التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٣

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٣

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0524-1
الصفحات: ٤٢٢

٣ ـ وإنجاؤه مع المؤمنين برسالته ، وإغراق كفار قومه بالطوفان وإهلاكهم ، وهذا يقتضي أنه تعالى أغرق قوم نوح وأمّته ومكذبيه ، وليس في الآيات نص على أن الغرق عم جميع أهل الأرض ، لكن قد قال به جماعة من العلماء ، وأسندت به أحاديث أنه لم يبق إلا من كان معه من السفينة ، وعلى هذا ، يكون الناس اليوم من ذريته ومن المعلوم ، لم يكن الناس في عهد نوح بهذه الكثرة ، لأن عهد آدم عليه‌السلام كان قريبا ، وكانت دعوة نوح عليه‌السلام ونبوته قد بلغت جميعهم ، لطول المدة واللّبث فيهم ، وكان الجميع كفرة عبدة أوثان ، لم ينسبهم الحق إلى نفسه ، فلذلك أغرق جميعهم.

إن من مقتضيات الإيمان الصحيح بالله تعالى الإنجاء من المهالك والإسعاد في الدنيا والآخرة ، وبقاء الأثر والسمعة الطيبة والذّكر الجميل إلى آخر الدهر.

وعلى عكس ذلك إن من مقتضيات الكفر بالله تعالى : الإيقاع في أنواع العذاب الأليم ، والشقاء في الدنيا والآخرة ، وسوء السمعة ومحل العظة والعبرة ، والسعيد : من اتعظ بغيره ، والشقي : من كان عبرة وأثرا يذكر لغيره.

تحطيم إبراهيم عليه‌السلام الأصنام

على الرغم من تطهير البشرية من لوثات الشرك والوثنية بإغراق الكافرين في طوفان نوح ، وإنجاء المؤمنين ، فقد ظهرت نزعة الشر في بعض ذرية نوح عليه‌السلام ، فأرسل الله تعالى إليهم إبراهيم الخليل عليه‌السلام أبا الأنبياء وإمام الحنفاء ، وسار على منهاج نوح في الدين والدعوة إلى توحيد الله تعالى ، فكان الإعراض من قومه عن دعوته ، وآل مصيرهم كقوم نوح إلى أن غلبوا وذلّوا ونالتهم العقوبات الشديدة ، ونجى الله تعالى إبراهيم عليه‌السلام من النار التي ألقي فيها ،

٢٨١

كما نجى نوحا ومن آمن معه من الغرق ، وهذه آي تبين جهود إبراهيم في دعوته ومصيره :

(وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١)) (١) (٢) [الصافات : ٣٧ / ٨٣ ـ ١٠١].

المعنى : وإن إبراهيم عليه‌السلام من شيعة نوح عليه‌السلام ، أي على منهاجه في الدين والتوحيد. واذكر أيها النبي محمد حين أقبل إبراهيم على ربه بقلب مخلص سليم من الشك والشرك وجميع النقائص التي تلحق قلوب بني آدم كالغلّ والحسد والكبر ونحوه. وحين قال لأبيه وقومه : ما الذي تعبدونه من هذه الأصنام من دون الله تعالى؟ وهو توبيخ على منهجهم.

أتريدون آلهة من دون الله تعبدونها إفكا وكذبا ، دون حجة ولا دليل ، وما ظنكم حين تلقون ربكم أنه فاعل بكم ، وقد عبدتم معه غيره؟ وهو استفهام بمعنى التقرير ، لا النفي ، أي أكذبا ومحالا آلهة دون الله تريدون؟

ثم أخبر الله تعالى عن نظرة إبراهيم عليه‌السلام في نجوم السماء ، فإنه تأمل في علوم النجوم وفي معانيها ، مريدا بذلك إيهام قومه أنه يعلم ما يعملون ويعلمون. روي أن علم النجوم كان عندهم منظورا فيه مستعملا ، فأوهمهم هو من تلك الجهة ،

__________________

(١) أي أتباعه وأنصاره في الدين والتوحيد.

(٢) أي مال إليها.

٢٨٢

وذلك أنهم كانوا أهل رعاية وفلاحة ، وهاتان المعيشتان يحتاج فيهما إلى نظر في النجوم ، وبعد أن نظر إبراهيم في النجوم قال لقومه : إني مريض عليل ، فتولوا عنه وتركوه مدبرين لكفرهم به واحتقارهم لأمره. وهي في الظاهر كذبة من أجل رضوان الله ، وفي الحقيقة إنه مرض قلبي معنوي بسبب عبادة قومه الأصنام والأوثان. ومراعاة للظاهر في أنها كذبة ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة : «لم يكذب إبراهيم النبي عليه‌السلام قط إلا ثلاث كذبات ، ثنتين في ذات الله : قوله : إني سقيم ، وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) [الأنبياء : ٢١ / ٦٣] وواحدة في شأن سارّة ، قال عنها : هي أختي» أي أختي في الإسلام ليخلصها من اعتداء ملك جبار في مصر.

