التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0523-3
الصفحات: ٦٧١

جزاء القتل الخطأ والعمد

تتكرر حوادث القتل الخطأ كثيرا في الحياة العملية ، وأكثرها في عصرنا الحاضر حوادث السير والمرور والسيارات وما يترتب عليها من دهس وتصادم ولا تخلو جميع حوادث القتل الخطأ من تقصير أو إهمال أو ترك التثبت والاحتياط في الأفعال ، لذا لم يعف الشرع القاتل خطأ من المسؤولية وأوجب عليه الدية والكفارة بإعتاق رقبة مؤمنة عند القدرة ، أو صيام شهرين متتابعين عند العجز عن الرقبة ، كما هو الحاصل في عصرنا حيث حرم الرق في العالم. وكذلك من باب أولى حرم الشرع القتل العمد وأوجب على القاتل عمدا القصاص في الدنيا إلا أن يعفو ولي الدم قريب المقتول ، والخلود في نار جهنم في الآخرة إلى أن يتوب.

قال الله تعالى مبينا حكم القتل الخطأ والقتل العمد : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣)) [النساء : ٤ / ٩٢ ـ ٩٣].

نزلت آية القتل الخطأ في شأن الحارث بن يزيد الذي خرج مهاجرا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلقيه عياش بن أبي ربيعة بالحرّة ـ أرض ذات حجارة سوداء ـ فعلاه بالسيف ، وهو يحسب أنه كافر ، ثم جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره ، فنزلت : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ..) الآية.

ونزلت آية القتل العمد في رجل من الأنصار قتل أخا مقيس بن صبابة ، فأعطاه

٣٦١

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الدية ، فقبلها ، ثم وثب على قاتل أخيه ، فقتله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا أؤمنه في حل ولا حرم ، فقتل يوم الفتح ـ فتح مكة ، وفيه نزلت هذه الآية : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ..).

ومعنى الآيتين : أن من شأن إيمان المؤمن بالله ورسوله أن يمنعه من ارتكاب الفواحش والمنكرات ، ومن أخطرها الاعتداء على النفوس البشرية بغير حق ، والمؤمن يشعر بحقوق الله عليه وبحقوق إخوانه المؤمنين ، ويدرك أن سفك الدم الحرام جريمة عظمي ، واعتداء خطير ، وكأنه قتل للناس جميعا. قال تعالى : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة : ٥ / ٣٢].

لكن إذا حدث القتل خطأ ، فعلى القاتل عقاب ، لأن الخطأ ينشأ من التهاون وعدم الاعتناء والاحتياط ، وعقاب القتل الخطأ شيئان : كفارة للقتل وهي عتق رقبة مؤمنة ، لأنه أعدم نفسا فيحيي نفسا أخرى بالتحرير ، والعقاب الثاني : تسليم دية إلى ورثة القتيل عوضا عن دمه ، وإطفاء لنار الغيظ والحقد ، وإزالة للعداوة والبغضاء ، والدية مائة من الإبل ، أو ألف دينار ذهبا ، أو عشرة آلاف درهم فضة ، وهذا رقم مالي كبير في عصرنا الحاضر. فإن لم يجد الشخص الرقبة أو ثمنها كما في وقتنا الحاضر حيث اتفق العالم بمعاهدات دولية على إنهاء الرق وتحريمه ، فحينئذ يجب على القاتل خطأ كما في حوادث السيارات صيام شهرين متتابعين ، رعاية لحق الله تعالى أو الحق العام ، والدية واجبة لكل مسلم أو غير مسلم معاهد ، أما القتيل المؤمن المقيم مع الأعداء ، فلا يعطى لورثته مال حتى لا يحاربونا به ، ويكتفى بالكفارة وهي عتق رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين ، فإن كان القتيل مقيما في دولة معاهدة كحال العلاقات الدولية الآن ، فالواجب دية مسلّمة إلى أهله ، احتراما للعهود والدماء ، وكفارة.

٣٦٢

أما جزاء القاتل عمدا فهو القصاص أو عقوبة الإعدام إذا لم يصدر عفو من ورثة القتيل ، وله في الآخرة جهنم خالدا فيها ، وغضب الله عليه ، وطرده من رحمته ، وأعدّ له عذابا عظيما شديدا إلا أن يتوب ، فالمقرر عند أكثر العلماء أن التوبة مقبولة من قاتل النفس ، لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦)) [النساء : ٤ / ١١٦] ، وثبت أن الله تعالى قبل توبة القاتل مائة نفس كما في الصحيحين.

