التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٢

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0522-5
الصفحات: ٣٩٢

بإنزال الملائكة ، ويستهزئون بكل رسول جاءهم ، فكانوا في هذا كله أغبياء حيارى عمي البصر والبصيرة. وهذا ما حكاه القرآن العظيم في قوله تعالى :

(وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) (٨) (٩) (١٠) [الحجر : ١٥ / ٦ ـ ١٥].

القائلون هذه المقالة من كفار قريش : هم عبد الله بن أبي أمية ، والنضر بن الحارث ، ونوفل بن خويلد ، والوليد بن المغيرة من صناديد قريش. إنهم قالوا استهزاء وتهكّما : يا أيها الذي تدّعي نزول القرآن عليك ، إنك متّصف بالجنون ، حينما تدعونا إلى اتّباعك ، وترك ما وجدنا عليه آباءنا ، فلا نقبل دعوتك.

لوما بمعنى لولا ، أي لو كنت ما تدّعيه حقّا وصدقا ، فهلا تأتينا بالملائكة يشهدون لك بالصدق وبصحة ما جئت به ، وتأييد إنذارك ، إن كنت صادقا في ادّعاء النّبوة.

فأجابهم الله تعالى بأننا لا ننزل الملائكة إلا بحق وحكمة ومصلحة نعلمها ، أي كما يجب ويحقّ من الوحي والمنافع التي نراها للعباد ، من رسالة أو عذاب ، لا

__________________

(١) هلا تأتينا.

(٢) على وجه الحكمة.

(٣) مؤخّرين.

(٤) القرآن.

(٥) أي فرق وجماعات السابقين.

(٦) ندخله مستهزأ به.

(٧) مضت عادة الله بإهلاك المكذبين.

(٨) يصعدون.

(٩) سدت ومنعت عن الرؤية.

(١٠) أصابنا محمد بسحره.

٢٨١

بحسب اقتراح الكافر ، ولا باختيار معترض. وعادة الله في الأمم أنه لم يأتهم بآية اقتراح إلا ومعها العذاب في أثرها إن لم يؤمنوا ، وكأن الكلام : ما ننزل الملائكة إلا بحقّ واجب ، لا باقتراحكم ، ثم لو نزلت الآية لم ينظروا أو لم يمهلوا بعد ذلك بالعذاب ، أي لم يؤخّروا. وهذا ردّ على مقالة المشركين الأولى المطالبة بإنزال الملائكة. ثم ردّ الله تعالى على مقالتهم الثانية التي تتضمن اتّهام النّبي بالجنون ، بقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩)).

أي إن الله تعالى هو الذي أنزل القرآن على الرسول النّبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونحن نحفظه ونصونه من التّبديل والتغيير الذي جرى في سائر الكتب المنزلة ، وهو تبديل اللفظ ، لا مجرد التأويل. وهذه الآية بمعنى قوله تعالى عن القرآن : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)) [فصّلت : ٤١ / ٤٢].

ثم آنس الله تعالى نبيّه وسرّى عنه وعرض له أسوة ، وهي لا يضيق صدرك يا محمد بما يفعله قومك من الاستهزاء واتّهام الجنون وغير ذلك ، فقد تقدم منا إرسال الرسل للأمم الماضية في شيعها وطوائفها وفرقها ، وكانت سيرتهم الاستهزاء بالرسل والتكذيب والكفر برسائلهم الإلهية.

وهذا الاستهزاء أو الشّرك ونحوه من التكذيب أجراه الله في قلوب المجرمين الذين عاندوا ، وتكبّروا عن اتّباع الهدى ، ومثل ذلك التكذيب والكفر الذي أدخلناه في قلوب المجرمين السابقين ، ندخله في قلوب المجرمين الجدد ، وهم لا يؤمنون بالرّسل ، وأصبح ذلك سنّة وعادة متّبعة في الماضين على هذه الوتيرة ، التي استوجبت تدمير كل من كذب الرّسل ، وإنجاء الأنبياء وأتباعهم في الدنيا والآخرة ، وسنفعل بالمجرمين اللاحقين كما فعلنا بالسابقين.

ثم أخبر الله تعالى عن شدة عناد ـ قريش وكفرة العصر بأنه لو فتحنا على هؤلاء

٢٨٢

المعاندين بابا من السماء ، فجعلوا يصعدون فيه ، أن تصعد فيه الملائكة ، لما صدّقوا بذلك ، بل قالوا : إنما منعت وسدّت أبصارنا من الرؤية والإبصار ، وقد شبّه علينا ، واختلطت الأمور في أذهاننا ، وأصبحنا لا نرى إلا أخيلة ، كالقوم المسحورين ، سحرنا محمد بآياته ، كما في آية أخرى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)) [الأنعام : ٦ / ٧].

وخلاصة المعنى : بلغ من عناد المشركين في مكة وأمثالهم أنهم لو صعدوا في السماء حقيقة ، ورأوا الآيات عيانا ، لقالوا : هذه أوهام وأخيلة ، وقد سحرنا محمد ، وهذا منتهى العناد والإعراض. وتشير الآية إلى وجود الظلام في الفضاء الخارجي.

