التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٢

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0522-5
الصفحات: ٣٩٢

والنعمة على يوسف : تخلصه من السجن وعصمته ، والملك الذي نال ، وعلى إبراهيم : اتّخاذه خليلا ، وعلى إسحاق : فديته على قول ضعيف بالذّبح العظيم ، مضافا ذلك كله إلى النّبوة.

مؤامرة إخوة يوسف

إن ضعف الإنسان وعجزه ، وقلقه ومخاوفه ، وحرصه على حبّ الذات والظفر بأعظم المغانم وأكثرها ، يجعله يقع في أحوال لا تتفق مع أصول الأخلاق ، ولا تنسجم مع الطبائع السوية. وهكذا كانت تصرفات إخوة يوسف معه مثلا غريبا في الكيد والحسد والتآمر الدنيء ، فلم يتورعوا أن عرّضوا أخاهم للموت البطيء ، أو القتل بالتسبب ، فتآمروا على إلقائه في بئر ، فإما أن يموت أو يلتقطه مسافر ، فيجعله عبدا خادما لسيّده ، وينتهي في كلا الحالين وجوده. وهذا تصوير المؤامرة ، قال الله تعالى :

(لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧). [يوسف : ١٢ / ٧ ـ ١٠].

والمعنى : تالله ، لقد كان في قصة يوسف مع إخوته لأبيه آيات وعبر وعظات للسائلين الذين سألوا عنهم ، دالّة على قدرة الله تعالى وحكمته في كل شيء ، ودالّة

__________________

(١) جماعة أكفياء للمحافظة عليه.

(٢) خطأ بيّن في إيثاره علينا.

(٣) ألقوه في أرض بعيدة.

(٤) يخلص لكم حبه.

(٥) توجهه وإقباله عليكم.

(٦) ما غاب من قعر البئر.

(٧) المسافرين.

١٦١

على صدق الرسول يوسف وغيره ، وموضحة عاقبة البغي عليه وصدق رؤياه وصحة تأويله ، فذلك خبر عجيب يستحق الإخبار عنه.

قال إخوة يوسف : والله ليوسف وأخوه بنيامين شقيقه أحبّ إلى أبينا منا ، وهما صغيران ، ونحن رجال عشرة ، جماعة تضرّ وتنفع ، وتحمي وتخذل ، أي لنا كانت تنبغي المحبة والمراعاة ، إن أبانا لفي خطأ واضح ، مجاف للصواب ، بإيثار يوسف وأخيه علينا بالمحبة ، وتركه العدل والمساواة في المحبة ، فكيف يفضّل ولدين صغيرين ضعيفين ، لا كفاية فيهما ولا منفعة ، على رجال أشداء ، وكيف يحب الاثنين أكثر من الجماعة؟!

وهذا خطأ منهم ؛ لأن يوسف وأخاه صغيران يتيمان ، ماتت أمهما ، والأب عادة يعطف على الصغير حتى يكبر ، وعلى المريض حتى يشفى ، وعلى الغائب حتى يعود. فهم لم يدركوا أسباب هذه العاطفة ، وبيّتوا مؤامرة.

وهي أن بعضهم قال : اقتلوا يوسف حسما للمشكلة ، أو أبعدوه وانبذوه في أرض مجهولة عن العمران ، فلا يستطيع الرجوع إلى أبيه ، وتتمحض محبّة أبينا لنا ، ونكون بعد قتله أو طرحه أرضا قوما تائبين إلى الله من جنايتنا عليه ، وهذا هو الأظهر من اللفظ ، وهو قول الجمهور في أن المراد من قولهم : (قَوْماً صالِحِينَ) معناه التوبة.

فقال أكبرهم سنّا وهو روبيل ، أو أحلمهم وهو يهوذا ، أو أشجعهم وهو شمعون :

لا تقدموا على قتل يوسف ، فإن القتل جريمة عظيمة ، وهو أخوكم ، ولكن ألقوه في أسفل البئر ، يلتقطه بعض المسافرين الذين يسيرون في الأرض للتجارة ، فتستريحوا منه بهذا ، ويتحقق غرضكم وهو إبعاده عن أبيه ، ولا حاجة إلى قتله ، إن كنتم فاعلين ، أي عازمين على ما تقولون ، وفاعلين ما هو الصواب ، فهذا هو الرأي.

١٦٢

تمثّل هذه المؤامرة الطبيعة البشرية الدنية ، فهؤلاء الإخوة دفعهم البغض والحسد والغيرة ، على الإقدام على جريمة القتل أو التعريض للخطر ، حرصا على المصلحة الذاتية ، علما بأن الأب يعقوب عليه‌السلام لم يفضّل يوسف وأخاه إلا في المحبة ، والمحبة أمر قلبي ليست في طاقة البشر ، فيكون معذورا فيها غير ملام عليها.

وأخطأ الإخوة إذ قالوا : نرتكب الجناية ثم نتوب ، على شاكلة ما يفعله بعض الجهلة الطائشين الذين يقدمون على المعصية عمدا ، ثم ينوون التوبة ، وهذا عمل طائش وفعل يعدّ مهزلة واستهزاء وتهورا ، لأن قبول التوبة لا يكون لمن صمم على الجناية ، وتوغّل في سوئها وفحشها ، وتعمد ارتكابها.

