الرسائل الأربع - ج ٣

عدّة من الأفاضل

الرسائل الأربع - ج ٣

المؤلف:

عدّة من الأفاضل


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٢

خاتمة المطاف :

لا شك أنّ لاختلاف الفقهاء في فتاواهم أسباباً ليس المقام لبيان تفصيلها ، ولكن نشير هنا إلى سبب خاصّ وهو تعارض الروايات المروية عن أهل البيت (عليهم‌السلام) ، وبما أنّ لشيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظلّه ـ تحليلاً رائعاً ، في هذا المقام ، وقد طرحه عند البحث عن تعارض الأدلّة [في الثالث والعشرين من شهر جمادي الأُولى من شهور عام ١٤١٤ ه‍ ـ] فناسب نقله هنا إكمالاً للفائدة ، ولو ساعدنا الزمان سنقوم بنشر ما أفاده شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظلّه ـ من الأفكار البديعة في المبحث المذكور.

قال شيخنا الأُستاذ ـ حفظَه الله تعالى ـ :

عند ما نطالع كتابي الوسائل والمستدرك مثلاً ، نرى أنَّه ما من باب من أبوابِ الفقه إلّا وفيه اختلاف في رواياته ، وهذا ممَّا أدَّى إلى رجوع بعض ممَّن استبصروا عن مذهبِ الإماميَّة.

قال شيخنا الطوسي (رحمه‌الله) في أوائل تهذيبهِ : «سمعت شيخنا أبا عبد الله (المفيد (رحمه‌الله) أيَّده الله ، يذكر أنَّ أبا الحسين الهارونيّ العلويّ كان يعتقد الحقَّ ويدينُ بالإمامَة ، فرجعَ عنها لمَّا التبس عليه الأمر في اختلافِ الأحاديثِ ، وتركَ المذهَبَ ودانَ بغيره (١) لما لم يتبيَّن له وجوه المعاني فيها ، وهذا يدلُّ على أنَّه دخلَ فيه على غيرِ بصيرة واعتقدَ المذهب من جهةِ التقليد ، لأنَّ الاختلاف في الفروع لا يوجب ترك ما ثبت بالأدلَّة من الأُصول» (٢) انتهى.

__________________

(١) صار زيديّاً وهو من الشخصيات البارزة فيهم. (منه حفظه الله).

(٢) التهذيب : ١ / ٢ و ٣.

٢٠١

أقول : إنَّ هذه الاختلافات تعود إلى أسباب وعوامل عديدة لها شواهدها على ذلك.

منها : أ ـ التقطيع في الروايات من قبل الرّواةِ عنهم (عليهم‌السلام):

وهو ظاهر لمن راجع كتبَ الأحاديث ، فأدّى ذلك إلى ظهورِ التنافي وبروز الاختلاف. وكذلك الحال في روايات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند العامَّة. كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنَّ الله خَلَقَ آدمَ على صورتهِ». وكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً : «أَنتَ ومالُك لأبيك».

ففي الحديثِ الأوَّل : الضمير في «صورتهِ» يعودُ إلى «الله» ظاهراً. ولما نُقلَ الحديثُ إلى الإمام علي بن موسى الرضا (عليه‌السلام) قال : «قاتَلَهم الله ، لقد حَذَفوا أوَّل الحديث : إنَّ رسولَ الله مرَّ برجلين يتسابَّان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبهِ : قبَّحَ اللهُ وجهكَ ، ووجه من يشبهكَ ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عبد الله ، لا تقُل هذا لأخيكَ ، فإنَّ الله عزوجل خلقَ آدمَ على صورتهِ» رواه الصّدوق في التّوحيد (١).

فلو رجعَ القومُ إلى أئمّة الهدى وسفينة النَّجاة (عليهم‌السلام) ، لوقفوا على أنَّ الحديث نُقلَ مبتوراً. وروى الصّدوق أيضاً بسنَدهِ عن عليّ (عليه‌السلام) قال : سمعَ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً يقول لرجل : قَبَّحَ اللهُ وجهَكَ ووجه من يشبهكَ ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مَه ، لا تقل هذا ، فإنَّ الله خلقَ آدمَ على صورته» (٢).

فالضمير في «صورته» يعودُ إلى الرَّجل الَّذي يُسَبّ ويُسبُّ من يشبهه وهو آدم (عليه‌السلام). هذا.

ويظهر من الحديث الثاني «أنت ومالكَ لأبيك» أنَّ للأبِ ولاية على أموالِ ولدهِ كما فهمَه العامَّة ، وقال الخاصَّةُ : له الولاية بمقدار الضَّرورة من النَّفقةِ الواجبة على الولدِ مع فقرِ وعوزِ الأب.

__________________

(١) التوحيد للصدوق : ١٥٣ ح ١١ ، الباب ١٢.

(٢) المصدر نفسه : ١٥٢ ح ١٠ ، الباب ١٢.

٢٠٢

وهذا الحديث له صدر وذيل ، ومع الإمعانِ والتأمّل في مجموع المرويّ يتبيَّن عدم الولاية في أموالِ الولدِ ، وإن هو إلّا حكم أخلاقي وإرشاد إنسانيّ.

روى في الوسائل عن الحسين بن أبي العلا قال : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ما يحلُّ للرَّجل من مالِ ولدهِ؟

قال (عليه‌السلام) : «قوتُه (قوت خ) بغير سرف إذا اضطرَّ إليه».

