التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0523-3
الصفحات: ٦٧١

والمعنى : ولو ترى يا محمد وكل سامع هؤلاء المشركين يوم القيامة ، حين عرضهم على النار ، لرأيت عجبا وهولا أو مشقّات ، وذلك حين تعرضهم الملائكة على النار ، فيدخلونها ويعاينون شدّتها ، فيندمون ويتمنّون العودة إلى الدنيا قائلين : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). فردّ الله عليهم بأن حالهم لم تتغير ، إنما ظهر حقيقة ما كانوا يخفون من قبل في الدنيا من الكفر والعناد والتكذيب بالبعث والمعاد والجزاء ، وهم ليسوا صادقين في تمنّي العودة للدّنيا ، فإنهم لو ردّوا إلى الدنيا لعادوا إلى ما نهاهم الله عنه من الكفر والعناد والعصيان ، ولو ردّوا إلى الدنيا لأنكروا مرة أخرى البعث والحساب والجزاء والنار الموقدة ، وإنهم لكاذبون في جميع الأحوال ، سواء حال وجودهم في الدنيا قبل موتهم أو في وعدهم بالإيمان والاستقامة.

ثم أخبر الله تعالى عن عقيدة المشركين الكفار المتأصّلة فيهم وهي تكذيبهم بالحشر والعودة إلى الله وإنكار الآخرة ، فإنهم يقولون : ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا فقط ، وليست لنا حياة أخروية أبدا ، وما نحن بمبعوثين ، ولا ثواب ولا عقاب في الآخرة ، بل لا آخرة ولا معاد ، وهؤلاء هم المادّيون الدّهريون الملحدون الذين لا يؤمنون بالغيب.

ثم ذكر الله تعالى حالا ثانية للكفار أمام الله حين وقوفهم للحساب ، فقال سبحانه : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٠) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٣١) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٣٢)) (١) (٢) (٣) [الأنعام : ٦ / ٣٠ ـ ٣٢].

__________________

(١) حبسوا على حكمه تعالى للسؤال.

(٢) فجأة.

(٣) ذنوبهم.

٥٤١

والمعنى : ولو ترى أيها النّبي هؤلاء المشركين حينما توقفهم الملائكة بين يدي ربّهم ، لوجدت هولا عظيما وأمرا خطيرا مدهشا لا يحدّه وصف ، وهو مجاز عن الحبس للتوبيخ والسؤال كما يوقف الجاني بين يدي الحاكم ليعاتبه ، فيقول الله لهم على لسان الملائكة : أليس هذا الحشر أو المعاد بحقّ ، وليس بباطل كما كنتم تظنّون؟ فأجابوا : بلى وربّنا ، أي إنه الحق الذي لا شكّ فيه ، وأكّدوا قولهم باليمين بالله ، فشهدوا على أنفسهم بالكفر ، وكون البعث حقّا ، فردّ الله عليهم : فذوقوا العذاب الأليم بسبب كفركم وتكذيبكم الذي دمتم عليه ، ولم تفارقوه في الدنيا حتى الموت. ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنفسكم بهذا الإقرار منكم بأن العذاب حقّ.

ثم أخبر الله تعالى خبرا عامّا مفاده : تعظيم المصاب الذي حلّ بهم ، وهو : خسارة الذين كذبوا بلقاء الله ، أي بإنكار القيامة وبالرجوع إلى الله وإلى أحكامه وقدرته ، حتى إذا جاءتهم ساعة القيامة فجأة ، قالوا : يا حسرتنا على فرّطنا من العمل للآخرة ، وما أسلفنا من العمل القبيح. وهؤلاء الخاسرون يأتون للحساب يوم القيامة ، وهم حاملون ذنوبهم وخطاياهم على ظهورهم ، ألا ما أسوأ تلك الأثقال المحمولة ، وبئس شيئا الحمل الذي حملوه وهو الذنوب ، فقوله تعالى : (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) إخبار عن سوء ما يأثمون ، مضمّن التعظيم لذلك والإشادة به.

ثم أخبر الله عن حال الدنيا بأنها إذا كانت فانية منقضية لا طائل لها ، أشبهت اللعب واللهو الذي لا طائل له إذا انقضى ، فغالب أعمال الدنيا لعب لا يفيد ، ولهو يشغل عن المصلحة الحقيقة ، ومتاعها قليل زائل قصير الأجل ، وأما العمل للآخرة فله منافع عظيمة ، والآخرة خير وأبقى للذين يتّقون الكفر والمعاصي ، ونعيمها نعيم دائم خير من نعيم الدنيا الفاني ، أفلا تعقلون وتفهمون هذه الحقائق وهي أن الحياة الدنيا لعب ولهو وزوال ومزرعة للآخرة ، فتؤمنوا وتعملوا عملا صالحا.

٥٤٢

حزن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على تكذيب قومه

لقد كان الرّسل والأنبياء ومنهم خاتم النّبيّين على درجة كبيرة من الإخلاص في دعوتهم لتوحيد ربّهم وإخلاص العبادة له ، وكانوا في حرج عظيم أمام الله بسبب إعراض أقوامهم عن دعوتهم وتكذيبهم إياهم ، ولكنهم صبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصر الله ، ولا مناص من الصبر على الأذى واحتمال المكروه والرّضا بالواقع ؛ لأن الهداية بيد الله وحده ، فلا يصح لرسول الجهل بهذا ، قال الله تعالى مبيّنا ذلك :

(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥)) (١) (٢) (٣) [الأنعام : ٦ / ٣٣ ـ ٣٥].

