التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0523-3
الصفحات: ٦٧١

ثم أرشد الله العصاة والمذنبين إذا أذنبوا بأن يبادروا في المجيء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيستغفروا الله عنده ، ويبالغوا في التوبة وطلب المغفرة ، حتى يستغفر لهم الرسول ، فإن فعلوا ذلك تاب الله عليهم ، إنه قابل التوبة واسع الرحمة ، ونفى الله الإيمان الكامل عن أناس حتى يحكّموا الله ورسوله في كل أمورهم ، وقضاياهم ومنازعاتهم ، ثم لا يجدوا في أنفسهم أي ضيق أو تضجر من حكم الله في القرآن والسنة ، ويعلنوا الاستسلام والانقياد التام لأمر الله ورسوله ، وحصر الاحتكام إلى القرآن والسنة يؤدي إلى وحدة الأقضية والأحكام في الأمة ، وإلى إشاعة العدل ، والتزام الحق والخير في كل مشكلة.

حب الوطن وامتثال أوامر الدين

قد يتعرض الإنسان في كل زمان إلى أزمنة أو مشكلة داخلية ، يضطر فيها إلى إجراء موازنة أو مقارنة أو مفاضلة بين أمرين خطيرين : هما حب الأوطان ، وامتثال أوامر الدين الذي يدين به الإنسان ويعتقد بصحته ، وهنا يحار ويضطرب ، وقد فصل القرآن الكريم في هذه المسألة ، وأخبر عن الحل الأمثل ، ألا وهو طاعة الله والرسول ، وإن كان أكثر الناس يؤثرون حب الوطن والبقاء في مواقعهم ، على حساب أداء شعائر الدين ، وتلك هي أ؟ سارة والتفريط بما هو الأهم والأقدس.

قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨)) [النساء : ٤ / ٦٦ ـ ٦٨].

سبب نزول هذه الآيات : أن اليهود قالوا : لما لم يرض منافق بحكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما رأينا أسخف من هؤلاء ، يؤمنون بمحمد ويتبعونه ، ويطؤون عقبه ، ثم لا يرضون

٣٤١

بحكمه ، ونحن قد أمرنا بقتل أنفسنا ، ففعلنا ، وبلغ القتل فينا سبعين ألفا ، فقال ثابت ابن قيس : لو كتب ذلك علينا لفعلناه ، فنزلت الآية معلمة حال أولئك المنافقين ، وأنه لو كتب ذلك على الأمة ، لم يفعلوه ، وما كان يفعله إلا قليل مؤمنون محققون ، كثابت ابن قيس وغيره ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثابت بن قيس ، وعمار ، وابن مسعود من القليل».

والواقع أنه لو فرض على أمتنا قتل النفس من أجل التوبة لفعلوه ، قال رجل مؤمن وهو أبو بكر الصديق حين نزول هذه الآية : لو أمرنا لفعلنا ، والحمد لله الذي عافانا ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «إن من أمتي رجالا ، الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي» وقال عمار بن ياسر وابن مسعود وثابت بن قيس : لو أن الله أمرنا أن نقتل أنفسنا أو نخرج من ديارنا لفعلنا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه السيوطي في الدر المنثور والزبيدي في اتحافه : «الإيمان أثبت في قلوب الرجال من الجبال الرواسي».

إن هذه الآيات تتطلب إطاعة الأوامر الإلهية إيمانا راسخا كالجبال الراسيات الثوابت ، والطاعة : حمل النفس على فعل ما تكره ، لا على ما تجب ، وصحيح أن التزام الأوامر الإلهية وطاعة الرب إطاعة تامة لا يفعلها إلا فئة قليلة من الناس ، ولكن لو فعل هؤلاء المأمور به ، وتركوا ما ينهون عنه ، لكان لهم خيرا في الدنيا والآخرة ، ودليلا على الثبات على الحق ، وسببا لاستحقاق الثواب العظيم في الآخرة ؛ لأن الجنة حفّت بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات. وفي قوله تعالى : (أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) إشارة صريحة إلى تعلق النفوس البشرية ببلادها ، وإلى أن حب الوطن متمكن في النفوس ومتعلقة به ، لأن الله سبحانه جعل الخروج من الديار والأوطان معادلا ومقارنا قتل النفس ، فكلا الأمرين عزيز ، ولا يفرط أغلب الناس بذرة من تراب الوطن مهما تعرضوا للمشاق والمتاعب والمضايقات.

