التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0523-3
الصفحات: ٦٧١

يقترفون المعاصي الظاهرة أو الخفية ، سيجازيهم الله على عصيانهم إذا ماتوا ولم يتوبوا.

وتأكيدا للأمر بأكل ما ذكر اسم الله عليه ، نهى الله تعالى المؤمنين عن أكل البهيمة التي ماتت ولم يذكر اسم الله عليها ، والمذبوح لغير الله ، وهو ما كان المشركون يذبحونه لأصنامهم ، وهذا المذبوح فسق ومعصية. وإن شياطين الإنس والجنّ ليوسوسون إلى أعوانهم من المشركين ، ليجادلوا المؤمنين ، فإن وافقهم أحد من المؤمنين على ضلالهم ، فهو مثل المشركين ؛ لأنهم عدلوا عن أمر الله وشرعه إلى قول غيره ، وهذا هو الشّرك ، عافانا الله من جميع حالاته ، وجعل أعمالنا خالصة لوجه الله الكريم.

مثل المهتدي والضّالّ

الناس في عهد النّبوة وفي كل عهد صنفان إما مؤمن مهتد ، وإما كافر ضالّ ، والله يحبّ المؤمنين ويحبّ لهم الخير والسعادة ، ويبغض الكافرين وما يؤول إليه أمرهم من دمار وشرّ وخسران مبين ، لذا تعددت الآيات القرآنية المرغبة في الإيمان ، والمنفّرة من الكفر والضّلال إما من طريق التّشبيه بصورة حسّية مرئية ، وإما بتقرير العذاب الشديد في الدنيا والآخرة أو وصف النعيم ، وإما بالتهديد والإنذار والتوبيخ أو التبشير والرّضا والظفر بفضل الله ورحمته وإحسانه وإنعامه.

من هذه الآيات تشبيه المؤمن بالنّور والكافر بالظلمة ، قال الله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢) وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣)) [الأنعام : ٦ / ١٢٢ ـ ١٢٣].

٦٠١

نزلت هذه الآية ـ كما ذكر ابن عباس ـ في عمر وأبي جهل ، الأول يمثّل الإيمان ، والثاني يمثّل الكفر والضّلال ، وكل منهما رمز لفئة. شبّه الله تعالى الذين آمنوا بعد كفرهم بأموات أحيوا ، وشبّه الكافرين وحيرة جهلهم بقوم في ظلمات يتردّدون فيها ، ولا يمكنهم الخروج منها ، ليبيّن الله عزوجل الفرق بين الطائفتين والبون بين المنزلتين.

هذه مقارنة أو موازنة بين أهل الإيمان وجماعة الكفر ، أفمن كان ميتا بالكفر والجهل ، فأحييناه بالإيمان ، وجعلنا له نورا يضيء له طريقه بين الناس ، وهو نور القرآن المؤيّد بالحجة والبرهان ، وهو أيضا نور الهدى والإيمان ، أهذا الفريق مثل الفريق السائر في الظلمات : ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر ، وهو ليس بخارج منها ، أي لا يهتدي إلى منفذ ولا مخلص مما فيه ، كما قال الله تعالى في آيات أخرى ، منها : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢)) [الملك : ٦٧ / ٢٢].

وبما أن الاهتداء إلى الإيمان ، والانغماس في ظلمات الكفر والضّلال بسبب من الإنسان واختيار منه ، فإن الله تعالى يزيد المؤمنين توفيقا إلى الخير ، ويترك الكافرين سائرين في متاهات الكفر ، لذا ختمت الآية بهذه الحقيقة وهي : كما زيّن الله الإيمان للمؤمنين ، زيّن للكافرين الكفر والمعاصي ، أي حسّن لكل فريق عمله ، فحسّن الإيمان في أنظار المؤمنين ، وحسّن الكفر والجهالة والضّلالة في أعين الكافرين ، كعداوة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذبح القرابين لغير الله ، وتحريم ما لم يحرّمه الله ، وتحليل ما حرّمه.

ثم أورد الله تعالى ما يدلّ على سنّة ثابتة في البشر ، وهم الذين يعيشون في الظلمات كأبي جهل بن هشام وحالهم وحال أمثالهم ، فمثلهم جعل الله في كل قرية أكابر مجرميها رؤساءها ودعاتها إلى الكفر والصّدّ عن سبيل الله ، ليمكروا فيها بالصّد عن

٦٠٢

سبيل الله ؛ لأنهم أقدر على المكر والخداع وترويج الباطل بين الناس بحكم نفوذهم وسيادتهم وسيطرتهم. وهذه الآية تتضمن إنذارا بفساد حال الكفرة.

وهكذا يثور في كل وقت الصّراع بين الحق والباطل ، وبين الإيمان والكفر ، ولكل اتّجاه أعوانه وأنصاره ، وسادته وكبراؤه ، ولكن ما يمكر هؤلاء الأكابر المجرمون المعادون للرّسل إلا بأنفسهم ؛ لأن وبال مكرهم عليهم ، وعاقبة إفسادهم تلحق بهم ، لكنهم عديمو الشعور والإحساس الصادق ، فما يعلمون حقيقة أمرهم.

