دراسة في سند زيارة عاشوراء

جعفر التبريزي

دراسة في سند زيارة عاشوراء

المؤلف:

جعفر التبريزي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-6226-18-7
الصفحات: ٢٩٣

وقال فيه أستاذ الفقهاء السيد الخوئي (قدس سره الشريف) : « على بن الحسين السعدآبادى ، فانه ثقة على الأصح ، لانه من رجال كامل الزيارات » (١).

ويقول (قدس سره الشريف) في أثناء بيانه لطريق الشيخ الصدوق رحمه‌الله والشريخ الطوسي (قدس سره الشريف) إلى صالح بن عقبة : « لأنّهم [ محمد بن موسى ، على بن الحسين السعدآبادى ، ابن أبي جيد ] ثقات على الاظهر » (٢). ويتضح من كلام السيد الخوئي (قدس سره الشريف) وثاقة محمد بن موسى.

ويرى الرجالي الخبير الميرزا جواد التبريزي (قدس سره الشريف) وثاقة علي بن الحسين السعدآبادي؛ لأنه كثير

__________________

(١) كتاب الحج ، ج ٤ ، ص ٢٦٩؛ وكان رأي السيد الخوئي (قدس سره الشريف) في أول الأمر هو توثيق جميع رجال كامل الزيارات ، ثم رجع عن هذا الرأي ، واكتفى بتوثيق من روى عنهم ابن قولويه بلا واسطة ، وقد نقل ابن قولويه عن أستاذه علي بن الحسين السعد آبادي ٢٣ رواية.

(٢) معجم رجال الحديث ، ج ١٠ ، ص ٨٦.

١٠١

الرواية (١) ولأنه لم يرد فيه قدح (٢) وكذلك لأنه ممن روى عنه الأجلاء (٣).

٣ ـ احمد بن محمد بن خالد (البرقى)

قال الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي (قدس سرهما) في حقه : « كان ثقة في نفسه ـ يروي عن الضعفاء واعتمد المراسيل » (٤).

__________________

(١) وقد روى الكليني عن السعدآبادي روايتين في كتاب الكافي ، كما روى عنه الشيخ الصدوق رحمه‌الله ٣٣ رواية في كتابه الأمالي ، و ١٦ رواية في الخصال ، و ٢٦ رواية في ثواب الأعمال ، و ٣٩ رواية في علل الشرائع ، و ٤ في العيون ، و ٧ في معاني الأخبار ، و ٣٠ في من لا يحضره الفقيه. كما روى عنه الشيخ الطوسي ٣ روايات في الاستبصار ، ورواية واحدة في التهذيب.

(٢) النكات الرجالية ، مخطوط.

(٣) كالشيخ الصدوق (قدس سره الشريف) وعلي بن حاتم القزويني ، ومحمد بن موسى بن المتوكل.

(٤) رجال النجاشي ، ص ٧٦ ، رقم ١٨٢ ، رجال الطوسي ، رقم ٥٥٢١. وكونه ينقل عن الضعفاء ويعتمد على المراسيل لا يضر في وثاقته بشئ إذ قد يكون الشخص ثقة ولكنه ينقل عن الضعفاء أو يعتمد على المراسيل.

١٠٢

ويقول الشيخ الطوسي (قدس سره الشريف) في حقه : « كان ثقة في نفسه ، غير أنّه اكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل ، وصنّف كتباً كثيرة » (١).

وحتى ابن الغضائري المعروف بكثرة تضعيفه للرواة إلا أنه دافع عن احمد بن محمد واعتبر أن طعن القميين فيه أمر غير وارد ، قال رحمه‌الله : « ... طعن القمييون عليه وليس الطعن فيه » (٢).

__________________

(١) الفهرست ، للشيخ الطوسي ، ص ٣٧ ، رقم ٧٤.

