التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0523-3
الصفحات: ٦٧١

الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦) ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧)) (١) (٢) (٣). [النساء : ٤ / ١٤٤ ـ ١٤٧].

لقد حذّر الله المؤمنين في هذه الآيات من أن يفعلوا فعل المنافقين ، وأن يوالوا الكافرين والمعادين ، أي لا تتخذوهم نصراء وأعوانا تصادقونهم وتصاحبونهم ، وتصافونهم ، وتسرّون إليهم بالمودة ، وتفشون إليهم بأسراركم وأموركم الذاتية ، تبغون من ذلك الاعتزاز بهم ، ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ، وهذا ليس من أخلاق المؤمنين ، وإنما هو من أخلاق المنافقين.

أتريدون بهذه المصانعة والمداراة والمجاملة أن تجعلوا لله على أعمالكم حجة بيّنة في استحقاق العذاب ، إذا اتخذتم المنافقين أولياء وأعوانا؟! إن هذا التّملق لا يصدر إلا من منافق ، والمنافقون لسوء أعمالهم ، وفساد عقائدهم وأرواحهم ونيّاتهم ، يكونون يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار ، والنار سبع دركات سفلية ، والجنة درجات علوية بعضها أعلى من بعض ، والمنافقون في الطبقة السفلى من النار. ولن تجد لهم ناصرا أبدا ينصرهم وينقذهم من العذاب أو يخففه عنهم ، فهو عذاب أبدي دائم.

والمؤمنون العارفون المخلصون بعيدون عن موالاة الكافرين ، وأما المنافقون فلم يهملهم القرآن ، وإنما فتح أمامهم باب الأمل وطريق الإصلاح ، وذلك بالتوبة من النّفاق بشروط أربعة ذكرتها الآية في قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ* وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) أي لا بدّ من الندم على الفعل السابق ، والاجتهاد في

__________________

(١) أصدقاء وأنصارا.

(٢) حجة ظاهرة في العذاب.

(٣) الطبقة السفلى.

٤٠١

صالح الأعمال التي تغسل أدران النفاق ، والاعتصام بالله ، أي الثقة به والتمسك بكتابه والاهتداء بهدي نبيّه المصطفى ، صلوات الله وسلامه عليه ، والشرط الرابع هو إخلاص الدين والعمل لله ، بأن يدعوه الإنسان وحده ، ويتجه إليه اتّجاها خالصا ، لا يستمدّ العون من غيره ، ولا يلجأ لأحد سواه في كشف الضّر ، وجلب النفع ، كما قال الله تعالى محددا شعار الإخلاص : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).

هذه شروط قبول توبة المنافق ، أما الكافر فشرط توبته فقط هو الانتهاء عن الكفر ، كما قال الله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٨ / ٣٨]. والمنافق : هو من أظهر الإيمان وأبطن الكفر ، والكافر : من أعلن الكفر صراحة.

هؤلاء التائبون هم مع المؤمنين ، أي أصحاب المؤمنين ورفاقهم في الدنيا والآخرة ، وفي زمرتهم ولهم ثوابهم يوم القيامة.

وسوف يعطي الله المؤمنين أجرا عظيما لا يعرف قدره ، فيشاركونهم فيه ، كما قال الله تعالى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)) [السّجدة : ٣٢ / ١٧].

ثم أبان الله تعالى سبب تعذيب المنافقين والكفار : وهو كفرهم بأنعم الله ، فقال سبحانه مستفهما استفهاما إنكاريّا : ماذا يريد الله بعذابكم أيها الناس؟ إنه يعذبكم لا من أجل الانتقام والثأر ، ولا من أجل دفع ضرّ وجلب خير له ؛ لأن الله غني عن كل الناس ، وهو الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك ، لتنزهه عن كل صفات النقص ، وهو الذي لا يثأر ولا يريد الشّر لعباده ، ولكنه أيضا عادل حكيم ، لا يسوي بين الصالح والطالح ، والمؤمن والكافر ، فمن شكر نعم الله تعالى ، وأدّى حقوق الله

٤٠٢

وواجباته ، وآمن بالله ربّا واحدا لا شريك له ، شكر الله له صنعه وأثابه ثوابا عظيما ، والله شاكر ، يجازي من شكر ، عليم بخلقه ، لا يخفى عليه شيء ، قال الله سبحانه : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧)) [إبراهيم : ١٤ / ٧].

الجهر بالسوء

إن عفّة اللسان وطيب القول والكلام هو من شأن الإنسان القوي المؤمن ، فلا يكون المؤمن طعّانا ولا لعّانا سبّابا ، ولا يؤذي غيره بفحش القول ، وخبث الكلام ، وكلما ضبط الإنسان لسانه وأمسك عن النطق ، كما كان حكيما عاقلا ، فلا يندم يوما على فلتات لسانه ، ولا يحتاج إلى الاعتذار من غيره ، ويظل كريما على الناس ، مهيبا ذا وقار واحترام ، ومحبة وتقدير من الآخرين. وكم من عثرة لسان وتكلم بكلمة قبيحة فاحشة أعقبت ندما طويلا ، وولّدت أحقادا وبغضاء وخصومات ومنازعات.

