التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٤

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٤

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0531-4
الصفحات: ٣٦٠

سواك لا يغنى ولا يشبع.

وقد جمع عيسى في دعائه بين لفظي «اللهم وربنا» إظهارا لنهاية التضرع وشدة الخضوع ، حتى يكون تضرعه أهلا للقبول والإجابة.

وعبر عن مجيء المائدة بالإنزال من السماء للإشارة إلى أنها هبة رفيعة ، ونعمة شريفة ، آتية من مكان عال مرتفع في الحس والمعنى ، فيجب أن تقابل بالشكر لواهبها ـ عزوجل ـ وبتمام الخضوع والإخلاص له.

وقوله (تَكُونُ لَنا عِيداً) صفة ثانية لمائدة ، وقوله (لَنا) خبر كان وقوله (عِيداً) حال من الضمير في الظرف.

قال الفخر الرازي : تأمل في هذا الترتيب ، فإن الحواريين لما سألوا المائدة ذكروا في طلبها أغراضا ، فقدموا ذكر الأكل فقالوا (نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها) وأخروا الأغراض الدينية الروحانية.

فأما عيسى فإنه لما ذكر المائدة وذكر أغراضه فيها قدم الأغراض الدينية وأخر غرض الأكل حيث قال : (وَارْزُقْنا) وعند هذا يلوح لك مراتب درجات الأرواح في كون بعضها روحية ، وبعضها جسمانية.

ثم إن عيسى لشدة صفاء دينه لما ذكر الرزق انتقل إلى الرازق بقوله (وَارْزُقْنا) لم يقف عليه : بل انتقل من الرزق إلى الرازق فقال : (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ). فقوله : (رَبَّنا) ابتداء منه بذكر الحق. وقوله (أَنْزِلْ عَلَيْنا) انتقال من الذات إلى الصفات.

وقوله (تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) إشارة إلى ابتهاج الروح بالنعمة لا من حيث إنها نعمة ، بل من حيث إنها صادرة من المنعم.

وقوله : (وَآيَةً مِنْكَ) إشارة إلى كون هذه المائدة دليلا لأصحاب النظر والاستدلال.

وقوله : (وَارْزُقْنا) إشارة إلى حصة النفس.

ثم قال الإمام الرازي : فانظر كيف ابتدأ بالأشرف فالأشرف نازلا إلى الأدون فالأدون ثم قال : (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وهو عروج مرة أخرى من الخلق إلى الخالق ، ومن غير الله إلى الله ، وعند ذلك تلوح لك سمة من كيفية عروج الأرواح المشرقة النورانية إلى الكمالات الإلهية ونزولها (١).

ثم ختم ـ سبحانه ـ حديثه عن هذه المائدة وما جرى بشأنها بين عيسى والحواريين من

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ج ٢ ص ١٣١

٣٤١

أقوال فقال ـ تعالى ـ : (قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ ، فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ).

وقوله : (مُنَزِّلُها) ورد فيه قراءتان متواتران.

إحداهما : منزلها ـ بتشديد الزاى ـ من التنزيل وهي تفيد التكثير أو التدريج كما تنبئ عن ذلك صيغة التفعيل. وبهذه القراءة قرأ ابن عامر وعاصم ونافع.

وقرأ الباقون (مُنَزِّلُها) بكسر الزاى ـ من الإنزال المفيد لنزولها دفعة واحدة.

والمعنى : قال الله ـ تعالى ـ إنى منزل عليكم المائدة من السماء إجابة لدعاء رسولي عيسى ـ عليه‌السلام ـ (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ) أى فمن يكفر بعد نزولها منكم أيها الطالبون لها (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) أى : فإن الله ـ تعالى ـ يعذب هذا الكافر بآياته عذابا لا يعذب مثله أحدا من عالمي زمانه أو من العالمين جميعا.

وقد أكد ـ سبحانه ـ عذابه للكافر بآيات الله بعد ظهورها وقيام الأدلة على صحتها بمؤكدات منها : حرف إن في قوله (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ) ومنها : المصدر في قوله (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً) إذ المفعول المطلق هنا لتأكيد وقوع الفعل وهو العذاب. ومنها : وصف هذا العذاب بأنه لا يعذب مثله لأحد من العالمين.

وهذه المؤكدات لوقوع العذاب على الكافر بآيات الله بعد وضوحها من أسبابه : أن الكفر بعد إجابة ما طلبوه ، وبعد رؤيته ومشاهدته ؛ وبعد قيام الأدلة على وحدانية الله وكمال قدرته ، وبعد ظهور البراهين الدالة على صدق رسوله.

أقول : الكفر بعد كل ذلك يكون سببه الجحود والعناد والحسد ، والجاحد والمعاند والحاسد يستحقون أشد العذاب ، وأعظم العقاب.

هذا ، وهنا مسألتان تتعلقان بهذه الآيات الكريمة ، نرى من الخير أن نتحدث عنهما بشيء من التفصيل.

المسألة الأولى : آراء العلماء في إيمان الحواريين وعدم إيمانهم.

المسألة الثانية : آراء العلماء في نزول المائدة وعدم نزولها.

وللاجابة عن المسألة الأولى نقول : لعل منشأ الخلاف في إيمان الحواريين وعدم إيمانهم مرجعه إلى قولهم لعيسى ـ كما حكى القرآن عنهم ـ (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ)؟ فإن هذا القول يشعر بشكهم في قدرة الله على إنزال هذه المائدة.

وقد ذهب فريق من العلماء ـ وعلى رأسهم الزمخشري ـ إلى عدم إيمانهم ، وجعلوا الظرف في

٣٤٢

قوله : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ) متعلقا بقوله قبل ذلك (قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ).

