التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٣

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٣

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0524-1
الصفحات: ٤٢٢

السعداء ، ويبتعد عن موجبات جزاء الكافرين الأشقياء ، وليتأكد كل الناس أن القرار الحاسم في الحكم الإلهي لا يقبل النقض ، ولا يجد الخاسرون أنصارا ينصرونهم من بأس الله وعذابه ، ولا طريق للإنقاذ أو تصور العودة إلى الدنيا ، لأن الاختبار واحد والنتيجة واحدة ، لا تتكرر ، قال الله تعالى واصفا جزاء الكفار :

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩)) [فاطر : ٣٥ / ٣٦ ـ ٣٩].

أخبر الله تعالى عن حال الذين كفروا ، حال الذين اصطفى من عباده لوراثة القرآن ، وهذا منهج القرآن في الغالب ، لتتضح الصورة من خلال المقارنة والعظة ، فأما المصطفون المختارون لإرث القرآن فهم في جنان الخلد ، وأما الذين كفروا بالله وبالقرآن ، وستروا ما أرشدت إليه العقول للوصول إلى الحق ، فلهم نار جهنم ، لا يحكم عليهم بموت ثان ، فيستريحوا من العذاب والآلام ، ولا يخفف عنهم شيء من العذاب طرفة عين ، بل كلما خبت النيران زاد سعيرها ، كما قال الله تعالى : (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) [الإسراء : ١٧ / ٩٧].

ومثل ذلك الجزاء الشديد ، يجزي الله تعالى كل كفور ، أي مبالغ في الكفر وحال هؤلاء الكفار المعذبين في جهنم أنهم يستغيثون في النار ، رافعين أصواتهم ، ينادون قائلين : ربنا أخرجنا منها ، وردّنا إلى الدنيا ، نعمل عملا صالحا ترضى عنه ، غير ما كنا نعمله من الشرك والمعاصي ، فنجعل الإيمان بدل الكفر ، والطاعة بدل المعصية.

٢٤١

فيقال لهم على سبيل التوبيخ والتوقيف على الوقائع في الدنيا ؛ أولم نترككم في الدنيا مدة من العمر ، تكفي للتذكر والاتعاظ إذا أردتم التذكر؟ فتلك مدة كافية للإيمان ومعرفة الحق ، وجاءكم الرسول المنذر ، وهو النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه القرآن ، ينذركم بعقاب الله إن كفرتم وعصيتم ، أخرج الحكيم الترمذي والبيهقي في سننه وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا كان يوم القيامة نودي : أين ابن الستين؟ وهو العمر الذي قال الله فيه : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ)».

فذوقوا عذاب جهنم ، جزاء على عصيان أوامر الأنبياء لكم في الدنيا ، فليس لكم ناصر ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والنكال ، وهو تهكم بصيغة الأمر ، مثل قول الله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)) [الدخان : ٤٤ / ٤٩].

ثم أوعد الله تعالى الناس جميعا بإخباره أنه محيط علمه بجميع الأمور والأحوال ، فإن الله يعلم كل أمر خفي في السماوات والأرض ، ومنها أعمال العباد ، لا تخفى عليه خافية ، فلو ردكم إلى الدنيا لم تعملوا صالحا ، فإن الله تام العلم بحقائق النفوس ، وما تكنّه الصدور ، وتضمره السرائر ، من العقائد والظنون وحديث النفس ، وسيجازي كل إنسان بعمله. وهذا ابتداء تذكير بالله تعالى ، ودلائل على وحدانية الله وصفاته التي لا تبتغي الألوهية إلا معها. والغيب : كل ما غاب عن البشر ، و (بِذاتِ الصُّدُورِ) : ما فيها من المعتقدات والمعاني والأسرار.

وسبب علم الله بالغيب : أن الله جعلكم أيها البشر خلائف في الأرض ، يخلف قوم قوما آخرين قبلهم ، لينتفعوا بخيرات الأرض ، ويشكروا الله بالتوحيد والطاعة ، فمن كفر منكم هذه النعمة ، فعليه وبال كفره ، وجزاؤه عليه دون غيره. وكلما استمر الكافرون على كفرهم ، لم يزدهم ذلك إلا بغضا من الله ، وسخطا عليهم ، وكلما

٢٤٢

أصروا على الكفر خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، وأصابهم النقص والهلاك والضياع.

وهذا التكرار دليل على أن الكفر يستوجب أمرين : وهما البغض والسخط ، والخسران والهلاك. والمقت : احتقارك الإنسان من أجل معصية ، أو بغض دينه الباطل الذي يأتيه. والخسار : الخسران ، أي خسروا آخرتهم ومعادهم بأن صاروا إلى النار والعذاب.