التثبت في الأحكام ونقل الأخبار

المسلم في كل أحكامه وتقديراته ، وظنونه وأحواله ، وسماعه الأخبار كأنه قاض عدل مهيب ، لا يتسرع في الاتهام ولا يصدق كل خبر ، ويتأنى في فهم الأشياء بعقل واع وبصيرة نافذة ، سواء في معاملته مع الأعداء في الحرب ، أو في معاملة إخوانه في داخل البلد المسلم. وقد نبّه القرآن إلى ضرورة الحذر الشديد في هاتين الحالتين ، ليكون المؤمن محل ثقة واحترام وتقدير وإعظام. قال الله تعالى مبينا ضرورة التثبت في الحكم على أشخاص العدو إيمانا وكفرا ، سلما وحربا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤)) (١) (٢) (٣) [النساء : ٤ / ٩٤].

قال ابن عباس مبينا سبب نزول هذه الآية ـ فيما رواه البخاري والترمذي والحاكم ـ : مرّ رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يسوق غنما له ،

__________________

(١) سافرتم.

(٢) الاستسلام أو تحية السلام والإسلام.

(٣) الغنيمة.

٣٦٣

فسلّم عليهم ، فقالوا : ما سلّم علينا إلا ليتعوذ منا ـ أي يحتمي ويتحصن ـ فعمدوا إليه ، فقتلوه ، وأتوا بغنمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ ..) وفي رواية أخرى عند الثعلبي : أن أسامة بن زيد أو المقداد بن الأسود قتل رجلا من الأعداء بعد أن أعلن إسلامه ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كيف لك بلا إله إلا الله غدا» وأنزل الله هذه الآية.

والمعنى : يا أيها الذين صدّقوا بالله ورسوله إذا انطلقتم في الأرض للجهاد ، فتمهلوا في الحكم على الأشخاص ، أهم مسالمون أم محاربون ، مؤمنون أم كافرون ، ولا تتعجلوا بقتل أحد ، ولا تقولوا لمن استسلم ولم يقاتلكم وأظهر أنه مسلم : إنك لست مؤمنا ، فأنتم مأمورون بالعمل بالظاهر ، والله أعلم بالسرائر.

وكأنكم باستعجال القتل تريدون الحصول على عرض الدنيا الفاني من المال أو الغنيمة ، فعند الله أرزاق كثيرة ونعم وفيرة لا تحصى ، وعنده خزائن السماوات والأرض ، فلا يليق بكم أن تفعلوا فعلا جنائيا أو عدوانيا ، وتتسرعوا في الحكم على ما في قلوب الناس ، وتتهموهم بالمصانعة والمداراة والخوف من السيف ، واذكروا تاريخكم في الماضي ، آمنتم سرا ، ثم أظهرتم الإسلام علنا ، فصرتم في عداد المؤمنين ، ومنّ الله عليكم بالأمان والاطمئنان ، إن الله بما تعملون خبير بصير ، يجازيكم على أعمالكم وأحوالكم كلها.

وكذلك الأمر في العلاقات الاجتماعية الداخلية يجب على المسلم التثبت في الحكم على الأقوال والأخبار ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦)) [الحجرات : ٤٩ / ٦].

سبب نزول هذه الآية أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق

٣٦٤

مصدّقا (١) ، فرجع من بعض الطريق ظانا أنهم خرجوا للاعتداء عليه ، وقال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنهم قد منعوا الصدقة ، وطردوني وارتدوا ، فغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهمّ بغزوهم ، وبعث خالد بن الوليد إليهم ، فورد وفدهم للنبي منكرين لما حدث ، وأظهروا حسن نواياهم واستعدادهم لإيتاء الزكاة.

ومعنى الآية : أيها المؤمنون بالله ورسوله إن أتاكم فاجر لا يبالي بالكذب ، بخبر من الأخبار فيه إضرار بأحد ، فتثبتوا في تصديق الخبر ، وتبصروا في الأمر الواقع والخبر الوارد ، حتى تتضح حقيقته وتظهر ، لئلا تمسوا قوما بضرر لا يستحقونه ، فتصبحوا نادمين مغتمين على ما فعلتم بهم من إصابتهم بالخطإ ، وتعجيل اتهامهم بالسوء. أخرج ابن جرير الطبري وعبد بن حميد عن قتادة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال حينما نزلت هذه الآية : «التثبت من الله ، والعجلة من الشيطان». والآية تعد قانونا عاما لجميع الناس تطالبهم بضرورة التبين قبل قبول الكلام المنقول والخبر المروي ، تحسينا للظن ، أو بعدا عن إساءة الظن بأحد من الناس ، والله يقول الحق ، وهو يهدي السبيل.