أى : أنهم قالوا لعيسى آمنا واشهد بأننا مسلمون ، في الوقت الذي قالوا له فيه (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) فكأنهم ادعوا الإيمان والإسلام ادعاء بدون إيقان وإذعان ، وإلا فلو كانوا صادقين في دعواهم لما قالوا لعيسى بأسلوب الاستفهام : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ).

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قالوا : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) بعد إيمانهم وإخلاصهم؟ قلت : ما وصفهم الله بالإيمان والإخلاص ، وإنما حكى ادعاءهم لهما ، ثم اتبعه بقوله : (إِذْ قالَ) فإذن دعواهم كانت باطلة ، وانهم كانوا شاكين ، وقوله : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم. وكذلك قول عيسى لهم معناه : اتقوا الله ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته ، ولا تقترحوا عليه ولا تحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أى : إن كانت دعواكم للايمان صحيحة (١).

وذهب جمهور العلماء إلى أن الحواريين عند ما قالوا لعيسى (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) كانوا مؤمنين واستدلوا على ذلك بأدلة منها :

١ ـ أن الظرف في قوله : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ) ليس متعلقا بقوله : (قالُوا آمَنَّا) وإنما هو منصوب بفعل مضمر تقديره اذكر ، وهذا ما رجحه العلامة أبو السعود في تفسيره فقد قال :

قوله : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ) كلام مستأنف مسوق لبيان بعض ما جرى بينه عليه‌السلام ـ وبين قومه منقطع عما قبله ، كما ينبئ عنه الإظهار في موضع الإضمار وإذ منصوب بمضمر. وقيل : هو ظرف لقالوا أريد به التنبيه على أن ادعاءهم الايمان والإخلاص لم يكن عن تحقيق وإيقان ولا يساعده النظم الكريم» (٢).

٢ ـ أن قول الحواريين لعيسى (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) لا يسحب عنهم الإيمان ، وقد خرج العلماء قولهم هذا بتخريجات منها (أ) أن قولهم لم يكن من باب الشك في قدرة الله ، وإنما هو من باب زيادة الاطمئنان عن طريق ضم علم المشاهدة إلى العلم النظري بدليل أنهم قالوا بعد ذلك (نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا).

وشبيه بهذا قول إبراهيم (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ، قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٩٣

(٢) تفسير أبى السعود ج ٢ ص ٧٢.

٣٤٣

قال القرطبي ما ملخصه : «الحواريون خلصان الأنبياء ودخلاؤهم وأنصارهم ، وقد كانوا عالمين باستطاعة الله لذلك ولغيره علم دلالة وخبر ونظر فأرادوا علم معاينة كذلك ، كما قال إبراهيم (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) وقد كان إبراهيم علم ذلك علم خبر ونظر ، ولكن أراد المعاينة التي لا يدخلها ريب ولا شبهة ؛ لأن علم النظر والخبر قد تدخله الشبهة والاعتراضات ، وعلم المعاينة لا يدخله شيء من ذلك ، ولذلك قال الحواريون : (وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) كما قال إبراهيم (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (١).

(ب) أن السؤال إنما هو عن الفعل لا عن القدرة عليه ، وقد بسط الآلوسى هذا المعنى فقال : إن معنى (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) هل يفعل ربك كما تقول للقادر على القيام : هل تستطيع أن تقوم معى مبالغة في التقاضي.

والتعبير عن الفعل بالاستطاعة من باب التعبير عن المسبب بالسبب ، إذ هي ـ أى الاستطاعة ـ من أسباب الإيجاد (٢).

(ج) أن الاستطاعة هنا بمعنى الإطاعة ـ كما سبق أن أشرنا ـ ويشهد لذلك قول الفخر الرازي : قال السدى ؛ قوله (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ). أى : هل يطيعك ربك إن سألته. وهذا تفريع على أن استطاع بمعنى أطاع والسين زائدة (٣).

والذي نراه أن رأى الجمهور أرجح للأدلة التي ذكرناها ، ولأن الله ـ تعالى ـ قد ذكر قبل هذه الآية أنه قد امتن عليهم بإلهامهم الإيمان فقال :

(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) ولأنهم لو كانوا غير مؤمنين لكشف الله عن حقيقتهم ، فقد جرت سنته ـ سبحانه ـ مع أنبيائه أن يظهر لهم نفاق المنافقين حتى يحذروهم.

ولأنهم لو كانوا غير مؤمنين ، لما أمر الله أتباع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتأسى بهم في إخلاصهم ورسوخ يقيتهم قال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) (٤).

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٣٦٥

(٢) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ٥٩

(٣) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ١٢٩

(٤) الآية الأخيرة من سورة الصف.

٣٤٤

وقال ـ تعالى ـ (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (١).

فهاتان الآيتان صريحتان في مدح الحواريين وفي أنهم قوم التفوا حول عيسى ـ عليه‌السلام ـ وناصروه مناصرة صادقة ، وآمنوا به إيمانا سليما من الشك والتردد.

وأما المسألة الثانية : وهي آراء العلماء في نزول المائدة : فالجمهور على أنها نزلت.

وقد رجح ذلك ابن جرير فقال ما ملخصه : والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال : إن الله أنزل المائدة .. لأن الله لا يخلف وعده ، ولا يقع في خبره الخلف وقد قال ـ تعالى ـ مخبرا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى حين سأله ما سأله من ذلك (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) وغير جائز أن يقول الله إنى منزلها عليكم ثم لا ينزلها ، لأن ذلك منه ـ تعالى ـ خبر ، ولا يكون منه خلاف ما يخبر (٢).

وقد علق ابن كثير على ما رجحه ابن جرير فقال : وهذا القول هو ـ والله أعلم ـ الصواب ، كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم.

ومن الآثار ما خرجه الترمذي عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما ، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد : فخانوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخهم قردة وخنازير.

قال الترمذي : وقد روى عن عمار من طريق موقوفا وهو أصح.

وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن شهاب عن ابن عباس ، أن عيسى ابن مريم قالوا له ادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء. قال : فنزلت الملائكة بالمائدة يحملونها. عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة. فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم (٣).

والذي يراجع بعض كتب التفسير يرى كلاما كثيرا عما كان على المائدة من أصناف الطعام ، وعن كيفية نزولها ومكانه ، وعن كيفية استقبالها وكشف غطائها ، والأكل منها والباقي عليها بعد الأكل. وهذا الكلام الكثير رأينا من الخير أن نضرب عنه صفحا ، لضعف أسانيده ، ولأنه لا يخلو عن غرابة ونكارة ـ كما قال ابن كثير ـ فقد ذكر ـ رحمه‌الله أثرا طويلا في هذا المعنى ثم قال في نهايته : هذا أثر غريب جدا قطعه ابن حاتم في مواضع من هذه القصة ، وقد جمعته

__________________

(١) سورة آل عمران. الآية ٥٢.

(٢) تفسير ابن جرير ج ٧ ص ١٣٥

(٣) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١١٦

٣٤٥

أنا ليكون سياقه أتم» (١).

ويعجبني في هذا المقام قول ابن جرير : وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة ، فأن يقال : كان عليها مأكول. وجائز أن يكون هذا المأكول سمكا وخبزا ، وجائز أن يكون من ثمر الجنة ، وغير نافع العلم به ، ولا ضار الجهل به ، إذا أقر تالي الآية بظاهر ما احتمله التنزيل (٢).

ويرى الحسن ومجاهد أن المائدة لم تنزل ، فقد روى ابن جرير ـ بسنده ـ عن قتادة قال : كان الحسن يقول : لما قيل لهم : (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ) قالوا : لا حاجة لنا فيها فلم تنزل.

وروى منصور بن زادان عن الحسن أيضا أنه قال في المائدة : إنها لم تنزل.

وروى ابن أبى حاتم وابن جرير عن ليث بن أبى سليم عن مجاهد قال : هو مثل ضربه الله ولم ينزل شيء.

أى : مثل ضربه الله للناس نهيا لهم عن مسألة الآيات لأنبيائه.

قال الحافظ ابن كثير : وهذه أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه النصارى. وليس في كتابهم ، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما تتوفر الدواعي على نقله. وكان يكون موجودا في كتابهم متواترا ولا أقل من الآحاد» (٣).

وقد علق بعض العلماء على كلام ابن كثير هذا فقال : ولنا أن نقول : إن هذا الاستدلال إن كان يعنى عدم نزولها فقط ، فقد يكون له شيء من الوجاهة وإن كان يعنى أنها لم تنزل ولم يسأل ، فهو محل نظر كبير ، لأن السؤال ما لم ينته بإجابة كونية فعلية تبرز بها المائدة للناس ويرونها بأعينهم ويلمسونها بأيديهم فلا يعد بذلك مما تتوافر الدواعي على نقله ، لا سيما وعيسى في بيته محصورة : جماعة سألوا وأجيبوا ، وانتهى الأمر برجوعهم عما سألوا فعدم تواتر سؤالها في كتب النصارى أو عدم وجوده فيها لا يستغرب كما يستغرب الأمر فيما لو نزلت المائدة فعلا ورآها الناس فعلا وأكلوا منها. وتذوقوا طعامها ، ولم يذكر عن ذلك شيء.

وقد ذكر القرآن هذه الحقيقة ابتداء وانفرد بها عن سائر الكتب ، ولا يلزم أن يكون كل ما قصه الله ـ تعالى ـ في القرآن قد قصه في غيره من الكتب المتقدمة ، ولا أن أصحاب الأناجيل علموا بكل شيء حتى بمثل هذه المحاورة الخاصة التي لم تنته بحادث كوني حتى يكون عدم ذكرهم إياها في أنا جيلهم ـ التي وضعوها ـ دليلا على عدم سؤالها. فقصة السؤال إذن لم

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١١٩

(٢) تفسير ابن جرير ج ٧ ص ١٣٥

(٣) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١١٩

٣٤٦

ترد فيما عند النصارى ولكنها وردت فيما عند المسلمين.

ومن الجائز أن تكون مما ورد في الأناجيل ، وأن تكون مما أخفاه أهل الكتاب ، أو ضاع منهم علمه بسبب ما. والقرآن كما وصف نفسه مهيمن على كتبهم التي وصفها بأنهم حرفوها وأنهم كانوا يخفون كثيرا منها ، وأنه يبين لهم كثيرا مما كانوا يخفون» (١).

هذا ومما سبق يتبين لنا أن العلماء متفقون على أن الحواريين قد سألوا عيسى أن يدعو ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء ، وأن عيسى قد دعا ربه فعلا أن ينزلها ، كما جاء في الآية الكريمة.

ومحل الخلاف بينهم أنزلت أم لا؟ فالجمهور يرون أنها نزلت لأن الله وعد بذلك في قوله (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) والحسن ومجاهد يريان أنها لم تنزل ، لأن الوعد بنزولها مقيد بما رتب عليه من وقوع العذاب بهم إذا لم يؤمنوا بعد نزولها ، وأن القوم بعد أن سمعوا هذا الشرط قالوا : لا حاجة لنا فيها. فلم تنزل. ويبدو لنا أن رأى الجمهور أقرب إلى الصواب ، لأن ظاهر الآيات يؤيده ، وكذلك الآثار التي وردت في ذلك.

ثم حكت السورة الكريمة ما سيقوله الله لعيسى يوم القيامة ، وما سيرد به عيسى على خالقه ـ عزوجل ـ حتى تزداد حسرة الذين وصفوا المسيح وأمه. بما هما بريئان منه فقال ـ تعالى ـ :

(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(١١٨)

__________________

(١) تفسير القرآن الكريم ص ٢٨١ ، لفضيلة الامام الأكبر المرحوم الشيخ محمود شلتوت.