بعض مظاهر قدرة الله تعالى

يتكرر التّذكير ببعض مظاهر قدرة الله تعالى في آيات القرآن ، لا سيما في حال وصف عناد الكفرة والمشركين وتهديدهم بالعذاب ، وإنذارهم بالعقاب ، فإن الله قادر على كل شيء ، وهذا يدعو العقلاء إلى التزام جادة الاستقامة ، والزحزحة عن مواقف الكفر وتكذيب الرّسل ، ففي الكون أرضه وسمائه عبر منصوبة تدعو للإيمان. وكفر الكافرين وإعراضهم عنها ، أي عن العبر والآيات إصرار منهم وعتوّ ، قال الله تعالى مبيّنا بعض آيات قدرته :

(وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦)

__________________

(١) منازل للكواكب السّيارة.

(٢) مطرود من الرحمة.

(٣) سرق المسموع من السماء.

(٤) أدركه ولحقه.

(٥) شعلة نار ظاهرة للعيان.

(٦) بسطناها للانتفاع بها.

٢٨٣

وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [الحّجر : ١٥ / ١٦ ـ ٢٥].

هذه آيات تذكّر الكافرين بكمال قدرة الله تعالى ، وأدلة وحدانيته في السماوات والأرض ، وهي مبدوءة بالقسم الإلهي ، أي والله لقد أوجدنا في السماء نجوما عظاما من الكواكب الثوابت والسيارات ، ذات بروج : أي منازل ، والمراد هنا منازل الشمس والقمر والنجوم السّيارة ، وزيّنا السماء للناظرين المتأمّلين فيها. ومنعنا الاقتراب من السماء ، كل شيطان رجيم ، أي مرجوم بالشّهب ، كما دلّت الأحاديث الصّحاح. لكن من استرق السمع وحاول معرفة الأسرار الإلهية ، فإنه يدمّر بشهاب واضح ، أي بجزء منفصل من الكوكب ، وهو نار مشتعلة ، فتحرقه. ودلّت الأحاديث على أن الرجم كان في الجاهلية ، ولكنه اشتدّ في وقت الإسلام ، وحفظت السماء حفظا تامّا.

وجعل الله تعالى الأرض في مرأى العين ومن أجل التمكن من الانتفاع ممدودة الطول والعرض ، ممهدة للانتفاع بها ، وثبّت الله الأرض بإلقاء الجبال الرواسي في جوانبها المختلفة ، كيلا تضطرب بالإنسان ، وأنبت الله في الأرض الزروع والثمار المناسبة ، المقدرة بميزان معلوم ، فقوله تعالى : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) أي أوجدنا فيها كل شيء مقدّر بقدر معلوم ، موزون بميزان الحكمة ، مقدّر محدّد بقصد وإرادة.

__________________

(١) جبالا ثوابت.

(٢) مقدر بحكمة.

(٣) أرزاقا للعيش.

(٤) مصادر إمداده.

(٥) حوامل للسحاب وملقحات للأشجار.

٢٨٤

وجعل الله في الأرض معايش ، أي أعدّ للناس أسباب المعيشة والحياة الملائمة ، من غذاء ودواء ، ولباس وماء ونحو ذلك ، وجعل فيها أيضا الخدم والدّواب والأنعام التي لستم أيها العباد برازقين لها ، وإنما يرزقها الله وإياكم.

ثم أخبر الله تعالى أنه مالك كل شيء ، وأن كل شيء يسير سهل عليه ، وعنده خزائن الأشياء من جميع الأصناف ، من نبات ومعادن ، ومخلوقات لا حصر لها ، فكل ما ينتفع به الناس في الكون ، الله قادر على تكوينه وإيجاده ، ولا يعطيه ولا يمنحه إلا بمقدار معلوم.

وأرسل الله الرياح الخيرة تحمل السّحب المشبعة بالرطوبة لإنزال الأمطار ، وجعل الرياح واسطة لتلقيح الأشجار ، بنقل طلع الذكور ولقاحها للإناث ، ليتكون الثمر ، كما يسوق الله الغيوم بالرياح لإنزال الأمطار التي تسقى بها الزروع والثمار والمواشي ، كما قال الله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٢١ / ٣٠]. ومن أعظم النّعم أن الله تعالى خازن الأمطار في السّحب وجوف الأرض ، وليس البشر بخازنين ولا حافظين له ، وينزله الله ويحفظه في الأرض ، ويجعله ينابيع ، ولو شاء الله تعالى لغوّره وذهب به في أعماق الأرض ، ولكن من رحمته أبقاه للناس طوال السنة.

ومن عظيم قدرة الله : إحياء الخلق من العدم ثم إماتتهم ثم بعثهم أحياء ، وينفرد الله حينئذ بإرث الأرض ومن عليها ، والله يعلم كل من تقدّم وهلك من لدن آدم عليه‌السلام ، ومن هو حيّ ، ومن يتأخر وجوده إلى يوم القيامة. ثم إن الله يحشر الناس ويجمعهم إليه جميعا يوم القيامة ، ليحاسبهم ، إنه سبحانه حكيم يضع الأشياء في محالّها ويتقنها ، واسع العلم ، أحاط علمه بكل شيء. وكل ذلك دليل على قدرة الله تعالى وتوحيده وإيجاب عبادته.