٣٤٢

لكن هناك شيئا أسمى وأخلد وأعظم من حب الأوطان وقتل الأنفس ألا وهو المحافظة على العقيدة والإيمان ، وامتثال أوامر الرحمن ، فإذا حدث تصادم أو تعارض بين ما يقتضي البقاء في الوطن ، وبين التخلي عن أوامر الله ، والعجز عن إقامة وتطبيق شعائر الله ، كان تقديم ما يؤدي للحفاظ على الشعائر وأمور الدين أولى وأوجب ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩)) [النساء : ٤ / ٩٧ ـ ٩٩]. وإذا كان الواجب هو الهجرة من الوطن إلا لعذر أمرا مقررا في شرع الله ، فمن باب أولى يجب على المقيمين في بلاد أجنبية أن يعودوا إلى أوطانهم بمجرد الانتهاء من أعمالهم ، أو تحقيق أهم مصالحهم وغاياتهم ، وبخاصة إذا كانت هناك مضايقة في تطبيق أحد أحكام شرعهم ودينهم.

قواعد القتال في الإسلام

القرآن الكريم كتاب إلهي خالد شامل لكل ما يحتاجه الناس في حياتهم الدينية والاجتماعية والعلاقات الدولية ، فإذا آثر الآخرون السلم والصلح والمهادنة فنحن مع السلم والعهد ، وإذا اضطر المسلمون إلى الدفاع عن وجودهم وكرامتهم وبلادهم وجب عليهم أن يكونوا قدوة عالية في الانضباط وحب النظام وطاعة القائد ، والتضحية والتفاني في سبيل الله والقيم العليا ، ليعيشوا أعزة كراما وأحرارا مستقلين.

وقد علمنا القرآن الكريم أهم قواعد الحرب والقتال مثل أخذ الحذر والاحتراس من الأعداء ، والاستعداد الدائم لملاقاتهم ، وتعليم الجيل فنون الحرب والتدرب على

٣٤٣

حمل السلاح ، وبناء الجبهة الداخلية بناء قويا ، بحيث تتنظف من الجبناء والضعفاء والمنافقين الذين يمالئون العدو ، ولا بد من التضحية بالنفس والنفيس والغالي والرخيص من أجل إحراز الغلبة والنصر ، أو الظفر بالشهادة الخالدة الأثر في سبيل الله والوطن.

قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [النساء : ٤ / ٧١ ـ ٧٦].

حددت هذه الآيات قواعد القتال ، وأوجبت أن تكون الحرب لغرض شريف ، وأول هذه القواعد : التزام الحذر ، ومراقبة تحركات العدو ، والإعداد اللازم لملاقاته في أي وقت ، فقد يباغتنا العدو في أي لحظة ، ويستغل بعض الظروف والأزمات ، وعندها يكون الاستعداد السابق مفوتا لأغراضه الدنيئة ، وملحقا به الهزيمة المنكرة.

والمؤمن الصادق الإيمان لا يخشى الموت واقتحام المعارك ؛ لأن أجل الإنسان لا يتقدم ساعة ولا يتأخر ، لكن ينبغي مع الإقدام أخذ الحذر ، لأن الحذر داخل في القدر.

__________________

(١) احذروا بحمل السلاح وغيره.

(٢) أي جماعات متتالية.

(٣) ليتثاقلن عن الجهاد.

(٤) يبيعون.

(٥) الشيطان.

٣٤٤

والنهوض للقتال وسياسة المعارك قد يكون جماعة إثر جماعة ، فصائل وفرقا وسرايا ، و ١ قد يكون انقضاضا جماعيا تتآزر وتتلاحم فيه كل القوى البشرية والآلية العسكرية.