ويستمر النّزاع بين أهل الإيمان والخير ، وبين أهل الكفر والشّر ، وهذه هي نظرية تنازع البقاء وبقاء الأصلح ، والعاقبة والنصر للمؤمنين في النهاية ، كما قال الله تعالى : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [الرّعد : ١٣ / ١٧].

وواقع هؤلاء الضّالّين أسوأ من البهائم ، فإن البهائم تعلم علوم الحسّ ، وأما الضّالّون فهم مغرقون في الجهل لا يدركون الحقيقة ، وكأن الذي لا يشعر نفي عنه أن يعلم علم حسّ. إن الذين مكروا وضلّوا حفاظا على مراكزهم ونفوذهم ، لم يشعروا بأن عاقبة مكرهم تحيق بهم ، لجهلهم بسنن الله في خلقه ، كما قال الله سبحانه : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر : ٣٥ / ٤٣].

مطالبة المشركين بالنّبوة

النّبوة أو الرّسالة إنما تمنح لمن هو مأمون عليها وموضع لها ، وأقدر على تحمل أعبائها ، وليست هي مثل مناصب الدنيا التي تعتمد على الشهرة والنفوذ ، والسلطة والجاه أو المال ، أو النّسب ، أو كثرة الأعوان والأولاد.

ولقد استبدّ الغرور والشّطط بمشركي مكة ، فأرادوا أن تكون لهم النّبوة والرسالة ، وأن يكونوا متبوعين سادة ، لا تابعين ، وقالوا : لو لا نزّل هذا القرآن على

٦٠٣

رجل من القريتين عظيم ، أي مكة والطائف ، الوليد بن المغيرة من مكة أو عروة بن مسعود الثقفي من الطائف ، وذلك حسدا منهم وغرورا ، وظنّا منهم أن الرّسالة الإلهية كمراكز الدنيا تعتمد على المال أو السلطة.

قال الله تعالى مندّدا بهذه المطامع والآمال : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤) فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥)) (١) (٢) (٣) (٤) [الأنعام : ٦ / ١٢٤ ـ ١٢٥].

نزلت الآية الأولى في الوليد بن المغيرة قال : لو كانت النّبوة حقّا ، لكنت أولى بها من محمد ؛ لأني أكبر منه سنّا ، وأكثر منه مالا وولدا.

الآية الأولى ذمّ للكفار وتوعّد لهم ، فإنهم إذا جاءتهم علامة ودليل على صحة الشّرع الإلهي ، اشتطّوا واغتروا ، وطلبوا أن يؤتوا مثلما أوتي محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ، وقالوا : إنما يفلق لنا البحر ، إنما يحيي لنا الموتى ونحو ذلك ، أي إنهم طلبوا المستحيل ، وعلقوا إيمانهم على ممتنع ، وقصدوا بذلك أنهم لا يؤمنون أبدا.

والمعنى : إذا جاءت المشركين آية وبرهان وحجة قاطعة من القرآن تتضمن صدق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تبليغ وحي ربّه ، قالوا حسدا منهم ، وتعنّتا وغرورا : لن نؤمن حتى يكون لنا مثل محمد ، منصب عند الله ، وتظهر على أيدينا آية كونية أو معجزة مثلما أوتي رسل الله ، كفلق البحر لموسى ، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى لعيسى ؛ لأنهم أكثر أموالا وأولادا ، وأعزّ جانبا ورفعة بين الناس.

__________________

(١) ذلّ وهوان.

(٢) شديد الضّيق.

(٣) يتكلف صعودها.

(٤) أي العذاب.

٦٠٤

فردّ الله عليهم بقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) أي أن الله أعلم حيث يضع رسالته ومن يصلح لها من خلقه ، فالرسالة منصب ديني له مقومات خاصة ، وفضل من الله يمنحه من يشاء من عباده ، لا ينالها أحد بخصائص دنيوية عادية ، كالمال والولد والزّعامة والنفوذ ، وإنما تؤتى من هو أهل لها ، لسلامة فطرته ، وطهارة قلبه ، وقوة روحه ، وحسن سيرته وحبّه الخير والحق.

ثم أعلن الله وعيده الشديد لكل المتخلّفين عن الإيمان برسالة القرآن ودعوة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسيلحق المجرمين يوم القيامة ذلّ وهوان دائمان ، ويدركهم العذاب المؤلم الشديد ، جزاء بما كانوا يمكرون ، وعقوبة لتكبّرهم عن اتّباع الرّسل ، والانقياد لهم فيما جاؤوا به ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) [غافر : ٤٠ / ٦٠] أي صاغرين ذليلين حقيرين.