مناقشة عقائد المشركين

الشرك بالله أعظم البهتان (أسوأ الكذب) والافتراء على الله تعالى ، لأنه ينافي الحقيقة على الإطلاق ، ويصدر عن بدائية وتخلف ، وقصور عقل وضعف نظر ، ويؤدي الشرك إلى قلب الموازين ، وتغيير المفاهيم ، وإضاعة الجهد ، وحصر الفكر في غير طائل ، ولا دليل عليه من حس أو منطق ، وإنما هو مجرد أوهام وخرافة وتأملات فارغة المحتوى. ولو أعمل المشرك عقله بحق ، لوجد أن الخالق لكل شيء ، والمهيمن على السماوات والأرض : هو الأحق بالعبادة. والشرك أدى إلى إنكار الوحي ورسالة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا أيضا مناف للحقيقة وكذب ، ومنشؤه التكبر ، والمكر السيّئ والحفاظ على المصالح الموهومة ، فيستحق المشركون المنكرون للنبوة أشد العقاب ، كما جاء في الآيات الآتية :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (١)

__________________

(١) باطلا من القول.

٢٤٣

(٤٠) إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥)) (١) (٢) [فاطر : ٣٥ / ٤٠ ـ ٤٥].

والمعنى : قل أيها النبي للمشركين : أخبروني عن الشركاء الذين تعبدونهم من دون الله ، هل خلقوا شيئا من الأرض ، حتى يستحقوا الألوهية؟ وهل لهم شراكة مع الله في خلق السماوات وملكها والتصرف فيها ، حتى تؤلهوهم؟ أم هل أنزلنا عليهم كتابا يقرر لهم الشرك ، يكون لهم حجة في مزاعمهم؟ بل إنما اتبعوا في ذلك أهواءهم وآراءهم الخاصة وتبادل الوعود والأماني فيما بينهم ، وهي كلها أباطيل لا حقيقة لها تتمثل في قولهم : إن هذه الآلهة تنفعهم وتقربهم إلى الله زلفى ، وتشفع لهم.

وبعد بيان فساد أمر الأصنام وإبطال ألوهيتها بالحجة الدامغة ، أقام الله تعالى الدليل على عظمته وقدرته ، ليتبين الشيء بضده ، وتتأكد حقارة الأصنام بذكر الله تعالى ، فأخبر سبحانه عن إمساكه السماوات والأرض بالقدرة ، فهو سبحانه يمنع زوال السماوات والأرض واضطرابها ، ولو قدّر أو فرض زوالهما أو جاء وقت زوالهما ، لا يقدر أحد غيره تعالى على إمساكهما وإبقائهما ، والله مع عظيم قدرته

__________________

(١) يحيط.

(٢) ليسبقه ويفوته.

٢٤٤

حليم غفور ، يمهل عقاب المشركين ، ويغفر لمن تاب منهم ، ويمسك السماء والأرض عن الزوال ، وقوله : (أَنْ تَزُولا) معناه كراهة أن تزولا ، ولئلا تزولا. ومعنى الزوال هنا : الانتقال من مكانها والسقوط من علوها. وقوله تعالى (إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) : فيه حذف مضاف تقديره : من بعد تركة الإمساك.

وأقسم كفار قريش بالله أغلظ الأيمان أو طاقتها وغايتها : لئن جاءهم من الله رسول منذر ، ليكونن أهدى وأمثل من أي أمة من الأمم السابقة ، فلما أتاهم الرسول النذير وتحقق ما تمنّوه ، وهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما أنزل معه من القرآن ، ما ازدادوا إلا كفرا ، وتباعدا وإعراضا عن الإيمان ، تكبرا عن اتباع آيات الله ، ولجوءا إلى سوء المكر ، بصدّ الناس عن سبيل الله تعالى ، ولكنهم أخفقوا ، فما يعود وبال المكر إلا على أنفسهم دون غيرهم ، وعوقبوا على مكرهم وإثمهم العقاب المناسب ، فهل ينتظرون إلا عقوبة لهم على تكذيبهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كعقوبة الأمم الماضية الذين كذبوا رسلهم؟! وتلك سنة الله ـ أي عادته ـ وطريقته ، التي لا تتغير ولا تتبدل في كل مكذب ، ولا تحويل لسنة الله في العذاب من مكذب كافر إلى غيره. والمعنى : أنه لا بد من أن يحيق بهم العقاب ، إما في الدنيا ، وإما في الآخرة ، فعاقبة الفساد تعود لهم. وهذا وعيد بيّن.