وقد لا تخلو الجبهة الداخلية من بعض الجبناء والجواسيس ودعاة الهزيمة ، فلا يشتركون في القتال ، ويفرون من الزحف ، ويمالئون الأعداء ، ويشيعون الإشاعات الكاذبة المغرضة ، ويثبّطون الهمم والعزائم ، وهؤلاء ينبغي الحذر منهم كالأعداء تماما ، وكشفهم ، وتراهم إذا تعرض المجاهدون المخلصون لمصيبة في الحرب كالهزيمة أو القتل مثلا أو تهديم بعض المنشآت والديار ، قالوا : أنعم الله علينا حيث لم نكن مع المجاهدين محاربين ، وإذا ظفر المجاهدون بنصر وتوفيق في التغلب على العدو ، تطلعوا إلى الغنائم ، مع أنهم كانوا متجهمين في وجه غيرهم ، قاطعين الصلة الطيبة من ود وتعاون مع غيرهم ، وكان الواجب عليهم المشاركة في السراء والضراء.

إن أولئك المقاتلين الصامدين أو المرابطين المستعدين للقتال في خطوط الجبهة ينتظرون إحدى الحسنيين : إما النصر والغلبة على الأعداء ، وإما الشهادة في سبيل الله ، وفي كلا الحالين سوف يؤتيهم الله أجرا حسنا ، وثوابا عظيما.

وللمجاهدين الشرف الأعظم إن دافعوا عن حرمات بلادهم ، أو قاتلوا من أجل المضطهدين والمستضعفين الذين يتمنون الخروج من البلدة الظالم أهلها ، ويستعينون بالله أن يكون لهم وليا ناصرا ، يتولى أمورهم ويحمي وجودهم وينصرهم على أعدائهم.

والقتال المشروع في الإسلام ليس قتال الاستعباد والاستعمار والتعدي والظلم والتوسع في الملكية وبسط النفوذ والسيطرة على أسواق العالم ، وإنما هو قتال في سبيل الله ولإعلاء كلمة الحق وإنصاف الشعوب والأمم ، فالذين آمنوا يقاتلون في سبيل

٣٤٥

الله ، وأما الذين كفروا فيقاتلون في سبيل الطاغوت الذي هو الظلم والجبروت والاستكبار والطغيان والتعدي على حقوق الأمم والجماعات ، وهو قتال لإرضاء الشيطان ، وكيد الشيطان وتدبيره كان ضعيفا واهيا ، وحزب الله هم الغالبون.

تفاوت الناس في تنفيذ الواجبات

يتفاوت الناس في القيام بالواجب بحسب استعداداتهم وطبائعهم ، وبمقدار درجة تأثير الإيمان ومحبة الديار والأوطان في نفوسهم ، كما أنهم يتفاوتون بسبب وجود ظاهرة الخوف وغريزة حب البقاء والحياة. ولكن المؤمن الواعي لمستقبله وبناء مجد أمته وتحقيق الدرجة العالية له عند ربه هو الذي يبادر إلى أداء الواجب ، وصون الكرامة ، والحفاظ على العزة ورفع منار البلاد. وقد أخبر القرآن الكريم عن أحوال المتقاعسين الخائفين ، والمتخلفين عن واجب الجهاد ورد العدوان من المعتدين. قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٧٩)) (١) (٢) [النساء : ٤ / ٧٧ ـ ٧٩].

نزلت في فئة من المؤمنين أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا نبي الله ، كنا في عز ، ونحن مشركون ، فلما آمنا صرنا أذلة؟ قال : إني أمرت بالعفو ، فلا تقاتلوا القوم ، فلما

__________________

(١) الفتيل : الخيط الدقيق الرقيق بين شقي النواة (البزرة) وهو مثل في البساطة والقلة.

(٢) حصون محكمة.

٣٤٦

حوّله الله إلى المدينة ، أي بعد الهجرة ، أمره بالقتال ، فكفّوا ، فأنزل الله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ..) الآيات.