وكان من أهم مقاصد الدين وشريعة الله حمل الناس على التكلم بالكلمة الطيبة ، وتجنّب التّفوه بالكلمة الخبيثة. قال الله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩)) [النساء : ٤ / ١٤٨ ـ ١٤٩].

سبب نزول هاتين الآيتين : ما قاله مجاهد ـ فيما أخرجه هنّاد بن السّري ـ : أنزلت آية (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) في رجل أضاف رجلا بالمدينة ، فأساء قراه ، فتحوّل عنه ، فجعل يثني عليه بما أولاه ، فرخّص له أن يثني عليه بما أولاه ، أي نزلت هذه الآية رخصة في أن يشكو.

٤٠٣

والمعنى : يعاقب الله تعالى المجاهر بسوء القول ، أي بذكر عيوب الناس وتعداد سيئاتهم ؛ لأنه يؤدي إلى إثارة العداوة ، والكراهة والبغضاء ، ويزرع الأحقاد ، ويسيء أيضا إلى السامعين ، فيجرّئهم على اقتراف المنكر ، وتقليد المسيء ، ويوقعهم في الإثم ؛ لأن سماع السّوء كعمل السّوء.

وكذلك الإسرار بسوء القول محرّم ومعاقب عليه أيضا كالجهر بالقبيح ، إلا أن الآية نصّت على حالة الجهر ؛ لأن ضرره أشد ، وفحشه أكبر ، وفساده أعم وأخطر ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩)) [النّور : ٢٤ / ١٩].

ثم استثنى الله تعالى حالة يجوز فيها إعلان السوء من القول : وهي حالة الشكوى المحقة من ظلم الظالم أمام حاكم أو قاض أو غيرهما ممن يرجى منه رفع الظلامة وإغاثة المظلوم ، ومساعدته في إزالة الظلم ، والشكوى على الظالم أمر جائز شرعا ، إذ لا يحبّ الله لعباده أن يسكتوا على الظلم ، أو أن يخضعوا لصنوف الأذى والضيم ، أو أن يقبلوا المهانة ، ويسكتوا على مضض على الذّل والتّحقير. روى الإمام أحمد حديثا : «إن لصاحب الحق مقالا». والشكوى حينئذ تكون من قبيل ارتكاب أخفّ الضّررين ، ودفع أعظم الشّرّين.

وكل من حالتي جواز الجهر بالسوء من القول ، وعدم الجواز ، في ظل رقابة دقيقة من الله تعالى ، فهو سبحانه سميع لكل ما يقال ، مطّلع على البواعث والنّيات المؤدية للأقوال ، عليم بكل ما يصدر عن المخلوقات من أفعال وتصرّفات ، فيثيب الله المحق ، ويعاقب المبطل ، ويعين على دفع الظلم ، ويجازي كل ظالم على ظلمه.

ولا مانع أيضا من العفو عن المسيء ، والتّرفع عن المؤذي ، بل إن العفو أفضل عند الله من الجزاء ، ومرغب فيه شرعا ، ليظهر ميدان الإحسان ويتعلم الناس أن من

٤٠٤

أحسن إلى غيره ولم يقابله بإساءته ، فهو أرفع درجة عند الله وعند خلقه ، لذا ذكرت الآية الثانية : أن إبداء الخير من قول أو فعل ، أو إخفاءه ، أو العفو عمن أساء ، يجازي الله تعالى عليه خيرا ، بل يرغّب فيه ، فالله تعالى يحبّ فعل الخير ، ويعفو عن السّيئات ، وهذا وعد كريم من الله بإثابة العافين عن الناس ، والمحسنين إليهم ؛ لأن الله سبحانه قادر تمام القدرة على معاقبة المسيء في الدنيا والآخرة ، لكن يظل للعفو مكانته ، وما أجمل الجمع في نهاية الآية بين العفو والمقدرة في قوله سبحانه : (فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) وهو إرشاد إلى أن القدرة على العقاب لا تمنع العفو والمغفرة ، ويكون التّخلق بأخلاق الله تعالى أمرا حسنا مرغّبا فيه ، ففي العفو خير وبركة وإحسان.

ضابط الكفر والإيمان

الكفر والإيمان أمران متعارضان لا يجتمعان عند إنسان ، فإما أن يكون الإنسان مؤمنا أو غير مؤمن ؛ لأن الإيمان لا يتجزأ ، وليس هناك أنصاف حلول في قضايا الإيمان وترك الإيمان ، فكل من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه ، فهو مؤمن ، وكل من كفر وجحد بأحد هذه الأركان أو العناصر السّتة ، فهو كافر غير مؤمن ولا يقبل من أحد بعد هذا : الادّعاء بأنه مؤمن إذا افتقد ركنا من هذه الأركان ، وعليه أن يسلم قلبه لله تعالى ، فيقرّ بوجوده ووحدانيته ، ويصدق بجميع الملائكة والكتب الإلهية المنزلة والرّسل والأنبياء الكرام جميعهم ، ومن آمن ببعض هؤلاء وكفر بالبعض الآخر ، فهو غير مؤمن في ميزان الدين الإلهي والعدل الرّباني.

