التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0523-3
الصفحات: ٦٧١

بني آدم ، من عرب وعجم ، كما قال الله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ٧ / ١٥٨] وقال سبحانه : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [الأنعام : ٦ / ١٩].

وكل من آمن بالآخرة والمعاد وقيام الساعة يؤمن ويصدّق بهذا الكتاب المبارك الذي أنزلناه إليك يا محمد ، وهو القرآن ، هؤلاء المؤمنون هم الذين يحافظون على صلواتهم ، أي يقيمون ما فرض عليهم من أداء الصلوات في أوقاتها ، ويسرعون إلى كل أمر آخر أمروا به.

جزاء المفترين على الله الكذب

إن هناك أنواعا من الظلم القبيح ، ولكن أشدّ أنواع الظلم قبحا هو افتراء الكذب على الله ، وادّعاء نزول الوحي ، مثل فئة المتنبّئين الذين ادّعوا النّبوة كمسيلمة الكذّاب والأسود العنسي ، فإنهم جماعة حمقى ، اقتحموا مجالا يسهل كشف حقيقته ، وزيف ادّعاءاته ؛ لأن الوحي لا يكون بسخف القول ، وتفاهة الكلام الذي يأباه العقلاء ، ويرفضه أبسط الناس وأدناهم تأمّلا وتفكّرا ، لذا أنكر الله تعالى هذا الظلم الذي ارتكبوه ، وفضح هذا المسلك الذي ادّعوه واختلقوا فيه الأكاذيب ، فقال الله تعالى :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ (١) (٢)

__________________

(١) سكراته وشدائده.

(٢) الهوان والذّل.

٥٨١

آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣) وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤)) (١) (٢) [الأنعام : ٦ / ٩٣ ـ ٩٤].

نزلت آية (وَمَنْ أَظْلَمُ) ـ فيما رواه الطبري عن عكرمة ـ في مسيلمة ، وأما آية (سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) فنزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، كان يكتب للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيملي عليه : (عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فيكتب (غفور رحيم) ثم يقرأ عليه ، فيقول : نعم سواء ، فرجع عن الإسلام ولحق بقريش.

وقال عكرمة في آية (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) قال النّضر بن الحارث : سوف تشفع إلي اللات والعزى ، فنزلت هذه الآية : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) إلى قوله : (شُرَكاءُ) هذه الآيات لإثبات النّبوة ، فيها وعيد من ادّعى النّبوة والرّسالة ، على سبيل الكذب والافتراء ، وهذا الوعيد يتضمن الشهادة بصدق النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأن نفي النّبوة عن مدّعيها إثبات لمن أعطيها حقّا. ولقد ادّعى النّبوة أناس أغرار حمقى ، كمسيلمة الكذّاب في اليمامة ، والأسود العنسي في صنعاء اليمن ، وطليحة الأسدي في بني أسد ، والمختار بن أبي عبيد وسواهم.

والمعنى : لا أحد أظلم ممن كذب على الله ، فجعل له شريكا أو ولدا ، أو ادّعى النّبوة والرّسالة ، ولم يرسله الله إلى الناس ، أو قال : أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ، وهذا القول الأخير فيه كذبان : ادّعاء النّبوة ونفيها عن غيره ، أو قال وهو النّضر بن الحارث (سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) وقال : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) [الأنفال : ٨ / ٣١] ، وكان يقول في القرآن : إنه من أساطير الأولين ، وإنه شعر ، لو نشاء لقلنا مثله.

__________________

(١) ما أعطيناكم من متع الدنيا.

(٢) تفرق الاتّصال بينكم.

٥٨٢

وعاقبة هؤلاء المفترين : تعذيبهم عند قبض أرواحهم وفي الآخرة ، فليتك تبصر أيها الرسول وكل مؤمن حين يكون الظالمون في سكرات الموت وشدائده ، لرأيت أمرا عجبا عظيما لا سبيل إلى وصفه ، حين تبسط الملائكة أيديهم إليهم ، لقبض أرواحهم بالضرب والشّدّة والعنف ، كما قال تعالى : (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧)) [محمد : ٤٧ / ٢٧].

وتقول الملائكة لهم توبيخا وتهكّما : أخرجوا أرواحكم إلينا من أجسادكم ، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أي إنكم اليوم تهانون أشد الهوان ، كما كنتم تكذّبون على الله ، وتستكبرون عن اتّباع آياته ، والانقياد لرسله ، فلا تؤمنون بالآيات والرّسل ، وتفترون على الله غير الحق. وعذاب الهون : هو عذاب الهوان الشديد.

ثم يقال لهم بعد قبض أرواحهم يوم القيامة : ولقد أتيتمونا منفردين عن الأنداد والشركاء والشفعاء وانعدام النصراء ، كالانفراد الأول في وقت الخلقة عند ولادتكم من بطون أمهاتكم ، وتركتم وراء ظهوركم في الدنيا ما أعطيناكم من مال وولد وخدم وأثاث وقصور وغيرها من النعم والأموال التي جمعتموها ، ولم تنتفعوا بها هنا ، فهي لا تغني عنكم شيئا.

