التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0523-3
الصفحات: ٦٧١

(٩٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣) قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ (١) أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦) قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨)) [البقرة : ٢ / ٩٢ ـ ٩٨].

تالله لقد جاءكم يا بني إسرائيل موسى بالمعجزات القاطعة الدّالة على صدق نبوّته ورسالته ، كالعصا واليد ، وبقية الآيات التّسع : وهي الطوفان والجراد والقمّل والدّم والضّفادع ، وفرق البحر ، والسّنون (القحط) ولم تزدهم تلك الآيات إلا توغلا في الشّرك والوثنية ، ولم تشكروا نعمة الله ، وإنما على العكس قابلتموها بالجحود والإنكار ، واتّخاذ العجل إلها معبودا من دون الله ، والعجل : هو الذي صنعه لهم السّامري من حليّهم التي أخذوها من مصر ، وجعلوه إلها يعبد ، وهم ظالمون كافرون بوضع الشيء في غير موضعه ، وأي ظلم أعظم من الإشراك بالله تعالى؟!

واذكر أيها النّبي لليهود وقت أن أخذ الله على أصولهم العهد بأن يعملوا بما في التوراة ، ويأخذوا بما فيها بقوة ، فخالفوا الميثاق وأعرضوا عنه ، حتى خوّفهم الله برفع جبل الطور فوقهم كأنه مظلّة إرهابا لهم ، فقبلوه ، ثم خالفوه ، وقالوا : سمعنا وعصينا ، ثم أوغلوا في المخالفة ووقعوا في الشّرك ، واتخذوا العجل إلها ، وخالط حبّه

__________________

(١) لو يطول عمره.

٤١

قلوبهم ، فقل لهم أيها النّبي : بئس هذا الإيمان الذي يوجه إلى هذه الأعمال التي تفعلونها ، كعبادة العجل ، وقتل الأنبياء ، ونقض الميثاق ، إن كنتم تدعون الإيمان الصحيح برسالة موسى عليه‌السلام وبالتوراة.

قل أيها النّبي لليهود : إذا صدقتم في ادّعائكم أن الآخرة والجنة لكم خالصة عند الله من دون الناس ، وأن النار لن تمسّكم إلا أياما معدودات ، وأنكم شعب الله المختار ، فاطلبوا الموت الذي يوصلكم إلى ذلك النعيم الخالص الدائم الذي لا ينازعكم فيه أحد ، إذ لا يرغب الإنسان عن السعادة ويختار الشقاء. قال ابن عباس : ولو تمنّوا الموت لشرق أحدهم بريقه. أخرج ابن جرير الطبري عن أبي العالية قال : قالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ، فأنزل الله : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً ..) [البقرة : ٢ / ٩٤].

ولن يتمنى الموت أحد منهم أبدا ، بسبب ما اقترفوا من الكفر والفسوق والعصيان ، كتحريف التوراة ، وقتل الأنبياء والأبرياء ، وإنكار رسالة النّبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مع البشارة به في كتابهم ، والله يعلم أنهم ظالمون في حكمهم بأن الدار الآخرة خالصة لهم.

وتالله لتجدن اليهود أحرص الناس على حياة طويلة ، بل وأحرص من جميع الناس ، حتى المشركين بالله ، فإن أحدهم يتمنى أن يعيش ألف سنة أو أكثر ـ والعرب تضرب الألف مثلا للمبالغة في الكثرة ـ لأنه يتوقع عقاب الله في الآخرة ، فيرى أن الدنيا خير من الآخرة ، وما بقاؤه في الدنيا وإن طال بمبعده عن العذاب الأليم ، والله عليم بما يصدر عنهم من أعمال ، ومجازيهم عليه.

قل أيها النّبي : من كان عدوّا لجبريل ، فهو عدوّ لوحي الله الذي يشمل التوراة وغيرها ، فإن الله نزله بالوحي والقرآن على قلبك أيها النّبي بإذن الله وأمره ، مؤيدا

٤٢

وموافقا لما تقدمه من الكتب ، كالتوراة والإنجيل وغيرهما التي تدعوا إلى توحيد الله وأصول الأخلاق والعبادات ، وهداية من الضلالة ، وبشرى لمن آمن به بالجنة ، فكيف يكون طريق الخير سببا للبغض والكراهية؟

أخرج الترمذي أن اليهود قالوا للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنه ليس نبي من الأنبياء إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربّه بالرّسالة والوحي ، فمن صاحبك حتى نتابعك؟ قال : جبريل ، قالوا : ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال ، ذاك عدوّنا! لو قلت : ميكائيل الذي ينزل بالقطر والرحمة تابعناك ، فأنزل الله الآية ، إلى قوله : (لِلْكافِرِينَ).

