التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٦

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٦

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0532-2
الصفحات: ٤٤٤

لذلك. والرأفة عبارة عن السعى في إزالة الضرر ، والرحمة عبارة عن السعى في إيصال النفع ، (١).

وقال القرطبي : قوله «ثم تاب عليهم» قيل : توبته عليهم أن تدارك قلوبهم حتى لم تزغ ؛ وتلك سنة الحق ـ سبحانه ـ مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب ووطنوا أنفسهم على الهلاك ، أمطر عليهم سحائب الجود فأحيا قلوبهم.

قال الشاعر :

منك أرجو ولست أعرف ربا

يرتجى منه بعض ما منك أرجو

وإذا اشتدت الشدائد في الأر

ض على الخلق فاستغاثوا وعجوا

وابتليت العباد بالخوف والجو

ع ، وصروا على الذنوب ولجوا

لم يكن لي سواك ربي ملاذ

فتيقنت أننى بك أنجو

وكما تقبل الله ـ تعالى ـ توبة المهاجرين والأنصار الذين اتبعوا رسولهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ساعة العسرة .. فقد تقبل توبة الثلاثة الذين تخلفوا عن الاشتراك في غزوة تبوك ، فقال ـ تعالى ـ :

(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(١١٨)

هذه الآية الكريمة معطوفة على الآية السابقة لها. والمعنى : لقد تقبل الله ـ تعالى ـ بفضله وإحسانه توبة النبي والمهاجرين والأنصار ، وتقبل كذلك توبة الثلاثة الذين تخلفوا عن هذه الغزوة كسلا وحبا للراحة ، والذين سبق أن أرجأ الله حكمه فيهم بقوله (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ..) (٢).

وقوله : (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ، وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ

__________________

(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٢٥.

(٢) راجع تفسير الآية رقم ١٠٦ من هذه السورة ص ٣٩٩.

٤٢١

لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) كناية عن شدة تحيرهم ، وكثرة حزنهم ، واستسلامهم لحكم الله فيهم.

أى : حتى إذا ضاقت عليهم الأرض على سعتها ، بسبب إعراض الناس عنهم ، ومقاطعتهم لهم ، وضاقت عليهم أنفسهم ، بسبب الهم والغم الذي ملأها واعتقدوا أنهم لا ملجأ ولا مهرب لهم من حكم الله وقضائه إلا إليه.

حتى إذا كان أمرهم كذلك ، جاءهم فرج الله ، حيث قبل توبتهم ، وغفر خطأهم وعفا عنهم.

وقوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أى : بعد هذا التأديب الشديد لهم ، تقبل ـ سبحانه ـ توبتهم ، ليتوبوا إليه توبة صادقة نصوحا ، لا تكاسل معها بعد ذلك عن طاعة الله وطاعة رسوله ، إن الله ـ تعالى ـ هو الكثير القبول لتوبة التائبين ، وهو الواسع الرحمة بعباده المحسنين.

هذا ، والمقصود بهؤلاء الثلاثة الذين خلفوا : كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ؛ وكلهم من الأنصار.

وقد ذكرت قصتهم في الصحيحين وفي غيرهما من كتب السنة والسيرة ، وهاك خلاصة لها : قال الإمام ابن كثير : روى الإمام أحمد أن كعب بن مالك قال ، لم أتخلف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة غزاها قط إلا في تبوك.

وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك. أنى لم أكن قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنه في تلك الغزوة.

وغزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال ، وتجهز لها المؤمنون معه ، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم. فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا .. فأقول لنفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت .. ولم يزل ذلك شأنى حتى أسرعوا وتفارط الغزو ، فهممت أن أرتحل فألحقهم ـ وليتني فعلت ـ ولكن لم يقدر لي ذلك.

ولم يذكرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بلغ تبوك فقال : ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بنى سلمة : حبسه برداه والنظر في عطفيه.

فقال معاذ بن جبل : بئسما قلت. والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال كعب : فلما بلغني أن رسول الله قد توجه قافلا من تبوك ، حضرني بثي ، وطفقت أتذكر الكذب وأقول : بما ذا أخرج من سخطه غدا؟.

٤٢٢

وعند ما عاد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة جاءه المتخلفون ، فطفقوا يعتذرون إليه .. وجئت إليه فقال : تعال .. ما خلفك؟! ألم تكن قد اشتريت ظهرا؟

فقلت يا رسول الله ؛ إنى لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر. والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم بحديث كاذب ترضى به عنى ، ليوشكن الله أن يسخطك على. ولئن حدثتك بصدق تغضب على فيه ، إنى لأرجو عقبى ذلك من الله ـ تعالى ـ والله ما كان لي من عذر.