ليس معكم في القيامة ما زعمتم من الأصنام أنها شفعاؤكم عند الله وشركاء له ، وفي هذا تبيان الخطأ الشديد في عبادة الأصنام وتعظيمها ، لقد تقطّع بينكم ، أي لقد تقطع يوم القيامة ووصلكم بينكم ، وما كان من صلات وصداقات مزعومة ، وغاب عنكم ما كنتم تفترونه من شفاعة الشفعاء ، ونداء الأوثان والشركاء ، ورجاء الأصنام ، ويناديهم الرّب جلّ جلاله على رؤوس الأشهاد : (فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ

٥٨٣

كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [القصص : ٢٨ / ٦٢] ويقال لهم : (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣)) [الشّعراء : ٢٦ / ٩٢ ـ ٩٣].

مظاهر القدرة الإلهية في الكون

تتوالى الآيات القرآنية تفضّلا من الله ورحمة في إيراد الأدلة القاطعة الحاسمة على إثبات وجود الإله الصانع الخالق ، بما يشاهده الإنسان ويجاوره ويلمسه في هذا الكون العجيب من السماء والأرض ، وتتلخص تلك الأدلة في لفت الأنظار إلى صاحب الخلق والإيجاد ، والإحياء والإماتة ، والتقدير والتدبير لحركة الكواكب والنجوم ، وتقلّب الليل والنهار ، وإنبات الأشجار من كروم النّخيل والعنب والزيتون والرمان ، وحمل الثمار اليانعة والفواكه الدانية ، قال الله تعالى :

(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) (٨) (٩) (١٠) [الأنعام : ٦ / ٩٥ ـ ٩٩].

__________________

(١) أي تصرفون.

(٢) شاق ظلمته عن بياض النهار.

(٣) يجريان بحساب مقدر في أفلاكهما.

(٤) في الأصلاب أو الأرحام.

(٥) في الأرحام ونحوها.

(٦) نباتا أخضر.

(٧) متراكما.

(٨) أول ما يخرج من ثمر النّخل.

(٩) عناقيد قريبة التّناول.

(١٠) نضجه وإدراكه.

٥٨٤

هذه الآيات الكريمات تنبيه على مواطن العبرة والنظر ، وضرورة التّأمّل في آفاق الكون الزاخرة بالبراهين الحسية على وجود الله تعالى ، فهي ترشدنا إلى حقيقة بالغة واضحة ، وهي أن الله سبحانه لا هذه الأصنام وبقية المخلوقات ، هو فالق الحبّ والنّوى أي البزر ، يشقّها بقدرته في التراب ، فتنفلق منها النّبتة الصغيرة ذات الجذر الضعيف والوريقة الدقيقة ، ويبين بعضها عن بعض ، فيخرج منها ـ أي (من تلك النّوى) ـ الزرع على اختلاف أصنافه من الحبوب ، والثمار على اختلاف ألوانها وأشكالها وطعومها ، ويظهر النبات الحيّ المتحرّك من الحبّ والنّوى الذي هو جماد كالميت ، ويوجد الحبّ والنّوى الميت من النبات الحيّ ، والنطفة والبيضة من الحيوان ، والإفرازات مثل اللبن من الحيوان الحيّ ، ويتحقق النمو والتكاثر بين الحي والميت ، والميت والحي ، وهذا في المادّيات ، وكذلك في المعنويات يخرج الله المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن ، ذلكم الفاعل هذا هو الله المتّصف بكمال القدرة ، وبالغ الحكمة ، المحيي والمميت ، والموجد والمعدم ، فكيف تصرفون أيها البشر عن إدراك الحق ، وتعدلون عنه إلى الباطل ، فتعبدون معه غيره ، وتشركون به شريكا آخر عاجزا ، لا يقدر على شيء من ذلك.

وتأمّل أيها الإنسان أيضا ، فإن الله هو فالق الإصباح الذي يشقّ فجر النّور من أوساط الظلام ، فهو خالق الضياء والظلام ، وهو سبحانه الموجد سكون الليل وهدوءه ، المبدع نظام الشمس والقمر طريقا للحساب ومعرفة عدد الشهور والسنوات ، وكلاهما يجري بحساب دقيق لا يتقدم ولا يتأخر ، ذلك الإبداع الشامل حاصل بتقدير الله القوي القاهر الذي لا يمانع ولا يغالب ، العليم بكل شيء ، فلا يغيب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء.

والله سبحانه هو الذي أوجد النجوم والكواكب الأخرى غير الشمس والقمر ،

٥٨٥

للاهتداء بها في الأسفار وفي ظلمات الليل والماء في البر والبحر ، قد بيّن الله لكم الآيات القرآنية والآيات الكونية لأهل العلم والنظر الذين يدركون سرّ عظمة هذه الآيات ، ويستدلون بها على وجود الله وقدرته ووحدانيته وعلمه.

وبعد بيان آيات الله في الأرض والسماء ، ذكر الله تعالى آياته في الأنفس ، فهو سبحانه الذي خلقكم جميعا أيها الناس في الأصل من نفس واحدة هي آدم عليه‌السلام ، وهو الإنسان الأول الذي تناسل منه سائر البشر بالتّوالد والتّزاوج عن طريق الاستقرار في الأرحام والاستيداع في الأصلاب ، قد أبان الله العلامات الدّالة على قدرته وإرادته ، وعلمه وحكمته لقوم يفهمون ما يتلى عليهم.

