التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٣

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٣

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0524-1
الصفحات: ٤٢٢

والبعث مستبعدا غير قائم ، وأن إعادة الأجساد أحياء ضرب من البعث ، وتعاموا عن قدرة الله الخارقة ، وأنه قادر على خسف الأرض بهم ، أو إسقاط شهب نارية من السماء تحرقهم ، وهذا ما ذكرته الآيات الآتية :

(وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩)) [سبأ : ٣٤ / ٦ ـ ٩].

الإيمان : يقين وتصديق واطمئنان في النفس ، وأهل الإيمان والعلم يرون رؤية متيقنة أن الوحي الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم حق مؤكد ثابت ، وأنه يهدي (أي يرشد) إلى الطريق الأقوم ، والحياة السعيدة ، ويدركون أن القرآن يرشد المتبعين له إلى طريق الله ذي العزة والقوة والجبروت ، وأنه القاهر لكل شيء ، والمحمود في جميع أقواله وأفعاله وشرائعه وأقداره. والطريق المستقيم : هو الطريق المعتدل ، وأراد طريق الشرع والدين القويم.

والكفر : زيغ ، وضلال ، وانحراف وخطأ محض ، ويقول الكافرون على سبيل الهزء والسخرية والتعجب : هل ندلكم على شخص يسمى محمدا يخبركم بخبر غريب ، وهو أنكم إذا بليتم وصرتم ترابا ، وتمزقت أجسادكم قطعا متفرقة ، تعودون بعدئذ أحياء كما كنتم مرة أخرى؟!

إن حال هذا الرجل لا يخلو أن يكون إما كذابا يدّعي الوحي من ربه ، وإما أنه مجنون لا يعقل ما يقول ، ويتوهم البعث. وهذا قول الكافرين ، الذين قالوا :

٢٠١

(أَفْتَرى) وهو من قول بعضهم لبعض. والمعنى : أافترى ، دخلت ألف الاستفهام على ألف الوصل ، ثم حذف ألف الوصل ، وبقيت مفتوحة غير ممدودة ، فكأن بعضهم استفهم بعضا عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثم أضرب القرآن الكريم عن قولهم ، أي قول الذين لا يؤمنون بالآخرة ، فكأنه قال : ليس الأمر كما قالوا ، بل الذين كفروا ولم يصدقوا بالآخرة : هم في العذاب الدائم في عالم الآخرة ، وهم في الدنيا في الضلال البعيد عن الحق. فقوله تعالى : (فِي الْعَذابِ) يريد : عذاب الآخرة ، لأنهم يصيرون إليه ، وقوله : (فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) يريد ، أنهم في غاية البعد عن الصواب والطريق الذي ضل منه ، بسبب حيرة صاحبه.

واحتاجوا إلى التنبيه على قدرة الله الخلاقة بخلق السماوات والأرض ، والتوبيخ على عدم التفكر والتدبر في ذلك الخلق ، فقيل لهم : أفلم ينظروا أمامهم وخلفهم إلى السماء الناطقة بوجود القادر ، والأرض الدالة على وجود الصانع؟! فلو نظروا إلى السماء والأرض ، لعلموا أن خالقهما قادر على تعجيل العذاب لهم ، فإن يرد الله يخسف بهم الأرض ، كما خسفها بقارون ، أو يسقط عليهم قطعا أو شهبا نارية من السماء تحرقهم ، كما أسقطها على أصحاب الأيكة ، فلو شاء الله لفعل ذلك بهم.

إن في ذلك ، أي في إحاطة السماء بالمرء ، ومماسّة الأرض له على كل حال ، لعلامة قاطعة ، ودلالة واضحة على وجود الله وقدرته لكل عبد فظن رجّاع إلى الله تعالى ، لأن من قدر على خلق هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها ، وخلق الأرض في انخفاضها وسعتها ، قادر على إعادة الأجساد كما كانت. والمنيب : هو الراجع إلى الله عزوجل.

لقد تكررت الآيات القرآنية المرشدة إلى الإيمان بالبعث وتقدير قدرة الله الفائقة ،

٢٠٢

مثل قول الله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [غافر : ٤٠ / ٥٧]. وقوله عزوجل : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى) [يس : ٣٦ / ٨١].

ما أكثر الأدلة المقنعة على وجود الله وقدرته ، وإثباته إمكان البعث وجمع الناس ليوم القيامة ، ولكن التعامي عن الحقائق سمة أهل الضلال وذوي الأهواء ، الذين يؤثرون مصالحهم الذاتية القريبة على الباقي الدائم.