من كان عدوّا لله بمخالفة أوامره ، وعدم إطاعته ، وللملائكة بكراهة العمل بما ينزلون به من وحي ، وعدوّا للرّسل الكرام بتكذيبهم في رسالاتهم ، وعدوّا لجبريل وميكائيل ، بادّعاء أن جبريل يأتي بالإنذارات ، فإن الله عدوّ لكل كافر ، ومجازيه.

كفر اليهود بالقرآن ونقضهم العهد واشتغالهم بالسّحر

من عادات اليهود واعتقاداتهم ، بالإضافة لما سبق ، التكذيب بآيات الله ومنها القرآن الكريم ، وترك الوفاء بالعهود أو المعاهدات ، وتكذيب الرّسل ، والإعراض عن القرآن ، كما أنهم يشتغلون بالسّحر والشّعوذة والطّلاسم ، مما يدل على تجاوز الدين الحق والمبادئ الصحيحة ، وهذا ما أثبته القرآن الكريم في الآيات التالية :

(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ (١) فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٠) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا

__________________

(١) طرحه ونقضه.

٤٣

يَعْلَمُونَ (١٠١) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ (١) عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ (٢) هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٣) وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣)) [البقرة : ٢ / ٩٩ ـ ١٠٣].

تالله لقد أنزلنا إليك أيها الرسول آيات ودلائل واضحات تدلّ على صدق رسالتك ، ولا يكفر بها إلا المتمرّدون على آياتها وأحكامها من الفسقة المتجاوزين الحدود ، والذين استحبّوا العمى على الهدى ، حسدا وعنادا ومكابرة.

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن عبد الله بن صوريا قال للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا محمد ، ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل الله عليك من آية بيّنة ، فأنزل الله في ذلك : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ).

إنهم كفروا بالله ، وكلما عاهدوا عهدا مع الله ، أو مع رسول الله ، نقضه فريق منهم ، بل نقضه أكثرهم ولم يوفوا به ، وأكثرهم لا يؤمنون بالتوراة ، وليسوا من الدين في شيء ، ولن يؤمنوا بالقرآن ونبي الإسلام.

وسبب نزول هذه الآية : أن مالك بن الصيف حين بعث رسول الله ، وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق ، وما عهد إليهم في محمد قال : والله ما عهد إلينا في محمد ، ولا أخذ علينا ميثاقا ، فأنزل الله تعالى : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا ..) الآية.

__________________

(١) تقرأ أو تكذب.

(٢) اختبار وابتلاء.

(٣) نصيب من الخير.

٤٤

ولما جاءهم النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتاب مصدق ومؤيد للتوراة في أصول الدين العامة ، كتوحيد الله ، وإثبات البعث ، والتصديق بالوحي والرّسل ، ترك فريق من اليهود كتاب الله وراء ظهورهم ، وهو تمثيل لتركهم وإعراضهم عنه ، ولم يؤمنوا به بحق ، كأنهم لا يعلمون أن من لم يؤمن بالقرآن الموافق للتوراة لا يكون مؤمنا بكل منهما.

واتبع فريق من أحبار اليهود وعلمائهم الذين نبذوا التوراة ، السّحر والشّعوذة في زمن ملك سليمان ، لأن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء ، ويضمون إليه أكاذيب ، ثم يلقنونها الكهنة ، فيعلّمونها الناس ، ويقولون : هذا علم سليمان ، وقام ملك سليمان بهذا. فردّ الله تعالى عليهم بأن سليمان ما فعل ذلك ، وما عمل سليمان بالسّحر ، ولكن الشياطين هم الذين كفروا باتّباع السّحر وتدوينه وتعليمه الناس على وجه الإضرار والإغواء ، ونسبته إلى سليمان على وجه الكذب وجحد نبوته.

قال ابن إسحاق : قال بعض أحبار اليهود : ألا تعجبون من محمد ، يزعم أن سليمان كان نبيّا ، والله ما كان إلا ساحرا ، فأنزل الله : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ).

ويعلمونهم ما أنزل على الملكين ببلدة بابل (في العراق في أرض الكوفة) والملكان : بشران صالحان قانتان ، صاحبا هيبة ووقار يجلّهما الناس وشبّهوهما بالملائكة ، وهما هاروت وماروت.

وكان هذان الرجلان الملكان يعلّمان الناس السّحر الذي كثرت فنونه الغريبة في عصرهم ، وكانت معرفتهم بالسّحر بالإلهام دون معلم ، وهو المقصود بالإنزال ، وما ألهموا به كان من جنس السّحر ، لا عينه.

وكان هذان الملكان يتبعان في تعليم السّحر طريق الإنذار والتحذير ، فلا يعلّمان أحدا من الناس ، حتى يقولا له : إنما نحن ابتلاء واختبار من الله ، فلا تعمل بالسّحر وإلا كنت كافرا ، وذلك حفاظا على حسن اعتقاد الناس فيهما.