(٢) رجال ابن الغضائري ، ص ٣٩ ، رقم ١٠؛ ولا قيمة للطعن الذي أورده القميون على احمد بن خالد البرقي ، لأن تضعيفهم لم يكن وفق المعايير والأصول الرجالية كما يرى الرجالي الخبير الميرزا جواد التبريزي (أعلى الله مقامه الشريف) ، ونقد نقض الرجاليون الكبار مواردا كثيرة من تضعيفات القميين ، وردوا قولهم. ومن ذلك على سبيل المثال ما قاله الشيخ الطوسي (قدس سره الشريف) في حق يونس بن عبد الرحمن : «ضعفه القميون وهو ثقة» رجال الطوسي ص ٣٤٦ ، رقم ٥١٦٧. وقد نقل أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن ٣٨١ من الرواة ، ونقل عن والده محمد بن خالد البرقي ١٨٥٣ رواية ، اشتمل الكافي على ٣٥٨ منها.

١٠٣

٤ ـ محمد بن خالد بن عبد الرحمن البرقي

وهو أبو أحمد البرقي السابق ، قال النجاشي رحمه‌الله في حقه : « كان محمّد ضعيفاً في الحديث ، وكان اديباً حسن المعرفة بالأخبار وعلوم العرب » (١).

واعتبره الشيخ الطوسي (قدس سره الشريف) في كتابه الرجالي ممن صاحب ثلاثة من الأئمة عليهم‌السلام وهم « الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام ، والإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، والإمام محمد بن علي الثاني عليه‌السلام ».

فقد قال الشيخ (قدس سره الشريف) في القسم المخصص لأصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام : « ثقة ، هؤلاء من اصحاب أبي الحسن موسى عليه‌السلام » (٢).

وقال في القسم المخصص لأصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام : « محمد بن خالد البرقى ».

__________________

(١) رجال النجاشي ، ص ٣٣٥ ، رقم ٨٩٨.

(٢) رجال الطوسي ، ص ٣٦٣ ، رقم ٥٣٩١.

١٠٤

وقال في القسم المخصص لأصحاب الإمام الجواد عليه‌السلام : « محمد بن خالد البرقى من اصحاب موسى بن جعفر والرضا عليه‌السلام » (١).

وقد دافع عنه العلامة الحلي (قدس سره الشريف) بعد أن نقل تضعيف ابن الغضائري (٢) والنجاشي (٣) له ، ورأى (قدس سره الشريف) أن تعديل الشيخ مقدّم على جرح النجاشي ، ولذا قال العلامة : « والاعتماد عندى على قول الشيخ ابى جعفر الطوسى رحمه‌الله » (٤).

كما إن العلامة الحلي (قدس سره الشريف) اعتبره من الثقات حينما تعرض له في كتابه الرجالي في القسم المخصص لأصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام.

__________________

(١) نفس المصدر ، ص ٣٧٧ ، رقم ٥٥٨٥.

(٢) فقد قال ابن الغضائري عنه : «يروي عن الضعفاء كثيرا ويعتمد المراسيل». رجال ابن الغضائري ، ص ٩٣ ، رقم ١٣٢.

(٣) لقد روى محمد بن خالد البرقي عن ٢١٢ من المحدثين ، كما روى عن يونس بن عبد الرحمن ٤٥ رواية ، اشتمل كتاب الكافي على ٧ روايات منها.

(٤) خلاصة الأقوال ، ص ١٣٩ ، رقم ١٤.

١٠٥

٥ ـ يونس بن عبد الرحمن

قال النجاشي رحمه‌الله في حقه : « مولى علي بن يقطين أبو محمّد ، كان وجهاً في أصحابنا ، متقدّماً عظيم المنزلة » (١).

ويقول الشيخ الطوسي (قدس سره الشريف) في القسم المخصص لأصحاب الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام من رجاله : « ضعّفه القمّيون ، وهو ثقة » (٢).

وكذلك يقول في القسم المخصص لأصحاب الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : « طعن عليه القميون ، وهو عندي ثقة » (٣).