نزلت آية (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ) فيما روى الترمذي والحاكم عن علي رضي الله عنه : أن أبا جهل قال للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنا لا نكذّبك ، ولكن نكذّب بما جئت به ، فأنزل الله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ).

ليس هناك أعظم ولا أروع ولا أقدس من هذه المواساة أو ما يسمّونه المشاركة الوجدانية ، يواسي الله تعالى من علياء سمائه نبيّه على ما ألّم به من حزن شديد وألم عميق بسبب تكذيب قومه له ومعارضتهم دعوته ، وصدّهم الناس عنها ، فالله يعلم بذلك تمام العلم ، كما في آية أخرى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦)) [الكهف : ١٨ / ٦].

__________________

(١) أنظمته بنصر رسله.

(٢) شقّ.

(٣) سربا ومنفذا.

٥٤٣

ومنشأ هذا التكذيب في الظاهر : هو العناد والجحود ، إذ إنهم لا يتّهمونك بالكذب في الواقع ، فأنت الصادق الأمين في نظرهم ، فما جرّبوا عليك كذبا ولا خيانة ، ولكنهم يعاندون الحق ، ويجحدون بآيات الله أي علاماته وشواهد نبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويصدّون عنها ، فالقضية محاربة لدعوة الله لا لشخص نبيّه ، فلست بكاذب في حقيقتك ، وتكذيبك لا يعد تكذيبا. لهذا فلا تحزن أيها الرسول عليهم ، واصبر على تكذيبهم وإيذائهم ، كما صبر رسل قبلك وكما أوذوا ، حتى ينصرك الله عليهم ، وينتقم من أعدائك المكذّبين ، كما نصر رسله الكرام. وهذا الوعد بالنصر أمر حتمي محقق ، فلا تغيير ولا خلف في وعد الله ووعيده ، ولا مكذّب لما أخبر به ، فوعد الله بنصر رسله والمؤمنين نافذ في الدنيا والآخرة ، وكذا وعيده لاحق بالكافرين ، وتلك هي أنباء أو أخبار الرّسل المرسلين قبل نبيّنا عليهم الصّلاة والسّلام ، لقد أنزلناها عليك أيّها النّبي وقصصناها عليك ، ومفادها ما أخبرناك به من تكذيب الناس لهم وصبرهم ثم نصرهم.

وقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ ..) آية فيها إلزام الحجة للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتقسيم الأحوال عليه ، حتى يتبيّن أنه لا وجه إلا الصبر والمضي لأمر الله تعالى. والمعنى : إن كنت أيها النّبي تعظّم تكذيبهم وكفرهم على نفسك وتحزن عليه ، فإن كنت تقدر على دخول سرب في أعماق الأرض ، أو على ارتقاء سلّم إلى السماء ، فدونك وشأنك به ، أي إنك لا تقدر على شيء من هذا ، ولا بدّ لك من التزام الصبر واحتمال المشقة ومعارضتهم بالآيات التي أقامها الله تعالى للناظرين المتأملين. فالله لا إله إلا هو لم يرد أن يجمعهم على الهدى ، وإنما أراد ترك الحرّية للناس في النظر والتأمل في آياته ، ليهتدي بها الأسوياء العقلاء ، ويضل آخرون. وهناك عوامل تساعدهم على الوصول إلى الحق ، فقد خلقهم الله على الفطرة الإسلامية النقية وهي

٥٤٤

توحيد الله ، والهداية إلى السبيل السوي ، وسبقت رحمته غضبه ، ولله ذلك كلّه بحقّ ملكه ، فلا تكونن أيها الرسول من الجاهلين ، في أن تأسف وتحزن على أمر أراده الله وأمضاه وعلم المصلحة فيه.

قال ابن عباس في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى ، فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذّكر الأول.

وهذا كله دليل واضح على حرية الإنسان في اختيار الإيمان أو الكفر ، وعلى أن الحساب والثواب والعقاب منوط بما اختاره الإنسان لنفسه من إيمان أو ضلال ، وخير أو شرّ.

قدرة الله تعالى وعلمه

يؤكّد الله تعالى مواساته لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على حزنه بسبب إعراض قومه عن دعوته ؛ لأن قضية الإيمان والكفر يتعلق بها أصول ثلاثة : هي حرية الإنسان ، وتمام قدرة الله تعالى ، وكمال علمه بالأشياء قبل وقوعها ، وهذه الأسس الثلاثة تحدّثت عنها آيات قرآنية كثيرة منها قوله تعالى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩)) (١) [الأنعام : ٦ / ٣٦ ـ ٣٩].

__________________

(١) ما تركنا.

