الرسائل الأربع - ج ٢

عدّة من الأفاضل

الرسائل الأربع - ج ٢

المؤلف:

عدّة من الأفاضل


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٤

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى :

(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ)

البقرة : ١٤٣.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إنَّ هذا الدينَ متين ، فأُوغِلوا فيه برفق ولا تكرِّهوا

عبادة الله إلى عباد الله ، فتكونوا كالراكب

المنبت الّذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى»

الكليني : الكافي : ٢ / ٨٦.

٣

مقدمة شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظله ـ :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي وضع عنّا الاصر ، ورفع عنّا الحرج ، ويسّر لنا التكليف ولم يجعله عسراً ، وأُصلّي وأُسلّم على نبيّه الخاتم الذي أتى بالشريعة السمحاء نافياً عنها الضرر والضرار. وعلى آله الطيبين الطاهرين عيبة علمه ، وموئل حكمه صلاة دائمةً لا نهاية لها.

أمّا بعد : فإنّ الفاضل الجليل الشيخ محسن الحيدري ـ دامت إفاضاته ـ قد قام بتحرير ما كتبه ولدنا الفاضل المحقق الشيخ حسن مكي العاملي من محاضرات ألقيتها حول قاعدة لا ضرر ولا ضرار في الدورة السابقة ، فأضاف ما استدركناه في هذه الدورة من الروايات ، وما حققناه من مباحث جديدة ، وبسط القول في آخر الرسالة في حكم الضرر على النفس بعد ما أجملنا الكلام فيه.

نسأل الله تعالى أن يجعل الفاضلين الجليلين من أصحاب النظر والفتيا ، وأملي بهما أن يكونا مناراً في العلم والتقوى ، وقدوةً لأهل العلم وطلاب المعرفة إنّه سبحانه على ذلك قدير ، وبالإجابة جدير.

جعفر السبحاني

٤

مقدمة المؤلف :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.

أمّا بعد : فممّا أنعم الله به عليّ مدّة اشتغالي في الحوزة العلمية بقم المقدّسة ، هو : تشرّفي بالتّتلمذ على يدي سماحة الأُستاذ الكبير العلّامة المحقّق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ـ حفظه الله ـ ، حيث استفدت من محضره الشريف في الدورة الثالثة من أبحاثه العالية الأُصوليّة وغمرني بألطافه وعناياته ما لا أنساه طول حياتي إن شاء الله.

ولمّا تمّ بحثه حول قاعدة لا ضرر ، أحببت تحرير وتكميل الرّسالة التي كتبها الأخ العلّامة المفضال الشيخ حسن مكي العاملي ـ حفظه الله ـ حول القاعدة تقريراً لأبحاث شيخنا الأُستاذ في الدورة السابقة ، والتي قد طبعت ضمن قاعدة الرّضاع تحت عنوان «قاعدتان فقهيّتان» سنة ١٤٠٨ ه‍ ـ ق ـ فلله در المقرّر وعليه أجره ـ.

وقد تمّ ـ ولله الحمد ـ تحرير الرسالة بلا حذف شيء يعتدّ به من المتن ، ولكن بإضافة الموارد التالية إليه :

ألف : قد نقلنا ما وقفنا عليه من الأحاديث الكثيرة الدالة على مفاد القاعدة وهو يزيد على الموجود في الأصل بكثير ، مع درج التعليقات والتوضيحات اللازمة على بعض تلك الأحاديث.

٥

ب : ذكر آيات قرآنية أُخر تدلّ على القاعدة مع توضيحات أكثر لتفسير تلك الكرائم.

ج : استخراج نصوص فتاوى الفقهاء من العامّة والخاصّة التي استدلّوا فيها بقاعدة نفي الضرر في جميع الأبواب الفقهيّة من أول العبادات إلى آخر الحدود والدّيات ، وتلك النصوص قد بلغت حوالي ثمانمائة مورداً ، الأمر الذي يدل على الدور الهام لهذه القاعدة في الفقه ، وقد أشرنا إلى عناوين بعض تلك النصوص ومصادرها في فصل على حدة تحت عنوان «نماذج من الاستدلال بقاعدة لا ضرر في المسائل الفقهيّة».