ثم جاء قرار الحسم وهو أنه لا داعي للتأسّف على إعراض المشركين عن دعوة الإسلام ، فمن يرد الله أن يوفّقه للحق والخير والإسلام ، ومن كان أهلا بإرادة الله وتقديره لقبول دعوة القرآن ، فإنه يشرح صدره له ، وييسره وينشطه ويسهله لذلك ، ومن فسدت فطرته بالشّرك ، ولم يكن مستعدّا للإيمان ، ولا أهلا ، يجعل الله صدره ضيّقا شديدا عازلا عن قبول الإيمان ، كاتما له عن نفاذ الخير إليه ، مثله كمثل من يصّعّد إلى السماء في طبقات الجو العليا ، حيث يشعر بضيق شديد في التنفس ، وكأنما يزاول أمرا غير ممكن ؛ لأن صعود السماء مثل فيما يمتنع ويبعد عن الاستطاعة ، وتضيق عنه المقدرة. وكما يضيّق الله صدر المعاندين ، كذلك يسلّط الله العذاب أو الشيطان عليهم وعلى أمثالهم ممن أبى الإيمان بالله ورسوله ، فيغويه ويصدّه عن سبيل الله سبيل الحق.

والهدي في هذه الآية : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) : هو خلق الإيمان في القلب

٦٠٥

واختراعه ، وشرح الصدر : هو تسهيل الإيمان وتحبيبه وإعداد القلب لقبوله وتحصيله. والهدي لفظ مشترك قد يأتي بمعنى الدعوة لشيء مثل قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى : ٤٢ / ٥٢] وقد يأتي بمعنى إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق والأعمال المؤدية إليها ، كقوله تعالى : (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥)) [محمد : ٤٧ / ٤ ـ ٥].

الطريق القويم وجزاء المستقيمين

تتعدّد طرق النجاح في الحياة بحسب ما ترتئيه الأفكار والعقول الإنسانية ، ولا يعرف الصواب منها إلا بعد تجارب عديدة ، وطويلة الأمد ، يمر فيها المجتمع ، فتدرك الأخطاء ، وتعرف أوجه الفائدة والمصلحة ، من هنا أراد الله تعالى اختصار الطريق والمدة على الناس ، فأبان لهم سلفا ما يحقق لهم الخير والنفع ، ويمنع عنهم الشّر والانحراف. وترغيبا في سلوك طريق الشّرع القويم وعد الله متّبعيه بالجنة دار السّلام ، وأوعد مخالفيه بالنّار مثوى الظالمين خالدين فيها أبدا بمشيئة الله. قال الله تعالى :

(وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩)) (١) [الأنعام : ٦ / ١٢٦ ـ ١٢٩].

يخبر الله تعالى أن هذا القرآن والشّرع الذي جاء به محمد عليه الصّلاة والسّلام

__________________

(١) مأواكم ومستقرّكم.

٦٠٦

وهو شرع الإسلام : هو طريق ربّك السّوي الذي ارتضاه للناس واقتضته الحكمة ، لا زيغ ولا انحراف فيه ، وهو العلاج المفيد والدواء النافع لكل داء ، كما قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وصف القرآن ـ فيما يرويه التّرمذي وأحمد عن علي ـ : «هو صراط الله المستقيم ، وحبل الله المتين ، وهو الذّكر الحكيم ، والنّور المبين».

فما عليكم أيها المؤمنون إلا اتّباعه إن أردتم النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة ، قد وضحنا الآيات وبيّنّاها لقوم لهم فهم ووعي يعقلون عن الله ورسوله ..

ولهؤلاء القوم الفاهمين الملتزمين طريق الشّرع : دار السلامة والطمأنينة وهي الجنة ، يوم القيامة ، والله متولّي أمورهم وكافيهم ، جزاء على صالح أعمالهم.

واذكر أيها النّبي فيما نقصّه عليك ، يوم نحشر الإنس والجنّ جميعا ونقول : يا جماعة الجن قد استكثرتم من إغواء الإنس وإضلالهم ، فيجيب الإنس الذين أطاعوا الجنّ واستمعوا إلى وسوستهم وتولّوهم : ربّنا انتفع كلّ منا بالآخر ، انتفع الإنس بالشياطين حيث دلّوهم على الشهوات وعلى أسباب التّوصل إليها ، وانتفع الجنّ بالإنس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم ، وبلغنا أجلنا الذي أجّلت لنا ، أي الموت أو يوم البعث والجزاء ، اعترفنا بذنوبنا ، فاحكم فينا بما تشاء ، وأنت أحكم الحاكمين ، ولقد أظهرنا الحسرة والنّدامة على ما فرّطنا في الدّنيا.

فأجابهم الله الحق تعالى بقوله : النار مأواكم ومنزلكم أنتم وإياها وأعوانكم ، وأنتم ماكثون فيها مخلدون على الدوام ، إلا من شاء الله من الخروج خارج النار لشرب الحميم ، أو الانتقال من عذاب النار ، إلى عذاب الزمهرير ، وفي كلا الحالين انتقال من عذاب إلى عذاب. وهذا معنى قوله تعالى : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ). وقال ابن عباس فيما رواه ابن جرير الطّبري وغيره : «إن هذه الآية آية لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ، ولا ينزلهم جنّة ولا نارا».