وسبب نزول الآية : أن قريشا قالوا : لو أن الله بعث منا نبيا ، ما كانت أمة من الأمم أطوع لخالقها ، ولا أسمع لنبيها ، ولا أشد تمسكا بكتابها منا. وبعد هذا التوعد ، ذكّرهم الله بما رأوا من آثار التعذيب في طريق الشام وغيره ، كديار ثمود ونحوها ، أفلم يتنقلوا في الأرض في رحلاتهم إلى الشام واليمن والعراق ، فيشاهدوا مصير السابقين الذين كذبوا الرسل ، كيف دمّر الله عليهم ، على الرغم من أنهم كانوا أشد من قريش قوة ، وأكثر عددا وعدّة ، وأكثر أموالا وأولادا ، ولم يكن الله ليفوته

٢٤٥

شيء إذا أراد حدوثه في السماوات والأرض ، إن الله تعالى عليم بجميع الكائنات ، لا يخفى عليه شيء منها ، تام القدرة لا يصعب عليه شيء.

ثم أبان الله تعالى سبب إمهاله بعض عباده وتأخيره العذاب عنهم : وهو أن الآخرة من وراء الجميع ، وفيها يستوفي جزاء كل أحد ، ولو جازى الله تعالى على الذنوب في الدنيا ، لأهلك الجميع ، أي لو عجل عقاب الناس على معاصيهم لأهلكهم جميعا ، ودمر جميع ممتلكاتهم ولم يترك دابة على ظهر الأرض ، ولكن يؤجل عقابهم إلى وقت محدد ، وهو يوم القيامة ، فيحاسبهم حينئذ ، ويوفي كل عامل بعمله ، والله بصير بمن يستحق منهم الثواب ، ومن يستوجب العقاب ، وفيه وعيد للكافرين ، ووعد للمؤمنين.

٢٤٦

تفسير سورة يس

القرآن والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقومه

سورة يس مكية بالإجماع ، وهي تتحدث عن رسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتذكّر الناس بالبعث والقدرة الإلهية ووحدانية الله تعالى ، وتثير المشاعر والأفكار للتأمل بأحداث القيامة ، وتتميز هذه السورة بأنها قلب القرآن ، وتشفع لقارئها ، أخرج الدارمي والترمذي والبيهقي عن أنس : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن لكل شيء قلبا ، وإن قلب القرآن يس».

وأخرج أبو النصر السجزي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن في القرآن لسورة تدعى : العظيمة عند الله ، يدعى صاحبها : الشريف عند الله ، يشفع صاحبها يوم القيامة في أكثر من ربيعة ومضر ، وهي سورة يس». وأخرج أبو داود وأحمد وابن ماجه وغيرهم عن معقل بن يسار أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اقرؤوا يس على موتاكم» وهو حديث حسن. قال الله تعالى في مطلعها مبينا موقف النبي من قومه :

(يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) (١)

__________________

(١) رافعوا الرؤوس غاضو البصر.

٢٤٧

وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢)) (١) [يس : ٣٦ / ١ ـ ١٢].

يس : إما اسم من أسماء محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لقوله تعالى : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) أو إنها حروف مقطعة للتنبيه على أهمية السورة وتحدي العرب بالقرآن بأن يأتوا بمثله ، مع أنه متكوّن من الحروف الأبجدية أو الهجائية التي تتركب منها لغتهم. أقسم الله تعالى بالقرآن المحكم بنظمه ومعناه ، ذي الحكمة البالغة ، بأنك يا محمد لرسول من عند الله ، على طريق قويم ، ومنهج سليم. وهذا القرآن تنزيل من عند الله ذي العزة والقوة ، الرحيم بعباده المؤمنين ، ولقد أرسلناك أيها الرسول لتنذر قومك العرب الذين لم يأتهم رسول منذر من قبلك ، ولم يأت آباءهم الأقربين من ينذرهم ويعرّفهم شرائع الله تعالى ، فهم غافلون عن معرفة الحق والشرع.

نزلت هذه الآية فيما أخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في السجدة ، فيجهر بالقراءة حتى يتأذى به ناس من قريش ، حتى قاموا ليأخذوه ، وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم ، وإذا بهم عمي لا يبصرون ، فجاءوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : ننشدك الله والرحم يا محمد ، فدعا حتى ذهب ذلك عنهم ، فنزلت (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) إلى قوله : (أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) فلم يؤمن من ذلك النفر أحد.

لقد وجب العذاب على أكثر أهل مكة حين نزول هذه الآيات ، وهو ما دوّن في شأنهم في اللوح المحفوظ ، أنهم لا يؤمنون بالقرآن والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهم الذين علم الله

__________________

(١) أي في اللوح المحفوظ.