ومعنى الآيات : ألم تنظر إلى أولئك الذين قيل لهم في مكة في ابتداء الإسلام : التزموا السلم والسلام ، وامنعوا أنفسكم عن حروب الجاهلية ، وأتموا الصلاة كاملة الأركان ، بخشوع واطمئنان ، وأدوا الزكاة التي توجد التراحم بين الخلق ، وتقوي الأمة والجماعة ، ولكن حينما فرض عليهم القتال ضد المشركين بعد الهجرة ، إذا فريق منهم ، وهم المنافقون والضعفاء ، يخافون لقاء المشركين كخوفهم من الله أو أشد خوفا ، ويفرون من الحرب. ويقولون معترضين : ربنا لم فرضت علينا القتال؟ وهلا أخرت فرضية القتال إلى مدة أخرى ، فإن في القتال سفك الدماء ، وتيتيم الأولاد ، وتأيم أو ترمل النساء.

أجابهم الله بقوله : قل لهم يا محمد : إن التمتع بالحياة الدنيا الذي حرصتم عليه قليل فان زائل ، والآخرة نعيم باق دائم ، فهي خير وأبقى لمن أطاع الله وامتثل أوامره ، واتقاه بترك ما يغضبه ، فأنتم محاسبون على أعمالكم : إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، ولا تظلمون أي شيء ولو كان قليلا تافها. واعلموا أيها الناس جميعا أن الموت أمر محتم لا مفر منه ، وهو مقيد بأجل معلوم لا يزيد ولا ينقص ، وأينما تكونوا في المنزل أو في السوق أو في ساحة القتال أو في قصور عالية مشيدة ، يدرككم الموت ، فملك الموت لا تحجزه الحواجز ، ولا يقبض الروح إلا بأجل معلوم ، وكم من محارب نجا ، وقاعد عن الحرب متخلف مات سريعا.

ومن أعجب العجب قول جماعة المنافقين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا أصابتك حسنة من غنيمة أو خصب أو رزق من ثمار وزروع وأولاد قالوا : هذه الحسنة من عند الله ومن فضله وإحسانه ، لا بجهد أحد ، وإن أصابتك سيئة من هزيمة أو قحط وجدب ، ونقص في

٣٤٧

الثمار والزروع وموت الأولاد قالوا : هذا بسبب شؤمك يا محمد ، وبسب اتباعنا لك ، فرد الله عليهم بأن كلا من الحسنة والسيئة من عند الله ، فالله هو الخالق والموجد لكل شيء ، فما لعقول هؤلاء القوم لا يكادون يفهمون حديثا أو خطابا ، والأمور مرتبطة بأسبابها ، فما أصابك أيها الإنسان من حسنة فمن فضل الله ونعمته وتوفيقه لك للخير والنجاة ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك وتقصيرك وإهمالك ، حيث لم تسلك سبيل العقل والحكمة.

وأما أنت يا محمد فمجرد رسول أرسلناك للناس ، تبلغهم شرائع الله وأحكامه ، وليس عليك إلا البلاغ ، وإن كان إيجاد الشر والخير وخلقه من عند الله ، وكفى بالله شاهدا على صدق رسالتك وأداء مهامك وواجباتك.

مرد طاعة الرسول وتدبر القرآن

الوحي الإلهي هو مصدر الشريعة الإسلامية جميعها ، سواء كان الحكم أو التكليف الشرعي واردا من الله تعالى مباشرة بنص صريح ، أم من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فحكم الله وحكم رسوله واحد ، وطاعة الرسول طاعة لله تعالى ، ووحدة المصدر أمر ضروري لوحدة العقيدة والتشريع والأحكام ، وقد أرشد القرآن الكريم لهذا المبدأ العام ، وأبان أن القرآن لمن تدبره وتأمل في جميع آياته يجده واحدا منسجما في جميع أحكامه لا ينقض حكم حكما ، ولا يتناقض حكم مع حكم ، فكل أحكام القرآن الكريم منسجمة مع بعضها ، بالرغم من أن نزوله كان على مدى ثلاث وعشرين سنة.