٦٠٧

ثم أبان الله تعالى أمرا اجتماعيّا مهمّا : وهو أنه مثل تولّي الجن والإنس بعضهم لبعض ، نولّي الظالمين بعضهم ببعض ، بأن نجعل بعضهم أنصار بعض ، بمقتضى التقدير والسّنة الكونية ، بسبب ما كانوا يكسبون من أعمال الظلم المشتركة بينهم ، فكل فريق يتولى ويرعى شبيهه في الخلق والعمل وينصره على غيره ، قال ابن عباس : «إذا رضي الله على قوم ولّى أمرهم خيارهم ، وإذا سخط على قوم ولىّ أمرهم شرارهم». وهذا تهديد عامّ لكل ظالم ظلما اجتماعيّا عامّا أو خاصّا. والتعاون بين الفئات المتشابهة في سلوكها ظاهرة قائمة في المجتمعات ، سواء فئات المؤمنين الصلحاء ، كما قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التّوبة : ٩ / ٧١]. أو فئات الكافرين الأشقياء ، كما قال الله سبحانه : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [الأنفال : ٨ / ٧٣] أي أعوانهم ونصراؤهم.

تقريع الظّلمة على كفرهم

إن العدل الإلهي أمر مطلق شامل جميع أحوال الناس في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا يرسل الله الإنذارات المتوالية من الكتب والرّسل لتبليغ الأحكام وشرائع الله ، والتحذير من مستقبل الحساب والجزاء الأخروي. وفي الآخرة لا يجد الظّلمة مناصا من الاعتراف بتقصيرهم وامتناعهم من الإيمان واقترافهم السيئات. ويظهر العدل في الآخرة على أتم وجه وأحكم مظهر ، حيث يوفّى كل إنسان بما عمل من خير أو شرّ. قال الله تعالى موضّحا أصول العدل وطرائق التزامه :

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١)

__________________

(١) خدعتهم.

٦٠٨

(١٣٠) ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢)) [الأنعام : ٦ / ١٣٠ ـ ١٣٢].

هذه الآيات تقريع للظالمين ، وتهديد شديد للكافرين من الجنّ والإنس ، وبيان حالهم يوم القيامة ، حيث يسألهم ربّهم ، وهو أعلم بما فعلوا ، قائلا : هل بلّغتكم الرّسل رسالات الله؟ يخبرونكم بآيات الإيمان والأحكام والآداب ، وينذرونكم لقاء يوم الحشر الرهيب ، وما فيه من الحساب والجزاء لمن يكفر بها ويجحدها؟!

فأجابوا عن السؤال ، وقالوا يوم القيامة : أقررنا بأن الرّسل قد بلّغونا رسالاتك ، وأنذرونا لقاءك ، وأن هذا اليوم يوم القيامة كائن لا محالة ، ونظير هذه الآية : (قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩)) [الملك : ٦٧ / ٩]. وهذا إقرار منهم بالكفر والتقصير.

وخدعتهم الحياة الدنيا بزينتها ومتاعها من الشهوات والأموال والأولاد وحبّ السلطة ورفعة الجاه ، ففرّطوا في حياتهم الدنيا ، وهلكوا بتكذيبهم الرّسل ، وإنكار المعجزات ، كبرا وعنادا.

وشهدوا على أنفسهم يوم القيامة أنهم كانوا كافرين في الدنيا ، بما جاءتهم به الرّسل عليهم‌السلام.

ذلك الإرسال للرّسل وإنذارهم الناس سلفا ، وإنزال الكتب الإلهية في عالم الحياة الحاضرة ، بسبب أن من سنّة الله ألا يؤاخذ أحد بظلمه إذا لم تبلغه الدعوة الإلهية من طريق صحيح ، وألا تهلك الأمم والشعوب بعذاب الاستئصال وهم غافلون عما يجب عليهم ، بل لا بدّ من إرسال الرّسل إليهم ، كما قال الله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ٣٥ / ٢٤] ، وقال سبحانه : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٧ / ١٥] ، فالله لا يظلم أحدا من خلقه ، ولكن الناس أنفسهم يظلمون ، فمن

٦٠٩

أطاع الله وآمن به وعمل صالحا ، استحقّ الثواب والمكافأة الحسنة ، ومن جحد وكفر وعمل شرّا ، استحقّ العقاب والجزاء الشديد. وكل ما نزل وينزل بالمسلمين اليوم إنما هو لسوء أعمالهم ، وتقصيرهم في تطبيق أمور دينهم. ولقد أخطأ كل الخطأ من نسب التّخلف للدين ، وترك أمر الناس الذين أصبحوا بلا دنيا ولا دين.

وما الدين إلا دافع لكل فضيلة وتقدّم ، ومانع من كل رذيلة وتخلّف ، ولا نجد مثل الإسلام يرغّب في الطاعة والعمل والعطاء ، ويرهّب من العصيان والخمول والأخذ والاعتماد على جهود الآخرين ؛ لهذا جعل القرآن تفاوتا في المنازل والدّرجات بحسب تفاوت الأعمال ، فذكر أن لكل عامل في طاعة الله أو معصيته مراتب ومنازل من عمله ، يبلّغه الله إياها ، ويثيبه بها ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ.

والله مطّلع رقيب على كل الأعمال ، فما من عمل للعباد إلا يعلمه ، وهو محصيه ومثبته لهم عنده ، ليجازيهم عليها عند لقائه إياهم ، ومعادهم إليه.