٤٥

ويتعلم الناس منهما ما يفرّقون به بين المرء وزوجه ، وليس للسحر ونحوه من الحسد والعين والمرض المعدي ضرر بذاته ، إلا بإذن الله ومراده ، وذلك على وفق قانون السببية ، أي إنه مجرد وسيلة أو سبب قد يرتبط المسبب أو النتيجة به ، ويتحقق الأذى ، إذا شاء الله ، فالله هو الذي يوجد المسببات ، حين حصول الأسباب ، وقد لا تتحقق النتائج بمراد الله تعالى. قال الحسن البصري : من شاء الله منعه ، فلا يضرّه السّحر ، ومن شاء خلّى بينه وبينه فضرّه.

ومن تعلم السّحر وعمل به ، فإنه يتعلم ما يضرّه ولا ينفعه ، لأنه سبب في إضرار الناس ، ولأنه قصد الشّر ، فيكرهه الناس لإيذائه ، ويعاقبه الله في الآخرة لإضرار غيره ، وإفساده المصالح.

وتالله لقد علم اليهود بأنّ من ترك كتاب الله ، وأهمل أصول الدين وأحكام الشريعة التي تسعد في الدارين ، واستبدل به كتب السّحر ، ليس له في الآخرة إلا العذاب ، وكأن هذه عملية بيع الآخرة بالدنيا ، وليس له في الآخرة من نصيب من الخير.

ولبئس ما باعوا به أنفسهم باتخاذ السّحر محل التوراة ، فهم جهلة لا يعلمون حرمة السّحر علما صحيحا.

ولو أن اليهود آمنوا الإيمان الحق بالتوراة ، وفيها البشارة بنبي آخر الزمان ، وآمنوا بالقرآن ، وتركوا كتب السّحر والشّعوذة ، واتّقوا الله بالمحافظة على أوامره واجتناب نواهيه ، لاستحقّوا الثواب العظيم من عند الله ، جزاء على أعمالهم الصالحة ، وهو خير لهم لو كانوا يعلمون العلم الصحيح النافع.

٤٦

مصدر النّبوة والأدب مع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

اليهود قوم مخادعون ، يتلاعبون بالألفاظ ، وينشرون الأذى على الناس كما تنشر الأفعى سمومها ، ويحقدون على الآخرين ، ولا سيما العرب ، وكانوا يتوقعون أن يكون نبي آخر الزمان منهم ، فلما بعث من العرب عادوه وآذوه. وقد حذّر القرآن الكريم المؤمنون من محاكاة ألفاظهم واتّباع أساليبهم ، وهذا ما صرّحت به الآيات التالية :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا (١) راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ (٢) أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥)) [البقرة : ٢ / ١٠٤ ـ ١٠٥].

قال ابن عباس في رواية عطاء : وذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها ، فلما سمعهم اليهود يقولونها للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعجبهم ذلك ، وكان قول (راعنا) في كلام اليهود سبّا قبيحا ، فقالوا : إنا كنا نسبّ محمدا سرّا ، فالآن أعلنوا السّبّ لمحمد ، فإنه من كلامه ، فكانوا يأتون نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيقولون : يا محمد راعنا ، ويضحكون ، ففطن بها رجل من الأنصار ، وهو سعد بن معاذ ، وكان عارفا بلغة اليهود ، وقال : يا أعداء الله ، عليكم لعنة الله ، والذي نفس محمد بيده ، لئن سمعتها من رجل منكم لأضربنّ عنقه ، فقالوا : ألستم تقولونها؟ فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) الآية.

كان اليهود يستعملون كلمة (راعنا) بقصد السّبّ ونسبة الجهل والحمق للمخاطب ، وكانوا يقولون إذا ألقى عليهم النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا من العلم : راعنا سمعك ،

__________________

(١) كلمة سبّ وطعن من اليهود ، من المراعاة ، يراد بها الجهل والحمق.

(٢) انظر إلينا أو انتظرنا وتأنّ بنا.

٤٧

أي اسمع لنا ما نريد أن نسألك عنه ، ونراجعك القول لنفهم عنك. وهم يقصدون بها معنى السّب والشّتم ، وأصلها في العبرية : (راعينو) أي شرّير ، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة ، وأمرهم بكلمة تماثلها في المعنى ، وتختلف في اللفظ ، وهي (انظرنا) التي يراد بها النظر إلينا ، أو الإنظار والإمهال ، أي أقبل علينا وانظر إلينا.

واسمعوا أيها المؤمنون القرآن سماع قبول وتدبّر وإمعان ، وللكافرين ومنهم اليهود عذاب مؤلم شديد. وهذا دليل على أن ما صدر منهم من سوء أدب في خطاب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفر ، لأن من يصف النّبي بأنه (شرير) فقد أنكر نبوّته ، فصار هذا أدبا للمؤمنين ، وتشنيعا على اليهود.