درجات الناس في المشاركة بالجهاد

الإسلام دين الواقع العملي والظروف الإنسانية المواتية ، فلا يكلف الناس بتكاليف لا يطيقونها أو لا يتحملونها ، فهو أي الإسلام إن فرض الجهاد على الرجال القادرين على حمل السلاح ، يستثني أصحاب الأعذار وأولي الضرر ، ولا يعقل أن يكون هناك مساواة بين المجاهدين البواسل ذوي الجرأة والإقدام ، وبين المتقاعسين

__________________

(١) أي جابي الزكاة أو الصدقات.

٣٦٥

المتخلفين عن القيام بالواجب والمشاركة بالجهاد وخوض المعارك من غير عذر شرعي.

قال الله تعالى مقررا هذا المبدأ : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٩٦)) (١) [النساء : ٤ / ٩٥ ـ ٩٦].

روى البخاري وغيره أن الآية لما نزلت : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) جاء عبد الله بن أم مكتوم ـ وكان أعمى ـ حين سمعها ، فقال : يا رسول الله ، هل من رخصة ، فإني ضرير البصر؟ فنزلت عند ذلك (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) فاستدعى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد كتاب الوحي ، فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتف ، فقال : اكتب (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ).

والآية تقرر أنه لا مساواة في الشرع والطبع والعقل بين المؤمنين المجاهدين بأموالهم وأنفسهم وبين القاعدين بأنفسهم ، المتكاسلين حرصا على الراحة والنعيم والبعد عن المخاطر والتضحيات. وقوله تعالى : (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) هي الغاية في كمال الجهاد ، لقد فضل الله المجاهدين على القاعدين بالأجر العظيم ، ومنحهم الدرجات العالية في الجنان ، والظفر بالمغفرة الكبيرة الواسعة من الله تعالى بسبب ما قدموا من جهود وتحملوا من أعباء ومتاعب ، وتعرضوا للظمأ والعطش ، والجوع في سبيل الله ، وأغاظوا الأعداء ، ودافعوا عن البلاد والحرمات ، وقمعوا العدوان ، وأحبطوا مكائد المعتدين ، وردوا كيدهم في نحورهم ، وحققوا لواء العزة والمجد للمؤمنين وديارهم فلا غرابة أن يستحقوا الرضوان الإلهي ، وتعمهم نفحات الرحمة والفضل الواسع.

__________________

(١) أصحاب الأعذار المانعة من الجهاد.

٣٦٦

ومن فضل الله وكرمه أنه استثنى أصحاب الأعذار من تكليف الجهاد ، وهم أولو الضرر ، أي المرض ونحوه ، كالعميان والعرجان والزمنى (المصابين بمرض مزمن) وغيرهم من ذوي العاهات والأعذار المبيحة لترك الجهاد ، فهؤلاء لا لوم عليهم ولا عتاب لهم ، لتوافر نياتهم الطيبة بالجهاد عند القدرة ، روى البخاري وأحمد وأبو داود أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال عند دخوله المدينة بعد غزوة تبوك : «إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير ، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه ، قالوا : يا رسول الله ، وهم بالمدينة؟! قال : نعم وهم بالمدينة ، حبسهم العذر» فهذا تزكية من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقبول لعذر هؤلاء المعذورين.

وحينئذ يكون القعود عن الجهاد مذموما حيث لا عذر يمنع منه ، ويكون للمجاهدين المخلصين في جهادهم منازل رفيعة في غرف الجنان العاليات ، يصعب في تقدير الناس في الدنيا حصرها وعدها ، كما قال الله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١)) [الإسراء : ١٧ / ٢١].

والتفاضل في الدرجات مبني على مدى قوة الإيمان ، وإيثار رضا الله على الراحة والنعيم ، وترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، جاء في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض» وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من رمى بسهم فله أجره درجة ، فقال رجل : يا رسول الله ، وما الدرجة؟ فقال : أما إنها ليست بعتبة أمك ، ما بين الدرجتين مائة عام».

٣٦٧

فضيلة الهجرة في سبيل الله

المسلم في هذا العالم مطالب بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، وإظهار شعائر الله والاعتزاز بمظاهر الإسلام ، فإذا لم يتمكن المسلم من أداء شعائر الله في بلد من البلدان ، كأن تمنع حرية التدين في بعض الأقطار ، فيجب عليه الهجرة من ذلك البلد ، وطلب الإقامة أو الاستيطان في بلد آخر يسمح له بذلك.

قال الله تعالى مبينا وجوب الهجرة : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩) وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠)) (١) [النساء : ٤ / ٩٧ ـ ١٠٠].