فقلت له : فقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للرَّجل الّذي أتاه ، فقدَّم أباه فقال له : «أنت ومالك لأبيك»؟

فقال (عليه‌السلام) : «إنَّما جاء بأبيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله هذا أبي ، وقد ظلمني ميراثي عن أُمّي ، فأخبره الأب أنَّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه ، وقال : «أنتَ ومالكَ لأبيكَ» ، ولم يكن عند الرجل شيء ، أَوَكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبس الأب للابن؟!» (١).

فمع مراقبة وملاحظة مجموع الحديث بِصَدْرِهِ وذيله ، يظهر عدمُ الدلالة على ولاية الأب في أموالِ ولدِه ، ولو كان لدى الأب مال لم يجز له التّصرّف في أموالِ ولدِه كما يدلُّ عليه قوله (عليه‌السلام) : «ولم يكن عند الرَّجل شيء».

ومنها : ب ـ رعايةُ عادَةِ بَلَد السائل :

لو كان السائل عراقيّاً ، ذكر الإمام (عليه‌السلام) الاصطلاح العراقي ، ولو كان

__________________

(١) الوسائل : ١٢ / ١٩٦ ـ ١٩٧ ح ٨ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به.

وقال صاحبُ الوسائل في خاتمةِ الباب ص ١٩٨ : ثمّ إنَّ ما تضمَّن جواز أخذ الأب من مال الولد ، محمول إمّا على قدرِ النفقةِ الواجبة عليه مع الحاجة أو على الأخذ على وجه القرض ، أو على الاستحباب بالنسبة إلى الولد ، وما تضمَّن منع الولد محمول على عدم الحاجة ، أو على كون الأخذ لغير النفقة الواجبة ، وكذا ما تضمَّن منع الأُمِّ. ذكر ذلك بعض الأصحاب لما مرَّ ولما سيأتي في النفقات إن شاء الله. انتهى.

٢٠٣

مكّياً ذكر الاصطلاح المكّيّ ، فإذا تدبَّرنا هذا لارتفع التَّنافي والاختلاف.

روى الحر العامليّ (رحمه‌الله) في وسائله باب مقدار الكرِّ بالأرطال عن ابن أبي عمير عن بعضِ أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «الكرُّ من الماء الذي لا ينجّسه شيء ألف ومائتا رطل» (١).

والظاهر أنَّ هذا البعض عمر بن أُذينَة حيث إنَّ أكثر نقل ابن أبي عمير عن ابن أُذينَة ، وهما عراقيَّان.

وروى عن محمَّد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (في حديث) قال : «والكرُّ ستمائة رطل» (٢). الرَّاوي طائفيّ ثقفيّ سكن بعد ذلك الكوفة.

والرَّطل المكّيّ رطلانِ بالعراقي.

ومنها : ج ـ الإفتاءُ مراعاة لمصلحة السائل :

روى في الوسائل باب الإرث عن سلمة بن محرز أنَّه سأل الإمام الصَّادق (عليه‌السلام) عن رجل مات وأوصى إليَّ بتركته وتركَ ابنةً ، قال : فقال لي : «أعطها النصف» ، قال : فأخبرتُ زرارة بذلك ، فقال لي : اتّقاك ، إنَّما المالُ لها ، قال : فَدَخَلتُ عليه بعد ، فقلتُ : أصلحكَ الله ، إنَّ أصحابنا زعموا أنّك اتّقيتني؟ فقال (عليه‌السلام) : «لا والله ما اتَّقيتك ، ولكنّي اتَّقيتُ عليك أن تُضمَّن ، فهل علمَ ذلك أحد؟» قلت : لا ، قال (عليه‌السلام) : «فأعطها ما بقي» (٣).

ومنها : د ـ الدسُّ في الرِّوايات (خصوصاً في العقائد):

اعلم بأنَّه في زمن الأئمَّة (عليهم‌السلام) كانت الروايات تُستنسخُ ، فدسّ أعداؤهم ـ الذين أعرَضوا عن مذهبِ الهُدى وانتحلوا مذهبَ الضَّلال ـ روايات

__________________

(١ ـ ٢) الوسائل : ١ / ١٢٣ ـ ١٢٤ ح ١ و ٣ ، الباب ١١ من أبواب الماء المطلق.

(٣) المصدر نفسه : ١٧ / ٤٤٢ ح ٣ ، كتاب الإرث ، الباب ٤ من أبواب ميراث الأبوين.

٢٠٤

وأحاديث موضوعة خصوصاً في الأُمور الاعتقاديَّة ، ومن هؤلاء المغيرة بن سعيد ، ففي رجال الكشي عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) :

«كان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر (عليه‌السلام) فأذاقه الله حرَّ الحديد».

وعن أبي عبد الله (عليه‌السلام) : «لعنَ الله المغيرة بن سعيد إنَّه كان يكذبُ على أبي فأذاقه الله حرَّ الحديد» (١).

وعن الصادق (عليه‌السلام) : «... فإنَّ المغيرة بن سعيد لعنه الله ، دَسَّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدِّث بها أبي ...» (٢).

وعن هشام بن الحكم أنَّه سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : «كان المغيرة بن سعيد يتعمَّد الكذب على أبي ، ويأخذُ كتبَ أصحابه ، وكان أصحابه المستترون بأصحابِ أبي ، يأخذون الكتبَ من أصحاب أبي ، فيدفعونها إلى المغيرة ، فكان يدسُّ فيها الكفرَ والزَّندقةَ ، ويسندها إلى أبي ثمَّ يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يثبتوها (يبثّوها خ) في الشيعة. فكلَّما كان في كتب أصحاب أبي من الغلوِّ فذاك ما دسَّه المغيرة بن سعيد في كتبهم» (٣).