واحذروا أيها المؤمنون خبائث اليهود وألوان مكرهم وكيدهم ، فما يودّ أهل الكتاب ومشركو العرب أن ينزل عليكم من خير ، من ربّكم ، كالقرآن والرّسالة النّبوية ، والكتاب الكريم أعظم الخيرات ، فهو الهداية العظمى ، وبه جمع الله شملكم ووحّد صفوفكم ، وطهّر عقولكم من زيغ الوثنية ، وأقامكم على سنن الفطرة ، وهم يودّون نزول الشّر بكم ، وانتهاء أمركم ، وزوال دينكم.

وحسد الحاسد لا يمنع نعم الله ، والله العليم القدير الحكيم يختص بالنّبوة والرحمة والخير من يشاء من عباده ، لقوله تعالى في آية أخرى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ٦ / ١٢٤] ويعلم من يؤدي واجبه بشأنها خير أداء ، فلا ينبغي لأحد أن يحسد أحدا على خير أصابه ، وفضل أوتيه من عند ربّه ، فالله وحده صاحب الفضل العظيم.

قال المفسّرون في بيان سبب نزول هذه الآية : إن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود : آمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالوا : هذا الذي تدعوننا إليه ، ليس بخير مما نحن عليه ، ولوددنا لو كان خيرا ، فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم.

٤٨

هذا اللفظ المستخدم (راعنا) وهذا الحسد في منح النّبوة لعربي : يدلان على أن اليهود ذوو مشاعر حاقدة وبغيضة نحو غيرهم من قديم الزمان ، فينبغي الحذر منهم ومن نواياهم العدوانية ، وأفعالهم القبيحة ، ولا يتوقع منهم خير ، لا في فلسطين ولا في غيرها من بلاد العالم ، ولا يفهمون بغير لغة القهر والرّعب ، والكبت والنّيل منهم بمختلف الوسائل.

نسخ بعض الأحكام الشرعية في حال حياة النّبي

هناك طائفة قليلة من الأحكام الشرعية قررت لزمان معين وظرف محدد ، ثم نسخت وأبطلت ، مراعاة لمصالح الناس ، وانسجاما مع ظروف التطور والتبدل التي تطرأ على المجتمع ، وتذكيرا بنعمة الله حيث ينتقل بالتشريع من حكم إلى حكم أفضل ، ويتدرج بالناس تبعا للظروف والأحوال ، فلم يكن النسخ لجهل المشرّع الحكيم بالحكم الأخير الذي يستقرّ تشريعا دائما إلى يوم القيامة ، وإنما يعالج الشّرع الأمور حسبما تقتضي الحكمة ويلائم الأوضاع والحاجات الآنية والمستقبلية ، والله وحده هو القادر على كل شيء ، فيقرر حكما لفترة زمنية محددة ، ثم يقرر حكما آخر لترويض المكلفين وإعدادهم لتحمّل التكليف تدريجا. قال الله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ (١) أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ (٢) وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ (٣) وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧)) [البقرة : ٢ / ١٠٦ ـ ١٠٧].

ثم ردّ الله على اليهود الذين ينكرون وجود النسخ في الشريعة فقال :

__________________

(١) ما نرفع من حكم آية.

(٢) نمحها من القلوب.

(٣) مالك أو متولّ لأموركم.

٤٩

(أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨)) [البقرة : ٢ / ١٠٨].

أي بل أيها اليهود المنكرون للنّسخ أتريدون أن تطلبوا من رسولكم كما طلب آباؤكم اليهود من موسى عليه‌السلام؟ فقد طلبوا منه أن يريهم الله جهرة. ومن يترك الثقة في القرآن ويشكّ في أحكامه ، ويطلب غيرها فقد ضلّ السّبيل السّوي.

ومن أمثلة النّسخ في الشريعة : أن الصلاة شرعت أولا ركعتين بالغداة (صباحا) وركعتين بالعشي (مساء) رأفة بالناس ورحمة بهم ، لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام ، ولم يكونوا قد تذوقوا حلاوة الصلاة ، ولا عرفوا لذّة المناجاة فيها ، فلما اطمأنّت نفوسهم بالصلاة ، زادها الله على النحو التالي المعروف على حسب ما اقتضته الحكمة الإلهية العالية.

وأول ما نسخ من القرآن : القبلة ، قال الله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) فصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ، ثم صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق.