قال الله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ

٣٤٨

حَفِيظاً (٨٠) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٨١) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢)) (١) (٢) (٣) [النساء : ٤ / ٨٠ ـ ٨٢].

سبب نزول هذه الآيات ما روى مقاتل : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول : «من أحبّني فقد أحب الله ، ومن أطاعني فقد أطاع الله» فقال المنافقون : ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل؟ لقد قارف الشرك ، وقد نهى أن نعبد غير الله ، ويريد أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى ، فأنزل الله هذه الآية : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ..).

أخبر القرآن المجيد أن إطاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إطاعة لله تعالى ، لأن الآمر والناهي في الواقع هو الله ، والرسول مبلغ للأمر والنهي ، فليست الطاعة له بالذات ، وإنما هي لمن بلّغ عنه ، وهو الله عزوجل.

وأكدت آيات أخرى هذا المعنى ، مثل قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥)) [النجم : ٥٣ / ٣ ـ ٥]. وكان الصحابة يسألون النبي عن الأمر ، أوحي هو يا رسول الله ، أم رأي؟ فإن كان وحيا أطاعوا بلا تردد ، وإن كان رأيا بشريا ، أشاروا بخلافه بمقتضى الحكمة والمصلحة ، وقد يرجع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى رأي الصحابة ، كما حدث في غزوة بدر وأحد.

ومن تولى أو أعرض عن طاعة الرسول ، فقد خاب وخسر ، فلا تحزن عليهم أيها النبي ، إن عليك إلا البلاغ ، ولست عليهم بمسيطر ، وما أرسلناك عليهم رقيبا موكلا بتطويعهم.

__________________

(١) حافظا ورقيبا.

(٢) خرجوا.

(٣) دبرت في الليل.

٣٤٩

لكن هؤلاء المنافقون يقولون في الظاهر أمام الرسول : أمرك طاعة ، أي مطاع ، فإذا خرجوا من مكانك وتواروا عنك ، دبروا ليلا رأيا آخر فيما بينهم ، غير ما أظهروا لك ، والله يكتب ويسجل عليهم ما يبيتونه ليلا ، ويضمرونه سرا ، فإنا مجازوهم ، ولا تأبه بهم ، واصفح عنهم وأعرض عن عتابهم ، وتوكل على الله وفوض أمرك إليه ، فإن الله كافيك شرهم ، وكفى بالله ناصرا ومعينا وموكلا في الأمور ، لمن توكل عليه وأناب إليه.

هؤلاء المنافقون الضالّون حمقى وقصيرو النظر وعمي عن حقيقة النبوة والرسالة ، فهلا تفكروا وتأملوا في معاني القرآن وألفاظه البديعة ، فهو الكفيل بتصحيح خطئهم ومنهجهم ، والقرآن يخبرهم أنه لا اختلاف فيه ، ولا اضطراب ولا تعارض ، لأنه تنزيل من حكيم حميد ، فهو حق من حق ، قال سبحانه : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢)) [النساء : ٤ / ٨٢]. ولو كان القرآن مختلقا من عند غير الله ، كما يزعم المشركون والمنافقون في سرهم ، لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، أي اضطرابا وتضادا كثيرا ، فهو سالم من الاختلاف ، لكونه من عند الله تعالى.

وسلامة القرآن من الاختلاف تشمل لفظه ومعانيه ، فألفاظه في مستوى بلاغي واحد ، ومعانيه في العقيدة والشريعة والأخلاق والأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تخدم وتقرر هدفا واحدا ، وتبني أمة واحدة ، وترمي إلى تحقيق مقصد واحد. قال الله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩)) [الإسراء : ١٧ / ٩]. وقال عزوجل : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣)) [الزمر : ٣٩ / ٢٣].