وأورد الكشي في رجال روايات كثيرة في حق يونس بن عبد الرحمن وكلها تحكي عن فضله وجلالة قدره ومنزلته الرفيعة عند المعصومين عليهم‌السلام حتى أن الإمام الرضا

__________________

(١) رجال النجاشي ، ص ٤٤٦ ، رقم ١٢٠٨.

(٢) رجال الطوسي ، ص ٣٤٦ ، رقم ٥١٦٧.

(٣) رجال الطوسي ، ص ٣٦٨ ، رقم ٥٤٧٨.

١٠٦

عليه‌السلام قد ضمن له الجنة فقد ورد : « إنّ الرضا عليه‌السلام ضمن ليونس الجنّة ثلاث مرّات » (١).

وجاء في رواية أخرى أن الإمام الرضا عليه‌السلام قال : « ... ويونس في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه » (٢).

وقال ابن داوود في حق يونس : « كان وجهاً في أصحابنا ، متقدّماً ، عظيم المنزلة » (٣).

كما قال العلامة الحلي (قدس سره الشريف) عن يونس بن عبد الرحمن (٤) : « كان وجهاً في أصحابنا متقدّماً عظيم المنزلة » (٥).

__________________

(١) رجال الكشي ، ص ٤٨٢ ، رقم ٩١٩؛ معجم رجال الحديث ، ج ٢١ ، ص ٢١٢؛ قاموس الرجال ، ج ١١ ، ص ١٧٢.

(٢) رجال الكشي ، ص ٤٨٦ ، رقم ٩١٩؛ قاموس الرجال ، ج ١١ ، ص ١٧٤.

(٣) رجال ابن داوود ، ص ٢٠٧ ، رقم ١٧٤٣.

(٤) لقد روى يونس بن عبد الرحمن عن ٢٤٠ راوي ، وعن الإمام الرضا عليه‌السلام ١٤٢ رواية ، اشتمل الكافي على ٣٣ رواية منها.

(٥) خلاصة الأقوال ، ص ٢٩٦ ، رقم ١.

١٠٧

كلام السيد الخوئي (قدس سره الشريف) في طريق الشيخ الطوسي والصدوق إلى كتاب صالح بن عقبة :

يقول أستاذ الفقهاء السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره الشريف) : « والطريق كطريق الشيخ اليه صحيح ، وإن كان في الأوّل منهما : محمّد بن موسى وعلى بن الحسين السعدآبادي ، وفي الثاني ابن أبي جيد ، لأنّهم ثقات على الأظهر » (١).

وما دام جميع الأشخاص في طريق الشيخ الطوسي والصدوق هم من الثقات ، بالإضافة إلى تصحيح أستاذ الفقهاء السيد الخوئي (قدس سره الشريف) وكذلك الرجالي الكبير الميرزا جواد التبريزي (قدس سره الشريف) فإننا نحكم بصحة طريقي الشيخ الطوسي والصدوق إلى كتاب صالح بن عقبة.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ، ج ١٠ ، ص ٨٦.

١٠٨

كلام حول صالح بن عقبة بن قيس (الخياط ، القماط)

ولإتمام دراسة السند الأول لزيارة عاشوراء الشريفة لابد أن ندرس سيرة صالح بن عقبة من الناحية الرجالية.

فقد عرّفه النجاشي رحمه‌الله بقوله : « صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي رُبيحة (١) مولى (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قيل : إنّه روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، والله أعلم » ثم يقول : « روى صالح عن أبيه عن جدّه ، وروى عن زيد

__________________

(١) اختلف علماء الرجال في ضبط كلمة «ربيحة» وانقسموا إلى أربعة طوائف :

أ ـ ربيحة : رجال النجاشي ، رقم ٥٣٢ ، نقد الرجال ، ج ٢ ، ص ٤١١ ، ايضاح الاشتباه ، ص ٢٠٢ ، اضبط المقال ، ص ٨٥.