٢٨٥

بدء خلق آدم عليه‌السلام وتكريمه

أقام الله تعالى أدلّة حسّية مشاهدة على قدرته وتوحيده وعبادته ، منها خلق السماوات والأرض ، كما تقدّم ، ومنها خلق الإنسان من طين ، حين بدأ خلقه بآدم عليه‌السلام ، ومنها خلق الجنّ من النّار. وتكريما للجنس الإنساني أمر الله تعالى الملائكة جميعا وإبليس بالسجود لآدم سجود تحية وتعظيم ، لا سجود عبادة وتأليه ، وهذا دليل التكريم والتقدير ، قال الله تعالى مبيّنا تلك القصة :

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣)) (١) (٢) (٣) (٤) [الحجر : ١٥ / ٢٦ ـ ٣٣].

هذا دليل آخر على قدرة الله تعالى ، فكما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما ، بدأ خلق الإنسان ، أي جنسه من طين ، والمراد : آدم عليه‌السلام ، والأهم الأعظم هو نفخ الروح وإبداع الخلق ، وأما المادة التي دبّت فيها الحياة بالروح فهي التراب الذي عبّر الله عنه مرة بالطين ومرة بالصلصال كالفخار ، ومرة بالطين اللازب ، للدلالة على مراحل الخلق ، فقد بدأ الله خلق آدم أولا من تراب ، ثم من طين ، ثم من صلصال ، أي من طين جاف يابس ، ومن حمأ مسنون ، أي من طين أسود متغير منتن.

ودليل آخر على القدرة الإلهية : أن الله تعالى خلق الجنّ أي جنس الشياطين من نار شديدة الحرارة ، هي نار السّموم ، قبل خلق آدم. قال ابن مسعود : هذه السموم

__________________

(١) أي من طين يابس.

(٢) أي من طين أسود متغير.

(٣) هي النار الشديدة الحرارة.

(٤) امتنع تكبّرا.

٢٨٦

جزء من سبعين جزءا من السموم التي خلق منها الجانّ. وقالت عائشة فيما روى مسلم وأحمد : «خلقت الملائكة من نور ، وخلقت الجانّ من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم». وهذا مأخوذ من قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥)) [الرّحمن : ٥٥ / ١٤ ـ ١٥].

وهذا إشارة إلى برودة طبع الإنسان ، وحرارة طبيعة الجنّ. والمراد بهذه الخلقة : إبليس أبو الجنّ. سئل وهب بن منبّه عن الجنّ ، فقال : هم أجناس ، فأما خالص الجنّ فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون ، ومنهم أجناس تفعل هذا كله ، منها السعالي والغول وأشباه ذلك.

ثم أراد الله تعالى تشريف آدم أبي البشر عليه‌السلام وإكرامه ، فأمر الملائكة بالسّجود له : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩)) ومعنى الآيات : اذكر أيها الرسول لقومك حين أمرت الملائكة الموجودين قبل خلق آدم بالسجود له ، بعد اكتمال خلقه وإتقانه وتسوية أجزائه على ما يجب ، من طريق إحيائه بنفخ الروح من الروح التي هي لي ، فقوله : (مِنْ رُوحِي) إضافة خلق وملك إلى خالق مالك ، أي بدأت خلقه من روحي ، ولفظ الروح هنا للجنس ، ولفظة (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) تقوّي أن سجود الملائكة إنما كان كالمعهود من السجود عندنا ، لا أنه خضوع وتسليم وعبادة.

وامتثل الملائكة أمر الله ، فسجدوا كلهم جميعا ، أي مجتمعين دفعة واحدة ، لم يبق منهم أحد ، وجميعهم سجد في موضع واحد ، إلا إبليس فإنه تخلّف عن السجود لآدم ، حسدا وكفرا ، وعنادا واستكبارا ، وافتخارا بالباطل ؛ لأنه في زعمه خلق من نار تتصف بالسّمو والارتفاع ، وآدم خلق من تراب موصوف بالركود والخمود والانخفاض. وأدى به الغرور إلى عصيان الأمر الإلهي بأنه خير من آدم ، فإنه خلق من

٢٨٧

النار ، وآدم من الطين ، والنار أشرف من الطين ، والأعلى لا يعظم الأدنى ، وذلك قياس فاسد ؛ لأن خيرية المادة لا تعني خيرية العنصر ، بدليل أن الملائكة من نور ، والنور خير من النار. وغرور إبليس مشتمل أيضا عدا الكبر على جهل بأن آدم امتاز باستعداد علمي وعملي لتلقي التكاليف ، وتقدم الكون وعمارة الأرض.

لذا عاقبه الله بالطرد والإخراج من الجنة ، كما سيأتي بيانه ، وسجّل إبليس على نفسه المعصية الدائمة ، وكأنه قال : «وهذا جور» وأحسّ بالنزعة الطبقية ، وبأن هناك تفاوتا في درجات المخلوقين ، منهم الفاضل ، ومنهم المفضول ، ولكن الله تعالى سوّى بين جميع المخلوقات في الفضائل ، فكلهم أمام الله سواء ، والرّب سبحانه وتعالى وحده هو المتميّز الأعلى من الجميع.