٥٤٥

هذا لون آخر من مواساة الله لنبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما ألّم به من حزن بسبب إعراض قومه عن رسالته ، فإذا كان الناس صنفين : صنف يختار الهداية ، وصنف يختار الضّلالة ، أبان الله تعالى هنا في الآية الأولى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ ..) أن الصنف الأول هم الذين يسمعون الدلائل والبيّنات سماع تدبّر وفهم ، وأن الصنف الثاني لا يفقهون ولا يسمعون ، وإنما هم كالأموات. فلا تحفل أيها النّبي بمن أعرض عنك وعن دعوتك لتوحيد ربّك والإقرار بنبوّتك ، فإنما يستجيب لداعي الإيمان الذين يسمعون الآيات سماع تعقّل وتفهم ويتلقّون البراهين بالقبول. أما الكفار غير المؤمنين ، فهم كالموتى في الصّمم عن وعي كلمات الله ، والعمى عن نور الله ، لا يفقهون قولا ، ولا يفكرون تفكيرا صحيحا فيما أنزل الله ، أي إنهم موتى القلوب ، يشبهون موتى الأجساد.

هذا مع العلم بأن الله قادر على كل شيء ، فكما أنه قادر على بعث الموتى من القبور يوم القيامة ، والرجوع إليه للجزاء ، هو سبحانه قادر على إحياء قلوب الجاحدين بالإيمان ، وأنت أيها النّبي لا تقدر على هدايتهم. لكنهم ـ أي هؤلاء المشركين ـ قوم معاندون يرفضون دعوة الحقّ القرآني كبرا وحسدا وعنادا. ومن مظاهر عنادهم : مطالبتهم بإنزال آية مادّية محسوسة من السماء ، خارقة للعادة على النّبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كعصا موسى ، ومائدة عيسى ، وملك يشهد له ، وتفجير الينابيع ، وإنشاء البساتين أو الإتيان بكنز ، أو غير ذلك من الشّطط ، ولكن أكثر هؤلاء الكفار لا يعلمون أن الله قادر على أن ينزل تلك الآية ، ولكن حكمته اقتضت الامتناع من إنزالها ؛ لأنها لو نزلت ولم يؤمنوا لعوجلوا بالعذاب ، فإنزال آية ماديّة مما اقترحوا يكون سببا في هلاكهم إن لم يؤمنوا.

ثم نبّه الله سبحانه على قدرته وعلى آيات الله الموجودة في أنواع مخلوقاته ، لمن شاء

٥٤٦

أن يتأمل ، ويريد الاستدلال على عظمة الله ومقدرته في كل شيء ، فالله قادر بسهولة على أن ينزل آية ، لكن عدم إنزالها لحكمة لا تعلمون وجهها ، وإنما يحيل الله على الآيات الموجودة لمن فكر واعتبر ، كالدّواب والطّير وهي أمم ، أي جماعات مماثلة للناس في الخلق والرزق والحياة والموت والحشر ، والله تعالى يدبرها ويرعى شأنها ويحسن إليها ، فإذا كان الله يفعل هذا بالبهائم ، فأنتم أحرى إذ أنتم مكلفون عقلاء.

ولم يترك الله شيئا أبدا إلا ذكره في الكتاب : وهو اللوح المحفوظ : وهو شيء مخلوق في عالم الغيب دوّن فيه كل ما كان وما سيكون من مقادير الخلق إلى يوم القيامة ، فهذا دليل آخر على إحاطة علم الله بكل شيء ، وجد أو سيوجد لحكمة يعلمها ، ثم يبعث الله جميع تلك الأمم من الناس والحيوان ويجمعها إليه يوم القيامة ، ويجازي كلّا منها ، أفليس في هذا الحشر ما يدلّ على قدرته تعالى ووحدانيته؟! وإذا كان ما من دابّة ولا طائر ولا شيء إلا وفيه آية دالّة على قدرة الله ووحدانيته ، فهلا تؤمنوا! ولكن الكافرين الذين كذبوا بآيات الله صمّ وبكم لا يتلقون ذلك ولا يقبلونه ، ولا يسمعون دعوة الحقّ والهدى سماع قبول ، ولا ينطقون بما عرفوا من الحق ، وهم يتخبّطون في ظلمات الشّرك والوثنية وعادات الجاهلية القبيحة والجهل والأميّة ، فكيف يهتدون إلى الطريق الصحيح؟ والله هو المتصرّف في شؤون خلقه ، ويعلم حال كل مخلوق ، فمن يشأ الله إضلاله أضلّه ولم يلطف به ؛ لأنه ليس أهلا للطف ، ومن يشأ هدايته وفّقه وهداه إلى الصراط المستقيم : وهو الإسلام ، لأنه من أهل اللطف ، فيكون معيار الهداية والإضلال بما علم الله أزلا من استعدادات المخلوقات للخير والحق أو الشّر والباطل. ذلك حكم الله ومشيئته في خلقه.

٥٤٧

الالتجاء إلى الله وحده في الشّدائد

هناك أدلّة لا شعوريّة أو لا إراديّة على قدرة الله عزوجل ، مغروسة في الفطرة الإنسانية ، وهي اللجوء إلى الله تعالى من المؤمنين والكفرة إذا نزلت بهم نازلة أو بلية أو محنة ، فلا يجدون ملاذا ولا مفزعا يلوذون به أو يفزعون إليه سوى الله سبحانه القادر القاهر ، المتصرّف في الكون حسبما يشاء ، يقدر المقدورات ، ويهيء الأسباب ، أو يقول للشيء : كن فيكون. قال الله تعالى :

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٥)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) [الأنعام : ٦ / ٤٠ ـ ٤٥].