٣٤٧

وقوله : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) معطوف على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ).

والخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا القول إنما يكون في الآخرة ـ على الصحيح ـ والمعنى : واذكر أيها الرسول الكريم وليذكر معك كل مكلف وقت أن يسأل الله ـ تعالى ـ عبده ورسوله عيسى فيقول له يا عيسى : أأنت قلت للناس (اتَّخِذُونِي) أى : اجعلوني (وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) أى من غير الله.

قال القرطبي : اختلف في وقت هذه المقالة ، فقال قتادة وابن جريج وأكثر المفسرين : إنما يقول له هذا يوم القيامة. وقال السدى وقطرب : قال له ذلك حين رفعه إلى السماء وقالت النصارى فيه ما قالت فإن (إِذْ) في كلام العرب لما مضى والأول أصح ، يدل عليه ما قبله من قوله (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) الآية. كما يدل عليه ما بعده وهو قوله : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ).

وعلى هذا تكون إذ بمعنى إذا كما في قوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) أى : إذا فزعوا فعبر عن المستقبل بلفظ الماضي. لأنه لتحقيق أمره وظهور برهانه. كأنه قد وقع (١).

وكان النداء بقوله ـ سبحانه ـ (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) أى : بغير ذكر النبوة ، للإشارة إلى الولادة الطبيعية التي تنفى أن يكون إلها أو ابن إله أو فيه عنصر الألوهية بأى وضع من الأوضاع لأن الألوهية والبشرية نقيضان لا يجتمعان فلا يمكن أن يكون البشر فيه ألوهية ، ولا إله فيه بشرية.

والتعبير بقوله (اتَّخِذُونِي) يدل على أنه ليس له حقيقة ، بل هو في ذاته اتخاذ بما لا أصل له.

والمقصود بالاستفهام في قوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ) توبيخ للكفرة من قومه وتبكيت كل من نسب إلى عيسى وأمه ما ليس من حقهما ، وفضيحتهم على رءوس الأشهاد في ذلك اليوم العصيب ، لأن عيسى سينفى عن نفسه أمامهم أنه قال ذلك وإنما هو أمرهم بعبادة الله وحده. ولا شك أن النفي بعد السؤال أبلغ في التكذيب وأشد في التوبيخ والتقريع وادعى لقيام الحجة على من وصفوه بما هو برىء منه.

قال الآلوسى : واستشكلت الآية بأنه لا يعلم أن أحدا من النصارى اتخذ مريم إلها.

وأجيب عنه بأجوبة الأول : أنهم لما جعلوا عيسى إلها لزمهم أن يجعلوا والدته أيضا كذلك لأن الولد من جنس

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٣٧٤

٣٤٨

من يلده ، فذكر (إِلهَيْنِ) على طريق الإلزام لهم.

والثاني : أنهم لما عظموها تعظيم الإله أطلق عليها اسم الإله كما أطلق اسم الرب على الأحبار والرهبان في قوله : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ).

والثالث : أنه يحتمل أن يكون فيهم من قال بذلك. ويعضد هذا القول ما حكاه أبو جعفر الإمامى عن بعض النصارى أنه قد كان فيما مضى قوم يقال لهم : المريمية ، يعتقدون في مريم الألوهية وهو أولى الأوجه عندي (١).

وقوله ـ تعالى ـ (قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) بيان لما أجاب به عيسى على خالقه ـ عزوجل ـ.

أى : قال عيسى مجيبا ربه بكل أدب وإذعان : تنزيها لك ـ يا إلهى ـ عن أن أقول هذا القول ، فإنه ليس من حقي ولا من حق أحد أن ينطق به.

فأنت ترى أن سيدنا عيسى ـ عليه‌السلام ـ قد صدر كلامه بالتنزيه المطلق لله ـ عزوجل ـ ثم عقب ذلك بتأكيد هذا التنزيه ، بأن أعلن بأنه ليس من حقه أن يقول هذا القول ، لأنه عبد له ـ تعالى ـ ومخلوق بقدرته. ومرسل منه لهداية الناس فكيف يليق بمن كان شأنه كذلك أن يقول لمن أرسل إليهم (اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ).

ثم أضاف إلى كل ذلك الاستشهاد بالله ـ تعالى ـ على براءته ، وإظهار ضعفه المطلق أمام علم خالقه وقدرته فقال ـ كما حكى القرآن عنه ـ (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).

أى : إن كنت قلت هذا القول وهو (اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) فأنت تعلمه ولا يخفى عليك منه شيء ـ لأنك أنت ـ يا إلهى ـ تعلم ما في (نَفْسِي) أى ما في ذاتى ، ولا أعلم ما في ذاتك.

والمراد : تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم ، وتعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك ، وتعلم ما أقول وأفعل ولا أعلم ما تقول وتفعل إنك أنت ـ يا إلهى ـ علام الغيوب.

فهذه الجملة الكريمة بجانب تأكيدها لنفى ما سئل عنه عيسى ـ عليه‌السلام ـ تدل بأبلغ تعبير على إثبات شمول علم الله ـ تعالى ـ بكل شيء ، وقد أكد عيسى ذلك ، بإن المؤكدة وبالضمير أنت ، وبصيغة المبالغة «علّام» وبصيغة الجمع للفظ «الغيوب» فهو لم يقل : إنك أنت عالم الغيب وإنما قال ـ كما حكى القرآن عنه ـ (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) بكل أنواعها ،

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ٦٥

٣٤٩

وبكل ما يتعلق بالكائنات كلها.