فمال إبراهيم خفية إلى أصنام القوم ، وقد خرجوا خارج البلد في عيد لهم ، ووضعوا الطعام للأصنام لتباركه ، فقال لها تهكما وسخرية : ألا تأكلون من هذا الطعام المقدم لكم؟ وذلك على جهة الاستهزاء بعبدة تلك الأصنام ، ما الذي يمنعكم من النطق والجواب عن سؤالي؟ ومراده : التهكم والاحتقار ، لأنه يعلم أنها جمادات لا تنطق.

فمال عليهم يضربهم بقوة وشدة ، حتى حطّمهم إلا كبيرا لهم ، فأقبل إليه القوم بعد عودتهم من عيدهم مسرعين ، يسألون عمن كسرها ، وقد قيل : إنه إبراهيم ، وعرفوا أنه هو ، فقالوا له : نحن نعبدها وأنت تكسرها؟! فقال : أتعبدون من دون الله أصناما أنتم تصنعونها من حجر وعود ، وتنحتونها بأيديكم؟ والله الذي خلقكم وخلق أعمالكم هو الأحق بالعبادة ، وأجدر بالتعظيم ، فكيف تعبدون غيره؟ وقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٩٦) دليل على أن الله تعالى هو خالق أفعال العباد وهو مذهب أهل السنة ، وهو أن الأفعال خلق لله عزوجل واكتساب للعباد. وفي

٢٨٣

هذا إبطال مذهب الجبرية والقدرية. أخرج الثعلبي عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن الله خالق كل صانع وصنعته». ولفظ حذيفة عند البيهقي : «إن الله عزوجل صنع كل صانع وصنعته ، فهو الخالق ، وهو الصانع سبحانه».

فتواطأ قوم إبراهيم على قتله ، وقالوا : ابنوا له بنيانا واسعا ، وأضرموا فيه نارا عظيمة ، ثم ألقوه في تلك النار المستعرة. فأرادوا به سوءا بحيلة ومكر ، فأنجاه الله تعالى ، وجعل النار بردا وسلاما عليه ، ونصره الله عليهم ، وجعلهم مغلوبين أذلة بإبطال كيدهم ، ومعاقبين على أفعالهم.

ولما نجا إبراهيم عليه‌السلام من إحراق النار ، وأيس من إيمان قومه ، قال : إني مهاجر من بلد قومي الذين آذوني ، تعصبا للأصنام ، وتكذيبا لرسله ، إلى حيث أمرني بالمهاجرة إليه ، وسيهديني الله لما فيه صلاح ديني ودنياي ، وذلك إلى بلاد الشام المقدسة. رب هب لي ولدا صالحا عونا على طاعتك ، وإيناسا في الغربة. فبشره الله بغلام متميز بالحلم الكثير ، وهذا الغلام هو إسماعيل عليه‌السلام ، فإنه أول ولد بشرّ به إبراهيم عليه‌السلام ، وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب.

الذبيح إسماعيل عليه‌السلام

بعد أن ترك إبراهيم الخليل عليه‌السلام ديار قومه عبدة الأصنام ، وهاجر من أرض بابل حيث كانت مملكة نمرود إلى بلاد الشام ، بشره الله بغلام حليم ، وهو إسماعيل عليه‌السلام الابن الأكبر لإبراهيم ، ولما كبر إسماعيل وشبّ وبلغ ابن ثلاث عشرة سنة ، امتحن الله تعالى الأب إبراهيم والابن إسماعيل بقصة الذبح ، وأعقب ذلك الامتحان بشارة أخرى بإسحاق نبيا من الصالحين ، مباركا عليه وعلى إبراهيم ،

٢٨٤

وجعل الاثنين من الأنبياء المرسلين ، وإيجاد أكثر الأنبياء من ذريتهما. وهذه الأخبار بالترتيب وردت في سورة الصافات في الآيات الآتية :

(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)) (١) (٢) [الصافات : ٣٧ / ١٠٢ ـ ١١٣].

هذه آي المحنة لإبراهيم بعد محنته بإلقائه في النار ، وكل من المحنتين في غاية القسوة واختبار الإيمان بالله تعالى ، فلما كبر إسماعيل عليه‌السلام قال له أبوه إبراهيم عليه‌السلام : يا بني ، إني رأيت في المنام أني أذبحك ، فما رأيك؟ أخبره بذلك ليستعدّ لتنفيذ أمر الله ، ويثاب على انقياده وطاعته لربه ، وليعلم صبره لأمر الله. فأجابه إسماعيل قائلا : امض لما أمرك الله من ذبحي ، وافعل ما أوحي إليك ، سأصبر على القضاء الإلهي ، وأحتسب ذلك عند الله عزوجل. والمراد بقوله : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) السعي على القدم ، يريد سعيا متمكنا ، أو العمل والعبادة والمعونة. وبدأ تنفيذ أمر الله تعالى ، فلما استسلم الأب وابنه لأمر الله وطاعته ، وأسلما أنفسهما ، أي فوّضا إلى الله في قضائه وقدره وألقى إبراهيم على الأرض ابنه على جنبه وجانب جبهته وهو الجبين ، ومعنى (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) وضعه بقوة ، ونادى الملك إبراهيم من الخلف بعدئذ. قد حصل المقصود من رؤياك ، وتحقق المطلوب ،

__________________

(١) الفاء هنا : فاء الفصيحة ، التي تفصح عن كلام مقدر ، يفهم من السياق العام الوارد في القصة.

