونه في المستقبل إذ أن علمه ـ سبحانه ـ ليس مقيدا بزمان أو مكان (وَإِلَى اللهِ) تعالى وحده (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) كلها لا إلى غيره.

ثم وجه ـ سبحانه ـ في نهاية السورة نداء إلى عباده المؤمنين ، أمرهم فيه بالمداومة على طاعته ، وبالإخلاص في عبادته ، وبالجهاد في سبيله ، وبالاعتصام بحبله ، فقال ـ تعالى ـ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)(٧٨)

والمراد بالركوع والسجود هنا : الصلاة ، وعبر عنها بهما ، لأنهما أهم أركانها ، وناداهم ـ سبحانه ـ بصفة الإيمان ، لحضهم على الامتثال لما أمروا به.

أى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ وبملائكته وبكتبه وبرسله وباليوم الآخر حافظوا على أداء الصلاة في مواقيتها بخشوع وإخلاص ، لأن هذه الصلاة من شأنها أن تنهاكم عن الفحشاء والمنكر ، وأن ترفع درجاتكم عند خالقكم.

٣٤٥

وقوله ـ تعالى ـ : (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) أى : واعبدوا ربكم الذي تولاكم برعايته وتربيته في كل مراحل حياتكم ، عبادة خالصة لوجهه الكريم.

وقوله : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) تعميم بعد التخصيص ، إذ فعل الخير يشمل كل قول وعمل يرضى الله ـ تعالى ـ : كإنفاق المال في وجوه البر ، وكصلة الرحم وكالإحسان إلى الجار وكغير ذلك من الأفعال التي حضت عليها تعاليم الإسلام.

وقوله ـ تعالى ـ : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تذييل قصد به التحريض على امتثال ما أمرهم الله ـ تعالى ـ به ، والفلاح : الظفر بالمطلوب.

أى : أدوا الصلاة بخشوع ومواظبة ، واعبدوا ربكم عبادة خالصة ، وافعلوا الخير الذي يقربكم من خالقكم ، لكي تنالوا رضاه وثوابه ـ عزوجل ـ.

فكلمة «لعل» للتعليل ، ويصح أن تكون على معناها الحقيقي وهو الرجاء ، ولكن على تقدير صدوره من العباد ، فيكون المعنى : وافعلوا الخير حالة كونكم راجين الفلاح ، ومتوقعين الفوز والنجاح.

والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها أنها قد جمعت أنواع التكاليف الشرعية ، وأحاطت بها من كل جوانبها.

قال الآلوسى ما ملخصه : وهذه الآية آية سجدة عند الشافعى وأحمد ، لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود ، ولحديث عقبة بن عامر قال : قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال : نعم فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما.

وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنها ليست آية سجدة ، لأنها مقرونة بالأمر بالركوع ، والمعهود في مثله من القرآن ، كونه أمرا بما هو ركن للصلاة ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) وما روى من حديث عقبة إسناده ليس بالقوى (١).

وبعد أن أمر ـ سبحانه ـ بالصلاة وبالعبادة وبفعل الخير ، أتبع ذلك بالأمر بالجهاد فقال ـ تعالى ـ : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ).

والجهاد مأخوذ من الجهد ، وهو بذل أقصى الطاقة في مدافعة العدو.

وهي أنواع ، أعظمها : جهاد أعداء الله ـ تعالى ـ من الكفار والمنافقين والظالمين والمبتدعين في دين الله ـ تعالى ـ ما ليس منه.

كذلك من أنواع الجهاد : جهاد النفس الأمارة بالسوء ، وجهاد الشيطان.

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ٢٠٨.

٣٤٦

وإضافة «حق» إلى «جهاد» في قوله : (حَقَّ جِهادِهِ) من إضافة الصفة الى الموصوف أى : وجاهدوا ـ أيها المؤمنون ـ في سبيل الله ـ تعالى ـ ومن أجل إعلاء كلمته ، ونصر شريعته ، جهادا كاملا صادقا لا تردد معه ولا تراجع.

قال صاحب الكشاف : قوله : (وَجاهِدُوا ...) أمر بالغزو وبمجاهدة النفس والهوى. وهو الجهاد الأكبر. عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه رجع من بعض غزواته فقال : «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» (فِي اللهِ) أى : في ذات الله ومن أجله. يقال : هو حق عالم ، وجد عالم ، ومنه (حَقَّ جِهادِهِ).

فإن قلت : ما وجه هذه الإضافة وكان القياس حق الجهاد فيه ، أو حق جهادكم فيه ، كما قال : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ)؟.

قلت : الإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص. فلما كان الجهاد مختصا بالله من حيث إنه مفعول لوجهه ومن أجله صحت إضافته إليه .. (١).