روى البخاري عن ابن عباس أن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثّرون سواد المشركين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيأتي السهم يرمى به ، فيصيب أحدهم فيقتله ، أو يضرب فيقتل ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ).

وروى ابن أبي حاتم وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس قال : خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجرا ، فقال لأهله : احملوني ، فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزل الوحي : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ ..).

من المعلوم أن الهجرة من مكة في مبدأ الإسلام قبل الفتح كانت واجبة ، فهاجر

__________________

(١) أي مكانا للهجرة ومأوى يجد فيه الخير.

٣٦٨

بعض المسلمين الهجرة الأولى إلى الحبشة ، وهاجر آخرون مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة المنورة ، لكن بعض المسلمين قعد في مكة حبّا في وطنه ، وإيثارا للدنيا وعرضها ، ومنهم من كان ضعيفا لا يقدر على الهجرة لمرض أو كبر سن أو جهل بالطريق ، ومنهم من هاجر ومات في الطريق ، فنزلت هذه الآيات تبين حكم هؤلاء جميعا.

فالصنف الأول : الذين ماتوا في ديار الشرك في مكة ، قبضت الملائكة أرواحهم حالة كونهم ظالمي أنفسهم برضاهم الإقامة في دار الشرك ، وإيثارهم الدنيا وعرضها الفاني على نصرة الحق وتأييد رسول الله ، وقبولهم الظلم والتضييق عليهم وعدم السماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية ، هؤلاء قالت لهم الملائكة توبيخا وتأنيبا عند قبض أرواحهم : في أي شيء كنتم من أمور دينكم؟ ولماذا تركتم الهجرة لنصرة الإسلام وأنتم قادرون عليها؟ قالوا معتذرين بعذر غير حقيقي : كنا مستضعفين ومستذلين في مكة ، فلم نتمكن من إقامة الدين وواجباته ، فردت عليهم الملائكة : ألم تكن أرض الله التي يمكنكم إظهار الدين فيها واسعة فتهاجروا؟! نعم هي واسعة ، ولكنكم رضيتم بالذل ، وآثرتم الدنيا على نصرة الحق ، فأولئك مأواهم جهنم ، وبئس المصير مصيرهم.

وهذا يدلنا على أن المسلم يجب عليه أن يفر بدينه إلى حيث يتمكن من إقامة حدود دينه وواجباته حسبما أمر الله ، فمن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مأوى مناسبا ، فيه الخير والسعة والرزق والعزة ، وفي هذا ترغيب في الهجرة.

والصنف الثاني : وهم المستضعفون حقيقة وهم الذين لهم عذر حقيقي كالشيوخ الضعفاء والعجزة من النساء والولدان الصغار المراهقين ، هؤلاء يغفر الله لهم ، ولا يؤاخذهم بالإقامة في دار الشرك وترك الهجرة وهذا يدلنا على أن ترك الهجرة ذنب كبير.

٣٦٩

والصنف الثالث : هم الذين عزموا على الهجرة إلى الله ورسوله ، ولإعزاز دينه وأهله ، لكنهم ماتوا في أثناء الطريق كضمرة بن جندب ، قبل الوصول إلى المدينة ، فقد ثبت أجرهم على الله ، والله غفور للطائعين ، رحيم بهم ، والله هو الذي أوجب الهجرة ، وهو الذي يغفر الذنوب ويرحم العباد تفضلا وإحسانا إذا كانوا ممن صدق النية ، وشحذ العزيمة ، وأخلص القصد لله جل جلاله ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما أخرجه الصحيحان : «إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».

صلاة القصر في السفر وصلاة الخوف

لا يجوز بحال من الأحوال ترك الصلاة المفروضة ، ما دام الإنسان المسلم واعيا عاقلا ، ولا تسقط عنه الصلاة إطلاقا حتى في حال المرض إلا أن يفقد الشخص الوعي ويصبح مغمى عليه ، أو مغشيا لا يدرك شيئا.

ولكن يسّر الإسلام في كيفية أداء الصلاة الفريضة في أثناء السفر أو الخوف ، كالاشتراك في معركة حربية ، ففي السفر يجوز بل يستحب أو يجب قصر الصلاة الرباعية وهي الظهر والعصر والعشاء ، فتصلي هذه الصلاة ركعتين فقط بدلا من أربع ركعات تخفيفا وتيسيرا على المسافر ، ودفعا للحرج والمشقة التي يتعرض لها المسافر في غالب الأوقات ، ولا يكون عنده متسع من الوقت ، وكذلك المحارب في أثناء المعركة يؤدي الصلاة الرباعية مقصورة ، بل وفي جماعة مع الإمام القائد ، على أن يقسم الجنود فئتين ، تصلي كل فئة ركعة واحدة مع الإمام ، وتكمل وحدها الركعة الأخرى.