ومن أمثلة النّسخ : تحريم الخمر على مراحل أربع ، فقد نفّر القرآن منها أولا بقوله تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) [النّحل : ١٦ / ٦٧] فوصف تناول العنب والتمر على سبيل التفكّه بالحسن ، ولم يوصف الشراب المسكر بتلك الصفة. ثم وصف الله الخمر والميسر (القمار) بأن فيهما إثما كبيرا ، وإن كان فيهما منافع مادّية تجارية ومكاسب رابحة ، ثم منع الله السّكارى من الصلاة حال السّكر ، ثم حرّم الله الخمر تحريما قاطعا دائما إلى يوم القيامة.

وكانت عقوبة الزّانيات الحبس في البيوت حتى الموت ، وعقوبة الزّناة التعيير

٥٠

باللسان والتوبيخ والضرب بالنّعال ، ثم قرر الله الحكم الأخير وهو جلد الزانية والزاني مائة جلدة.

ولما كان عدد المسلمين في بدء الإسلام قليلا ، وهم ضعاف لا يقوون على قتال المشركين ، أمروا بالعفو والصفح ، والصبر على الأعداء والإعراض عنهم ، وترك مقاتليهم ، حسبما تقتضي المصلحة ، قال تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩)) [الأعراف : ٧ / ١٩٩].

ثم شرع الله القتال وأباح الجهاد للدفاع عن النفس وحرمات الإسلام ، وإدراك لذّة النصر والظفر ، قال الله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)) [الحج : ٢٢ / ٣٩].

موقف أهل الكتاب من المؤمنين ومن بعضهم بعضا

لا يقتصر اليهود على كراهية العرب والشعوب الأخرى ، وإنما يتمنّون أن يرتدّ المسلمون عن دينهم ، وأن يعودوا لفوضويّتهم وضلالاتهم ، وقالوا : لن يدخل الجنة إلا هم ، وقابلهم النصارى بالمقولة نفسها بأنه لن يدخل الجنة إلا هم. وطعن كل من اليهود والنصارى بالآخرين ، ونفوا أن يكون كل فريق على شيء صحيح من الدين ، ونحو ذلك من الاتهامات المتبادلة ، وإنكار الثقافات الأخرى. وهذا ما قررته الآيات التالية :

(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ

٥١

اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٠) وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣)) (١) (٢) (٣) [البقرة : ٢ / ١٠٩ ـ ١١٣].

تمنّى كثير من اليهود والنصارى أن يصرفوا المسلمين عن دينهم ، وأن يعودوا كفّارا بعد أن كانوا مؤمنين ، حسدا لهم ، عن طريق التشكيك في الدين ، وإلقاء الشبهات على المؤمنين ، وطلب بعضهم من بعض أن يؤمنوا أول النهار ، ويكفروا آخره ، ليتأسى بهم ضعاف الإيمان.

فاعفوا أيها المسلمون واصفحوا عن أفعالهم ، واصبروا حتى يأتي نصر الله لكم ، ويأذن الله بالقتال ، ويأتي أمره فيهم : وهو قتل بني قريظة ، وإجلاء بني النضير ، والله هو القادر على تحقيق النصر.

قال ابن عباس : نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد أحد : ألم تروا إلى ما أصابكم ، ولو كنتم على الحق ، ما هزمتم ، فارجعوا إلى ديننا ، فهو خير لكم.

ومن أهم موجبات النصر : أداء الصلاة على وجه التمام والكمال ، وإيتاء الزكاة للمستحقين ، وتقديم الخير ، فكل ما تعملونه من خير ، تجدون جزاءه الوافي عند ربّكم ، والله عالم بجميع أعمالكم ، بصير بقليلها وكثيرها ، لا تخفى عليه خافية ، من خير أو شرّ ، فالصلاة والزكاة من أهم أسباب النصر في الدنيا ، وكذلك من أسباب السعادة في الآخرة.

__________________

(١) أي يهودا.

(٢) متمنياتهم الباطلة.

(٣) أخلص القصد والعبادة لله تعالى.

٥٢

وقالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيّا ، وكل فئة تكفّر الأخرى ، تلك تمنّياتهم الباطلة التي لا أساس لها ، ولا فائدة منها ، وإلا فهاتوا البرهان على ما تزعمون أيها الفريقان ، إن كنتم صادقين في ادّعائكم.

ثم ردّ الله تعالى عليهم بقوله : (بلى) جوابا لإثبات نفي سابق ، وردّا لما زعموه ، فإن الذي يدخل الجنة : هو كل من انقاد لله تعالى ، وأخلص في عمله ، وهو محسن في عبادته وعمله واعتقاده ، وهؤلاء لهم الأجر عند ربّهم ، بلا خوف ولا حزن في الآخرة ، خلافا لعبدة الأوثان والأصنام الذين هم في خوف مما يستقبلهم ، وحزن مما ينزل بهم.