وجملة «هو اجتباكم» مستأنفة ، لبيان علة الأمر بالجهاد ، والاجتباء : الاختيار والاصطفاء.

أى : جاهدوا ـ أيها المؤمنون ـ من أجل إعلاء كلمة الله ، لأنه ـ سبحانه ـ هو الذي اختاركم للذب عن دينه ، واصطفاكم لحرب أعدائه ، وجدير بمن اختاره الله واصطفاه أن يكون مطيعا له.

ثم بين ـ سبحانه ـ بعض مظاهر لطفه بعباده فقال : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

أى : ومن مظاهر رحمته بكم ـ أيها المؤمنون ـ أنه سبحانه لم يشرع في هذا الدين الذي تدينون به ما فيه مشقة بكم ، أو ضيق عليكم : وإنما جعل أمر هذا الدين ، مبنى على اليسر والتخفيف ورفع الحرج ، ومن قواعده التي تدل على ذلك : أن الضرر يزال. وأن المشقة تجلب التيسير : وأن اليقين لا يرفع بالشك ، وأن الأمور تتبع مقاصدها ، وأن التوبة الصادقة النصوح تجب ما قبلها من ذنوب.

ومن الآيات التي تدل على أن هذا الدين مبنى على التيسير ورفع الحرج قوله ـ تعالى ـ : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ...) (٢) وقوله ـ سبحانه ـ : (... يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...) (٣).

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٧٣.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٨٦.

(٣) سورة البقرة الآية ١٨٥.

٣٤٧

وفي الحديث الشريف : «بعثت بالحنيفية السمحاء».

قال بعض العلماء : وأنت خبير بأن هناك فرقا كبيرا ، بين المشقة في الأحكام الشرعية ، وبين الحرج والعسر فيها ، فإن الأولى حاصلة وقلما يخلو منها تكليف شرعي ، إذ التكليف هو التزام ما فيه كلفة ومشقة ، أما المشقة الزائدة عن الحد التي تصل إلى حد الحرج ، فهي المرفوعة عن المكلفين.

فقد فرض الله الصلاة على المكلف ، وأوجب عليه أداءها ، وهذا شيء لا حرج فيه. ثم هو إذا لم يستطيع الصلاة من قيام ، فله أن يؤديها وهو قاعد أو بالإيماء .. وهكذا جميع التكاليف الشرعية (١).

والخلاصة : أن هذا الدين الذي جاءنا به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عند ربه ـ عزوجل ـ مبنى على التخفيف والتيسير ، لا على الضيق والحرج ، والذين يجدون فيه ضيقا وحرجا ، هم الناكبون عن هديه ، الخارجون على تعاليمه.

ورحم الله الإمام القرطبي فقد قال : «رفع الحرج إنما هو لمن استقام على منهاج الشرع ، وأما السراق وأصحاب الحدود فعليهم الحرج ، وهم جاعلوه على أنفسهم بمفارقتهم الدين ..» (٢).

والمراد بالملة في قوله ـ تعالى ـ : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) الدين والشريعة ، ولفظ «ملة» هنا منصوب بنزع الخافض.

أى : ما جعل عليكم ـ أيها المؤمنون ـ في دينكم من حرج ، كما لم يجعل ذلك ـ أيضا ـ في ملة أبيكم إبراهيم.

ويصح أن يكون منصوبا على المصدرية بفعل دل عليه ما قبله من نفى الحرج بعد حذف المصدر المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. أى : وسع عليكم في دينكم توسعة ملة أبيكم إبراهيم.

ووصف ـ سبحانه ـ إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ بالأبوة لهذه الأمة ، لأن رسول هذه الأمة صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينتهى نسبه إلى إبراهيم ، ورسول هذه الأمة صلى‌الله‌عليه‌وسلم كالأب لها ، من حيث إنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءها من عند ربه ـ عزوجل ـ بما يحييها ويسعدها.

والضمير «هو» في قوله ـ تعالى ـ : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا ..) يعود

__________________

(١) تفسير آيات الأحكام ج ٣ ص ٩٨ للمرحوم الشيخ محمد على السائس.

(٢) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ١٠١.

٣٤٨

إلى الله ـ تعالى ـ أى : هو ـ سبحانه ـ الذي سماكم المسلمين من قبل نزول هذا القرآن. وسماكم ـ أيضا ـ بهذا الإسلام في هذا القرآن.

وقيل : الضمير «هو» يعود إلى إبراهيم أى : إبراهيم هو الذي سماكم المسلمين.

ومن وجوه ضعف هذا القول : أن الله ـ تعالى ـ قال : (وَفِي هذا) أى سماكم المسلمين.

في هذا القرآن ، وإبراهيم ـ عليه‌السلام ـ لحق بربه قبل نزول هذا القرآن بأزمان طويلة ، وأيضا فإن السياق يؤيد أن الضمير «هو» يعود إلى الله ـ تعالى ـ لأن الأفعال السابقة كقوله (هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) تعود إليه ـ عزوجل ـ.