٣٧٠

قال الله تعالى مبينا مشروعية قصر الصلاة الرباعية وكيفية صلاة الخوف : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) [النساء : ٤ / ١٠١ ـ ١٠٣].

روى ابن جرير الطبري عن علي رضي الله عنه قال : سأل قوم بني النجار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا نضرب في الأرض ، فكيف نصلي؟ فأنزل الله : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) ثم انقطع الوحي ، فلما كان بعد ذلك بحول (عام) غزا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصلى الظهر ، فقال المشركون : لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم ، هلا شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم : إن لهم أخرى مثلها في أثرها ـ أي صلاة أخرى وهي العصر ـ فأنزل الله بين الصلاتين كيفية صلاة الخوف : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) إلى قوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً).

فالآية الأولى تدل على مشروعية صلاة القصر ، أي قصر الصلاة الرباعية لا

__________________

(١) أي سافرتم فيها.

(٢) أي إثم وحرج.

(٣) يؤذوكم.

(٤) أي أيها الرسول.

(٥) يحذروا العدو.

(٦) تسهون.

(٧) مفروضة في أوقات محددة.

٣٧١

الثنائية ولا الثلاثية ، وذلك في أثناء السفر إذا سافر الإنسان عن بلده إلى بلدة أخرى تبعد عنها حوالي (٨٦ كم) أو (٨١ كم) ، وحينئذ يجوز للمسافر بمجرد خروجه عن بلده ، ومجاوزته آخر حدود العمران أن يصلي الصلاة الرباعية ركعتين فقط ، ترخيصا من الله تعالى ، وتيسيرا على المسافر ، ودفعا للحرج والمشقة عنه ، والسفر يبيح القصر سواء أكان المسافر آمنا أم خائفا ، وأما قوله تعالى : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فهو كما يقول العلماء : قيد لبيان الواقع ، أي إنه تصوير للحالة الواقعية التي كان عليها المسلمون في الماضي ، في ظرف معركة من المعارك. وعلى المصلي أن يكون حذرا من مباغتة الأعداء أثناء الصلاة والسفر والإقامة.

وأما صلاة الخوف جماعة فتكون بأن يقسم الإمام القائد الجيش طائفتين ، طائفة تصلي ركعة مع الإمام ثم تكمل الصلاة وحدها ، مع حملها السلاح أثناء الصلاة للدفاع والرد على الأعداء إن استغلوا هذا الظرف ، وباغتوا المصلين ثم تأتي الطائفة الأخرى التي كانت حارسة فتصلي مع الإمام الذي ينتظرها في أول الركعة الثانية في القيام ، فتصلي معه ركعة ، وينتظرها الإمام في التشهد الأخير حتى تصلي الركعة الثانية لها ، ثم يسلم الإمام مع هذه الطائفة التي يجب عليها أيضا التنبه والحذر وحمل السلاح إلا إذا كان هناك عذر كمطر أو مرض ، فلا يحمل السلاح في أثناء الصلاة.

ثم نبه القرآن إلى ضرورة مداومة ذكر الله بالحمد والتكبير والدعاء بعد أداء صلاة الخوف ، لتذكر نعمة الله وتقوية القلوب للصمود في وجه الأعداء ، ولتحقيق الانتصار الحاسم ، لأن الصلاة مفروضة على المسلمين في كل وقت وفي كل زمان ومكان بأوقات معلومة ، فلا تترك حتى في حالة الحرب وساعة الخوف.

٣٧٢

الغاية من القتال

ليس تحقيق العزة والمنعة والاستقلال أمرا يحدث بالصدفة أو المسالمة ، وإنما لا بد من القيام بتضحيات نادرة ، وبطولات خارقة ، وحماية للحقوق وتوفير الهيبة بخوض معارك القتال ، ورد عدوان المعتدين. وهذه حقيقة تاريخية ثابتة وهي أن نفوذ الكلمة للقوة والأقوياء ، وأن الدمار والهلاك والهزيمة للضعفاء والجبناء.

لذا حرّض القرآن الكريم على قتال الأعداء عند وجود البغي والاعتداء ، أو محاولة الانتقاص من كرامة الأمة ، أو سلب بعض الحقوق ، أو التغلب على بعض أجزاء البلاد ، وتراب الوطن الغالي. قال الله تعالى : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤)) (١) [النساء : ٤ / ١٠٤].