قصة طرد إبليس من الجنّة

كان الجزاء العادل من الله تعالى على عصيان إبليس أوامر ربّه ، وإصراره على ذلك : هو الطّرد من الجنّة دار النعيم ؛ لأنه لا يعقل أن يحظى أحد بالخلود في دار النعيم ، مع تمرّده وعصيانه ومخالفته أمر المنعم عليه. وأدمن إبليس على المعصية ومعارضة الله ، فأصّر على إغواء البشر وإضلالهم بسبب غوايته وضلاله ، فصار ممثلا عنصر الشّر المحض ، وعدو الإنسان إلى يوم القيامة. وهذا ما سجّلته الآيات التالية :

(قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ (١) (٢) (٣)

__________________

(١) مطرود من رحمة الله.

(٢) الإبعاد مع السّخط.

(٣) أي أمهلني.

٢٨٨

رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤)) (١) (٢) (٣) (٤) [الحجر : ١٥ / ٣٤ ـ ٤٤].

استحقّ إبليس بعصيان أمر الله الطرد والإبعاد من الجنة ، وهي وإن لم تذكر في هذه الآية ، فالقصة تتضمنها ، أمره الله بالخروج منها ، وجعله مرجوما ، أي مطرودا مبعدا ، لا يستحق الإكرام والمنزلة العالية. وصبّ الله تعالى عليه اللعنة ، أي الطّرد من رحمته إلى يوم القيامة ، فهو آخر من يموت من الخلق.

فلما تلقى إبليس هذا الجزاء ، طلب الإمهال إلى يوم البعث من القبور ، وحشر الخلق ليوم الحساب ، إمعانا في الكيد لآدم ، وحسدا له ولذرّيته. فأجاب الله طلبه ، وأخّره إلى يوم الوقت المعلوم ، وهو وقت النفخة الأولى حين تموت الخلائق. وقوله المتكرّر : (رَبِ) إقرار بالرّبوبية والخلق.

فلما تحقق إبليس الانتظار ليوم البعث قال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) أي أقسم بالإغواء الذي قدرته علي وقضيت به ، لأزينن لذرّية آدم الشّهوات والمعاصي والأهواء في الأرض ، وأحبّب لهم المعاصي ، وأرغّبهم فيها أجمعين دون أن أترك أحدا ، إلا المخلصين من عبادك ، الذين أخلصوا لك في الطاعة والعبادة والتقوى والإيمان بك وبرسولك.

ردّ الله تعالى على إبليس مهدّدا ومتوعّدا بقوله : (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) أي هذا الطريق في العبودية أو الإخلاص إلي مستقيم ، يؤدي إلى كرامتي وثوابي ، والعرب

__________________

(١) لأوقعنهم في الغواية والضّلال.

(٢) الذين أخلصتهم لطاعتك.

(٣) تسلّط وقدرة.

(٤) فريق معين.

٢٨٩

تقول : «طريقك في هذا الأمر على فلان» أي إليه يصير النظر في أمرك ، وهذا خبر يتضمن وعيدا.

ثم ابتدأ الله الإخبار عن سلامة عبادة المتّقين من إبليس ، وخاطبه الله تعالى بأنه لا حجة له عليهم ، ولا سلطان ولا قدرة ، فإن عبادي المؤمنين المخلصين أو غير المخلصين ، الذين قدّرت لهم الهداية ، لا سلطان لك على أحد منهم ، ولا سبيل لك عليهم ، ولا وصول لك إليهم ، لكن الذين اتّبعوك يا إبليس من الضّالّين المشركين باختيارهم ، فلك عليهم سلطان ، بسبب كونهم منقادين لك في الأمر والنّهي ، كما قال تعالى : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)) [النّحل : ١٦ / ١٠٠].

وإن جهنم موعد جميع من اتّبع إبليس ، كما قال الله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) [هود : ١١ / ١٧]. ثم أخبر الله سبحانه أن لجهنّم سبعة أبواب ، قد خصص لكل باب منها جزء مقسوم وعدد معلوم من أتباع إبليس ، يدخلونه ، لا محيد لهم عنه ، وكل واحد يدخل من باب بحسب عمله ، ويستقر في درك بقدر عمله. وفي تفسير الأبواب السبعة قولان : قول : إنها سبع طبقات ، بعضها فوق بعض ، وتسمى تلك الطبقات بالدّركات ، والأبواب السبعة كلها في جهنم على خط استواء ، وقول آخر : إنها سبعة أقسام ، ولكل قسم باب ، أعلاها جهنم ، ثم لظى ، ثم الحطمة ، ثم السّعير ، ثم سقر ، ثم الجحيم ، وفيه أبو جهل ، ثم الهاوية ، وتكون الأبواب على هذا القول بعضها فوق بعض ، أي إن النار إما ذات أجنحة وأقسام ، والأبواب متوالية صعودا ونزولا ، أو إن النار قسم واحد ذو دركات ، وأبوابها السبعة مداخل لها ، عافانا الله من النار ، وتغمّدنا برحمته بمنّه وكرمه.