هذه ردود قاطعة الدلالة على الكفار الجاعلين لله شركاء ، ترشدهم إلى وحدانية الله ، وتدلّهم على أنهم لا بدّ من لجوئهم إلى الله طوعا أو كرها. والمعنى : قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين : أخبروني عما أنتم فاعلون ، أرأيتم إذا أتاكم أمارات عذاب الله ، مثلما نزل بالأمم السابقة كالخسف والريح الصّرصر العاتية ، والصاعقة ، والطّوفان ، أو خفتم هلاكا ، أو خفتم الساعة وأتتكم القيامة بأهوالها ومخازيها ، أتدعون أصنامكم وتلجؤون إليها في كشف ذلك إن كنتم صادقين في قولكم : إنها آلهة؟!

__________________

(١) أخبروني عن أمركم العجيب.

(٢) الفقر والمرض.

(٣) يتذلّلون ويتوبون.

(٤) أتاهم عذابنا.

(٥) عذّبناهم فجأة.

(٦) آيسون من الرّحمة.

(٧) آخرهم.

٥٤٨

ثم بادر الله إلى الجواب بقوله : (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ ..) أي بل تدعون الله الخالق الرازق ، فيكشف ما خفتموه إن شاء ، وتنسون أصنامكم ، أي تتركونهم ، ولا تذكرون في ذلك الوقت إلا الله ، فكيف يجعل إلها من هذه حاله في الشدائد والأزمات؟! الواقع : أنه لا ملجأ لكم إلا الله ، وأصنامكم مهجورة منسية!

وذلك أن الله تعالى أودع في فطرة الإنسان شعوره بالضعف وتوحيد الله والإذعان التّام للخالق المبدع ، مالك الأرض وباسط السماء. وأما الشّرك فهو شيء موروث في البدائيين ، وعبث وظلم ، وانحراف عن الفطرة السّوية ، وانشغال بما لا يفيد. ثم ذكّر الله المشركين الكفرة بضرب الأمثال بالأمم السابقة ، مبيّنا أنه أرسل الرّسل للأمم المتقدمة ، قبل النّبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعوهم إلى توحيد الله وعبادته ، فلم يستجيبوا ، فاختبرهم الله بالبأساء والضّراء ، أي بالفقر وشدة العيش ، والمرض والألم ، لعلهم يدعون الله ويتضرّعون إليه ويخشعون ؛ لأن الشّدائد تنبت الرجال وتصحّح المواقف.

والتّرجي في (لعلّ) إنما هو في معتقد البشر ، فلو رأى أحد أمارات العذاب لرجا تضرّعهم بسببه. ثم أكّد تعالى الحضّ على التّضرع لله ، وألا سبيل للناس إلا إلى الله ، فهلا إذا نزل بهم أوائل البأس والعذاب ومقدمات الشدائد تضرّعوا إلى الله خاشعين تائبين؟!! ولكنهم لم يفعلوا وصلبت قلوبهم ، فهي كالحجارة أو أشد قسوة ، وزيّن لهم الشيطان أفعالهم من الشّرك والعصيان ، ووسوس لهم حتى حسّن لهم الكفر في قلوبهم ، ورغّبهم في سوء أعمالهم. فلما تركوا ما أنزل الله ، وأصروا على كفرهم ، فتحنا عليهم أبواب الرزق ، استدراجا لهم منه تعالى ، حتى إذا فرحوا بما أوتوا من الأموال والأولاد ، أخذناهم على غفلة بعذاب الاستئصال.

فهلك القوم الظالمون أنفسهم بالكفر وتكذيب الرّسل ، وقطع دابر القوم ، أي آخر الأمر الذي يأتي من خلفه ، ولم يبق منهم أحد ، وهذا كناية عن استئصال شأفتهم

٥٤٩

ومحو آثارهم ، وأصبح الحمد لله والشكر له واجبا ؛ لأن إبادة القوم المفسدين نعمة من الله ربّ العالمين ، وأن في الضّراء والسّراء عبرة وعظة للناس ، وإنما يتذكر أولو العقل والألباب. وهذا دليل على أن حمد الله ينبغي أن يختم كل فعل وكل مقالة ، لا إله غيره ، ولا ربّ سواه. روى الطبراني والبيهقي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب ، وهو مقيم على معاصيه ، فإنما ذلك منه استدراج».

الاحتجاج على الكفار لإثبات التّوحيد

هناك أدلّة كثيرة على قدرة الله ووحدانيّته ، منها ما نشاهده في هذا الكون من مشاهد ناطقة بوجود الله وقدرته وتوحيده ، ومنها سلب وسائل المعرفة والحس والإدراك ، وتسليط العذاب الشامل بغتة على الظلمة. غير أن الإنسان الواعي يتأمل في مقدورات الله ، فيؤمن بالله ربّا واحدا ، ويصدّق برسالات الرّسل الدّالة على الخير ، والمنفّرة من الشّر. قال الله تعالى :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [الأنعام : ٦ / ٤٦ ـ ٤٩].