قال الله تعالى مبيّنا ضابط الإيمان والكفر صراحة : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ

٤٠٥

وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢)) [النساء : ٤ / ١٥٠ ـ ١٥١].

نزلت هذه الآيات في شأن من آمن ببعض الرّسل ، وكفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمن كفر بخاتم الأنبياء ، فكأنه كفر بجميع الرّسل ، والكفر بالرّسل كفر بالله ، وتفريق بين الله ورسله في أنهم قالوا : نحن نؤمن بالله ، ولا نؤمن بفلان وفلان من الأنبياء.

يتوعّد الله تعالى في هذه الآيات الكافرين به وبرسله ، حيث فرّقوا في الإيمان بين الله ورسله ، فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض ، تعصّبا وتمسّكا بالموروث ، واعتصاما بالأهواء والشهوات ، وحفاظا على المراكز والمصالح.

ومن أنكر وجود الله ، أو أقرّ بوجوده ولكنه كفر بالرّسل وكتبهم ، ولم يعترف بوجود ظاهرة الوحي من الله لبعض عباده الذين اصطفاهم ، فهؤلاء أيضا من فئة الكفار.

وإن من آمنوا بنبي أو رسول ، وجحدوا نبوّة أو رسالة رسول آخر ، فهم كفار ، فرّقوا بين الله ورسله في الإيمان ، واتّخذوا سبيلا وسطا بين الإيمان والكفر ، واخترعوا دينا مبتدعا بين الأديان ، إنهم هم الكافرون الكاملون في الكفر ، الراسخون في الضلال ، فالدين دين الله ، وما يقرّه الله فهو الحق ، وما يبطله فهو الباطل ، ولو كان هؤلاء مؤمنين حقّا بما أمر الله به ، لما أوجدوا هذه التفرقة ولا تلك الضلالة ، وأعتد الله وهيّأ للكافرين جميعا من هؤلاء وأمثالهم عذابا فيه ذلّ وإهانة لهم في الدنيا والآخرة ، جزاء كفرهم.

يتبين من هذا أن الكفر بالرسل نوعان : كفر بجميع الرّسل ، وأصحابه لا يؤمنون بأحد من الأنبياء ، لإنكارهم النّبوات ، وكفر ببعض الرّسل دون بعض ، وكلا

٤٠٦

الفريقين سواء في استحقاق العذاب ، فمن آمن برسول وجب عليه الإيمان ببقية الرّسل ؛ لأن الإيمان ليس بحسب الهوى والمزاج ، وإنما بحسب ما يرتضيه الله ، ومن كان محبّا للناس ، رحيما بهم ، حرص على سعادتهم وإيمانهم ، لإنقاذهم من العذاب. ولا يتصور إيمان بالله ، وكفر بالرّسل كلهم أو بعضهم.

وأما أهل الإيمان : فهم الذين صدقوا وآمنوا بالله ورسله ، ولم يفرّقوا بين أحد من رسله إيمانا خالصا لله سبحانه ، كما قال جلّ وعلا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢ / ٢٨٥].

هؤلاء المؤمنون الصادقون في إيمانهم الذين آمنوا بالله ورسله جميعا ، ومنهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعدهم الله تعالى وعدا قاطعا بجنان الخلد والرّضوان الإلهي ، وسوف يؤتيهم ربّهم أجورهم كاملة يوم القيامة ، وكان الله وما يزال غفورا لمن يأتي بهفوة مع الإيمان الصحيح ، رحيما بعباده التائبين ، حيث أرسل الله لهم الرّسل لهدايتهم ، وقبلوا عن الله ما أراده وما وضعه لهم من مناهج الإيمان لتحقيق سعادتهم الأبدية.

تعنّت اليهود

التّعنّت والعناد شأن الذين يعرفون الحق والصواب ، ثم يحيدون عنه ، وهذا الوصف واضح في الكفار لا في المنافقين الجبناء الذين شأنهم التذبذب بين الكفر والإيمان دون استقرار على حال واحدة ، فلا تعنّت عندهم ، وإنما يوصفون بالاضطراب والقلق.

وقد حكى القرآن الكريم بعض أخبار أهل التّعنت والعناد ، فقال الله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ

٤٠٧

فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩))(١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) [النساء : ٤ / ١٥٣ ـ ١٥٩].

نزلت هذه الآيات في ناس من أهل الكتاب طلبوا من النّبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعض المطالب التعجيزية ، طلبوا منه أن يأتي بالألواح من عند الله كما أتى بها موسى ، وأن يأتي بكتاب من السماء جملة ، إن كان نبيّا صادقا وأن يصعد في السماء ، وهم يرونه ، فينزل عليهم كتابا مكتوبا فيما يدّعيه على صدقه دفعة واحدة ، كما أتى موسى بالتوراة ، تعنّتا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

طالبوا النّبي أن ينزل عليهم كتابا مكتوبا بخط سماوي يشهد أن محمدا رسول الله ، وكانوا قد سألوا موسى أعظم من هذا ، فقالوا : أرنا الله جهرة عيانا ، بلا حواجز ولا حجب ، ظانّين أن الله جسم محدود تدركه الأبصار.