وحدث الخصام بين أهل الكتاب ، فلم يكتفوا بما سبق ، بل قالت اليهود : ليست النصارى على شيء من الدين يعتدّ به ، فلا يؤمنون بالمسيح الذي بشرت به التوراة ، والمسيح المبشّر به لمّا يأت بعد ، وينتظرون ظهوره ، وإعادته الملك لشعب إسرائيل.

وقالت النصارى : ليست اليهود على شيء من الدين الصحيح ، فأنكروا كون المسيح متمما لشريعة اليهود. قالوا ذلك ، والحال أنهم أصحاب كتاب ، يدّعون تلاوته ويؤمنون به ، وقال المشركون الوثنيون الذين لا يعلمون شيئا مثل هذا القول لأهل كل دين : لستم على شيء ، والله يحكم بين الجميع يوم القيامة ، بقضائه العدل ، فيما اختلفوا فيه ، وتنازعوا في شأنه.

نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة ، ونصارى أهل نجران ، وذلك أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتاهم أحبار اليهود ، فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم ، فقالت اليهود : ما أنتم على شيء من الدين ، وكفروا بعيسى والإنجيل ، وقالت لهم النصارى : ما أنتم على شيء من الدين ، فكفروا بموسى والتوراة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

٥٣

تخريب المساجد وهدمها وأدب الخطاب

دأب اليهود على الاعتداء على حرمات المساجد وترويع المصلّين الآمنين ومحاولة هدمها من قديم ، فلم تكن محاولتهم إحراق المسجد الأقصى في ٢١ آب سنة ١٩٦٩ م والحفريات حوله منذ عام ١٩٤٨ أمرا جديدا ، فهم يريدون تدمير كل معالم الإسلام ، وصروحه ومبانيه لتهويد المناطق العربية الإسلامية ، ومنع أداء الصلاة في المساجد ، كما فعل مشركو العرب في مبدأ الدعوة الإسلامية ، حيث منعوا النّبي وأصحابه من دخول مكة ومن ذكر الله تعالى في المسجد الحرام ، وقد غزا بختنصّر والروم فلسطين وخرّبوا بيت المقدس ، وأغار الصليبيون على بيت المقدس وغيره من بلاد المسلمين والعرب ، وصدوا المسلمين عن المسجد الأقصى ، وخرّبوا كثيرا من المساجد ، واستمر اليهود في تخريب المساجد في فلسطين بعد الاحتلال ، مع أنه ليس هناك ظلم أكبر من تخريب المساجد ومنع الناس من الصلاة فيها ، ولا أحد أظلم ممن منع ذكر الله في المساجد بأي طريق من الطرق ، وسعى في تعطيلها عن القيام بوظائفها ، وأولئك لهم الذّل والخزي في الدنيا ، وفي الآخرة عذاب شديد عظيم.

قال الله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥)) (١) [البقرة : ٢ / ١١٤ ـ ١١٥].

فإذا منع الناس من الصلاة في المساجد ففي أي مكان تصح الصلاة فيه ، ويتم التوجه فيه إلى الله ، فإن الله مع عباده ، لا يحدّه مكان.

__________________

(١) ذلّ وصغار.

٥٤

وكان من سوء أدب خطاب اليهود مع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما تقدم أنهم يقولون له : (راعنا) اسم فاعل من الرّعونة ، وكان ذلك سبّا قبيحا عند اليهود ، فقالوا : إنا كنّا نسبّ محمدا سرّا ، والآن نعلن سبّه ، فكانوا يأتون نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيقولون : يا محمد راعنا ، ويضحكون ، ففطن بها رجل من الأنصار ، وهو سعد بن معاذ ، وكان عارفا بلغة اليهود ، وقال : يا أعداء الله ، عليكم لعنة الله ، والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربنّ عنقه ، فقالوا : ألستم تقولونها؟ فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٠٤) [البقرة : ٢ / ١٠٤].

وكان المسلمون إذا قالوا لحلفائهم من اليهود : آمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالوا : هذا الذي تدعوننا إليه ليس بخير مما نحن عليه ، ولوددنا لو كان خيرا ، فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥)) [البقرة : ٢ / ١٠٥].

الادّعاءات الفارغة والافتراءات الكاذبة

الألوهية والربوبية صفتان تقتضيان الكمال المطلق والتّفرد الذاتي والقدرة الشاملة على كل شيء من الخلق والإبداع ، والرزق والإنعام ، والدقة المتناهية والإحكام ، وذلك لا يعقل أن يتصف به بشر من جنس الناس ؛ لأنه عاجز مثلهم ، وقاصر غير قادر ، وناقص غير كامل ، وإنما الذي يحق أن يوصف بهذه الصفات الفريدة هو الله جلّ جلاله الذي خلق فسوّى ، وقدّر فهدى ، وله جميع ما في السماوات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا ، وتخضع لهيمنته وسلطانه كل شيء ، أبدع السماء والأرض

٥٥

والوجود كله من غير سابقة شيء ، ولا استعانة بأحد ، إذا أراد أمرا ، أوجده في الحال من غير امتناع ولا إباء.