وأخطأ الإخوة أيضا حين اتفقوا على قطيعة الرحم ، وقسوة الفعل بأخيهم ، وقلة الرأفة ، وعقوق الوالد ، وهم يعلمون أن أباهم يعقوب من الرسل الكرام ، وربما يطلعه الله على فحش فعلهم وسوء صنيعهم. إنهم في الواقع كانوا متهورين ، عميا عن تقدير النتائج ، قصيري النظر ، سذّجا في التفكير ، بل كانوا قساة القلوب ، عصاة للرّب ، مسيئين للوالد الشيخ الكبير إساءة بالغة.

تنفيذ إخوة يوسف مؤامرتهم

تدارس إخوة يوسف فيما بينهم في أسلم الطرق التي ينجحون فيها في تنفيذ مؤامرتهم ، حول أخيهم يوسف عليه‌السلام ، والحاجز الوحيد أمامهم هو كيفية خداع أبيهم يعقوب عليه‌السلام ، فتظاهروا مكرا بمحبته ومؤانسته لأخذه معهم ، وأظهروا استعدادهم للحفاظ عليه ، وقوتهم في الدفاع عنه ، وأنهم قادرون على حراسته وحمايته من الذئب المفترس. ولما ألقوا يوسف في البئر وعادوا ، زعموا أن الذئب أكله ، ولطّخوا قميصه بدم كذب ، فما انطلت الحيلة على أبيهم يعقوب ،

١٦٣

وادّرع بالصبر واستعان بالله تعالى على ما وصفوا من أكاذيب. قال الله تعالى مصوّرا هذه الفعلة الشنيعة :

(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) [يوسف : ١٢ / ١١ ـ ١٨].

هذا النّص القرآني واضح كل الوضوح ، ولكنا نستلهم منه مواقف معينة وأخلاقا بشرية ملتوية ، لا يرضاها أحد من البشر الأسوياء ، وتسخط المولى عزوجل. أظهر إخوة يوسف أنهم ناصحون لأخيهم مشفقون محبّون للخير ، فلم لا يرسله أبوه معهم للهو والتسلية ، وتناول طيبات الفاكهة والبقول. وكان هذا التظاهر بالحبّ والشفقة وإعطاء العهد بالمحافظة عليه ، في مقابل معرفتهم أن أباهم يحبّ يوسف ، وأن هذا الحبّ يغضبهم ، فما كان يطمئن لهم ، وهم يعرفون حرص أبيهم على يوسف.

فبادرهم الأب الشيخ الكبير بإبداء المخاوف وإظهار الحزن على أخذهم يوسف للنزهة والاستجمام ، واحتمال أكل الذئب له ، فأجابوه بأساليب المكر والخداع بأنهم

__________________

(١) يتوسع في المآكل الطيبة.

(٢) يسابق ويلهو بالسهام ونحوها.

(٣) عزموا.

(٤) في قعر البئر.

(٥) نتسابق في رمي السهام.

(٦) زيّنت وسهّلت.

١٦٤

جماعة عشرة من الرجال الأشداء الأقوياء ، فكيف يعجزون عن مقاومة الذئاب والوحوش الضارية؟!

تضمن اعتذار يعقوب عليه‌السلام أمرين : أن فراقه يوسف مما يحزنه ، وخوفه عليه من الذئب إذا غفلوا عنه أثناء لهوهم. وكأنه لقّنهم الحجة والجواب ، فلا يليق بهم التفريط بأخيهم ، ولو حدث ذلك لكانوا خاسرين أي هالكين عاجزين ، لا خير فيهم ولا نفع.

ولكنهم غفلوا عن إحاطة علم الله بأحوالهم ، وحدثت المفاجأة أنهم لما صمموا على إلقاء يوسف في الجبّ ، أي البئر المعروف لديهم ، أوحى الله ليعقوب أنه ليخبرنهم بما فعلوا ، وهم لا يشعرون بما أوحى الله لنبيّه ، لهول الموقف ، وقصر نظرهم ، وقلّة وعيهم ومعرفتهم.

وينتهي المشهد المخزي والمفضوح ، ويعود الإخوة الجناة في آخر اليوم إلى أبيهم ، منتحلين الأعذار الكاذبة والواهية معا ، فتباكوا في العشاء بالدموع الكاذبة ، وكذبوا على أبيهم يعقوب أنهم أثناء لعبهم وتسابقهم وتركهم يوسف حارسا عند أمتعتهم ، ودلّت أقوالهم بنحو سافر على كذبهم وسخفهم ، وزعموا أن الذئب المفترس أكل أخاهم ، وأحسّوا ضمنا بالكذب حين قالوا لوالدهم : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ) ـ أي مصدق ـ (لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) قال المبرد : كأنهم أخبروا عن أنفسهم أنهم صادقون في هذه النازلة ، فهو تماد منهم في الكذب.