والله هو الذي أنزل بقدرته وتصريفه من السحاب ماء بقدر ، مباركا ورزقا للعباد ، فأخرج بالمطر أصناف النبات المختلف الشكل والخواص والآثار ، وأخرج به زرعا وشجرا أخضر ، وجعل من النبات حبّا متراكما بعضه على بعض كالسّنابل ونحوها ، وجعل من طلع النّخل عناقيد قريبة التّناول ، وأخرج من الخضر بساتين من العنب والزيتون والرّمان ، متشابها في الورق والشكل ، قريبا بعضه من بعض ، ومتخالفا في الثمار شكلا وطعما وطبعا ، حلوا وحامضا ، انظروا وتأمّلوا إلى الثمار إذا أثمرت وإلى نضجها كيف صارت وأينعت ، إن في ذلك لعلامات لقوم يصدقون بالله ويتّبعون رسله ، وذلك هو الإيمان المطلوب ، وتلك براهينه الدّالة عليه.

بعض المزاعم الباطلة

بنسبة الجنّ والولد والصّاحبة لله تعالى

ليس هناك شيء أشدّ افتراء وكذبا على الله من نسبة الشركاء لله ، من الجنّ والولد واتّخاذ الصّاحبة ، فالله أسمى وأعلى وأغنى من كل ذلك ، فلا حاجة له إلى الأعوان ،

٥٨٦

سواء من عالم الجنّ أو من عالم الإنس ، وسواء من الذكور والإناث ، لأن الألوهية والرّبوبية فوق هذه الأوضاع التي يحتاج إليها البشر ، ويستغني عنها الخالق القادر ، العلي القاهر ، ومثل هذه المزاعم والافتراءات الباطلة ما هي إلا لون من سخف المشركين ، وسطحية الوثنيين ، وضلال الكافرين. قال الله تعالى مبيّنا هذا اللون من التفكير الديني الوثني :

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [الأنعام : ٦ / ١٠٠ ـ ١٠٣].

هذه الآيات تشير إلى العادلين بالله عزوجل ، والقائلين : إنّ الجنّ تعلم الغيب ، وتتصرّف في الأشياء ، وتعبد الجنّ ، وكانت طوائف من العرب تفعل ذلك وتستجير بجنّ الأودية في أسفارها. وهناك طائفة من الكتابيّين نسبوا إلى الله الابن كعزير والمسيح ، وطائفة أخرى من العرب وصفوا الملائكة بأنهم بنات الله.

والآيات ردّ على فئات المشركين المختلفة الذين عبدوا مع الله غيره ، عبدوا الجنّ حين صيّروا لله شركاء له في العبادة ، ولم تكن عبادتهم الأصنام إلا بطاعة الجنّ وأمرهم إياهم بذلك ، إنهم جعلوا الجنّ من الملائكة أو الشياطين شركاء لله ، مع أن الله هو الذي خلق المشركين وغيرهم ، فكيف يكون المخلوقون شركاء لله؟! إنهم اختلقوا أكاذيب ، وأباطيل ، بجعل البنين والبنات لله جهلا بغير علم ، تنزه الله

__________________

(١) الشياطين حيث أطاعوها.

(٢) أي اختلقوا له الأولاد كذبا وزورا.

(٣) مبدع.

(٤) كيف يكون.

(٥) لا تحيط به سبحانه.

٥٨٧

وتعاظم وتقدّس عما يصفه هؤلاء الجهلة الضّالّون من الأولاد والأنداد والشركاء ؛ لأنه الخالق المدبّر لها ، وليس كمثله شيء. والله مبدع السماوات والأرض وخالقهما ومنشئهما على غير مثال سبق ، وكيف يكون له ولد ، والحال أنه لم تكن له صاحبة ، والولد إنما يكون متولّدا بين شيئين متناسبين ، والله تعالى لا يناسبه ولا يشابهه شيء من خلقه ، لأنه خالق كل شيء ، فلا صاحبة له ولا ولد ، وهو مبدع الكائنات في السماء والأرض ، وهو المتسبب في إيجاد الذّرّية من طريق التّوالد والتّناسل ونفخ الرّوح في الأجنّة في بطون الأمهات.

لقد خلق الله الكون ، وأوجد كل شيء من العدم ، فليس الله بوالد ولا مولود ، كما تزعمون ، فما اخترعتم له من الولد ، فهو مخلوق له لا مولود منه ، فكيف يكون له صاحبة من خلقه تناسبه؟ وهو الذي لا نظير له. والله محيط علمه بكل شيء ، وعلمه ذاتي له ، لم يعلّمه أحد ، ولا يعلم أحد مثل علمه ، فلو كان له ولد ، لكان هو أعلم به ، وأرشد إليه ، فتكون نسبة الولد لله كذبا وافتراء بلا دليل عقلي ولا وحي ثابت.

