التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٢

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0522-5
الصفحات: ٣٩٢

الرؤيا ، لأنه ليس الخبر كالعيان. وهذا الطلب يدل على فضيلة العلم وعلى منزلة العلماء الذين يستشارون في مهام الأمور ، فكان مقابل هذا مطالبة يوسف عليه‌السلام التحقيق في تهمة امرأة العزيز له ، وسبب الزّج به في السجن.

امتنع يوسف من الاستجابة لرسول الملك بمواجهته وإخراجه من السجن ، وإحضاره له ، وقال له : ارجع إلى سيدك ، فاسأله عن حال النّسوة اللاتي جرحن أيديهن ، لأني لا أريد أن آتيه ، وأنا متّهم بمسألة سجنت من أجلها ، واطلب من الملك أن يحقق في تلك القضية قبل أن آتيه ، ليعرف حقيقة الأمر ، إن ربي عزوجل العالم بخفايا الأمور عليم بكيد النساء وتدبيرهن وما دبّرن لي من كيد.

فجمع الملك النّسوة اللاتي قطّعن أيديهن عند امرأة العزيز ، فقال مخاطبا لهن كلهن ، وهو يريد امرأة العزيز وزيره الأول : ما شأنكن وخبركن حين راودتن يوسف عن نفسه ، يوم الضيافة ، قلن : حاشا لله ، أي معاذ الله أن يكون يوسف أراد السوء أو يكون متّهما ، والله ما علمنا عليه سوءا في تاريخه الطويل.

وقالت امرأة العزيز حينئذ : الآن تبيّن الحق وظهر بعد خفائه ، أن راودت يوسف من نفسه ، لا هو ، فامتنع واستعصم ، وإنه لصادق في قوله ، لم يكذب أبدا. ثم أردفت قائلة : ذلك الاعتراف مني بالحق ، ليعلم يوسف أني لم أخنه أثناء غيبته بأن أكذب عليه ، أو أرميه بذنب هو بريء منه ، والمراد أن توبتي وإقراري ليعلم أني لم أخنه بالغيب ، وليعلم أن الله تعالى لا يهدي كيد الخائنين ، أي لا يسدده ولا ينجحه ، بل يبطله ويبدد أثره ، فهذا من كلام امرأة العزيز.

وقال جماعة من أهل التأويل في آية : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢)) : هذه المقالة هي من يوسف عليه‌السلام ، أي ، ذلك ليعلم العزيز سيدي أني لم أخنه في أهله ، وهو غائب ، وليعلم أيضا أن الله تعالى لا يهدي

١٨١

كيد خائن ، ولا يرشّد سعيه ، أي لا يكمله ، ولا يمضيه على طريق إصابة أو صواب. وفي هذا تعريض بامرأة العزيز في خيانتها أمانة زوجها ، وتعريض بزوجها في خيانته أمانة الله ، حين ساعدها بعد ظهور الآيات المصدقة له على حبسه.

وعلى أي حال ، سواء أكانت المقالة من يوسف عليه‌السلام أم من امرأة العزيز ، فهي تقرّر مبدءا عظيما أو قاعدة صلبة : وهو أن الواجب يقضي بحفظ الأمانات والعهود ، وصون حرمة الغائب ، سواء كان زوج المرأة وهو عزيز مصر ، أو كان يوسف عليه‌السلام ، فإن الدفاع عن الغائب في مجلس أمر توجبه المروءة والحق وحفظ العهد والميثاق ، والمبدأ الثاني : هو أن الله تعالى لا يسدّد عمل خائن ، ولا يكمله ولا يحقق غاية أو هدفا ، وهذا تطمين لأولئك المظلومين أو المستضعفين المقهورين ، الذين يتولى الله تعالى مناصرتهم والدفاع عنهم ، وحمايتهم من الظلم والسوء في النهاية ، كما جاء في آية أخرى : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨)) [الحج : ٢٢ / ٣٨].

تولّي يوسف عليه‌السلام قيادة الحكم في مصر

أدانت زليخة امرأة العزيز نفسها ، واعترفت بالحق والواقع الذي صدر منها ، وهذه فضيلة وصراحة وجرأة ، وتبيّن للملك براءة يوسف وعفّته وسجنه بغير حق ، كما تبيّن له أمانته ، وصبره وجلده ، وتيقن حسن خلاله ، وطيب فعاله ، فولاه مقاليد الأمور في مصر ، وهذا دليل الحكمة والوعي والرشد ، وكان ذلك تمهيدا لارتقاء يوسف أعلى المنازل وتحقيق مراد الله تعالى في خضوع إخوته له واحتياجهم إليه. قال الله تعالى مبيّنا هذه الأحوال :

(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣) وَقالَ

١٨٢

الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧)) (١) (٢) [يوسف : ١٢ / ٥٣ ـ ٥٧].

توّجت امرأة عزيز مصر أقوالها واعترافاتها أمام الملك بقولها المعبّر عن ضعف الإنسان وتورّطه بالمساوئ ، وهو أنني لئن برّأت يوسف ، فما أبرئ نفسي من الزّلل والخطأ ، إن النفس ميّالة بالطبع إلى الشهوات والأهواء. وهو اعتذار عن وقوعها فيما يقع فيه البشر عادة من الشهوات ، كأنها قالت : وما هذا ببدع ولا ذلك بنكير على البشر ، فأبرئ أنا منه نفسي ، والنفوس أمّارات بالسوء ، مائلة إليه ، إلا النفوس التي يرحمها الله ، فيحميها من التورّط في الفواحش ، وإن الله ربّي غفّار للذنوب ، رحيم بالعصاة إذا تابوا وأنابوا إلى الله.