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم أما هذا فقد صدق. فقم حتى يقضى الله فيك. وكان هناك رجلان قد قالا مثل ما قلت هما مرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية.

قال : ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلامنا ، فاعتزلنا الناس وتغيروا لنا .. ولبثنا على ذلك خمسين ليلة .. ثم أمرنا أن نعتزل نساءنا ففعلنا.

قال : ثم صليت صلاة الصبح صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتها فبينا أنا على الحال التي ذكرها الله عنا ، قد ضاقت على نفسي .. سمعت صارخا يقول بأعلى صوته : أبشر يا كعب بن مالك.

وذهبت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك. قال : وأنزل الله ـ تعالى ـ (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ..) الآية.

قال الإمام ابن كثير بعد أن ساق هذا الحديث بتمامه : هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته ، وقد تضمن تفسير الآية بأحسن الوجوه وأبسطها» (١).

وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد ذكرتا جانبا من فضل الله على عباده ، حيث قبل توبتهم ، وغسل حوبتهم. إنه بهم رءوف رحيم.

ثم وجه ـ سبحانه ـ نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بأن يتقوا الله حق تقاته وأن يكونوا مع الصادقين ، وأوجب عليهم الغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووعدهم عليه بجزيل الثواب ، وتوعد المتخلفين عنه بشديد العقاب فقال ـ تعالى ـ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ

__________________

(١) راجع الحديث بتمامه في تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٩٧.

٤٢٣

مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٢١)

والمعنى : يا من آمنتم بالله واليوم الآخر .. اتقوا الله حق تقاته ، بأن تفعلوا ما كلفكم به. وتتركوا ما نهاكم عنه ، «وكونوا مع الصادقين» في دين الله نية وقولا وعملا وإخلاصا ؛ فإن الصدق ما وجد في شيء إلا زانه ، وما وجد الكذب في شيء إلا شانه.

قال القرطبي : حق من فهم عن الله وعقل عنه ؛ أن يلازم الصدق في الأقوال والإخلاص في الأعمال ، والصفاء في الأحوال ، فمن كان كذلك لحق بالأبرار ووصل إلى ربنا الغفار.

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا».

والكذب على الضد من ذلك. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إياكم والكذب ؛ فإن الكذب يهدى إلى الفجور ، وإن الفجور يهدى إلى النار. وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا».

فالكذب عار ، وأهله مسلوبو الشهادة ، وقد رد صلى‌الله‌عليه‌وسلم شهادة رجل في كذبة كذبها.

وسئل شريك بن عبد الله فقيل له : يا أبا عبد الله ، رجل سمعته يكذب متعمدا ، أصلى خلفه؟ قال : لا (١).

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٩٢٨.

٤٢٤

ثم أوجب ـ سبحانه ـ على المؤمنين مصاحبة رسولهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزواته فقال : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ ...).

والمراد بالنفي هنا النهى. أى : ليس لأهل المدينة أو لغيرهم من الأعراب سكان البادية الذين يسكنون في ضواحي المدينة ، كقبائل مزينة وجهينة وأشجع وغفار.

ليس لهؤلاء جميعا أن يتخلفوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ما خرج للجهاد ، كما فعل بعضهم في غزوة تبوك ، لأن هذا التخلف يتنافى مع الإيمان بالله ورسوله.

وليس لهم كذلك «أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه» أى ليس لهم أن يؤثروا أنفسهم بالراحة على نفسه ، بأن يتركوه يتعرض للآلام والأخطار. دون أن يشاركوه في ذلك ، بل من الواجب عليهم أن يكونوا من حوله في البأساء والضراء ، والعسر واليسر ؛ والمنشط والمكره.

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الجملة الكريمة : أمروا بأن يصحبوه على البأساء والضراء ، وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط ، وأن يلقوا أنفسهم من الشدائد ما تلقاه نفسه ، علما بأنها أعز نفس على الله وأكرمها ، فإذا تعرضت ـ مع كرامتها وعزتها ـ للخوض في شدة وهول ، وجب على سائر الأنفس أن تتهافت ـ أى تتساقط ـ فيما تعرضت له ، ولا يكترث لها أصحابها ، ولا يقيمون لها وزنا ، وتكون أخف شيء عليهم وأهونه ، فضلا عن أن يربئوا بأنفسهم عن متابعتها ومصاحبتها ، ويضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه. وهذا نهى بليغ ، مع تقبيح لأمرهم ، وتوبيخ لهم عليه ، وتهييج لمتابعته بأنفة وحمية» (١).