د : إدراج بعض النكات المفيدة التي أرشدني إليها سماحة الأُستاذ في المتن.

ه ـ : إكمال البحث ، بتحرير ما أفاده شيخنا الأُستاذ حول الاضرار بالنفس بوجه موجز.

محسن الحيدري

شوال المكرم ـ ١٤١٤ ه‍ ـ

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الضرر والضرار في الكتاب العزيز

قال شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظلّه ـ :

كلمة «الضرر» وردت في موضع واحد من القرآن الكريم وهو قوله سبحانه :

١ ـ (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ...). (١)

__________________

(١) النساء / ٥.

نزلت الآية ـ كما في كتب التفسير والحديث ـ في من تخلّف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم تبوك وقد عذر الله سبحانه أولي الضرر منهم وهو عبد الله بن أُم مكتوم. وقال زيد بن ثابت : كنت عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين نزلت عليه (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) ولم يذكر أولي الضرر. فقال ابن أُمّ مكتوم : فيكف وأنا أعمى لا أبصر؟! فتغشّى النبي الوحي ثمّ سرى عنه فقال : اكتب (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر) فكتبتها.

راجع : مجمع البيان للطبرسي ج ٣ / ٩٦ ط : دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ ومسند أحمد بن حنبل ٤ / ٣٠١ ط : دار الفكر.

٧

أي إلّا أهل الضرر منهم ، بذهاب أبصارهم وغير ذلك من العلل الّتي لا سبيل لأهلها إلى الجهاد ، للضّرر الّذي بهم. والمراد من الضرر هنا هو النقصان من عمًى أو مرض.

وأمّا الضّرار ، فهو من فروع الظّلم والتعدّي على النفوس والحقوق والأموال ، وعلى ذلك فهو محكوم بالقبح عقلاً وبالحرمة شرعاً.

وقد وردت هذه الكلمة وما اشتقّ منها في الآيات القرآنيّة التّالية :

* * *

٢ ـ قوله سبحانه : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). (١)

كان الرجل ـ في الجاهليّة ـ يطلّق امرأته ويتركها ، وعند ما يقرب انقضاء عدّتها ، يراجعها لا عن حاجة ورغبة ولكن ليطوّل العدّة عليها إيذاءً وضراراً بها. فنهى الله سبحانه عن هذا الأسلوب التعسّفي ، كما قد حدّد الطّلاق بعد أن لم يكن له ولا للرجوع حدّ وحصر ، بما يلي :

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). (٢)

هذه هي الحدود الإلهيّة. وأمّا الرجوع بقصد الطّلاق ، فهو ليس من الإمساك

__________________

(١) البقرة / ٢٣١.

(٢) البقرة / ٢٢٩.

٨

بمعروف ، ولذلك فقد عدّه سبحانه من الإمساك ضراراً ، فالواجب على الزوج ـ كما في هذه الكريمة ـ أحد أمرين :

الإمساك بالمعروف بالقيام بوظائف الزوجيّة ، أو التسريح والتّخلّي عنها حتّى تنقضي عدّتها وتبين من غير ضرار.

وروي عن عائشة أنّها قالت : كان الناس والرجل يطلّق امرأته ما شاء أن يطلّقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدّة ، وإن طلّقها مائة مرّة أو أكثر ، حتّى قال رجل لامرأته :

والله لا أُطلّقك فتبيني ولا آويكِ أبداً. قالت : وكيف ذلك؟ قال : أُطلّقك ، فكلّما شاهدت عدّتك أن تنقضي راجعتك. فذهبت المرأة حتّى دخلت على عائشة فأخبرتها. فسكتت حتّى جاء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته. فسكت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى نزل القرآن (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ).

قالت عائشة : فاستأنف الناس الطلاق مستقبلاً من كان طلق ومن لم يكن طلّق. (١)

و «الضرار» في الآية من مقولة فعل الواحد لا الاثنين ولا المجازاة. والمراد منه في المقام هو إيجاد الضيق والمشقّة وإدخال المكروه.