هذا قول جمهور المفسّرين ، ويرى بعضهم أن هذا من قول يوسف عليه‌السلام ، لتذكّره ما كان هم به.

وأمام هذا الإعلان الصريح أمام الملك ، قال : ائتوني بيوسف من السجن ، أجعله من خلصائي ومستشاريّ ، فلما خاطبه الملك واختبره ، ورأى فضله وعلمه ، ولمس أدبه وخلقه ، قال له : إنك اليوم عندنا ذو مكانة ومنزلة ، وموضع ثقة وأمانة ، تؤتمن على كل شيء في شؤون الحكم وإدارة البلاد.

فقال يوسف للملك : اجعلني أيها الملك على مخازن الأرض التي تخزن فيها الغلال ، أشرف عليها وأتصرّف بها ، فأنقذ البلاد من المجاعة التي تهدّد أهلها ، إني خازن أمين ، ذو علم وبصيرة بما يتولاه. وهذا دليل على جواز المطالبة بالعمل ،

__________________

(١) أي ذو مكانة ومنزلة ومؤتمن على كل شيء.

(٢) يتخذ منها مباءة ومنزلا.

١٨٣

حرصا على انتشار العدل من يوسف عليه‌السلام ، وإنقاذا لأوضاع البلاد وتحقيق مصالح العباد. والخزائن : لفظ عام لجميع ما تختزنه المملكة من طعام ومال وغيره.

فأجابه الملك إلى طلبه ، وجعله وزير المالية والخزانة ، وأطلق له سلطة التصرف في شؤون الحكم ، لرجاحة عقله وخبرته وحسن تصرّفه.

وتنفيذا لأمر الله وتقديره ومراده ، وبيانا لجميل صنع الله بعباده وبنبيّه يوسف ، ومثل هذا الإنعام الذي أنعم الله به على يوسف في تقريبه إلى قلب الملك ، وإنجائه من السجن ، أقدره الله على ما يريد ، وجعل له مكانة ومنزلة في أرض مصر ، وانتقل من حال العبودية إلى الملك والسلطان ، والنفوذ والتفوق ، يتبوأ في بلاد مصر المكانة العالية ، والله سبحانه يصيب برحمته وإحسانه ونعمه من يشاء من عباده ، ولا يضيّع في الدنيا والآخرة ثواب الذين يحسنون أعمالهم.

ولكن ثواب الآخرة للمؤمنين الأتقياء ، وهو الظفر بجنان الخلد ، خير وأعظم وأكثر من خير الدنيا وما فيها من مظاهر العزّ والسّلطان ، والمال والزينة والرفعة. وهذا يدلّ على أن ما ادّخره الله لنبيّه يوسف عليه‌السلام في الآخرة أعظم مما أنعم عليه من التّصرف والنفوذ في الدنيا. ومن جمع الله له السعادتين في الدنيا والآخرة ، كان فضل الله عليه أكثر ، وعطاؤه أتم ، للقيام بالطاعة ، وترك المعصية.

ويدلّ هذا أيضا على أن إحسان الإنسان لعمله ، والتزامه الطاعة لا يضيع عند الله ، ولكن حال الآخرة أحمد ، وأحرى أن يتخذ غرضا ومقصدا ، وحال يوسف في الآخرة خير من حاله العظيمة في الدنيا.

وكل ذلك مرهون بالتّقيّد بالإيمان الصحيح ، والتقوى والاستقامة ، لأن الإيمان أساس لقبول العمل الصالح. والتقوى برهان الصدق ، وثمرة الإيمان. والاستقامة دليل الرشد والعقل والحكمة. ومن كان ذا إيمان واعتقاد سليم ، واتقى الله ربّه

١٨٤

بالتزام ما أمر واجتناب ما نهى ، واستقام على هذه الحال ، كان أسعد الناس في الدنيا والآخرة. وفضل الله ورحمته وعدله وإحسانه شأن عام على كل العباد ، وله مزيد من الخصوصية لأولياء الله الذين امتلأت قلوبهم خشية لله ، وتفانت في إرضاء الله بالإقبال على الطاعة ، وامتنعت من جميع أوضاع الانحراف والتقصير ، واستمرت على هذا المنهج الحكيم. ولا غرابة في أن يهيئ الله لبعض عباده عزّا وسؤددا في الدنيا ، بعد مهانة ومذلّة ، وأن يمتّعهم بأفضال إلهية لا تنقطع في الآخرة ، فتتحقق لهم سعادة الدارين ، وتلك هي النعمة العظمى.

شراء القمح من مصر

في السنوات السّبع الثانية التي عم فيها القحط والجدب ، لا مصر وحدها ، وإنما بلاد الشام أيضا ، لم يجد أولاد يعقوب عليه‌السلام ، إخوة يوسف بدّا إلا التوجّه لأرض مصر لشراء القمح والقوت منها ، لما بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه. فسافروا إلى مصر ليتم اللقاء بين يوسف وإخوته ، قال الله تعالى واصفا هذا اللقاء الأول :

(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢)) (١) (٢) (٣) [يوسف : ١٢ / ٥٨ ـ ٦٢].

__________________

(١) أي أوفى لهم الكيل وحملهم الطعام ، أي القمح الذي جاؤوا لطلبه من عنده. والجهاز : ما يحتاج إليه المسافر من زاد ومتاع وكل ما يحمل. ومنه جهاز العروس وجهاز الميت.