وهذا دليل على أن مناط السعادة والشقاء : هو عمل الإنسان وإرادته ، وكسبه واختياره ، وإن كان لا يقع شيء في ملك الله إلا بإرادته ، وإلا كان ذلك قهرا ، يتنافى مع ملك المالك وهو الله سبحانه ، تنزه الله عن كل نقص ، وتبرأ من كل عيب ، والله مع المحسنين أعمالهم ، المقبلين على ربّهم.

تهديد كفّار قريش وإنذارهم

لم يترك الله تعالى في قرآنه وسيلة لدفع الناس إلى الإيمان وترك الكفر إلا ذكرها ، ولم يهمل طريقة إصلاحية إلا سلكها ، سواء بالترغيب تارة ، والترهيب تارة أخرى ، وهذا الحرص التربوي رحمة من الله بعباده ، وفضل وإحسان لا نجد له نظيرا عند علماء التربية أو الحكماء والفلاسفة ، والسبب في ذلك أن تربية القرآن غير مشوبة

٦١٠

بنفع مادّي ، وهي مجردة من أجل الفضيلة ذاتها ، ولتحقيق السعادة الأبدية للناس قاطبة. أما المربّون البشر فهم متأثّرون بالجانب النفعي ، ولا تجد لديهم الحرص الشديد على تحقيق الثمرات والنتائج ، وإنما منهجهم الغالب : (قل كلمتك وامش). قال الله سبحانه مهدّدا كفار قريش بعذاب الاستئصال ومنذرهم بعذاب الآخرة :

(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥)) (١) [الأنعام : ٦ / ١٣٣ ـ ١٣٥].

أخبر الله تعالى عن نفسه بأنه (الْغَنِيُ) فهو غير محتاج إلى طاعة المطيعين ، ولا يتضرّر بمعصية المذنبين ، فإنه تعالى غني لذاته عن جميع العالمين ، لا تنفعه طاعة ولا تضرّه معصية ، ولا يفتقر إلى شيء من جهة من الجهات ، وهو سبحانه مع غناه ذو رحمة عامّة كاملة ، وقادر على وضع الرحمة في هذا الخلق أو في خلق جديد بديل عنهم ، ولكنه فوّض الأمر إلى خلقه على سبيل التهديد.

ومعنى الآيات : وربّك أيها النّبي هو الغني عن جميع خلقه وعن عبادتهم من جميع الوجوه ، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ، وهو مع ذلك ذو الرحمة الشاملة بهم ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) [الحجّ : ٢٢ / ٦٥]. وقال في بيان غناه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥)) [فاطر : ٣٥ / ١٥].

إن يشأ الله يذهبكم ويستأصلكم أيها الكفار المعاندون في مكة وغيرها بعذاب الاستئصال الشامل ، كما أهلك من عاند الرّسل كعاد وثمود ، ويأت بخلق جديد

__________________

(١) أقصى ما يمكنكم.

٦١١

غيركم أفضل منكم وأطوع ، كما قدر على إنشائكم من ذرّية قوم آخرين ، فهو سبحانه قادر على الإهلاك والإنشاء معا ، وقد حقق ذلك ، فأهلك زعماء الشّرك المعاندين ، واستخلف من بعدهم قوما آخرين ، وهم المهاجرون والأنصار الذين كانوا مظهر رحمة الله للبشر في سلمهم وحربهم.

وبعد توجيه هذا الإنذار بالإهلاك في الدنيا ، أتبعه الله إنذارا آخر في الآخرة بقوله سبحانه : (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ) أي أخبرهم أيها النّبي أن الذي توعدون به من الجزاء الأخروي كائن لا محالة ، ولستم بمعجزين الله بهرب ولا امتناع مما يريد ، فهو القادر على إعادتكم ، وإن صرتم ترابا رفاتا وعظاما بالية ، وهو القاهر فوق عباده.

ثم أردف الله تعالى الإنذارين السابقين بتهديد آخر شديد ، وهو أخبرهم أيها النّبي بقولك : استمرّوا على طريقتكم وحالتكم التي أنتم عليها ، إن كنتم تظنّون أنكم على هدى ، فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي ، كما جاء في آية أخرى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢)) [هود : ١١ / ١٢١ ـ ١٢٢].

إنكم سوف تعلمون أيّنا تكون له العاقبة المحمودة ، أنحن أم أنتم؟ وعاقبة الدار : العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها. إنه لا يفلح الظالمون ، أي لا يسعد ولا ينجح الظالمون أنفسهم بالكفر بنعم الله تعالى واتّخاذ الشّركاء له في ألوهيّته ، كما ورد في آية أخرى : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) [إبراهيم : ١٤ / ١٣ ـ ١٤].

وقوله تعالى : (اعْمَلُوا) معناه : إنكم سترون عاقبة عملكم الفاسد ، وهذا وعيد وتهديد ، وقوله : (عَلى مَكانَتِكُمْ) معناه : على حالكم وطريقتكم. ثم جزم الله الحكم بأنه (لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي لا ينجح سعيهم ، ولا يظفرون بشيء مفيد.

