التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٢

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0522-5
الصفحات: ٣٩٢

حق وواجب ، حقّ للضعفاء ، وواجب على الأقوياء الذين تسبّبوا إضلال أتباعهم ، وإنهاء وجودهم في الحياة.

وفائدة قوله تعالى : (لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) هو تعيين عاد القديمة ، تمييزا لهم عن عاد التي هي إرم ذات العماد ، فهما قومان مختلفان ، ومتشابهان في عقاب الدنيا.

صالح عليه‌السلام مع قومه

ـ ١ ـ

دعوته إلى عبادة الله

إن دعوة الأنبياء والرّسل عليهم‌السلام لأقوامهم واحدة الجوهر ، متشابهة الرّد والقبول ، متماثلة في الغايات والنتائج ، مقرونة بالمعجزات الدّالة على صدقهم بترتيب الله تعالى وإذنه. ومن هؤلاء الرّسل : صالح عليه‌السلام دعا قبيلة ثمود في مساكن الحجر بين الحجاز والشام إلى عبادة الله وتوحيده ، فقاوموه وعادوه بالرغم من تأييد الله له بمعجزة النّاقة ، فاستحقّوا عقاب الله وتعذيبه. وهذا مضمون دعوته الأصلية ، قال الله سبحانه :

(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣)) (١) (٢) (٣) [هود : ١١ / ٦١ ـ ٦٣].

__________________

(١) موقع في الريبة.

(٢) أخبروني.

(٣) خسران إن عصيته.

١٢١

هناك تشابه في النّظم بين قصة هود وقصة صالح عليهما‌السلام ، إلا أن صالحا لما أمر قومه بالتوحيد في مساق إيراد القصة هنا ذكر دليلين على وجود الله ووحدانيته : هما الإنشاء من الأرض ، والاستعمار فيها ، أي جعلهم عمارا لها. ومعنى الآيات : وأرسلنا إلى قبيلة ثمود الذين كانوا يسكنون الحجر بين تبوك والمدينة المنورة رجلا منهم ، أخاهم في النّسب والقبيلة ، وهو صالح عليه‌السلام ، فأمرهم بعبادة الله وحده ، فلا إله غيره ، وأقام لهم دليلين على توحيد الإله :

الدليل الأول ـ قوله : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي ابتدأ خلقكم منها ، إذ خلق منها أباكم آدم عليه‌السلام ، فهو أبو البشر ، ومادة التراب هي المادة الأولى التي خلق منها آدم ، ثم خلقكم أنتم من سلالة من طين بوسائط النطفة والعلقة والمضغة ، وأصل النطفة من الدم ، والدم من الغذاء ، والغذاء إما من نبات الأرض أو من اللحم الذي يرجع إلى النبات.

والدليل الثاني ـ قوله : (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) أي جعلكم عمّارا تعمرونها وتستغلونها بالزراعة والصناعة والبناء والتّعدين ، فتكون الأرض قابلة للعمارة النافعة للإنسان ، وكون الإنسان قادرا عليها دليل على وجود الصانع الحكيم الذي قدّر فهدى ، ومنح الإنسان القدرة على التّصرف ، والعقل على تنظيم الإدارة والاستثمار.

وإذا كان الله هو المستحق للعبادة وحده ، فاستغفروه لسالف ذنوبكم من الشّرك والمعصية ، ثم توبوا إليه بالإقلاع عن الذنب في الماضي ، والعزم على عدم العودة إليه ، والنّدم على ما حدث.

إن ربّي قريب من خلقه بالرحمة والعلم والسمع ، ومجيب دعوة الدّاعي المحتاج المخلص ، بفضله ورحمته. كما جاء في آية أخرى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)) [البقرة : ٢ / ١٨٦].

١٢٢

فأجابه قومه جهلا وعنادا بقولهم : يا صالح قد كنت فينا مرجوّا ، أي مسوّدا ، نؤمل فيك أن تكون سيّدا من الأكابر ، قبل دعوتك هذه ، فهي محل تعجّب لأنك تنهانا عن عبادة الآباء والأسلاف ، وهي عبادة الأوثان والأصنام ، وإننا نشك كثيرا في صحة ما تدعونا إليه من عبادة الله وحده ، وترك التّوسّل إليه بالشّفعاء المقرّبين عنده.

والشّك : التّوقف بين النّفي والإثبات. والمريب : هو الذي يظن به السوء. والمقصود التزام التقليد ومتابعة الآباء والأجداد في عبادة الأوثان. فأجابهم صالح عليه‌السلام مبيّنا ثباته على منهج النّبوة بقوله : كيف أعصي الله في ترك ما أنا عليه من البيّنة ، أخبروني عماذا أفعل ، إن كنت على برهان وبصيرة ويقين فيما أرسلني به إليكم ، وآتاني منه رحمة ، أي نبوّة ورسالة تتضمن وجوب تبليغ ما أوحى الله به إلي.

وبما أنني نبي مرسل من عند الله ، فانظروا من الذي ينصرني ويمنعني من عذاب الله إن تابعتكم وعصيت ربي في أوامره؟ وإذا تابعتكم وتركت دعوتكم إلى عبادة الله وحده ، لما نفعتموني ، ولما زدتموني حينئذ غير الوقوع في الخسارة والضلال ، بأخذ ما عندكم ، وترك ما عند الله الذي يريد الخير لكم.