وكان عقابهم على هذا الطلب المصحوب بالتعجيز والمراوغة : نزول الصاعقة التي أماتتهم ، ثم أحياهم الله للعبرة والاتّعاظ. وبعد هذا الإحياء اتّخذوا العجل إلها من

__________________

(١) عيانا بالرؤية البصرية.

(٢) نار نزلت عليهم من السماء.

(٣) لا تعتدوا بالاصطياد فيه.

(٤) عهدا وثيقا بطاعة الله.

(٥) مغطاة بأغطية لا تعي.

(٦) ختم عليها.

(٧) كذبا وافتراء.

٤٠٨

بعد ما رأوا الآيات الباهرة ومعجزات موسى الظاهرة من عبور الإسرائيليين البحر ، وإغراق عدوّهم فرعون وجنوده ، وانقلاب العصا حية ، واليد البيضاء ، وذلك سلطان مبين لموسى عليه‌السلام أي حجة ظاهرة ، ثم عفا الله عنهم بما امتحنهم به من القتل لأنفسهم وقتل بعضهم بعضا ، حتى قيل لهم : كفّوا ، فكان ذلك شهادة للمقتول ، أي استشهادا ، وتوبة للحي.

وكان من عجائب أحوالهم وأساليب تأديبهم : أن الله تعالى رفع فوقهم جبل طور سيناء ، كأنه ظلّة ، وهم في واد ، بسبب ميثاقهم أن يعملوا بالتوراة ، فامتنعوا من التزام أحكام الشريعة ، وأبو إطاعة موسى عليه‌السلام ، فأجبروا على الطاعة قهرا ، وجعلوا ينظرون إلى فوق رؤوسهم خشية أن يسقط الجبل عليهم. وأمروا أن يدخلوا باب بلدة سجّدا طائعين خاضعين ، شكرا لله تعالى على نعمه وأفضاله ، وهو نوع من سجدة الشكر التي فعلها كثير من العلماء ، ورويت مشروعيتها عن نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأوصاهم الله بالتزام حرمة يوم السبت ، فلا يعملوا فيه عملا دنيويا ، ولا يتجاوزوا حرمته ، فخالفوا واحتالوا بحيلتهم المعروفة في صيد الأسماك ، من طريق بناء الأحواض على شاطئ البحر ليبقى السمك محجوزا فيها أثناء المدّ والجزر البحري. وأخذ الله عليهم ميثاقا غليظا : وهو ما جاء على لسان موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء بأنهم يأخذون التوراة بقوة ويعملون بجميع ما فيها ، فخالفوا وعصوا وتحايلوا على ارتكاب ما حرم الله عليهم.

وقد عذّبهم الله ولعنهم وأذلّهم بمجموع عدة أمور : هي نقض ميثاق العمل بالتوراة ، وكفرهم بآيات الله الدّالة على صدق أنبيائه ، وقتلهم الأنبياء بغير ذنب كزكريا ويحيى عليهما‌السلام ، وقولهم : قلوبنا مغلفة بغلاف ، فلا يصل إليها شيء من دعوة الأنبياء ، ولكن الله ختم عليها فلا يصلها خير ، ولا ينفذ إليها الإيمان ،

٤٠٩

وكفروا بعيسى عليه‌السلام وبالإنجيل ، واتّهموا أمه مريم البتول العذراء الطاهرة بالفاحشة ، وزعموا أنهم صلبوا المسيح ، وما صلبوه وما قتلوه ولكن شبّه لهم ، وإنما أنجاه الله من أيديهم ، وتوفّاه ورفعه إليه ، والله قوي قاهر لا يغلب ، حكيم في صنعه وتدبيره وتقديره ، وظل الخلاف قائما بين المحاولين لأخذه أهو عيسى أم غيره؟ وما من أحد من أهل الكتاب قبل موته إلا ليؤمنن بعيسى إيمانا صحيحا لا انحراف فيه ، ويعلم أنه نبي بشر ، لكنه إيمان لا ينفع حينئذ ، ويوم القيامة يشهد عيسى عليه‌السلام على من كذبه أو وصفه بغير حقيقته.

تحريم الرّبا وبعض الطّيبات على اليهود

إن مصدر التشريع في الأديان ومنبع بيان الحلال والحرام هو واحد غير متعدد ، وهو الله جلّ جلاله الذي يشرع لكل قوم ولكل زمان ومكان ما يناسب ويحقق مصالح العباد ، وقد تتفق الشرائع الإلهية في بعض الأحكام وهي الأحكام الأساسية المتعلقة بأصول العقيدة والفضائل والأخلاق ، كالإيمان بالله وحده لا شريك له ، والصدق والوفاء بالعهد ، وتحريم الظلم والرّبا والكذب والغدر والخيانة ، وقد تختلف الشرائع الإلهية في بعض الأحكام الجزئية ، كتحريم بعض المطعومات على من قبلنا ، وإباحتها في شرعنا ، والمؤمن حقا يؤمن بكل ما شرع الله وأنزل في كتبه على أنبيائه ورسله.