__________________

(١) أخبروني.

(٢) نكررها بأوجه مختلفة.

(٣) أي يعرضون عن ذلك.

(٤) أخبروني.

(٥) معاينة.

٥٥٠

هذه الآيات ابتداء احتجاج على الكفار بأدلّة قريبة حسّية تثبت قدرة الله ووحدانيته ، والله تعالى هو المحتجّ المبرهن ، والوسيط هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأسلوب ذلك : قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين المكذّبين المعاندين : أخبروني عما تفعلون ، إن سلبكم الله نعمة السّمع والبصر والفؤاد ، فتصيرون صمّا عميا بلها ، لا تسمعون قولا ، ولا تبصرون طريقا ، ولا تعقلون نفعا ولا ضررا ، وتنغلق قلوبكم ، فلا تنفذ إليها هداية الله ، ولا تعقل الأمور ، ماذا تفعلون مع آلهتكم التي تعبدونها؟ أكنتم تدعونها لكشف الضّرّ عنكم ، وترجون شفاعتهم لو فعل الله بكم ذلك ، أم كنتم تدعون الله ليردّ عليكم السمع والبصر والفؤاد؟! معنى هذا الاستفهام أنه ليس هناك إله سواه ، فما بال تعلّقكم بالأصنام وتمسّككم بها ، وهي لا تدفع ضررا ولا تأتي بخير؟ انظر أيها النّبي وكل عاقل ، كيف نقلّب الآيات ونكررها على أساليب متعددة ووجوه مختلفة لإقناعهم بوحدانية الله ، ثم هم يعرضون عن دلالاتها وإشاراتها ، ويبقون في ضلالهم سادرين منغمسين ، ولا يتأملون في الآيات بعين مبصرة بعيدة عن التقليد والعصبية.

قل لهم على سبيل الوعيد والتّهديد : أخبروني إن أتاكم عذاب الله فجأة من غير شعور ولا مقدمات ، كما أتى الذين من قبلكم من المكذّبين كالخسف والغرق والزّلزال ، أو أتاكم العذاب جهارا نهارا وأنتم تعاينونه وتنظرون إليه ، أخبروني ماذا أنتم فاعلون؟ هل يهلك بهذا العذاب الشامل إلا القوم الظالمون أنفسهم بالشّرك والاعتقاد الباطل ، وأصرّوا على الكفر والعناد؟!

ثم أوضح الله تعالى مهام الأنبياء والمرسلين ليتأثّروا بها ، ويفيدوا من عطائها ونفعها ، فما نرسل الرّسل إلا ليبشّروا بإنعامنا ورحمتنا لمن آمن ، وبالجنة لمن أسلم ، وينذروا بعذابنا وعقابنا من كذّب وكفر ، ولسنا نرسلهم ليقترح عليهم الآيات ،

٥٥١

ويتابعوا شذوذ كل متعسّف أو معاند ، وما عليهم إلا إبلاغ الرسالة ، سواء آمن الناس أو كفروا.

ومصير الفريقين من المؤمنين والكافرين برسالات الأنبياء واضح وقاطع الوعد ، ومحقق الجزاء ، فمن آمن وأصلح عمله بامتثال الطاعات ، واتّباع الرّسل ، فلا خوف عليهم من مخاطر المستقبل ، ولا هم يحزنون على ما فاتهم في الدنيا ولا على شيء يصادفهم يوم لقاء الله. وهذا وعد ثابت محقق ، كما قال الله تعالى : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣)) [الأنبياء : ٢١ / ١٠٣].

ومن كذّب بآيات الله التي أرسل الله بها الرّسل ، وفسق ، أي خرج عن الحدّ في كفرانه وعصيانه ، ولم ينفّذ أوامر الله ، وارتكب المنهيات المحظورات ، يمسّهم العذاب ، أي يباشرهم ويلتصق بهم ، بسبب كفرهم وفسقهم ، وكان جزاؤهم أنواع النقمة في الدنيا ، والتّلظّي بنار جهنم في الآخرة. فإن أصاب الكافر خير في الدنيا فهو متاع قليل ، والعبرة بالمصير الدائم والخلود الأبدي في العذاب في الآخرة ، وذلك هو الخسران المبين ، والضّلال البعيد.

مصدر المعرفة للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

تتنوع مصادر المعرفة بالنسبة للبشر ، فمنها العلوم المكتسبة المتلقاة من الآخرين ، ومنها الأعراف والعادات السائدة ، ومنها الخبرات والتجارب ، وأهم مصادر المعرفة وأوثقها وأدقها : الوحي الإلهي الذي يزوّد البشرية بمعلومات ومعارف ضرورية وأساسية في تكوين ثقافاتهم ، ويبقى أمام الإنسان بعد الوحي ساحة المعرفة الدنيوية المستمدة من الآخرين ومن الإبداع البشري. والوحي الإلهي مقصور على الأنبياء

٥٥٢

والرّسل عليهم الصّلاة والسّلام ، وقد صرّح القرآن الكريم بهذا في تعليم نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام ، فقال الله تعالى :

(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١)) [الأنعام : ٦ / ٥٠ ـ ٥١].