٦١٢

ومن أدب القرآن العالي اللطف في الإنذار حين قال تعالى : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أي العقبى يوم القيامة ، وذلك مثل قوله سبحانه : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٣٤ / ٢٤].

نماذج من أنظمة الجاهليّة

قرر عرب الجاهلية مجموعة من الأنظمة والشرائع بمحض الأهواء والتّخيلات ومرتبطة ارتباطا وثيقا بعقيدة الوثنية والشّرك وعبادة الأصنام والأوثان ، وكل ذلك لا يتقبّله العقل الإنساني السّوي ولا المصلحة العامة للنّظام القبلي ، لأنه يفرّق ولا يجمع ، ويهدم ولا يبني. ومن هذه الأنظمة الواهية ما يتعلّق بالصدقات والقرابين ، ومنها ما يتعلّق بالأولاد ، ومنها ما يتّصل بقسمة الأنعام. قال الله تعالى واصفا هذا التشريع الفاسد والافتراء الكاذب :

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣٦) وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧) وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣٨) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧)

__________________

(١) خلق.

(٢) الزرع.

(٣) المواشي وهي الإبل والبقر والغنم والمعز.

(٤) ليوقعوهم في الهلاك.

(٥) ليخلطوا عليهم.

(٦) يختلقونه من الكذب.

(٧) أي ممنوعة حرام.

٦١٣

وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠)) (١) [الأنعام : ٦ / ١٣٦ ـ ١٤٠].

سبب نزول هذه الآيات : أن العرب كانت تجعل من غلاتها وزرعها وثمارها ومن أنعامها جزءا تسمّيه لله ، وجزءا تسمّيه لأصنامها ، وكانوا يعنون بنصيب الأصنام أكثر منها بنصيب الله ، لأن الله غني والأصنام فقيرة.

فهذه ألوان ثلاثة من شرائع الجاهلية العربية قبل الإسلام ، ابتدعها المشركون بأهوائهم وآرائهم الفاسدة ، ومن وساوس الشيطان وإيحاء إبليس. أما اللون أو الأنموذج الأول فهو كيفية قسمة القرابين من الحرث والأنعام ، أي الزروع والمواشي ، فجعلوا منها نصيبا مخصّصا للأوثان والأصنام ، ونصيبا لله ، قائلين : هذا لله بزعمهم الذي لا دليل عليه ، وهذا لشركائنا ومعبوداتنا نتقرّب به إليها ، أما نصيب الله فيطعمونه الفقراء والمساكين ويكرمون به الضّيفان والصّبيان ، ونصيب الآلهة المزعومة يعطى لسدنتهم وخدمهم وينفقون منه على معابدهم ، وما كان لشركائهم وأوثانهم يصرف لها ، وما كان لله فهو واصل إلى شركائهم ، وفي الحالين لا يصل إلى الله شيء ، ألا ساء الحكم حكمهم ، وبئس ما يصنعون.

والأنموذج الثاني الذي زيّن به الشيطان لهم أفعالهم : أن كثيرا من المشركين أقدموا على فعل شنيع جدّا ، وهو قتل أولادهم الذكور والبنات ، وكان شركاؤهم وهم سدنة الآلهة وخدمها والشياطين زيّنوا لهم قتل هؤلاء البنات ، وأفهموهم أن قتلهم أولادهم قربى إلى الآلهة ، كما فعل عبد المطّلب حين نذر قتل ابنه عبد الله ، ومنشأ هذا التّزيين : أنهم خوّفوهم الفقر العاجل ، وأوهمهم أن بقاء البنات عار وخزي

__________________

(١) وصف التحليل والتحريم كذبا.

٦١٤

وهوان ، فأنكر القرآن الكريم عليهم ذلك الفعل ، والتّذرع بهذا السبب ، بقوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) [الإسراء : ١٧ / ٣١]. وفي قوله سبحانه : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)) [التّكوير : ٨١ / ٨ ـ ٩].

وغاية هذا التّزيين هي أن يردوا المشركين ويهلكوهم بالإغواء ، ويخلطوا عليهم أمر دينهم ـ دين إبراهيم وإسماعيل ـ دين التوحيد الذي لا شيء فيه من هذا ، ولو شاء الله ما فعلوا هذا أبدا ، فاتركهم أيها النّبي وما يدينون ويفترون من الكذب والضلال ، وما عليك إلا البلاغ ، فإنهم بأنفسهم اختاروا هذا الطريق المعوج دون جبر ولا إكراه. والأنموذج الثالث من شرائع الجاهلية : أنهم قسموا أنعامهم ثلاثة أقسام :

أ ـ أنعام محبوسة على معبوداتهم وأوثانهم الآلهة ، قائلين : لا يطعمها ولا يأكل منها إلا من شاء بحسب زعمهم من غير حجة وبرهان ، وهم خدم الأوثان والرجال دون النساء.

ب ـ وأنعام ممنوعة ظهورها ، فلا تركب ولا يحمل عليها ، وهي البحيرة والسائبة والحامي ، إذا ولد منها نتاج معين.

ج ـ وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها عند الذبح ، وإنما يذكرون عليها أسماء الأصنام ، ولا ينتفعون بها حتى في الحج.