ب ـ ذبيحة : ابن الغضائري ، رقم ٧٠ ، خلاصة الأقوال ، ص ٣٦٠.

ج ـ ربيعة : طرائف المقال ، ج ١ ص ٤٨٩ ، جامع الرواة ، ج ١ ، ص ١٣٨.

د ـ (رُبيحة ، ذبيحة) : معجم رجال الحديث ، ج ١٠ ، ص ٨٤ ، الفائق ، ج ٢ ، ص ١٣٨.

ولكن السيد الخوئي (قدس سره الشريف) كتب (ذبيحة) عند نقله عن النجاشي رحمه‌الله بينما كتب (ربيحة) حينما نقل عن البرقي رحمه‌الله ، وأما الشيخ الطوسي (قدس سره الشريف) فلم يشر إلى ذلك أصلاً.

(٢) المقصود باصطلاح «مولى رسول الله» هو أن الشخص كان عبدا فاشتراه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعتقه لوجه الله تعالى ، أو أنه كان متشرفا بخدمة الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وإذا وردت في استعمالات أخرى فإن معناها حينئذٍ أن الشخص تابع لشخص آخر أو قبيلة ما.

١٠٩

الشحام ، [ و ] روى عنه محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب وابنه إسماعيل بن صالح بن عقبة ، قال سعد : هو مولى ، وله كتاب يرويه (عنه) جماعةٌ ، منهم محمّد بن إسماعيل بن بزيع. أخبرنا الحسين بن عبيد الله عن ابن حمزة ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن ابن أبي الخطّاب ، قال : حدّثنا محمّد بن اسماعيل ، عن صالح بكتابه » (١).

والخلاصة : إن النجاشي رحمه‌الله حينما ذكر الأشخاص الذين روى عنهم صالح بن عقبة فإنه يشير بذلك إلى طريق إلى كتاب صالح بن عقبة (٢).

وكذلك يقول الشيخ الطوسي (قدس سره الشريف) في كتاب الفهرست : « صالح بن عقبة له كتاب » (٣) وقد بيّن الشيخ الطوسي (قدس سره الشريف) طريقه إلى كتاب صالح بن عقبة عند ذكره اسم صالح بن عقبة.

__________________

(١) رجال النجاشي ، ص ٢٠٠ ، رقم ٥٣٢.

(٢) فهرست النجاشي ، ص ١٤٧.

(٣) فهرست الشيخ الطوسي ، ص ١٤٧ ، رقم ٣٦٢.

١١٠

وقد ذكر الشيخ الطوسي (قدس سره الشريف) صالح بن عقبة في كتابه الرجالي في ثلاثة مواضع :

١ ـ عند ذكر أصحاب الإمام الباقر عليه‌السلام فقد ذكر اسمه هناك قائلا : «صالح بن عقبة» (١).

٢ ـ في قسم أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، وقال هناك : « صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان ، مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٢).

٣ ـ في باب أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام ، إذ يقول : « صالح بن عقبه ، من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام » (٣).

إذن فالنجاشي والطوسي (رحمهما الله) لم يصرحا بتوثيق صالح بن عقبة ولكن يمكننا التوصل لمعرفة حاله عن طريق القرائن التي سنتعرض لها.

__________________

(١) رجال الطوسي ، ص ١٣٨ ، رقم ١٤٥٩.

(٢) نفس المصدر ، ص ٢٢٧ ، رقم ٣٠٧٠.

(٣) نفس المصدر ، ص ٣٣٨ ، رقم ٥٠٣٧.

١١١

يقول أستاذ الفقهاء السيد الخوئي (قدس سره الشريف) في آخر ماكتبه عن صالح بن عقبة : « وقع بهذا العنوان (صالح بن عقبه بن قيس) في إسناد عدّة من الروايات تبلغ مائة واثنين وعشرين مورداً » (١).