فاحتفظ بهذه النكتة مع ما سنذكره في الآيات الأُخر ، لأنّها كقرائن منفصلة تثبت ما هو المقصود من الحديث.

* * *

٣ ـ قوله سبحانه : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ

__________________

(١) الترمذي ، الصحيح ، ج ١ ص ٢٢٤ ، الحاكم النيسابوري ، المستدرك ٢ / ٢٧٩.

٩

أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١).

والآية تتكفّل ببيان عدّة أحكام :

أ ـ مدّة إرضاع الأُمّهات للأولاد.

ب ـ أنّ رزق الأُمّهات المرضعات وكسوتهن ، على المولود له ـ وهو الوالد ـ على النحو المعروف.

ج ـ أن لا يكلّف أحدهما الآخر بما ليس في وسعه.

د ـ أنّ (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ). وفي تفسيره وجهان :

الأوّل : أن يكون الفعل (لا تُضَارَّ) بصيغة المجهول فيكون كل من الوالدة والمولود له هو المتضرر ، وحذف الفاعل أي «الضار» لكونه معلوماً من سياق الكلام وتكون الباء في (بِوَلَدِها) وفي (بِوَلَدِهِ) للسببية. والمعنى يحرم أن يتضرر ويقع كل من الوالدة والمولود له مورداً للضرر بسبب ولدهما ، فلا تضار الوالدة بأخذ ولدها عنها ودفعه إلى الضرة بعد أُنسها به ، غيظاً عليها. كما لا يضار الوالد بترك إرضاع ولده. ففي الصورة الأُولى ، الأُمّ هي المتضرّرة والأب هو الضار ، وفي الصورة الثانية الأمر بالعكس. وعلى كلّ تقدير فالولد سبب الضرر وآلته وليس مورداً له.

الثاني : أن يكون الفعل (لا تُضَارَّ) بصيغة المعلوم وعلى هذا يكون كل من الوالدة والمولود له هو الضار ، والمتضرر هو الولد المذكور بعدهما ، والباء زائدة والمعنى : لا تضارر الوالدة ولدها ولا يضارر المولود له ولده ، وإضرار الأُمّ بترك الإرضاع ، وإضرار الأب بأخذه منها ودفعه إلى الضرة. والفرق بين الوجهين واضح ، ففي الأوّل كل من الوالدة والمولود له هو المتضرر والطرف المقابل هو الضار والولد سبب الضرر ، وفي الثاني كلّ منهما هو الضار ، والمتضرر ـ على كل تقدير ـ هو

__________________

(١) البقرة : ٢٣٣.

١٠

الولد.

ه ـ يجب على الوارث ما كان يجب على المولود له من الرزق والكسوة.

و ـ جواز فصل الرضيع عن الرضاع قبل الحولين عن تراض وتشاور من الوالدين ، وقد شرط رضا الوالدة لأنّها تعلم من تربية الرضيع ما لا يعلمه الوالد.

ز ـ يجوز للآباء طلب مراضع غير أُمّهات أبنائهم ، إمّا لإباء الأُمّهات عن الرضاع ، أو لأغراض عقلائيّة.

وعلى كل تقدير ، فمتعلّق التحريم هو فعل الواحد أي إضرار كلٌّ مستقلاً وإن لم يكن الآخر ضاراً ، وليس متعلّقه فعل الاثنين. ومع ذلك فلعلّ الإتيان ب ـ «تضار» بصيغة المفاعلة مكان «تضر» ، مع أنّ الأنسب هو الثاني ـ لما عرفت من كون متعلّق التحريم إضرار كلٌّ مستقلاً وإن لم يكن الآخر ضاراً ـ من جهة مظنّة كون كل منهما بصدد الإضرار بالآخر.

* * *

٤ ـ قوله سبحانه : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (١).

فلو قرئ «لا يضارِّ» بصيغة المعلوم بكسر الراء ـ وإن تبدّلت إلى الفتح بعد الإدغام ـ كان النهي متوجّهاً إلى الكاتب والشاهد ، كأن يكتب الكاتب ما لم يمل عليه ، ويشهد الشاهد بما لم يشهده أو يمتنع عن إقامة الشهادة.