٣٥٠

إشاعة الأخبار الكاذبة

إن الأمة المتماسكة في جبهتها الداخلية أمة قوية واعية منصورة ، وأما الأمة المفككة التي لا رابطة تربط بين أفرادها أمة ضعيفة مهزومة. وقد حذر القرآن الكريم من تمزق الأمة وإشاعة الأخبار الكاذبة والدعايات المغرضة التي تفرق ولا تجمع ، وتسيء ولا تحسن ، وتخدم العدو وتحقق أهدافه الخبيثة ، ولا بد حينئذ من وعي شامل ، وقيادة حازمة ، وتجاوز لمرحلة الضعف والانهزام الداخلي ، وذلك بالإقدام على الجهاد ، وتحريض المؤمنين على القتال ، لاستئصال أنشطة المتخاذلين الجبناء الذين ينافقون ويكيدون لأمتهم في السر والخفاء.

قال الله تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣) فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤)) (١) (٢) (٣) (٤) [النساء : ٤ / ٨٣ ـ ٨٤].

إن الآية الأولى في المنافقين ، ونازلة في سرايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعوثه إلى الأعداء ، فقد كان جماعة من المنافقين أو ضعفاء المؤمنين يشيعون الأخبار الكاذبة حول بعوث النبي ، فإذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أمن وسلامة ، أو خوف وخلل ، أذاعوا به ، وكانت إذاعتهم مفسدة للرأي العام. وهذا النوع من النشاط فيما يتعلق بالحروب تخريب وتهديم داخلي ، سواء بقصد سيء كما يفعل المنافقون ، أو بقصد حسن كما يفعل عامة الناس ، لذا أرشدنا القرآن الكريم إلى أن الأمور التي تتعلق بالأمن أو الخوف يجب أن يترك الحديث فيها إلى قائد الأمة أو رئيس

__________________

(١) أفشوه وأشاعوه.

(٢) يستخرجونه من النصوص.

(٣) نكاية وبطش.

(٤) أشد تعذيبا.

٣٥١

الدولة ، أو لأهل الحل والعقد والخبرة والرأي في الأمة ، فهم أدرى الناس بها وبالكلام فيها.

ذلك أن الأخبار الشائعة إما أن تكون صحيحة أو كاذبة ، وترويج الكذب حرام مثل اختلاق الكذب تماما ، روى مسلم في صحيحة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع» وفي الصحيح : «من حدّث بحديث ، وهو يرى أنه كذب ، فهو أحد الكاذبين». ونهى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا في حديث متفق عليه عن قيل وقال ، أي الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس ، من غير تثبت ولا تدبر ولا تبين أو تحقق. وفي سنن أبي داود : «بئس مطية الرجل : زعموا».

إن التحدث بكل ما يسمع الإنسان ، ونقل الأخبار من غير تثبت أمر ضار بالدولة والأمة ، لذا أوجب القرآن ترك التحدث عن أحوال السلم والحرب إلى المسؤولين والمستشارين والخبراء ، وعقبت الآية على ذلك بأنه لو لا فضل الله عليكم ورحمته بكم أيها المؤمنون إذ هداكم لطاعة الله والرسول ، ووفقكم للرجوع إلى المصدر العلمي الصحيح ، لولا ذلك لاتبعتم ووساوس الشيطان ، وتورطتم في إشاعة ما يضر بالمصلحة العامة.

ثم حسم الله تعالى في الآية الثانية : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أمر الله باتخاذ القرار في الجهاد ، وأمر نبيه بأن يقاتل في سبيل الله وامتثال أوامره ، ولو بنفسه أو وحده إذا أراد الظفر بالأعداء ، فلا تكلف أيها الرسول إلا بفعل نفسك فقط ، وتطالب بتحريض المؤمنين على القتال ، دون تعنيفهم ولا توبيخهم ، وليس المقصود من الآية أن يفرض القتال على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده دون الأمة ، وإنما المراد أن يستشعر كل مجاهد أنه يجاهد ولو وحده كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي». وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقت الردة : «ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي».