نزلت هذه الآية في أعقاب معركة أحد ، حيث أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخروج في آثار المشركين ، وكان بالمسلمين جراحات ، وقد أمر ألا يخرج معه إلا من كان في الوقعة ، أي مشتركا في غزوة أحد.

يرشدنا الله تعالى إلى أنه لا يصح أن نضعف في قتال الأعداء ولا نتواكل ، ونستعد للقتال دائما بعد الفراغ من الصلاة المفروضة ، ولا نتردد في خوض المعارك الفاصلة مع الأعداء الذين ناصبونا العداء ، وجاهروا بالبغضاء ، وعلينا أن نطاردهم ونلاحقهم ونطلب البحث عن مخابئهم ، وتدمير آلياتهم العسكرية وتخريب حصونهم ومعاقلهم.

ولا يصح بحال أن نتذرع أو نحتج بما يصيب بعضنا من حوادث القتل وآلام

__________________

(١) لا تضعفوا.

٣٧٣

الجراح ، فذلك أمر مشترك بين كل فريقين متحاربين ، لأنهم بشر مثلنا يتألمون كما نتألم ، ويصبرون على الشدائد والقتال كما نصبر ، فما لنا لا نصبر ونحن أولى وأحق بالصبر والثبات وترك الفرار؟! ولكن يظل الفرق واضحا بين المؤمنين وغير المؤمنين في تحديد الغاية من القتال ، وهي أن الأعداء يقاتلون على الباطل ، والباطل زائل ، ونحن نقاتل على الحق ، والحق دائم خالد ، والله وعدنا بالنصر ، ووعد الأعداء بالهزيمة والغلبة ، ولا ثواب ولا أجر لقتالهم ، وقتلاهم في النار ، ولنا الثواب العظيم في الآخرة ، وقتلانا في الجنة ، وليس لهم ملجأ يستمدون منه العون والنصر إلا الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ، أو تحقيق الشعارات الباطلة التي ليس لها مستند شرعي صحيح ، ونحن بعبادتنا الله وحده لا شريك له نلجأ إليه في طلب النصر والرحمة ؛ لأن الله هو القوي القاهر ، ولأن النصر من عند الله وحده.

ونحن في قتالنا ننتظر إحدى الحسنيين : إما النصر ، وإما الشهادة ، وكان الله عليما بأحوالنا ونياتنا ، حكيما فيما يأمرنا به ، وينهانا عنه.

قال الله تعالى : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا) (١) (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا) (٢) (إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) (٣) (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢)) [التوبة : ٩ / ٥١ ـ ٥٢].

وكل هذه المرغبات برهان بيّن ، وحجة قاطعة على أنه يجب أن تتقوى نفوس المؤمنين ، وتخوض ميادين المعارك الحربية والقتال بجرأة وشجاعة ، وبإقدام لا يعرف التردد والإحجام.

__________________

(١) أي ناصرنا.

(٢) أي تنتظرون.

(٣) أي النصر أو الشهادة والجنة.

٣٧٤

وقد بشّر القرآن الكريم شهداء أمتنا بالجنة والرضوان في قول الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١)) [آل عمران : ٣ / ١٦٩ ـ ١٧١].

وروى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحة عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من قاتل في سبيل الله فواق ناقة (١) ، فقد وجبت له الجنة ، ومن سأل الله القتل من نفسه صادقا (٢) ثم مات ، أو قتل ، فإن له أجر شهيد ، ومن جرح جرحا في سبيل الله ، أو نكب نكبة ، فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر (٣) ما كانت ، لونها لون الزعفران ، وريحها ريح المسك».

المساواة أمام القضاء

لا يعرف الإسلام في أحكامه وقضائه ومحاكمه التفرقة بين مسلم وغير مسلم ، فالكل أمام الحق والعدل سواء ، ولا محاباة لمسلم على حساب غير المسلم في أي مظهر أو وضع من مظاهر القضاء وأوضاعه.

والدليل القاطع على هذا : ما نزل في القرآن الكريم في شأن يهودي أراد المنافقون أن يلصقوا به تهمة سرقة ارتكبها بعضهم ، وهي أن طعمة بن أبيرق من بني ظفر ، سرق درعا من جار له في جراب دقيق ، فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه ، وخبأها عند زيد بن السمين من اليهود ، فالتمسوا الدرع عند طعمة ، فلم يجدوها وحلف

__________________

(١) هو ما بين رفع يدك عن الضرع حال الحلب ووضعها.

(٢) أي مخلصا لربه نيته.

(٣) أي أوفر وأكثر.