إن الفرق واضح في الأسلوب بين القوم والنّبي ، فالقوم ثمود قابلوا صالحا عليه‌السلام بما يفيد التوبيخ والاتّهام ، ويدلّ على التصميم على الكفر ، والنّبي صالح يتلطّف بهم ويحاول إقناعهم بصحة دعوته إلى توحيد الله ، معتمدا على أسلوب النّقاش العقلي الهادئ ، والمثير كوامن التفكير والتأمل فيمن هو أجدر بالعبادة ، أهي الأصنام الصّماء التي لا تضرّ ولا تنفع ، أم الإله الخالق الرّازق ، الممكّن عباده من الانتفاع بخيرات الأرض وثمارها؟! إن العاقل البصير هو الذي يختار عبادة الأحقّ والأنفع ، وترك غيره مما لا يشبهه في شيء من صفاته.

١٢٣

ـ ٢ ـ

معجزة النّاقة

علم الله تعالى ما في طبع البشر من العناد والاستبداد ، والمطالبة بالدليل على صدق الدعوة ، فأيّد رسله وأنبياءه الكرام بالمعجزات لتدلّ على صدقهم ، والمعجزة : هي الأمر الخارق للعادة والإمكانات البشرية المألوفة. ومن غرائب المعجزات : ناقة صالح عليه‌السلام ، سواء في طريقة إيجادها ، أم في نتاجها ولبنها ، فهي بخلق مباشر من الله تعالى من غير تناسل ولا توالد ، وتدرّ لبنا غزيرا لا ينفد ولا ينقطع ، تكفي جميع أبناء القبيلة الذين يحلبون منها ما شاؤوا ، دون أن يجفّ الضّرع أن ينضب اللبن. وهذا ما أخبر به القرآن الكريم في الآيات التالية :

(وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (٦٨)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [هود : ١١ / ٦٤ ـ ٦٨].

هذه معجزة النّاقة. روي أن قوم صالح طلبوا منه آية تضطرهم إلى الإيمان ، فأخرج الله جلّت قدرته لهم النّاقة من الجبل. وخرجت عشراء ، ووضعت بعد خروجها ، فمنحها صالح عليه‌السلام لهم قائلا :

هذه آية على صدقي ناقة الله ، التي تتميز عن سائر الإبل بأكلها وشربها وغزارة

__________________

(١) معجزة دالّة على نبوّتي.

(٢) صوت مهلك.

(٣) ميتين لا حراك لهم.

(٤) لم يقيموا فيها طويلا برغد.

(٥) هلاكا لهم.

١٢٤

لبنها ، كما في آية أخرى : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨)) [القمر : ٥٤ / ٢٧ ـ ٢٨].

فاتركوها تأكل ما شاءت في أرض الله من المراعي ، دون أن تتحملوا عبء مؤنتها ، وإياكم أن تمسّوها بسوء من أي نوع كان ، فيقع بكم عذاب عاجل ، لا يتأخر عن إصابتكم ، فقالوا : عياذا بالله أن نفعل ذلك.

فلم يمعوا نصحه ، وكذّبوه وعقروا النّاقة ، عقرها بتواطؤ معهم أشقاهم وهو قدار بن سالف ، كما قال الله تعالى : (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩)) [القمر : ٥٤ / ٢٩]. فقال لهم صالح : تمتعوا بالعيش في بلدكم (دياركم) مدة ثلاثة أيام ، أي هذا ميعاد ثلاثة أيام للعذاب ، ذلك وعد صادق مؤكد غير مكذوب فيه.

ثم وقع ما أوعدهم به ، فلما حان وقت أمر الله بالعذاب والهلاك ، ونزلت الصاعقة ، نجى الله تعالى صالحا والمؤمنين معه ، برحمة سابغة منه ، نجاهم من عذاب شديد ، ومن ذلّ ومهانة حدثت يومئذ ، أي يوم وقوع الهلاك : يوم التعذيب. والخزي : الذّلّ العظيم البالغ حدّ الفضيحة ، إن ربّك هو القوي القادر الغالب على كل شيء ، العزيز ، أي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

وأصبح أمرهم أنه أخذتهم صيحة العذاب ، وهي الصاعقة ذات الصوت الشديد المهلك ، التي تزلزل القلوب ، وتصعق عند سماعها النفوس ، فصعقوا بها جميعا ، وأصبحوا جثثا هامدة ملقاة على الأرض.

وكأنهم لسرعة هلاكهم لم يوجدوا في الدنيا ، ولم يقيموا في ديارهم ، بسبب كفرهم وجحودهم بآيات ربّهم ، ألا إنهم كفروا بربّهم ، فاستحقّوا عقابه الشديد ، ألا بعدا لهم عن رحمة الله ، وسحقا لثمود ، وهلاكا لهم ولأمثالهم. وقوله سبحانه : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا) من غني في المكان : إذا أقام فيه في خفض عيش ، وهي المغاني.