وزادوا في التدليس والتمويه أنهم كما روي : أخذوا سخلة (ولد ضأن) أو جديا ، فذبحوه ولطّخوا به قميص يوسف ، وقالوا ليعقوب : هذا قميصه ، فأخذه ولطّخ به وجهه وبكى. ثم تأمّله ، فلم ير خرقا ولا أثر ناب ، فاستدلّ بذلك على كذبهم ، وقال لهم : متى كان الذئب حليما ، يأكل يوسف ، ولا يخرق قميصه؟ وهذا دليل على أن

١٦٥

القرائن والأمارات معتبرة في الفقه والقضاء. وقوله تعالى : (بِدَمٍ كَذِبٍ) أي بدم ذي كذب ، أو مكذوب عليه.

فقال يعقوب لهم : بل زيّنت لكم أنفسكم السّيئة أمرا منكرا غير ما تصفون وتذكرون ، فسأصبر صبرا جميلا على هذا الأمر الذي اتّفقتم عليه ، وأستعين بالله على وصفكم ، حتى يأتي الفرج ويزول الكرب. وهذا تسليم لأمر الله تعالى وتوكل عليه. والصبر الجميل : هو الذي لا شكوى معه. والصبر مفتاح الفرج ، وطريق التغلب على المصاعب والمشاق والأزمات.

نجاة يوسف من الهلاك في البئر

يخطئ البشر كثيرا حين يظنون أن تدابيرهم وخططهم لا تصطدم بشيء أقوى منهم ، وبتدبير أحكم وأنفذ ، فإن قدرة الله وإرادته وتدابيره تحيط بكل شيء ، ولا يتحقق أمر في الكون إلا بمراد الله ، فإرادته هي النافذة ، ومشيئته هي الغالبة ، وتدبيره هو المحكم ؛ لأنه القابض المهيمن على مقاليد السماوات والأرض. وهكذا خطّط إخوة يوسف للتخلص نهائيا من أخيهم ، فباؤوا بالخيبة والفشل ؛ لأن الله تعالى هو الإله القادر المنفّذ لما يريد ، قال الله تعالى واصفا كيفية نجاة يوسف عليه‌السلام من الموت في البئر المظلمة العميقة :

(وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦)

__________________

(١) رفقة مسافرون من مدين لمصر.

(٢) الوارد : هو الذي يأتي الماء ليسقي منه لجماعته ، وهو إما واحد أو جماعة.

(٣) أرسلها في البئر ليملأها ماء.

(٤) أخفوه عن الرفقة ، وجعلوه بضاعة للتجارة أي متاعا.

(٥) باعوه.

(٦) منقوص.

١٦٦

وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠) وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢)) (١) (٢) (٣) [يوسف : ١٢ / ١٩ ـ ٢٢].

قدّر الله تعالى ألا تطول غربة يوسف ومأساته ووحشته في البئر ، فمرّت سيارة ، أي قوم مسافرون معا من مدين إلى مصر ، وأشدّ ما يحتاج إليه المسافرون عبر الصحراء والمسافات البعيدة هو الماء ، فأرسلوا من يستقي لهم الماء من بئر وجدوها في الطريق في الأردن ، على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب (أي حوالي ١٥ كم) ، فألقى دلوه في البئر ليملأها ، فتدلى بها يوسف وتمسّك بالحبل ، وصعد مع حبل الدلو ، فقال الوارد المستقي المدلي مبشّرا نفسه وقومه : يا بشارتنا العظمى ، يا بشراي ، هذا غلام ، وكان يوسف يومئذ ابن سبع سنين ، فحملوه مع قافلتهم ، وأخفوا أمره عن الرفاق المسافرين ، جاعليه متاعا للتجارة ، والله عليم بأفعالهم ، لم يخف عليه إسرارهم في أنفسهم أنهم يتّخذونه بضاعة لأنفسهم. وفي ذلك تنبيه على إرادة الله تبارك وتعالى ليوسف ، وسوق الأقدار بحسب بناء حاله ، كما قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما جاء في حلية الأولياء ٨ / ٣٣٩ : «يقدّر المقدرون ، والقضاء يضحك». وفي ذلك إيناس أيضا للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما يجري عليه من جهة قريش ، فإن العاقبة التي هي للمتقين هي المراعاة والمنتظرة.

وباعوا الغلام الجميل الحدث في مصر بثمن قليل ناقص عن ثمن المثل من الدراهم المعدودة عدّا ، لا وزنا ، وكانوا لا يزنون إلا ما بلغ الأوقية (أربعين درهما) فما فوقها. وكانوا في هذا البيع من الزاهدين ، أي الراغبين عنه الذين لا يعرفون قدره ،

__________________

(١) لا يغلبه شيء.

(٢) منتهى القوة والجسم وهو سنّ الأربعين.

(٣) نبوة وحكمة : وهي الفهم ومعرفة الأسرار.

١٦٧

ويودّون التّخلص منه بأي حال ، دون أن يعلموا منزلته عند الله تعالى ، وقد اشتراه عزيز مصر رئيس الشرطة ، واسمه (قطفير) كما قال ابن عباس.