هذه القسمة الجائرة مجرد افتراء على الله ، فالله لم يشرع ذلك ، وليس لهم أن يحلّلوا أو يحرّموا شيئا لم يأذن الله به ، وسيجازيهم الله الجزاء الذي يستحقونه بسبب افترائهم.

ومما قال هؤلاء المشركون : إن أجنّة وألبان هذه الأنعام (المواشي) حلال خاص برجالنا ، ومحرّم على نسائنا ، فإذا ولدت الشّاة ذكرا ، فلبنها للذكور دون الإناث ،

٦١٥

وإذا ولدت أنثى تركت للنّتاج فلم تذبح ، وإذا كان المولود ميتا اشترك فيه ـ أي في أكله ـ الذكور والإناث ، والله يجزيهم على قولهم ووصفهم الكذب في ذلك ، إنه سبحانه حكيم في صنعه وتدبيره ، عليم بأفعال وأقوال خلقه.

ثم حكم الله تعالى على المشركين بالخسارة الفادحة حين قتلوا أولادهم ووأدوا بناتهم ، سفها أي حماقة وجهلا ، خوفا من ضرر موهوم وهو الفقر ، وحين حرموا على أنفسهم طيّبات الرزق افتراء وكذبا على الله ، إنهم ضلّوا ضلالا واضحا بعيدا عن الحق ، ولم يهتدوا إلى الصواب ، ولم يرشدوا إلى خير أبدا لا في الدنيا ولا في الآخرة.

الرّد على المشركين لإثبات قدرة الله تعالى

التّشريع في الإسلام منوط بمن يملك القدرة اللامتناهية على خلق الأشياء وإيجادها ، وبما أن الله تعالى هو وحده مبدع الكائنات كلها ، وصاحب النّعم الجليلة ، فهو مصدر التشريع من إباحة وتحريم ، وإيجاب ومنع ، وليس للبشر الحق في أن يحرّموا أو يحلّلوا ما شاؤوا من غير حجة بيّنة ولا برهان واضح ، لذا نبّه القرآن الكريم إلى هذه القضية المهمة الخطيرة ، فلما افترى المشركون على الله الكذب ، وأحلّوا وحرّموا ، دلّهم على قدرته ووحدانيّته تعالى ، وأوضح لهم أن الخالق المبدع هو صاحب الحق في التحليل والتحريم ، فقال الله عزوجل :

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً (١) (٢)

__________________

(١) محتاجه للتّعريش كالكرم.

(٢) مستغنية عنه كالنّخل.

٦١٦

أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١) وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [الأنعام : ٦ / ١٤١ ـ ١٤٤].

هذه الآيات تنبيه على مواضع الاعتبار والاتّعاظ ، وقد تضمّنت الأمر بفريضة الزكاة على الزروع والثمار ، أخرج ابن جرير الطبري عن أبي العالية قال : كان المشركون يعظّمون شيئا سوى الزّكاة ، فنزلت هذه الآية : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وقال أبو العالية : كانوا يعظّمون يوم الحصاد شيئا سوى الزكاة ، ثم تباروا فيه وأسرفوا ، فقال الله تعالى : (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)

ومعنى الآيات أن الله تعالى هو الذي أوجد البساتين والكروم المشجرة ، سواء منها المعروش ، أي الذي يحمل على عرش وهو السقف الذي يوضع عليه كروم العنب ، وغير المعروش : وهو البساتين وما يلقى على وجه الأرض من غراس الشجر في الجبال والصحراء ونحو ذلك ، وخلق سبحانه أيضا النّخل والزّرع المختلف الطعم واللون والرائحة والشكل ، وخصص الله إيراد النّخل لكثرته عند العرب ولجماله

__________________

(١) ثمره في الطعم والجودة والرّداءة.

(٢) ما يحمل الأثقال كالإبل.

(٣) ما يفرش للذّبح كالغنم.

(٤) طرقه وأعماله.

(٥) أمركم الله.

٦١٧

وكثرة منافعه ودوام ورقه ، دون سقوط في مختلف الفصول ، وأنشأ الله أيضا مع هذا : الزيتون والرّمان متشابها في المنظر وغير متشابه في الأكل والطّعم ، وذلك كله مظهر من مظاهر قدرة الله تعالى وحكمته ووحدانيته في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

بدليل أن التربة واحدة والماء واحد ، ويخرج منهما أصناف الأشجار والثمار والزروع من طعام وعسل ومسك ونباتات وأعشاب طبية وغير طبية ، وكل ذلك لمنفعة الإنسان وخدمة أغراضه.

فكلوا أيها الناس من ثمر هذه الزروع والبساتين ، واشكروا نعمته عليكم بإيتاء الفقراء والمساكين جزءا من الناتج والغلّة يوم الحصاد أو القطاف ، وهذه هي الزّكاة المفروضة المطلقة في بدء صدر الإسلام ، ثم حددت أصناف الزكاة في آيات مدنية. ولا تسرفوا أيها الناس ، فالإسراف خطأ مطلقا ولو في الشيء الحلال ، ولا تسرفوا في الأكل ، ولا في التّصدق ، إنه سبحانه لا يحبّ المسرفين في أي شيء ، وإنما يحب التوسط.