١٢٥

قد يتعجب سائل فيسأل : كيف يهلك قوم من أجل قتل ناقة؟ والجواب : أن المعادلة أو المساواة لا يصح أن تكون هي أساس الحكم هنا ، لأن تواطؤ قبيلة ثمود وأمرهم أشقاها بعقر الناقة دليل على الإصرار على الكفر ، والتّمسّك بعبادة الأوثان والأصنام ، ورفض دعوة الأنبياء والمرسلين هداة البشرية إلى الحقّ والنّور والخير ، فاذا قورنت هذه المساوئ ممثّلة بعقر النّاقة مع ما تؤول إليه من خسارة اجتماعية كبري ، ومأساة إنسانية عامّة ، هان الأمر ، وأدرك الناس عن وعي وتقدير أن معاداة الرسالات الإلهية تنبئ عن معان مثيرة ومواقف مدهشة ، وأوضاع قلقة مليئة بالفوضى والمنازعات ، فيكون عقر الناقة موجبا لمثل هذا العذاب الاستئصالي ليدرك البشر أن الحقّ والخير في دعوة الأنبياء ، ولا يصلح لأحد الوقوف أمامها وتحدّيها.

بشارة إبراهيم عليه‌السلام بولد عند الكبر

تتعدد مظاهر قدرة الله في خلق الإنسان ، فإما أن يخلقه الله مباشرة من غير أب ولا أم كآدم عليه‌السلام ، وإما أن يخلقه من غير أب كعيسى عليه‌السلام ، وإما أن يخلقه من غير أم كحواء أم البشرية ، وإما أن يحدث الخلق في الوقت المعتاد زمن الشباب كأغلب الناس ، أو يحدث الخلق في حال العجز والشيخوخة والكبر ، كخلق يحيى وإسحاق عليهما‌السلام. وتصف لنا آي القرآن المجيد كيفية ولادة إسحاق من أبوين كبيرين عجوزين هما إبراهيم عليه‌السلام وامرأته سارّة الآيسة من الحيض ، فقال تعالى :

(وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا (١) (٢) (٣)

__________________

(١) مشوي بالحجارة المحماة في حفرة.

(٢) أنكرهم ونفر منهم.

(٣) أحسّ في قلبه منهم خوفا.

١٢٦

تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦)) (١) (٢) (٣) (٤) [هود : ١١ / ٦٩ ـ ٧٦].

لما ولد لإبراهيم أبي الأنبياء عليه‌السلام إسماعيل من هاجر ، تمنّت زوجته الثانية أن يكون لها ابن ، وأيست لكبر سنّها ، فبشّرت بولد يكون نبيّا ، ويلد نبيّا ، وكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها.

والقصة في الآيات التي معناها : تالله لقد جاءت رسلنا الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل ، أو عزرائيل ملك الموت إلى إبراهيم الخليل تحمل له البشارة بولده إسحاق ، فلما دخلوا عليه قالوا له : سلاما عليك ، قال : سلام عليكم. وهذا أحسن مما حيّوه ، لأن صيغة الرفع تدلّ على الثبوت والدوام. فما لبث ، أي أبطأ وذهب سريعا ، فأتاهم بالضيافة بعجل حنيذ ، أي مشوي يقطر ماؤه على الحجارة المحماة. فلما رأى إبراهيم عليه‌السلام هؤلاء الأضياف لا تمتد أيديهم إلى الطعام ، أنكر ذلك منهم ، وملأه الذعر والخوف ، إذ أدرك أنهم ليسوا بشرا ، وربما كانوا ملائكة عذاب. قال ابن عطية : وفي هذه الآية من أدب الطعام أن للمضيف أن ينظر نظرة لطيفة غير محددة النظر إلى ضيفه ، هل يأكل أم لا؟

قالوا له : لا تخف ، فنحن لا نريد سوءا بك ، وإنما أرسلنا لإهلاك قوم لوط ، وكانت ديارهم قريبة من دياره. ونحن نبشّرك بولادة غلام عليم لك ، يحفظ نسلك ،

__________________

(١) كثير الإحسان والخير.

(٢) الخوف.

(٣) كثير التّأوّه خوفا من الله.

(٤) راجع إلى الله تعالى.

١٢٧

ويبقي ذكرك ، وهو إسحاق ، وبلد من بعده يعقوب الذي من ذرّيته أنبياء بني إسرائيل ، ويسمى ولد الولد الولد من الوراء.

وكانت امرأة إبراهيم ابنة عمه (سارّة بنت هارون بن ناحور) واقفة تخدم القوم ، وراء ستار ، بحيث ترى الملائكة وتسمع محاورة إبراهيم مع أضيافه ، فضحكت سرورا بزوال الخوف ونشر الأمن. قال الجمهور : وهو الضحك المعروف ، وكان الضحك من البشارة بإسحاق. بشّرتها الملائكة بولد هو إسحاق ، وسيلد له ولد هو يعقوب ، فقالت لما بشرت بالولد : عجبا كيف ألد ، وأنا عجوز كبيرة عقيم ، وزوجي في سنّ الشيخوخة لا يولد لمثله ، إن هذا الخبر لشيء عجيب ، غريب عادة. وكلمة (فَبَشَّرْناها) أضيف الضمير إلى الله تعالى ، وإن كانت البشارة من فعل الملائكة ؛ لأن ذلك بأمر الله ووحيه. وروي أن سارّة كانت في وقت هذه البشارة بنت تسع وتسعين سنة ، وإبراهيم ابن مائة سنة.