وقال العزيز الذي كان واليا على خزائن الأرض ، والذي اشتراه من مصر ، لامرأته زليخة : أكرمي مقامه عندنا ، يجعل مقامه حسنا مكرّما ، أي أحسني تعهده ، فلا يكون عبدا ، عسى أن ينفعنا في ثروتنا ومصالحنا ، أو نتبنّاه ولدا ، لأنه كان عقيما ، لما تفرّس به من الرشد وملامح النجابة والذكاء.

وإرادة الله ورعايته تحوط يوسف عليه‌السلام ، فكما نجاه الله من القتل والبئر ، وعطّف عليه قلب العزيز ، مكّن له في أرض مصر ، وجعل له مكانة رفيعة فيها ، حتى تولى الحكم فيها إداريا وماليا ، وعلّمه أيضا كيفية تأويل الأحاديث ، أي الرؤيا في النوم ، والله سبحانه هو الغلّاب القهّار ، لا يعجزه شيء فلا يمنع عما يشاء ، ولا ينازع فيما يريد.

ولما بلغ يوسف أشدّه ، أي استكمل القوة والرجولة وتناهت بنيته ، وكملت قواه الجسدية والعقلية ، وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين ، آتاه الله حكما أي حكمة وعلما ، وسلطانا في الدنيا ، وحكما بين الناس بالحق ، ومثل ذلك الجزاء الحسن ، يجزي الله الذين يحسنون لأنفسهم أعمالهم ، وهذا دليل على أن يوسف عليه‌السلام كان محسنا في عمله ، عاملا بطاعة الله تعالى ، فإحسان الجزاء له ، جزاء على إحسانه في عمله ، وتقواه في حال شبابه ، فإن للإحسان والاستقامة تأثيرا في صفاء النفوس والعقول ، كما أن للإساءة تأثيرا واضحا في تعكير النفوس وسوء فهم الأمور.

وما أجمل هذه الجملة (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ففيها وعد للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلا يهتم بفعل الكفرة به وتوهم عليه ، وفيها البشارة لكل محسن بعاقبة طيبة حسنة ، فالله تعالى يصنع للمحسنين أجمل صنع ، ويتوّجهم بفضله وكرمه ، ويفيض عليهم من خيراته ونعمه وإحسانه.

١٦٨

قصة يوسف مع امرأة العزيز

لقد أوتي يوسف عليه‌السلام نصف الجمال ، فكان بهي الطلعة ، جميل الوجه ، جذاب الشخصية ، حسن القامة والهيئة ، ففتنت به امرأة عزيز مصر ، وغازلته ولاطفته للوصول إلى غرض معين ، ولكن الله عصم نبيّه يوسف من الوقوع في الفاحشة ، ونجاه من الافتراء وسوء الاتّهام ، وحماه من تلفيق التهمة ، وأبعده عن مظانّ السوء ، والتصقت التهمة بامرأة العزيز ، وثبت الخطأ عليها. وهذا ما عبّر عنه القرآن المجيد بصورة قاطعة وبرهان حسّي عقلي ، فقال الله تعالى :

(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) (٨) (٩) [يوسف : ١٢ / ٢٣ ـ ٢٩].

تعرّض يوسف عليه‌السلام لمحنة خطيرة أشدّ من محنة إخوته ومؤامرتهم عليه بالقتل أو الإبعاد والضياع ، وتلك المحنة هي مراودة زليخة امرأة سيده العزيز وولي نعمته ، والمراودة : الملاطفة في التوصل إلى هدف أو غرض معين ، والمراد بها هنا :

__________________

(١) حاولت أن يواقعها.

(٢) أسرع.

(٣) ألتجئ إلى الله مما دعوتني إليه.

(٤) إقامتي وتكريمي.

(٥) المختارين لطاعتنا.

(٦) تسابقا إليه.

(٧) قطعته.

(٨) وجدا زوجها.

(٩) صبي في المهد أنطقه الله.

١٦٩

دعوته إلى مخالطتها ومواقعتها ، فبعد أن أغلقت الأبواب عليه ، قالت : هيت لك ، أي هلم أقبل وتعال وبادر إلى الوقاع ، فقال مستعينا بربّه : معاذ الله ، أي أعوذ بالله ، وألتجئ إليه أن أكون من الجاهلين ، إن سيدي ومالكي قطفير أحسن منزلي ومقامي ، فلا أقابله بالخيانة ، إنه لا يفلح الظالمون ، الذين يقابلون أو يجازون الإحسان بالإساءة ، والمعروف بالنكران ، فلا يصلح أن أخونه وقد أكرم مثواي وائتمني ، ومن حفظ حق الآدمي لإحسانه ، فهو أحرى أن يحفظ ربّه ، فلا يعصيه ولا يخالف أمره.

ولقد همت زليخة في أن يواقعها يوسف ، وأما يوسف الذي لم يكن نبيّا في وقت هذه الحادثة ، فلم يهمّ بها بسوء ، لرؤيته برهان ربّه : وهو قانون الله تعالى في تحريم الزنى ، والعلم بما يستحق الزاني من العقاب ، والتفكّر في عذاب الله ووعيده على المعصية ، فلو لا رؤيته برهان ربّه ، لفعل أو لارتكب المعصية ، فذلك هو الذي منعه من هم السوء ، لأن خشية الله الحقيقية تعصم الإنسان من الانزلاق والانحراف. ومثل ذلك التثبيت على العفة أمام المغريات ودواعي الفتنة ، ثبتناه ووقيناه من السوء والفحشاء في جميع أموره ، إن يوسف من عباد الله الذين اصطفاهم واختارهم لوحيه ورسالته ، فلا يتمكن الشيطان من إغوائهم.