٢٤٨

أنهم يموتون على الكفر. ومثل تصميمهم على الكفر كمثل المكبّل في الأغلال لا يستطيع فعل شيء ولا يبصر شيئا. وهذا المثل : إنا جعلنا أيديهم مشدودة إلى أعناقهم بالقيود ، تمنعهم من فعل شيء حتى صاروا مرفوعي الرؤوس ، خافضي الأبصار ، أي إنهم كالمطوّقين بالقيود في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ، ولا يستطيعون توجيه أنظارهم إلى شيء.

وتأكيدا لما سبق في تصوير حالتهم : أنهم بتعاليهم عن النظر في آيات الله جعلوا كالمضروب عليهم السدّ ، المحيط بهم من الأمام والخلف ، ومنعوا من النظر ، فهم لا يبصرون شيئا ، ولا ينتفعون بخير ، ولا يهتدون إليه.

أخرج ابن جرير الطبري عن عكرمة قال : قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا لأفعلن ، فأنزل الله : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) إلى قوله : (لا يُبْصِرُونَ) فكانوا يقولون : هذا محمد ، فيقول : أين هو ، أين هو؟ لا يبصر. فالآية مستعارة المعنى من منع الله إياهم وحوله بينه وبينهم ، وهذا أرجح الأقوال ، لأنه لما ذكر الله أنهم لا يؤمنون في العلم الأزلي ، جعلوا في حالة من المنع ، وإحاطة الشقاوة كالمضروب عليهم السد ، وتشبه حالهم حال المغلوبين.

ونتيجة لهذا التطويق ، يستوي أيها النبي إنذارك لهؤلاء المصرّين على الكفر ، وعدم الإنذار ، فهم لا يؤمنون ، ولا ينفعهم الإنذار.

إنما ينفع إنذارك الذين آمنوا بالقرآن العظيم ، واتبعوا أحكامه وشرائعه ، وخافوا عقاب الله قبل حدوثه ، وقبل رؤية الله ، فهؤلاء بشرّهم بمغفرة لذنوبهم ، وبأجر كريم وفير على أعمالهم وهو الجنة.

ثم أكد الله تعالى تحقيق الجزاء في عالم الآخرة بقوله : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) أي إننا قادرون على إحياء الموتى ، وبعثهم أحياء من قبورهم ، ونحن الذين نكتب لهم كل ما قدّموه من عمل صالح أو سيّئ ، وكل ما تركه من آثار طيبة أو خبيثة.

٢٤٩

وسبب نزول هذه الآية : ما أخرجه الترمذي وحسنه ، والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : كان بنو سلمة في ناحية المدينة ، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد ، فنزلت هذه الآية : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن آثاركم تكتب». فلم ينتقلوا. وفي صحيح مسلم قال : «يا بني سلمة ، دياركم ، تكتب آثاركم ، دياركم تكتب آثاركم». وهذا لا يمنع من كون الآية مكية ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم احتج عليهم في المدينة ، واتفق قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع الآية في المعنى. والمراد بالآثار : الخطى إلى المساجد.

أصحاب القرية

يتكرر ضرب الأمثال في القرآن الكريم للعظة والاعتبار والتأثر بأحداث الآخرين ، وفي سورة يس ضرب الله مثلا لحال قريش الذين أصروا على الكفر ، بحال أهل قرية كذّبوا الرسل ، فدمرّهم الله بصيحة واحدة. والقرية ، على ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، والزهري : أنطاكية. والمرسلون : هم جماعة من الحواريين ، بعثهم عيسى عليه‌السلام قبل رفعه إلى السماء ، وقبل صلب الذي ألقي عليه شبهه. وهم رسولان دعوا أهل القرية إلى عبادة الله وحده ، وإلى الهدى والإيمان ، فكذبوهما ، فشدّد الله أمرهما بثالث ، فصاروا ثلاثة ، وقامت الحجة على أهل القرية ، وآمن منهم الرجل الذي جاء يسعى ، وقتلوه في آخر أمره وكفروا ، فأصابتهم صيحة من السماء ، فخمدوا وماتوا. فإذا استمر مشركو قريش على عنادهم ، كان إهلاكهم يسيرا كأهل هذه القرية ، قال الله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ

٢٥٠

شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩)) (١) (٢) (٣) [يس : ٣٦ / ١٣ ـ ٢٩].

المعنى : اضرب يا محمد مثلا في الغلو والكفر لقومك بأهل قرية هي أنطاكية في رأي ابن عباس ، حين أرسل الله إليهم ثلاثة رجال مرسلين من أصحاب عيسى عليه‌السلام الحواريين ، فكذبوهم. وعدد المرسلين اثنان أرسلهما عيسى بأمر الله تعالى ، فكذب القوم رسالتهما ، فأيدهما الله برسول ثالث ، فقالوا لأهل القرية : إنا مرسلون إليكم من ربكم الذي خلقكم بأن تعبدوه وحده ، وتتركوا عبادة الأصنام.