وأمّا إذا قرئ بصيغة المجهول فيكون المراد عدم الإضرار بالكاتب والشاهد ، كأن يدعى الكاتب إلى الكتابة أو الشاهد إلى الشهادة في ظرف عدم تفرّغهما لذلك ، والذيل يناسب المعنى الأوّل كما لا يخفى. وقد أُريد من صيغة المفاعلة ، الفعل من جانب واحد.

* * *

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢.

١١

٥ ـ قوله سبحانه : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ). (١)

منع سبحانه من الضرار في الوصيّة بمعنى أنّه ليس للإنسان أن يوصي وصيّة تضرّ بالورثة كما إذا أوصى بكل ماله ، أو بأكثر من ثلثه ، أو أقرّ بدين للإضرار بهم مع أنّه غير مديون. فقد أُريد من صيغة المفاعلة ، الفعل من جانب واحد.

* * *

٦ ـ قال سبحانه : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ). (٢)

نقل المفسّرون أنّ بني عمرو بن عوف اتّخذوا مسجد قبا وبعثوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتيهم ، فأتاهم وصلّى فيه. فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف وقالوا : نبني مسجداً ونصلّي فيه ولا نحضر جماعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا فرغوا منه أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يتجهّز إلى تبوك. فقالوا : يا رسول الله إنّا قد بنينا مسجداً لذي العلّة والحاجة واللّيلة المطيرة واللّيلة الشاتية ، وإنّا نحبّ أن تأتينا وتصلّي فيه لنا وتدعو بالبركة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي على جناح سفر ، ولو قدمنا آتيناكم إن شاء الله فصلّينا لكم فيه. فلمّا انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تبوك ، نزلت عليه الآية في شأن المسجد ، فوصف غاية عملهم بأُمور :

__________________

(١) النساء / ١٢.

(٢) التوبة / ١٠٧.

١٢

١ ـ ضراراً ، أي للضّرر بأهل مسجد قبا أو مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليقلّ الجمع فيه.

٢ ـ وكفراً ، أي لإقامة الكفر.

٣ ـ وتفريقاً بين المؤمنين ، أي لاختلاف الكلمة وإبطال الأُلفة وتفريق الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٤ ـ وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل ، أي مرصداً لأبي عامر الراهب وهو الذي حارب الله ورسوله من قبل. (١)

* * *

٧ ـ قوله تعالى : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى). (٢)

والمقصود هو المنع عن الضّرار بالمطلّقة في أيّام عدّتها بالتضييق في المسكن والمأكل.

فهذه الآيات (٣) تثبت قاعدة كلّية وهي حرمة الضرر والضرار ، أي حرمة أن يضرّ مكلّف بفرد آخر ، فالضارّ أو المضارّ هو المكلّف والمتضرّر إنسان آخر (٤) فليكن هذا على ذكر منك فإنّه سينفعك في تفسير القاعدة.

* * *

__________________

(١) الطبرسي ، مجمع البيان ج ٣ / ٧٢ وفسر الضرار بقوله : الضرار طلب الضرر ومحاولته كما أنّ الشقاق محاولة ما يشق ، يقال : ضاره مضارّة وضراراً.

(٢) الطلاق / ٦.

(٣) لا يخفى أنّ الآيات الّتي استعملت فيها مادّة «ضرر» لا تنحصر بهذه السبعة المذكورة ، إذ قد استعملت بصيغ مختلفة فيما يقارب ثلاثاً وستّين آية أُخرى ولكن أغمض عن التشرّف بذكرها لعدم علاقتها الوثيقة بموضوع البحث.

(٤) يمكن قبول هذا المعنى بالنسبة إلى الآيات فقط وأمّا بالنسبة إلى الأحاديث فللكلمتين معنى أوسع.

١٣

الضّرر والضِّرار في السّنّة

الروايات الحاكية عن تحريم الضّرر والضّرار على أقسام كثيرة (١) نأتي بما وقفنا عليه في كتب الفريقين.