النعم الإلهية على داود وسليمان عليهما‌السلام

أنعم الله تعالى على داود وسليمان عليهما‌السلام بنعم عظيمة عجيبة ، ما تزال موضع إعجاب وإكبار ، وتقدير وإعظام ، ولم يتكرر بعضها إلى الآن لأحد من البشر ، وقد كان ذلك الإنعام محل شكر وحمد من هذين النبيين الكريمين ، لأنهما قدوة للناس. وأهم هذه النعم : ثلاثة على كل من داود وسليمان ، وهي تسخير الجبال لداود وتسبيحها معه ، ويقابلها تسخير الريح لسليمان ، وتسخير الطير لأداء الخدمات لداود ونظيرها تسخير الجن لسليمان ، وإلانة الحديد لداود في مقابل إلانة النحاس لسليمان ، وهذا ما تبيّنه في الآيات الآتية :

(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ (١) (٢)

__________________

(١) أي سبّحي.

(٢) القطر : النحاس المذاب.

٢٠٣

وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤)) (١) (٢) [سبأ : ٣٤ / ١٠ ـ ١٤].

منح الله تعالى داود عليه‌السلام فضلا منه وكرما نعما عظيمة ثلاثا من خلال الجمع له بين النبوة والملك العظيم ، أولها : ترجيع الجبال مع ترانيمه وتسابيحه ، فكان إذا سبّح سبّحت معه الجبال ، ويسمع صداها. وتسخير الطيور له ، يفهم لغتها ، ويستخدمها في قضاء حاجاته ، والانة الحديد له ، فيصير في يديه كالعجين ، من غير طرق ولا إذابة في النار ، ليعمل بها الدروع الواسعة ، وينسجها نسجا محكم الحلقات بحيث تكون حلقها منسجمة متوالية غير متفاوتة ، فلا هي ضيقة ولا واسعة ولا ثقيلة ، وهذا يحقق حاجة داود حيث كان عصره عصر حروب وقتال مع الملك المعاصر له.

وهذا هو المراد بقوله تعالى : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أي قدر تقديرا سديدا في نسج الدروع المحكمة ، بحيث تجمع بين الخفة والمتانة ، والتوسط والاعتدال ، فلا تكون الحلقات صغيرة ولا كبيرة ، وهذه نعم تستحق الشكر ، ومردودها على آل داود ، لذا قال الله لهم : (وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي اعملوا يا آل داود عملا صالحا فيما أمدكم الله به من النعم ، ثم توعدهم بقوله : (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي لا يخفى علي أمركم ، فإني بصير بأعمالكم وأقوالكم ، لا يخفى علي شيء منها. وهذا ترغيب في العمل الصالح ، وتحذير من التقصير والإهمال.

وكذلك منح الله تعالى نعما ثلاثا أخرى لسليمان بن داود عليهما‌السلام وهي تسخير الريح ، أي تذليلها له ، بحيث يكون غدوها مسيرة شهر ، ورواحها مسيرة

__________________

(١) أي قصاع كالحفر الكبيرة.

(٢) أي عصاه.

٢٠٤

شهر. والغدو : السير وقت الغداة من أول النهار إلى منتصفه ، والرواح : الجريان في منتصف النهار إلى الغروب.

ومن يعدل من الجن ويخرج عن طاعة سليمان نذقه بعض العذاب المؤلم. إما في النار بالحريق ، وإما في الآخرة بالنار الدائمة ، وهذه النعمة كتسخير الجبال لداود.

والنعمة الثانية : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) أي وأذبنا له عين النحاس ، كما ألنا الحديد لداود ، فكان يصنع منه ما يشاء ، دون نار ولا مطرقة. وسمي عينا ، لأنه سال من معدنه سيلان الماء من الينبوع.

والنعمة الثالثة : تسخير الجن لخدماته ، فكانوا يعملون بين يديه ما يشاء من محاريب الصلاة ، والتماثيل الكبيرة المباحة في شرعه ، والجفان ، أي القصاع الكبيرة كالحفر الكبيرة ، وهي آنية الأكل ، وقدور الطبخ الثابتات في أماكنها ، فلا تتحرك عن مواضعها لعظمتها وثقلها.

وهذه النعمة ذات مرود نفعي أيضا على آل سليمان ، لذا قال الله لهم : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) أي اعملوا يا آل داود بطاعة الله ، شكرا له على ما أمدكم به من النعم الدينية والدنيوية ، وقليل هو الشاكر من عبادي ، والشكر في الحقيقة : ليس مجرد الحمد باللسان ، وإنما هو استعمال جميع الحواس والأعضاء المخلوقة للإنسان فيما خلقت له من المنافع المباحة. والشكور : صيغة مبالغة ، وهو الّذي يشكر الله في جميع أحواله من الخير والضر.

وأخبر الله تعالى بمناسبة تسخير الجن لسليمان عن اختصاص الله بعلم الغيب ، حتى إن الله تعالى لما أمات سليمان ، ظل ميتا قائما ، متكئا على عصاه ، ولم تعلم الجن بموته ، وبقوا يعملون أمامه خوفا منه ، ولم يدلّهم على موته إلا سوسة العود ، أي حيوان الأرض أو الأرضة التي نخرت عصاه من الداخل ، فلما سقط بوقوع عصاه ،

٢٠٥

ظهر للجن أنهم لم يكونوا يعلمون الغيب ، ولو صح ما زعموا أنهم يعلمون الغيب ، لعلموا بموته ، وهو أمامهم ، ولم يبقوا مدة من الزمان ماكثين في العمل الشاق الذي سخرهم فيه لإنجازه ، ظانين أنه حي ، والجن القائمون بالعمل المهين ، أي المذل من الهوان ، لم يكونوا مؤمنين ، لأن المؤمن لا يعذب بعذاب مهين.