فقال أهل القرية للمرسلين الثلاثة : لستم أنتم إلا بشرا أمثالنا ، تأكلون الطعام وتشربون ، فمن أين لكم التميز علينا؟ والله الرحمن لم ينزل إليكم رسالة ولا كتابا مما تدّعون ، ويدّعيه غيركم من الرسل ، فما أنتم بادعائكم الرسالة إلا قوم كاذبون.

فأجابهم الرسل الثلاثة قائلين : الله يعلم أنا رسله إليكم ، ولو كنا كذبة عليه ، لانتقم منا أشد الانتقام. ومهمتنا أنه ليس علينا إلا إبلاغكم ما أرسلنا به إليكم ، ولا يجب علينا إلا تبليغ الرسالة بنحو واضح.

__________________

(١) تشاءمنا بكم.

(٢) أي شؤمكم معكم وليس منا.

(٣) الآيتان الأخيرتان من الجزء (٢٣).

٢٥١

فهدّدهم أهل القرية بقولهم : لقد تشاءمنا منكم ، ولم نر خيرا في عيشنا معكم ، ولئن لم تنتهوا عن دعوتكم هذه ، لنرجمنكم بالحجارة ، وليصيبنكم منا عذاب مؤلم شديد.

فأجابهم الرسل الثلاثة : شؤمكم مردود عليكم ، وهو مصاحب لكم ، وسببه تكذيبكم وكفركم بربكم ، ولسنا نحن ، بل أنتم قوم مسرفون في الضلال ، متجاوزون الحد في مخالفة الحق.

ثم أيدّهم الله بنصير من القوم ، فجاء رجل مؤمن بالله وبالرسل ، من أبعد أطراف المدينة يسرع المشي لما سمع بخبر الرسل ، وهو حبيب النجار في رواية عن أبي مجلز وكعب الأحبار وابن عباس ، فقال ناصحا قومه : يا قوم ، اتبعوا رسل الله فيما أتوكم به ، لإنقاذكم من الضلال ، اتبعوا هؤلاء الذين لا يطلبون منكم أجرا ماليا على إبلاغ الرسالة ، فهم مخلصون في عملهم ودعوتهم ، وهم جماعة مهتدون إلى الحق والإيمان الصحيح بعبادة الله وحده لا شريك له.

وإني أحب لكم ما أحب لنفسي ، وأنا ما الذي يمنعني من عبادة الله الذي خلقني ، وإليه رجوعي ومصيري يوم المعاد؟ وفي هذا ترغيب بعبادة الله تعالى وترهيب من عقابه ، والدليل على سلامة منهجي في الاعتقاد والعبادة : كيف أتخذ من دون الله آلهة أخرى ، لا تضر ولا تنفع ، وهي عبادة الأصنام؟ وهذا استفهام إنكار وتوبيخ ، فلن أتخذ من دون الله آلهة ، فإنه إن أرادني الله الرحمن بسوء أو ضرر ، لم تنفعني شفاعة هذه الأصنام التي تعبدونها ، ولا تنقذني من أي سوء. إن اتخذت هذه الأصنام آلهة من دون الله ، فإني في الحقيقة والواقع في خطأ واضح ، وانحراف بيّن عن الحق ، إني صدّقت بربكم الذي أرسلكم أيها الرسل ، فاشهدوا لي بذلك عنده. فلما قال ذلك ، قتله قومه.

٢٥٢

فقيل له : ادخل الجنة ، لاستشهادك في سبيل إعلاء كلمة الحق ، فدخلها ، فلما عاين نعيمها ، قال محبا لإنقاذ قومه : يا ليت قومي يعلمون بمآلي وحسن حالي ، فيؤمنوا بالله مثل إيماني.

ثم خاطب الله نبيه متوعدا لقريش : لم نحتج في تعذيب القوم إلى جند من جنود الله كالحجارة والغرق والريح وغير ذلك ، بل كانت صيحة واحدة من أحد الملائكة ، دمرتهم ، لأنهم كانوا أيسر وأهون من ذلك ، فصاروا بهذه الصيحة موتى هامدين.

بعض أدلة القدرة الإلهية

عني القرآن الكريم عناية شديدة بإثبات البعث (اليوم الآخر) بإيراد مظاهر أو أدلة على القدرة الإلهية الفائقة ، إما بإهلاك الظالمين هلاكا استئصاليا ، من الأقوام الغابرين ، ثم يحضرهم الله للحساب ، وإما بإحياء الأرض الميتة بالمطر وإيجاد البساتين اليانعة وتفجير الأنهار فيها ، وإما بسلخ النهار من الليل ، أو بتسيير الشمس والقمر في مدارهما ، أو بحمل الآباء والذرية في السفن ، حفاظا على الوجود الإنساني ، وغير ذلك ، قال الله تعالى موضحا هذه الأدلة :

(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى

٢٥٣

عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤)) (١) [يس : ٣٦ / ٣٠ ـ ٤٤].