واسم الإشارة في قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ..) يعود على ما دل عليه الكلام من وجوب مصاحبته وعدم التخلف عنه.

أى : ذلك الذي كلفناهم به من وجوب مصاحبته صلى‌الله‌عليه‌وسلم والنهى عن التخلف عنه ، سببه أنهم (لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) أى عطش (وَلا نَصَبٌ) أى : تعب ومشقة (وَلا مَخْمَصَةٌ) أى : مجاعة شديدة تجعل البطون خامصة ضامرة (فِي سَبِيلِ اللهِ) أى : في جهاد أعدائه وإعلاء كلمة الحق (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ) أى : ولا يدوسون مكانا من أمكنة الكفار بأرجلهم أو بحوافر خيولهم من أجل إغاظتهم وإزعاجهم .. (وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) أى : ولا يصيبون من عدو من أعدائهم إصابة كقتل أو أسر أو غنيمة.

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٢١.

٤٢٥

إنهم لا يفعلون شيئا (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) أى : إلا كتب لهم بكل واحد مما ذكر عمل صالح ، ينالون بسببه الثواب الجزيل من الله ، لأنه ـ سبحانه ـ (لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وإنما يكافئهم على إحسانهم بالأجر العظيم.

وقوله : (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ..) معطوف على ما قبله.

أى : وكذلك لا يتصدقون بصدقة صغيرة ، كالتمرة ونحوها ، ولا كبيرة كما فعل عثمان ـ رضى الله عنه ـ في هذه الغزوة ، فقد تصدق بالكثير.

(وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) من الوديان في مسيرهم إلى عدوهم ، أو في رجوعهم عنه.

لا يفعلون شيئا من ذلك أيضا (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) أى : إلا كتب لهم ثوابه في سجل حسناتهم.

(لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أى : أمرهم بمصاحبة نبيهم في كل غزواته ، وكلفهم بتحمل مشاق الجهاد ومتاعبه. ليجزيهم على ذلك أحسن الجزاء وأعظمه ، فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد حرض المؤمنين على الجهاد في هاتين الآيتين ، وبين لهم أن كل ما يلاقونه في جهادهم من متاعب له ثوابه العظيم ، وما دام الأمر كذلك فعليهم أن يصاحبوا رسولهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جميع غزواته ، لأن التخلف عنه لا يليق بالمؤمنين الصادقين ، فضلا عن أن هذا التخلف ـ بدون عذر شرعي ـ سيؤدي إلى الخسران في الدنيا والآخرة.

وبعد أن حرض الله ـ تعالى ـ المؤمنين على الجهاد في سبيله ، وحذرهم من التخلف عن الخروج مع رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتبع ذلك بالحديث عما يجب عليهم إذا لم تكن المصلحة تقتضي النفير العام ، فقال ـ تعالى ـ :

(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١٢٢)

قال الجمل : وسبب نزول هذه الآية أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما بالغ في الكشف عن عيوب المنافقين ، وفضحهم في تخلفهم عن غزوة تبوك. قال المسلمون : والله لا نتخلف عن رسول

٤٢٦

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا عن سرية بعثها ، فلما قدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة من تبوك ، وبعث السرايا ، أراد المسلمون أن ينفروا جميعا للغزو وأن يتركوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده فنزلت هذه الآية (١).

والمعنى ، وما كان من شأن المؤمنين ، أن ينفروا جميعا في كل سرية تخرج للجهاد ، ويتركوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده بالمدينة ، وإنما يجب عليهم النفير العام إذا ما دعاهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ذلك.

وقوله : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ...) معطوف على كلام محذوف ، ولو لا حرف تحضيض بمعنى هلا.

أى : فحين لم يكن هناك موجب لنفير الكافة ، فهلا نفر من كل فرقة من المؤمنين طائفة للجهاد ، وتبقى طائفة أخرى منهم «ليتفقهوا في الدين» أى : ليتعلموا أحكامه من رسولهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ولينذروا قومهم» أى : وليعلموهم ويخبروهم بما أمروا به أو نهوا عنه «إذا رجعوا إليهم» من الغزو «لعلهم يحذرون» أى : لعل هؤلاء الراجعين إليهم من الغزو يحذرون ما نهوا عنه.

أى : أن على المسلمين في حالة عدم النفير العام ، أن يقسموا أنفسهم إلى قسمين.

قسم يبقى مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليتفقه في دينه ، وقسم آخر يخرج للجهاد في سبيل الله ، فإذا ما عاد المجاهدون ، فعلى الباقين مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبلغوا العائدين ما حفظوه عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أحكام.