ومن هؤلاء «الخطابية» ومنهم محمَّد بن مقلاص ، معروف بأبي زينب الأسدي الكوفي (أبو الخطاب) ومنهم محمَّد بن موسى بن الحسن بن الفرات ، قتله إبراهيم بن شكله.

يقول الإمام الرضا (عليه‌السلام) : «آذاني محمَّد ابن الفرات ، آذاه الله وأذاقه حرَّ الحديد ، آذاني لعنَه الله ، أذى ما آذى أبو الخطاب لعنه الله جعفر بن محمَّد (عليه‌السلام) بمثله ، وما كذب علينا خطابيّ مثل ما كذب محمَّد بن الفرات ، والله ما من أحد

__________________

(١ ـ ٢) رجال الكشيّ : ٢٢٣ و ٢٢٤ ، ح ٣٩٩ و ٤٠٠ و ٤٠١.

(٣) المصدر نفسه : ٢٢٥ ح ٤٠٢.

٢٠٥

يكذبُ علينا إلّا ويذيقه الله حرَّ الحديد» (١).

وعن زرارة قال : قال ـ يعني أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ : «إنَّ أهلَ الكوفة قد نزل فيهم كذَّاب ، أمَّا المغيرة فإنَّه يكذب على أبي ـ يعني أبا جعفر (عليه‌السلام) ـ ، قال : حدّثه إنَّ نساء آلِ محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حِضنَ ، قضين الصَّلاة ، وكذب والله ، عليه لعنةُ الله ، ما كان من ذلك شيء ، ولا حدَّثهُ. وأمّا أبو الخطاب فكذب عليَّ ، وقال : إنّي أمرتُه أن لا يصلّي هو وأصحابه المغربَ حتى يروا كوكب كذا يُقالُ له القندانيّ. والله إنَّ ذلك لكوكب ما أعرفهُ» (٢).

إلى غير ذلك من الأحاديث فلتطلب من مظانّها لا سيَّما رجال الكشي.

ومن الوضاعين : فارس بن حاتم القزوينيّ ، وحسن بن محمّد بن بابا القمّي ، ومحمّد بن نصير النميري (٣) وغيرهم في زمن الإمام عليّ بن محمَّد العسكري (عليه‌السلام) وغيره ، هذا.

والوضّاعون الكذّابون عند العامَّة كثيرون وكثيرون ، وقد كتب المحقق الأمينيّ في غديره (٤) بحثاً وافياً بعنوان : نظرةُ التنقيبِ في الحديث وسلسلة الكذابين والوضاعين. وذكر أيضاً أنَّ مجموع ما لا يصحّ من الأحاديث لشرذمة قليلة فحسب من أُولئك الجمِّ الغفير ، يُقدَّر بأربعمائة وثمانية آلاف وستمائة وأربعة وثمانين حديثاً (٤٠٨٦٨٤) (٥).

وقال في أواخر بحثه : «هذا شأنُ من لا يوثقُ به وبحديثهِ عند القوم ، وأمَّا

__________________

(١) رجال الكشيّ : ٥٥٥ ح ١٠٤٨.

(٢) المصدر نفسه : ٢٢٨ ح ٤٠٧.

(٣) المصدر نفسه : ٥٢٠ و ٥٢١ ح ٩٩٩ و ١٠٠٠.

(٤) الغدير في الكتاب والسنَّة : ٥ / ٢٠٨ ـ ٢٧٥.

(٥) المصدر نفسه : ٥ / ٢٨٨ ـ ٢٩٠.

٢٠٦

من يوصَف بالثِّقة فهناك مشكلة عويصة لا تنحل ، وتجعل القارئ في بهيتة ، فلا يعرف أيُّ مثقف قطُّ ما الثقة وما معناها وأيُّ ملكة هي ، وما يراد منها ، وبما ذا تتأتّى ، وأيُّ خلّة تضادّها وتناقضها ، فهلمَّ معي نقرأ تاريخ جمع نُصَّ على ثقتهم ، نظراء : ... (٢) عمر بن سعد بن أبي وقاص قاتل الإمام السبط الشَّهيد. قال العجليّ : ثقة.

(٣) : عمران بن حطّان رأس الخوارج صاحب الشّعر المعروف في ابن ملجم المراديّ. وثَّقه العجليّ وجعله البخاري من رجال صحيحه وأخرج عنه ...» (١).

وقال أيضاً في سلسلة الزهّاد الكذّابين : «فمن هنا ترى كثيراً من الوضَّاعين المذكورين بين إمام مقتدى ، وحافظ شهير ، وفقيه حجَّة ، وشيخ في الرواية ، وخطيب بارع ، وكان فريق منهم يتعمَّدون الكذب خدمَةً لمبدإ ، أو تعظيماً لإمام ، أو تأييداً لمذهب ، ولذلك كثر الافتعال ووقع التضارب في المناقب والمثالب بين رجال المذاهب ، وكان من تقصر يده عن الفرية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحديث عنه فإنَّه يبهتُ الناس باختلاق أطياف حول المذاهب ورجالاتها» (٢).

ومنها ه ـ النقل بالمعنى مع عدم ضبط الراوي :

إنّ النقل بالمعنى يوجد اضطراباً في الأحاديث لو لم يكن اللفظ كافياً في إفادة مراد الإمام (عليه‌السلام). وكذلك عدم الضبط مع كون الراوي ثقةً ، فتضطربُ الأحاديث وتتنافى لحذفِ بعض الكلم والجمل الدَّخيلة في فهم الحديث. كما في

__________________

(١) الغدير : ٥ / ٢٩٣ و ٢٩٤.

(٢) المصدر نفسه : ٢٧٧.

٢٠٧

روايات عمَّار السَّاباطي (١).