وبعد هذا التنزيه من عيسى ـ عليه‌السلام ـ لله عزوجل ـ ، وبعد هذا النفي المؤكد لما سئل عنه بعد كل ذلك يحكى القرآن ما قاله عيسى لقومه فيقول : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ، وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) أى : ما قلت لهم ـ يا إلهى ـ (اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) وإنما القول الذي قلته لهم هو الذي أمرتنى أن أبلغهم إياه وهو عبادتك وحدك لا شريك لك ، فأنت ربي وربهم ، وأنت الذي خلقتني وخلقتهم ، فيجب أن ندين لك جميعا بالعبادة والخضوع والطاعة ، وأنت تعلم يا الهى ـ أننى لم أقصر في ذلك ، وأننى كنت رقيبا وشهيدا على قومي ، وداعيا لهم إلى اخلاص العبادات لك والعمل بموجب أمرك مدة بقائى فيهم.

قال الفخر الرازي : وأن في قوله (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) مفسرة والمفسر هو الهاء في (به) من قوله (إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) وهو يعود إلى القول المأمور به.

والمعنى : ما قلت لهم إلا قولا أمرتنى به ، وذلك القول هو أن : اعبدوا الله ربي وربكم. واعلم أنه كان الأصل أن يقال : ما أمرتهم إلا بما أمرتنى به إلا أنه وضع القول موضع الأمر ، نزولا على موجب الأدب الحسن لئلا يجعل نفسه وربه آمرين معا ، ودل على الأصل بذكر أن المفسرة (١).

وقوله : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) بيان لانتهاء مهمته بعد فراقه لقومه.

أى : أنت تعلم يا إلهى بأنى ما أمرتهم إلا بعبادتك وبأنى ما قصرت في حملهم على طاعتك مدة وجودى معهم ، (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) يا إلهى أى : قبضتني بالرفع إلى السماء حيا ، كنت أنت الرقيب عليهم ، أى : كنت أنت وحدك الحفيظ عليهم المراقب لأحوالهم ، العليم بتصرفاتهم. الخبير بمن أحسن منهم وبمن أساء وأنت ـ يا إلهى ـ على كل شيء شهيد ، لا تخفى عليك خافية من أمور خلقك.

هذا. وما ذهبنا إليه من أن معنى (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) أى : قبضتني بالرفع إلى السماء حيا قول جمهور العلماء.

ومنهم من يرى أن معنى (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) أى : أمتنى وزعموا أن رفعه إلى السماء كان بعد موته.

__________________

(١) الفخر الرازي ج ١٢ ص ١٢٥ المطبعة البهية.

٣٥٠

قال بعض العلماء مؤيدا ما ذهب أليه الجمهور قوله : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) أى فلما أخذتنى وافيا بالرفع إلى السماء حيا ، إنجاء لي مما دبروه من قتلى ، من التوفي وهو أخذ الشيء وافيا أى كاملا. وقد جاء التوفي بهذا المعنى في قوله ـ تعالى ـ (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...).

ولا يصح أن يحمل التوفي على الإماتة ، لأن إماتة عيسى في وقت حصار أعدائه له ليس فيها ما يسوغ الامتنان بها ، ورفعه إلى السماء جثة هامدة سخف من القول ، وقد نزه الله السماء أن تكون قبرا لجثث الموتى ، وإن كان الرفع بالروح فقط ، فأى مزية لعيسى في ذلك على سائر الأنبياء ، والسماء مستقر أرواحهم الطاهرة فالحق أنه ـ عليه‌السلام ـ رفع إلى السماء حيا بجسده وروحه وقد جعله الله آية ، والله على كل شيء قدير» (١).

وقال الشيخ القاسمى : وقد دلت الآية الكريمة على أن الأنبياء بعد استيفاء أجلهم الدنيوي ، ونقلهم إلى البرزخ لا يعلمون أعمال أمتهم وقد روى البخاري هنا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا» أى غير مختونين ـ ثم قال : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ). ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ألا وإنه يجاء برجال من أمتى فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أصحابى فيقال : إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح ، وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ، فيقال لي : إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم» (٢).

وبعد أن أجاب عيسى على سؤال ربه تلك الإجابة الموفقة. فوض الأمر إليه ـ سبحانه ـ في شأن قومه. فقال ـ كما حكى القرآن عنه (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

أى : إن تعذب ـ يا إلهى ـ قومي ، فإنك تعذب عبادك الذين خلقتهم بقدرتك ، والذين تملكهم ملكا تاما ، ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل بمملوكه. وإن تغفر لهم ، وتستر سيئاتهم وتصفح عنهم فذلك إليك وحدك ، لأن صفحك عمن تشاء من عبادك هو صفح القوى القاهر الغالب الذي لا يعجزه شيء. والذي يضع الأمور في مواضعها بمقتضى حكمته السامية وقد قال بعض المفسرين هنا : كيف جاز لعيسى أن يقول : (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) والله ـ تعالى ـ لا يغفر أن يشرك به؟

__________________

(١) تفسير صفوة البيان لمعانى القرآن ص ٢١٣ لفضيلة الأستاذ الشيخ حسنين محمد مخلوف.

(٢) تفسير القاسمى ج ٦ ص ٢٢٢٣.

٣٥١

وقد أجاب عن ذلك الإمام القرطبي بقوله : قول عيسى (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) قاله على وجه الاستعطاف لهم ، والرأفة بهم ، كما يستعطف السيد لعبده ، ولهذا لم يقل : فإنهم عصوك. وقيل قاله على وجه التسليم لأمره ، والاستجارة من عذابه ، وهو يعلم أنه لا يغفر لكافر وقيل. الهاء والميم في (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ) لمن مات منهم على الكفر. والهاء والميم في قوله : (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) لمن تاب منهم قبل الموت. وهذا وجه حسن» (١).

أقول : هذا الوجه الثالث الذي ذكره القرطبي قد اكتفى به بعض المفسرين فقال : قوله : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ) أى : من أقام على الكفر منهم (فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) وأنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) أى : لمن آمن منهم (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الغالب على أمره (الْحَكِيمُ) في صنعه (٢).