فأجابتها الملائكة : كيف تعجبين من قضاء الله وقدره بأن يرزقكما الله الولد وهو إسحاق ، فإن الله لا يعجزه شيء في الكون ، وهو على كل شيء قدير. ورحمة الله الواسعة وبركاته الكثيرة عليكم يا أهل بيت النّبوة ، وقد حدث توارث النّبوة في نسل إبراهيم إلى يوم القيامة ، إنه تعالى المحمود في جميع أفعاله وأقواله ، المستحقّ لجميع المحامد ، الممجّد في صفاته وذاته ، فهو محمود ماجد.

ولما ذهب الخوف من الملائكة عن إبراهيم عليه‌السلام حين لم يأكلوا ، وبشّروه بالولد ، وأخبروه بهلاك قوم لوط ، أخذ يجادل الملائكة وهم رسل الله في هؤلاء القوم ، وجعلت مجادلتهم مجادلة لله ؛ لأنهم جاؤوا بأمره ، وينفذون الأمر ، وجداله لأن إبراهيم حليم غير متعجل بالانتقام من المسيء إليه ، كثير التّأوّه مما يسوء الناس ويؤلمهم ، ويرجع إلى الله في كل أموره ، فهو رقيق القلب ، مفرط الرحمة. فأجابته

١٢٨

الملائكة : يا إبراهيم أعرض عن الجدال في أمر قوم لوط ، إنه قد جاء أمر ربّك بتنفيذ القضاء والعذاب فيهم ، وإنهم آتيهم عذاب غير مصروف ولا مدفوع عنهم أبدا ، لا بجدال ولا بدعاء ولا بشفاعة ونحوها.

قصة لوط عليه‌السلام مع قومه

انتقل الملائكة الرسل المكلفون بتعذيب قوم لوط أضياف إبراهيم عليه‌السلام من عند إبراهيم إلى قرى قوم لوط ، وهم أهل سدوم وما جاورها من القرى في غور الأردن ، وبينهم وبين بلد إبراهيم ثمانية أميال ، ولما وصلوا بدأت مأساة عجيبة من قوم لوط بالنسبة لهؤلاء الملائكة الحسان ، فأرادوا بهم سوءا ، قال ابن عباس : انطلقوا من عند إبراهيم إلى لوط (ابن أخي إبراهيم) وبين القريتين أربعة فراسخ ، ودخلوا عليه ، على صورة شباب مرد من بني آدم ، وكانوا في غاية الحسن ، ولم يعرف لوط أنهم ملائكة الله. كما لم يعرفهم إبراهيم عند أول مقدمهم. وصف القرآن العظيم ما ذا حدث في هذه الآيات التالية :

(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) (٨)

__________________

(١) نالته المساءة بمجيئهم.

(٢) ضعف عن تدبير خلاصهم.

(٣) أي شديد في الشر.

(٤) يسرعون.

(٥) لا تفضحوني في ضيفي.

(٦) من حاجة.

(٧) أنضم إلى جانب حصين.

(٨) ببقية من الليل.

١٢٩

بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣)) (١) (٢) [هود : ١١ / ٧٧ ـ ٨٣].

قدم وفد الملائكة إلى بلد لوط ، بعد ما أعلموا إبراهيم بهلاك قوم لوط في ليلة قريبة ، وكانوا في أجمل صورة بهيئة شباب حسان الوجوه ، ابتلاء من الله ، فساء لوطا عليه‌السلام مجيئهم ، وضاقت نفسه بسببهم ؛ لأنه خاف عليهم شذوذ قومه الجنسي ، وخبثهم ، وعجزه عن مقاومتهم ، وقال : هذا يوم عصيب ، أي شديد البلاء والشر ، مشيرا إلى ما كان يتخوفه من تعدي قومه على أضيافه ، واحتياجه إلى المدافعة ، مع ضعفه عنها.

وجاء قوم لوط حينما سمعوا بقدوم الضيوف ، بإخبار امرأته إياهم ، مسرعين مهرولين من فرحهم بذلك ، لارتكاب الفاحشة معهم ، وكانوا قبل مجيئهم يعملون السيئات ، ويرتكبون الفواحش ، وشهد عليهم لوط بقوله : أشهد بالله لهم شر قوم في الأرض ، وعدّدت آية أخرى جرائمهم : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩)) [العنكبوت : ٢٩ / ٢٩].

فقام لوط إليهم مدافعا وقال : (هؤُلاءِ بَناتِي) أي بنات القوم ونساؤهم جملة ، إذ نبي القوم أب لهم ، والنبي للأمة بمنزلة الوالد. وهن أكرم وأطهر لكم ، أي تحت طلبكم وأحلّ لكم. و (أَطْهَرُ) هنا ليس على سبيل المفاضلة ، وليس معناها أن إتيان الرجال شيء طاهر ، وكذلك مثل قولنا : أحمر ، وأسود ، أي ذو حمرة ، وسواد. فاخشوا الله ، وخافوه ، وأقبلوا ما آمركم به من التمتع بالنساء دون الرجال بعقد الزواج ، ولا تفضحوني أو لا تخجلوني في ضيوفي ، فإن إهانتهم إهانة لي ، أليس منكم رجل ذو رشد وحكمة وعقل وخير ، يرشد إلى الطرق القويم.