ومنها و ـ : التَّقية :

فإنَّها تارةً تكون من السلطان الجائر ، وأُخرى من فقهاء البلدِ ، وثالثة حفظاً لحرمة السَّائل كما مرَّ.

وظهرت أحاديث التقية بجلاء ووضوح في عصري الباقر والصادق (عليهما‌السلام).

روى في الكافي في باب اختلاف الحديث في الموثَّق عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : سألته عن مسألة فأجابني ، ثمّ جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثمّ جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمَّا خرج الرجلان قلت : يا ابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان ، فأجبت كلَّ واحد منهما بغير ما أجبتَ به صاحبه؟ فقال (عليه‌السلام) : «يا زرارة إنَّ هذا خير لنا وأبقى لكم ، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدَّقكم النَّاس علينا ولكان أقلَّ لبقائنا وبقائكم». قال : ثمّ قلت لأبي عبد الله

__________________

(١) قال صاحب الجواهر (رضي الله عنه) في ج ١ كتاب الطهارة ـ في مسألة التراوح في نزح ماء البئر ـ ص ٢١٥ : ... وخبر عمَّار وفيه : أنّه سئل الصَّادق (عليه‌السلام) : عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير؟ قال (عليه‌السلام): «ينزف كلّها فإن غلبَ عليه الماء فلينزف يوماً إلى الليل ثمَّ يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوماً إلى الليل وقد طهرت».

وقوله (عليه‌السلام) «ثمّ» إمَّا أن تقرأ بفتح الثاء أو يُقدَّر (قال) بعدها ، بل عن بعضِ النّسخ وجودها بعدها ، أو هي للترتيب الذكريّ ، أو أنَّ المعنى كما في كشف اللثام : فإن غلب الماءُ حتى يعسر نزحُ الكلّ فلينزف إلى اللَّيل حتّى ينزف ، ثمّ إن غلب حتى لا ينزف وإن نزح إلى اللَّيل أُقيم عليها قوم يتراوحون ، وهو كما ترى ، وقد يقوى في الظنِّ أنَّها من زيادات عمَّار كما يشهد له تتبع رواياته وما قيل في حقِّه ، وما يشاهد من أحوال بعضِ النَّاس من اعتياد الإتيان ببعضِ الألفاظ في غير محلِّها ، لعدم القدرة على إبراز الكلام متّصلاً ... انتهى.

٢٠٨

(عليه‌السلام) : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنَّة أو على النار لمضوا ، وهم يخرجون من عندكم مختلفين ، قال : فأجابني بمثل جواب أبيه» (١).

وروى في الوسائل عن يحيى بن عمران أنَّه قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه‌السلام) في السنجاب والفنك والخزِّ ، فقلت : جعلت فداك أحبُّ أن لا تجيبني بالتقيَّة ، فكتب (عليه‌السلام) بخطِّه إليَّ : «صلِّ فيها» (٢).

فالرواية قد تصدر عن تقيَّة فيسقى ناقلها من جراب النُّورة وقد تصدرُ عن غير تقيَّة فيسقى ناقلها من عين صافية.

هذا ومن أراد مزيد الاطّلاع في أحاديث التقيَّة فليراجع كتاب الحدائق الناضرة (٣).

ونكتفي بهذا البيان الإجمالي في بعض العوامل والأسباب المؤدّية إلى اختلاف وتنافي الروايات.

تمّ الكلام في مسائل التّقليد وبه تمّت الدّورة الأصولية الثالثة بعون الله تعالى ، وذلك في صبيحة يوم الاثنين ، الرّابع عشر من شهر ذي القعدة الحرام من شهور عام (١٤١٤) ه ـ ، في قم المحميّة حرم أهل البيت (عليهم‌السلام).

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين

الطّاهرين الميامين ، واللّعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين

نزيل قم المقدَّسة

طعان خليل الموسوي

__________________

(١) أُصول الكافي : ١ / ٦٥ ح ٥ ، باب اختلاف الحديث.

(٢) الوسائل : ٣ / ٢٥٣ الحديث ٦ ، الباب ٣ من أبواب لباس المصلّي.

(٣) الحدائق الناضرة : ١ / ٦ وما بعدها.

٢٠٩
٢١٠

التعليقات

هذه تعليقات لمواضع مختلفة من رسالة القول المفيد في الاجتهاد والتقليد علقتها عليها إيضاحاً للحالِ ولما كان أكثرها مفصّلاً أحببتُ أن أجعلها في آخر الكتاب.

السيد طعان خليل العاملي

٢١١
٢١٢

التعليقات

تعليقة ص : ١٠ ، س : ١٨ ـ قوله : ... فَلَيْسَ للأخباريّ أن ينكر الاجتهاد.

الأخباريّ ـ كما نقله المحقّق القميّ ـ ينكر الاجتهاد بمعنى استفراغ الوسع في تحصيل الظنّ بالحكم الشّرعيّ ، بدعوى انفتاح باب العلم ، حيث إنّ أخبارنا قطعيّة ، فتجب متابعتها ولا يعمل بالظنّ ، ولا يجوز التّقليد والإفتاء أيضاً ، بل يجب على كلّ فرد الرّجوع إلى كلام الصّادقين المعصومين ـ عليهم‌السلام ـ ومتابعته.

وقيل : إنّ مراد كلّ من عبّر ـ من أصحابنا ومنهم العلّامة في تهذيبه ـ في تعريف الاجتهاد بتحصيل الظنّ بحكم شرعيّ هو الظنّ الخاصّ المعتبر ـ الّذي تعبّدنا به الشارع ، وثبتت حجيّته بالدّليل القطعي ـ وعليه لا وجه لإنكار الاخباريّ الاجتهاد بهذا المعنى ، فليس استفراغ الوسع هو في تحصيل الظنّ بما هو هو المنهيّ عنه في أكثر من آية.