ومن كان هذا شأنه ، فلا يحتاج إلى الوالد والولد ، ولا يشبهه شيء من خلقه ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، ولا يوجد شيء من جنسه في الوجود ، هو الله الواحد الأحد ، الفرد الصمد (المقصود في الحوائج على الدوام) لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد.

هذا ما يقرره العقل الإنساني في أبسط محاكماته ، فهل يعقل أن يتخذ هذا الإله ولدا له من خلقه؟ وهو خالق الخلق المتصف بالكمال والمنزه عن كل نقص ، وهو الرّازق المنعم عليهم بجلائل المنعم وصغائرها ، وإن أساؤوا له وجحدوا به ، روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم ليدعون له ولدا ويجعلون له أندادا (١) ، وهو مع ذلك يعافيهم ويرزقهم».

لذا ارتكب بعض البشر خطأ كبيرا حين نسبوا إلى الله الولد ، فهذا مجرد ادّعاء أجوف ، وحين طلبوا أن يكلمهم الله مباشرة كما يكلم الملائكة وموسى عليه‌السلام استكبارا منهم وعتوّا وعنادا ، وطلبوا أن تأتيهم آية مادّية محسوسة استخفافا منهم بآيات القرآن البيّنات ، فهذا من الافتراءات الكاذبة ، تنزه الله عن طلبهم ، وأبان الآيات أحسن بيان وأتمه ، ولكن لا يفهمها إلا العقلاء المنصفون.

ردّ الله تعالى على هذه الادّعاءات الفارغة والافتراءات الواهية ، فقال سبحانه : (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (١١٦) (٢) (٣)

__________________

(١) نظراء وأمثال.

(٢) تنزيها له تعالى عن اتّخاذ الولد وكل ما لا يليق به.

(٣) منقادون خاضعون.

٥٦

بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧) وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (١١٩) وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠)) (١) (٢) (٣) [البقرة : ٢ / ١١٦ ـ ١١٩].

نزلت هذه الآيات في اليهود حين قالوا : عزير ابن الله ، وفي نصارى نجران حيث قالوا : المسيح ابن الله ، وفي مشركي العرب الذين قالوا : الملائكة بنات الله. أسأل الله الهداية لجميع البشرية وأن يوفقهم لما فيه خيرهم ونجاتهم. ثم أنزل الله في أصحاب السفينة الذين أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة ، كانوا أربعين رجلا من الحبشة وأهل الشام : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١)) [البقرة : ٢ / ١٢١].

ثم أكّد الله تعالى تذكير اليهود بالنعم التي أنعم بها عليهم ، لتجديد ثقتهم ونشاطهم ، وأمرهم بالخوف من الآخرة في قوله سبحانه :

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣)) (٤) (٥) [البقرة : ٢ / ١٢٢ ـ ١٢٣].

أيها الإسرائيليون الجاحدون : اذكروا نعمي الكثيرة الدينية والدنيوية التي أنعمت بها عليكم وعلى آبائكم ، من الإنقاذ من أيدي الأعداء ، وإنزال المنّ والسّلوى ، والتمكّن في البلاد بعد المذلّة والقهر ، وإرسال الأنبياء والرّسل منكم ، والتفضيل على عالمي زمانكم ، حتى تطيعوا الرّسل ، وتتركوا الضّلال.

__________________

(١) أي مبدعهما وموجدهما.

(٢) أراد شيئا أو أحكم أمرا وحتّمه.

(٣) أحدث فيحدث.

(٤) عالمي زمانكم.

(٥) لا تقضي ولا تؤدي نفس.

٥٧

واتّقوا الله ربّكم وخافوا من عذاب يوم القيامة ، بسبب تحريف التوراة ، والتكذيب برسالة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ذلك اليوم الذي لا تؤدي نفس عن نفس شيئا من الحقوق التي لزمتها ، فلا تؤاخذ بذنب نفس أخرى ، ولا تدفع عنها شيئا ، ولا يؤخذ منها فدية لتنجو من النار ، ولا تنفعها شفاعة أحد ولا نصرة ناصر.

خصائص البيت الحرام وتكريم أهله

رغّب القرآن الكريم قبيلة قريش وغيرها من أهل الكتاب بالإيمان برسالة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وزجرهم عن الكفر والعصيان ، ببيان فضائل البيت الحرام حيث جعله الله مثابة للناس (أي مرجعا ومآبا لهم) وقت الحج يجتمعون فيه ويتفرقون عنه ، وجعله الله آمنا مطمئنا ، من دخله كان آمنا ، ويتخطف الناس من حوله ، وأمر الله المسلمين أمر ندب لا وجوب باتخاذ مكان إقامة إبراهيم مصلّى مفضّلا على غيره في الصلاة لشرفه بقيام إبراهيم فيه. وأمر سبحانه إبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت من الأوثان والأدناس والأرجاس لمن يطوف به ، ويقيم عنده ، ويركع فيه ويسجد.