وحدثت المفاجأة المخجلة ، وقدم زوج زليخة عزيز مصر ، وتسابق يوسف وهي إلى الباب ، يوسف يريد الفرار ، وهي مسرعة لمنعه من الخروج. ولحقته في أثناء هربه ، وقطّعت أو مزّقت قميصه من الخلف. ثم بادرت إلى الافتراء عليه ، قائلة لزوجها : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فإنه يستحق إما السجن أو التعذيب المؤلم.

فقال يوسف مدافعا عن نفسه : هي التي راودتني عن نفسي ، وشهد شاهد من أهلها إما إنسان خارج المكان ، أو حال القميص وتخريقه ، فإن كان شقّ القميص من

١٧٠

قدّام أو أمام ، فهي صادقة وهو كاذب ، وإن كان من خلف أو وراء فهو صادق ، وهي كاذبة ، وهذا دليل على الأخذ بالقرائن والأمارات في القضاء والحكم ، ولما كانت القرينة في صالح يوسف وأنه بريء وتحقق الزوج من كذب امرأته ، قال : إن هذا الاتهام من جملة كيدكن أيتها النسوة ، إن كيد النساء ومكرهن شديد التأثير في النفوس ، غريب لا يفطن له الرجال ، وقد تنطلي الحيلة عليهم. وأما أنت يا يوسف فأعرض عن الكلام أو التّحدث في هذه الواقعة ، واكتم خبرها عن الناس ، واستغفري أيتها المرأة من ذنبك ، إنك كنت من الخاطئين أي الآثمين المذنبين. ولم يقل (من الخاطئات) لأن الخاطئين أعم وأشمل للجنسين.

هذه محنة عظيمة مرّ بها يوسف الشاب قبل النبوة ، فحفظه ربّه ، لأنه حفظ الله : «احفظ الله يحفظك» رواه الترمذي عن ابن عباس والله أراد له التطهير وكمال العفة والشرف ، إعدادا له لشرف النبوة والرسالة ، وإظهارا للعالمين أن الطاعة للرّب أمر ممكن غير مستحيل ، وأن هذا المثل الرائع هو المثل الذي ينبغي أن يعتبر به الشباب والرجال والنساء ، فإن العاقبة الحسنة والسمعة الطاهرة الخالدة إنما هي للمتقين المحسنين.

موقف نساء مصر من امرأة العزيز

تأبى الفطرة السوية وقوانين العفة والعرض والشرف أن ينزلق الرجل أو المرأة في مزالق الفاحشة ، ويزداد الاستهجان إذا كان الانحراف من نساء القادة والزعماء ؛ لأن رفعة المناصب ترفع من مواقف أصحابها ، وتجعلهم يترفعون عن الدّنايا وسفساف الأمور ؛ لأنهم المثل الرفيع للناس الذين يتبعونهم. فكلما علا الإنسان وازدادت مرتبته ، كبر خطؤه ، وامتهنت كرامته. لذا استنكرت نساء مصر شيوع الخبر عن سقطة زليخة امرأة العزيز ، فأرادت تسويغ فعلها ودفع الملامة عنها ، وأبي يوسف

١٧١

عليه‌السلام إلا الزّج به في قيعان السجون تخلّصا من فتنة النّساء. وصف الله تعالى هذه المواقف في قوله سبحانه :

(وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤) ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) [يوسف : ١٢ / ٣٠ ـ ٣٥].

قال أربعة من النّسوة : امرأة خبّاز الملك ، وامرأة ساقيه ، وامرأة حاجبه ، وامرأة بوّابه : عجبا ودهشة ، امرأة الملك تراود فتاها الشاب عن نفسه ، وتحاول مواقعته لها ، قد استولى حبّه على سويداء قلبها ، فلم تفكر بالعواقب ، إنا لنراها أنها في صنيعها هذا لفي خطأ واضح ، وبعد عن الصواب ، وجهل يتنافى مع مكانتها. وهذا أمر معقول ومنتظر.

فلما سمعت زليخة امرأة الملك باغتياب النساء ، وسوء مقالتهن وطعنهن بها ، دعتهن إلى ضيافتها في جلسة كريمة هادئة ، وأعدّت لهن ما يتّكأ عليه من فرش ووسائد ، وهيّأت ألوان الفاكهة والطعام والشراب ، وأعطت كل واحدة منهن سكينا

__________________

(١) أحبّته حبّا شديدا.

(٢) هيّأت لهنّ ما يتّكئن عليه.

(٣) دهشن بجماله.

(٤) خدشنها بالسكاكين.

(٥) تنزيها لله.

(٦) امتنع بشدة.

(٧) أمل إلى إجابتهن.

١٧٢

لقطع الأترج ونحوه من اللحم والفاكهة ، وأمرت يوسف بالخروج عليهن ، بعد إخفائه في مكان قريب ، واستغلت وقتا مناسبا هو وقت انشغالهن بالأكل والقطع.