٢١٣

تعليقة ص : ١٤ ، س : ١٣ ـ قوله : ... وإقامة الحجَّة مقَامَه.

ذكر أنّه من الواضح كون المقصود من هذه التعاريف تفسير الاجتهاد في الفقه ، بمعنى استنباط الأحكام الفرعيّة ، ومن المعلوم أنّ تحديد الاجتهاد ب ـ «تحصيل الحجّة على الحكم الشرعيّ» يناسب الاجتهاد في علم الأصول المعدّ لتمهيد القواعد وبيان الأدلّة على الأحكام. فالباحث عن مسألة حجيّة خبر الثقة أو العدل مثلاً ـ من خلال إقامة الأدلة القطعيّة على الحجية من الآيات والروايات وسيرة العقلاء ونحوها ـ يستفرغ وسعه في تحصيل الحجّة كخبر الثقة مثلاً على الحكم الشرعيّ. وقد عرّف علم الأُصول بأنّه : «علم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعيّة» والقواعد هي الحجج على الأحكام الشرعية ، مع أنّ الاجتهاد في الفقه هو تحصيل الحكم الفرعيّ من الدّليل بعد الفراغ عن إثبات دليليّته في علم الأُصول ، وليس هو تحصيل الدّليل على الحكم.

تعليقة ص : ١٥ ، س : ١٣ ـ قوله : ... كما في مجاري الأُصول.

أي العقليّة دون الأصول العمليّة الشرعيّة بناءً على كونها أحكاماً ظاهريّة ، هذا وأورد على تعريف الاجتهاد بالملكة : بامتناع تعريف ما يكون من مقولة بمقولة أُخرى ، إذ الاجتهاد «افتعال» وهو نفس استنباط الحكم من دليله ، وليس ملكة حتى يكون استخراج الأحكام من أدلّتها أثراً لها ، كما في مثل ملكة الشجاعة أو العدالة أو السخاوة من الملكات الخلقيّة الحاصلة من الأفعال المسانخة لآثارها ، فالشّجاع بعد تكرّر مصاديق الشّجاعة منه كمنازلة الأبطال والإقدام في المخاطر والمخاوف ، تحصل له ملكة الشّجاعة ، وبعد حصولها تكون الأفعال الصّادرة منه آثاراً لتلك القوّة الرّاسخة في نفسه ، ومسانخة للأفعال السّابقة على حصول وتحقّق الملكة ، فما سبق منه من الأفعال وما تأخّر ـ بعد حصول الملكة ـ متماثلان. وهذا بخلاف الاجتهاد الّذي هو استنباط الأحكام الفرعيّة المتوقّف ـ والمتّأخر عن حصول الملكة ـ على الاستنباط المنوطة بإتقان مبادئ الاجتهاد ـ وأهمّها علم الأصول ـ الدّخيلة في تحصيل الحجّة على الحكم الشرعيّ. فالعمل والاستنباط متأخّران عن الملكة من غير أن يكون لهما دخل في حصول ملكة الاستنباط ، وعليه لا وجه لدعوى الملازمة بين حصول الملكة (ملكة الاستنباط) وبين الاستنباط الخارجيّ ، فإنّ صاحب الملكة قد لا يتصدّى لاستخراج الأحكام الشرعيّة

٢١٤

ومعرفتها كما لو اختار الاحتياط في أعماله. وعلى ما تقدّم من كون الاجتهاد من مقولة الفعل والملكة من مقولة الكيف النفسانيّ أو غيرها ، لا وجه لتعريفه بالملكة ، إذ لا معنى لتعريف شيء بما يباينه ، والمقولات متباينة وأجناس عالية.

تعليقة ص : ١٥ ، س : ١٥ ـ قوله : ... يوجب اتّحاد تعريفه مع تعريف الفقه.

قال صاحب المعالم عند افتتاحه عنوان بحثه بتعريف الفقه : «الفقه في اللّغة مطلق الفهم. وفي الاصطلاح : العلم بالأحكام الشّرعية الفرعيّة عن أدلّتها التفصيلية.

هذا والعلم بالأحكام الشرعية أعمّ من كونه علماً بالحكم الواقعي والظّاهري والثاني كما لو كان الطريق إلى الواقع ظنيّاً. وظنيّة الطريق لا تنافي علميّة الحكم الظاهريّ ، أو أن يراد من العلم ما هو أعمّ منه ومن الظنّ وهو ترجيح أحد الطرفين.

قال في المعالم : «هذا الاستعمال شائع لا سيّما في باب الأحكام الشرعيّة ، فإنّه كثيراً ما يقال : حصل العلم بالحكم الفلانيّ ويراد به رجحان ذلك الحكم في النّظر».

تعليقة ص : ١٦ ، س : ١٢ ـ قوله : ... كما في موارد الأُصول العقليَّة.

مع القطع بأحد هذه الأُمور لا يمكنه تقليد غيره ، لأنّه مع الاعتقاد برأي الغير ، لا معنى للتّقليد ، ومع عدمه يكون من باب رجوع العالم إلى الجاهل وهو ممنوع.

تعليقة ص : ١٨ ، س : ٦ ه‍ ـ ٣ تتمَّة كلام صاحب تنقيح المقال حول إسحاق ...