ثم أورد القرآن الكريم دليلا قطعيّا على كون القرآن من مصدر إلهي لا بشري ، حين أوصى بالضعفاء الملازمين للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفضّلهم على الزعماء وكبار الأشراف ، فقال الله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)) (١) (٢) [الأنعام : ٦ / ٥٢ ـ ٥٣].

تحصر الآيتان الأوليان مصدر معارف النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالوحي الإلهي ، ردّا على المشركين الذين كانوا يطلبون من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم معجزات مادّية قاهرة ، فأجابهم بأني : لا أملك خزائن الله وأرزاقه ، ولا أقدر على التصرّف فيها وتوزيعها كما أشاء ، ولا أدّعي علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه ، فلم يطلع عليه أحدا ، كما قال سبحانه : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧)) [الجنّ : ٧٢ / ٢٦ ـ ٢٧].

ولا أقول لكم : إني أحد الملائكة ، إنما أنا بشر يوحى إلي من الله عزوجل ما يريد ويختار ، والمراد من هذا أني لا أدّعي الألوهية ، ولا علم الغيب ، ولا الملكية ، إنما

__________________

(١) أول النهار وآخره.

(٢) اختبرنا

٥٥٣

أنا بشر أتبع ما يوحى إلي من ربّي ، كسائر الأنبياء والرّسل من قبلي ، فمعرفتي وعلمي ومعلوماتي كلها مستمدة من الوحي ، وذلك يستوجب التأمل في وحي الله وملكوته ، لأنه لا يستوي الناظر المفكّر في الآيات مع المعرض الكافر المهمل للنظر ، فالأعمى والبصير مثالان للمؤمن والكافر ، أي ففكّروا أنتم وانظروا ، لتميّزوا بين ضلال الشرك وهداية الإسلام ، وتعقلوا ما في القرآن من أدلة توحيد الله واتّباع رسول الله ، وهذا يدلّ على إثبات القدرة المطلقة والعلم الشامل لله سبحانه.

ثم أمر الله نبيّه بأن ينذر ويخوّف جميع الخلائق بالوحي القرآني ، وهم أهل الملل السماوية الثلاثة الذين يخافون من الحشر وأهواله ، وشدة الحساب يوم القيامة ، وما يتبع ذلك من الجزاء على الأعمال عند لقاء الله ، في حال من ليس له ولي ناصر ولا شفيع شافع ، أنذرهم بهذا أيها النّبي لعلهم ـ أي البشر ـ يتّعظون ويتّقون ، فيمتثلون الأوامر وينتهون عن الكفر والمعاصي.

ثم ذكر القرآن مثلا رائعا في مجاملة الضعفاء ، فمنع من تقريب أشراف القوم من قريش ، وحذّر من طرد ضعفاء الناس المؤمنين الموحّدين الذين يعبدون الله في الصباح والمساء ، ويدعونه سرّا وعلانية ، ويخلصون في طاعتهم وعبادتهم ، فلا يقصدون إلا إرضاء الله تعالى ، المستحق وحده للعبادة ، وهؤلاء هم الذين يختص الله بحسابهم ، وليس لك أيها النّبي محاسبتهم على شيء ، ولم تكلف شيئا غير دعائهم للدين ، لا ترزقهم ولا يرزقونك ، وإن طردتهم من مجلسك كنت من الظالمين أنفسهم. فأي دليل بعد هذا الإنذار الموجّه للنّبي يدلّ على أن القرآن لا يتصور إلا أن يكون كلام الله ، وليس بكلام بشر ولو كان نبيّا.

ثم أماط القرآن اللثام عن حقيقة جوهرية هي تعدد الأديان : من إسلام وشرك ، ولقد ابتلى الله المؤمنين بالمشركين وعلى العكس واختبرهم بذلك ، وابتلاء المؤمنين

٥٥٤

بالمشركين : هو ما يلقون منهم من الأذى ، وابتلاء المشركين بالمؤمنين : هو أن يرى أشراف المشركين مدى تعظيم الله لقوم لا سمعة ولا مكانة لهم ، وكانت عاقبة هذا الاختبار : أن قال المشركون : أهؤلاء الضعفاء الذين منّ الله عليهم من بيننا بالخير والتقدم؟ فردّ الله عليهم : بأن الله أعلم بمن يؤمن ويشكر الله ، فيوفّقه للإيمان ، وهو سبحانه أعلم بمن يصمّم على الكفر ، فيخذله ويحجب عنه اللطف والتوفيق.

وقد نزلت آية النّهي عن طرد الضعفاء من مجلس النّبي في ستة أنفار كسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود ، طالب المشركون بطردهم من مجلس النّبي ، قائلين : اطردهم ، فإنا نستحي أن نكون تبعا لك كهؤلاء ، فنهى الله نبيّه عن ذلك ، إعلاء لدرجة الإيمان ، وإدناء لمرتبة الشّرك أو الكفر.