٣٧٥

بالله ما أخذها ، فساروا في أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي ، فأخذوها ، فقال : دفعها إلي طعمة ، ـ وكان من المنافقين ـ وشهد له أي لليهودي ناس من اليهود بذلك ، ولكن طعمة أنكر ذلك ، فقالت بنو ظفر : انطلقوا بنا إلى رسول الله ، فسألوه أن يجادل عن صاحبهم ، وقالوا إن لم تفعل هلك وافتضح وبرئ اليهودي ، فهمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يفعل ، وأن يعاقب اليهودي ، فنزلت آيات تسع في هذه الحادثة ، وأما طعمة فهرب إلى مكة وارتد ، وقد سقط عليه حائط في سرقة ، فمات.

هذه الآيات من سورة النساء هي قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [النساء : ٤ / ١٠٥ ـ ١١٣].

تشتمل هذه الآيات على موضوعات أربعة : أولها تقرير مبدأ الحق والعدل

__________________

(١) مخاصما ومدافعا عنهم.

(٢) يخونونها بالعصيان.

(٣) يدبرون بليل.

(٤) محاميا نائبا عنهم يدافع عن مصالحهم.

(٥) أي كذبا يبهت الآخر ويحيره ، لأنه لا علم له به.

٣٧٦

المطلق ، لأن العدل لا يتجزأ ، ولا ينحاز القاضي المؤمن الحر النزيه إلى أحد الخصمين ، حتى ولو كان متفقا معه في الدين ، أو قريبا أو أبا أو ابنا أو زوجا ، وفي ثنايا تقرير مبدأ العدل هذا عتاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما همّ عليه وتصحيح لموقفه ، وتأنيب ما على قبول ما رفع إليه في أمر بني أبيرق بسرعة دون تثبت. وهذا يقتضي طلب الاستغفار منه على ما همّ عليه ، وتحذيره من الجدال أو الدفاع عن القوم من بني أبيرق الذين يخونون أنفسهم بالمعاصي. والله لا يخفى عليه شيء من نواياهم وتآمرهم وتبييتهم ما لا يرضى الله من القول الباطل ، واتهام الأبرياء لرفع التهمة عنهم.

والموضوع الثاني : تنديد وتوبيخ للذين يدافعون عن غيرهم بالباطل وهم أقارب طعمة ، فإذا جادلوا عن المتهم بغير حق في الدنيا ، فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ، ومن يجرأ أن يكون يوم القيامة محاميا وكيلا أمام الله الذي يعلم الحقائق ولا تنطلي عليه الحيل والأكاذيب.

والموضوع الثالث : ترغيب وترهيب : ترغيب المسيء أو الظالم بالعدول عن إساءته وطلب المغفرة من الله على تورطه بالخطايا والذنوب ، فإن وبال الذم أو الإثم على نفسه ، وترهيب من محاولة إلصاق التهمة بالأبرياء ، فذلك أعظم البهتان (أي الكذب) وأوضح الإثم والمعصية.

والموضوع الرابع : بيان واضح لعصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الوقوع في الخطأ القولي والعملي فضلا من الله ورحمة ، ومنع أذى الأشرار الذين يحاولون إضلاله وتلبيس الحق بالباطل وإخفاءه عليه ، فالله محبط تآمرهم وراد كيدهم وكاشف حيلهم ، والواقع أنهم لا يضرون إلا أنفسهم ، فإن نبي الله معصوم من كل مكروه ، أنزل الله عليه القرآن والحكمة : وهي فقه مقاصد الدين وأسراره ، وعلّمه ما لم يكن يعلم ، وفضل الله عليه عظيم جدا ، لأنه رسول للناس كافة وخاتم الأنبياء والمرسلين ،

٣٧٧

وشاهد على أمته بالتبليغ ، وجعل أمته وسطا خيارا عدولا لا يحكمون إلا بالحق والعدل.

أنواع الحديث السرّي

ينبغي أن يكون ظاهر المسلم وباطنه سواء ، فلا يتكلم بشيء في الظاهر ، ويضمر خلافه في القلب والباطن ، وإلا كان منافقا مخادعا ، ويلاحظ أن كثيرا من الناس يحلو لهم أن يكون أغلب كلامهم مع الآخرين سرا لا جهرا ، وخفاء لا علنا ، وهذا اللون من الحديث السري منه ما هو خير ، ومنه ما هو شر ، والخير : هو كل ما يحقق النفع العام للناس ، والشر : هو كل حديث فيه إضمار السوء والأذى والضرر بالنفس أو بالآخرين.

وقد صنف القرآن الكريم ألوان الأحاديث السرية ، فقال الله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤) وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥)) (١) (٢) (٣) (٤) [النساء : ٤ / ١١٤ ـ ١١٥].