٢٩٠

جزاء المتّقين يوم القيامة

سار المنهج القرآني في تربية الأفراد والشعوب على أساس الجمع بين الترغيب والترهيب ، ومن أمثلة هذا المنهج : أن الله تعالى يذكر عادة ما أعد لأهل الجنة ، وما أعد لأهل النار ، ليظهر التّباين ، ويقارن الإنسان العاقل بين العاقبتين ، فيقبل على العمل الصالح المؤدي للجنة ، ويجتنب العمل السّيئ المؤدي للنار ، والخير في الحالتين للإنسان. فهل بعد هذا عذر لمقصّر أو عاص أو مسيء؟! قال الله تعالى مبيّنا جزاء المتقين بعد بيان جزاء الفاسقين والعصاة من أتباع الشيطان :

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (٤٨) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠)) (١) (٢) [الحجر : ١٥ / ٤٥ ـ ٥٠].

نزلت هذه الآية : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥)) فيما أخرجه الثعلبي عن سلمان الفارسي : أنه لما سمع قوله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣)) فرّ ثلاثة أيام هاربا من الخوف ، لا يعقل ، فجيء به للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسأله فقال : يا رسول الله ، أنزلت هذه الآية : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣)) فوالذي بعثك بالحق ، لقد قطّعت قلبي ، فأنزل الله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥)).

وأما آية : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) فنزلت في أبي بكر وعمر ، اللذين كانا بين قبيلتيهما بني هاشم وبني عدي عداوة وغلّ الجاهلية. وهذا في شأن الدنيا.

هذه الآيات تصوّر لنا مصير المتّقين ، وهم الذين اتّقوا عذاب الله ومعاصيه ،

__________________

(١) حقد ، عداوة.

(٢) أي عناء وتعب.

٢٩١

وأطاعوا أوامره ، واجتنبوا نواهيه ، فلم يتأثروا بوساوس إبليس ، جزاؤهم أنهم في جنّات ، أي بساتين ذات ثمار دائمة ، وظلال وارفة ، وتتفجر من حولهم عيون هي أنهار أربعة : من ماء ، ولبن ، وخمر غير مسكرة ، وعسل مصفى ، دون تنافس عليها. ويقال لهم من الملائكة : ادخلوا هذه الجنات سالمين من الآفات ، آمنين من كل خوف وفزع ، ولا تخشوا من إخراج ولا انقطاع ولا فناء.

ويتفضّل الله على عباده المتّقين ، فينزع كل ما كان في صدورهم في الدنيا من حقد وعداوة ، وضغينة وحسد ، حالة كونهم إخوانا متحابّين متصافين جالسين على سرر متقابلين ، لا ينظر أحدهم إلا لوجه أخيه ، ولا ينظر إلى ظهره ، فهم في رفعة وكرامة وطمأنينة ومحبة. ونزع الغل والحقد في الآخرة : إنما يكون بعد استقرارهم في الجنة ، كما جاء في بعض الأحاديث.

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ).

ومن أفضال الله ورحمته أيضا أنه لا يصيب المؤمنين في الجنات تعب ولا مشقة ، ولا أذى ؛ لأنه لا حاجة لهم إلى السّعي والتّعب في جلب المعايش ، لتيسير كل ما يشتهون أمامهم دون جهد.

وهم كذلك ماكثون في الجنات ، خالدون فيها أبدا ، لا يخرجون منها ، ولا يحوّلون عنها.

جاء في الحديث الثابت : «يقال : يا أهل الجنة ، إن لكم أن تصحّوا فلا تمرضوا أبدا ، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تقيموا فلا تطغوا أبدا».

وتتلخص هذه النّعم والمنافع بثلاثة أشياء : الاطمئنان والتكريم ، والصفاء من الشوائب المؤذية مادّيا ومعنويا ، والدوام والخلود بلا زوال. ولا بدّ أن يعلم الناس

٢٩٢

أن الله سيجازي بالمغفرة والرحمة ، كما يجازي بالعذاب ، فقال : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠)).

أخرج الطبراني عن عبد الله بن الزبير قال : مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنفر من أصحابه يضحكون ، فقال : «أتضحكون ، وذكر الجنّة والنار بين أيديكم ، فنزلت هذه الآية : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠)).

أي أخبر يا محمد عبادي أني ذو مغفرة ورحمة ، وذو عذاب أليم. وهذا جمع بين مقامي الرجاء والخوف ، فالله تعالى يستر ذنوب من تاب وأناب ، فلا يفضحهم ولا يعاقبهم ، وإنما يرحمهم فلا يعذّبهم بعد توبتهم ، وهذا يشمل المؤمن الطائع والعاصي. والعذاب المؤلم الشديد الوجع لمن أصرّ على الكفر والمعاصي ، ولم يتب منها. وهذا تهديد وتحذير من اقتراف المعاصي ، بعد الوعد بالجنة ، لمن آمن وتاب وعمل صالحا.