__________________

(١) من طين متتابع.

(٢) لها علامة خاصة عند ربك.

١٣٠

قالوا : لقد علمت سابقا ألا حاجة لنا في النساء ولا نميل إليهن ، فلا فائدة فيما تقول ، وليس لنا غرض إلا في الذكور ، وأنت تعلم ذلك ، فأي فائدة في الوعظ؟ قال لوط لقومه متوعدا : لو كان لدي قوة تقاتل معي ، أو عشيرة تؤازرني ، لقاتلتكم ومنعتكم من تحقيق مرادكم السيّئ. والمراد بالركن الشديد : العشيرة والمنعة بالكثرة بحسب العرف ، يعاجلهم به ، وهو يعلم أن الله تعالى من وراء عقابهم.

قالت الملائكة بعد هذا الحوار الشديد : يا لوط ، إنا رسل ربك ، أرسلنا إلى نجاتك من شرهم ، وإهلاكهم ، ولن يصلوا إليك بسوء ، فاخرج مع أهلك بجزء من الليل يكفي لتجاوز حدودها ، ولا ينظر أحد منكم إلى ما وراءه أبدا ، حتى لا يصيبه شيء من العذاب. امض بأهلك إلا امرأتك. فلا تأخذها معك ، إنه مصيبها ما أصابهم من العذاب ، لكفرها وخيانتها بدلالة قومها على المنكر. إن موعد عذابهم هو الصبح ، من طلوع الفجر إلى شروق الشمس ، أليس موعد الصبح بموعد قريب؟ واختيار هذا الوقت لتجمعهم فيه في مساكنهم.

فلما جاء أمر الله بالعذاب ، عند طلوع الشمس ، ونفذ قضاؤه في قوم لوط ، جعل ديارهم وهي قرى سدوم عاليها سافلها ، وخسف بهم الأرض ، وأمطر عليهم حجارة من طين متحجر ، منظم متتابع ، معلمة للعذاب ، عليهم علامة خاصة عند ربك ، أي في خزائنه ، وليست هي من الكفار الظالمين أي قريش ونحوهم بمكان بعيد ، فهي تشمل كل ظالم ، ويمرون على تلك الديار في الأسفار ، ويشاهدون آثار الدمار والخراب ، سواء في الليل أو في النهار.

١٣١

شعيب عليه‌السلام مع قومه

ـ ١ ـ

دعوته لعبادة الله والإصلاح الاجتماعي

في وسط غنّاء من الحدائق والثمار ، والزروع والأشجار ، والأرزاق والأنهار ، قام النّبي شعيب عليه‌السلام خطيب الأنبياء في مدين قرب معان بين الحجاز والشام بدعوة قومه إلى عبادة الله وتوحيده ، وإلى إصلاح الحياة الاجتماعية بإقامة القسط والعدل في الموازين والمكاييل ، والحفاظ على الحقوق ، وترك الإفساد في الأرض ، واستئصال سبب المنازعات والخلافات بين الناس ، وإشاعة المحبة والمودة بينهم. وهذه صفحة مشرقة من حياة هذا النّبي مصورة في الآيات التالية :

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [هود : ١١ / ٨٤ ـ ٨٨].

هذا مقطع من قصة شعيب عليه‌السلام في تبليغ دعوته لأهل مدين ، ومناقشتهم له وردّه عليهم. والمعنى : ولقد أرسلنا إلى مدين أخاهم في القبيلة شعيبا ، الذي كان

__________________

(١) مهلك.

(٢) لا تنقصوا.

(٣) لا تفسدوا بشدة.

(٤) ما أبقاه لكم من الحلال.

(٥) أخبروني.

١٣٢

من أشرفهم نسبا ، فقال : يا قوم ، اعبدوا الله وحده لا شريك له ، وإياكم نقص الناس حقوقهم في المكيال والميزان ، فلا حاجة لكم للظلم ، وأراكم بخير ، وهذا عام في جميع نعم الله تعالى ، أي أراكم بثروة وسعة في الرزق ورفاه في المعيشة ، تغنيكم عن الطمع والدناءة في بخس الناس حقوقهم ، وإني أخاف أن تسلبوا ما أنتم فيه بانتهاككم محارم الله تعالى ، وأخشى عليكم عذاب يوم يحيط بكم جميعا ، فلا يترك أحدا منكم ، وهو إما عذاب الاستئصال في الدنيا ، وإما عذاب الآخرة في نار جهنم.

ويا قوم ، وفّوا الكيل والوزن بالعدل ، أخذا وعطاء ، والأمر بالإيفاء زيادة على النهي عن البخس (أي إنقاص الحقوق) للتأكيد والتنبيه على أنه لا يكفي الامتناع عن تعمد التطفيف ، بل يلزمهم الإكمال والإيفاء ولو بزيادة قليلة.