فلما خرج ورأينه ، دهشن لجماله الفائق وحسنه الرائع ، وجعلن يقطّعن أيديهن ، اندهاشا برؤيته ، وقلن على الفور : حاشا لله ، أي تنزيها له عن العجز ، وتعجبا من إبداع الخلق لجميل مثل يوسف ، ما هذا بشرا ، إنّ هذا إلا ملك كريم من الملائكة ، تمثّل في صورة بشر ، والمقصود إثبات الحسن العظيم له ، إذ ليس في تصور الإنسان أجمل من الملائكة ، ولا أقبح من الشيطان ، فالتّشبيه بالملك من قبيل التشبيه بالمستعظمات ، وإن كانت لا ترى ، روي عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يوسف أعطي نصف الحسن (١).

فقالت امرأة العزيز ، وقد نجحت في انبهارهن بجماله الفتّان : فذلكن الذي وجهتن اللوم إلي بسببه ، وعبتن علي فعله. ثم توعدت يوسف بالعقاب قائلة : أنا راودته عن نفسه ، فامتنع ، ولئن لم يفعل ما آمره به في المستقبل القريب ، ليزجنّ به في السجن ، وليكونن من الأذلاء المقهورين. وهذا دليل على أن حبّه أعماها عن كل شيء.

قال يوسف : يا ربّ أنت ملاذي وملجئي ، إن السجن الذي توعّدت به ، أحبّ إلي مما يدعونني إليه هؤلاء النّسوة من الفاحشة وارتكاب المعصية. وإن لم تنجني أنت هلكت ، وإن لم تصرف عني كيدهنّ ومكرهنّ ، أمل إليهن ، وأكن من الجهلة الطائشين. وهذا استسلام لله تبارك وتعالى ، ورغبة إليه ، وتوكّل عليه ، وشكوى إلى الله من حاله مع النّسوة ، والدعاء إليه في كشف بلواه.

فأجابه ربّه إلى إرادته ، وحقّق دعاءه ، وصرف عنه كيدهن ، في أن حال بينه وبين

__________________

(١) أخرجه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم عن أنس بلفظ «أعطي يوسف وأمه شطر الحسن».

١٧٣

المعصية ، والله سميع لدعاء المخلصين الملتجئين إليه ، عليم بصدق إيمانهم وبأحوالهم وما يصلحهم.

وما ذا كانت النتيجة في المستوى الرسمي ، لقد ظهر للملك وامرأته من المصلحة والرأي بعد شيوع الخبر والاتهام ، وبعد معرفة براءة يوسف ، وظهرت الأدلة على صدقه في عفته ونزاهته ، ظهر لهم بعد كل هذا أن يسجنوه لأجل غير معلوم ، لإسكات الفتنة ونسيان التهمة التي لوّثت بها امرأة الملك. وكان هذا الخير تمهيدا لعودة يوسف ملكا لمصر وحاكما لها ، والله يفعل ما يشاء ويختار.

قصة رفاق يوسف في السجن

إن مسرح الأحداث الجسام التي يتعرض لها الأنبياء لا يكاد يوجد له نظير في التاريخ ، فهذا يوسف عليه‌السلام يزجّ به في غياهب السجون ، وهو العفّ البريء البعيد عن التّهمة ، ويعيث الجناة المردة الفساد في الأرض ، ويناصرهم بعض الناس ، لأنه مع الأسف يكثر أعوان الشّر ، ويقلّ أعوان الخير. وكان سجن يوسف سببا قويّا في دعوة السجناء إلى عبادة الله وحده وترك الوثنية ، مستعينا بما عليه من الصلاح والتقوى ، ومعبّرا الرؤيا لمن رآها ، فتأتي مطابقة للواقع ، فيزداد المسجونون ثقة به وحبّا وإكبارا ، وهذه هي قصة رفاقه في السجن ، قال الله تعالى :

(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي (١)

__________________

(١) عنبا يؤول إلى الخمر عن طريق المجاز.

١٧٤

تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠)) (١) [يوسف : ١٢ / ٣٦ ـ ٤٠].

رأت سلطة مصر المصلحة في سجن يوسف ، فسجنوه ، ودخل معه السجن فتيان مملوكان للملك ، أحدهما ساقيه ، والآخرة خبّازه ، لتمالئهما على سمه في طعامه وشرابه ، فرأيا رؤيا ، فقال السّاقي : إني رأيت في المنام أني أعصر عنبا ليصير خمرا ، وقال الخبّاز : إني رأيت أني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه ، فقالا ليوسف : أخبرنا بتأويل ما رأينا ، وهل يقع ذلك؟ إننا نعلم أنك من الذين يحسنون تأويل الرؤيا ، فدعاهما يوسف لتوحيد الإله ، وترك عبادة الأصنام أولا.