وإذ ثبت أن الله لا ولد له ، فذلكم الإله الحق هو الله ربّكم ، الذي لا إله إلا هو ، والذي خلق كل شيء ، ولا ولد له ولا صاحبة ، فما عليكم إلا أن تعبدوه وحده لا شريك له ، وتقرّوا له بالوحدانية ، وأنه لا إله إلا هو ، وهو الوكيل على كل شيء ، الحافظ المتصرّف في الأشياء ، المدبّر لها ، فلا يصح أن تعبدوا غير الله ، وعليكم أن تعبدوا الله المتّصف بصفات العظمة والقدرة والإرادة ، والتّصرف المطلق في الأشياء ، والمستقلّ بإبداع الأشياء وإيجادها.

ثم إن الله سبحانه غير محصور في مكان ، ولا محدد في موضع معين ، لا تستطيع الأبصار إدراكه والإحاطة الكلية به ، ولا يتمكّن أحد من رؤيته في الدنيا ، وإنما هو

٥٨٨

الذي يرى العيون الباصرة رؤية إدراك وإحاطة وشمول ، وهو الرفيق بعباده ، الخبير بهم ، المطّلع على جميع أحوالهم ، ولا يخفى عليه شيء إلا يراه ويعلمه. أما في عالم الآخرة فإن المؤمنين الصالحين أهل الجنة يرون ربّهم رؤية لا تحيط به ولا تحدّده أو تحصره في مكان معين ، كما قال الله سبحانه : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)) [القيامة : ٧٥ / ٢٢ ـ ٢٣]. ويؤيّد ذلك ما جاء في الصّحيحين أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنكم سترون ربّكم يوم القيامة ، كما ترون القمر ليلة البدر ، وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب» فالمؤمنون يرون ربّهم ، ويحرم الكافرون من تلك الرّؤية.

أهداف الوحي

الهدف الواضح الجلي من ظاهرة الوحي على الأنبياء والرّسل : هو إرشاد الناس وتبصيرهم بالحق ، وإعانتهم على إدراكه ، وتجنّب طرائق الضّلال والزّيغ والانحراف ، وهذا كله حبّ للإنسان ومصلحته ، ورعاية له وأخذ بيده إلى السّعادة الحقّة ، لذا كان عقلاء الناس هم المتّبعين للوحي الإلهي ، المستفيدين منه في توجّهات الحياة ، فهم أدركوا الحق فاتّبعوه ، وعرفوا الباطل بالإرشاد الإلهي فاجتنبوه ، قال الله تعالى مبيّنا مبصّرات الوحي :

(قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥) اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧)) (١) (٢) (٣) [الأنعام : ٦ / ١٠٤ ـ ١٠٧].

__________________

(١) برقيب.

(٢) نكررها بأساليب مختلفة.

(٣) قرأت وتعلمت من أهل الكتاب.

٥٨٩

هذه الآيات الكريمات تبين خواص الوحي الإلهي وطبيعة الرسالة النّبوية وما تستلزمه من ضرورة التّبليغ وإعلام الناس. وفحوى الآيات : قد جاءكم أيها الناس في القرآن والآيات طرائق إبصار الحق والمعينة عليه ، وهي البينات والحجج التي اشتمل عليها القرآن ، وما جاء به الرسول من البراهين العقلية والنقلية التي تثبت لكم العقيدة الحقّة ، وتبيّن منهاج الحياة الأقوم ، وقوام النظام الأمثل ، وأصول الأخلاق والآداب.

فمن أبصر الحق فآمن فلنفسه ، ومن عمي عن الحق وضلّ وأعرض عن سبيله ، فعلى نفسه جنى ، كما قال تعالى : (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) [يونس : ١٠ / ١٠٨]. إن وبال العمى عن الحق يعود على صاحبه ، ولست أنا نبي الله عليكم بحافظ ولا رقيب ، بل إنما أنا مبلّغ ومنذر ، والله يهدي من يشاء ، ويضلّ من يشاء بحسب ما يعلم من ميول الإنسان.

وكما فصّلنا الآيات في هذه السورة من بيان التوحيد وإثبات وجود الله الخالق المبدع ، هكذا نوضح جميع الآيات ونرددها ونفسّرها في كل موطن ، بسبب جهالة الجاهلين ، وليؤول الأمر بأن يقول المشركون والكافرون المكذّبون : درست هذا وقرأته على غيرك ، وليس ذلك وحيا من الله ، كما جاء في آية أخرى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)) [النّحل : ١٦ / ١٠٣].

وإنزالنا الوحي لنوضحه لقوم يعلمون الحق فيتّبعونه ، والباطل فيجتنبونه ، أي إن البيان إنما يفيد أهل العلم المدركين ، الذين يستخدمون بصائرهم في مدلولات القرآن. أما الجاهلون الذين لم يفهموا آيات القرآن ، فلا ينتفعون به.

وإذا كان الوحي لخير الإنسان وإرشاده ، فعليك أيها النّبي وأمتك اتّباع ما يوحى

٥٩٠

به إليك من ربّك الذي لا إله إلا هو ، واعف عن المشركين وأعرض عنهم واصفح ، حتى يفتح الله عليك وينصرك عليهم ، واعلم أنه إلى الله المرجع والمآب.