وخلق الله لكم من الأنعام أنواعا مختلفة ، منه ما يصلح للحمل والعمل والركوب ، ومنه الصغار الذي يتخذ فرشا أي يفرش على الأرض للذبح ، كلوا مما رزقكم الله ، وانتفعوا بلحوم الأنعام وألبانها وأوبارها وشعرها وصوفها ، ولا تتبعوا خطوات الشيطان ومزالقه بتحريم ما أحلّ الله ، أو إحلال ما حرّم الله ، فإن الشيطان عدوّ ظاهر العداوة للإنسان.

وهذه الأنعام ثمانية أصناف وأزواج وهي الإبل والبقر والغنم والمعز ، وكل منها ذكر وأنثى : كبش ونعجة ، وتيس وعنزة ، وجمل وناقة ، وثور وبقرة.

فما الذي حرّم الله عليكم أيها المشركون : أحرّم الذّكرين من الجمل والثور أم حرّم الأنثيين من الناقة والبقرة أم حرّم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين؟ لم يحرّم الله

٦١٨

شيئا من ذلك إذا ذبح ، فأخبروني عن دليل لكم في التحريم والتحليل إن كنتم صادقين في ادّعائكم ، إنكم لكاذبون فيما زعمتم ، وهل كنتم حضورا شهودا شاهدتم ربّكم ، فوصّاكم وأمركم بهذا التشريع ، فمن أظلم ممن افترى على الله الكذب لإضلال الناس جهلا بغير علم ، والله تعالى جزاء لهذا الظلم لا يوفق للرّشاد من افترى عليه الكذب ، ولا يهديه إلى الحق والعدل.

المقارنة بين المحرّمات في شريعتنا وبين شريعة اليهود

ذكر القرآن الكريم مقارنة لطيفة بين المطعومات المحرّمة في شريعتنا وبين المحرّمات على اليهود ، ليظهر الفارق الواضح بين أسباب التحريم ، ففي شريعتنا كان سبب التحريم في المطعومات الحرام ما فيها من ضرر وأذى للصحة أو العقيدة ، وفي شريعة اليهود كان سبب التحريم هو البغي والعدوان وتجاوز حدود الوحي الإلهي ، فاستحقوا بذلك المكايدة والمضايقة في الدنيا وإنزال العذاب عليهم في الآخرة. قال الله تعالى :

(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) (٨) [الأنعام : ٦ / ١٤٥ ـ ١٤٧].

__________________

(١) سائلا.

(٢) خبيث نجس.

(٣) ذكر عند ذبحه اسم غير الله.

(٤) ألجئ لأكله.

(٥) غير طالب الحرام للذة ، ولا متجاوز ما يسدّ الرمق.

(٦) ماله إصبع.

(٧) الأمعاء.

(٨) لا يدفع عذابه.

٦١٩

أخرج عبد بن حميد في بيان سبب نزول آية (قُلْ لا أَجِدُ ..) عن طاوس قال : إن أهل الجاهلية كانوا يحرّمون أشياء ، ويستحلّون أشياء ، فنزلت : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ..) الآية.

ذكرت هذه الآية المكّية أنواع المحرّمات في الجملة ، وفصّلتها آية المائدة (٣) المدنية ، ثم حرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكل كل ذي ناب من السّباع وكل ذي مخلب من الطير. وتحريم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة في المدينة ؛ لأنها في حكم الميتة ، وإن كان موتها بسبب وليس حتف الأنف.

أمر الله نبيّه أن يعلن أنه لا يوجد في شريعة القرآن تحريم شيء على طاعم وآكل يأكله إلا أربعة أنواع : هي الميتة التي ماتت حتف أنفها بغير ذبح شرعي ، والدّم المسفوح أي الدّم السائل الذي يتدفّق من عروق المذبوح ، ولحم الخنزير ومثله شحمه وسائر أجزاء جسده ، فإنه نجس ينبغي اجتنابه ، والفسق وهو المذبوح لغير الله ولم يذكر اسم الله عليه ، وهو ما يتقرّب به إلى الأصنام والأوثان. أما الدّم الجامد وهو الكبد والطّحال فحلال أكله ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيما يرويه الحاكم والبيهقي عن ابن عمر ـ : «أحلّت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالحوت (السمك) والجراد ، وأما الدّمان فالكبد والطّحال».

وتحريم هذه الأشياء الأربعة لما فيها من ضرر صحي يؤذي الجسد ، أو ضرر يمسّ الاعتقاد وهو القرابين المذبوحة التي يتقرّب بها إلى الأصنام والأوثان. ثم استثنى الله تعالى من هذه المحرّمات حال الضرورة : وهي احتمال الوقوع في خطر الموت أو الهلاك جوعا أو عطشا إذا لم يتناول الممنوع ، فمن أصابته ضرورة ملجئة إلى أكل الحرام ، فهو حلال له بشرط ألا يكون باغيا ، أي قاصدا له ، ولا متجاوزا حدّ الضرورة ، فضلا من الله ورحمة ، ويغفر الله للآكل حينئذ ويرحمه حفاظا على حقّ

٦٢٠