أهل سبأ وسيل العرم

حذر القرآن الكريم من أمرين خطيرين : وهما الإشراك بالله ، وجحود النعم الإلهية ، وأبان حال الكافرين بأنعم الله كأهل مكة القرشيين وقت نزول الوحي الإلهي ، وأنذرهم بالاعتبار والاتعاظ بقصة أهل سبأ ، وأوعد كل من يجحد بنعم الله تعالى بعقاب مماثل. وأنزل الله تعالى آيات تبين قصة سبأ وتدمير بيوتهم بسيل العرم. وسبب النزول : ما أخرج ابن أبي حاتم : أن فروة بن مسيك الغطفاني رضي الله عنه قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا نبي الله ، إن سبأ قوم كان لهم في الجاهلية عز ، وإني أخشى أن يرتدوا عن الإسلام ، أفأقاتلهم؟ فقال : ما أمرت فيهم بشيء بعد ، فأنزلت هذه الآية : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ) الآيات. قال الله تعالى :

(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا (١) (٢) (٣)

__________________

(١) أي مرّ بشع.

(٢) نبات ينتفع بخشبه ، غير مثمر.

(٣) نوع معروف من الشجر ، له ثمر يؤكل ، وهو النبق.

٢٠٦

أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١)) [سبأ : ٣٤ / ١٥ ـ ٢١].

المعنى : لقد كان لقبيلة سبأ في مساكنهم في مأرب باليمن علامة على قدرة الله تعالى بإحياء الأرض بعد موتها ، وهي بستانان عن يمين الوادي وشماله ، وفيهما جميع الثمار ، يقال لهم بلسان الحال أو المقال : كلوا من رزق أو ثمار ربكم في هذين البستانين ، واشكروا الله على ما رزقكم من هذه النعم ، فهذه بلدة طيبة بطيب أشجارها وثمارها وجمال مناخها ، والله المنعم عليكم غفور لذنوب الموحدين التائبين. فأعرضوا عن توحيد الله وعبادته وطاعته وعن شكره على ما أنعم عليهم ، ومالوا لعبادة الشمس من دون الله تعالى ، فأرسل الله عليهم سيل العرم ، أي المياه الكثيرة ، فحطمت سد مأرب ، فملأ الماء الوادي ، وأغرق البساتين ، ودمّر البيوت ، وأبدلهم الله بتلك البساتين الغناء بساتين لا خير فيها ، فيها أشجار ذات ثمر مرّ وهي الأراك ، وأثل : وهو الطرفاء ، وسدر ، أي نبق ذو شوك كثير وثمر قليل. وسبب ذلك العقاب أو التبديل : هو مجازاة كفرهم أو شركهم بالله ، وتكذيبهم الحق ، ولا يعاقب الله تعالى إلا المغرق في الكفر ، الجحود النعم.

وأنعم الله تعالى عليهم بنعم أخرى : هي جعل قرى مرتفعة عامرة بين قراهم وقرى الشام التي بارك الله فيها بالمياه والخيرات ، وجعل فيها محطات متعاقبة ذات مسافات متناسبة ، وقيل لهم : سيروا في طرقات تلك القرى ليالي وأياما آمنين.

فبطروا النعمة وسئموها ، وتمنوا طول الأسفار وتباعد الديار ، وقالوا : ربنا اجعل بيننا وبين البلاد التي نسافر إليها مفاوز وصحارى ، لركوب الرواحل ،

٢٠٧

والتزود بالماء ، ليتميزوا ويتكبروا على الفقراء العجزة ، وظلموا أنفسهم بهذا الطلب ، فجعلهم الله عبرة للمعتبر ، وحديثا للناس يتحدثون به ، وفرّقناهم في البلاد كل تفريق ، فصارت العرب تضرب بهم المثل قائلين : «تفرّق القوم أيدي سبأ» أي مذاهب سبأ وطرقها ، إن في ذلك البلاء والتدمير الذي حلّ بهم لعلامات مؤثرة لكل عبد كثير الصبر على المصائب ، وكثير الشكر على النعم.

وتالله لقد حقق إبليس فيهم ظنه ، إذ أغواهم ، فانقادوا له ، وعصوا ربهم ، وعبدوا الشمس من دون الله ، إلا فريقا منهم انتصروا على وساوس الشيطان ، وبقوا طائعين لله تعالى.

ولم يكن لإبليس على هؤلاء القوم حجة وبرهان ، ولم يكرههم على الكفر ، وإنما كان له الوسوسة والتزيين فقط ، والابتلاء بوسوسته ، ليظهر للملأ حال من يؤمن بالآخرة وحسابها وجزائها من ثواب وعقاب ، من غير المؤمن بها ، الشاك في وجودها ، وربك أيها النبي رقيب على كل شيء ، وسيجازي الكفار على أعمالهم في الآخرة.