ثم أبان الله حقيقة أبدية ثابتة ، وهي أن كل شيء في هذا الكون إنما يحدث بإرادة الله ومشيئته ، ولا يقع شيء في ملكوت الله جبرا عنه ، فلو شاء الله ما أشرك المشركون ، بل لله المشيئة المطلقة فيما يشاؤه ويختاره ، لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون ، له الحكمة في ظهور الضّلال والشّرك ، ولو شاء لهدى الناس جميعا ، بأن يخلقهم مستعدين للإيمان ، لكنه خلقهم مستعدين للكفر ، وترك لهم حرية الاختيار في أعمالهم. ولا يصحّ للمشركين أن يزعموا أن إشراكهم وغيره وقف على مشيئة الله عزوجل ، فهم لا يعرفون مشيئة الله ، وعليهم أن يعملوا بما أمرهم الله به من التوحيد والعبادة الخالصة لله ، فإن قصروا في هذا ، كانوا محاسبين مسئولين عنه.

وهناك حقيقة أخرى تتعلق بالنّبي وهي أنه لا سلطان له على قهر أحد من الناس وجبره على الدخول في الإسلام ، فما جعلناك أيها النّبي حافظا تحفظ أقوال الناس وأعمالهم ، وما أنت بموكل على أرزاقهم وأمورهم والتصرف في قضاياهم ، ولست عليهم بمسيطر ، وليس لك صفة الملوك القاهرين ، بل أنت بشير ونذير ، والله يجازيهم ويحاسبهم.

المنع من سبّ الأصنام والأوثان

إن توجيه القرآن العظيم في غاية الإحكام والإتقان ، والنظر إلى آفاق المستقبل نظرة فاحصة عميقة بعيدة عن التّعصب ، تقدر النتائج بالتقدير السليم البعيد عن مضاعفة المشكلات ، وتسدّ كل الذرائع والوسائل المؤدّية إلى الضلالات واتّباع الأهواء والشهوات. والمثل الرائع لهذا : هو النّهي عن سبّ الأصنام والأوثان والمنع منه ،

٥٩١

وإن كان سبّها حقّا متقرّرا موافقا للواقع ، لكن إذا كان السّب ذريعة محرّضة إلى سبّ الإله الحق ، كان البعد عن المتسبّب لذلك هو الواجب شرعا وعقلا وسياسة ووعيا.

قال الله تعالى مبيّنا هذه الحقيقة : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [الأنعام : ٦ / ١٠٨ ـ ١١٠].

قال قتادة مبيّنا سبب نزول هذه الآية : (وَلا تَسُبُّوا ..) : كان المسلمون يسبّون أصنام الكفّار ، فيسبّوا ـ أي الكفار ـ الله ، فأنزل الله : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) وبعبارة أخرى : قال كفار قريش لأبي طالب : إما أن ينتهي محمد وأصحابه عن سبّ آلهتنا والغضّ منها ، وإما أن نسبّ إله ونهجوه ، فنزلت الآية.

الآية خطاب للمؤمنين وللنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحكمها على كل حال باق في الأمة ، فمتى كان الكافر في منعة ، وخيف أن يسب الإسلام أو النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو الله عزوجل ، فلا يحلّ للمسلم أن يسبّ دينهم ولا صلبناهم ولا يتعرّض إلى ما يؤدي إلى ذلك ونحوه.

ينهاكم الله تعالى أيها المؤمنون عن سبّ آلهة المشركين ، وإن كان فيه مصلحة ، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها ، وهي مقابلة المشركين بسبّ إله المؤمنين ، وهو (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) كما قال ابن عباس.

والمعنى : لا تسبّوا أيها المسلمون آلهة المشركين التي يدعونها دون الله ؛ لأنه ربما ينشأ عن ذلك سبّهم الله عزوجل ظلما وعدوانا ، لإغاظة المؤمنين ، جهلا منهم

__________________

(١) اعتداء وظلما.

(٢) أوكدها.

(٣) نتركهم.

(٤) تجاوزهم الحدّ بالكفر.

(٥) يتحيّرون ويتردّدون

٥٩٢

بقدرة الله تعالى وعظمته. وهكذا كل طاعة أو مصلحة أدّت إلى معصية أو منكر أو مفسدة تترك. وكما زيّن الله للمشركين حبّ الأصنام والانتصار لها ، زيّن لكل أمة من الأمم سوء عملهم من الكفر والضلال ، فتلك سنة الله في خلقه ، يستحسنون العادات والتقاليد القبيحة عن تقليد وجهل ، أو عن معرفة وعناد ، والله يتركهم وشأنهم. وهذا التّزيين للمنكر والضّلال أثر لاختيارهم دون جبر ولا إكراه ، لا أن الله خلق في قلوبهم تزيينا للكفر والشّر ، كما زيّن الله في قلوب الآخرين الإيمان والخير. ثم قال تعالى : (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) وهذا يتضمن وعدا جميلا للمحسنين ، ووعيدا ثقيلا للمسيئين.