مظاهر الرّحمة الإلهيّة

لا يستغني الإنسان عن رحمة الله طرفة عين ، فإن وجوده وبقاءه ، وسعادته وشقاءه ، وأفراحه وأحزانه وغير ذلك مرهون برحمة الله وفضله ، وإحسانه ولطفه ، فالله لطيف رحيم بعباده ، ويزيد اللطف بعبّاده ، يمنح لهم الخير ، ويحميهم من الشّر ما داموا على جادة الاستقامة قائمين ، وبهدي الله عاملين ، بل إنه يرحم العصاة والكافرين به ، لأن رحمته سبقت غضبه ، ولولا الرّحمة الإلهية ما بقي في هذا العالم كافر ولا مشرك. قال الله تعالى : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥)) (١) [الأنعام : ٦ / ٥٤ ـ ٥٥].

__________________

(١) قضى وأوجب على نفسه تفضّلا منه ورحمة.

٥٥٥

نزلت هاتان الآيتان ـ في رأي جمهور المفسّرين ـ في القوم الذين طلب المشركون طردهم من مجلس النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى يؤمنوا ويتفرّدوا بالجلوس ، فنهى الله عزوجل عن طردهم ، وضمّ إلى ذلك النهي الأمر بأن يسلّم النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم ويؤنسهم. قال عكرمة : نزلت في الذين نهى الله تعالى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن طردهم ، فكان إذا رآهم النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدأهم بالسلام ، وقال : «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسّلام».

وقال الفضيل بن عياض : قال قوم للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنا قد أصبنا ذنوبا فاستغفر لنا ، فأعرض عنهم ، فنزلت الآية : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا).

والمعنى : وإذا جاءك أيها الرسول الذين يؤمنون بالله ورسله ، ويصدقون بكتبه تصديقا قلبيّا وعمليّا ، ويؤمنون بآيات القرآن وعلامات النّبوة كلها ، فقل لهم : أمان لكم من عذاب الله في الدنيا والآخرة ؛ لأن الله سبحانه أوجب على نفسه الكريمة الرحمة بعباده ، تفضّلا منه وإحسانا وامتنانا ، فهو واسع الفضل والمغفرة ، يغفر الذنوب بعد التوبة ، ويعفو عن السّيئات بالحسنات. جاء في الصحيحين وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله تبارك وتعالى كتب كتابا ، فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت غضبي».

فمن ارتكب منكم ذنبا أو خطيئة بجهالة كغضب شديد ، أو شهوة جامحة ، وخفة عارمة ، وطيش بيّن ، ثم تاب إلى الله وندم على ذلك الذنب ، وصمّم على عدم العودة إلى المعصية في المستقبل ، وأصلح عمله ، فالله يغفر له ذنبه ، لأنه واسع المغفرة والرحمة ، ونظير هذه الآية الدّالة على غفران السيئات الواقعة عن جهالة قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) [النّساء : ٤ / ١٧]. قال بعض السّلف : «كل من عصى الله فهو جاهل» وقال مجاهد : «من الجهالة :

٥٥٦

ألا يعلم حلالا من حرام ، ومن جهالته أن يركب الأمر». والجهل الذي هو ضدّ العلم يعذر به المرء في الذنوب الخفيفة ، ولا يعذر به في الذنوب الكبائر كالشّرك بالله وعقوق الوالدين وأكل الرّبا وأكل مال اليتيم.

والتّوبة : الرجوع ، وصحتها مشروطة باستدامة الإصلاح بعدها في الشيء الذي تيب منه ، والإصلاح يكون بشروط أربعة : النّدم الحقيقي على الذنب ، والعزم على عدم العودة إليه في المستقبل ، وردّ المظالم إلى أهلها ، وإتباعها بالعمل الصالح. وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة : (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

ثم وضع القرآن الكريم قاعدة عامة في البيان : وهي أنه سبحانه يبين لعباده بيانا بديعا كل ما يتعلق بدلائل التوحيد والنّبوة والقضاء والقدر ، ومثل ذلك التبيان والتفصيل يفصل الآيات كلها ، ويوضح حقائق الشريعة ، ليهتدي بها العقلاء ، ويعرف الحق من الباطل ، ويتّضح للمؤمنين طريق المجرمين ، وإذا اتّضح سبيلهم كان كل ما عداه وما خالفه هو سبيل المؤمنين ، لأنه متى استبانت طريقة المجرمين المنحرفين عن الهدي الإلهي ، فقد استبانت طريقة أهل الحق والإيمان أيضا لا محالة ، إذ لا وسيط بين الحق والباطل.

وهل يتأمل الناس من ربّهم غير البيان والتفصيل ، فذلك غاية الفضل والإحسان ، ومنتهى الرحمة والإعذار؟ ولا يبقى أمام الإنسان بما أوتي من عقل وخبرة وترجيح للمصلحة على المفسدة ، إلا أن يختار طريق الخير ويتجنّب سبيل الشّر ؛ لأن فعل الخير أمان وسلام ، وعافية واطمئنان ، وفعل الشّر ضلال وخسران.

٥٥٧

حسم الموقف مع المشركين

تستمر محاولات الإصلاح عادة بين المصلحين وأقوامهم ، وقد صبر الأنبياء كثيرا صبرا طويلا في سبيل هداية أقوامهم وإصلاحهم ، ولكن لا يعقل أن تظلّ الأمور سائرة من غير حسم ، فلا بدّ في النهاية من اتّخاذ موقف حاسم ، تتبلور به الأحوال ، ويتبين للأجيال ضرورة العمل على سلوك طريق الحق ، وترك طريق الشّر ، وهذا المنهج هو ما عبّر عنه القرآن الكريم بين النّبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقومه المشركين في الآيات الآتية :

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨)) (١) (٢) [الأنعام : ٦ / ٥٦ ـ ٥٨].