القسم الأوّل : ما يعتمد في بيان الحكم على نقل قضيّة سمُرة بن جندب (٢)

__________________

(١) قد ادّعى فخر المحقّقين كما في ايضاح الفوائد في شرح القواعد ج ٢ / ٤٨ تواترها. وهذا هو الحقّ فانّ من تتبّعها في مطاوى الكتب يجد صدق تلك الدعوى جليّاً ، وعليه فلا حاجة إلى التفتيش عن اسنادها. فإنّها إن لم تكن متواترة فهي مستفيضة بلا اشكال. وقد أثبتنا مضمونها كما مرّ عليك ـ في الفصل السابق ـ على ضوء الآيات الكريمة مضافاً إلى أنّ هذا المطلب من المستقلّات العقليّة ، حيث إنّ الضرر والضرار من شعب الظلم والعقل يستقلّ بقبح ذلك كما هو معلوم.

(٢) سمرة بن جندب كان من أعلام المنافقين. وقد اميط اللّثام عن نفاقه في عناده لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ستعرف من قصّته في الأحاديث الآتية وكذلك من قصّة ضربه بالعنزة ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القصواء وشجّه رأسها. وكلّما تطاول عليه الزمان ـ حيث بقي إلى عهد معاوية بن أبي سفيان بل إلى زمن ابنه يزيد ـ اسفرت الأيّام عن خبث طينته إلحاده. فانّه شارك مشاركة فعّالة في المخطّط الاجرامي الذي دبّره معاوية لجعل الأحاديث وخلقها في صالح المنافقين وضدّ عليّ أمير المؤمنين (عليه‌السلام) كما أنّه أسرف كثيراً في سفك دماء الابرياء لتشييد سلطان الأُمويّين حيث قتل أكثر من ثمانية آلاف من الشّيعة حينما استخلفه زياد بن أبيه على البصرة! وفي نهاية عمره المليء بالاجرام ساهم في الخروج لقتل سبط الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث كان على شرطة عبيد الله بن زياد يحرّض الناس على الخروج للحسين (عليه‌السلام) وقتاله.

انظر : الشرح الحديدي ج ١ / ٣٦١ و ٣٦٣ ـ الكامل في التاريخ ج ٣ / ٤٨٢ و ٥٠٣ ـ معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي ـ قده ـ ج ٨ / ٣٠٥ ـ ٣٠٧.

١٤

ويعلّل الأمر بالقلع ب ـ «أنّه رجل مضارّ» وانّه «لا ضرر ولا ضرار» وإليك صور الحديث :

١ ـ موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «إنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار ، وكان منزل الأنصاري بباب البستان ، فكان يمرّ به إلى نخلته ولا يستأذن ، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء ، فأبى سمرة ، فلمّا تأبّى جاء الأنصاري إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكى إليه وخبّره الخبر ، فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخبّره بقول الأنصاري وما شكا ، وقال : إذا أردت الدخول فاستأذن ، فأبى ، فلمّا أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله ، فأبى أن يبيع ، فقال : لك بها عذق يمدّ لك في الجنة ، فأبى أن يقبل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأنصاري : اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنّه لا ضرر ولا ضرار». (١)

٢ ـ روى الكليني عن علي بن محمد بن بندار ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن بعض أصحابنا ، عن عبد الله بن مسكان ، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) نحوه إلّا أنّه قال : «فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّك رجل مضارّ ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن قال : ثمّ أمر بها فقلعت ورمي بها إليه ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انطلق فاغرسها حيث شئت». (٢)

وعلي بن بندار ، لم يوثق في الكتب الأُصوليّة الرجالية : كما انّ في السند إرسالاً. والرواية مشتملة على بعض ما لا يوجد في الرواية المتقدّمة مثل :

أ ـ إنّك رجل مضار.

ب ـ لا ضرر ولا ضرار على مؤمن.

__________________

(١) رواه المشايخ الثلاثة. الوسائل ، الجزء ١٧ ، الباب ١٢ ، من كتاب احياء الموات ، الحديث ٣ والرواية موثقة لأجل ابن بكير.

(٢) الوسائل ، الجزء ١٧ ، الباب ١٢ ، من كتاب احياء الموات ، الحديث ٤.