وبعد أن عرض السيد الخوئي (قدس سره الشريف) إلى تضعيف ابن الغضائري وقدح ابن داوود في صالح بن عقبة دافع عنه قائلا : « لا يعارض التضعيف المنسوب الى ابن الغضائرى ، توثيق علي بن إبراهيم (٢) لما عرفت غير مرة من ان نسبة الكتاب الى ابن الغضائرى لم يثبت ، فالرجل من الثقات » (٣).

__________________

(١) معجم رجال الحديث ، ج ١٠ ، ص ٨٢.

(٢) لقد عرّف علي بن ابراهيم جميع رواته في مقدمة تفسيره ، وبنى السيد الخوئي (قدس سره الشريف) رأيه على هذا الأساس فرأي وثاقة جميع الرواة المذكورين في تفسير القمي رحمه‌الله ، وبناء على هذا المبنى فإن صالح بن عقبة ممن شمله التوثيق ، وإن كان في أصل المبنى كلام وبحث.

(٣) معجم رجال الحديث ، ج ١٠ ، ص ٨٥ و ٣٤١؛ ج ١٤ ص ٢٧ ، ج ١٦ ، ص ١٤٧ ، ج ٢١ ، ص ٧٤.

١١٢

ولو أخذنا بنظر الاعتبار كثرة روايات صالح بن عقبة ونقل الأجلاء عنه (١) ، وكذلك عدم الاعتناء بقدح ابن الغضائري ـ كما يرى الرجال الخبير الميرزا التبريزي (قدس سره الشريف) ـ فإننا سنصل إلى نتيجة هي وثاقة صالح بن عقبة.

__________________

(١) فقد نقل عنه عدة من أجلاء الرواة نذكر منهم : ابراهيم بن هاشم القمى ، عبدالله بن المغيرة البجلى ، محمد بن الحسين بن ابى الخطاب ، محمد بن اسماعيل بن بزيع ، يونس بن عبدالرحمن ، الحسن بن على بن بقاح و ... كما بلغ رواياته ١٢٢ رواية ولم يرد فيه قدح ، وهذه كلها تعتبر توثيقا له.

١١٣

دراسة القرائن الدالة على وثاقة صالح بن عقبة

١ ـ إذا ذُكر في علم الرجال سند يتصل من خلاله الرجالي بكتاب شخصي فإن ذلك حاكٍ عن جلالة صاحب الكتاب ، وقد بيّن النجاشي والطوسي (رحمهما الله) سندهما إلى كتاب صالح بن عقبة ، وهذا يدل على جلالة هذا الراوي ومكانته العالية (١).

٢ ـ لم يذكر الشيخ الطوسي ولا الشيخ النجاشي (رحمهما الله) نقطة ضعف واحدة بخصوص صالح بن عقبة ، مع سيرتهما (رحمهما الله) قائمة على ذمر أي ذم أو قدح قد يرد على الراوي.

٣ ـ لقد أورد النجاشي والطوسي (رحمهما الله) أسم صالح بن عقبة في كتابيهما ولكن لم يتعرضوا لمذهبه الديني مع أن ديدنهم وخصوصا النجاشي رحمه‌الله عند بحث الكتب

__________________

(١) وإن كان ذلك لوحده لا يكفي في توثيق الراوي.

١١٤

الرجالية (١) هو ذكر أسماء المصنفين من الشيعة ، بل إن اسم كتابه هو (فهرست أسماء مصنفي الشيعة) (٢) ويمكن أن نستفيد من ذلك كون صالح بن عقبة امامي المذهب.