إبطال شفاعة آلهة المشركين

يتحدى الحق جل جلاله المشركين ويتهكم منهم في زعمهم الاستعانة بآلهتهم المزعومة من الأوثان والأصنام ، ويقيم عليهم الحجة بإقرارهم أن الله الخالق هو الذي يرزقهم ، ويهددهم بالحساب العسير يوم القيامة ، وبالكشف عن آلهتهم ، ويؤكّد لهم عموم الرسالة النبوية ، ويرد على استبعادهم وجود يوم القيامة ، فإن لهم ميعادا محددا من غير تقديم ولا تأخير ، قال الله تعالى مقررا هذه المناقشات والحقائق :

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي

٢٠٨

الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠)) (١) [سبأ : ٣٤ / ٢٢ ـ ٣٠].

قل أيها النبي للمشركين القرشيين وأمثالهم : نادوا آلهتكم المزعومة من الأصنام لكشف الضر عنكم ، في سنوات القحط الذي نزل بكم ، أو جلب النفع لكم.

والجواب معلوم ، فإن تلك الآلهة المزعومة لا يملكون شيئا أبدا ، ولو بمثقال أو وزن ذرة في السماوات والأرض ، ولا شراكة لهم أصلا ، وليس لله تعالى منهم شريك أو معين.

ولا تنفع الشفاعة عند الله عزوجل في أي حال إلا بإذن الله لمن شاء ، لا من الأصنام ولا من غيرها ، من الملائكة والأنبياء والبشر ونحوهم ، والذي يحدث بعد انتظار الإذن بالشفاعة أن الناس والملائكة يقفون فزعين خائفين منتظرين الإذن ، فإذا أذن للشافعين وزال الخوف من نفوسهم ، قال بعضهم لبعض : ماذا قال ربكم في الشفاعة؟ قالوا : يقول ربنا القول الحق ، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى ، والله هو المتعالي المتكبر العظيم.

وقل أيضا أيها النبي للمشركين عبدة الأوثان على سبيل التوبيخ واللوم : من

__________________

(١) أي معين.

٢٠٩

الرازق لكم من السماوات بإنزال المطر ، ومن الأرض بالنبات والثروات المعدنية ونحوها ، وإننا نحن أو إياكم إما مصيب أو مخطئ ، والمصيب واحد ، والآخر مخطئ أو مبطل ، وهذا أسلوب في غاية اللطف والأدب في المحاورة ، لاستدراج الخصم إلى النظر في حاله وحال غيره ، وهي دعوة إلى الحرية واختيار المخاطب ما يحقق له المصلحة ، والاعتراف بخطئه وإصابة غيره. والمراد : أن الخطأ واضح في وصف المخاطبين ، كما تقول لمن خالفك في مسألة : أحدنا مخطئ ، أي تثبّت وتنبّه.

وقل أيها الرسول أيضا للمشركين على سبيل المهادنة والمتاركة : لستم أنتم مسئولين عنا إن أخطأنا أو أجرمنا في عبادة الله وحده ، ونحن لا نسأل عما تعملون من خير أو شر ، ومعنى هذا التبري منهم ، فلستم منا ولا نحن منكم ، ودعوتنا واضحة إلى توحيد الله ، فإن أعرضتم فنحن برآء منكم.

وقل كذلك يا نبي الله للمشركين : إن ربنا يجمع بيننا يوم القيامة في ساحة الحساب ، ويقضي بيننا بالحق والعدل ، والله هو القاضي العادل الحاكم بالصواب ، العالم بحقائق الأمور ، ويجزي كل عامل بعمله.

قل يا نبي الله لهم أيضا : أروني هذه الآلهة التي اتخذتموها أندادا ونظراء لله ، حتى أشاهدهم ، وأشاهد ما يقدرون عليه ، الحق واضح ، كلا ، أي فارتدعوا عن ادعاء المشاركة ، فلا شريك لله ، بل هو الله الواحد الأحد ، الغالب القاهر ، الحكيم في أفعاله وأقواله وشرعه.

وليعلموا أننا أيها النبي أرسلناك رسولا للناس قاطبة ، العرب والعجم ، الأبيض والأسود ، مبشرا الطائع بالجنة ، ومنذرا العاصي بالنار ، لكن أكثر الناس لا يعلمون بعموم الرسالة النبوية ولا بمهمة التبشير والإنذار ، ولا بخطورة الضلال. ويتساءل المشركون تهكما وتعنتا : متى الوعد الذي تعدنا به وهو قيام الساعة إن كنتم صادقين

٢١٠

في قولكم؟ والجواب : لكم موعد يوم مؤجل محدد لا شك فيه ، هو يوم القيامة ، لا تتأخرون عنه ساعة ولا تتقدمون عليه.