قصة ضيف إبراهيم عليه‌السلام

يتلقّى الأنبياء عليهم‌السلام الوحي عن ربّ العزة إما بواسطة جبريل عليه‌السلام ، وإما بالرّؤيا الصادقة في النوم ، وإما عن طريق ملائكة مع جبريل يأتون بصفة بشر ، يتعرّف عليهم النّبي بعد حوار وسؤال وجواب ليعرف حقيقة القادمين عليه. وهذا التنويع في إنزال الوحي إيناس للنّبي ، وتسهيل عليه في معرفة الحكم أو الخبر الإلهي. ومن هذه الأحوال مجيء وفد من الملائكة ، بصفة ضيوف على إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، يتراوح عددهم بين ثلاثة واثني عشر ملكا ، منهم جبريل عليه‌السلام لتبشير إبراهيم في سنّ الكبر بغلام عليم ، ولإخباره بإهلاك قوم لوط ، ولوط ابن أخي إبراهيم عليهما‌السلام. وصف الله تعالى هذه الضيافة بقوله :

٢٩٣

(وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (٥٦)) (١) (٢) (٣) [الحجر : ١٥ / ٥١ ـ ٥٦].

تتضمن قصص الأنبياء أخبارا عديدة ، منها الوعد والوعيد ، ومنها زفّ البشارة بأمر كريم أو عجيب ، وهذه إحدى القصص الطريفة للملائكة الكرام ببشارة إبراهيم عليه‌السلام حال الكبر بإنجاب غلام عليم ، أي ذي علم كثير إذا بلغ ، هو إسحاق ، لقوله تعالى : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) [هود : ١١ / ٧١].

بدأ الخطاب الإلهي في هذه القصة بأمر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإخبار قومه عن قصة ضيف إبراهيم ، أي عن أصحاب إبراهيم ؛ لأن كلمة (ضيف) هنا مصدر وصف به وفد الملائكة ، وتطلق على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ، أو أن هذا المصدر عومل معاملة الأسماء ، ككلمة (رهن) ونحوه. والمراد بالضيف هنا :

الملائكة الذين جاؤوا لإهلاك قوم لوط ، وبشّروا إبراهيم عليه‌السلام بالولد الجديد حين الكبر ، وكان إبراهيم يكنى (أبا الضيفان) فقالوا حين دخلوا عليه : سلاما ، أي سلاما من الآفات والآلام والمخاوف.

فقال إبراهيم للضيوف : إنا خائفون منكم ، لدخولهم عليه بلا إذن ، أو لامتناعهم من الأكل ، حين قدّم لهم عجلا سمينا حنيذا (أي مشويا بالحجارة المحماة) فلم ير أيديهم تمتدّ للأكل ، وكان عندهم العلامة المؤمّنة هي أكل الطعام ، وتلك هي علامة دائمة في الدهر أمنة للنّازل والمنزول به. فيكون الامتناع من الطعام دليلا على أن

__________________

(١) أضيافه الملائكة.

(٢) خائفون.

(٣) الآيسين من الولد أو الخير.

٢٩٤

الضيوف يبيّتون شرّا ، كما جاء في قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) [هود : ١١ / ٧٠].

فأجابوه بقولهم : (لا تَوْجَلْ) أي لا تخف ، إنا نبشّرك بغلام عليم ، أي أتينا لبشارتك بميلاد غلام ذي علم وفطنة وفهم لدين الله ؛ لأنه سيكون نبيّا ، وهو إسحاق عليه‌السلام ، وذلك بعد مولد إسماعيل بمدة ، وقول إبراهيم : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) [إبراهيم : ١٤ / ٣٩].

أجاب إبراهيم متعجّبا مستبعدا من مجيء ولد حال كبره وكبر زوجته ، ومتحقّقا من الوعد : أبشّرتموني بذلك بعد أن أصابني الكبر ، فبأي أعجوبة تبشّرون أو تبشّرونني ، فذلك غير متصوّر في العادة ، وليس ذلك نفيا لقدرة الله تعالى في خلق العجائب.

فأجابه الملائكة مؤكّدين بشارتهم : (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) أي إننا بشّرناك بما هو حقّ ثابت ، فأبشر بما بشّرت به ، ودع غير ذلك ، فهو صنع الله ، ووعده الذي لا يتخلف ، فلا تكن من القانطين اليائسين ، فالذي أوجد الإنسان من التراب من غير أب ولا أم ، قادر على إيجاد الإنسان من أي شيء أراد ، كأبوين عجوزين.

ردّ إبراهيم عليه‌السلام مؤكّدا إيمانه بقدرة الله تعالى وأنه ليس قانطا يائسا ، فإنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك ، ولا يقنط ولا ييأس من رحمة الله إلا القوم الضّالون ، أي المخطئون طريق الصواب. والقنوط : أتم اليأس.

هذه القصة تعلّمنا أدب الضيف ، وأسلوبه في الأخبار ، وزفّ البشرى ، وأن الله قادر على كل شيء ، فهو الخالق القادر على تمكين الزوجين من الإنجاب ، حتى في سنّ الكبر وفي الوقت غير المعتاد.

٢٩٥

إخبار الملائكة إبراهيم بإهلاك قوم لوط

الصّلة النّسبية معروفة بين إبراهيم ولوط عليهما‌السلام ، فلوط هو ابن أخي إبراهيم ، وكان بينهما تعاون في الدعوة إلى توحيد الله وهجر عبادة الأصنام ، لذا أراد الله إخبار إبراهيم أولا بما جرى به الحكم والقضاء الإلهي ، من إهلاك قوم لوط ، لارتكابهم الفواحش وتكذيبهم رسولهم لوطا عليه‌السلام ، وتم هذا الإخبار عقب تبشير الملائكة إبراهيم بولادة ابنه إسحاق في سنّ الشيخوخة والكبر ، قال الله تعالى واصفا مضمون الخبر بإهلاك الفاعلين فعل قوم لوط :

(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠) فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) [الحجر : ١٥ / ٥٧ ـ ٦٥].