(٢) أحد جانبي الجبهة.

٢٨٥

وصرت صادقا مصدّقا بمجرد العزم ، وإن لم تذبح. ثم عدّد الله تعالى نعما خمسا على إبراهيم وهي :

١ ـ الإحسان إليه : والمعنى : مثلما جازينا إبراهيم بالعفو عن الذبح ، نجزي كل محسن على طاعته ، وتفريج كربته ومحنته ، وإن هذه المحنة أو الاختبار بالشدة لهو الاختبار الصعب الواضح الذي لا يوجد أصعب منه ، حيث اختبر الله إبراهيم في مدى طاعته بذبح ولده ، فصبر محتسبا الأجر عند ربه.

٢ ـ وافتداء الذبح ، فلقد جعلنا لإبراهيم فداء ولده بتقديم كبش عظيم الجثة سمين.

والذّبح : اسم لما يذبح ، وهو الكبش ، ووصفه بالعظم لأنه متقبّل يقينا. ويرى أهل السنة : أن هذه القصة نسخ فيها العزم على الفعل. والمعتزلة تقول : إنه لا يصح نسخ إلا بعد وقوع الفعل ، وهو مجرد إمرار الشفرة على العنق فقط ، وهو ما رآه إبراهيم في منامه ، فظن أنه ذبح مجهز ، منفّذ لذلك ، فلما وقع الذي رآه ، وقع النسخ.

٣ ـ الثناء الحسن عليه : وأبقينا لإبراهيم في الأمم المتلاحقة ثناء حسنا ، وذكرا جميلا ، فأحبه أتباع الملل كلها ، من اليهود والنصارى والمسلمين ، وأهل الشرك قاطبة ، كما جاء في آية أخرى : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) (٨٥) [الشعراء : ٢٦ / ٨٤ ـ ٨٥]. ومثل هذا الجزاء نجزي جميع المحسنين بالفرج بعد الشدة.

٤ ـ البشارة بإسحاق : ووهبنا لإبراهيم ولدا آخر بعد إسماعيل هو إسحاق ، وجعلناه نبيا صالحا من زمرة الصالحين. والبشارة بولادة إسحاق بعد قصة الذّبح دليل على أن إسماعيل هو الذبيح. وكان الذّبح بمنى.

٥ ـ مباركة إبراهيم وإسحاق : وجعلنا البركة والنعمة الدنيوية والأخروية في إبراهيم وإسحاق ، ومنها كثرة الولد والذرية ، وجعل أكثر الأنبياء من نسلهما ونسل

٢٨٦

إسماعيل. فقوله تعالى : (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ) أي أفضنا على إبراهيم وإسحاق بركات الدين والدنيا ، بأن كثّرنا نسلهما وجعلنا أنبياء ورسلا منهما ومن إسماعيل. وبعض ذريتهما محسن فاعل للخيرات ، وبعضها ظالم لنفسه بالكفر والمعاصي ، واضح الظلم والانحراف.

وهذا دليل على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال ، وأن النفع ليس بالوراثة والنسب ، وإنما الانتفاع بالأعمال ، وأنه لا يعيب الأصول ولا ينتقصهم سوء بعض ذريتهم ، لقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ٦ / ١٦٤].

نعم الله على موسى وهارون وإلياس عليهم‌السلام

امتن الله تعالى على أنبيائه الكرام بنعم كثيرة بسبب تضحياتهم وجهودهم في سبيل نشر الدعوة إلى الله سبحانه ، وإصلاح الناس ، ومن هؤلاء الأنبياء الصفوة : موسى وهارون عليهم‌السلام ، ومضمون هذه النعم : النبوة وعلوّ المكانة ، ونجاتهم من المآزق والمحن ، ونصرهم على معارضيهم ، وهدايتهم إلى الطريق القويم ، وإبقاء الثناء الحسن والسمعة العالية والتحية لهم على ممر الزمان إلى آخر الدهر ، وبهذا النوع من الجزاء على إخلاصهم وطاعتهم لربهم ، يجزي الله تعالى كل المحسنين ، وهذا صريح في الآيات الآتية :

(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢) وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (١٢٥) اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ

٢٨٧

الْأَوَّلِينَ (١٢٦) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٢٧) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٢٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٢٩) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (١٣٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٣١) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٣٢)) [الصافات : ٣٧ / ١١٤ ـ ١٣٢].

تالله لقد أنعمنا على موسى وهارون بالنبوة وغيرها من العطاءات والمنافع التي تؤدي إلى رفع مكانتهما في الدنيا والآخرة. ونجيناهما وقومهما الإسرائيليين من الكرب العظيم ، أي الاستعباد الفرعوني ومحاولة قتلهم ومتابعتهم ، وإنجائهم من الغرق في البحر. ونصرناهم ، أي موسى وهارون وقومهما على أعدائهم ، فكانوا هم المتغلبين أصحاب السيادة والسلطة. وأنعمنا على موسى وهارون بالتوراة الكتاب المنظّم لشؤون الدنيا والآخرة. وأرشدناهما إلى الطريق المستقيم : وهو طريق الشرع والنبوة المؤدي إلى الله تعالى.