وبذلك يجمع المسلمون بين المصلحتين : مصلحة الدفاع عن الدين بالحجة والبرهان ، ومصلحة الدفاع عنه بالسيف والسنان.

وعلى هذا التفسير الذي سار عليه جمهور العلماء يكون الضمير في قوله «ليتفقهوا ولينذروا» يعود إلى الطائفة الباقية مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أما الضمير في قوله «لعلهم يحذرون» فيعود على الطائفة التي خرجت للجهاد ثم عادت.

ومنهم من يرى أن الضمير في قوله «ليتفقهوا ، ولينذروا» يعود على الطائفة التي خرجت للجهاد.

وقد رجح هذا الاتجاه الإمام ابن جرير فقال : وأما قوله «ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم» فإن أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : لتتفقه الطائفة

__________________

(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٢٩ ـ بتصرف يسير.

٤٢٧

النافرة بما تعاين من نصر الله لأهل دينه ولأصحاب رسوله على أهل عداوته والكفر به ، فيفقه بذلك من معاينته حقيقة علم أمر الإسلام ، وظهوره على الأديان ، من لم يكن فقهه ، «ولينذروا قومهم» فيحذروهم أن ينزل بهم من بأس الله ، مثل الذي نزل بمن شاهدوا ، ممن ظفر بهم المسلمون من أهل الشرك ، إذا هم رجعوا إليهم من غزوهم «لعلهم يحذرون» أى : لعل قومهم إذا هم حذروهم ما عاينوا من ذلك ، يحذرون فيؤمنون بالله ورسوله ، حذرا من أن ينزل بهم ما نزل بالذين أخبروا خبرهم ...» (١).

وقد علق صاحب المنار على رأى ابن جرير هذا بقوله : وهذا تأويل متكلف ينبو عنه النظم الكريم ، فإن اعتبار طائفة السرية بما قد يحصل لها من النصر ـ وهو غير مضمون ولا مطرد ـ لا يسمى تفقها في الدين ، وإن كان يدخل في عموم معنى الفقه ، فإن التفقه هو التعلم الذي يكون بالتكلف والتدرج ، والمتبادر من الدين علمه ، ولا يصح هذا المعنى في ذلك العهد إلا في الذين يبقون مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيزدادون في كل يوم علما وفقها بنزول القرآن ...» (٢).

هذا ، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية : وجوب طلب العلم ، والتفقه في دين الله وتعليم الناس إياه.

قال القرطبي : هذه الآية أصل في وجوب طلب العلم ؛ لأن المعنى : وما كان المؤمنون لينفروا كافة والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقيم لا ينفر فيتركوه وحده «فلو لا نفر» بعد ما علموا أن النفير لا يسع جميعهم «من كل فرقة منهم طائفة» وتبقى بقيتها مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليتحملوا عنه الدين ويتفقهوا ، فإذا رجع النافرون إليهم أخبروهم بما سمعوه وعلموه ، وفي هذا إيجاب التفقه ، في الكتاب والسنة ، وأنه على الكفاية دون الأعيان ..» (٣).

ثم ختمت السورة الكريمة حديثها عن الجهاد في سبيل الله ، بدعوة المؤمنين إلى قتال أعدائهم بشدة وغلظة فقال ـ تعالى ـ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(١٢٣)

__________________

(١) تفسير ابن جرير ج ١٤ ص ٥٧٣ ـ طبعة دار المعارف.

(٢) تفسير المنار ج ١١ ص ٨٠.

(٣) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٢٩٣.

٤٢٨

وقوله : (يَلُونَكُمْ) من الولي بمعنى القرب ، تقول جلست مما يلي فلان أى : يقاربه.

قال ابن كثير : أمر الله المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولا فأولا ، الأقرب فالأقرب ، إلى حوزة الإسلام ، ولهذا بدأ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب ، فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة واليمن .. وغير ذلك من أقاليم العرب ، دخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجا ، شرع في قتال أهل الكتاب ، فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب ، وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام لأنهم أهل كتاب ، فبلغ تبوك ثم رجع لأجل جهد الناس ، وجدب البلاد ، وضيق الحال ، ذلك سنة تسع من الهجرة ، ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجة الوداع ، ثم عاجلته المنية ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بعد حجة الوداع بأحد وثمانين يوما وسار خلفاؤه الراشدون من بعده على نهجه.

وقوله (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) أى : وليجد الكفار منكم غلظة عليهم في قتالكم ، فإن المؤمن الكامل هو الذي يكون رفيقا بأخيه المؤمن ، غليظا على عدوه الكافر. قال ـ تعالى ـ : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ).

وفي الحديث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أنا الضحوك القتال» يعنى : أنه ضحوك في وجه وليه المؤمن ، قتال لهامة عدوه الكافر» (١).

وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) تذييل قصد به حض المؤمنين على التسلح بسلاح الإيمان والتقوى حتى ينالوا نصر الله وعونه.

أى : واعلموا أن الله ـ تعالى ـ مع المتقين بنصره ومعونته ، فاحرصوا على هذه الصفة ليستمر معكم نصره ـ سبحانه ـ وعونه.

وإنما أمر الله ـ تعالى ـ المؤمنين أن يبدءوا قتالهم مع الأقرب فالأقرب من ديارهم ، لأن القتال شرع لتأمين الدعوة الإسلامية ، وقد كانت دعوة الإسلام موجهة إلى الأقرب فالأقرب ، فكان من الحكمة أن يبدءوا قتالهم مع المجاورين لهم حتى يأمنوا شرهم ، ولأنه من المعلوم أنه ليس في طاقة المسلمين قتال جميع الكفار ، وغزو جميع البلاد في زمان واحد ، فكان من قرب أولى ممن بعد.

ثم ختمت السورة ـ أيضا ـ حديثها الطويل المتنوع عن المنافقين ببيان موقفهم من نزول الآيات القرآنية على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) تفسير ابن كثير ـ بتصرف وتلخيص ـ ج ٢ ص ٤٠١.

٤٢٩

فقال ـ تعالى ـ :

(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)(١٢٧)

والمعنى : وإذا ما أنزلت سورة من سور القرآن عليك يا محمد : تساءل المنافقون عنها في حذر وريبة «فمنهم من يقول» لأشباهه في الكفر والنفاق على سبيل الاستهزاء والتهوين من شأن القرآن الكريم «أيكم زادته هذه إيمانا» أى : أى واحد منكم زادته هذه السورة النازلة إيمانا؟

وهنا يجيء الرد الحاسم الذي يخرس ألسنتهم ، من جهته ـ تعالى ـ فيقول : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ).

أى : فأما الذين آمنوا فزادهم نزول السورة القرآنية ، إيمانا على إيمانهم ، وثباتا على ثباتهم ، ويقينا على يقينهم ، «وهم» فوق ذلك «يستبشرون» ويفرحون بنزولها لما فيها من المنافع الدينية والدنيوية.

هذا شأن المؤمنين بالنسبة لنزول السورة القرآنية ، وأما المنافقون ، فقد صور القرآن حالهم بقوله (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ).

أى : وأما الذين في قلوبهم شك ونفاق وارتياب ، فزادهم نزول السورة كفرا على كفرهم السابق.

٤٣٠

وسمى ـ سبحانه ـ الكفر رجسا ، لأنه أقبح الأشياء وأسوؤها.

وقوله : (وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) تذييل قصد به بيان سوء عاقبتهم في الآخرة بعد بيان سوء أعمالهم في الدنيا.

أى : لقد قضى هؤلاء المنافقون حياتهم في الكفر والفسوق والعصيان ، ثم لم يتوبوا عن ذلك ولم يرجعوا عنه ، بل ماتوا على الكفر والنفاق.

وقوله : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ..) توبيخ لهم على قسوة قلوبهم ، وانطماس بصيرتهم ، وغفلتهم عما يدعو إلى الاعتبار والاتعاظ.

أى : أبلغ الجهل والسفه وعمى البصيرة بهؤلاء ، أنهم صاروا لا يعتبرون ولا يتعظون بما حاق من فتن واختبارات وابتلاءات ، تنزل بهم في كل عام مرة أو مرتين؟

ومن هذه الفتن والامتحانات : كشف مكرهم عن طريق اطلاع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما يضمرونه من سوء ، وما يقولونه من منكر ، وما يفعلونه من أفعال خبيثة ، وحلول المصائب والأمراض بهم ، ومشاهدتهم لانتصار المؤمنين وخذلان الكافرين.

قال الآلوسى : والمراد من المرة والمرتين ـ على ما صرح به بعضهم ـ مجرد التكثير ، لا بيان الوقوع على حسب العدد المذكور.

وقوله : (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) بيان لرسوخهم في الجهل والجحود.

أى : ثم بعد كل هذه الفتن النازلة بهم ، لا يتوبون من نفاقهم «ولا هم يذكرون» ويتعظون ، بل يصرون على مسالكهم الخبيثة ، وأعمالهم القبيحة ، مع أن من شأن الفتن والمصائب والمحن ، أنها تحمل على الاعتبار والاتعاظ ، والرجوع عن طريق الشر إلى طريق الخير.