(٢) ثمن ما اشتروه.

(٣) أوعيتهم.

١٨٥

قال السدي وغيره : سبب مجيئهم أن المجاعة التي أنذر بها يوسف أصابت البلاد التي كان بها يعقوب. روي أنه كان في العربات من أرض فلسطين بغور الشام.

لقد قدم أولاد يعقوب من فلسطين إلى مصر ، فلما دخلوا على الوالي يوسف ، وهو في مكانته ومنزلته العالية ، عرفهم حين نظر إليهم ؛ لأن ملامح الكبار لا تتغير كثيرا ، وهم له منكرون ، لا يعرفونه ، لمفارقتهم له وهو صغير ، وباعوه لقافلة السّيارة العابرة المسافرين ، والملامح في حال الصّغر تتغير كثيرا مع النمو والكبر ، ولأنهم قدّروا هلاكه ، ولم يفكّروا لحظة أن يوسف سيصير في هذه المنزلة ، وهذه توقّعات منتظرة بحسب التقدير البشري العاجز الذي ينسى فيه الإنسان أن لله تعالى القدرة على صنع العجائب ، وإيجاد ما لم يكن في الحسبان.

وأكّد هذا التّجاهل وعدم معرفة يوسف من إخوته : الكلام الذي دار بين يوسف وإخوته ، حيث سألهم عن سبب مجيئهم وهو القدوم للميرة وحمل الطعام ، وسألهم عن بلادهم وأهلهم وأبيهم وجميع أولاده ، فأخبروه بأنهم اثنا عشر ولدا ، هلك أصغرهم في البرية ، وبقي شقيقه عند والده ليتسلى به ويعينه على أحوال المعيشة ، فأمر يوسف بإنزالهم منزلا كريما ، وبإكرامهم كرما عظيما.

ولما أوفى لهم الكيل ، وحملهم من القمح عشرة أحمال ، وزادهم حملين لأبيهم وأخيهم ، قال : ائتوني في المرة القادمة بأخيكم من أبيكم وهو بنيامين ، ألا ترون أني أتم لكم الكيل الذي تريدون دون بخس ، وأزيدكم عليه ، وأنا خير المنزلين المضيفين للضيوف. وكان قصده من ذلك ترغيبهم في الرجوع إليه.

وأخبرهم سلفا أنه إن لم تأتوا بأخيكم بنيامين في المرة الثانية ، فليس لكم عندي ميرة طعام ، ولا تدخلون بلادي. وقوله : (وَلا تَقْرَبُونِ) نهي لفظا ومعنى ، معناه ألا يقربوا له بلدا ولا طاعة.

١٨٦

فأجابوه : (سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) أي سنجتهد في طلبه من أبيه ، ونحاول إقناعه بذلك برفق ، وإنا لفاعلون ذلك لا محالة بمشيئة الله ، ونحن حريصون على مجيئه إليك بكل إمكاناتنا ، لتعلم صدقنا فيما نقول.

روي أن يوسف عليه‌السلام استوفى في تلك السنين الجدباء أموال الناس ثم أملاكهم ، فلم يبق لأحد في أرض مصر ومزارعها ملك. وظاهر كل ما فعله يوسف مع إخوته أنه بوحي وأمر إلهي ، وإلا فكان برّ يعقوب يقتضي أن يبادر إليه ويستدعيه ، لكن الله تعالى أعلمه بما يصنع ، ليكمل أجر يعقوب ومحنته ، ويتبين سبب محبّته ليوسف ، وتتفسّر الرّؤيا الأولى ، بسجود أحد عشر كوكبا له.

وقال يوسف لفتيانه ، أي لغلمانه وخدمه : (اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها) أي اجعلوا البضاعة التي اشتروا بها الطعام ، وقدموا بها للميرة ، معاوضة أو بيعا ، في أمتعتهم التي لهم من حيث لا يشعرون ، لعلهم عند رجوعهم إلى أهلهم وبلادهم يعرفون حق ردّها وتكرمتها ، فيرغبون فينا ، ويرجعون إلينا حينئذ ، أي بعد العودة إلى أهلهم وفتح أمتعتهم. والإنسان عادة يسرّ بأخذ الشيء مجانا ، وبردّ البضاعة التي دفعها ثمنا. وهذا إغراء واضح بالعودة ، وتحقيق للغاية الكبرى ، وهي لقاء يوسف مع جميع أسرته ، أبيه وخالته وإخوته. وهو أسلوب ناجح ، وعمل طيب ازدان به حسن الاستقبال والضيافة الكريمة ، والوداع المؤثر الذي لا ينسى ، من قبل يوسف عليه‌السلام لإخوته الكبار ، الذين أساؤوا إليه بإلقائه في البئر ، فقابل الإساءة بالإحسان ، وهو خلق الأنبياء والأصفياء والأولياء الكرام.

١٨٧

بنيامين مع إخوته إلى مصر

محنة جديدة يتعرّض لها يعقوب عليه‌السلام بإرسال ابنه الآخر بنيامين شقيق يوسف عليه‌السلام مع إخوته إلى مصر في الرحلة الثانية لجلب الطعام ، وربما كانت هذه المحنة أشدّ على يعقوب ؛ لأنه فقد الأنيس الجليس والحبيب الأثير من أولاده ، ولكن ليتم مراد الله وقدره والتسليم لحكمه ، ويتمهّد الطريق للقاء الأسرة الكريمة في بلاد مصر. وهذا ما قصّه القرآن الكريم في حديث مؤثّر محزن ، قال الله تعالى :

(فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) [يوسف : ١٢ / ٦٣ ـ ٦٦].