١٥

٣ ـ ما رواه الصدوق عن الحسن الصيقل عن أبي عبيدة الحذاء قال : قال أبو جعفر (عليه‌السلام) : «... ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يسرّك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك؟ قال : لا! قال : لك ثلاثة؟ قال : لا! قال : ما أراك يا سمرة إلّا مضارّاً ، اذهب يا فلان فاقطعها [فاقلعها] واضرب بها وجهه». (١)

والظاهر أنّ أبا جعفر (عليه‌السلام) حدّث بهذا وسمعه زرارة وأبو عبيدة الحذّاء فنقلاه بالزيادة والنقصان.

٤ ـ ما نقله أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفّى عام ٢٧٥ ه‍ ـ في سننه : عن واصل مولى أبي عيينة قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن علي يحدّث عن سمرة بن جندب أنّه كانت له عضد (٢) من نخل في حائط رجل من الأنصار قال : ومع أهله قال : فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذّى به ويشق عليه ، فطلب إليه أن يبيعه ، فأبى وطلب إليه أن يناقله ، فأبى فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكر [ذلك] له ، فطلب إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبيعه ، فأبى فطلب إليه أن يناقله فأبى ، قال : «فهبه له ولك كذا وكذا» أمراً رغبة فيه ، فأبى ، فقال : «أنت مضار». فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأنصاري : «اذهب فاقلع نخله». (٣)

ولعلّ المضمون مستفيض وإن كانت الخصوصيات غير مستفيضة.

وهناك رواية أُخرى يشبه مضمونها لقضيّة سمرة من بعض الجوانب ونحن ننقلها هنا للمناسبة.

٥ ـ في كتاب قرب الاسناد : ابن عيسى ، عن البزنطيّ قال : سمعت الرضا

__________________

(١) الوسائل ، الجزء ١٧ ، الباب ١٢ ، من كتاب احياء الموات ، الحديث ١ ، وفي سند الصدوق إلى الحسن ، علي بن الحسين السعدآبادي وهو غير مصرح به بالتوثيق.

(٢) الصواب «عضيد». قال ابن فارس في المقاييس : العضيد ، النخلة تتناول ثمرها بيدك. ويمكن أن يسمّى بذلك لأجل أنّ العضد تطاولها فتنالها.

(٣) سنن أبي داود ج ٣ ، ص ٣١٥ في أبواب من القضاء.

١٦

(عليه‌السلام) يقول في تفسير (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) قال : «إنّ رجلاً من الأنصار كان لرجل في حائطه نخلة وكان يضرّ به ، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعاه فقال : أعطني نخلتك بنخلة في الجنّة ، فأبى ، فبلغ ذلك رجلاً من الأنصار يكنّى أبا الدّحداح فجاء إلى صاحب النخلة فقال : بعني نخلتك بحائطي ، فباعه فجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اشتريت نخلة فلان بحائطي ، قال : فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلك بدلها نخلة في الجنّة ، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى* فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) يعني النخلة (وَاتَّقى) إلخ». (١)

القسم الثاني : ما يشتمل على لفظ «لا ضرر ولا ضرار» مجرّداً عن قضيّة سمرة ومن دون دلالة صريحة على مورد صدوره من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإليك بيانه :

٦ ـ روى الكليني بسنده عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «لا ضرر ولا ضرار». (٢)

٧ ـ روى الكليني عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أهل المدينة في مشارب النخل أنّه لا يمنع نفع الشيء ، وقضى بين أهل البادية أنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع كلاء ، فقال : «لا ضرر ولا ضرار». (٣)

وما نقله صاحب الوسائل في البابين حديث واحد تطرّق إليه التعدّد بسبب التقطيع ، والسند أيضاً واحد رواه الكليني مجتمعاً في الكافي. (٤) ويحتمل أن يكون «نفع الشيء» مصحف «نقع الشيء» والمراد : فاضل الماء ، ونقع البئر : فاضل

__________________

(١) البحار ج ٢٢ / ١٠١ نقلاً عن قرب الاسناد / ١٥٦ والآيات في سورة الليل.