حوار القادة والأتباع في الآخرة

لم يكن المشركون الوثنيون في مكة وغيرها يؤمنون بالقرآن ولا بما تقدمه من الكتب الإلهية من التوراة والإنجيل والزبور ، وكأنهم كذّبوا بجميع كتب الله تعالى ، مما أوجب عليهم العقاب الشديد في الآخرة ، وتراهم أذلة مهانين ، يتخاصمون ويتحاورون فيما بينهم ، فيلوم الأتباع سادتهم ، ويتبرأ المستكبرون من الأتباع ومن إضلالهم ، فيلزمهم الأتباع بكذبهم ، ويستوي الفريقان في العذاب الأليم ، يصف الحق سبحانه في قرآنه مشاهد من هذا الحوار في الآيات الآتية :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣)) (١) [سبأ : ٣٤ / ٣١ ـ ٣٣].

استبد العناد بالكفار الظالمين المشركين وأصروا على عدم الإيمان ، وقال جماعة من مشركي العرب في مكة وغيرها : لن نؤمن بالقرآن ولا بالكتب السابقة ، كالتوراة

__________________

(١) أي يتحاورون ويتجاورون.

٢١١

والإنجيل والزبور ، فكانت عاقبة أمرهم الخسران والهلاك ، فلو نظرت إليهم أيها الرسول حين يكون الكافرون أذلة مهانين ، محبوسين في موقف الحساب ، يتخاصمون ويتجادلون ، ويتبادلون التهم والملامة والعتاب ، لرأيت أمرا عجبا.

ولون هذا الجدل : أن يقول الأتباع الضعفاء للسادة المتكبرين في الدنيا : لو لا صدّكم لنا عن الإيمان الصحيح ، لكنا مؤمنين بالله مصدقين برسوله وكتابه وشرعه ، أي لو لا أنتم لآمنا نحن واهتدينا ، أي أنتم أغويتمونا وأمرتمونا بالكفر.

فأجابهم القادة على سبيل التكذيب : أنحن منعناكم عن الهدى ، بعد أن جاءكم من عند الله؟ لا ، بل كنتم مجرمين ، أي دخلتم الكفر ببصائركم واختياركم وإرادتكم ، ودعوتنا لم تكن لازمة لكم ، لأنا دعوناكم بغير حجة ولا برهان.

فردّ الأتباع على الرؤساء : بل كفرنا بسبب مكركم ، أي احتيالكم وخديعتكم ، في الليل والنهار ، حين طلبتم منا البقاء على الكفر بالله ، وأن نجعل له أندادا ، أي أشباها وأمثالا في الألوهية والعبادة. وأضاف المكر إلى الليل والنهار من حيث هو فيهما ، ولتدل هذه الإضافة على الحرص والدأب والاستمرار.

وأسرّ الفريقان الندامة ، أي اعتقدوها في نفوسهم ، وأخفوها عن غيرهم ، خشية الشماتة ، وظهرت علائم الندامة حين واجهوا العذاب المحدق بهم ، وتيقنوا حصولهم فيه ، وحين تكبيلهم بالأغلال ، أي القيود والسلاسل التي تجمع أيديهم مع أعناقهم في النار.

وكان التساؤل المنطقي القائم على العدل : هل يجازون إلا بعملهم؟ أي إنما نجازي الفريقين وأمثالهم ، كل بحسب عمله ، وبسبب ما اقترفه من الشرك بالله والإثم ، فللقادة عذاب يناسبهم ، وللأتباع عذاب آخر يلائمهم ، ولا ظلم ولا تحامل ، كما جاء في آية أخرى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٤١ / ٤٦]. إن كفران المشركين بما

٢١٢

أنزل الله على رسله وبخاصة القرآن الكريم الكتاب الخالد يجعلهم في عداد الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم ، ولن يضروا سوى أنفسهم. وعقابهم شديد وأليم في الدار الآخرة. ومما لا شك فيه أن القادة إلى الضلال أسوأ من الأتباع ، فهم الذين يستحقون مضاعفة العذاب وأليم العقاب ، ولكن يشاركهم الأتباع في هذا العذاب ، لأنهم عطلوا نعمة العقل والوعي ، وقلّدوا غيرهم تقليدا أعمى ، وكان جديرا بهم أن يتحرروا من ربقة التقليد ، فكانت عقائدهم فاسدة ، وأعمالهم سيئة كقادتهم ، فاستحقوا جميعا التخليد في عذاب جهنم ، وبئس المصير.

موقف المشركين المترفين

يصحب الترف والغنى عادة عند المترفين مظاهر التكبر والتفاخر بزينة الدنيا ومباهجها ، مغترين بالأموال والثروات والأولاد ، فيقعون في تصرفات شاذة ، وتكون لهم مواقف مستهجنة من الدين والعقيدة والأخلاق ، لانهماكهم في الشهوات والمعاصي ، وهذا كله يحتاج لحملة قوية ، لتصحيح أحوالهم ، وثنيهم عن استكبارهم ، وهو حال المشركين الوثنيين الذين جاءهم القرآن الكريم بآيات عديدة وأدلة دامغة ، ليعودوا إلى جادة الاستقامة ، ويرعووا عن غيهم وضلالهم ، من تلك الآيات الشريفة ما يأتي :

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ

٢١٣

يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩)) (١) [سبأ : ٣٤ / ٣٤ ـ ٣٩].