وأبقينا لهما من بعدهما ثناء حسنا جميلا باقيا آخر الدهر. وهذا هو ما تركه الله عليهما في الآخرين ، حيث فسره بقوله تعالى : (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) (١٢٠) والمراد به الثناء الحسن في الأمم الباقية المتأخرة. ومثل هذا الجزاء على الإخلاص والطاعة من النبيين الرسولين موسى وهارون نجزي بالخلاص من الشدائد والمحن كل من أحسن عمله ، فأطاع الله وانقاد له ، لأنهما من فئة عباد الله المؤمنين المصدقين تصديقا صحيحا كاملا.

وإن إلياس بن ياسين الذي هو نبي من أنبياء الله تعالى ، والذي ينتهي نسبه إلى أخي موسى عليهما‌السلام ، بعثه الله في بني إسرائيل بعد حزقيل عليه‌السلام ، وكان قومه الإسرائيليون قد عبدوا صنما ، يقال له (بعل) فدعاهم إلى توحيد الله تعالى ، ونهاهم عن عبادة ما سواه. ومضمون قصته : اذكر أيها الرسول محمد حين قال إلياس لقومه : (أَلا تَتَّقُونَ). أي هلّا تخافون الله تعالى في عبادتكم غيره ، وتتركون ما نهاكم عنه من الشرك والعصيان!

٢٨٨

أتعبدون صنما وهو (بعل) الذي صنعتموه بأيديكم ، وتتركون عبادة الإله الحق المستحق وحده للعبادة؟ فهو سبحانه أحسن الخالقين ، أي إنه هو الخالق المبدع ، ولا خالق سواه ، وهو الله الذي رباكم بنعمه ، بعد أن أوجدكم من العدم ، أنتم وآباؤكم وأجدادكم السابقون. وكان إلياس عليه‌السلام في دعوته هذه حكيما ، فقد عاب قومه أولا على عبادة غير الله تعالى. ثم صرح بتوحيد الله ، ونفي جميع الشركاء عنه. فكذبوا دعوته ونبوته ، فصاروا بسبب تكذيبه لمحضرون ، أي لمجموعون للعذاب يوم القيامة ، ومجازون على ما قدموا من الأعمال المنكرة ، والأفعال والعقائد الفاسدة.

ثم استثنى الله تعالى من ذلك الجزاء : من كان مؤمنا فقال : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (١٢٨) أي إلا عباد الله الذين وحّدوه توحيدا خالصا من الشرك وشوائبه ، وعبدوه حق العبادة ، وأخلصوا العمل لله ، فهؤلاء في كل زمان ناجون من العذاب ، مثابون ثوابا حسنا على صالح أعمالهم ، لا يتعرضون لشيء من عقاب المشركين.

واستحق إلياس النبي عليه‌السلام مثلما استحق موسى وهارون : أن يبقي الله عليه ثناء حسنا جميلا آخر الدهر وعلى ممر الزمان ، وهو السّلام عليه ، سلاما مباركا من الملائكة والإنس والجن ، لأنه سليم الإيمان بما أمره الله به ، وهو الذي قاوم الشرك والوثنية. وإل ياسين : اسم أيضا لإلياس ، فهو اسم واحد له ، وهذه لغة ، كما يقال : إبراهيم وإبراهام ، وإدريس وإدراسين.

ومثل ذلك الجزاء على الإخلاص والطاعة من إلياس ، يجازي الله جميع المحسنين أعمالهم لله تعالى ، وعلة الجزاء أنه ، أي إلياس مؤمن من جملة عباد الله المصدّقين بوجود الله وتوحيده واتصافه ، أي الله بصفات الكمال والجلال والجمال والإحسان.

٢٨٩

نعم الله على لوط ويونس عليهما‌السلام

الفضل الإلهي ذو معيار ثابت واحد ، فكما أنعم الله تعالى في آيات سابقة من سورة الصافات على موسى وهارون وإلياس عليهم‌السلام ، أنعم أيضا على لوط ويونس عليهما‌السلام ، من إنجاء لوط وأهله إلا امرأته من العذاب ، وتدمير بقية القوم ، وإخراج يونس حيا من بطن الحوت ، وحمايته من هضمه ، وإنبات شجرة يقطين عليه يحتمي بأوراقها العريضة ، وتسخير سبيل إعادة القوة والصحة له ، وذلك كله للعظة والعبرة ، قال الله تعالى مبينا هذه النعم :

(وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (١٤٨)) (١) (٢) (٣) [الصافات : ٣٧ / ١٣٣ ـ ١٤٨].

إن إيراد بعض قصص الأنبياء السابقين من أجل أن يعتبر بها مشركو العرب وقت نزول الوحي ، وكذا كل من كفر وعاند ممن يأتي بعدهم ، فإن الذين أمعنوا في الكفر بادوا وهلكوا ، وبقي الذين آمنوا. إن لوطا ابن أخي إبراهيم أو ابن أخته أرسله الله من جملة المرسلين إلى أهل سدوم في وادي الأردن ، لارتكابهم الفواحش ، فنصحهم ، فأبوا نصحه ، فأهلكهم الله بحاصب من الحجارة المحرقة كالبراكين العاتية ، فجعل بلادهم عاليها سافلها ، ونجى الله تعالى لوطا عليه‌السلام وأهله المؤمنين به إلا امرأته

__________________

(١) أي الباقين في العذاب.