وهذا أنموذج من أحوال الوفاق والاختلاف بين الشرائع ، قال الله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ (١)

__________________

(١) أي أخصّ وأعني المقيمين الصلاة ، وأمدحهم.

٤١٠

وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢)) [النساء : ٤ / ١٦٠ ـ ١٦٢].

يخبر الله تعالى أنه بسبب ظلم الذين هادوا بما اقترفوا من آثام عظيمة ، ومنكرات قبيحة ، وبسبب صدّهم الناس وأنفسهم عن اتّباع الحق ، حرّم الله عليهم طيّبات كانت حلالا لهم ، لعلهم يرجعون إلى جادة الاستقامة وطريق الهداية القويمة. لقد حرّم الله عليهم كل ما له ظفر من الحيوانات كالإبل والأوز والبط ، وحرّم عليهم شحوم الأبقار والأغنام ، قال الله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا) (١) (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦)) [الأنعام : ٦ / ١٤٦] أي إنما حرّمنا عليهم ذلك ، لأنهم يستحقون التحريم بسبب بغيهم وطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه.

ومن ألوان ظلمهم : صدّهم أنفسهم وغيرهم من الناس عن الإيمان بالله ، وعنادهم وعصيانهم موسى عليه‌السلام ، وأمرهم بالمنكر ، ونهيهم عن المعروف ، وكتمانهم البشارة بالنّبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجحدهم أمره وإنكارهم رسالته.

ومن مظالمهم : أخذهم الرّبا الذي نهاهم الله عنه على ألسنة أنبيائهم ، والرّبا : هو بيع الدرهم بدرهمين إلى أجل في المستقبل ، ونحو ذلك مما هو مفسدة ومضرّة واستغلال ، نهوا عن ذلك ، فاحتالوا عليه بأنواع الحيل ، وأكلوا أموال الناس بالباطل كالرّشاوى والخيانات وأنواع الغشّ والنّصب وغير ذلك مما لا مقابل له ، كما قال الله تعالى يصفهم : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) [المائدة : ٥ / ٤٢] والسّحت : المال أو الكسب الحرام.

__________________

(١) أي الأمعاء.

٤١١

وكان جزاؤهم على تلك المظالم وظلمهم أنفسهم وغيرهم : أن الله هيّأ لهم ولأمثالهم من الكافرين عذابا مؤلما ذا إهانة وذلّ في نار جهنم.

ثم استثنى الله تعالى من استحقاق العذاب فئة متنورة مؤمنة هم الراسخون في علم التوراة الذين اطّلعوا على حقائق الدين ، وتحققوا من أمر محمد عليه الصلاة والسلام وعلاماته ، وآمنوا إيمانا صادقا بالله ، وبما أنزل إلى محمد وبقية الرّسل الكرام قبله كموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ، وهي القرآن والتوراة والإنجيل ، وصدقوا بالبعث بعد الموت وبالجزاء العادل على الأعمال ، وأدّوا زكاة أموالهم للمستحقين ، وأطاعوا أوامر ربّهم ، وأقاموا الصلاة على وجهها الصحيح المشروع ، تامة الأركان ، مستوفية الشروط القلبية بالخشوع والاطمئنان ، والشروط العضوية بممارسة الأركان القولية والفعلية ، هؤلاء الموصوفون بما تقدم من الصفات وهي صفات المؤمنين إيمانا حقيقيّا في هذا العالم ، سيؤتيهم ربّهم أجرا عظيما هو الجنة ، لا يدرك حقيقته ووصفه إلا الله تعالى.

روى ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أن الآية : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ ..) أنزلت في عبد الله بن سلام ، وأسيد بن سعية ، وثعلبة بن سعية ، وأسد بن عبيد ، حين فارقوا اليهود وأسلموا ، أي دخلوا في الإسلام ، وآمنوا بالقرآن وبما أرسل الله به محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومنهم مخيريق أيضا ، كان هؤلاء من علماء اليهود وأحبارهم ، وكان مخيريق غنيّا كثير الأموال ، أسلم وأوصى بأمواله للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مات في غزوة أحد. فرضي الله عن مواكب الإيمان ، وفتيان الإسلام ، وجند الحق والفضيلة والاستقامة إلى يوم الدين.

٤١٢

أسباب إرسال الرّسل ووحدة رسالاتهم

إن أعظم هدية من الله تعالى على بني الإنسانية نعمتان جليلتان : وهما إنزال الكتب الإلهية ، وإرسال الرّسل ، لإنقاذ الناس من ضلالاتهم ، والأخذ بأيديهم وتوجيههم نحو طريق السعادة والنجاة والطمأنينة في عالم الدنيا والآخرة.