(٢) الوسائل ج ١٧ ، الباب ١٢ من كتاب احياء الموات ، الحديث ٥.

(٣) الوسائل ج ١٧ ، كتاب احياء الموات ، الباب ٧ ، الحديث ٢.

(٤) الكافي ج ٥ ، كتاب المعيشة ، باب الضرار ، الحديث ٦.

١٧

مائها. والموجود في الكافي المطبوع أخيراً «وقال» لا ضرر ولا ضرار ، وفي الوسائل كما عرفت «فقال» ، وفي الباب الثاني عشر من أبواب الاحياء «قال» بلا عاطف. (١)

فلو كان مع «الفاء» ، يكون علّة للحكم السابق أعني : «لا يمنع فضل ماء ...» ودالاً على صدور هذه القاعدة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير مورد سمرة أيضاً.

ولو كان مع «الواو» ، أو بدون العاطف ، يكون قضاءً مستقلاً غير مرتبط بما تقدّمه ولكن الراوي ، أي عقبة بن خالد ، ضمّه إلى سائر الأقضية. وقد حكى شيخ الشريعة أنّه رأى في نسخة مصحّحة من الكافي أنّه مع «الواو» لامع «الفاء» ، ولكن الظاهر خلافه كما سيوافيك.

٨ ـ روى الكليني عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال : «لا ضرر ولا ضرار» وقال : إذا أُرّفت الأُرف وحدّت الحدود فلا شفعة». (٢)

والظاهر اتّحاده مع الحديث السادس وقد حصل التعدّد من تقطيع الكليني حيث نقل قسماً منه في باب الشفعة وقسماً آخر في باب الضرار ، والسند في الجميع واحد ، وقد وقع قوله : «لا ضرر ولا ضرار» هنا تعليلاً للحكم بالشفعة إذا لم ترف الأُرف ، وبعدمها إذا حدّت الحدود ، وليس قضاءً مستقلاً إذ لا يصح إدخال قضاء مستقلّ في أثناء قضاء واحد. وبذلك يقوى كون الصحيح في الحديث السادس هو «الفاء» ليكون تعليلاً للحكم بعدم المنع ، ويترتّب على ذلك عدم ورود قوله «لا ضرر» مستقلاً ، وإنّما ورد إمّا مقترناً بقضية سمرة ، أو مسألة نقع الماء ليمنع

__________________

(١) فالكافي نقله مع «الواو» والوسائل تارة مع «الفاء» وأُخرى بلا عاطف أصلاً والسند والمتن في البابين ٧ و ١٢ من الوسائل واحد.

(٢) الوسائل ، الجزء ١٧ ، كتاب الشفعة ، الباب ٥ ، الحديث ١ ، والكافي الجزء ٥ ، كتاب المعيشة ، باب الشفعة ، الحديث ٤.

١٨

فضل الكلاء ، أو مسألة الشفعة. (١)

٩ ـ ما أرسله الصدوق عند الاستدلال على أنّ المسلم يرث الكافر فقال : (العبارة له) فأمّا المسلم فلأيّ جرم وعقوبة يحرم الميراث؟ وكيف صار الإسلام يزيده شراً؟

ـ مع قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الإسلام يزيد ولا ينقص».

ـ مع قوله (عليه‌السلام) : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ، فالإسلام يزيد المسلم خيراً ولا يزيده شرّاً.

ـ ومع قوله (عليه‌السلام) : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه». (٢)

ولا شكّ أنّ الجمع بين الأحاديث الثلاثة ، من فعل الصدوق ، كما أنّ قوله : «فالإسلام يزيد المسلم خيراً ولا يزيده شرّاً» من كلامه ، ذكره مقدمة للاستدلال به على أنّ المسلم يرث الكافر ، ويدل على ذلك ما روي عن معاذ أنّه احتج على أنّ المسلم يرث اليهودي بقوله : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الإسلام يزيد ولا ينقص». ورواه في الوسائل في نفس الباب ، الحديث الثامن.