بعد أن تأكّد إبراهيم عليه‌السلام من كون ضيوفه ملائكة أثناء بشارتهم له بولادة إسحاق حال الكبر ، سألهم عن أمرهم بسبب مجيئهم مختفين ، وإحساسه بأنهم جاؤوا لأمر خطير ، فقال : (فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ). والخطب لفظة تستعمل في الأمور الشداد ، أي ما شأنكم وما الأمر الذي أرسلتم به غير البشرى بالولد أيها الملائكة المرسلون ، كأنه فهم من قرائن الأحوال أن لهم مهمة أصلية غير البشرى ، لأن البشرى كما حدث لزكريا ومريم يكفيها واحد.

فأجابوه بأنا أرسلنا إلى قوم مجرمين مشركين هم قوم لوط لإهلاكهم ، وهم أهل

__________________

(١) فما شأنكم.

(٢) قضينا.

(٣) أي الباقين في العذاب.

(٤) الآل : القوم الذين يؤول أمرهم إلى المضاف إليه.

(٥) لا أعرفكم.

(٦) يشكّون.

(٧) بطائفة منه.

٢٩٦

مدينة سدوم الذين بعث فيهم لوط عليه‌السلام ، والذين كانوا يتعاطون المنكر ، ويأتون الرجال شهوة من دون النساء ، فاستحقّوا أن يوصفوا بالمجرمين ، والجرم : الذي يجرّ الجرائم ويرتكب المحظورات.

ثم أخبر الملائكة إبراهيم أنهم سينجّون آل لوط جميعهم من بينهم ، إلا امرأته ، أي امرأة لوط التي كانت متواطئة مع قومها ، فإنها ستكون من الغابرين ، أي الباقين مع الكفرة الهالكين ، فإنا مخلّصو جماعة لوط المؤمنين من العذاب ـ عذاب الاستئصال ـ وقوله تعالى : (قَدَّرْنا) أي بتقدير الله تعالى أن امرأة لوط من الباقين في العذاب ، ونسب الملائكة ذلك لأنفسهم ، باعتبارهم المنفّذين لأمر الله تعالى.

ثم بعد إبراهيم ذهب الملائكة إلى لوط عليه‌السلام ، فلما وصلوا إليه ، أخبروه بأنهم مرسلون لعذاب قومه ، فلم يعرفهم لوط لأول وهلة كما حدث لإبراهيم ، فقال لهم : إنكم قوم منكرون ، أي غير معروفين لدي ، تنكركم نفسي ، وأخاف أن تباغتوني بشرّ ، فمن أي الأقوام أنتم؟ فأجابوه : لقد جئناك بما يسرّك ، وهو عذاب قومك وإهلاكهم وتدميرهم ، الذي كانوا يشكّون في وقوعه بهم ، ويكذبونك فيه قبل مجيئه.

ولقد أتيناك بالأمر المحقّق واليقين والأمر الثابت الذي لا شك فيه ، وهو تعذيب قومك ، وإننا لصادقون فيما أخبرناك به من هلاكهم ، ونجاتك مع أتباعك المؤمنين.

وبما أن إيقاع العذاب المدمر ليس أمرا سهلا ، أكّد الملائكة قولهم للوط بثلاثة تأكيدات ، فقالوا : إنا جئناك بما كانوا فيه يمترون أي يشكّون ، وأتيناك بالحق ، وإنا لصادقون في هذا الخبر.

وتمهيدا لتنفيذ العذاب ، قال الملائكة للوط عليه‌السلام : سر بأهلك بعد مضي جزء من الليل ، وأهله : ابنتاه فقط ، وامش وراء أهلك ليكون أحفظ لهم ولا يبقى

٢٩٧

منهم أحد ، ولا يلتفت منكم أحد إلى الوراء إذا سمعتم الصيحة بالقوم ، حتى لا يشفقوا على بلادهم وأقوامهم حين معاينة ما جرى على القرية في رفعها وطرحها ، وسيروا بأمر ربّكم غير ناظرين وراءكم ، إلى بلاد الشام ؛ فإنها مأمنكم ومكان نجاتكم.

وتصوير هذه الإنذارات والإعدادات للعذاب يغني عن رؤية حالة الدمار والهلاك الواقع ، ويزرع في القلب الخوف والهلع الشديد ، ويوجب على النّاجين مزيد الحمد والشكر ، ويردع أهل الجريمة مما يساورهم من صنوف الاجرام ، إذا عرفوا ما يحلّ بالمجرمين في دار الدنيا قبل عذاب الآخرة.