(٢) هرب بلا إذن إلى السفينة المملوءة.

(٣) أي فاقترع فكان يونس من المغلوبين.

٢٩٠

التي كانت كافرة ، صارت هالكة باقية في العذاب ، ولرضاها بفعل القوم ، وتواطئها معهم على كل من يأتي إلى لوط عليه‌السلام. وكفر امرأة لوط : إما أنها كانت مستترة منه ، وإما كانت معلنة ، وكان نكاح الوثنيات والإقامة عليهن جائزا.

والغابرون : الباقون ، وغبر بمعنى بقي ، ومعناه هنا : بقيت في الهلاك.

ثم أهلك الله قوم لوط الذين كذبوا برسالته ، وهم أهل الفاحشة الشنيعة (اللواط). ثم خاطب الله تعالى قريشا بما معناه :

قل لهم يا محمد وإنكم يا أهل مكة لتمرون على منازل قوم لوط التي فيها آثار العذاب وقت الصباح ، أي بالنهار ذهابا إلى الشام ، وفي الليل أثناء رجوعكم من الشام ، أفلا تتدبرون بعقل واع ، وتتعظون بما تشاهدونه في ديارهم من آثار التدمير ، وعقوبة الله النازلة بهم ، فتخافوا من أن يحل بكم نفس العذاب ، وتصيروا مثلهم في مصيرهم المشؤوم ، لمخالفتهم رسولهم وتكذيبهم به. وهذا توبيخ لمشركي قريش وأمثالهم.

وأشار الله تعالى إلى الصباح والليل ، لأن أكثر مشي المسافر على الدواب في الليل وأوائل النهار.

ثم ذكر الله قصة نبي آخر ، وهو يونس بن متّى ، الذي كان من أنبياء بني إسرائيل ، أرسله الله تعالى إلى قومه أهل نينوى بالموصل ، ومضمون قصته : واذكر أيها النبي محمد حين هرب يونس من قومه ، مغاضبا قومه ، إلى سفينة مملوءة بالحمولة ، بغير إذن ربه ، فتعرضت السفينة للغرق ، فاقترع الركاب فيما بينهم تخفيفا من الحمولة الثقيلة على إلقاء بعضهم في البحر ، فأصابت القرعة ثلاث مرات يونس عليه‌السلام ، فألقوه في البحر ، والفلك المشحون مفرد أو جمع : السفينة الموقرة.

فابتلعه الحوت الذي كان بجوار السفينة على الفور ، وهو الذي أتى ما يلام عليه ،

٢٩١

ثم استنقذه الله تعالى من بطن الحوت بعد مدة إما سبع ساعات أو ثلاثة أيام أو سبعة أيام. وجعل الله تعالى استنقاذه بسبب تسبيحه ، بعد إنقاذ القدر السابق ، والمراد : لولا أنه كان في حياته من الذاكرين الله كثيرا ، المنزّهين إياه ، المصلين له ، لبقي ميتا في بطن الحوت إلى يوم القيامة ، والتسبيح : صلاة التطوع في وقت الرخاء ، نفعته في وقت الشدة ، وهذا رأي جماعة من العلماء. وقال ابن جبير. هو قوله في بطن الحوت : سبحان الله إني كنت من الظالمين. فجعل الله الحوت يلقيه ، في مكان خال من الناس والنبات ، على جانب نهر دجلة ، وهو عليل الجسد ، سقيم البدن ، كهيئة الصبي حين يولد.

وأنبت الله عليه شجرة فوقه ، تظلله وهي شجرة القرع ، وهي سريعة النمو ، وبعد استعادة عافيته ، أرسله الله عائدا إلى القوم الذين هرب منهم يائسا من إيمانهم إلى ركوب البحر ، وهم أهل نينوى من أرض الموصل ، وعددهم مائة ألف فأكثر ، حيث وجدهم قد آمنوا بالله ربهم ، بعد أن رأوا أمارات العذاب ، فمتّعهم الله في الدنيا إلى حين انقضاء آجالهم ومنتهى أعمارهم.

مناقشة عقائد المشركين

بعد أن أورد الله تعالى في سورة الصافات أخبار جماعة من أنبياء بني إسرائيل ، من قبيل إعداد المقدمات الموطّئة لمناقشة المشركين المكيين في عقائدهم ، وجه الله تعالى إنذارا يتضمن التوبيخ والتقريع للمشركين على فساد اعتقادهم وإنكارهم البعث ، ونسبتهم البهتان إلى الله تعالى ، وجعلهم البنات لله تعالى ، تنزه الحق عن ذلك ، وقالت فرقة منهم هم من بني مدلج قولا بلغ غاية الإفك والكذب : ولد الله الملائكة ، لأنه نكح في سراة الجن ، وهذه آيات مخبرة عن هذه الفصول الغريبة :

٢٩٢

(فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠) فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠)) (١) (٢) (٣) [الصافات : ٣٧ / ١٤٩ ـ ١٧٠].