ثم بين ـ سبحانه ـ أسباب هذا الاجتباء والاصطفاء فقال : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ).

والمراد بشهادة الرسول على أمته : الإخبار بأنه قد بلغهم رسالة ربه.

والمراد بشهادة هذه الأمة على غيرها من الناس : الإخبار بأن الرسل الذين أرسلهم الله ـ تعالى ـ إلى هؤلاء الناس ، قد بلغوهم رسالة ربهم ، ونصحوهم بإخلاص العبادة لله وحده.

ويؤيد ذلك ما رواه البخاري عن أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يدعى نوح ـ عليه‌السلام ـ يوم القيامة فيقول : لبيك وسعديك يا رب. فيقال له : هل بلغت ما أرسلت به؟ فيقول : نعم. فيقال لأمته : هل بلغكم؟ فيقولون : ما أتانا من نذير. فيقال له : من يشهد لك؟ فيقول : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمته ، فيشهدون أنه قد بلغ».

وشبيه بهذه الجملة قوله ـ تعالى ـ : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (١).

والمعنى : فعلنا ما فعلنا من اجتبائكم ، والتيسير عليكم ، وتسميتكم بالمسلمين ، ليكون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم شهيدا عليكم يوم القيامة بأنه قد بلغكم ما أمر بتبليغه إليكم ، ولتكونوا أنتم شهداء على الناس بأن رسلهم قد بلغوهم رسالة ربهم.

وما دام الأمر كذلك (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أيها المؤمنون بأن تؤدوها في أوقاتها بإخلاص وخشوع (وَآتُوا الزَّكاةَ) التي كلفكم الله ـ تعالى ـ بإيتائها إلى مستحقيها (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) أى : التجئوا إليه ، واستعينوا به في كل أموركم فإنه ـ سبحانه ـ (هُوَ مَوْلاكُمْ)

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٤٣.

٣٤٩

أى : ناصركم ومتولى شئونكم ، ومالك أمركم ، وهو ـ تعالى ـ (فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) أى : هو ـ عزوجل ـ نعم المالك لأمركم ، ونعم النصير القوى لشأنكم.

وبعد : فهذه سورة الحج ، وهذا تفسير محرر لها.

نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

د. محمد سيد طنطاوى

٣٥٠

فهرس إجمالى لتفسير سورة مريم

مقدمة.......................................................................... ٥

تعريف بسورة مريم................................................................ ٩

١ ـ كهيعص ذكر رحمة ربك...................................................... ١٢

٧ ـ يا زكريا إنا نبشرك بغلام...................................................... ١٦

١٢ ـ يا يحيى خذ الكتاب بقوة.................................................... ٢٠

١٦ ـ واذكر في الكتاب مريم..................................................... ٢٢

٢٢ ـ فحملته فانتبذت به مكانا.................................................. ٢٧

٢٧ ـ فأتت به قومها تحمله...................................................... ٣٢

٣٤ ـ ذلك عيسى ابن مريم قول الحق.............................................. ٣٥

٤١ ـ واذكر في الكتاب إبراهيم................................................... ٤٠

٥١ ـ واذكر في الكتاب موسى................................................... ٤٤

٥٤ ـ واذكر في الكتاب إسماعيل.................................................. ٤٦

٥٦ ـ واذكر في الكتاب إدريس................................................... ٤٧

٥٨ ـ أولئك الذين أنعم الله عليهم................................................ ٤٨

٦٤ ـ وما نتنزل إلا بأمر ربك..................................................... ٥٤

٦٦ ـ ويقول الإنسان أإذا ما مت................................................. ٥٦

٧٣ ـ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات................................................ ٦٢

٧٧ ـ أفرأيت الذي كفر بآياتنا................................................... ٦٧

٨١ ـ واتخذوا من دون الله آلهة.................................................... ٦٩

٨٨ ـ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا..................................................... ٧٣

٩٦ ـ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا........................ ٧٦

٣٥١

فهرس إجمالى لتفسير «سورة طه»

مقدمة........................................................................ ٨١

تعريف بسورة طه............................................................... ٨٣

١ ـ طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى.............................................. ٨٥

٩ ـ وهل أتاك حديث موسى..................................................... ٨٩

١٧ ـ وما تلك بيمينك يا موسى.................................................. ٩٤

٣٦ ـ قال قد أوتيت سؤلك يا موسى............................................ ١٠٠

٤٢ ـ اذهب أنت وأخوك بآياتى ولا تنيا......................................... ١٠٦

٤٩ ـ قال فمن ربكما يا موسى................................................. ١١١

٦١ ـ قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا............................................. ١٢٠