العذاب الواقع بقوم لوط

يغفل أهل الاجرام عادة عن الجزاء والعقاب الذي يلقونه ، بسبب انغماسهم في الشهوات والأهواء ، وظنهم أن العذاب لن يطالهم ، وأنهم سيفلتون من العقاب ، وكل ذلك من وسواس الشيطان وضعف الوعي وقلة الإدراك ، والحماقة وسوء التقدير ، لكن العقاب حق وعدل يأتي في الوقت المناسب بعد اليأس من الصلاح ، وهذا ما حدث لقوم لوط ، فإنهم أفرطوا في ارتكاب الفواحش ، وبالغوا في تكذيب الرسول لوط ، وأصرّوا على الغلوّ في الكفر والضلال ، فكان التقدير الإلهي لهم بالمرصاد ، وهذا ما وصفه القرآن الكريم للعبرة والاتّعاظ ، قال الله تعالى :

(وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ (٦٩) (١) (٢) (٣)

__________________

(١) أي أوحينا إلى لوط عليه‌السلام أمر الهلاك.

(٢) آخرهم أي جميعهم.

(٣) داخلين في الصباح.

٢٩٨

قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) [الحجر : ١٥ / ٦٦ ـ ٧٧].

هذا حكم الله وقضاؤه ، وتدبيره وعقابه الحقّ العادل ، لقوم دأبوا على الفحش وقلّة الحياء ، ومعاداة الرّسل والأنبياء. وهو تدبير سريع التنفيذ ، لذا أخبر الله نبيّه لوطا وأوحى إليه أن أمر هلاك قومه مقضي قضاء مبرما ، وهو ماض حتما ، وأن العذاب يشمل أول القوم وآخرهم ، وهو عذاب الاستئصال في وقت الصباح. وألفاظ الآية : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) دالّة على الاستئصال والهلاك التّام.

ومما زاد في أمر جريمة فاعلي اللواط في سدوم فحشا واستهجانا : أنهم حين علموا بأضياف لوط الرائعي الجمال ، المتميزة وجوههم بالصباحة والإشراق ، جاؤوا مسرعين مستبشرين بهم فرحين ، أملا وطمعا في ارتكاب الفاحشة معهم.

فقال لهم لوط : إن هؤلاء ضيوف ، فلا تفضحوني بارتكاب ما يؤدي إلى العار معهم ، والضيف يجب إكرامه ، واتّقوا الله ولا تخزوني ، أي وخافوا عذاب الله ، ولا تذلّوني وتخجلوني بإذلال ضيفي ، وإهانته ، فإن الإساءة إليه وإهانته إساءة وإهانة لي.

فأجابوه قائلين : ألسنا قد نهيناك أن تكلمنا في أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة ، ونهيناك أن تضيف أحدا؟!

فأجابهم لوط مرشدا لهم : تزوجوا بنساء الأمّة اللاتي أباحهن الله لكم ، وتجنّبوا إتيان الرجال ، إن كنتم فاعلين ما آمركم به ، منتهين إلى أمري. والمراد بقوله : هؤُلاءِ

__________________

(١) أي نساء الأمة من طريق الزواج.

(٢) قسم من الله بالنبي.

(٣) أي يترددون.

(٤) أي وقت شروق الشمس.

(٥) طين متحجر.

(٦) المعتبرين المتأملين.

٢٩٩

بَناتِي) ليس إباحة البنات مطلقا ، وإنما المراد التّزوج بنساء قومه ؛ لأن الرسول في القوم كالأب لهم. ومن فسّر كلمة (بَناتِي) ببنات صلبه ، أراد ذلك على طريق المجاز ، كما تقول لإنسان تراه يريد قتل آخر : «اقتلني ولا تقتله». فإنما ذلك على جهة التشنيع عليه ، واستدعاء الحياء منه ، وحمله على العدول عن إجرامه ، وهذا كله من مبالغة القول الذي لا يدخله معنى الكذب.

ثم أقسم الله بقوله : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢)) أي أقسم بحياتك وعمرك أيها الرسول ـ وفي هذا تشريف عظيم للوط ـ إنهم في غوايتهم يتحيّرون ، وفي ضلالتهم يتردّدون أو يلعبون.

فنزلت فيهم صيحة جبريل عليه‌السلام ، وهي ما جاءهم من الصوت القاصف المرعب ، عند شروق الشمس ، فجعلت القرية أو المدينة عاليها سافلها ، أي انقلبت في الأعماق ، وانقلب القوم فيها ، وأنزل الله تعالى عليهم حجارة من طين متحجر طبخ بالنار وهو السّجيل. لقد اقتلع جبريل عليه‌السلام المدينة بجناحه ورفعها ، حتى سمعت ملائكة السماء صراخ الديكة ونباح الكلاب ، ثم قلبها ، فمن سقط عليه شيء من ردم المدينة مات ، ومن أفلت منهم أصابته حجارة من سجّيل : وهي الحجارة المطبوخة من الطين كالآجرّ ونحوه.

إن في هذا الصنيع بقوم لوط من الهلاك والدمار ، وإنجاء لوط وأهله المؤمنين لدلالة وعبرة للناظرين المتأمّلين المعتبرين ، وإن مدينة سدوم التي أصابها هذا العذاب لهي طريق واضحة للمسافرين المارّين بها ، فما تزال آثارها باقية إلى اليوم ، في وادي الأردن. وفي ذلك أيضا لدلالة واضحة للمؤمنين بالله ورسله بأن العذاب انتقام من الله لأنبيائه.

٣٠٠