ومن البديهي أن تتّحد الكتب ورسالات الرّسل والأنبياء ؛ لأن مصدرها واحد ، ومهمتها واحدة ، ومقاصدها واحدة ، وهي إثبات وجود الله تعالى ووحدانيته ، والإرشاد لعبادته الصحيحة المخلصة لله سبحانه ، والدعوة إلى أصول الأخلاق الكريمة والفضائل القويمة ، وتصحيح المعاملات ، وتنمية العلاقات الاجتماعية وجعلها سامية كريمة.

وهذا ما نبّه إليه القرآن المجيد في قول الله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥) لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (١٦٦)) (١) (٢) [النساء : ٤ / ١٦٣ ـ ١٦٦].

روي عن عبد الله بن عباس : أن سبب هذه الآية (الأولى) أن سكينا الحبر وعديّ بن زيد قالا : يا محمد ، ما نعلم أن الله أنزل على بشر شيئا بعد موسى ، ولا أوحى إليه ، فنزلت هذه الآية تكذيبا لقولهما.

__________________

(١) أولاد يعقوب وأحفاده الاثني عشر.

(٢) كتابا للمواعظ.

٤١٣

وحقيقة الوحي الإلهي : عرفان يجده الشخص من نفسه ، مع اليقين بأنه من قبل الله بواسطة أو بغير واسطة. وقد أبانت الآيات أن الإيحاء لنبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل الإيحاء للأنبياء السابقين ، كالمشهورين مثل نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب المسمى إسرائيل ، والأسباط (وهم أولاد يعقوب وذريته) وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان ، وداود الذي أنزل الله عليه كتاب الزّبور : وهو مائة وخمسون سورة ليس فيها أحكام ، وإنما هي حكم ومواعظ وتمجيد وثناء على الله تعالى.

ومن هؤلاء الرسل المكرمين عند الله تعالى : موسى الذي خصّه الله بتكليمه وشرفه بكلامه مباشرة من غير واسطة ، وذلك بكيفية وخواص ، الله أعلم بها ، فهو كلام دون تكييف ولا تحديد ولا تجويز حدوث ولا حروف ولا أصوات. وكلام الله هو المعنى القائم في النفس ، ويخلق الله لموسى أو جبريل إدراكا من جهة السمع يتحصل به الكلام ، وكما أن الله تعالى موجود لا كالموجودات ، معلوم لا كالمعلومات ، فكذلك كلامه لا كالكلام المعهود المألوف بين البشر.

والرّسل منهم من أخبر الله نبيّه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأسمائهم ومعجزاتهم ومنهم من لم يخبره بشيء عن سيرتهم وزمانهم ومكانهم.

ومهمة الرّسل والأنبياء واحدة هي تبشير من آمن بالله وأطاع بالجنة ، وإنذار من كفر وعصى بالنار. والحكمة من إرسالهم إرشاد الناس إلى طريق الحق والإيمان والاستقامة ، وأراد الله تعالى أن يقطع بالرسل احتجاج من يقول : لو بعث إلي لآمنت ، والله تعالى عزيز لا يغالبه شيء ، ولا حجة لأحد عليه ، وهو مع ذلك حكيم تصدر أفعاله عن حكمة بالغة ، يضع الشيء في موضعه المناسب ، فلذلك تحقق بهذا الإرسال للرّسل قطع الحجة ، وكان إرسال الرّسل حكمة من الله تعالى.

وقوله تعالى : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ ..) سببه قول اليهود : (ما أنزل

٤١٤

الله على بشر من شيء) وقال بعضهم لمحمد عليه الصلاة والسلام : ما نعلم يا محمد أن الله أرسل إليك ولا أنزل عليك شيئا ، فردّ الله عليهم بقوله : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ* أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ* وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ* وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً). كفى بشهادة الله وشهادة ملائكته على صدق إنزال القرآن على النّبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنزله الله بعلمه الخاص الذي لا يعلمه سواه ، كما قال سبحانه في مطلع سورة البقرة : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢)) [البقرة : ٢ / ٢]. وهو الذي تحدى الله به البشرية أن يأتوا بمثله فعجزوا : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨)) [الإسراء : ١٧ / ٨٨]. وقوله سبحانه : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) دليل قاطع واضح على إثبات علم الله تعالى ، فهو يعلم إنزال القرآن ونزوله ، وعجيب قول المعتزلة : عالم بلا علم ، ومعنى الآية عندهم : أنزله مقترنا بعلمه ، أي فيه علمه من غيبيات وأوامر ونحو ذلك ، فالعلم عندهم : عبارة عن المعلومات التي في القرآن.

ضلال الكافرين وجزاؤهم

ليس في هذا العالم بالنسبة للهدي الإلهي إلا طريقان : طريق الضلال والكفر ، وطريق الهداية والإيمان ، فمن سلك طريق الضلالة فقد رشده ودمر نفسه ، ومن أخذ بطريق الهداية وآمن بما أنزل الله على رسله الكرام ، سار في منهج صحيح ، وأعمل عقله وفكره السوي ، وأنقذ نفسه من أخطر العواقب الوخيمة.