٧١ ـ قال آمنتم له قبل أن آذن لكم............................................ ١٢٧

٧٧ ـ ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي..................................... ١٣١

٨٣ ـ وما أعجلك عن قومك يا موسى........................................... ١٣٥

٩٠ ـ ولقد قال لهم هارون من قبل.............................................. ١٤١

٩٢ ـ قال يا هارون ما منعك................................................... ١٤٢

٩٥ ـ قال فما خطبك يا سامرى................................................ ١٤٤

٩٩ ـ كذلك نقص عليك من أنباء.............................................. ١٤٨

١٠٥ ـ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها........................................ ١٥١

١١٣ ـ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا................................................ ١٥٥

١١٥ ـ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل............................................. ١٥٧

١٢٤ ـ ومن أعرض عن ذكرى فإن له........................................... ١٦٤

١٣٠ ـ فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك................................... ١٦٧

١٣٣ ـ وقالوا لو لا يأتينا بآية من ربه............................................ ١٧١

٣٥٢

فهرس إجمالى لتفسير «سورة الأنبياء»

مقدمة....................................................................... ١٧٧

تمهيد بين يدي السورة......................................................... ١٧٩

١ ـ اقترب للناس حسابهم...................................................... ١٨٢

٧ ـ وما أرسلنا قبلك إلا رجالا.................................................. ١٨٧

١٠ ـ لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم........................................... ١٨٩

١٦ ـ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما....................................... ١٩٣

٢١ ـ أم اتخذوا آلهة من الأرض.................................................. ١٩٦

٢٦ ـ وقالوا اتخذوا الرحمن ولدا.................................................. ٢٠٠

٣٠ ـ أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض.................................. ٢٠٢

٣٤ ـ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد............................................ ٢٠٦

٤٢ ـ قل من يكلؤكم بالليل والنهار.............................................. ٢١٢

٤٨ ـ ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان........................................... ٢١٨

٥١ ـ ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل........................................... ٢٢٠

٥٩ ـ قالوا من فعل هذا بآلهتنا.................................................. ٢٢٤

٦٦ ـ قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم.................................... ٢٢٧

٧٤ ـ ولوطا آتيناه حكما وعلما................................................. ٢٣١

٧٦ ـ ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له........................................ ٢٣٢

٧٨ ـ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث....................................... ٢٣٣

٨٣ ـ وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر........................................ ٢٤٠

٨٥ ـ وإسماعيل وإدريس وذا الكفل.............................................. ٢٤٢

٨٧ ـ وذا النون إذ ذهب مغاضبا................................................ ٢٤٣

٨٩ ـ وزكريا إذ نادى ربه....................................................... ٢٤٦

٩١ ـ والتي أحصنت فرجها..................................................... ٢٤٧

٣٥٣

٩٢ ـ إن هذه أمتكم أمة واحدة................................................. ٢٤٨

٩٣ ـ وتقطعوا أمرهم بينهم..................................................... ٢٤٨

١٠١ ـ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى.......................................... ٢٥٤

١٠٤ ـ يوم نطوى السماء كطي السجل للكتب................................... ٢٥٥

٣٥٤

فهرس إجمالى لتفسير «سورة الحج»

مقدمة....................................................................... ٢٦٥

تعريف بسورة الحج............................................................ ٢٦٧

١ ـ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة...................................... ٢٧٢

٣ ـ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم........................................ ٢٧٥

٥ ـ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث..................................... ٢٧٧

٨ ـ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم........................................ ٢٨٣

١٤ ـ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات................................. ٢٨٧

١٥ ـ من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة.............................. ٢٨٨

١٧ ـ إن الذين آمنوا والذين هادوا............................................... ٢٩٠

١٨ ـ ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض...................... ٢٩٢

١٩ ـ هذان خصمان اختصموا في ربهم........................................... ٢٩٣

٢٥ ـ إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله..................................... ٢٩٨

٣٠ ـ ذلك ومن يعظم حرمات الله............................................... ٣٠٤

٣٤ ـ ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا............................................ ٣٠٩

٣٨ ـ إن الله يدافع عن الذين آمنوا.............................................. ٣١٤

٤٢ ـ وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم............................................ ٣١٩

٥٢ ـ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي...................................... ٣٢٥

٥٥ ـ ولا يزال الذين كفروا في مرية منه........................................... ٣٣٠

٦٠ ـ ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به......................................... ٣٣٣

٦٣ ـ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء.......................................... ٣٣٥

٦٧ ـ لكل أمة جعلنا منسكا................................................... ٣٣٨

٧١ ـ ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا.................................. ٣٤٠

٧٣ ـ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له....................................... ٣٤٢

٧٧ ـ يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا.......................................... ٣٤٥

٣٥٥