قال : ويستفاد من توقيعه ـ عليه‌السلام ـ هذا ، جلالة الرّجل وعلوّ رتبته ، وكونه هو الرّاوي غير ضائر بعد تسالم المشايخ على نقله ـ انتهى ـ وقيل لإثبات اعتبار آراء الفقهاء ـ إضافة إلى نقلهم الرّوايات ـ بهذا الحديث : أنّه بناءً على عموم لفظ «الحوادث» إمّا بنفسه بمعنى كون أداة التعريف للاستغراق ، وإمّا بمقتضى التعليل ، لو كانت أداة التعريف للعهد إلى خصوص الحوادث التي سألها إسحاق بن يعقوب ، والتعليل هو قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فإنّهم حجّتي عليكم» ، فبناء على عموم «الحوادث» للسؤال عن الشبهة الحكميّة ، يدلّ التّوقيع على حجيّة فتاوى الفقهاء أيضاً ، كما يدلّ على حجيّة رواياتهم ، وذلك لأنّ الحادثة المسئول عن حكمها ربّما لا تكون منصوصة حتّى يجيب الفقيه السّائل بقراءة ألفاظ الحديث ، فلا بدّ أن يشمل هذا

٢١٥

التوقيع حجيّة جواب رواة الأحاديث مطلقاً سواء كان الجواب بقراءة نصّ الحديث أو كان بالاجتهاد وإعمال النظر. ولعلّ النّكتة في التعبير ب ـ «رواة أحاديثنا» دون التعبير ب ـ «العلماء والفقهاء» هي التنبيه على أنّ علماء الفرقة المحقّة ليس لهم رأي من عند أنفسهم في قبال الأئمة المعصومين ـ عليهم‌السلام ـ.

تعليقة ص : ١٨ ، س : ٨ ـ قوله : ... والظاهر شمولها (السِّيرة).

فيه أوّلاً ـ كما قيل ـ من أنّ الثابت ببناء العقلاء وديدنهم ، أنّ الّذي يجوز له الرّجوع هو الجاهل المحتاج إلى عمل لا يعرف حكمه ولا كيفيّة إيجاده ، وهو العامّي المحض العاجز عن الاستنباط وفهم مداليل الأدلّة والحجج المجعولة ، واستعمالها والفحص عن المخصّصات والمقيدات والمعارضات ، وتشخيص المقيّد والمخصّص والجمع بين المتعارضات.

وثانياً : إنّ الإطلاق والتّقييد من شئون الدّليل اللفظيّ لا اللبيّ ، والسيرة من الثاني ، فلا يمكن إذن أخذ الإطلاق منها بدون القطع به ، والتمسّك بالإطلاق فرع ثبوته ووجوده. وعليه : فإثبات جواز الرّجوع ـ للقادر على الاستنباط ـ إلى الغير ، بالسيرة ، هو من قبيل إثبات حكم لمورد ما بدليل أو حجّة يشكّ شمولهما للمورد وهو باطل. حينئذ يبقى عموم الآيات النّاهية عن العمل بالظنّ شاملاً للقادر على الاستنباط وإن لم يستنبط فعلاً ، لإمكانه من تحصيل الحجّة على الحكم الشرعيّ إمّا بالعلم الوجداني ، أو التعبديّ ، فإنّ العمل على طبق فتوى الغير أقصى ما يفيد الظنّ بالواقع ، والرّجوع إليه عمل بما وراء العلم. فلا موجب للعذر والأمن من العقوبة عقلاً بحيث يحكم بالإجزاء ، ومع حصول الشكّ في الفراغ يحكم العقل بلزوم الاستنباط الفعليّ ، والمقام من صغريات التّعيين والتّخيير في الحجّية ـ بعد العلم الإجماليّ بالأحكام المنجّزة ـ ، وعليه فالمرجع هو قاعدة الاشتغال القاضية بلزوم الأخذ بما هو مقطوع الحجّية.

هذا إضافة إلى عدم نقل الجواز عن أحد من العلماء إلّا المنسوب إلى السيّد المجاهد صاحب المناهل (ره) كما عن الشيخ (ره) في رسالته ، وقد تقدّم في المتن.

تعليقة ص : ١٩ ، س : ٢ ـ قوله : ... إنّ الرجوعَ تارة يكون مباشرة وأُخرى بلا مباشرة.

المحكيّ عن الشيخ الأنصاريّ (ره) في رسالته : دعوى انصراف الأدلّة النقليّة عمّن له ملكة الاجتهاد ، والمذكور في رسالة الاجتهاد والتقليد للمحقّق الأصفهاني (ره) عدم المعنى

٢١٦

لإطلاق تلك الأدلّة بالنسبة إلى المتمكّن من الاستنباط ، لأنّ أدلّة الأحكام الشرعية شاملة لمثل هذا الشخص ، فالأحكام الواقعيّة منجّزة في حقّه من طريق الامارات المعتبرة لتمكّنه من الاستفادة منها. هذا ولا أقلّ من إجمال الدّليل بالنسبة إليه واحتمال حرمة التقليد عليه ، فاللّازم هو الاحتياط ، ولا تصل النوبة إلى تقليد الغير ـ كما قيل ـ.

تعليقة ص : ١٩ ، س : ٦ ـ قوله : تعيّنُ رجوعه إلى اجتهاد نفسهِ مع كون ...

قيل : إنّ رجوعه إلى من يحتمل انكشاف خطئه إذا راجع الأدلّة إن لم يكن قاطعاً بأنّه لو راجع الأدلّة لخطّأه في كثير من استدلالاته ـ مع تحقّق العلم الإجمالي بالأحكام ـ يكون من قبيل الرّجوع إلى الجاهل ـ باعتقاده ـ لأنّه قد يرى خطأه ، وعليه : لا يمكن إحراز خروجه عن عهدة التكليف لعدم إحراز كون عمله على طبق الحجّة الشرعيّة ، فالمرجع في المقام هو أصالة الاشتغال والاحتياط.