ثم تصور السورة الكريمة تصويرا معجزا ، مشهدهم عند ما تنزل السورة القرآنية على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم حاضرون في مجلسه فتقول : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) أو آيات منها ، على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم موجودون في مجلسه (نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) في ريبة ومكر ، وتغامزوا بعيونهم وجوارحهم في لؤم وخسة ثم تساءلوا : (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) أى : هل يراكم من أحد من المسلمين إذا ما قمتم من هذا المجلس ، قبل أن يتلو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه السورة أو الآيات التي قد تفضحكم وتكشف عما أسررتموه فيما بينكم.

(ثُمَّ انْصَرَفُوا) من مجلس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم متسللين في حذر حتى لا يراهم أحد من المسلمين.

٤٣١

وقوله : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ذم لهم لإيثارهم الغي على الرشد ، والضلالة على الهداية.

أى : صرف الله قلوبهم عن الهداية والرشاد ، بسبب أنهم قوم لا يفقهون ما فيه خيرهم ونفعهم. وإنما يفقهون ما فيه شقاؤهم وتعاستهم.

هذا ، وإن الناظر في هذه الآيات الكريمة بتدبر وإمعان ، ليراها قد صورت أحوال المنافقين وأخلاقهم وحركاتهم تصويرا دقيقا معجزا ، حتى إنه ليخيل إلى القارئ لهذه الآيات الكريمة أو السامع لها ، أنه يشاهد المنافقين مشاهدة حسية وهم على تلك الحالة من التحرك المريب والنظرات الخبيثة ، والخروج من مجلس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حذر وريبة ..

وهذا كله مما يشهد بأن هذا القرآن إنما هو من عند الله العليم بخفايا الصدور ، وبطوايا النفوس.

ثم ختم ـ سبحانه سورة التوبة ، بآيتين كريمتين ، اشتملتا على أسمى النعوت ، وأكرم الصفات للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ـ تعالى ـ :

(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)(١٢٩)

وجمهور المفسرين على أن الخطاب في قوله ـ سبحانه ـ : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) للعرب : فهو كقوله : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ).

أى : لقد جاءكم ـ يا معشر العرب ـ رسول كريم «من أنفسكم» أى : جنسكم ، ومن نسبكم ، فهو عربي مثلكم ، فمن الواجب عليكم أن تؤمنوا به وتطيعوه.

فالمقصود من هذه الجملة الكريمة ترغيب العرب في الإيمان بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي طاعته وتأييده ، فإن شرفهم قد تم بشرفه ، وعزهم بعزه ، وفخرهم بفخره ، وهم في الوقت نفسه قد شهدوا له في صباه بالصدق والأمانة والعفاف وطهارة النسب ، والأخلاق الحميدة.

٤٣٢

قال القرطبي : قوله «من أنفسكم» يقتضى مدحا لنسب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنه من صميم العرب وخالصها ، وفي صحيح مسلم عن وائلة بن الأسقع قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قرش بنى هاشم ، واصطفاني من بنى هاشم» وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إنى من نكاح ولست من سفاح» (١).

وقال الزجاج إن الخطاب في الآية الكريمة لجميع البشر ، لعموم بعثته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعنى كونه صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من أنفسكم» أنه من جنس البشر.

ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح ؛ لأن الآية الكريمة ليست مسوقة لإثبات رسالته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعمومها ، وإنما هي مسوقة لبيان منته وفضله ـ سبحانه ـ على العرب ، حيث أرسل خاتم أنبيائه منهم ، فمن الواجب عليهم أن يؤمنوا به ، لأنه ليس غريبا عنهم ، وإذا لم يؤمنوا به تكون الحجة عليهم ألزم ، والعقوبة لهم أعظم.

وقوله : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) أى : شديد وشاق عليه عنتكم ومشقتكم ، لكونه بعضا منكم ؛ فهو يخاف عليكم سوء العاقبة ، والوقوع في العذاب.

يقال : عزّ عليه الأمر أى صعب وشق عليه ، والعنت المشقة والتعب ومنه قولهم : أكمة عنوت ، إذا كانت شاقة مهلكة ، والفعل عنت بوزن فرح.

وقوله : (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) أى : حريص على إيمانكم وهدايتكم وعزتكم وسعادتكم في الدنيا والآخرة.

والحرص على الشيء معناه : شدة الرغبة في الحصول عليه وحفظه.

وقوله : «بالمؤمنين رءوف رحيم» أى : شديد الرأفة والرحمة بكم ـ أيها المؤمنون ـ والرأفة عبارة عن السعى في إزالة الضرر ، والرحمة عبارة عن السعى في إيصال النفع ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسعى بشدة في إيصال الخير والنفع للمؤمنين ، وفي إزالة كل مكروه عنهم.