__________________

(١) وبمناسبة الحديث عن أهم الكتب الرجالية في الأعصار المختلفة نشير إلى الكتب التالية :

طبقات الرجال ( رجال البرقى ) ، احمد بن محمد بن خالد ، القرن الثالث ؛

اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشى ) ، محمد بن عمر بن عبد العزيز ، القرن الرابع ؛

الابواب ( رجال الشيخ الطوسي رحمه‌الله ) ، ابو جعفر محمد بن الحسن ، القرن الخامس ؛

الفهرست ( فهرست الشيخ الطوسي رحمه‌الله ) ، ابو جعفر محمد بن الحسن ، القرن الخامس ؛

فهرست اسماء مصنفى الشيعة ( رجال النجاشي ) ، احمد بن على بن احمد ، القرن الخامس ؛

كتاب الضعفاء ( رجال ابن الغضائرى ) ، احمد بن الحسين بن الغضائرى ، القرن الخامس ؛

خلاصة الاقوال في معرفة احوال الرجال ( رجال العلامة ) ، الحسن بن يوسف ، القرن الثامن ؛

رجال ابن داود ، الحسن بن على بن داود ، القرن الثامن.

(٢) اسم الكتاب هو (فهرست أسماء مصنفي الشيعة) وهو معروف باسم (رجال النجاشي) ومؤلفه هو أبو الحسين أحمد بن علي بن أحمد النجاشي (٣٧٢ ـ ٤٥٠ هـ) وهذا الكتاب من الأصول الأساسية في علم الرجال ، وقد ألفه النجاشي ليكون فهرستا يضم أسماء المؤلفين من الشيعة ولذا لم يذكر فيه إلا الأكابر الذين

١١٥

__________________

بقيت كتبهم خالدة ومعروفة ، وعلم الرجال علم اهتم به علماء الشيعة الكبار منذ القرون الإسلامية الأولى والى يومنا هذا ، لاحتياجنا إلى التأكد من اعتبار الكتب الحديثية وذلك لا يتم إلا من خلال الاطمئنان إلى وثاقة الراوي للكتاب ، وهذا لا يتم إلا عن طريق علم الرجال ، وأول من طرق المسائل الرجالية وكتب فيها هو (عبيد الله بن أبي رافع) كاتب أمير المؤمنين عليه‌السلام فقد قام هذا الرجل بتسجيل أسماء أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام الذين حضروا معه حروبه ، ثم جاء بعده (عبد الله بن جبلة الكناني) المتوفى ٢١٩ هـ ، و (أبو فضال) و (ابن محبوب) في القرنين الثاني والثالث فكتبوا في هذا المجال كتابات ولكنها لم تصلنا للأسف الشديد.

وأول ما وصلنا من الكتب الرجالية المعتبرة التي كُتبت في القرنين الرابع والخامس وما تلاهما هي هذه الكتب :

١ ـ رجال الكشي.

٢ ـ فهرست النجاشي.

٣ ـ رجال الشيخ الطوسي.

٤ ـ فهرست الشيخ الطوسي.

٥ ـ رجال البرقي.

ثم كُتبت بعد ذلك الكتب ووضعت مئات المؤلفات في هذا العلم ولكن أكثرها استمد معلوماته من هذه الأصول الخمسة المُشار إليها.

وقد ذكر الشيخ النجاشي رحمه‌الله في مقدمة كتابه السبب الذي دعاه إلى تأليف الكتاب وهو أنه سمع عن السيد المرتضى (قدس سره الشريف) قوله : إن المخالفين زعموا بأن الشيعة لا تمتلك تاريخا علميا وليس لديها علماء كبار ولهم تأليفات وكتابات علمية ... ) ولذا أقدم النجاشي رحمه‌الله على تتبع أسماء المؤلفين الشيعة وفهرستهم في كتابه المذكور.

١١٦

__________________

وكتاب النجاشي مقدّم على (فهرست الشيخ الطوسي) لأمور :

١ ـ أنه كُتب بعد (فهرست الشيخ الطوسي) وفي أواخر عمر النجاشي رحمه‌الله ، بينما كتب الشيخ الطوسي (قدس سره الشريف) فهرسته في بدايات عمره.

٢ ـ كان الشيخ الطوسي (قدس سره الشريف) ملما بعلوم كثيرة وله فيها مؤلفات متعددة فكانت طاقته العلمية متوزعة على جميع هذه العلوم ، ولذا أورد عليه المحققون كثيرا من الاشكالات ، بينما تخصص الشيخ النجاشي وأفنى عمره في علم الرجال فقط.