ثم نهاهم شعيب عليه‌السلام عن النقصان في كل شيء ، بإلحاق الظلم والجور في حقوق الناس ، كما نهاهم عن السعي في الفساد في أمر الدنيا والدين ، مثل قطع الطريق ، وقوله بعد النهي عن الإفساد (مُفْسِدِينَ) تكرار على جهة التأكيد ، أو قصد الإفساد.

وعلل شعيب دعوته إلى إيفاء الحقوق بأن بقية الله خير لهم ، أي ما يبقى لهم من الربح الحلال بعد إيفاء الكيل والميزان خير لهم من الحرام ، وأكثر بركة ، وأرجى عاقبة مما يأخذونه بطريق الحرام ، بشرط أن يكونوا مؤمنين ، لأن تحقيق الخيرية وثمرتها إنما يكون في حال الإيمان ، لا في حال الكفر ، والإيمان حافز باعث على الطاعة. ثم قال لهم : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أي لست عليكم برقيب على أعمالكم ، ولا مستطيع منعكم من القبائح ، فالأمر ينبغي أن يصدر عن قناعة ذاتية منكم ، ولست أنا إلا ناصحا أمينا ، فافعلوا ما فيه الخير لذاته ، لا ليراكم الناس.

فردّ أهل مدين على شعيب عليه‌السلام عما أمرهم به ، أما الرّد على عبادة الله

١٣٣

وحده فقالوا : (يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ) أي هل صلاتك التي تكثر منها تأمرك بترك عبادة آبائنا وأجدادنا ، وهي عبادة الأوثان والأصنام ، وهذا منهم على سبيل الاستهزاء والسخرية ، فهم مصرّون على تقليد أسلافهم في الوثنية.

وأما الرّد على ترك البخس (النقصان) في الكيل والميزان فقالوا : (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) أي وهل صلاتك تأمرك أن نفعل في أموالنا ما نريد فعله؟ ومقصودهم أن مطلبه بالعدل وأداء الزكاة مناف لسياسة تنمية المال وتكثيره ، وهو حجر وتقييد لحريتهم الاقتصادية. وهذا هو الفكر المادي الذي لا يميز بين الحلال والحرام ، والإفراط في الطمع المادي. وأكّدوا سخريتهم وهزءهم بقولهم : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) أي إنّك لصاحب الحلم والأناة ، والرشد والاستقامة ، وأرادوا بذلك وصفه بأضداد هذه الصفات من الجهالة والطيش والغواية.

أجابهم شعيب بما يحسم أطماعهم بقوله : أخبروني يا قوم إن كنت على بصيرة من ربي فيما أدعو إليه ، ورزقني منه رزقا حسنا ، وهو النّبوة والحكمة ، ولا أنهاكم عن الشيء وأقع في المنهي عنه ، ولا أريد إلا إصلاحكم بمقدار استطاعتي ، وليس توفيقي في إصابة الحق فيما أريده إلا بالله وهدايته وعونه ، وعليه توكلت في جميع أموري ، ومنها تبليغ رسالتي ، وإليه أنيب وأرجع. وهذا دليل على ثبات شعيب على المبدأ وإخلاص الدعوة ، دون أن يخشى من قومه سوءا.

ـ ٢ ـ

إنذار شعيب قومه بالعذاب ووقوعه بالفعل

لم تجد وسائل الإصلاح اللينة والكلمة الطيبة بقوم شعيب ، فتحول أسلوبه من ليّن القول إلى الإنذار بالعذاب ، وطلب المغفرة من الله والتوبة إليه ، فازداد تعنّتهم

١٣٤

وإعراضهم ، وأمهلهم ليصلحوا شأنهم أو يترقبوا إنزال العقاب بهم ، فلم يبدّلوا حالهم ، فكانت النتيجة عقابهم بالصيحة التي دمّرتهم ، وإنجاء المؤمنين. وهذا ما سجّله القرآن الكريم في الآيات التالية :

(وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) (٨) (٩) (١٠) [هود : ١١ / ٨٩ ـ ٩٥].

اشتدّ حال المعارضين المعاندين لدعوة شعيب ، فأنذرهم بالتعرّض للعقاب قائلا : يا قوم ، لا يحملنكم خلافي معكم ، ولا تحملنكم عداوتي وبغضي على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر والفساد ، فيصيبكم مثل ما أصاب غيركم وأمثالكم من العذاب والنقمة ، كإغراق قوم نوح ، وإهلاك قوم هود بالرّيح الصّرصر العاتية ، وقوم صالح بالرّجفة أو الزّلزلة ، وقوم لوط بالصيحة المدمرة ، وهذا ليس ببعيد عنكم زمانا ولا مكانا.

__________________

(١) لا يحملنكم عداوتي وبغضي.

(٢) جماعتك وعشيرتك.

(٣) منبوذا خلفكم.

(٤) غاية تمكنكم من أمركم.

(٥) انتظروا العاقبة.

(٦) صوت مهلك.

(٧) ميتين لا يتحركون.

(٨) لم يقيموا فيها بنعمة ورفاه عيش.

(٩) هلاكا.

(١٠) هلكت من قبل.