ثم قال لهما قولا يدلّ على أنه نبي صادق : لا يأتيكما طعام في يومكما إلا أخبرتكما به قبل وصوله إليكما ، وهذا من تعليم الله إياي بالوحي لا بالكهانة والتنجيم ، وسبب الوحي أنني اجتنبت ملّة الكافرين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، وهم الكنعانيون وأمثالهم في فلسطين ، والمصريون عبدة الآلهة كالشمس والعجل وفرعون. واتّبعت ملّة آبائي الأنبياء والمرسلين : إبراهيم وإسحاق ويعقوب الدّعاة إلى التوحيد الخالص. وكلامه عن ترك الكفر واتّباع مبدأ التوحيد اشتغال عن شدة مصير رائي الخبز ، وأن رؤياه تؤذن بقتله.

ثم قرر يوسف منهج الأنبياء عامة ، فقال : ما صح لنا وما ينبغي لنا معشر الأنبياء

__________________

(١) المستقيم.

١٧٥

أن نشرك بالله ، أي شيء كان ، من ملك أو إنس أو جنّ ، ذلك الإقرار بتوحيد الله وأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، هو من فضل الله علينا ، حين هدانا إليه ، ومن فضل الله على الناس بإرسالنا إليهم ، ننبّههم إلى الصواب ونرشدهم إليه ، ونبعدهم عن طريق الضلال ، ولكن أكثر الناس لا يشكرون نعمة الله وفضله ، فيشركون بالله إلها آخر ، ولا يقدّرون نعمة إرسال الرّسل إليهم ، فمعنى قوله : (لا يَشْكُرُونَ) أي الشكر التام الذي فيه الإيمان.

يا رفاق السجن ، هل القول بتعدد الآلهة والأرباب المتفرقين في الذوات والصفات خير وأجدى وأنفع ، أو الإيمان بالله الواحد الأحد الغلاب القهار ، الذي لا يحتاج لغيره ، ويقهر بقدرته وإرادته كل شيء.

إن تلك الآلهة التي تعبدونها هي مجرد أسماء فارغة ، حين سميتم أصنامكم آلهة ، فليست عبادتكم لإله إلا باسم فقط ، لا بالحقيقة والواقع ، ولم ينزل الله بها حجة أو برهانا ، وما الحكم والتّصرف النافذ والمشيئة والملك كله إلا لله ، وليس لأصنامكم التي سميتموها آلهة من الحكم والأقدار والأرزاق شيء ، فكيف تصح عبادتها وإطاعة الناس لها ، إنها تسمية لا دليل عليها من عقل ولا نقل سماوي. والله سبحانه الخالق الرازق المهيمن القادر هو الذي أمر ألا تعبدوا وتطيعوا إلا إياه سبحانه ، وهذا الذي أدعوكم إليه من توحيد الله وإخلاص العمل له ، هو الدين المستقيم الذي أمر الله به ، وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبّه ويرضاه.

ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك هو الدين الحق ، الذي لا عوج فيه ، ولهذا كان أكثرهم مشركين ، كما قال الله تعالى : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣)) [يوسف : ١٢ / ١٠٣].

١٧٦

وإن أهل الحق من الأنبياء والمصلحين هم المصرّون على توحيد الله وعبادته والتزام منهجه في العبادة والمعاملة والأخلاق القويمة.

أمثلة من تأويل يوسف الرّؤيا

كثر تعبير يوسف عليه‌السلام الرؤيا في السجن ، وأبرز تلك التأويلات تعبير رؤيا صاحبيه في السجن ، وتأويل رؤيا ملك مصر.

أما تأويل رؤيا صاحبي يوسف في السجن ، فهو كما قال الله تعالى : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١) وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢)) (١) [يوسف : ١٢ / ٤١ ـ ٤٢].

نادى يوسف عليه‌السلام بقوله : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) استعدادا لسماع الجواب ، فقال للسّاقي الذي رأى أنه يعصر عنبا يؤول إلى الخمر : إنك تسقي سيدك الخمر كما كنت تفعل قبل السجن بحسب العادة ، وهذا دليل على براءته من تهمة الاشتراك في تسميم الملك.

وأما الآخر : وهو الخباز الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه ، فتأكل جوارح الطير كالنّسر والعقاب من رأسه ، أي إنه يقتل ويصلب.

ثم أخبرهما يوسف عليه‌السلام عما علمه بتعليم الله تعالى : أن الأمر قد قضي ، ووافق القدر ، ولا مناص منه. وقوله : (تَسْتَفْتِيانِ) أي تسألان عن المشكل ، والفتوى جوابه.

__________________

(١) أي سيّدك.

١٧٧

ثم قال يوسف عليه‌السلام خفية للذي ظنّ أي تيقّن أنه ناج وهو السّاقي ، دون علم الآخر : اذكر قصّتي عند سيّدك وهو الملك ، لعله يخرجني من السجن بعد علمه ببراءتي ، وهذا من قبيل الأخذ بالأسباب الظاهرية المطلوبة عادة وشرعا ، للنجاة والإنقاذ وإطلاق السراح. فأنساه الشيطان تذكير الملك بقصة يوسف ، لئلا يخرج نبي الله يوسف من السجن ، فيدعو إلى عبادة الله وتوحيده ومطاردة وساوس الشيطان ، فلبث يوسف في السجن منسيا بضع سنوات ، أي من الثلاث إلى التّسع ، وكل ذلك ليتم مراد الله ، فبقي في السجن سبع سنين ، وعوقب من الله بخمس أخرى لقوله : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) فكانت مدة سجنه اثنتي عشرة سنة.