ثم أوضح الله تناقض المشركين في أقوالهم وخيانتهم في أفعالهم ، فإنهم حلفوا أيمانا مؤكّدة بالله : لئن جاءتهم آية ، أي معجزة مادّية محسوسة ، وخارقة للعادة من الآيات الكونية التي يقترحونها ، ليصدقن بها أنها من عند الله ، وأنك رسول الله ، غير أنهم قوم معاندون ، فإذا جاءتهم الآيات أو المعجزات لم يؤمنوا بشيء منها. وردّ الله عليهم.

قل يا محمد لهؤلاء الطالبين آيات تعنّتا وعنادا وكفرا : إنما مرجع هذه الآيات إلى الله ، وهو القادر عليها ، إن شاء أتى بها ، وإن شاء ترككم فلا ينزلها إلا على موجب الحكمة. وما يدريكم إيمانهم إذا جاءتهم الآيات ، فهو لا يؤمنون بها ، لسبق علم الله أنهم لن يؤمنوا.

وما يدريكم أننا ـ نحن الله ـ نحوّل قلوبهم عن إدراك الحق ، والإيمان ، ونصرف أبصارهم عن إبصار الحق ، ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنون ، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة حين أتتهم الآيات التي عجزوا عن معارضتها مثل القرآن وغيره ، لتمام إعراضهم عن إدراك الحقائق ، وما يشعركم أيضا أننا نذرهم ونخلّيهم وشأنهم

٥٩٣

في طغيانهم وتجاوزهم الحق يتردّدون متحيّرين فيما سمعوا ورأوا من الآيات ، فلم يصلوا إلى الحقيقة.

تعنّت المشركين

لقد اشتدّ المشركون كفّار قريش في عداوتهم للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسبب الحفاظ على مراكز الزعامة والسيادة ، والاستكبار ، الذي جعلهم في أشد حالات العناد والتّصلب واتّخاذ موقف المعارضة العنيفة التي لا ترتكز على أساس من الحجة ، ولا تحترم كلمة العقل والفكر والنّقاش القائم على الحق والعدل ، ومن هنا ظهر اليأس من إيمانهم ، وعزّ الأمل في إسلامهم ، قال الله سبحانه موضّحا هذا الموقف الصعب منهم :

(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) [الأنعام : ٦ / ١١١ ـ ١١٣].

روي عن ابن عباس في بيان سبب نزول الآيات : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى جماعة من كفار مكة وزعمائها ، فقالوا له : أرنا الملائكة يشهدون بأنك رسول الله ، أو ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم : أحقّ ما تقول أم باطل ، أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا ، فنزلت الآية.

__________________

(١) جمعنا.

(٢) مقابلة ومواجهة.

(٣) باطله.

(٤) خداعا.

(٥) لتميل لزخرف القول.

(٦) ليكتسبوا من الآثام.

٥٩٤

أخبر الله عزوجل في هذه الآية الأولى : أنه لو أتى بجميع ما اقترحوه من إنزال الملائكة ، وإحياء سلفهم حسبما كان من اقتراح بعضهم أن يحشر قصي بن كلاب وغيره ، فيخبر بصدق محمد ، أو يجمع كل شيء يعقل أن يحشر عليهم ، ما آمنوا إلا بالمشيئة واللطف الذي يخلقه الله ، ويخترعه في نفس من شاء.

لو أننا نزّلنا إليهم الملائكة ، فرأوهم بأعينهم مرة بعد أخرى ، وسمعوا شهادتهم لك بالرسالة ، ولو كلمهم الموتى إذ أحييناهم ، وأخبروهم بصدق ما جاء به النّبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما طلبوا ، وجمعنا كل شيء من الآيات والدلائل معاينة ومواجهة ، فيخبرونهم بصدق النّبي ، لو حدث كل هذا ، ما كان شأن هؤلاء القرشيين المكّيين أن يؤمنوا ، وليس عندهم الاستعداد أن يصدّقوا ؛ لأنهم لا ينظرون في الآيات نظر تأمّل وهداية وعظة ، وإنما ينظرون إليها نظر معاداة واستهزاء ، إنهم لا يؤمنون إلا بمشيئة الله ، على سبيل الاختيار ، وليس الإيمان الاضطراري ، ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أن الإيمان إليهم والكفر بأيديهم ، متى شاؤوا آمنوا ، ومتى شاؤوا كفروا ، وليس ذلك كما يظنّون ، لا يؤمن أحد منهم إلا من هديته ووفقته للإيمان ، ولا يكفر إلا من خذلته عن الرّشد فأضللته.

ومن أجل التّخفيف من الله على نبيّه ومواساته ، أبان سبحانه أن سنّته في الخلق أن يكون للأنبياء عدوّ من الجنّ والإنس ، لا ينفرد به نبيّنا ، وإنما كان هذا أمرا عامّا امتحن به غيره من الأنبياء ، ليبتلي الله أولي العزم منهم. وأعداء الأنبياء يلقي بعضهم إلى بعض القول المزيّن المزخرف الذي يخدع بعض السامعين ، ويموّه عليهم الحقائق ، ويغريهم بالمعاصي والأباطيل ، (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) أي إن ذلك كله بقدر الله وقضائه وإرادته ومشيئته أن يكون لكل نبيّ عدوّ من الشياطين.

