وإن شئت عبر عنه بالوجدان غير المتأثر من الأُمور اللاشعورية ، فهو يحسّ الملائمة لبعض الأفعال والمنافرة للبعض الآخر.
وممّن يظهر منه هذا الملاك ، المحقّق الخراساني في رسالة خاصة له في الملازمة بين العقل والشرع التي أدرجها في ضمن فوائد أُصولية له قال : إنّه لا مجال لإنكار اختلاف الأفعال بحسب خصوصيات وجودها سعة وضيقاً وخيراً وشراً الموجب لاختلافها بحسب المنافرة والملائمة للقوة العاقلة ، ومع ذا لا يبقى مجال لإنكار الحسن والقبح عقلاً إذ لا نعني بهما إلّا كون الشيء في نفسه ملائماً للعقل فيعجبه أو منافراً فيغربه (كذا) (١) وبالضرورة إنّما يوجبان صحّة المدح والقدح في الفاعل إذا كان مختاراً بما هو فاعل. (٢)
وبما أنّه ربما يتوهم أنّه إذا كان الملاك هو الملائمة والمنافرة للفطرة ، يكون حكم العقل في مجال التحسين والتقبيح منحصراً بأفعال الإنسان ولا يعدو غيره مع انّ الهدف من عقد ذاك البحث هو التعرّف على أفعاله سبحانه ، ولدفع هذا التوهم عقدنا البحث التالي.
سعة دائرة حكم العقل :
إنّ إدراك العقل حسن الأفعال أو قبحها على كلا التقريرين (كون الحكم بهما في بعض الأفعال أمراً بديهياً وفي البعض الآخر منتهياً إليه ، أو كون الميزان الملائمة للجانب العالي من الإنسانية والمنافرة) لا يختص لشخصه أو لصنف خاص أو لكلّ من يطلق عليه الإنسان ، بل يدرك حسن صدوره أو قبحه لكلّ موجود عاقل مختار سواء وقع تحت عنوان الإنسان أو لا ، وذلك لأنّ المقوّم لقضائه
__________________
(١) ولعل الصحيح فيستغربه.
(٢) الفوائد الأُصولية المطبوعة في ذيل تعليقته على الفرائد ص ٣٣٩.