عرض إخوة يوسف على أبيهم في هذه المرة ما حدث معهم بكل أمانة وصدق مع عزيز مصر حين شراء القمح ، فقالوا له : يا أبانا منع عنا عزيز مصر إعطاء الطعام وكيله لنا في المستقبل ، فإن لم ترسل معنا أخانا بنيامين ، لا نكتل ، فأرسله معنا لجلب الطعام بقدر عددنا ، وإنا له لحافظون من كل مكروه وسوء في الذهاب والإياب ، فلا تخف عليه ، فإنه سيرجع إليك بمشيئة الله ، ونوفي للعزيز الذي أكرمنا بما شرط علينا.

قال يعقوب الشيخ الحزين عليه‌السلام المتألّم من فراق بنيامين ، لما رأى من المصلحة : كيف أئتمنكم عليه؟ وقد فعلتم بأخيه يوسف ما فعلتم ، وعاهدتموني

__________________

(١) أي إخوة يوسف.

(٢) رحالهم.

(٣) ما نطلب من الخير والإحسان بعد ذلك؟

(٤) نجلب لهم الطعام من مصر.

(٥) عهدا مؤكّدا باليمين.

(٦) تغلبوا.

(٧) مطلق رقيب.

١٨٨

وضمنتم حفظه ، ولكني مع قلة طمأنينتي ، أفوض أمري إلى الله ربّي ، وأثق به ، وأتوكّل عليه ، وهو أرحم الرّاحمين بي ، وسيرحم كبري وضعفي وتعلّقي بولدي ، وأرجو الله أن يرحمني بحفظه ، وأن يردّه علي ، ويجمع الشّمل. وهذا استسلام من يعقوب عليه‌السلام وتوكّل عليه ، وذلك موقف الأنبياء النابع من الإيمان العميق والاطمئنان لربّ العالمين ، وهو موقف يتأسى به أهل الإيمان.

وزاد الإغراء بإرسال بنيامين أن الإخوة لما فتحوا أمتعتهم وأوعية طعامهم ، وجدوا بضاعتهم من النقود ثمن الطعام قد ردّت إليهم ، وتلك فعلة يوسف عليه‌السلام الذي أمر بوضعها في رحالهم ، وقالوا على الفور : يا أبانا ماذا نريد زيادة على هذا الإكرام والإحسان من ملك مصر ، كما حدّثناك ، فما تعدّينا ، فكذبنا على هذا الملك ، ولا في وصف إجماله وإكرامه ، هذه البضاعة مردودة ، ونأتي بالميرة (الطعام) إلى أهلينا من مصر ، ونحفظ أخانا ، بنيامين بعنايتنا ورعايتنا ، فلا تخف عليه ، ونزداد مكيال بعير لأجله ، وذلك الحمل الزائد أمر يسير على هذا الحاكم السّخي ، الرّحيم إذا أخذنا أخانا معنا.

قال يعقوب مريدا التّوثق من أولاده ، وقد تذكر ماضي يوسف ومحنته : لن أرسل بنيامين معكم حتى تعاهدوني عهدا موثّقا باليمين ، لتعودنّ به على أي حال كنتم ، إلا في حال يمتنع ذلك عنكم بأن تهلكوا وتموتوا أو تغلبوا على أمركم وتقهروا جميعا ، ولا تقدرون على تخليصه ، فقوله سبحانه : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) لفظ عام لجميع وجوه الغلبة والقسر ، أي تعمّكم الغلبة من جميع الجهات ، حتى لا تكون لكم حيلة ولا وجه تخلّص ، وكأن هذا استشعار من بعد عما يتم ، ولكن لا بآلة ، وإنما بفيض النّبوة.

فلما آتوه ، أي عاهدوه وأعطوه موثقهم ، أي عهدهم المؤكد باليمين ، قال

١٨٩

يعقوب : الله على ما نقول جميعا وكيل ، أي شهيد رقيب ، حفيظ مطّلع ، وأفوض أمري إليه.

ويلاحظ أن يعقوب عليه‌السلام قد توثق في هذه القصة ، وأشهد الله تعالى ، ووصّى بنيه ، وأخبر بعد ذلك بتوكّله على الله ، ولكنه توكّل مقترن بالأسباب واتّخاذ الاحتياط والقيام بالواجب والسعي الداخل في حدود القدرة البشرية ، وتلك هي غاية التوكّل الصحيحة ، ومردّ الأمر في النهاية بعد السّعي إلى الله فاعل الأشياء ومحقّق النتائج بحكمة وإرادة وعدل.

وصيّة يعقوب لأولاده عند الدخول على حاكم مصر

تظلّ وصايا الأنبياء وسيرتهم نبراسا للقدوة الحسنة والسيرة العملية في حياة الإنسان ، لأنهم لا يفعلون شيئا إلا بوحي أو إلهام من الله تعالى ، ولا يكون توجيههم وتبليغهم دعوة الله وشرعه إلا لخير الإنسان وإسعاده ، وتحقيق أكبر نفع أو مصلحة له ، ولو على المدى البعيد ، فلا يكون النفع آنيا ، كما أن في هذا التوجيه النّبوي حماية للإنسان من ألوان المكاره والسوء ، وتجنّب الوقوع في المهاوي والعثرات والمزالق ، وهذا لون مرغوب من الوصايا ، وهو وصية يعقوب لأولاده ، وهي الدخول من أبواب متفرقة ، ليروا مدى العناية والاستقبال لكل واحد منهم من حاكم مصر ، أو لئلا يحسدهم الحسّاد ، وترمقهم الأعين معجبين بالعدد الكثير من الإخوة والرجال. قال الله تعالى مخبرا عن هذه الوصية :

(وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها

١٩٠

وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨)) [يوسف : ١٢ / ٦٧ ـ ٦٨].