قال بعضهم : لم يجمع الله ـ تعالى ـ لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنه قال (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) وقال عن ذاته ـ سبحانه ـ (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٢).

ثم انتقل ـ سبحانه ـ من خطاب المؤمنين إلى خطابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ..).

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٣٠١.

(٢) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٣٠٢.

٤٣٣

أى : فإن أعرضوا عن الإيمان بك ، وتركوا طاعتك ، فلا تبتئس ولا تيأس ، بل قل «حسبي الله» أى : هو كافينى ونصيرى «لا إله إلا هو» ـ سبحانه ـ «رب العرش العظيم» الذي لا يعلم مقدار عظمته إلا الله ـ عزوجل ـ.

ففي هاتين الآيتين الكريمتين بيان للصفات التي منحها ـ سبحانه ـ لرسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودعوة له صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أن يفوض أمره إلى خالقه فهو ـ سبحانه ـ كافيه وناصره.

وبعد فهذه سورة التوبة.

السورة التي احتوت على بيان الأحكام النهائية في العلاقات الدائمة بين المجتمع الإسلامى ، والمجتمعات الأخرى.

السورة التي حرضت المؤمنين على الجهاد في سبيل الله ، وساقت لهم من وسائل الترغيب في ذلك ، ما يجعلهم يقدمون على قتال أعدائهم بصبر وثبات واستبشار.

السورة التي أوجبت على المؤمنين أن تكون محبتهم لله ولرسوله ، ولإعلاء كلمة الحق ، فوق محبة الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال.

السورة التي ذكرت المؤمنين بنصر الله لهم في مواطن كثيرة ، وحذرتهم من الغرور بأنفسهم. والعجب بقوتهم ، وأمرتهم بنصرة رسوله في السراء والضراء والعسر واليسر ، والمنشط والمكره.

السورة التي أمرت المؤمنين بأن يخلصوا في دفاعهم عن دين الله وعن حرماته وعن مقدساته. وبشرتهم بأنهم إذا فعلوا ذلك ، فسوف يغنيهم الله من فضله.

السورة التي فضحت المنافقين ، وكشفت عن أساليبهم الخبيثة ، ومسالكهم القبيحة ، وأقوالهم المنكرة ، وأفعالهم الأثيمة ، وسجلت عليهم الخزي والعار وحذرت المؤمنين من شرورهم ...

السورة التي رسمت أسس التكافل الاجتماعى بين أفراد الأمة الإسلامية ، عن طريق مشروعية الزكاة ، ووجوب أدائها لمستحقيها.

السورة التي ساقت ألوانا من فضل الله على عباده المؤمنين ، حيث تقبل سبحانه توبتهم ، وغسل حوبتهم ، وتجاوز عن خطئهم.

السورة التي صنفت المجتمع الإسلامى في أواخر العهد النبوي تصنيفا دقيقا.

٤٣٤

فهناك السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وهناك الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا.

وهناك المرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم.

وهناك الأعراب المنافقون ، وهناك الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة.

وقد بينت السورة الكريمة ما يستحقه كل قسم من الأقسام من ثواب أو عقاب.

السورة التي أوجبت على المؤمنين أن يقيموا علاقاتهم على أساس العقيدة الدينية لا على أساس القرابة الجسدية ، فنهتهم أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى.

هذا جانب من المقاصد الإجمالية التي اشتملت عليها هذه السورة الكريمة ونسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ، وأنس نفوسنا ؛ وأن يرزقنا الإخلاص والتوفيق في القول والعمل.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

د. محمد السيد طنطاوى

٤٣٥
٤٣٦

فهرس إجمالى لتفسير سورة الأنفال

المقدمة.......................................................................... ٥

تمهيد بين يدي السورة............................................................ ٧

١ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ)................................................... ٢٣

٢ ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ).......................................... ٢٩

٣ ـ (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ)................................................... ٣١

٤ ـ (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)................................................. ٣٢

٥ ـ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ)...................................................... ٣٧

٦ ـ (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ).................................................... ٣٩

٧ ـ (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ).......................................... ٤٠

٨ ـ (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ)............................................... ٤٢

٩ ـ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ)...................................................... ٤٣

١٠ ـ (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى)................................................ ٤٨

١١ ـ (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ).................................................... ٤٨

١٢ ـ (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ)............................................ ٥٢

١٣ ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ).................................................. ٥٣

١٤ ـ (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ)......................................................... ٥٤

١٥ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)................................. ٦٠

١٦ ـ (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ)................................................. ٦١

١٧ ـ (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ).......................................... ٦٤

١٨ ـ (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ)....................................... ٦٦

١٩ ـ (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ)......................................... ٦٧