١٣٥

واطلبوا المغفرة من ربّكم على سالف الذنوب من عبادة الأوثان وبخس المكيال والميزان ، ثم توبوا إليه فيما تستقبلونه من الأعمال السيئة ، وارجعوا إلى طاعته ، فإن ربي رحيم بمن تاب إليه وأناب ، كثير الود والحب ، يحب التائب ويرحم المذنب. وهذا يدل على أن الاستغفار والتوبة يسقطان الذنوب.

لم ينفعهم هذا الأسلوب أيضا ، فلجئوا إلى الإهانة والتهديد ، قائلين : يا شعيب ، ما نفهم كثيرا من قولك ، مع أنه خطيب الأنبياء ، وأنت واحد ضعيف ، ولولا رهطك أو عشيرتك وقرابتك لرجمناك بالحجارة ، وليس لك معزّة ولا تكريم. والرّهط : الجماعة من الثلاثة إلى العشرة.

فأجابهم شعيب عليه‌السلام بحلم وأناة قائلا : يا قومي أرهطي أعزّ وأكرم عليكم من الله القوي القادر القاهر ، واتّخذتموه وراءكم ظهريّا ، أي تركتموه خلفكم ، لا تطيعونه ولا تعظمونه ، ولا تخافون بأسه وعقابه ، إن ربي محيط علمه بعملكم ، عالم بأحوالكم ، فلا يخفى عليه شيء منها ، وسيجازيكم على أفعالكم.

ولما يئس شعيب عليه‌السلام من إجابتهم دعوته ، حسم الموقف قائلا : يا قوم ، اعملوا على طريقتكم ، واعملوا كل ما في وسعكم وطاقتكم من إلحاق الشّرّ بي ، فإني عامل أيضا على طريقتي بما آتاني الله من القدرة ، أي فأنتم ثابتون على الكفر والضّلال ، وأنا ثابت على الدعوة إلى عبادة الله والثقة بقدرته. ولسوف تعلمون من ينزل به عذاب يخزيه ويذله في الدنيا والآخرة ، ومن هو كاذب في قوله مني ومنكم ، وانتظروا ما أقول لكم من إيقاع العذاب ، إني معكم رقيب منتظر. وهذا وعيد وتهديد لمن يفهم ويدرك المقال.

وبعد نفاد كل محاولات الإصلاح لأهل مدين ، نزل بهم العقاب على كفرهم وفسادهم ، فلما جاء أمر الله بعذابهم ، ونفذ قضاؤه فيهم ، نجى الله تعالى رسوله

١٣٦

شعيبا عليه‌السلام ومن آمن معه ، برحمة إلهية خاصة بهم ، وأخذت الظالمين الصيحة : وهي صوت من السماء ، شديد مهلك مرجف ، فأصبحوا قعودا ميتين لا يتحركون. كأنهم لم يقيموا في بلادهم طويلا في رغد عيش ، ولم يعيشوا فيها قبل ذلك ، وصدر بحقهم الدعاء المرجّى تنبيها للسامع في كلمة : (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) أي ألا هلاكا ودمارا لهم ، كما هلكت ودمرت من قبلهم قبيلة ثمود ، وكانوا جيرانهم بقرب منهم في الدار ، وبينهم تشابه في الكفر وقطع الطريق ، وكانوا عربا مثلهم.

هذه هي نهاية الظالمين العتاة ، الذين أفسدوا الدين والحياة الاجتماعية ، فكانوا عبرة للأجيال. قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم يعذب الله تعالى أمّتين بعذاب واحد إلا قوم شعيب وقوم صالح ، فأما قوم صالح فأخذتهم الصيحة من تحتهم ، وقوم شعيب أخذتهم من فوقهم.

عافانا الله من البلاء ، وجعل نفوسنا لينة لأمر الله ، واعية دروس الماضي ، وعبرة الأمم السالفة ، وهذا درس بليغ لا يتغير أثره ونفعه في كل زمان ومكان.

إرسال موسى عليه‌السلام إلى فرعون

كان من أخطر وأعقد مهام الأنبياء والرسل بعثة موسى عليه‌السلام إلى فرعون ملك مصر وطاغيتها ومدّعي الألوهية فيها ، ولم تختلف هذه البعثة عن غيرها من البعثات ، فمضمونها الدعوة إلى وجود الله تعالى ووحدانيته ، وترك عبادة الأصنام والأوثان أو تأليه البشر ، وغايتها بيان العبرة والعظة بإنجاء المؤمنين ، وإهلاك الظالمين الذين أعرضوا عن دعوة رسلهم. وهذا ما أوجزته الآيات التالية : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ

١٣٧

وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩)) (١) (٢) (٣) (٤) [هود : ١١ / ٩٦ ـ ٩٩].

تأكيد وقسم تضمنته هذه الآيات للدلالة على عظمة المهمة ، وتأييد صاحبها بما يؤيد رسالته ويدعو إلى تصديق دعوته. والمعنى : تالله لقد أرسلنا موسى بآيات تسع ، أي بعلامات ظاهرة ، وسلطان مبين ، أي برهان وبيان في الحجّة ، دالّ على توحيد الله وعبادته ، إلى فرعون ملك القبط في مصر وملئه : أشراف قومه وأتباعها. وتلك الآيات والأدلة والبراهين المؤيدة بالحس المشاهد والواقع القائم كافية في إثبات صدق نبوة موسى ورسالته ، بالإيمان بالله تعالى. والآيات التسع : هي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ونقص الثمرات ، والسنون القاحلة.