تعليقة ص : ١٩ ، س : ١٣ ـ قوله : ... ومثل هذا العلم غير منجَّز في باب ...

فيه : أنّه مصادرة ، حيث إنّ حجيّة رأي الغير في حقّه أوّل الكلام ـ كما قيل ـ والأصل عدم الحجيّة ولما تقدّم في التعليقة السابقة ، من انصراف الأدلّة عمّن له ملكة الاجتهاد وإن لم يستنبط فعلاً ، ولاحتمال تخطئته للغير : إذن لا يمكن تحصيل المؤمِّن والمعذِّر ، لعدم إحراز كون رجوعه إلى الغير على طبق الحجّة الشرعية.

تعليقة ص : ٢١ ، س : ١٩ كلام صاحب الكفاية في عدم جواز الرجوع إلى ...

كفاية الأُصول : ٢ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥. وقيل : إنّ الإشكال إنمّا يتوجّه إذا كان دليل التقليد هو المقبولة ونحوها ، ممّا اعتبر في الموضوع عنوان العارف بأحكامهم ـ عليهم‌السلام ـ. فالانسداديّ ـ بناءً على الحكومة ـ خارج عن عنوان «العالم» الّذي هو موضوع أدلّة التقليد ، لاعترافه بعدم علمه بالأحكام إذ لا طريق له إليها من العلم والعلميّ ، ولا أقلّ من الشك في حجيّة رأيه على الغير والمرجع هو أصالة عدم الحجيّة. هذا ونوقش ـ بناءً على الكشف ـ أيضاً من عدم كون الظنّ المطلق كالظنّ الخاصّ محرزاً للواقع ليصير الظنّ المطلق بمقتضى أدلّة التقليد حجّة في

٢١٧

حقّ غير الانسداديّ أيضاً وذلك للفارق بين الظنّ الخاصّ والمطلق ـ بناء على الكشف ـ حيث إنّ دليل اعتبار الظنّ الخاصّ مطلق كآية النبأ ، فإنّها على تقدير دلالتها على حجيّة خبر العادل لا تدلّ على تقيّد حجيّته بقيد وبشخص دون آخر ، وهذا بخلاف الظن المطلق فإنّ حجيّته منوطة بالانسداد المتوقّف على المقدمات ، فمن تمّت عنده هذه المقدّمات يثبت له اعتبار الظنّ دون من لم تتمّ له كالعامّي ، إذ من مقدّماته بطلان التقليد والاحتياط وهما غير ثابتين للجاهل العامّي لإمكانه تقليد من يرى انفتاح بابي العلم والعلميّ.

هذا ولو كان دليل التقليد غير المقبولة ونحوها ، بل السيرة العقلائية فإنّه مع فرض كون الانسداديّ أعلم من غيره ، فالسيرة قائمة على تقديم قوله على غيره حتى لو كان قائلاً بالحكومة ، مع تماميّة المقدّمات عند العاميّ بلزوم تقليد الأعلم في مورد العلم بالمخالفة ـ كما قيل ـ.

تعليقة ص : ٢٤ ، س : ٢ ملاحظة الشيخ الأُستاذ على السيّد الخوئي (ره).

قال السيّد الخوئيّ (ره) في التنقيح : ١ / ٢٥٠ «... إنّ تشخيص صغريات القاعدتين (قبح العقاب بلا بيان وصحته وتنجّز الواقع) أو كبراهما ليس من الأحكام الشرعيّة ليكون العلم بها تفقّهاً في الدّين ، وإنمّا هو من باب رجوع الجاهل إلى العالم وأهل الاطّلاع فإنّه الّذي جرت عليه السّيرة.

هذا وقد قيل : إنّ أدلّة التقليد ممّا لا تنحصر بالآيات والرّوايات كي يدّعى أنّها تجوّز الرّجوع إلى العالم بالأحكام الشرعية لا الجاهل بها ، والمجتهد الانفتاحي في تلك الموارد هو جاهل بها كالانسدادي عيناً ، بل عمدة أدلّتها هي سيرة العقلاء وهي مستقرة على الرّجوع إلى أهل الخبرة من كلّ فنّ لا إلى خصوص العالم بالأحكام الشرعية ، والانفتاحيّ هو ممّن يصدق عليه عنوان أهل الخبرة حتّى في الموارد التي يكون المرجع فيها الأُصول العقليّة دون الشرعية».

تعليقة ص : ٢٨ ، س : ١٤ ه‍ ـ ٤

قال الشيخ (ره) في كتاب العدّة : ١ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، في آخر فصل في ذكر خبر الواحد : «إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار ، فوثّقت الثقات منهم وضعّفت الضعفاء ، وفرّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ومن لا يُعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح

٢١٨

منهم وذمّوا المذموم ، وقالوا : فلان متهم في حديثه ، وفلان كذّاب ، وفلان مخلّط ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفي ، وفلان فطحي ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها ، وصنّفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرّجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم ، حتّى أنّ واحداً منهم إذا أنكر حديثاً طعن في اسناده وضعفه بروايته ، هذه عادتهم على قديم وحديث لا تنخرم. والمقصود من استثناء الرجال ـ كما في حاشية العدّة ـ التصانيف التي رواها الرّجال مثل ما روي عن ابن الوليد أنّه قال : «ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس لا يعتمد عليه». انتهى فلاحظ.

تعليقة ص : ٣٤ ، س : ١٠ ـ قوله : ... وإن كان كثيراً في حدِّ نفسه.

