واسم الإشارة «ذلك» يعود إلى امتناع المغفرة لهم ، المفهوم من قوله : (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).
أى : ذلك الحكم الذي أصدرناه عليهم بعدم مغفرة ذنوبهم مهما كثر استغفارك لهم ، سببه : أنهم قوم «كفروا بالله ورسوله» ومن كفر بالله ورسوله ، فلن يغفر الله له ، مهما استغفر له المستغفرون ، وشفع له الشافعون.
وقوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) تذييل مؤكد لما قبله ، أى والله ـ تعالى ـ لا يهدى إلى طريق الخير أولئك الذين فسقوا عن أمره ، وخرجوا عن طاعته ، ولم يستمعوا إلى نصح الناصحين ، وإرشاد المرشدين ، وإنما آثروا الغواية على الهداية.
هذا ، ويؤخذ من هذه الآية الكريمة ، شدة شفقته صلىاللهعليهوسلم بأمته ، وحرصه على هدايتها ، وكثرة دعائه لها بالرحمة والمغفرة ، وأنه مع إيذاء المنافقين له كان يستغفر لهم ـ أملا في توبتهم ـ إلى أن نهاه الله عن ذلك.
روى ابن جرير عن ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية ، قال الرسول صلىاللهعليهوسلم أسمع ربي قد رخص لي فيهم ، فو الله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة ، فلعل الله أن يغفر لهم ، فقال الله ـ تعالى ـ من شدة غضبه عليهم (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ...) (١).
وعن قتادة لما نزلت هذه الآية قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «وقد خيرنى ربي فلأزيدنهم على السبعين» فقال الله ـ تعالى ـ : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ...) (٢).
وهكذا أصدر الله حكمه العادل في هؤلاء المنافقين ، بعدم المغفرة لهم ، بسبب كفرهم به وبرسوله ...
وبعد هذا الحديث الطويل المتنوع عن أحوال المنافقين ومسالكهم الخبيثة ، أخذت السورة الكريمة في الحديث عن حال المنافقين الذين تخلفوا في المدينة ، وأبوا أن يخرجوا مع الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى تبوك ، فقال ـ تعالى ـ :
(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ
__________________
(١ ، ٢) تفسير ابن جرير ج ١٤ ص ٣٩٧.