روي أن أولاد يعقوب ، لما ودّعوا أباهم ، قال لهم : «بلّغوا ملك مصر سلامي ، وقولوا : إن أبانا يصلّي عليك ، ويدعو لك ، ويشكر صنيعك معنا». والصلاة معناها هنا الدعاء بالرّفعة والمنزلة العالية وبالمغفرة والفضل الإلهي.

وقال يعقوب لأولاده : يا بنيّ لا تدخلوا مصر من باب واحد ، وادخلوا من أبواب متفرقة ؛ لأنهم كانوا أهل جمال وكمال ، لئلا تصيبهم العين ، والعين قد تكون سببا في المهالك.

أخرج الإمام أحمد بسند صحيح : «العين حقّ» أي شيء ذو أثر موجود عند الناس ، وفي خبر آخر : «إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر» (١). والعين لا تضرّ إذا برّك العائن ، فيقول : تبارك الله أحسن الخالقين ، اللهم بارك فيه. وإذا أصاب العائن ولم يبرك ، يؤمر بالاغتسال ، ويجبر على ذلك إن أباه.

وتابع يعقوب وصيته ومفادها : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ..) الآية ، أي وما أدفع عنكم بوصيتي وتدبيري من قضاء الله شيئا ؛ لأنه لا يغني حذر من قدر ، وإن كنا مأمورين باتّخاذ وسائل الحيطة والحذر ، لقوله تعالى : (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) [النّساء : ٤ / ١٠٢] أخذا بالأسباب العادية الظاهرية ، وليس دفعا للقدر ، وتحدّيا للقضاء. ويظل إنفاذ الحكم وتدبير الأمر لله وحده ، لذا قرن يعقوب كلامه السابق : بأن الحكم لله وحده ، وعليه وحده توكّلت ، وبه وثقت ، وعليه تعالى فليتوكل المتوكلون ، دون أن يعتمدوا في تحقيق النتائج على أنفسهم وأمثالهم من البشر ذوي الإمكانات المحدودة والقدرات البسيطة أمام قدرة الله الفائقة.

__________________

(١) ذكره ابن حبّان في المجروحين والقيسراني في تذكرة الموضوعات.

١٩١

ولما دخل أولاد يعقوب مصر التي كان لها أبواب أربعة ، من حيث أمرهم أبوهم ، من أبواب متفرقة ، ما كان توجيه يعقوب على هذا النحو يفيدهم شيئا قطّ ، إذا أصيبوا بسوء ، ولا يردّ عنهم قدرا ؛ لأنه لو قضي أن تصيبهم عين ، لأصابتهم مفترقين أو مجتمعين. وإنما طمع يعقوب أن تصادف وصيته ورجاؤه قدر السلامة ، فوصّى ، وأن يظهر شيئا في نفسه ، وهي شفقته عليهم ، وتلك رغبة أو حاجة ذاتية في نفس يعقوب أراد إظهارها.

ثم أثنى الله عزوجل على يعقوب بأنه لقّن ما علّمه الله من هذا المعنى ، وهو يعلم بأن الحذر لا يمنع من القدر لتعليم الله إياه بالوحي ، ولكن أكثر الناس وهم المشركون والكفار لا يعلمون ذلك ، أي لا يعلمون مثل ما علم يعقوب عليه‌السلام ، ولا يدركون كيف أرشد الله أولياءه إلى العلوم التي تنفعهم في الدنيا والآخرة ، ومن تلك العلوم : الأخذ بالأسباب الظاهرة ، وتفويض الأمر لله تعالى.

والخلاصة : نحن البشر مأمورون باتخاذ الاحتياطات والأسباب الظاهرية ، ونفوّض الأمر في تحقيق النتائج إلى الله تعالى ، مع ثقتنا التامّة بعدله وفضله ورحمته وإحسانه ، ومع توكلنا عليه سبحانه في إنجاز الأمور وتفويض المشيئة لله تعالى.

لقاء الأخوين يوسف وبنيامين

لم يطلب يوسف عليه‌السلام الإتيان بأخيه بنيامين إلا لإبقائه عنده ، تمهيدا لجمع الشّمل ولمّ الأسرة ، والعيش مع الشيخ الكبير يعقوب عليه‌السلام الذي اعتصر الأسى قلبه بفقد يوسف ، ثم تلاه بنيامين. وتمت الخطة بكيد يسّره الله ليوسف عليه‌السلام ، واستسهل الأمر على ما فيه من رمي أبرياء بالسرقة ، وإدخال الهمّ على

١٩٢

يعقوب عليه‌السلام وعليهم ، لما علم في ذلك من الصلاح في الآجل ، وبوحي لا محالة ، وإرادة من الله محنتهم بذلك. وهذا محكي في القرآن ، قال الله تعالى :

(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) (٨) (٩) [يوسف : ١٢ / ٦٩ ـ ٧٦].