ثم رأى ملك مصر رؤيا أخرى كانت سببا لخروج يوسف عليه‌السلام معزّزا مكرّما ، حكى القرآن الكريم هذه الرؤيا بقوله تعالى :

(وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣) قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤) وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) (٨) (٩) [يوسف : ١٢ / ٤٣ ـ ٤٩].

__________________

(١) أي هزيلة ضعيفة.

(٢) تعلمون تأويلها.

(٣) أي مجموع أخلاط من الأحلام الزائفة الكاذبة.

(٤) أي تذكر.

(٥) أي بعد مدة من الزمان.

(٦) أي متتابعة.

(٧) تخبّئونه من البذور.

(٨) يمطرون.

(٩) ما شأنه أن يعصر كالزيتون ونحوه.

١٧٨

هالت الملك الأعظم في مصر هذه الرؤيا ، فطلب تفسيرها ، ومضمونها أن سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس ، أكلتهن سبع بقرات هزيلات ، وسبع سنبلات خضر انعقد حبّها ، غلبتها سبع أخر يابسات آن حصادها ، فالتوت عليها.

فقال الملك للملأ من الكهنة والعلماء : عبّروا علي هذه الرؤيا ، إن كنتم تعلمون تعبير الرؤيا ، وبيان معناها. فقالوا : هذه شوائب وأخلاط من الخواطر والخيالات تتراءى للنائم في عقله ، ولا معنى لها ، ولسنا عالمين بتأويل أمثالها لو كانت صحيحة.

وحينئذ تذكّر ساقي الملك الذي نجا من الموت من صاحبي يوسف في السجن ، وكان تذكّره بعد نسيان ، فقال للملك والملأ أشراف القوم : أنا أخبركم بتأويل هذا المنام ، فابعثوني إلى يوسف الصّدّيق الموجود حاليا في السجن. فأرسلوه فجاء فقال : يا يوسف ، أيها الرجل الكريم المصداق في أقواله وأفعاله ، الصدوق العالم الخبير بتعبير الأحلام : أفتنا في رؤيا الملك ، لعل الله يجعل لك مخرجا. فقصّ عليه خبر البقرات الهزيلات اللاتي يأكلن البقرات السّمان ، وسبع سنبلات خضراوات وأخر يابسات ، لعلي أعود إلى الناس ليعلموا حقيقة هذه الرّؤيا.

فأجابه يوسف من غير لوم ولا عتاب ، ومن غير اشتراط للخروج من السجن : بأنه يأتيكم سبع سنوات خصبة متوالية ، فما حصدتم فاتركوه في سنبله لئلا يأكله السوس ، إلا القدر القليل الكافي للأكل الضروري ، فهذه السنوات السبع هي البقرات السّمان والسّنابل الخضراء السّبع. ثم يأتي بعد ذلك سبع سنين جدباء يأكل أهلها كل مدّخرات السنوات السابقة إلا قليلا مما تدّخرون للبذر.

ثم يأتي من بعد تلك السنوات الأربع عشرة عام يهطل فيه الغيث وهو المطر ، وتكثر الغلال ، ويعصر الناس ألوان العصير من زيت الزيتون وسكر القصب وشراب العنب والتمر ونحوها.

١٧٩

وهذا الإخبار من مغيبات المستقبل من وحي الله وإلهامه ، لا مجرّد تعبير للرّؤيا ، فهو بشارة في العام الخامس عشر بعد تأويل الرّؤيا بمجيء عام مبارك خصيب ، كثير الخير ، غزير النّعم ، وهو إخبار من جهة الوحي الإلهي. ولا يكون ذلك إلا لنبيّ أو رسول ، فتكون النّبوة والرّسالة خيرا عظيما للبشر في الدين والدنيا.

طلب الملك مواجهة يوسف عليه‌السلام

بعد أن عبّر يوسف عليه‌السلام المقصود من رؤيا ملك مصر ، كانت النتيجة الطبيعية المنتظرة عند عقلاء الناس وحكمائهم أن يطلب هذا الملك مواجهة يوسف السجين الذي له هذه المقدرة الفائقة في تعبير الأحلام ، فلم يستجب يوسف عليه‌السلام للطلب ، وأراد إعلان براءته وعفّته وتعرّضه للظلم في السجن مدة سبع سنوات ، تلاها خمس أخرى عقابا من الله لقوله لساقي الملك : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) فصارت مدّة سجنه اثنتي عشرة سنة ، فطالب بفتح ملفّ النّسوة اللاتي قطّعن أيديهن وإظهار الحق في هذه القضية. وهذا ما تحدثت عنه الآيات التالية :

(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢)) (١) (٢) (٣) [يوسف : ١٢ / ٥٠ ـ ٥٢].

طالب الملك بإحضار يوسف من السجن ، حتى يتحقق بنفسه صدق ما تشير إليه

__________________

(١) أي ما شأنكن وأمركن العظيم.

(٢) تنزيها لله وتعجّبا من عفّة يوسف عليه‌السلام.

(٣) أي ظهر الحق وثبت واستقر

١٨٠