نزلت الآية الأولى وما بعدها فيما أخرجه ابن أبي المنذر وابن أبي حاتم عن أبي رزين قال : «كان رجلان شريكان ، خرج أحدهما إلى الشام ، وبقي الآخر ، فلما بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتب إلى صاحبه يسأله ما عمل ، فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش إلا رذالة الناس (٢) ومساكينهم ، فترك تجارته ، ثم أتى صاحبه ، فقال : دلّني عليه ، وكان يقرأ الكتب ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إلام تدعو؟ فقال : إلى كذا وكذا ، فقال : أشهد أنك رسول الله ، فقال : وما علمك بذلك؟ قال : إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رذالة الناس ومساكينهم ، فنزلت هذه الآية : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ ..) الآية ، فأرسل إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله قد أنزل تصديق ما قلت».

هذه الآيات مؤانسة من الله لنبيه عما يلقاه من إعراض قومه عن دعوته ، والمعنى : لم نبعث إلى أهل كل قرية نبيا أو رسولا ، يحذّرهم ويخوفهم عقاب الله إلا قال الأغنياء المترفون منهم : إنا مكذّبون بما أرسلتم به من توحيد الله والإيمان به.

واعتمد هؤلاء الأغنياء على الاغترار بالأموال والأولاد ، فقالوا لمن دونهم في الثروة : إن الله فضّلنا عليكم بالأموال والأولاد ، وأنتم ضعاف فقراء ، مما يدل على تميزنا ورضا الله عنا ، وما نحن عليه ، ولسنا بمتعرضين للعذاب إطلاقا ، لأن الله الذي تدعونا إليه منحنا هذه النعم ، فهو إذن راض عنا.

فقل أيها الرسول في الرد عليهم : إن الله يمنح الرزق أو المال لمن أحب ولمن لم يحب ، فيغني من يشاء ، ويفقر من يشاء ، ولكن أكثر الناس مثلكم لا يعلمون حقيقة

__________________

(١) مغالبين.

(٢) أي فقراؤهم أو المحتاجون منهم.

٢١٤

سنة الله في خلقه ، فقياسكم الآخرة على الدنيا خطأ محض ، وليس الأمر كما ظننتم ، بل بسط الرزق وتقديره أو تقتيره معلّق بالمشيئة الإلهية ، في الكافر والمؤمن ، وليس ذلك دليلا على رضا الله والقرب منه ، لأنه قد يعطي الرزق أملا واستدراجا ، ولأن أساس التقرب من الله هو الإيمان والعمل الصحيح فقط.

وليست كثرة أموالكم وأولادكم دليلا على محبة الله لكم ورضاه عنكم ، ولا هي مما تقربكم إلى رحمتنا وفضلنا ، لأن التقريب إنما هو بالإيمان والعمل الصالح ، فالمؤمنون بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر ، الذين يعملون صالح الأعمال من أداء الفرائض والطاعات هم المقربون لله تعالى.

أما الذين يحاولون الطعن بآياتنا مغالبين زاعمين التفوق ، فهم جميعا مقدّمون للعذاب ، من غير مهرب ولا إفلات ، وبيان حال هؤلاء المؤمنين بعد بيان حال الكافرين وتوضيح جزاء كل فريق ، ليظهر تباين المنازل ، وتكون المقارنة حافزا على الاستقامة ، وترك الضلالة.

ثم أوضح الله تعالى نظامه في الإمداد بالرزق ، فأمر نبيه أن يقول : إن ربي وحده هو الذي يوسع الرزق على من يريد من عباده ، ويضيّقه على من يريد ، على وفق ما يجده من الحكمة السديدة التي لا يدركها سواه.

وليطمئن كل إنسان على رزقه ، فكل ما تنفقونه أيها الناس في فعل الخير ، فالله يعوضه عليكم بالبديل في الدنيا ، أو بالجزاء في الآخرة ، والله هو الرازق في الحقيقة ، وما مساعي الناس إلا وسائط وأسباب ، وهذا تزهيد في الدنيا ، وترغيب في عمل الخير ، والإنفاق في مرضاة الله تعالى.