هذا ما حدث في الرحلة الثانية لأولاد يعقوب من فلسطين إلى مصر لجلب الطعام ، فقد ضمّ يوسف عليه‌السلام أخاه بنيامين واختلى به ، وأطلعه على شأنه ، وعرفه أنه أخوه ، وقال له : لا تبتئس أي لا تأسف ولا تحزن على ما صنعوا بي ، وأمره ألا يطلع إخوته على ما أسرّ به إليه ، وتواطأ معه أن يبقيه عنده معزّزا مكرّما.

فلما جهّزهم يوسف بجهازهم ، أي لما أعدّ لهم الطعام ، وحمّل لهم أبعرتهم طعاما ، أمر بعض فتيانه (غلمانه أو خدمه) أن يضع السّقاية (الصّواع أو مكيال الطعام من فضة أو ذهب) في رحل أخيه بنيامين ، دون علم أحد.

__________________

(١) ضمّ إليه شقيقه بنيامين.

(٢) فلا تحزن.

(٣) المراد به مكيال الطعام ، وهو صواع الملك.

(٤) نادى مناد.

(٥) القافلة.

(٦) مكياله.

(٧) كفيل.

(٨) أي علمناه الحيلة وأوحينا إليه طريقة أخذ أخيه.

(٩) أي قانونه ونظامه.

١٩٣

ثم أذّن مؤذّن ، أي نادى مناد حينما عزموا على الخروج : أيتها العير ، أي يا أصحاب العير ، إنكم قوم سارقون ، فقفوا ، فبهتوا وذهلوا. ثم التفتوا للمنادي ، وقالوا : أي شيء تفقدونه؟ فأجابوهم : نفقد صواع الملك الذي يكيل به ، ولمن أتى به حمل بعير من القمح ، وأنا به زعيم ، أي كفيل ضامن. مما يدلّ على مشروعية الجعالة أو الوعد بالجائزة.

قال إخوة يوسف بعد اتّهامهم بالسرقة : والله لقد خبرتمونا في المرة الأولى ، وعلمتم علم اليقين أننا ما جئنا لنفسد في أرضكم بالسرقة أو غيرها من التّعدي على حقوق الناس ، ولم نكن يوما ما سارقين ، فليست سجايانا على هذه الصفة.

فقال فتيان يوسف : فما جزاء السارق إن كان فيكم ، إن كنتم كاذبين في نفي التّهمة عنكم؟ فأجابوا : جزاؤه في شرعنا أخذ من وجد في رحله ، ومثل هذا الجزاء نجزي الظالمين للناس بسرقة أموالهم في شريعتنا أن يسترقّوا ، أي أن يتملّك السّارق كما تملك هو الشّيء المسروق. وهي شريعة إبراهيم ويعقوب عليهما‌السلام ، وهذا مراد يوسف. وإتماما لتنفيذ الخطة ، بدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه للتورية وحتى لا يتّهم ، ثم استخرج السّقاية من وعاء أخيه بنيامين ، فأخذه منهم بمقتضى اعترافهم ، وإلزاما لهم بمقتضى شريعتهم.

ومثل ذلك الكيد ، أي التدبير الخفي ، كدنا ليوسف ، أي دبّرنا له في الخفاء ، وأوحينا إليه أن يفعل لأخذ أخيه ، وهذا من الكيد المشروع ، لما فيه من المحبة والمصلحة المطلوبة ، وهي حيلة مشروعة ، يترتب عليها خير ومصلحة في المستقبل ، دون إضرار أحد. ولولا هذا التدبير ما كان يتمكّن يوسف عليه‌السلام من أخذ أخيه في نظام أو قانون ملك مصر ، الذي لا يبيح استرقاق السارق ، وكان يوسف يعلم بشريعة يعقوب ، فما كان ليأخذ أخاه في نظام الملك في حال من الأحوال إلا في حال

١٩٤

مشيئة الله ، فإنه فعل ذلك بإذن الله ووحيه ، مما يدلّ على أن تلك الحيلة مشروعة مأذون بها من الله العلي الحكيم.

وفوق كل عالم من هو أعلم منه ، والمعنى : أن البشر في العلم درجات ، فكل عالم لا بدّ من وجود من هو أعلم منه ، فإما من البشر ، وإما الله عزوجل. قال الحسن البصري : ليس عالم إلا فوقه عالم حتى ينتهي إلى الله عزوجل. فإذا كان إخوة يوسف علماء ، فإن يوسف كان أعلم منهم.

الحوار الحادّ

بين يوسف وإخوته ، وبينهم وبين أبيهم

تفجّرت الأزمة الخانقة بين أولاد يعقوب في مصر ، وبينهم وبين أبيهم في فلسطين ، ووقعوا في كمين أو فخ شائك ، وظهرت الطبائع على حقيقتها ، بالرغم من كون الأولاد أبرياء من السرقة ، والملك يعرف ذلك. لكن الحادث أغاظهم ، وبدأت الاتّهامات الباطلة ومخاوف اللقاء مع الأب ، وما يتعرّض له من ألم وأسى جديد حين عودتهم من دون بنيامين. فما ذا فعلوا في ساحة الاتّهام؟ قال الله تعالى واصفا وقائع الحوار وصدمة يعقوب وشكواه إلى الله وصبره.

(قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا (١) (٢) (٣)

__________________

(١) نعتصم بالله.

(٢) يئسوا من إجابته.

(٣) انفردوا عن الناس يتناجون ويتشاورون.