ومع وجاهة هذا الوجه فإننا نرى أن الآية الكريمة حكاية للتفويض المطلق الذي فوضه عيسى إلى ربه ـ سبحانه ـ في شأن قومه ولهذا قال ابن كثير :

هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله ـ تعالى ـ فإنه الفعال لما يشاء الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ويتضمن التبري من النصارى الذين كذبوا على الله وكذبوا على رسوله ، وجعلوا لله ندا وصاحبة وولدا.

وهذه الآية لها شأن عظيم ونبأ عجيب ، وقد ورد في الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام بها ليلة حتى الصباح يرددها.

فقد روى الإمام أحمد عن أبى ذر قال : صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة : فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) الآية فلما أصبح قلت : يا رسول الله ألم تزل تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال : إنى سألت ربي ـ عزوجل الشفاعة لأمتى فأعطانيها ـ وهي نائلة ـ إن شاء الله ـ لمن لا يشرك بالله شيئا» (٣).

وبعد أن حكى القرآن الكريم ما رد به عيسى عليه‌السلام ـ على قول ربه وخالقه ـ سبحانه ـ (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) وقد تضمن هذا الرد ـ كما سبق أن بينا ـ التنزيه المطلق لله ـ تعالى ـ ، والنفي التام لأن يكون عيسى قد قال هذا القول. بعد كل ذلك ختم ـ سبحانه تلك المجاوبة ببيان حسن عاقبة الصادقين يوم القيامة فقال ـ تعالى ـ :

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٣٧٨

(٢) تفسير الجلالين ـ ومعه حاشية الجمل ـ ج ١ ص ٥٤٦

(٣) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٢١

٣٥٢

(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٢٠)

قال الآلوسى : (قالَ اللهُ) كلام مستأنف ختم به ـ سبحانه ـ حكاية ما حكى مما يقع يوم يجمع الله الرسل. وأشير إلى نتيجته ومآله. والمراد بقول الله ـ تعالى ـ عقيب جواب عيسى الإشارة إلى صدقه ضمن بيان حال الصادقين الذين هو في زمرتهم (١).

والمراد باليوم في قوله (هذا يَوْمُ) يوم القيامة الذي تجازى فيه كل نفس بما كسبت وقد قرأ الجمهور برفع (يَوْمُ) من غير تنوين على أنه خبر لاسم الإشارة أى : قال الله ـ تعالى ـ : إن هذا اليوم هو اليوم الذي ينتفع الصادقون فيه بصدقهم في إيمانهم وأعمالهم ، لأنه يوم الجزاء والعطاء على ما قدموا من خيرات في دنياهم.

أى أن صدقهم في الدنيا ينفعهم يوم القيامة ، بخلاف صدق الكفار يوم القيامة فإنه لا ينفعهم ، لأنهم لم يكونوا مؤمنين في دنياهم.

وقرأ نافع (يوم) بالنصب من غير تنوين على أنه ظرف لقال. أى : قال الله ـ تعالى ـ هذا القول لعيسى يوم ينفع الصادقين صدقهم.

وقوله : (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) جملة مستأنفه لبيان مظاهر النفع الذي ظفر به الصادقون في هذا اليوم.

أى : أن هؤلاء الصادقين في دنياهم قد نالوا في آخرتهم جنات تجرى من تحت أشجارها وسررها الأنهار (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أى : مقيمين فيها إقامة دائمة لا يعتريها انقطاع وقوله : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) أى : رضى الله عنهم فأعطاهم بسبب إيمانهم الصادق وعملهم الصالح عطاء هو نهاية الآمال والأمانى. ورضوا عنه بسبب هذا العطاء الجزيل الذي لا تحيط العبارة بوصفه.

واسم الإشارة في قوله : (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يعود إلى ما انتفع به الصادقون من جنات

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ٧١

٣٥٣

تجرى من تحتها الأنهار. ومن رضا الله عنهم. أى : إلى النعيم الجثمانى المتمثل في الجنات وما يتبعها من عيشة هنيئة ، وإلى النعيم الروحاني المتمثل في رضا الله عنهم.

قال الفخر الرازي : اعلم أنه ـ تعالى ـ لما أخبر أن صدق الصادقين في الدنيا ينفعهم في القيامة شرح كيفية ذلك النفع وهو الثواب. وحقيقة الثواب : أنها منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم ، فقوله : (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) إشارة إلى المنفعة الخالصة عن الغموم والهموم ، وقوله (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) إشارة إلى الدوام. واعتبر هذه الدقيقة : فإنه أينما ذكر الثواب قال (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) وأينما ذكر العقاب للفساق من أهل الإيمان ، ذكر لفظ الخلود ولم يذكر معه التأييد ، وأما قوله : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) فتحته أسرار عجيبة لا تسمح الأقلام بمثلها جعلنا الله من أهلها» (١).

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بهذه الآية الدالة على شمول ملكه لكل شيء في هذا الكون فقال : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أى : لله ـ تعالى ـ وحده دون أحد سواه الملك الكامل للسموات وللأرض ولما فيهن من كل كائن وهو ـ سبحانه ـ على كل شيء قدير لا يعجزه أمر أراده ، ومن زعم أن له شريكا ـ سواء أكان هذا الشريك عيسى أم أمه أم غيرهما ـ فقد أعظم الفرية وتسر بل بالجهل ، وكان مستحقا لخزي الدنيا ، وعذاب الآخرة.

وقال ـ سبحانه ـ (وَما فِيهِنَ) فغلب غير العقلاء ، للإشارة إلى أن كل المخلوقات مسخرة في قبضة قهره وقدرته وقضائه وقدره وهم في ذلك التسخير كالجمادات التي لا قدرة لها. إذ أن قدرة سائر المخلوقات بالنسبة لقدرة الله كلا قدرة.