ودعا إبراهيم ربّه أن يجعل مكة البلد الحرام في أمن وطمأنينة ، وأن يرزق أهله أطيب الثمرات وأحسن خيرات الأرض ، وخصّ إبراهيم طلب الرزق بالمؤمنين ، فأجابه الرّب تعالى بأنه أيضا يرزق الكافر ويمتعه زمنا قليلا ، ثم يلجئه إلى عذاب النار ، قال الله تعالى مكافئا بالإمامة إبراهيم الذي كلفه بأداء تكاليف أدّاها خير أداء ، ومبيّنا ما دعا لأهل مكة : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ (١) (٢) (٣) (٤)

__________________

(١) اختبر وامتحن.

(٢) بأوامر ونواه.

(٣) أداهنّ على وجه الكمال.

(٤) مرجعا وملجأ.

٥٨

وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦)) (١) (٢) (٣) [البقرة : ٢ / ١٢٤ ـ ١٢٦].

ويلاحظ أن إبراهيم خصّ طلب الرزق بالمؤمنين ، فأجابه الله بأنه يرزق الكافر أيضا ويمتّعه في الدنيا زمانا ثم يعذّبه في النار. وكان من دعاء إبراهيم عليه‌السلام أثناء بنائه البيت الحرام مع ابنه إسماعيل أن يتقبّل الله منهما ، وأن يجعلهما منقادين لله خاضعين له ، ومخلصين ، وأن يجعل من ذرّيتهما جماعة مخلصة منقادة ، وأن يبصرهما بأسرار العبادة ومناسك الحج ، وأن يقبل توبتهما ، وأن يرسل في ذرية إبراهيم رسولا منهم يتميز بالصدق والأمانة ، يتلو عليهم آيات الدين ، ويعلمهم كتاب الله ، والحكمة (وهي كل ما تكمل به النفوس من العلوم والمعارف وأحكام الشرع) وأن يطهرهما من رجس الوثنية والشرك ، فإنك يا ربّ العزيز الذي لا يغلب ، الحكيم في كل صنع ، قال الله تعالى :

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)) (٤) (٥) (٦) [البقرة : ٢ / ١٢٧ ـ ١٢٩].

قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم موضحا معنى هذه الآية الأخيرة : «أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى

__________________

(١) وافق عمر ربّه في ثلاث كما روى البخاري وغيره : اتخاذ مقام إبراهيم مصلى ، وحجاب نساء النّبي ، وقوله لنساء النّبي : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ).

(٢) وصينا أو أوحينا.

(٣) أدفعه وأسوقه.

(٤) منقادين لأمرك.

(٥) عرفنا معالم حجّنا وشرائعه.

(٦) يطهّرهم من الشّرك والمعاصي.

٥٩

أخي عيسى ، ورؤيا أمي» وقد تحققت هذه الدعوة الكريمة من إبراهيم عليه‌السلام ، وكان النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو موضع تحقيق هذه الدعوة ، وأهل الكتاب يعرفون ذلك ، لولا بغيهم وحسدهم وظلمهم.

اتّباع ملّة إبراهيم عليه‌السلام

كان أبو الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم عليه‌السلام على ملّة التوحيد الخالصة لله ، وهي الملّة الحنيفية ، وكان نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل البعثة يتعبّد على ملّة إبراهيم ، واستمر على اتّباع تلك الملّة بعد البعثة بأمر الله عزوجل في قوله : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (١) (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣)) [النّحل : ١٦ / ١٢٣].

روي أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه : سلمة ومهاجرا إلى الإسلام ، فقال لهما : قد علمتما أن الله تعالى قال في التوراة : إني باعث من ولد إسماعيل نبيّا ، اسمه أحمد ، فمن آمن به فقد اهتدى ، ومن لم يؤمن به فهو ملعون ، فأسلم سلمة ، وأبى مهاجر ، فنزلت فيه الآية : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)) (٢) (٣) (٤) [البقرة : ٢ / ١٣٠ ـ ١٣٢].

لقد أمر الله إبراهيم بالانقياد والطاعة لله ، فما كان منه إلا أن أسرع بالانقياد والامتثال شأن المصطفين الأخيار ، قال : أسلمت لله ربّ العالمين ومالك يوم الدّين.

__________________

(١) أي مسلما مائلا عن أديان الشّرك إلى دين التوحيد.

(٢) جهلها وامتهنها وأهلكها.

(٣) اخضع.

(٤) دين الإسلام.

٦٠