١٩٥

قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠) ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦) يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) (٨) (٩) (١٠) [يوسف : ١٢ / ٧٧ ـ ٨٧].

عبّر إخوة يوسف عن طبعهم ونظرتهم السّيئة نحو يوسف ، فاتّهموه بالسّرقة وهو صغير ، وأن الأخوين سارقان ، فقالوا : إن يسرق بنيامين الصواع ، فقد سرق أخوه يوسف من قبل ، فهما في العادة والطبع سواء. وقصة سرقة يوسف في الصغر : أن عمته ربته ، فلما شبّ أراد يعقوب أخذه منها ، فولعت به ، وأشفقت من فراقه ، فأخذت منطقة إسحاق المتوارثة عندهم ، فنطّقته بها من تحت ثيابه ، ثم صاحت وقالت : إني قد فقدت المنطقة ، ويوسف قد خرج بها ، ففتّش فوجدت عنده ، فاسترقّته ـ حسبما كان في شرعهم ـ وبقي عندها حتى ماتت ، فصار عند أبيه.

فأسر يوسف الحزازة التي حدثت في نفسه من قولهم ، ولم يظهر ما في نفسه من مؤاخذتهم بمقالتهم ، بل صفح عنهم ، وقال لهم في نفسه دون إعلان : أنتم شرّ مكانا

__________________

(١) القافلة.

(٢) زيّنت.

(٣) يا حزني الشديد.

(٤) أصابتها غشاوة.

(٥) مملوء غيظا على أولاده.

(٦) لا تفتأ ولا تزال.

(٧) مشرفا على الهلاك.

(٨) أشدّ غمي.

(٩) تعرفوا عنه.

(١٠) رحمته وفرجه.

١٩٦

ومنزلة ممن تتهمونه بالسّرقة ؛ لأنكم سرقتم أخاكم من أبيكم ، وطرحتموه في البئر ، لإهلاكه والتخلص منه. والله أعلم بما تذكرون وتصفون.

ثم استشفعوا لدى يوسف قائلين : يا أيها العزيز ، إن له أبا شيخا كبيرا ، هرما ، يحب هذا الولد حبّا شديدا ، فخذ أحدنا بدله ، إنا نراك من المحسنين لنا في عطائنا وضيافتنا ، بل وفي جميع أفعالك معنا ومع غيرنا.

قال : نعوذ بالله ونلجأ إليه أن نأخذ غير من وجدنا الصواع عنده ، فإنا إن فعلنا ذلك كنا من جملة الظالمين ، لأن ذلك أخذ بريء بمتهم. والمراد أن الله أمرني بما فعلت ، واحتبست بنيامين لمصلحة في ذلك.

فلما يئس إخوة يوسف من إطلاق سراح أخيهم بنيامين الذي التزموا وعاهدوا أباهم أن يردوه إليه ، اعتزلوا الناس يناجي بعضهم بعضا ، فقال كبيرهم شمعون رأيا وتدبيرا وعلما ، وإن كان روبيل أسنّهم : ألم تعاهدوا أباكم بردّ بنيامين ، وكنتم سابقا قد فرطتم بيوسف ، فلن أغادر أرض مصر أبدا ، حتى يأذن لي أبي ، أو يحكم الله لي بأن يمكنني من أخذ أخي بنيامين ، والله خير الحاكمين بالحق والعدل ، ارجعوا إلى أبيكم ، وقولوا له : يا أبانا لقد سرق ابنك صواع الملك ، فاسترقّه عزيز مصر ، وما شهدنا عليه بالسرقة إلا بما علمناه وشاهدناه ، ولم نعلم بالغيب أنه سيسرق حين أعطيناك الميثاق بردّه. واسأل يا أبانا أهل القرية التي كنا فيها وهي مصر ، واسأل أصحاب العير الذين كانوا يأتون بالميرة (الطعام) معنا ، ونحن صادقون فيما أخبرناك به.

قال يعقوب : بل زيّنت لكم أنفسكم أمرا آخر أردتموه ، وكيدا جديدا فعلتموه ، فأصبر صبرا جميلا : وهو الذي لا جزع ولا شكاية فيه لأحد غير الله ، لعل الله أن يأتيني بأولادي الثلاثة جميعا ، إن الله عليم بحالي ، حكيم في فعله وقضائه وقدره. وأعرض بوجهه عن أولاده وجعل يتفجع ويتأسّف ، وأصيبت عيناه بغشاوة بيضاء

١٩٧

حجبت الرؤية بسبب الحزن الشديد ، ولكنه كظم غيظه ، وحبس همه في نفسه وصدره ، فقال أولاده له : والله لا تزال تذكر يوسف ، حتى تقع في مرض مشرف على الهلاك ، أو تكون من الهالكين الميتين. قال : لا أشكو بثّي أي ما انطوت عليه نفسي ، وحزني إلا إلى الله وحده ، وأعلم من الله ما لا تعلمون ، أي أرجو منه كل خير وفضل. يا أولادي ، اذهبوا إلى مصر ، وتعرّفوا أخبار يوسف وأخيه بنيامين ، ولا تيأسوا من رحمة الله وفرجه ، إنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون الجاحدون قدرة الله وحكمته ورحمته.