وحرصا من الله تعالى على مصلحة عباده ، وحبّا لهم وإرادة لجلب الخير لأنفسهم ، أنذر الضّالين المنحرفين بالعذاب الشديد ، ودعا إلى الإيمان الصحيح برسالة خاتم الأنبياء والمرسلين.

٤١٥

قال الله تعالى منذرا ومبيّنا : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٩) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠)) [النساء : ٤ / ١٦٧ ـ ١٧٠].

أخبر الله تعالى عن الكافرين الذين يصدّون عن سبيل الله : أنهم قد بعدوا عن الحق ، وضلّوا ضلالا بعيدا عن الصواب ، لا أمل في رجوعهم عنه ، ولا تخلصهم منه ، إنهم بكفرهم وجحودهم بالله ورسوله ، وصدهم أنفسهم وغيرهم عن ساحة الإيمان ، ومقاومتهم لسبيل الدعوة الصحيحة إلى الله ، إنهم بهذا أخطئوا الطريق.

وهم أيضا ظلموا أنفسهم باتباعهم الشيطان ووضعهم الشيء في غير موضعه ، وهو الكفر بالله وجحود نعمته عليهم ، سواء النعمة الظاهرة أو الباطنة.

لقد صاروا بكفرهم وصدّهم عن سبيل الله وظلمهم أنفسهم في وضع سيء ، وفي شأن وحال لم يكن الله تعالى ليغفر لهم ، فالله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. واستحقوا بإصرارهم على كفرهم ألا يهديهم الله ولا يوفقهم إلى خير أبدا ؛ لأنهم ملؤوا أنفسهم وقلوبهم بظلام الكفر والضلال ، حتى لم يعد يتسع للنور والهداية الإلهية.

ولا يوفقهم ويدلّهم إلا على طريق جهنم الذي سلكوه ، فكانوا في النار خالدين فيها أبدا على الدوام ، جزاء ما قدموا من أعمال قبيحة ، وما اختاروا في حياتهم من سلوك دروب الغواية والانحراف ، وكان إدخالهم جهنم أمرا هينا وسهلا ويسيرا كل اليسر على الله تعالى ، فلا يعجزه أحد في الأرض ولا في السماء ، ولا يبالي الله بهم ، كما ورد في الحديث عند البخاري : «يذهب الصالحون ، الأول فالأول ، ويبقى

٤١٦

حفالة كحفالة الشعير أو التمر ، لا يباليهم الله بالة» والحفالة : النفاية والرديء من كل شيء ، والبالة : المبالاة.

وبعد هذا الإنذار الشديد لأهل الضلالة وبيان جزائهم ، دعا القرآن إلى الإيمان الحق ، تذكيرا للناس ، وهذا من أسلوب القرآن الذي يقرن بين الأشياء المتعارضة ، وبضدّها تتميز الأشياء. والدعوة إلى الإيمان عامة شاملة للناس جميعا دون تمييز ولا تعصب ولا انغلاق ، وإنما بانفتاح ومحبة الخير للجميع. ومضمون هذه الدعوة :

يا أيها الناس جميعا ، قد جاءكم الرسول محمد بالقرآن والحق والخير والهدى والفلاح ، فآمنوا برسالته ، يكن الإيمان خيرا لكم ؛ لأنه يزكيكم ويطهركم من الأدناس والأرجاس ، ويرشدكم لما فيه السعادة في الدنيا والآخرة ، والحق الذي أتى به محمد من ربّه : هو القرآن المعجز ، والدعوة إلى عبادة الله وحده ، والإعراض عن غيره.

وإن تكفروا أيها الناس ، فإن الله غني عنكم وعن إيمانكم ، وقادر على عقابكم ، ولا يتضرر بكفرانكم ، فإن لله جميع ما في السماوات والأرض ملكا وخلقا وتصريفا وعبيدا ، وشأن العبيد الخضوع لحكم الله ، وأمره ، كما قال الله تعالى : (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨)) [إبراهيم : ١٤ / ٨].

والله تعالى معذبكم ومجازيكم على كفركم في الآخرة. فليس وراء الموت إلا الجنة أو النار ، والله سبحانه عليم بشؤون خلقه ، حكيم في صنعه ، لا يحكم إلا بالحق والعدل ، ولا يجازي إلا من ظلم وكفر ، وعصى وجحد.

٤١٧

أوصاف المسيح في القرآن

ينبغي أن تسود في الوسط العلمي الحقائق العلمية المجردة ، دون تميز ولا تعصب ولا تأثر بميراث معين ، ولقد أبرز القرآن المجيد الحقائق في كل شيء ، سواء ما يتعلق منها بأصول العقيدة ، وإنزال القرآن ، أم ما يتصل بالأحكام الشرعية ، والوقائع التاريخية ، إظهارا للحق ، وبيانا للصدق والواقع.

وهذا هو شأن القرآن العظيم في تبيان أوصاف المسيح عيسى ابن مريم عليه‌السلام ، قال الله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣)) (١) (٢) [النساء : ٤ / ١٧١ ـ ١٧٣].