٢١٥

حال الكفار يوم القيامة

إذا لم يستجب الكافر لمنطق العقل ودلالة الحجة والبرهان ، كان جاهلا غبيا ، فلا ينفع معه الا التهديد والوعيد ، لذا سلك القرآن الكريم هذا المسلك حينما لم يصغ المشركون لنداء العقل والمنطق ، وأصروا على الكفر والضلال ، فاستحقوا الوعيد والإنذار ، والتخويف بالعذاب الشديد يوم القيامة ، لا على مجرد تكذيبهم النبي ، بل على افترائهم ووصفهم الوحي والنبوة بالإفك المفترى ، أو السحر الواضح ، دون أن يكون لهم دليل مقبول على ذلك من كتاب منير ، أو منذر مبين ، وكانوا مثل من تقدمهم من الأقوام الذين كذبوا الرسل ، مع أنهم لم يبلغوا في القوة والنعم والتفوق وكثرة المال عشر معشار من قبلهم ، وصف الله تعالى هذه الأوضاع بما يأتي :

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥)) (١) [سبأ : ٣٤ / ٤٠ ـ ٤٥].

هذه آيات وعيد للكفار ، فيوم يجمع الله تعالى العابدين والمعبودين ، والقادة والأتباع ، ثم يسأل الله الملائكة الذين عبدتهم جماعات وثنية : أهؤلاء كانوا يعبدونكم ، وأنتم أمرتموهم بعبادتكم؟ وهذا سؤال تقريع وتوبيخ أمام الخلائق ،

__________________

(١) المعشار : بمعنى العشر ، وقيل : عشر العشر أي واحد بالمئة ، أو عشر العشر الذي هو عشر العشر ، أي واحد بالألف.

٢١٦

ليسمع الآخرون. فقالت الملائكة : سبحانك ، أي تنزيها لك يا رب عن الشريك وعما فعل هؤلاء الكفرة ، نحن عبيدك ، وأنت مولانا وناصرنا ، ومتولي أمورنا ، ونتبرأ إليك منهم ، ولم نتخذهم عابدين ، بل إنهم كانوا يعبدون الشياطين ، أكثرهم مصدّقون بهم ، فيما يلقون إليهم من الوساوس والأكاذيب. فقولهم (أَنْتَ وَلِيُّنا) يريدون به البراءة من أن يكون لهم علم أو رضا أو مشاركة في أن يعبدهم البشر.

ثم يعلن الله إفلاس المشركين ، ففي يوم القيامة لا يملك أحدهم للآخر نفعا ولا ضرا ، ولا يتحقق لهم منفعة من الأصنام والمعبودين ، ولا يجلبون لهم ضررا أو سوءا. وحينئذ يقول الله توبيخا وتقريعا للذين ظلموا أنفسهم بالشرك والضلال : ذوقوا عذاب جهنم ، الذي كنتم تكذبون بوقوعه في الدنيا ، فأنتم الآن في حميم النار ، وفي لظى السعير.

وأسباب استحقاق الكفار نار جهنم ثلاثة : الطعن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبالقرآن المجيد ، وبالإسلام كله.

أما الطعن بالنبي : فإذا تليت عليهم آيات القرآن الواضحة الدالة على إثبات التوحيد ، وإبطال الشرك قالوا : ما هذا الرجل ، أي محمد إلا رجل يريد صرفكم عن دين الآباء والأجداد من عبادة الأصنام.

وأما الطعن بالقرآن : فإنهم يقولون أيضا : ما هذا الكتاب ، أي القرآن إلا إفك مفترى ، أي كذب مختلق من قبل محمد ، ويدعي أنه من عند الله.

وأما الطعن بالإسلام كله : فإنهم يقولون : ما هذا الدين أو الإسلام إلا سحر ظاهر ، بما اشتمل عليه من استجلاب النفوس واستمالة الأسماع. تعالى الله عن أقوالهم ، وتنزه شرع الله عن طعنهم.

إنهم يقولون بآرائهم الباطلة هذه الأقوال ، من وصف كتاب الله بالسحر أو

٢١٧

الافتراء ، وليس لهم دليل أصلا على ما زعموا ، فلم ينزل الله عليهم كتابا قبل القرآن يقرر لهم دينا ، ولم يرسل الله إليهم نبيا قبل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعوهم إلى الحق ، ولم يبعث الله لهم منذرا ينذرهم عذاب الله.

ولا قيمة لتكذيبهم وتشنيعهم ، فلقد كذّبت بالرسل قبلهم أقوام كقوم نوح وعاد وثمود ، ولم يبلغوا بقوتهم وماليتهم عشر ما آتى الله السابقين من ذلك ، فلم يمنع ذلك عنهم عذاب الله ، وكيف كان إنكاري الشديد عليهم؟

وقوله تعالى : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) تعظيم للأمر ، وليس استفهاما مجردا ، وفي هذا تهديد لقريش ، أي إنهم معرّضون لنكير وعذاب مثله ، فما جرى على المثيل يجري على مثيله ، لتساويهما في سبب العقاب ، فيتساويان في الحكم والجزاء.

إن وضع المكذبين لرسول الله مجرد استكبار وعناد ، وهم يعرفون الحق معرفة تامة ، ولكنهم يحيدون عنه من غير حجة بينة ، ولا دليل بيّن ، ولا عذر لهم إلا التقليد المتوارث للآباء والأجداد ، وإهمال عقولهم وتفكيرهم ووعي ظروف المستقبل.