فدعهم أيها الرّسول النّبي وما يفترون أي يكذّبون ، واتركهم يخوضون في إفكهم

٥٩٥

وكذبهم ، ليغروا غيرهم بالفساد ، ولتصغى إليه قلوب الكفار والفسّاق ، فإنها تميل إلى الشّر والسّوء ، وإنهم لا يؤمنون بالآخرة وليرضوا لأنفسهم هذا الموقف الخاسر ، وليترتب على ذلك أن يكتسبوا ما هم مكتسبون من المعاصي والآثام بغرورهم به ورضاهم عنه. إن إغراءات هؤلاء المتمرّدين تؤثر في المضلّلين ، وتوهمهم أنهم على شيء ، والأمر بخلاف ذلك. أما المؤمنون الواعون الذين ينظرون في عواقب الأمور ، فلا ينخدعون بأباطيل الأقوال ، ولا تغرنّهم الزخارف. وبه يتبيّن أن الكفار يؤثر بعضهم في بعض ، ويحمل بعضهم بعضا على الإثم والعصيان ، على عكس أهل الإيمان الذين ينظرون ويتأملون ولا ينجرفون بأضاليل الأقوال وسوء الأفعال.

القرآن برهان النّبوة

من حقّ الناس أن يطلبوا برهانا على صدق الأنبياء ، من غير عناد ولا تعنّت ، غير أن البرهان أو الدليل المؤيّد للنّبوة والرسالة ، ليس كما يطلب الناس من إنزال برهان حسّي أو علامة مادّية ، فإن الله تعالى جلّت حكمته يعلم علما تامّا ما يناسب ، فينزل من الآيات والمعجزات التي يظهرها على يد نبي أو رسول ما يكون موافقا للحكمة وكافيا في إثبات النّبوة والرّسالة.

والدليل الدّال على صدق نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم حصل من وجهين : الأول ـ أنه أنزل إليه القرآن الكريم مبيّنا مختلف الشرائع والأحكام بأسلوب بياني معجز وببلاغة وفصاحة عالية تدلّ على إعجازه وكونه من كلام الله.

الثاني ـ اشتمال التوراة والإنجيل في صورتهما الأصلية على الآيات الدّالة على أن محمدا رسول حق ، وأن القرآن كتاب الله الحق القاطع. قال الله تعالى مبيّنا الاكتفاء بالقرآن دليلا :

٥٩٦

(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥)) (١) (٢) [الأنعام : ٦ / ١١٤ ـ ١١٥].

يأمر الله نبيّه أن يقول للمشركين : ليس لي أن أطلب قاضيا بيني وبينكم ، لأنه لا حكم أعدل من حكم الله ، ولا أصدق من قوله ، فلا فائدة من طلبكم دليلا مادّيا على صدق نبوّتي ، فهناك دليلان واضحان يؤيّدان رسالتي ، وهما الآية الكبرى وهي القرآن المعجز الدّال بإعجازه على أنه كلام الله ، واشتمال التوراة والإنجيل على ما يدل على أني رسول الله حقّا ، وأن القرآن كتاب حقّ من عند الله تعالى.

وإن أنكر المشركون أحقّيّة القرآن وكذّبوا به ، فإن اليهود والنّصارى أهل الكتاب يعلمون أن القرآن منزل من ربّك بالحق ، بما ورد لديهم من البشارات بنبوّة خاتم الأنبياء ، كما أبان الله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦)) [البقرة : ٢ / ١٤٦].

فلا تكونن يا محمد من المتردّدين الشّاكّين ، وهذا تعريض بمن يتردّد أو يشكّ ، كما في آية أخرى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤)) [يونس : ١٠ / ٩٤]. فالواقع أن النّبي لم يشكّ وإنما قال : «لا أشكّ ولا أسأل».

وتم كلام الله وهو القرآن ، فلا يحتاج إلى إضافة شيء فيه ، وأصبح كافيا وافيا بإعجازه وشموله ، ودلالته على الصدق ، فهو صادق فيما يقول ، عدل فيما يحكم ، صدقا في الإخبار عن الغيب ، وعدلا في الطلب ، فكل ما أخبر به فهو حق لا مرية فيه ولا شك ، وكل ما أمر به فهو العدل الذي لا عدل سواه ، وكل ما نهى عنه فهو

__________________

(١) أي قاضيا بيني وبينكم.

(٢) أي من الشّاكّين المتردّدين.

٥٩٧

باطل أو شرّ ، فإنه لا يأمر إلا بخير ، ولا ينهى إلا عن مفسدة وشرّ ، كما قال الله تعالى عن نبيّه في الكتب السابقة : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) [الأعراف : ٧ / ١٥٧].

وكل ما ورد في القرآن من أمر ونهي ، ووعد ووعيد ، وقصص وخبر ، لا تغيير فيه ، ولا تبديل لكلمات الله : وهي كل ما نزّل على عباده ، وهو السّميع لأقوال عباده ، العليم بحركاتهم وسكناتهم ، الذي يجازي كل عامل بعمله.