يا حسرة : المنادي محذوف ، أي يا جماعة تحسروا حسرة على هؤلاء ، أو المنادي : الحسرة نفسها ، أي هذا أوانك فاحضري.

والمعنى : يا حسرة العباد على أنفسهم بسبب تكذيبهم الرسل ، فلم يأتهم رسول من عند الله ، لدعوتهم إلى التوحيد والحق والخير لأنفسهم ، إلا استهزءوا به وكذّبوه ، وجحدوا ما أرسل به من الحق. وقوله : (يا حَسْرَةً) نداء للحسرة بقصد الندبة والتحسر ، بمعنى : هذا وقت حضورك وظهورك ، والمراد التلهف على العباد والإشفاق عليهم ، حين يزج بهم في العذاب. وهذا تمثيل لفعل قريش. ثم عناهم الله تعالى بقوله : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا ..) أي ألم يتعظوا بمن أهلك الله قبلهم من المكذبين للرسل كعاد وثمود ، وأنهم لا رجعة لهم إلى الدنيا ، خلافا لمزاعم الدهرية أنهم يعودون إلى الدنيا كما كانوا قبلهم. ثم أعلمهم الله تعالى بوجود الحساب وعقاب الآخرة بعد عذاب الدنيا ، فإن جميع الأمم الماضية والحاضرة والمستقبلية سيتم إحضارهم للحساب يوم القيامة ، بين يدي الله عزوجل ، فيجازيهم بأعمالهم كلها خيرها وشرها ، وهذا يدل على أن من أهلكه الله في الدنيا له حساب وعقاب آخر في الآخرة.

ومن الآيات أو العلامات الدالة على قدرة الله تعالى على البعث وغيره :

__________________

(١) الشمراخ المعوج ، عود النخل.

٢٥٤

ـ إحياء الأرض الهامدة التي لا نبات فيها ، بإنزال الماء عليها ، وتحركها بالنبات المختلف ، وإخراج الحب الذي هو رزق للناس ودوابهم ، وهو معظم ما يؤكل.

ـ ومن الآيات : إيجاد البساتين المشجرة في الأرض ، من نخيل وعنب وغيرها ، وتفجير الأنهار فيها في مواضع مختلفة ، والقصد من ذلك : أن يأكل الناس من ثمار النخيل والأعناب ، ويأكلوا مما صنعته أيديهم من نتاج الثمر والزرع أو الحب ، كالعصير والدبس والمربيات ونحوها ، فهلا يشكرونه على ما أنعم الله به عليهم من هذه النعم الكثيرة!! وهو أمر بالشكر من طريق إنكار تركه.

تنزيها لله تعالى عن الشريك الذي لا يخلق شيئا ، والله وحده هو الذي خلق الأصناف كلها من مختلف الأنواع ، من الزروع والثمار والنبات ، وخلق من النفوس الذكور والإناث ، وخلق أشياء لا يعرفونها ، كما جاء في آية أخرى : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ١٦ / ٨].

ـ ومن آيات قدرته تعالى وهي آية عظيمة لهم : خلق الليل والنهار ، وتعاقبهما ، وانسلاخ النهار من الليل ، فيأتي بالضوء ، وتتبدد الظلمة. ونسلخ : نكشط ونقشر ، فهي استعارة ، و (مُظْلِمُونَ) داخلون في الظلام فجأة.

ومن الآيات : دوران الشمس في فلكها حول نفسها في مدارها ، ومستقرها : كناية عن غيوبها أو آخر مطالعها. ذلك تقدير من الله القاهر الغالب كل شيء ، المحيط علمه بكل شيء. وجعل الله للقمر منازل يسير فيها سيرا آخر ، وهي ثمانية وعشرون منزلا ، ينزل في كل ليلة في واحد منها بمعدل ١٣ درجة في اليوم ، ثم يستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين ، وليلة واحدة إن كان تسعة وعشرين ، فإذا انتهى الشهر يدق ويصغر حتى يصير كغصن النخلة الأصفر اليابس. ولا يتأتى للشمس أن تدرك القمر ، ولا

٢٥٥

العكس ، ولا أن يسبق الليل النهار ، ولكل منهما مدار يدور في فلكه ، و (يَسْبَحُونَ) معناه : يجرون ويعومون.