نزلت آية : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ..) في النّضر بن الحارث ورؤساء قريش ، كانوا يقولون : يا محمد ، ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به استهزاء منهم ، فنزلت هذه الآية.

أمر الله تبارك وتعالى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجاهر قومه بالتّبري مما هم فيه ، والمعنى : قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين : إني نهيت من ربّي ومنعت من عبادة ما تدعونهم وتطلبون منهم الخير ودفع الضّر ، من صنم أو وثن أو عبد صالح مهما كان شأنه ، أو ملك من الملائكة ، لقد حجزت أو صرفت عن هذا كله بالآيات القرآنية والأدلة العقلية والحسّية ، فألوهيّة غير الله وعبادتهم باطلة بأبسط فكرة وأدنى تأمّل.

__________________

(١) يبيّنه بيانا شافيا.

(٢) خير الفاصلين بين الحق والباطل.

٥٥٨

إني لا أتّبع أهواءكم أو شهواتكم في سلوك طريقتكم القائمة على اتّباع الهوى دون اتّباع الدليل ، وليس لكم إلا تقليد الآباء ووراثة الأسلاف من غير بصيرة كما تصرّحون : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزّخرف : ٤٣ / ٢٣]. إني إن اتبعت أهواءكم فأنا ضالّ ، وما أنا من الحق والهدى على شيء ، وفي هذا تبيان بأنهم ليسوا من الهداية في شيء ، وليسوا في اعتقادهم على بصيرة.

فإن عبادة غير الله ضلال وشرك ، يترفّع عنها العقلاء ، وعبادة الله تدلّ عليها الحجة البالغة والبرهان الواضح ، ويرشد إليها الفكر الصحيح.

قل لهم أيها النّبي : إني على أمر بيّن ، وإني فيما أخالفكم فيه على بصيرة من شرع الله الذي أوحاه إلي ، وعلى حجة واضحة ، وهو هذا القرآن المعجزة الخالدة على صدق اتجاهي ومنهجي ، فهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أما أنتم أيها المشركون فقد كذّبتم بالقرآن وكفرتم بالرحمن ، ورفضتم الحقّ الذي جاءني من عند الله ، واتّبعتم الشيطان ، والهوى والضلال ، وقلّدتم الآباء من غير روية ولا تفكير.

وليس الأمر بيدي كما تتوهمون ، وليس عندي الذي تستعجلون به وهو العذاب ، فلا أقدر على إنزاله بكم ، وما الحكم الفاصل والقضاء المبرم إلا لله ، إليه يرجع الأمر كله ، إن شاء عجّل لكم ما سألتم من العذاب ، وإن شاء أجّلكم إلى أجل معين بمقتضى علمه ومشيئته وحكمته العظيمة : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) [الرّعد : ١٣ / ٨]. والله يقضي بالحق ، ويقصّ على رسوله القصص الحق في وعده ووعيده وجميع أخباره ، وهو خير الفاصلين ، أي خير الحاكمين الذين يفصلون في القضايا بين عباده ، وينفذ أمره متى شاء إصدار الحكم العادل.

قل لهم أيها النّبي : لو كان عندي ما تستعجلون به من نزول العذاب ، ولو كان

٥٥٩

بمقدوري إيقاع العذاب بكم ، لأوقعته عليكم ، ولتمّ فصل القضاء بيني وبينكم ، والله قد وعدني النصر ، ووعد الله حق منجز ، والله تعالى أعلم بالظالمين الكافرين الذين لا أمل في صلاحهم ورجوعهم إلى الحق والإيمان ، والصلاح والاستقامة ، فيكون إنزال العذاب بيده تعالى لا بيدي ، والله أعلم كيف يعاقب ، ومتى يعاقب ، وعلى أي نحو يجازي ، قال الله سبحانه : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤)) [الأعراف : ٧ / ٣٤].

عالم الغيب

يتأثّر الإنسان عادة بما هو مشاهد محسوس أمامه ، ويهمل أو يتناسى مغيبات الأمور ، سواء في الماضي أو في المستقبل ، وهذا دليل على نقص علم الإنسان ، وبرهان واضح على كمال علم الله تعالى واطّلاعه على كلّ شيء صغير أو كبير ، وعلم الغيب مقصور على الله تعالى ، لا يستطيع أحد من العقلاء ادّعاء العلم بالغيب ؛ لأن الواقع يكذّبه ، وقد تورّط بعض السّذّج والجهلة ، فادّعوا معرفتهم بالغيبيات ، فجاءت الأحداث والوقائع مكذّبة لهم ، مما أثبت للناس صدق ما أخبر به القرآن من حصر الغيب بالله ، والتأكد من صحة الوحي والنّبوّة التي هي طريق الإخبار عن عالم الغيب ، قال الله تعالى :

(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى (١)

__________________

(١) كسبتم فيه من المآثم.

٥٦٠