هذه مناقشات للقرشيين المشركين في مكة في عقائدهم ، حول إثبات التوحيد ، ونفي الشرك ، وإثبات البعث يوم القيامة. بدأت بعبارة الاستفتاء أي السؤال بمعنى التوبيخ والتقريع على أقوالهم المفتراة ، فاسألهم يا محمد على سبيل التوبيخ والتأنيب : كيف تجعلون لله البنات ، وأنتم تكرهونهن أشد الكره ، ولكم البنون الذين تحبونهم وتعتمدون عليهم في الغزو وتقوية القبيلة؟

إنها قسمة جائرة ، وتوزيع عجيب غريب ، ينسبون لله النوع الذي لا يختارونه لأنفسهم ، كما جاء في آية أخرى : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) (٢٢) [النجم : ٥٣ / ٢١ ـ ٢٢] أي جائرة.

بل كيف حكموا على الملائكة أنهم إناث ، وما شاهدوا خلقهم؟ فمثل ذلك الحكم يحتاج لمشاهدة ، وهم لم يشاهدوا بدء خلق الملائكة ، فلا دليل لهم على مزاعمهم. ألا إن قولهم هذا من محض الكذب والافتراء ، الذي لا دليل عليه ولا شبهة دليل ، وإن

__________________

(١) أي الملائكة ، سموا بذلك لاستتارهم عن الأبصار ، جعلوا بينهم وبين الله مصاهرة وصلة.

(٢) بحاملين على الفتنة والإضلال.

(٣) أي الداخل النار.

٢٩٣

حكمهم في غاية الجور ، فأي شيء يجعل الله مختارا البنات دون البنين؟! ما لكم تتورطون في هذا الحكم الظالم؟ أفلا تتدبرون بعقولكم وتتفكرون في أنفسكم ، فتتذكروا بطلان قولكم؟! بل ألكم حجة واضحة على هذا القول ، فإن كان لكم برهان ، فهاتوا برهانكم على ذلك ، إن صدقتم في ادعائكم؟

وتكرار هذه الاستفهامات لتكرار التوبيخ والتبكيت والإنكار الشديد على أقوال المشركين في مكة. ومن أعظم افتراءات بعضهم وهم بنو مدلج أنهم جعلوا مصاهرة ونسبا بين الله تعالى وبين الجنّة ، أي الملائكة ، فقالوا : الملائكة بنات الله ، ووصفوا بالجنّة ، لاستتارهم عن الأبصار. وتالله لقد علمت الملائكة علما يقينيا أن أولئك المشركين لمجموعون للحساب والعذاب في النار ، لكذبهم وافترائهم هذا.

تنزيها لله تعالى ، وتقديسا له ، عن كينونة ولد له ، وعما يصفه به الظالمون المشركون ، من أوصاف مفتراة.

نزلت هذه الآية كما نقل الواحدي عن المفسرين في قريش وأجناس من العرب : جهينة وبني سلمة وخزاعة ، وبني مدلج أو بني مليح قالوا : الملائكة بنات الله. لكن عباد الله المخلصين وهم المتبعون للحق المنزل على رسله الكرام هم ناجون ، فلا يساقون إلى عذاب النار ، وهذا استثناء منقطع.

ثم أعلن الله تعالى مدى عجز المشركين عن إضلال أحد ، حيث خاطبهم : فإنكم وآلهتكم التي تعبدونها من دون الله لا تقدرون على فتنة أحد عن دينه ، وإضلاله ، إلا من هو أضل منكم ، ممن هو داخل نيران الجحيم ، في علم الله تعالى ، وهم المصرّون على الكفر.

ثم نزّه الله تعالى الملائكة مما نسبوا إليه من الكفر بهم والكذب عليهم ، حيث أورد الله تعالى ذلك على لسان الملائكة بما قالوه : ليس منا ملك إلا له مرتبة معلومة

٢٩٤

من المعرفة والعبادة والمكان لا يتجاوزها ، فهم درجات في طاعة الله تعالى ، وإننا لنحن الصافون صفوفا في مواقف العبادة. أخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي مالك قال : كان الناس يصلّون متبددين ، فأنزل الله : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) (١٦٥) فأمرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يصفّوا.

ثم أورد الله تعالى ما كان يقوله المشركون قبل البعثة النبوية إذا عيّروا بالجهل فهم كانوا يقولون : لو كان عندنا كتاب من كتب الأولين كالتوراة والإنجيل ، لأخلصنا العبادة لله ، ولم نكفر به ، فجاءهم النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقرآن المجيد ، فكفروا به ، فسوف يرون عاقبة كفرهم. وهذا وعيد محض ، وتهديد على كفرهم بالله ورسوله وقرآنه ، لأنهم تمنوا أمرا ، فلما جاءهم الله به ، كفروا واستهواهم الحسد.