نزلت هذه الآيات في تناجي أهل طعمة بن أبيرق الذي سرق درعا ، فقاموا يتناجون ليلا ويتسارّون الحديث بالفساد وتعاونهم على الشر وإلصاق تهمة السرقة بيهودي. وروي أن طعمة لما حكم عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقطع يده بسبب السرقة ، هرب إلى مكة ، ارتد عن الإسلام ، ومات مشركا ، فنزلت آية (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ ..).

__________________

(١) أي مسارّتهم بالحديث ، فالنجوى : المسارة.

(٢) أي من يعادي ويخالف.

(٣) نتركه وما اختاره لنفسه.

(٤) ندخله فيها.

٣٧٨

أبان الله تعالى أن كل حديث سري أو تدبير خفي أو مناجاة لا خير فيه إلا ما كان بقصد التعاون على الخير والتصدق على المحتاجين ، أو الأمر بالمعروف أو الإصلاح بين الناس ؛ لأن حديث السر يغلب فيه ارتكاب الإثم وإضمار السوء. أما التناجي في الأمور العادية كالزراعة والصناعة والتجارة ونحوها من المنافع والمصالح فلا بأس به ، ولا يوصف ذلك بالشر ، ولا ينهى عنه الشرع.

والخيرية إنما تكون في هذه الأشياء الثلاثة ، في السر دون الجهر ، لأن تحقيق جدواها أو منفعتها إنما يكون في حال السر ، وهذه الأشياء هي كما تقدم بذل الصدقات للفقراء والمحتاجين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإصلاح بين الناس لإزالة الخصومة وتقريب وجهات النظر وإزالة سوء التفاهم. ومن يفعل أحد هذه الأشياء بقصد طلب الرضا من الله والإخلاص في العمل فسوف يؤتيه الله ثوابا عظيما ، الله أعلم به.

وجاء في السنة النبوية الشريفة ما يؤيد هذه الآية القرآنية ، أخرج الترمذي وغيره عن أم حبيبة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلام ابن آدم كله عليه ، لا له ، إلا ذكر الله عزوجل ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر».

ثم حذرت آية (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) الناس من الشذوذ ومخالفة الجماعة ، ومن معاداة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالارتداد عن دينه ، بعد ما ظهر للمؤمن الحق والهدى ، وجعلت الآية اتباع غير سبيل المؤمنين ، ومخالفة إجماعهم واتفاقهم مثل معاداة الرسول تماما ، وجزاء المعادي أو مخالف الجماعة : أن يتركه الله تعالى يتخبط في دياجير الظلام والضلال ، وأن يدخله نار جهنم ، وبئس ذلك المصير أو المرجع مصير هؤلاء المرتدين أو الشاذين عن طريق الجماعة.

دلت هاتان الآيتان على وجوب أمرين خطيرين :

٣٧٩

أولهما ـ تضامن الأمة كلها في سرها وعلنها في أعمال الخير والبناء والمعروف ، والعمل على تقوية الأواصر الاجتماعية ، وتحقيق تكافل الجماعة ، وتمتين الروابط ، وتوجيه الجهود والطاقات نحو تحقيق النفع العام ، وإشاعة المحبة والمودة والإصلاح بين الناس ، وإصلاح أهل الفساد ، والأخذ بيد الضعفاء.

والأمر الثاني ـ وجوب التفاف الأمة حول الوحدة : وحدة العقيدة والفكر ، واتباع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واتباع ما تسير عليه الجماعة والأكثرية في دروب الخير والنفع ، ومقاومة كل ألوان الشر والفساد ، وإضعاف المسيرة الخيرة في الجهاد وتحرير البلاد ، وتقدم المجتمع ، وبناء صرح العزة والحضارة.

خطر الشرك والشيطان

لقد حذر القرآن الكريم من أخطر شيئين على الإنسان ، لما فيهما من عاقبة سيئة وآثار وخيمة ، ألا وهما الشرك والشيطان ، أما الشرك بالله بنسبة الولد والصاحبة والصنم والملك له فهو أعظم الجرائم في الإسلام ؛ لأنه وكر الخرافات والأباطيل ، وأما الشيطان هو مخلوق حي موجود فإنه أعدى أعداء الإنسان ؛ لأنه لا يوسوس له إلا بالشر ، ولا يزين له إلا بالسوء ، والوقوع في المهالك من طريق المال أو الجاه أو النساء أو فساد العقيدة والعمل.

قال الله تعالى مبينا هذين الخطرين : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ (١) (٢)

__________________

(١) أصناما يجعلونها كالنساء.

(٢) متمردا.

٣٨٠