وعلى كلّ تقدير ، فالقاعدة حسب هذا النقل مذيّلة بلفظة «في الإسلام». ولا يخفى أنّ تذييل هذه الرواية بلفظة «في الإسلام» لا ينحصر بما نقله الصدوق في

__________________

(١) وممّا يؤيّد أنّ جملة «لا ضرر ولا ضرار» جاءت مقترنة بمسألة الشفعة ما ورد في كتاب فقه الرضا (عليه‌السلام) ص ٣٥ على ما حكاه المجلسي في البحار ج ١٠١ / ٢٥٧ ، أنّه قال : «اعلم أنّ الشفعة واجبة في الشركة المشاعة ... ولا ضرر في شفعة ولا ضرار».

ولا يخفى أنّ كتاب فقه الرّضا (عليه‌السلام) وإن كان كتاباً فقهيّاً لا حديثيّاً ، إلّا أنّ الكتب الفقهيّة المؤلّفة في القرون الأُولى ـ حتى القرن الرابع ـ كانت تلتزم بنقل نصوص الأحاديث على الأغلب بعنوانها فتاوى لمؤلّفيها وعليه فيحتمل قويّاً أنّ ما جاء في هذا الكتاب كان نصّاً للحديث نقله مؤلفه بنفس التعبير من دون اشارة إلى أنّه حديث عن المعصوم (عليه‌السلام).

(٢) الفقيه ج ٤ ، كتاب الميراث ، باب ميراث أهل الملل ، الحديث ١ و ٣ ـ ورواه في الوسائل الجزء ١٧ ، كتاب الفرائض والمواريث ، الباب الأوّل من الموانع ، الحديث ٩ و ١١.

١٩

«من لا يحضره الفقيه» ، إذ رواها أيضاً في كتابه «معاني الأخبار» ونقلها الشيخ في «الخلاف» ، والعلّامة في «التّذكرة» ، والطّريحي في «مجمع البحرين». ومن العامّة : ابن الأثير في نهايته ، وهؤلاء أرسلوها إرسال المسلّمات في كتبهم ، وإليك عباراتهم :

١٠ ـ في كتاب «معاني الأخبار» : عن محمّد بن هارون الزنجاني ، عن عليّ بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد القاسم بن سلّام بأسانيد متّصلة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أخبار متفرقة أنّه : ... إلى أن قال : «وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تعضية في ميراث» ومعناه أن يموت الرجل ويدع شيئاً إن قسّم بين ورثته إذا أراد بعضهم القسمة كان في ذلك ضرر عليهم أو على بعضهم ، يقول : فلا يقسم ذلك ... والشيء الذي لا يحتمل القسمة مثل الحبّة من الجواهر ... وما أشبه ذلك من الأشياء وهذا باب جسيم من الحكم يدخل فيه الحديث الآخر «لا ضرر ولا اضرار في الإسلام» فإن أراد بعض الورثة قسمة ذلك لم يُجَب إليه ولكن يباع ثمّ يقسّم ثمنه بينهم ...». (١)

١١ ـ قال الشيخ الطوسي : «وأيضاً قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» يدلّ على ذلك. لأنّه متى لم يرد عليه قيمة ما نقص دخل عليه في ذلك الضرر». (٢)

١٢ ـ قال العلّامة : «الغبن سبب الخيار للمغبون عند علمائنا وبه قال مالك وأحمد لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام». (٣)

١٣ ـ قال الطريحي : «وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الارضين والمساكن وقال : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام». (٤)

١٤ ـ قال ابن الأثير : «وانّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا ضرر ولا ضرار في الإسلام». (٥)

__________________

(١) معاني الأخبار ، ص ٢٨١ ، تصحيح علي أكبر الغفاري ، الناشر دار المعرفة بيروت سنة ١٣٩٩.

(٢) الخلاف ٢ / ١٨٦ ، كتاب الشفعة ، ط : اسماعيليان ، قم.

(٣) التذكرة ج ١ / ٤٩٧ ط : قديم ، خيار الغبن ، المسألة الأُولى.

(٤) مجمع البحرين مادة «ضرر».

(٥) النهاية لابن الأثير مادة «ضرر».

٢٠