وعلامة ودليل لهم على قدرة الله ورحمته : تسخير البحار لسير السفن المشحونة بالركاب والبضائع ، وحمل ذرياتهم في الأصح : حمل ذريات جنسهم أو نوعهم ، لتوفير القوت والمعاش. وخلق الله للناس مثل تلك السفن سفنا برية وهي الإبل ونحوها ، التي يركبون عليها ويحملون أمتعتهم على ظهورها. والأظهر أنه تعالى يخلق لهم مثل الفلك الموجود في زمانهم ـ زمان بني آدم إلى يوم القيامة. وإن يشأ الله يغرق في الماء الناس الراكبين والسفن الموجودة ، أي السفن وحمولاتهم ، فلا يجدون مغيثا يغيثهم أو ينجيهم من الغرق ، ولا هم ينقذون مما أصابهم ، لكن برحمة من الله نسيّركم أيها الناس في البر والبحر ، ونحفظكم من الغرق ، وتمتيعا من الله لكم في الدنيا إلى وقت محدود عند الله تعالى ، وهو الموت.

أحوال الكفار

في التقوى والإنفاق والإيمان بالبعث

للناس مواقف نابعة من الأهواء والشهوات حول تقوى الله ، وآياته ، والإنفاق في وجوه الخير ، والإيمان بالبعث ، فهم لا يخشون الله لانعدام الإيمان الصحيح به ، ويعرضون عن آيات الله تهكما واستهزاء ومكابرة ، ولا ينفقون من رزق الله شيئا في سبيل الله ودفع حاجة المحتاجين ، وينكرون إمكان البعث ، لأنهم جماعة ماديون لا يدركون آفاق المستقبل ، ويستبعدون إمكان إعادة الأجساد التي صارت رميمة كالتراب إلى الحياة مرة أخرى ، ولكنهم سيجدون كل ذلك حتما ويوقفون للحساب والجزاء القائم على الحق والعدل. وهذا ما أخبر به القرآن الكريم في الآيات الآتية :

٢٥٦

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤)) (١) (٢) (٣) (٤) [يس : ٣٦ / ٤٥ ـ ٥٤].

المشركون في غي وضلال ، لا يكترثون بالماضي وما جنوا فيه من آثام ، ولا يقدّرون مخاطر المستقبل الحاصل بعد الدنيا وما فيه من المخاطر ، فتراهم إذا قيل لهم : اتقوا الله ، أي احذروا عذاب الأمم التي سبقتكم في الزمن ، وعذاب الآخرة التي تحدث بعدئذ ، إذا صممتم على الكفر حتى الموت ، لعل الله يرحمكم باتقائكم ذلك ، ويحميكم من العذاب.

وما يصل إلى علمهم من آية دالة على توحيد الله وتصديق الرسل إلا أعرضوا عنها ، ولم يلتفتوا لها ، ولم يتأملوا بها ، لتعطيل طاقة الفكر والوعي عندهم.

ولا يقتصر الأمر على سوء الاعتقاد ، فإنهم قساة القلوب على مخلوقات الله ، فإذا طلب من قريش الإنفاق أو التصدق بشيء من الأموال والأرزاق التي أنعم الله بها عليهم ، أجابوا المؤمنين بطريق الاستهزاء واللامبالاة قائلين : هؤلاء المحتاجون لو شاء الله لأغناهم ولأطعمهم من رزقه ، فهم لا يستحقون النفقة ، ونحن نوافق مشيئة الله فيهم ، وقوله تعالى : (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) ترغيب في الإنفاق ، وذم للبخل ،

__________________

(١) أي ينتظرون.

(٢) أي القبور.

(٣) يخرجون مسرعين.

(٤) مكان نومنا.

٢٥٧

وأضافوا قائلين للناصحين لهم : ما أنتم في طلب الإنفاق منا إلا في خطأ واضح ، وانحراف عن جادة الهدى والرشاد.

وسبب هذه الآية : أن كفار قريش لما أسلم حواشيهم من الموالي وغيرهم من المستضعفين ، قطعوا عنهم نفقاتهم وجميع صلاتهم ، فطلب منهم المؤمنون أيام الموادعة أن يصلوهم ، وأن ينفقوا عليهم مما رزقهم الله ، فقالوا : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) ونسوا واجب التعاطف وتألف الجنس.

وتراهم ينكرون البعث (القيامة) فيقولون للمؤمنين استعجالا له بطريق الهزء والسخرية : متى يأتي هذا الوعد بالبعث الذي وعدتمونا به ، وتهددونا به ، إن كنتم صادقين في ادعائكم ووعيدكم؟

فأجابهم الله تعالى ، إنهم لا ينتظرون لإيجاد القيامة والعذاب إلا نفخة واحدة في الصور ، هي النفخة الأولى : نفخة الفزع التي يموت بها جميع المخلوقات ، وهم يختصمون فيما في شؤون المال ، والاقتصاد ، وعقود المعاملات. وفي تلك النفخة السريعة الأثر التي يعقبها الموت فورا ، لا يستطيع بعضهم الوصية لبعض بأملاكه وديونه ، بل يموتون في أماكنهم ، ولا يتمكنون من الرجوع إلى ديارهم التي خرجوا منها.