مناصرة الرسل عليهم‌السلام

سبق القضاء الإلهي الحاسم ، وتقرّر فصل الأمر بأن الله ناصر رسله المرسلين ، وكذلك جنده المؤمنين في الغالب ، إذا نصروا دين الله تعالى ، واستقاموا على أمره ، وابتعدوا عن نهيه ، وكلّ ما يؤدي لسخطه وغضبه. ونصر أهل الحق والإيمان يقابله هزيمة أهل الكفر والعصيان ، والضلال والخذلان ، وسيجد كل فريق عاقبته ، ونتيجة طريقته ، وهذا حق وعدل ، وإقرار لما يستوجبه فعل كل إنسان من خير أو شر ، وإيمان أو كفر ، وإعلان هذا القرار : إعذار وبعد عن أي لوم أو عتاب ، قال الله تعالى مبينا هذا الحكم الأزلي الثابت :

(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ

٢٩٥

رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢)) [الصافات : ٣٧ / ١٧١ ـ ١٨٢].

آنس الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأولياءه بأن القضاء قد سبق ، وأن الوعد بالنصر والظفر لرسل الله الكرام على من جحد برسالتهم قد فرغ منه ، سواء في الدنيا أو في الآخرة ، ففي الدنيا تكون الغلبة والقهر للرسل العباد : بأسر أعدائهم وتقتيلهم وتشريدهم ، أو بإجلائهم ، أو بتغلب الحجة والبرهان عليهم ونحو ذلك. وفي الآخرة بالظفر بالجنة والنجاة من النار. وهذا الحكم مقرّر في الغالب ، وإن كان النادر هو العكس. وجند الله : حزبه والمجاهدون في سبيله لإعلاء كلمة الله ، وهم الرسل وأتباعهم. والنصر مشروط بنصرة دين الله وشرعه ، واتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ، والعمل بالقرآن والسنة النبوية ، لقول الله تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم : ٣٠ / ٤٧].

وسبق الكلمة : هو في الأزل بأن رسل الله إلى أرضه وجنود الله هم المنصورون على من ناوأهم ، المظفّرون بإرادتهم ، المستوجبون الفلاح في الدارين.

فأعرض عنهم أيها النبي ، واصبر على أذاهم لك ، إلى مدة معلومة عند الله تعالى ، فإنا سنجعل لك النصر في النهاية. وهذا وعد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمر له بموادعة أو مهادنة المشركين إلى أمد معلوم. والحين أو الأمد : إما يوم بدر ، ورجحه الطبري ، أو موتهم ، أو يوم القيامة.

ووعد آخر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووعيد لهم ، مفاده : أمهل هؤلاء المشركين ، وانظر ماذا يحل بهم من العذاب بمخالفتك وتكذيبك ، كالأسر والقتل. وسوف يبصرون كل ما وعدتهم به من العقاب ويرون عقبى طريقتهم ، وما وعدناك به من النصر وانتشار الإسلام ، وكرّر الله تعالى هذا للتأكيد.

٢٩٦

ثم وبّخ الله تعالى المشركين على مطالبتهم بتعجيل أو استعجال العذاب ، فكيف يجرءون على استعجال عذاب الله الشديد؟ إنهم يستعجلونه لتكذيبهم وكفرهم بالنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أخرج جويبر عن ابن عباس قال : قالوا : يا محمد ، أرنا العذاب الذي تخوفنا به ، عجّله لنا ، فنزلت هذه الآية : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) (١٧٦)

فإن نزل العذاب بساحتهم ، أي بفنائهم أو موضعهم ، فبئس ذلك اليوم يومهم ، لإهلاكهم ودمارهم ، وتعبير النزول بالساحة تستعمله العرب فيما يرد على الإنسان من خير أو شر. وسوء الصباح : يستعمل أيضا عند العرب في ورود الغارات والرزايا ونحو ذلك.

ثم كرر الله تعالى أمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإعراض عن هؤلاء المشركين إلى أجل آخر ، يحين فيه هلاكهم ، فسوف يرون ما يحل بهم من عقاب. وإعادة الأمر بالتولي أو الإعراض عن المشركين تحقيق لتأنيس النبي والعناية به.

وتنزيها لله ربك أيها الرسول تنزيها مطلقا عن جميع ما يمكن أن يصفه به أهل الضلالات ، فالله هو رب العزة المطلقة ، والمراد بالعزة هنا : أنه ربّ العزة المخلوقة الكائنة للأنبياء والمؤمنين. والتحية من الله على المرسلين. وتوفير الثناء الحسن الجميل آخر الدهر ، لسلامة ما قالوه في ربهم وصحته وحقيقته ، والحمد التام والشكر الكامل لله في الأولى والآخرة في كل حال ، فهو سبحانه رب الثقلين : الإنس والجن ، دون سواه. وهذا تعليم من الله للمؤمنين أن يقولوا ذلك.

أخرج ابن سعد وابن مردويه عن أنس عن أبي طلحة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا سلّمتم على المرسلين ، فسلّموا علي ، فإنما أنا بشر من المرسلين».

والعزة في هذه الآية : ليست هي صفة الله تعالى ، والتي من حلف بها كان ذلك يمينا ، وإنما المراد بها عزته التي خلق بين عباده ، فمن حلف بالعزة المخلوقة الكائنة للأنبياء والمؤمنين ، فليس ذلك بيمين.