وإن هذه الآية الكريمة ، لمتسقة كل الاتساق مع الآية التي قبلها ، لأنه ـ سبحانه ـ بعد أن بين جزاء الصادقين في دنياهم عقبه ببيان سعة ملكه ، وشمول قدرته الدالين على أن هذا الجزاء لا يقدر عليه أحد سواه ـ سبحانه ـ.

وإن هذه الآية الكريمة ـ أيضا ـ لمتسقة كل الاتساق لأن تكون خاتمة لهذه السورة التي ساقت ما ساقت من تشريعات وأحكام وآداب وهدايات ومن حجج حكيمة ، وأدلة ساطعة دحضت بها الأقوال الباطلة التي افتراها أهل الكتاب ـ. خصوصا النصارى ـ على عيسى وأمه مريم ، وبرهنت على أن عيسى وأمه ما هما إلا عبدان من عباد الله ، يدينان له بالعبادة والطاعة والخضوع ، ويأمران غيرهما بأن ينهج نهجهما في ذلك.

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ١٣٨ المطبعة البهية.

٣٥٤

ثم أما بعد : فهذا ما وفقني الله ـ تعالى ـ لكتابته في تفسير سورة المائدة ، تلك السورة التي اشتملت ـ من بين ما اشتملت ـ على كثير من التشريعات التي تتعلق بالحلال والحرام وبالعبادات والحدود والقصاص والأيمان. كما اشتملت على كثير من الآيات التي تتعلق بأهل الكتاب فذكرت حكم أطعمتهم وحكم الزواج بالمحصنات من نسائهم ، كما ذكرت أقوالهم الباطلة في شأن عيسى وأمه وردت على مزاعمهم بما يدحض مفترياتهم في هذا الشأن وفي غيره.

والله أسأل أن يجعل ما كتبناه خالصا لوجهه ، ونافعا وشفيعا لنا يوم نلقاه (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه واتباعه إلى يوم الدين.

محمد سيد طنطاوى

شيخ الأزهر

٣٥٥

فهرس إجمالى لتفسير سورة «المائدة»

مقدمة.......................................................................... ٥

تمهيد........................................................................... ٧

١ ـ يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود............................................... ٢١

٢ ـ يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر.............................................. ٢٥

٣ ـ حرمت عليكم الميتة والدم.................................................... ٣٣

٤ ـ يسألونك ماذا أحل لهم...................................................... ٤٦

٥ ـ اليوم أحل لكم الطيبات..................................................... ٥٠

٦ ـ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم................................................... ٥٧

٧ ـ واذكروا نعمة الله عليكم...................................................... ٧٠

٨ ـ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين................................................ ٧٢

٩ ـ وعد الله الذين آمنوا وعملوا................................................... ٧٤

١٠ ـ والذين كفروا وكذبوا........................................................ ٧٥

١١ ـ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة.............................................. ٧٥

١٢ ـ ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل............................................. ٧٧

١٣ ـ فبما نقضهم ميثاقهم....................................................... ٨١

١٤ ـ ومن الذين قالوا إنا نصارى................................................. ٨٥

١٥ ـ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا............................................ ٨٨

١٦ ـ يهدى به الله من اتبع...................................................... ٩٠

١٧ ـ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح........................................ ٩١

١٨ ـ وقالت اليهود والنصارى.................................................... ٩٥

١٩ ـ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا............................................ ٩٨

٢٠ ـ وإذ قال موسى لقومه..................................................... ١٠١

٢١ ـ يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة.............................................. ١٠٥

٣٥٦

٢٢ ـ قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين......................................... ١٠٧

٢٣ ـ قال رجلان من الذين يخافون.............................................. ١٠٨

٢٤ ـ قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا.......................................... ١٠٩

٢٥ ـ قال رب إنى لا أملك إلا.................................................. ١١٠

٢٦ ـ قال فإنها محرمة عليهم.................................................... ١١١

٢٧ ـ واتل عليهم نبأ ابني آدم................................................... ١١٧

٢٨ ـ لئن بسطت إلى يدك..................................................... ١٢٠

٢٩ ـ إنى أريد أن تبوء......................................................... ١٢٠

٣٠ ـ فطوعت له نفسه........................................................ ١٢٢

٣١ ـ فبعث الله غرابا يبحثذ.................................................... ١٢٣

٣٢ ـ من أجل ذلك كتبنا على.................................................. ١٢٥

٣٣ ـ إنما جزاء الذين يحاربون................................................... ١٢٩

٣٤ ـ إلا الذين تابوا من قبل.................................................... ١٣٧

٣٥ ـ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله................................................ ١٣٨

٣٦ ـ إن الذين كفروا لو أن لهم................................................. ١٤٢

٣٧ ـ يريدون أن يخرجوا من النار................................................ ١٤٤

٣٨ ـ والسارق والسارقة فاقطعوا................................................. ١٤٤

٣٩ ـ فمن تاب من بعد ظلمه.................................................. ١٤٦

٤٠ ـ ألم تعلم أن الله له ملك................................................... ١٤٦

٤١ ـ يا أيها الرسول لا يحزنك.................................................. ١٥٠

٤٢ ـ سماعون للكذب أكالون.................................................. ١٥٨

٤٣ ـ وكيف يحكونك وعندهم.................................................. ١٦٢

٤٤ ـ إنا أنزلنا التوراة........................................................... ١٦٣

٤٥ ـ وكتبنا عليهم فيها أن..................................................... ١٦٩

٤٦ ـ وقفينا على آثارهم بعيسى................................................. ١٧٤

٤٧ ـ وليحكم أهل الإنجيل..................................................... ١٧٧

٤٨ ـ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق................................................ ١٧٨

٣٥٧

٤٩ ـ وأن احكم بينهم بما أنزل الله.............................................. ١٨٤