٣ ـ كان النجاشي رحمه‌الله محيطا بعلم الأنساب ، وعلم الأنساب علم ضروري جدا لمعرفة حال الرجال.

٤ ـ لقد كان كثير من الرواة كوفيين أو من أطراف الكوفة ، والنجاشي كوفي أيضاً ، وبالتالي فهو أعرف بحالهم من غيره.

٥ ـ لقد تمرس النجاشي رحمه‌الله من خبرة ابن الغضائري رحمه‌الله واستفاد منها كثيرا وابن الغضائري رحمه‌الله كان أستاذا كبيرا لهذا العلم.

٦ ـ لقد رأى النجاشي رحمه‌الله كثرا من علماء الرجال ممن لم يرهم الشيخ الطوسي (قدس سره الشريف) ، ولو دققنا في التواريخ المذكورة في كتابه لاتضح لنا أنه كتبه بين ٤١٩ و ٤٣٦ هجرية. فهو ذكر وفاة محمد بن عبد الملك التبان التي كانت في سنة ٤١٩ هـ ، وحينما ذكر السيد المرتضى (قدس سره الشريف) دعا له بقوله : «أطال الله بقاءه» و «أدام توفيقه» ، علما أن وفاة السيد المرتضى (قدس سره الشريف) كانت في عام٤٣٦ هـ ، لقد تكفل كتاب النجاشي بذكر ١٢٦٩ من الرواة مع ذكر مدى وثاقتهم ، وقد خصص لبعضهم عدة أسطر ، وأكثر للبعض الآخر.

ومن مميزات كتاب النجاشي رحمه‌الله أنه ذكر مذهب الراوي ومدى وثاقته وبالإضافة إلى ذلك ذكر جميع مصنفاته ومؤلفاته. وهذا الكتاب يُعتبر من أهم المصادر لدراسة الرواة وأحوالهم وأعظم الكتب الرجالية المعتمدة في

١١٧

كما إن مبنى الشيخ الطوسي (قدس سره الشريف) في كتاب الفهرست قائم على ذكر المؤلفات التي كتبها المؤلفون الشيعة من الفرقة الإثني عشرية ، إلا إذا صرّح بخلاف ذلك كما ذكر الزيدية والأفطحية والواقفية ... الخ. وهذا يدلنا على كون صالح بن عقبة من الشيعة الإمامية.

وقد ذكر الأعاظم في علم الرجال أن من ذكره النجاشي رحمه‌الله ولم يذكر معه مذهبه فهو إمامي قطعا ، وإلا فلو كان غير إمامي لقال النجاشي عنه بأنه : «فطحي المذهب» أو أن مذهبه كذا ، وممن ذكر هذه القاعدة العلامة بحر العلوم

__________________

الجرح والتعديل. والهدف الأساسي من الكتب هو التعريف بالمؤلفين الشيعة وكتاباتهم ، ولهذا لم يذكر الرواة الذين لم تكن لهم مؤلفات ومصنفات. ولم ترد أسماء جميع المؤلفين الشيعة إلى زمان تأليف الكتاب ، وفي المقابل ذُكرت أسماء بعض المؤلفين من غير الشيعة الذين كتبوا حول الشيعة والتشيع. وقد تعرض فيه النجاشي إلى بعض الأفراد بالتوثيق والجرح وذُكرت أسنادهم أيضاً ، فذكر النجاشي بعض التوثيقات الخارجة عن تخصص الكتاب ، ومنها على سبيل المثال التوثيق العام الصادر بحق الحلبيين (النجاشي : رقم ٢٢٩) و ... ، ولم يكتفِ النجاشي بذكر الأسم فقط أو الكنية بل ذكر الألقاب والأسماء المتعددة للراوي إن وجدت. كما تعرض كثيرا لذكر التواريخ التي تخص الراوي كتاريخ الولادة والوفاة وتاريخ أخذ الإجازة و ... ، وتجدر الإشارة أيضاً إلى ارتكاز العلماء الأجلاء واعتمادهم على الكتاب كما يذكر أيضاً عرض الكتاب على المعصوم عليه‌السلام.