وكان المصريون الأقباط والملأ : أشراف القوم قد اتّبعوا أوامر فرعون ومناهجه ، وصدّهم عن الإيمان بالله ، وكفروا ، ولم يكن أمر فرعون وتصرفه ومنهجه برشيد ، أي ليس بمصيب ولا معقول ولا بعيد عن السفاهة ، وإنما هو محض الجهل والضلال.

لذا أخبر الله تعالى في هذه الآية : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) عن فرعون أنه يأتي يوم القيامة متقدما قومه وقائدا لهم إلى نار جهنم ، فيدخلهم فيها ، لأنه كما اتبعوه في الدنيا ، وكان مقدّمهم ورئيسهم ، كذلك هو يقدم يوم القيامة إلى النار ، فأوردهم إياها ، وله فيها الحظ الأوفر من العذاب الأكبر ، وبئس المورد (موضع الورود) الذي يردونه ، وهو ورود الدخول ، والمدخول فيه وهو النار ؛ لأن وارد الماء يرده للتبريد وإطفاء حرّ الظمأ ، ووارد النار يزداد احتراقا بلهبها ويتلظى بسعيرها. وسبب ذلك

__________________

(١) يتقدمهم.

(٢) أدخلهم فيها.

(٣) المدخل والمكان المدخول فيه وهو النار.

(٤) العطاء المعطى لهم وهو اللعن.

١٣٨

عصيان فرعون وقومه ، كما جاء في آية أخرى : (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦)) [المزمل : ٧٣ / ١٦].

وفرعون القائد إلى النار يضاعف له العذاب ، وهو أول من تلتقطه ألسنة النار يوم القيامة في المحشر الرهيب ؛ لادّعائه أنه إله من دون الله ، ومضاعفة العذاب هو شأن المتبوعين من كل أمة ، يحملون راية العذاب ، كما جاء في قوله تعالى : (لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف : ٧ / ٣٨].

وثبت في القرآن الكريم أيضا أن آل فرعون يعذبون أيضا في الدنيا قبل الآخرة في قبورهم ، منذ ماتوا وإلى يوم القيامة ، صباحا ومساء ، كل يوم ، كما قال تعالى : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦)) [غافر : ٤٠ / ٤٥ ـ ٤٦].

ومن ألوان تعذيب آل فرعون تتابع لعنة الله عليهم في عالم الدنيا والآخرة معا ، لقوله تعالى : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أي ألحق الله بهم زيادة على عذاب النار لعنة عظيمة في الدنيا ، من الأمم الآتية بعدهم ، وكذلك في يوم القيامة ، يلعنهم أهل الموقف جميعا ، وهم من المقبوحين. وقوله : (فِي هذِهِ) يريد دار الدنيا. وقوله : (يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي يلعنون أيضا بدخولهم جهنم. قال مجاهد : فهما لعنتان. أي في الدنيا والآخرة فوق عذابهم ، كما جاء في آية أخرى : (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢)) [القصص : ٢٨ / ٤٢].

ومعنى قوله سبحانه بعدئذ : (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) أي قبح وبئس العون المعان والعطاء المعطى هذه اللعنة اللاحقة بهم في الدنيا والآخرة ، فقد سميت اللعنات رفدا تهكّما بهم. والرّفد في كلام العرب : هو العطية ، قال ابن عباس مبينا المراد من هذه الجملة : هو اللعنة بعد اللعنة.

١٣٩

إن تجنّب سوء المصير لكل إنسان أمر يسير ، وهو إعلان الإيمان بالله تعالى ، فذلك ليس أمرا صعبا ولا محرجا ، وأما التسبب في العذاب فهو طيش وحماقة ، وما أشد عذاب المتكبرين الرافضين دعوة الإيمان بالله ربّا هاديا ، كما جاء في قوله تعالى : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢)) [الحج : ٢٢ / ١٩ ـ ٢٢].

العبرة من قصص العذاب الشامل

لا بد لكل نظام من مؤيدات مدنية وجزائية ، حتى يحترم النظام ، وتسود كلمته وتعلو هيبته ، لأنه ليس كل الناس يستجيبون لنداء الحق والضمير ، والوعي والعقل والتفكير ، فيكون الجزاء الرادع مرهبا ومؤدبا العصاة ، وحاملا مجموع الناس على الالتزام بقواعد النظام. وهذا هو المنهج المتّبع في كل تشريع إلهي أو وضعي بشري. لذا اشتمل القرآن الكريم على قصص الأمم السابقة الذين رفضوا دعوة الإيمان بالله تعالى ، وآذوا الرسل والأنبياء ، واتبعوا الأهواء والشهوات ، وكان في إيراد هذه القصص عبرة واضحة وعظة بليغة. قال الله تعالى مصورا هذه الغاية :

(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١) وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢)) (١) (٢) [هود : ١١ / ١٠٠ ـ ١٠٢].

__________________

(١) لا أثر له كالزرع المحصود.

(٢) التتبيب : أي الخسران والهلاك.

١٤٠