٢٩٧

تفسير سورة ص

الرد على عقائد المشركين

أوضحت سورة (ص) أصول العقيدة الإسلامية : وهي التوحيد والنبوة والبعث ، من خلال مناقشة المشركين في عقائدهم المناقضة لتلك الأصول ، وإيراد نماذج من قصص الأنبياء السابقين للعظة والعبرة. ومن أخطر عقائد المشركين القول بتعدد الآلهة ، بدليل قولهم في مطلع سورة (ص) (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ..)

أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي والحاكم عن ابن عباس قال : مرض أبو طالب ، فجاءته قريش ، وجاءه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فشكوه إلى أبي طالب ، فقال : يا بن أخي ، ما تريد من قومك؟ قال : أريد منهم كلمة ، تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم العجم الجزية ، كلمة واحدة ، قال : وما هي؟ قال : لا إله إلا الله. فقالوا : إلها واحدا؟ إن هذا لشيء عجاب ، فنزل فيهم : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) (١) إلى قوله تعالى : (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ). قال الله سبحانه :

(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى (١)

__________________

(١) أي في استكبار عن الحق والإيمان به ، وخلاف.

٢٩٨

آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦)) (١) (٢) [ص : ٣٨ / ١ ـ ١٦].

افتتحت سورة (ص) بهذا الحرف للتنبيه لما يأتي بعدها ، وللتحدي وإثبات إعجاز القرآن بأنه متكون من أمثال هذا الحرف ، فهل يمكن للعرب معارضته؟ وتالله إن القرآن الكريم كلام الله المعجز ، وإن محمدا لصادق في نبوته ، وإن القرآن ذو شرف ورفعة باقية خالدة ويختص حرف (ص) في هذا الموضع بأن معناه : صدق الله وصدق رسوله محمد.

بل إن الذين أشركوا في استكبار عن قبول الحق والإيمان به ، ومخالفة لله ورسوله ، ومعاندة ومكابرة ، وكثيرا ما أهلك الله من قبل مشركي قريش كثيرا من الأمم الخالية ، بسبب مخالفتهم للرسل وتكذيبهم الكتب المنزلة من عند الله تعالى ، ونادوا حين نزول العذاب بهم طالبين النجاة والغوث ، فلم يفدهم النداء وقتئذ شيئا ، لأن الوقت ليس وقت خلاص وفرار من العذاب بعد المعاينة ، والقرن : الأمة من الناس في زمن واحد.

وتعجب مشركو مكة من إرسال رسول مبشر ومنذر منهم ومن أنفسهم

__________________

(١) أي ليس فيها مدة انتظار كالمدة بين الحلبتين أو الرضعتين.

(٢) أي قسطنا من العذاب أو كتاب أعمالنا.

٢٩٩

وعروبتهم ، وقالوا لما رأوا معجزاته الباهرة : هذا ساحر خداع كذاب فيما يدعيه من النبوة. وهذا دليل على أنهم كذبوا الرسول من غير حجة ولا برهان.

ثم رد الله تعالى على شبهات ثلاث للمشركين تتعلق بالألوهية أو التوحيد ، وبالنبوة ، وبالمعاد. أما توحيد الإله : فلم يؤمنوا به وقالوا : أصير محمد الآلهة إلها واحدا ، وهو الله؟ إن هذا لشيء غريب عجيب ، بالغ النهاية في العجب. وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب قائلين : امضوا على ما كنتم فيه ، واثبتوا على عبادة آلهتكم ، واصبروا على التمسك بها. ما سمعنا بهذه الدعوة إلى توحيد الإله في آخر الملل وهي النصرانية ، وما هذا إلا افتراء وكذب ، لا حقيقة له ، ولا مستند من الوحي والدين السماوي.

وأما النبوة : فأنكروا نبوة محمد قائلين : كيف ينزل القرآن على محمد دوننا ، ونحن الرؤساء والأشراف؟ بل الحقيقة إنهم في شك من القرآن أو الوحي ، وهذا الشك ؛ لأنهم لم يذوقوا العذاب الإلهي ، فإذا تعرضوا له صدّقوا بالقرآن ، وزال عنهم الشك ، ولو ذاقوا العذاب ، لتحققوا أن هذه الرسالة حق ، أي إنهم لجهالتهم لا يبين لهم النظر ، وإنما يبين لهم مباشرة العذاب.

فرد الله تعالى عليهم : بل إنهم باستبعادهم رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هل يملكون مفاتيح خزائن الله ونعمه البالغة ورحمته التي فيها الهدى والنبوة وكل فضل ، والله هو المانح لهذه النعم الكثير المواهب ، حتى يعطوا نعمة النبوة لمن يشاءون؟ والخزائن للرحمة : مستعارة ، كأن المعنى : موضع جمعها وحفظها. بل أهم يملكون السماوات والأرض وما بينهما من المخلوقات والعوالم ، فإن فرض أنهم يملكون ، فليصعدوا في المعارج التي توصلهم إلى السماء ، حتى يحكموا بما يريدون من عطاء ومنع. إنهم حقيرون ذليلون ، وما هم إلا جند مغلوبون هنالك حيث يتحزبون فيه على المؤمنين.

٣٠٠