ثم أخبر الله تعالى عن النفخة الثانية : وهي نفخة البعث والانتشار من القبور ، فإذا نفخ في الصور نفخة ثانية للبعث والنشور ، فإذا جميع المخلوقات يخرجون من القبور ، يسرعون المشي إلى لقاء ربهم للحساب والجزاء.

وإذا وجدوا في ساحة البعث والحساب ، قال هؤلاء المبعوثون : يا هلاكنا ، من الذي بعثنا من قبورنا بعد موتنا؟ وكانوا لا يعتقدون أنهم يبعثون من قبورهم ، وقدّروا أنهم كانوا في قبورهم نياما ، ولما جوبهوا بالحقيقة المرّة ، والواقع المحفوف

٢٥٨

بالمخاطر والأهوال قالوا : هذا الذي وعد به الرحمن ، وصدق الرسل المرسلون في الإخبار عنه ، أي إنهم أقروا بصدق الرسل في يوم لا ينفع فيه التصديق.

ثم وصف الله سرعة البعث بأنها ما هي إلا صيحة واحدة : وهي صيحة القيامة والنفخة الثانية في الصور ، فإذا هم أحياء مجموعون لدى الله بسرعة للحساب والجزاء ، كما جاء في آية أخرى : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) (١٤) [النازعات : ٧٩ / ١٣ ـ ١٤]. وقال الله تعالى : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) [النحل : ١٦ / ٧٧].

ثم يكون القضاء العدل الحاسم ، ففي يوم القيامة لا تبخس نفس شيئا من عملها مهما قلّ ، ولا توفوّن أيها الناس إلا ما عملتم من خير أو شر ، كما قال الله سبحانه : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (٤٧) [الأنبياء : ٢١ / ٤٧].

أهل الجنة وأهل النار

كل عامل يلقى ثمرة عمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، فلا يستغربن أحد أن نتيجة عمله تلازم العمل ، وتكون هي الغاية والهدف ، فالمحسن الصالح يتلقى من ربه الكريم ثوابا صالحا بفضل الله وكرمه ورحمته ، والمسيء المفسد يجازى بسوء فعله وقوله وفساده ، حقا وعدلا ، وهذا مثل الطالب الذي يعدّ نفسه للامتحان ، إن اجتهد وأتقن دراسته ، ووعى وفهم وتمثل ما قرأه ، وصلح حاله واتقى ربه في كل شؤونه ، نجح وتباهي أمام الناس ، وإن تكاسل وفرط ، ونام ، وأضاع وقته في اللهو والفساد ، ولم يدرس كتابه دراسة وافية ، رسب وذلّ وتصاغر أمام الآخرين. وهذا هو قانون الله في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى :

٢٥٩

(إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨)) (١) (٢) (٣) [يس : ٣٦ / ٥٥ ـ ٦٨].

هذه أوصاف فيها موازنة دقيقة بين جزاءين : جزاء المحسنين وجزاء المسيئين. أما المحسنون : فهم المؤمنون الصالحون المنزلون في روضات الجنات يوم القيامة ، المشغولون بما يتمتعون به من النعيم والتفكر عما فيه أهل النار من العذاب. و (فاكِهُونَ) : فرحون طربون ، وليس التمتع مقصورا عليهم ، وإنما هم وأزواجهم في الجنة في ظلال وارفة ، يتكئون على الأرائك ، أي الوسائد والأسرّة والفرش الناعمة. والأرائك : السرر المفروشة ، وتقدّم لهم أنواع الفاكهة ، وغير ذلك مما يتمنون ويشتهون. ويحيّون من الله تعالى الرب الرحيم بعباده بالسلام ، أي الأمان من كل مكروه ، يقول لهم الله : سلام عليكم يا أهل الجنة.

وأما المسيئون : فهم الأشقياء أهل النار الكافرون ، فيقال لهم : تميزوا في موقفكم وانفصلوا عن المؤمنين ، أيها المجرمون. وهذه معادلة لقوله تعالى لأصحاب الجنة :

__________________

(١) أي يتمنون ويطلبون.

(٢) أي خلقا كثيرا.

(٣) نقلبه على رأسه ونغير خلقه من قوة إلى ضعف ، ومن نضارة إلى ذبول.

٢٦٠