يطالب القرآن الكريم أهل الكتاب بترك المغالاة في الدين وتجاوز الحدود فيه ، وألا يقولوا على الله إلا القول الحق الثابت الموافق للواقع ، فما المسيح عيسى ابن مريم إلا رسول مرسل من عند الله إلى بني إسرائيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويأمرهم بعبادة الله وحده ، ووجود المسيح إنما كان بكلمة من الله التكوينية وهي (كن) لا بمادة أخرى كبقية الناس ، ألقاها الله سبحانه إلى مريم الطاهرة البتول القديسة ، وهو البشارة التي بعث الملك بها إليها ، ونفخ الله فيه الروح من عنده ، فهو

__________________

(١) لا تتجاوزوا الحدّ.

(٢) لن يترفّع.

٤١٨

من جملة مخلوقات الله ، ونفخة من الله ، بواسطة جبريل عليه‌السلام ، لا جزءا ولا بعضا من الله تعالى ، ووصف بهاتين الصّفتين (كلمة الله وروح منه) على وجه التشريف والتكريم ، وهو مجرد رسول كبقية الرّسل الكرام ، علما بأن جميع البشر من روح الله.

فآمنوا أيها الناس بالله تعالى وحده ، وبرسله جميعا دون تفرقة ، فهم جميعا عبيد لله ، لهم مهام وخصائص ، فوضهم الله بها لتبليغها إلى الناس من أجل إسعادهم وتوضيح طريق الحق والهداية لهم.

ولا تقولوا : الله ثالث ثلاثة ، أو الآلهة ثلاثة أو أكثر ، إنما الله خالق الكون والمخلوقات إله واحد ، تنزه وتعاظم وتقدّس أن يكون له ولد ، فهو الواحد الفرد الصّمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، وهو مالك السماوات ، والأرض وما فيهما ، الكل ملكه وخلقه ، وجميع ما فيهما عبيده ، وهم تحت تدبيره وتصريفه ، وهو وكيل على كل شيء وقدير ، وبيده سلطان كل شيء ، لا فرق في ذلك بين الملائكة والنّبيين أجمعين ، وكفى بالله سبحانه متصرفا في هذا العالم ومهيمنا عليه.

لن يتكبر أو يأنف المسيح أن يكون عبدا من عباد الله ، ولا عن العبودية لله ، ولا عن عبادة الله وحده ، لعلمه بعظمة الله ، وما يستحقه من العبودية والشكر ، وكذلك الملائكة المقرّبون لن يترفّعوا عن أن يكون أحدهم عبدا لله تعالى. ومن يتكبر عن عبادة الله ، ويمتنع من طاعة الله ، فسيجمعهم الله جميعا في المحشر يوم القيامة ، ويعذبهم عذابا مؤلما شديدا في النار حسبما يستحقون ، ولا يجدون لهم من غير الله تعالى ناصرا ينصرهم أو يمنعهم من بأس الله وعذابه.

وأما المؤمنون بالله ورسله ، الذين يعملون الأعمال الصالحة وهي التي أمر الله بها ، فيعطيهم أجورهم وثواب أعمالهم كاملة غير منقوصة ، على قدر أعمالهم ،

٤١٩

ويزيدهم على ذلك من فضله وإحسانه ، ورحمته وامتنانه ، فهو سبحانه واسع الفضل والرحمة ، كثير الخير والمنّة والنعمة ، وهو ولي التوفيق.

التّمسك بالنّور المبين

تعددت ألوان الهداية للبشرية في القرآن الكريم ، فهناك في آية سابقة هداية التوفيق. والإرشاد إلى الإيمان الصحيح المأمور به في قول الله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء : ٤ / ١٧٣].

وفي هذه الآية التالية هداية طريق الجنان ، بالتّمسك بالنّور المبين : وهو القرآن المجيد. قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥)) [النساء : ٤ / ١٧٤ ـ ١٧٥].

أوضح الله تعالى للناس قاطبة في هاتين الآيتين طريق الإنقاذ والنجاة ، وأخبرهم أنه قد جاءهم برهان واضح وحجة نيّرة تعطي اليقين التام ، وتبين حقيقة الإيمان بالله ، وهو النّبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم النّبي العربي الأمّي ، الذي لم يتعلّم في مدرسة ولا جامعة ، ولكن الله سبحانه أعدّه إعدادا خاصّا لتبليغ أعظم رسالة في الوجود إلى كل إنسان.

ومعنى الآية : لقد جاءكم أيها الناس محمد مقترنا ببرهان من الله تعالى على صحة ما يدعوكم إليه ، وفساد ما أنتم عليه من النّحل الدينية والملل الوثنية. وذلكم البرهان الإلهي على صدق دعوته هو القرآن الكريم ، أو هو النّبي محمد نفسه ، والقرآن هو النّور المبين ، أي الضياء الواضح على الحق ، فيه بيان كل شيء ، وهو الواعظ الزاجر ، الناهي الآمر.

جاء هذا القرآن لتصحيح العقيدة والنظام ، فقرّر مبدأ التوحيد الخالص لله ،

٤٢٠