الدعوة إلى الإيمان والعبادة والنبوة

أمر الله نبيه بدعوة الناس قاطبة إلى عبادة الله تعالى وطاعته والإخلاص له ، والنظر في حقيقة نبوته هو ، والإيمان بالقرآن والقيامة والحساب والجزاء ، وذلك لإنقاذ أنفسهم من العذاب الأليم ، والبعد عن دائرة الكفر ومفاسده ، والضلال ومذاهبه ، والسير في فلك الحق ونفعه ، والبعد عن الباطل وخسرانه ، قبل أن يأتي يوم القيامة ، فلا ينفعهم إيمان بالقرآن والنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأن الآخرة دار الحساب والجزاء ، والدنيا دار التكليف والاختبار ، وهذا صريح الآيات الآتية :

(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ

٢١٨

جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠) وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)) (١) (٢) (٣) [سبأ : ٣٤ / ٤٦ ـ ٥٤].

المعنى : قل أيها النبي للمشركين : أحذركم عاقبة السوء ، وآمركم بخصلة أو قضية واحدة : وهي التأمل والنظر في حقيقة النبوة ، وعبادة الله تعالى ، وفي طاعته ، إما مثنى (اثنين اثنين) وإما فرادى (واحد واحد) لأن الاجتماع الكثير يشوش الفكر ، وينشر الغوغائية ، وحينئذ تعلمون أن صاحبكم ليس بساحر ولا مجنون ، وإنما هو نبي مؤيد من عند الله بالمعجزات المصدقة له ، وأنه منذركم ومخوفكم ما ينتظركم من عذاب شديد على النفوس يوم القيامة.

وقل أيها النبي أيضا للمشركين : لم أطلب منكم أجرا ولا عطاء على أداء رسالة الله عزوجل إليكم ، فما ثوابي أو أجري إلا على الله تعالى ، والله مطلع على كل شيء ، وعالم به ، من صدقي بتبليغ الرسالة ، وإعلامكم بالنبوة. وهذا أمر من الله تعالى بالتبري من طلب الدنيا وطلب الأجر على الرسالة ، وتسليم كل دنيا إلى أهلها والتوكل على الله في الأجر ، والإقرار بأنه شاهد على كل شيء من أفعال البشر وأقوالهم وغير ذلك. إن ربي عالم الغيب والشهادة يصطفي للنبوة من يشاء ويرسل جبريل بالوحي إلى من يشاء من عباده.

__________________

(١) من جنون.

(٢) فلا هروب ولا نجاة.

(٣) التناول بسهولة ويسر.

٢١٩

وقل كذلك أيها النبي للمشركين : جاء الدين الحق ، وهو الإسلام الذي سيعلو على كل الدنيا ، وآيات القرآن ، وما يصنع الباطل شيئا ، والباطل : الكذب والكفر. ونحوه ، استعار له الإبداء والإعادة ، ونفاهما عنه.

وقل أيضا أيها الرسول لأهل الشرك : إن انحرفت عن الهدى ودين الحق ، فإن إثم انحرافي على نفسي ، وإن وفّقت للحق ، فبسبب ما أوحى إلي ربي من الهداية والتوحيد والاستقامة ، إنه سبحانه تام السمع لقولي وقولكم ، قريب مني ومنكم ، يعلم الهدى والضلالة ، ويجازي كل إنسان بما يستحق.

ولو رأيت أيها النبي هؤلاء الكفار حين خافوا عند البعث والنشر من القبور ، ثم الحشر ، وعند رؤية ألوان العذاب الشديد ، لرأيت العجب ، فهم لا يتمكنون من الهرب والنجاة ، ويؤخذون فورا من مكان قريب إلى نار جهنم ، أي إنهم قريبون من ذلك لتناول القدرة الإلهية لهم حيث كانوا. فتدل الآية على معنى التعجب من حالهم ، إذا فزعوا من أخذ الله إياهم ، ولم يتمكن أحد منهم من الإفلات.

وقال الكفار حين الأخذ للعذاب : لقد آمنا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرعه والقرآن ، ولكن كيف لهم تعاطي الإيمان أو نيله ، وقد بعدوا عن محل قبوله ، أي أنّى لهم تناول مرادهم ، وقد بعدوا عن مكان إمكان ذلك. وكيف يظفرون بالإيمان في الآخرة ، وقد كفروا بالحق والقرآن والرسل في الدنيا؟ وكانوا يرجمون بالظن بقولهم : سحر وافتراء وغير ذلك ، ويتكلمون بلا حجة ولا برهان ، ويرمون بظنونهم الرسول وكتاب الله ، وذلك غيب عنهم. وحيل بينهم وبين شهواتهم في الدنيا ، وبين ما طلبوه في الآخرة ، فمنعوا منه. والمراد أنه حيل بينهم وبين الإيمان ، والتوبة ، والرجوع إلى الأمانة والعمل الصالح ، لأنهم اشتهوه في وقت لا تنفع فيه التوبة.

٢٢٠