وقوله تعالى : (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) معناه : لا تغيير في معاني الوحي المنزل ، بأن يبيّن أحد أن خبره بخلاف ما أخبر به ، أو يبيّن أن أمره لا ينفذ. ومن أمثلة ذلك : أن الله منع المنافقين من الخروج إلى الجهاد بعد تخلّفهم عن غزوة تبوك ، ولم يبح لهم الخروج (١) ، فقال المنافقون بعد ذلك للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللمؤمنين : (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) [الفتح : ٤٨ / ١٥] ، فقال الله تعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) [الفتح : ٤٨ / ١٥]. واستقرّ التشريع على منعهم من الخروج كما قال تعالى : (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) [التّوبة : ٩ / ٨٣].

المنع من اتّباع ضلالات المشركين ومن أكل ذبائحهم

لا تلاقي بحال من الأحوال بين شرع الله المحكم والأعدل وبين أنظمة الجاهليين المشركين ، فإن الله تعالى أراد الحق والخير لعباده ، وحذّر من كل معالم الضّلال والشّرك ، لذا أبان سبحانه الحلال والحرام ، ومنع من أكل ذبائح المشركين التي لا يذكر اسم الله عليها ، فإن تلك الذّبائح فسق أي معصية وخروج عن دائرة

__________________

(١) التّوبة : ٩ / ٨٣.

٥٩٨

الدين ، ونهى الله جلّ جلاله عن مختلف أنواع الإثم ، أي القبيح الذي حرّمه الله ، في الظاهر والباطن ، خلافا لما كان عليه أهل الجاهلية من اقتراف ألوان المحارم والمنكرات ، وكل ذلك من أجل إقامة معالم المجتمع الفاضل ، وتصفية كل أشكال المجتمع المتخلّف.

قال الله تعالى : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)) (١) (٢) (٣) (٤) [الأنعام : ٦ / ١١٦ ـ ١٢١].

نزلت آية : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) كما قال ابن عباس : أتى ناس النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، أنأكل ما نقتل ، ولا نأكل ما يقتل الله؟ فأنزل الله هذه الآية : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) إلى قوله سبحانه : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)

وقوله سبحانه : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) نزل حينما قال المشركون : يا محمد ، أخبرنا عن الشّاة إذا ماتت ، من قتلها؟ قال : الله قتلها ، قالوا : فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال ، وما قتل الكلب والصقر حلال ، وما قتله الله حرام؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

__________________

(١) أي يحدسون ويخمّنون ويكذّبون فيما ينسبونه إلى الله.

(٢) اتركوا.

(٣) يكتسبون من الإثم.

(٤) خروج عن الطاعة ، وهو معصية.

٥٩٩

والمعنى : فامض يا محمد لما أمرت به ، وأنفذ رسالتك وأبلغ دعوتك ، فإنك إن تطع أكثر من في الأرض من الكفار والمشركين في أمور الدين ، وتخالف ما أنزل الله عليك ، يضلّوك عن دين الله ومنهجه وسبيله ، سبيل الحق والعدل والاستقامة ، لأنهم لا يتّبعون إلا الأهواء والظّنون الباطلة أو الكاذبة ، ولا يحترمون الموازين الفكرية والأدلّة العقلية ، وما هم إلا يحزرون ويخمّنون تخمينا عاريا عن الصحة والحقيقة ، كخارص (مخمن) ثمر النّخل والعنب وغيرهما ، فاعتقادهم قائم على الحدس والتّخمين ، لا على البرهان والدليل.

وإن ربّك عليم بالضّالّين عن سبيله القويم ، وعليم أيضا بالمهتدين السالكين سبيل الاستقامة ، وليس كما يزعم المشركون.

ثم أمر الله تعالى بأكل ما ذكر اسم الله عليه ، وأن يكون الأكل مقصورا على ذلك ، إن كنتم أيها المسلمون مؤمنين بآيات الله ، والحذر كل الحذر مما ذبح للأصنام والأوثان ولغير الله.

وأي شيء لكم في ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ، وترك الأكل مما ذبح للأصنام ، فليس هناك شيء يمنعكم من هذه المآكل ، والحال أن الله قد بيّن لكم المحرّم عليكم وهي الميتة والدم ولحم الخنزير والمذبوح لغير الله كالأصنام والأنبياء والأولياء والزعماء ، لكن الذي اضطررتم إلى أكله مما هو محرّم عليكم ، فإنه يباح لكم ما وجدتم حال الضرورة. وإن كثيرا من الكفّار ليضلّون الناس بتحريم الحلال ، وتحليل الحرام ، بأهوائهم وشهواتهم الباطلة ، وبغير علم أصلا ، إنما هو محض الهوى ، والله أعلم باعتدائهم وكذبهم وافترائهم ، وسيجازيهم على هذا الاعتداء والتجاوز ، لا محالة.

ثم أمر الله تعالى بترك جميع الآثام والمعاصي المعلنة والسّرية ، سواء ما صدر عن الأعضاء كالسّرقة والغصب ، أو كان من أفعال القلوب كالحقد والحسد ، إن الذين

٦٠٠