١١٨

(قدس سره الشريف) في كتابه (الفوائد الرجالية) في (الفائدة العاشرة) ، قال (قدس سره الشريف) : «الظاهر أن جميع من ذكر الشيخ في (الفهرست) من الشيعة الإمامية إلا من نص فيه على خلاف ذلك من الرجال : الزيدية ، والفطحية ، والواقفية وغيرهم ، كما يدل عليه وضع هذا الكتاب ، فإنه في فهرست كتب الأصحاب ومصنفاتهم ، دون غيرهم من الفِرق» (١).

٤ ـ ويقول المحدّث النوري رحمه‌الله بعد ذكره لطريق الشريخ الصدوق رحمه‌الله إلى صالح بن عقبة : « السند إلى صالح صحيح بما مرّ ، وأمّا هو فيشير الى مدحه بل وثاقته ... » (٢).

٥ ـ لقد وّثق صالح بن عقبة كثير من الأجلاء منهم : علي بن إبراهيم رحمه‌الله (٣) في تفسيره ، والوحيد البهبهاني (رحمه

__________________

(١) الفوائد الرجالية ، ج ٤ ، ص ١١٤.

(٢) خاتمة المستدرك ، ج ٤ ص ٣٦٢؛ مستدرك الوسائل ، ج ٤ ص ٢٤٢ ، رقم ٧٠٠٧.

(٣) تفسير القمي هو تفسير منسوب إلى المحدّث والفقيه الإمامي علي بن إبراهيم بن هاشم القمي المتوفى سنة ٣٠٧ هـ ، ولقد نسب النجاشي رحمه‌الله (ص ٢٦٠ ، رقم ٥٨٠) والشيخ الطوسي (قدس سره الشريف) في الفهرست (ص ٢٠٩ ، رقم ٣٨٠) هذا الكتاب إلى علي بن إبراهيم ، كما نقله عنه المتقدمون في كتبهم ومنها على سبيل المثال : التهذيب ، مجمع البيان و ... ، وأول من ذكره هو الحسن بن

١١٩

__________________

سليمان الحلي رحمه‌الله كما ينقل الشهيد الأول المتوفى سنة ٧٨٤ هـ ، وقد ذكر العلامة المجلسي رحمه‌الله في (بحار الأنوار) روايات عديدة عن (تفسير القمي).

وهناك نظريتان حول هذا الكتاب :

الأولى : هي صحة رواياته ووثاقة جميع رواته كما نستنتج من مقدمة الكتاب.

الثانية : وترى هذه النظرية إن هذا الكتاب الموجود حاليا ليس لعلي بن إبراهيم القمي.

وتفصيل الكلام في النظرية الأولى : أننا لو لاحظنا ما كتبه القمي رحمه‌الله في مقدمته حيث يقول : « ... ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهى الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم ولا يقبل عمل الا بهم ». (تفسير القمى ، ج ١ ، ص ٤ ، نشر مؤسسة دار الكتب). وهذا الكلام يدل على صحة الروايات الواردة في الكتاب ووثاقة جميع الرواة ، كما اشتمل تفسير القمي على بعض النقاط التي لو أخذناها بعين الاعتبار أمكننا القول بصحة جميع روايات هذ التفسير ، وهذه النقاط هي :

أولا : وجوب كون الراوي شيعيا ، وقد أشار القمي إلى ذلك في قوله : «ثقاتنا» الوارد في المقدمة.

ثانيا : اشتراط أن تنتهي الرواية إلى المعصوم عليه‌السلام لأنهم هم فقط من «فرض الله طاعتهم» وقد دل على ذلك قول القمي رحمه‌الله : « عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم ولا يقبل عمل إلا بهم ».

١٢٠