٢٠ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ)........................................... ٦٩

٢١ ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا).......................................... ٧٠

٢٢ ـ (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِ)....................................................... ٧٠

٢٣ ـ (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً)................................................ ٧١

٢٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ)........................................ ٧٢

٢٥ ـ (وَاتَّقُوا فِتْنَةً)........................................................... ٧٥

٢٦ ـ (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ).................................................. ٧٨

٤٣٧

٢٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ)........................................ ٨٠

٢٨ ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ).................................................. ٨٢

٢٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا)............................................ ٨٣

٣٠ ـ (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا)............................................. ٨٥

٣١ ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا)................................................. ٨٨

٣٢ ـ (وَإِذْ قالُوا اللهُمَ)....................................................... ٨٩

٣٣ ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)................................................... ٩١

٣٤ ـ (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ)................................................ ٩٢

٣٥ ـ (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ)............................................ ٩٣

٣٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ)................................................. ٩٤

٣٧ ـ (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)........................................... ٩٦

٣٨ ـ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ).................................................... ٩٦

٣٩ ـ (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ)............................................ ٩٧

٤٠ ـ (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا)..................................................... ٩٨

٤١ ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ)................................................... ٩٩

٤٢ ـ (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا)................................................ ١٠٥

٤٣ ـ (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ)............................................. ١٠٨

٤٤ ـ (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ)............................................. ١١٠

٤٥ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً)....................................... ١١٢

٤٦ ـ (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ).................................................. ١١٢

٤٧ ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا)............................................ ١١٤

٤٨ ـ (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ)................................................ ١١٦

٤٩ ـ (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ)................................................... ١٢٢

٥٠ ـ (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا)........................................ ١٢٤

٥١ ـ (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ).............................................. ١٢٥

٥٢ ـ (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ)................................................... ١٢٧

٥٣ ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً)............................................ ١٣٠

٥٤ ـ (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ)................................................... ١٣١

٥٥ ـ (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ).............................................. ١٣٢

٥٦ ـ (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ)................................................. ١٣٤

٥٧ ـ (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ)............................................. ١٣٥

٤٣٨

٥٨ ـ (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً)............................................ ١٣٦

٥٩ ـ (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا).............................................. ١٣٧

٦٠ ـ (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ).............................................. ١٣٨

٦١ ـ (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ)................................................... ١٤٤

٦٢ ـ (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ).............................................. ١٤٧

٦٣ ـ (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ)................................................... ١٤٨

٦٤ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ).............................................. ١٤٩

٦٥ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ).......................................... ١٥١

٦٦ ـ (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ)................................................ ١٥٢

٦٧ ـ (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ)................................................ ١٥٤

٦٨ ـ (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ).............................................. ١٥٨

٦٩ ـ (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ).................................................... ١٦٠

٧٠ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ)................................................. ١٦١

٧١ ـ (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ).................................................. ١٦٢

٧٢ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا).............................................. ١٦٥

٧٣ ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ)................................................ ١٦٨

٧٤ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا)................................................ ١٦٩

٧٥ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ)................................................. ١٦٩

٤٣٩

فهرس إجمالى لتفسير آيات سورة التوبة

مقدمة....................................................................... ١٧٦

تمهيد بين يدي السورة......................................................... ١٧٧

١ ـ (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ).................................. ١٩٤

٢ ـ (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)......................................... ١٩٧

٣ ـ (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ).................................................. ٢٠١

٤ ـ (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)......................................... ٢٠٣

٥ ـ (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ).............................................. ٢٠٥

٦ ـ (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ)....................................... ٢٠٨

٧ ـ (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ)............................................ ٢١٢

٨ ـ (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ).............................................. ٢١٤

٩ ـ (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً)............................................ ٢١٧

١٠ ـ (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ).................................................. ٢١٧

١١ ـ (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ).............................................. ٢١٨

١٣ ـ (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا)............................................... ٢٢١

١٤ ـ (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ).......................................... ٢٢٣

١٥ ـ (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ)................................................. ٢٢٤

١٦ ـ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا)................................................. ٢٢٥

١٧ ـ (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ)................................ ٢٢٦

١٨ ـ (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ)................................................ ٢٢٨

١٩ ـ (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ)................................................. ٢٣١

٢٠ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا)................................................. ٢٣٣

٢١ ـ (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ)............................................. ٢٣٤

٢٢ ـ (خالِدِينَ فِيها أَبَداً).................................................... ٢٣٤

٢٣ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ).................................. ٢٣٥

٢٤ ـ (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ)................................................... ٢٣٦

٢٥ ـ (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ)....................................... ٢٣٩

٢٦ ـ (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ)....................................... ٢٤٢

٢٧ ـ (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ)............................................ ٢٤٢

٤٤٠