لقاء التّعارف الفريد

لقد نجحت خطة يوسف عليه‌السلام في استدراج مجيء إخوته وأسرته مرة بعد مرة ، فهو بتعليم الله له وإرشاده ، يسير على خطة محكمة ، ومنهج متقن ، وإخوته لجهلهم وتفريطهم وتآمرهم السابق على يوسف ، لم يدركوا شيئا من هذه الخطة إلا في مرة ثالثة قدموا بها من فلسطين إلى مصر ، وبعد أن رقّ قلب يوسف لاستعطافهم واسترحامهم ، وحدثت المفاجأة العجيبة حيث عرّفهم يوسف بنفسه ، وتم اجتماع الإخوة الاثني عشر في بيت يوسف وسلطانه ، فاعترفوا بالذنب السابق ، وقابلهم يوسف النّبي بالعفو والصفح عنهم ، وتجدد الحبّ الأخوي ، وتهيأ الجو لاستقبال الوالد يعقوب عليه‌السلام. قال الله تعالى واصفا هذا اللقاء الأخوي والتعارف الفريد في التاريخ :

(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ (١) (٢)

__________________

(١) الهزال من شدّة الجوع.

(٢) بأثمان رديئة كاسدة.

١٩٨

لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣)) (١) (٢) (٣) [يوسف : ١٢ / ٨٨ ـ ٩٣].

أمر يعقوب عليه‌السلام أن يذهب أولاده إلى أرض مصر التي جاؤوا منها ، وتركوا أخويهم : بنيامين وروبيل ، وأن يستقصوا أخبار يوسف وأخيه ، فساروا من أرض الشام ووصلوها ، فلما دخلوا على يوسف عليه‌السلام أرادوا اختباره وإثارة عواطفه بذكر سوء حالهم وتضرّعهم له ، وكان أبوهم يرجح أن هذا العزيز في مصر هو يوسف ، فقالوا له : أيها العزيز العادل الرحيم ، قد مسّنا وأهلنا الضّرّ ، أي الجوع والمسغبة التي كانوا بسبيلها ، ووضع أخيهم الذي أهمّ أباهم وغمّ جميعهم ، وجئنا ببضاعة مزجاة ، أي قطعة من المال ناقصة غير تامة ، يتسامح في أخذها ، وهي قليلة لا تروج إلا بالدفع وطول العرض وحسنه. فإن الدراهم المدفوعة إذا كانت نازلة القدر تحتاج أن يعتذر معها ويشفع لها ، فهي مزجاة ، فأتم لنا الكيل كما كنت تفعل ، فقد عودتنا الجميل ، وتصدّق علينا بالزائد ، إن الله يجزي المتصدقين ، ويكافئهم على أعمالهم. وكانت الصدقة بالفرق بين الدراهم الجياد وهذه المزجاة. وقالوا هذا تجوّزا واستعطافا منهم في البيع.

فقال يوسف عليه‌السلام لما أخبروه بما مسّهم وأهلهم الضّرّ ، واستعطفوه ، فرقّ قلبه ورحمهم ، قال لهم مستفهما عن استقباح فعلهم السابق بيوسف : هل علمتم قبح

__________________

(١) فضّلك الله علينا.

(٢) لا لوم عليكم.

(٣) مبصرا من شدّة السرور.

١٩٩

ما فعلتم بيوسف وأخيه بنيامين من التفريق بينهما في الصّغر ، وألقيتم يوسف في البئر وعرضتموه للهلاك ، وما عاملتموه به من معاملة خشنة قاسية ، حال كونكم جاهلين قبح ما فعلتم ، من عقوق الوالدين ، وقطيعة الرحم والقرابة ، وذلك جهل المعصية ، أو جهل الشباب وقلّة الحنكة ، وكأنه ببشره وتبسّمه لقّنهم الجواب ، وقرّبهم من الظّن القوي أنه يوسف.

فخاطبوه مستفهمين استفهام تقرير وتثبّت ومعرفة : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) فقد عرفوه بعلامات كانت فيه. فقال على الفور : أنا يوسف المظلوم العاجز الذي نصرني الله ، وحفظني ، وصيّرني إلى ما ترون ، وهذا أخي بنيامين الذي فرّقتم بيني وبينه ، فكان مظلوما أيضا كما كنت ، ثم صار منعما عليه من قبل الله تعالى ، كما ترون. قد أنعم الله علينا بالاجتماع ، بعد الفرقة وبعد طول المدة ، وأعزّنا في الدنيا والآخرة ، إنه من يتق الله في ترك المعصية ، ويصبر على المحن التي يتعرّض لها كالرّمي في البئر والسجن ، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا في الدنيا والآخرة. وهذه شهادة من الله عزوجل بأن يوسف من المتقين الصابرين المحسنين.

أجابوه إعلانا للحق واعترافا له بالفضل : والله لقد فضّلك الله علينا ، وآثرك بالعلم والحلم والخلق ، والسلطان والسعة ، والنّبوة والرّسالة ، وإن كنا مخطئين مذنبين في حقّك ، فقال يوسف بعد هذا الاعتذار والتوبة ، معلنا الصفح والعفو عنهم : لا لوم ولا تعيير ولا توبيخ أو تأنيب لأحد منكم فيما صنعتم ، يغفر الله لكم ذنوبكم وظلمكم ، وهو أرحم الراحمين لمن تاب إليه وأناب إلى طاعته. وهذا مثل عال في العفو الجميل والصفح الكريم ، فعل نبينا عليه الصّلاة والسّلام مثله مع أهل مكة بعد فتحها ، مستشهدا بقول يوسف نفسه.

ثم جاءت معجزة القميص ، قال يوسف لإخوته : اذهبوا بقميصي هذا ، فألقوه على

٢٠٠