قال السيّد الخوئي (ره) في مباني تكملة المنهاج : ١ / ٨ ، حول ما قد يستدلّ على نصب القاضي ابتداءً والمراد به هو المجتهد العالم بالأحكام من الكتاب والسنة : «ثمّ إنّ قوله ـ عليه‌السلام ـ : «يعلم شيئاً من قضايانا» لا يراد به العلم بشيء ما ، فإنّ علومهم ـ عليه‌السلام ـ لا يمكن لأحد الإحاطة بها ، فالعالم بالأحكام ـ مهما بلغ علمه ـ فهو لا يعلم إلّا شيئاً من قضاياهم ، فلا بدّ من أن يكون ذلك الشيء مقداراً معتداً به حتّى يصدق عليه أنّه يعلم شيئاً من قضاياهم ، والمراد به هو المجتهد العالم بالأحكام من الكتاب والسنة» انتهى.

فائدة : نقل أنّ صاحب الجواهر (قده) لمّا اشتدّت عليه سكرات الموت قال بعد ما أفاق من الإغماء : رأيت ملكاً يقول لملك الموت : أرفق وألطف به ، فإنّ عنده شيئاً من علم جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، ومن المعلوم أنّ الشّيء الذي كان عنده ـ قدّه ـ كان كثيراً في نفسه لكنّه كان شيئاً من علم جعفر ـ عليه‌السلام ـ.

تعليقة ص : ٣٥ ، س : ٩ ـ قوله : ... إنَّما هو في قاضي التَّحكيم دون المنصوب.

مباني تكملة المنهاج : ١ / ٨ ـ ٩ ، وقال (ره) : «ويؤكد ذلك أنّ قوله ـ عليه‌السلام ـ : «يعلم شيئاً من قضايانا» لا دلالة فيه بوجه على اعتبار الاجتهاد ، فإنّ علومهم ـ عليهم‌السلام ـ وإن لم تكن قابلة للإحاطة بها إلّا أنّ قضاياهم وأحكامهم في موارد الخصومات قابلة للإحاطة بها ولا سيّما لمن كان في عهدهم ـ عليهم‌السلام ـ ، وعليه فمن كان يعلم شيئاً من قضاياهم ـ عليهم‌السلام ـ يجوز للمترافعَين أن يتحاكما إليه ، وينفذ حكمه فيه وإن لم يكن مجتهداً وعارفاً بمعظم الأحكام». هذا

٢١٩

واختار (ره) عدم اعتبار الاجتهاد في قاضي التحكيم حيث قال (ره) : «وأمّا قاضي التحكيم فالصحيح أنّه لا يعتبر فيه الاجتهاد خلافاً للمشهور ...».

تعليقة ص : ٤٨ ، س : ١٢ ملاحظة الشيخ الأُستاذ على كلام المحقّق ...

الظاهر أنّ مراده (ره) من العلم بالأحكام الشرعية الفرعيّة في زماننا هو الحاصل عن الأدلة التفصيليّة ، سواء كان وجدانيّاً أم تعبّدياً ، فلا حظّ للمقلّد منه.

تعليقة ص : ٥١ ، س : ٤ ملاحظة الشيخ الأُستاذ على ما أفادَهُ الإمام الخميني (ره) ...

قال الإمام الخميني (ره) في تهذيب الأُصول : ٢ / ٥٣٢ بعد ذكر صحيحة سليمان بن خالد التي تلت إيراده (ره) على الاستدلال بالمقبولة : «وعلى أي حال ، فالصحيحة ظاهرة في اختصاص ذلك المنصب للأنبياء وأوصيائهم ، والفقهاء إمّا داخلون [داخل] تحت قوله : أو وصيّ نبيّ ، بحكم الرّوايات ، أو خارجون [خرجوا] عن الحصر (فإنّ الحكومة إنمّا هي للإمام ...) بالأدلة الماضية ، ويبقى [وبقي] الباقون تحت المنع ، على أنّ الشك في جواز نصب النبيّ العاميَّ كاف في عدم جواز نصب الفقيه إياه للقضاء ، إذ من الممكن اشتراط الفقاهة مع عدم إطلاق يصحّ الاتكالُ عليه». انتهى.

تعليقة ص : ٥٤ ، س : ٨ ـ قوله : ... ما قيل أو يمكن أن يقال في المسألة ...

راجع كتاب البيع : ٢ / ٤٥٩ ـ ٤٨٩ للإمام الخميني (ره) وكذلك مصباح الفقاهة : للسيّد الخوئي (ره) ٥ / ٣٤ ـ ٥٣ والتنقيح في شرح العروة الوثقى للسيّد الخوئي (ره) : ١ / ٤١٩ ـ ٤٢٥ ومستند العروة الوثقى للسيّد حسن الحجّة الكوه كمري : ١٩٨ ـ ٢٠٩ ، وإرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب للميرزا الشيخ جواد التبريزي : ٣ / ٢٦ ـ ٤٢.

تعليقة ص : ٥٥ ، س : ٩ ملاحظة الشيخ الأُستاذ حول استفادة الإمام الخميني (ره) ...

هذا ولا بأس بالتعرّض إلى ما ذكره الإمام الخميني (ره) عند بحثه عن مفاد المقبولة ، ليزداد الأمر وضوحاً ، فإنّه بعد ما بيّن شمول الحكم للقضاء الّذي هو شأن القاضي ، والحكم من الولاة والأمراء قال : ثمّ إنّ قوله ـ عليه‌السلام ـ : «منازعة في دين أو ميراث» لا شبهة في شموله للمنازعات

٢٢٠