٥٠ ـ أفحكم الجاهلية يبغون.................................................... ١٨٦

٥١ ـ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود........................................ ١٨٨

٥٢ ـ فترى الذين في قلوبهم مرض............................................... ١٩١

٥٣ ـ ويقول الذين آمنوا........................................................ ١٩٣

٥٤ ـ يا أيها الذين آمنوا من يرتد................................................ ١٩٦

٥٥ ـ إنما وليكم الله ورسوله.................................................... ٢٠٠

٥٦ ـ ومن يتول الله ورسوله..................................................... ٢٠٢

٥٧ ـ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا.............................................. ٢٠٣

٥٨ ـ وإذا ناديتم إلى الصلاة................................................... ٢٠٤

٥٩ ـ قل يا أهل الكتاب....................................................... ٢٠٥

٦٠ ـ قل هل أنبئكم بشر من ذلك.............................................. ٢٠٨

٦١ ـ وإذا جاءوكم قالوا آمنا.................................................... ٢٠٩

٦٢ ـ وترى كثيرا منهم يسارعون................................................. ٢١١

٦٣ ـ لو لا ينهاهم الربانيون.................................................... ٢١٢

٦٤ ـ وقالت اليهود يد الله مغلولة............................................... ٢١٤

٦٥ ـ ولو أن أهل الكتاب..................................................... ٢١٩

٦٦ ـ ولو أنهم أقاموا التوراة..................................................... ٢٢٠

٦٧ ـ يا أيها الرسول بلغ....................................................... ٢٢٢

٦٨ ـ قل يا أهل الكتاب....................................................... ٢٢٦

٦٩ ـ إن الذين آمنوا........................................................... ٢٢٨

٧٠ ـ لقد أخذنا ميثاق........................................................ ٢٣٠

٧١ ـ وحسبوا أن لا تكون فتنة................................................. ٢٣٣

٧٢ ـ لقد كفر الذين قالوا...................................................... ٢٣٦

٧٣ ـ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث.......................................... ٢٣٨

٧٤ ـ أفلا يتوبون إلى الله....................................................... ٢٤٠

٧٥ ـ ما المسيح ابن مريم إلا رسول.............................................. ٢٤٢

٣٥٨

٧٦ ـ قل أتعبدون من دون الله.................................................. ٢٤٣

٧٧ ـ قل يا أهل الكتاب لا تغلو................................................ ٢٤٥

٧٨ ـ لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل........................................... ٢٤٧

٧٩ ـ كانوا لا يتناهون......................................................... ٢٤٩

٨٠ ـ ترى كثيرا منهم.......................................................... ٢٥١

٨١ ـ ولو كانوا يؤمنون......................................................... ٢٥٢

٨٢ ـ لتجدن أشد الناس....................................................... ٢٥٣

٨٣ ـ وإذا سمعوا ما أنزل........................................................ ٢٥٦

٨٤ ـ وما لنا لا نؤمن بالله...................................................... ٢٥٧

٨٥ ـ فأثابهم الله بما قالوا....................................................... ٢٥٨

٨٦ ـ والذين كفروا وكذبوا...................................................... ٢٥٩

٨٧ ـ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا............................................... ٢٥٩

٨٨ ـ وكلوا مما رزقكم الله....................................................... ٢٦١

٨٩ ـ لا يؤاخذكم الله باللغو.................................................... ٢٦٤

٩٠ ـ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر............................................... ٢٧٤

٩١ ـ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم........................................... ٢٧٨

٩٢ ـ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول................................................ ٢٧٩

٩٣ ـ ليس على الذين آمنوا وعملوا.............................................. ٢٨٥

٩٤ ـ يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله............................................ ٢٩٠

٩٥ ـ يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد.......................................... ٢٩٢

٩٦ ـ أحل لكم صيد البحر وطعامه............................................. ٢٩٨

٩٧ ـ جعل الله الكعبة البيت الحرام.............................................. ٣٠١

٩١ ـ اعلموا أن الله شديد العقاب............................................... ٣٠٥

٩٩ ـ ما على الرسول إلا البلاغ................................................ ٣٠٥

١٠٠ ـ قل لا يستوي الخبيث والطيب........................................... ٣٠٦

١٠١ ـ يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا............................................. ٣٠٧

١٠٢ ـ قد سألها قوم من قبلكم................................................. ٣١١

٣٥٩

١٠٣ ـ ما جعل الله من بحيرة................................................... ٣١٤

١٠٤ ـ وإذا قيل لهم تعالوا...................................................... ٣١٧

١٠٥ ـ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم....................................... ٣١٨

١٠٦ ـ يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم.......................................... ٣٢٠

١٠٧ ـ فإن عثر على أنهما استحقا.............................................. ٣٢٥

١٠٨ ـ ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة............................................. ٣٢٦

١٠٩ ـ يوم يجمع الله الرسل.................................................... ٣٣٠

١١٠ ـ إذ قال الله يا عيسى ابن مريم............................................ ٣٣٢

١١١ ـ وإذ أوحيت إلى الحواريين................................................ ٣٣٥

١١٢ ـ إذ قال الحواريون....................................................... ٣٣٨

١١٣ ـ قالوا نريد أن نأكل منها................................................. ٣٣٩

١١٤ ـ قال عيسى ابن مريم.................................................... ٣٤٠

١١٥ ـ قال الله إنى منزلها عليكم................................................ ٣٤٢

١١٦ ـ وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم........................................... ٣٤٧

١١٧ ـ ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به.............................................. ٣٥٠

١١٨ ـ إن تعذبهم فإنهم عبادك................................................. ٣٥١

١١٩ ـ قال الله هذا يوم ينفع الصادقين.......................................... ٣٥٣

١٢٠ ـ لله ملك السموات والأرض.............................................. ٣٥٤

٣٦٠