٣٥٢

وهذا التصميم من قائد الأمة ينعكس أثره الحماسي الطيب على الجيش ، فيقدم ولا يحجم ، ويتفانى ويضحي ويسجل أرفع البطولات ، ولا ينهزم أو يتردد. وحينئذ يكون النصر الإلهي ، كما جاء في الآية : عسى الله أن يرد عنك أيها النبي بأس (أي شدة وقوة) الذين كفروا وهم قريش ، والله أشد بأسا أي قوة ، وأشد تنكيلا أي تعذيبا ومعاقبة ، وهو قادر عليهم في الدنيا والآخرة ، لكفرهم وجرأتهم على الحق ، وقد تحقق ذلك فعلا فقد كان النصر لنبي الله وصحبه حينما خرج في بدر الصغرى في السنة الثالثة بعد غزوة أحد ، ومعه سبعون فقط ، فلما سمع أبو سفيان قائد قريش بخروج النبي ، رجع من الطريق ، وعاد إلى مكة ، وتحقق النصر للمؤمنين ، وصرفه الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الشفاعة والتحية

يتكل الناس عادة بعضهم على بعض في كثير من الأمور ، لا سيما في طلب الحوائج والوظائف أو في القيام بعمل من الأعمال أو التفكير في تحقيق مشروع من المشروعات ، ويهملون في أغلب الأحوال طلب النصرة والعون من الله تعالى ، والله سبحانه هو الذي ينبغي الاعتماد عليه في كل شيء ، وتفويض جميع الأمور إليه بعد اتخاذ الأسباب العادية من جدّ واجتهاد ، وأداء عمل ، وقيام بفعل ، أما إنجاز النتائج وتحقيق الغايات فمتروك للفاعل المؤثر في الحياة وهو الله عزوجل.

وفي الاتكال على البشر ونسيان جانب الله : صنوف من المذلة والهوان أحيانا ، والتماس الحلول بالوساطة أو الشفاعة غير المشروعة أحيانا أخرى ، ذلك أن الشفاعة أو التوسط في أمر ما نوعان : شفاعة حسنة وشفاعة سيئة ، والشفاعة الحسنة : ما كانت فيما استحسنه الشرع ورضيه ، ولا ضرر فيه لآخرين ، والشفاعة السيئة : ما كرهه الشرع أو حرمه ونهى عنه ، وكان فيه ضرر للناس.

٣٥٣

قال الله تعالى : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً (٨٧)) (١) (٢) [النساء : ٤ / ٨٥ ـ ٨٧].

الآية الأولى : (مَنْ يَشْفَعْ) هي في شفاعات الناس ـ أي وسائطهم ـ بينهم في حوائجهم ، فمن يشفع لينفع فله نصيب وثواب لشفاعته الحسنة ، ومن يشفع ليضر ، فله كفل ، أي نصيب. فهي تتضمن التحريض على الشفاعة في أمور الخير ، كبناء مسجد أو مشفى أو مدرسة أو جهاد في سبيل الله أو إحسان إلى المحتاجين أو إنقاذ الضعفاء والمساكين أو تحقيق مصلحة عامة للمجتمع في القرية أو المدينة أو الدولة. والشفاعات في هذا الاتجاه مطلوبة ، لأنها تعاون على البر والتقوى ، وإبعاد للناس عن الشر والضرر ، وتحقيق البناء الاجتماعي المتين ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الشفاعة في الخير فيما رواه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه : «اشفعوا تؤجروا ، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء».

أما الشفاعة السيئة في الأمور الضارة ، فقد نهى القرآن الكريم عنها ، لضررها وإفسادها الضمائر والنفوس ، والإساءة فيها للمصلحة العامة ، ومن أمثلة الشفاعة السيئة : التوسط لإيذاء شخص ، أو الاعتداء على عرضه أو ماله ، أو السعي بالإفساد بين الناس ، أو دفع الرشاوى لتضييع الحقوق أو الاستيلاء على مال الآخرين ، أو محاولة تعطيل حد من حدود الله ، أو تبرئة ظالم أو جان أو متهم باختلاس أو تزوير أو محاولة إهدار أو إنقاص حق من الحقوق المالية أو الأدبية ، كتجاوزات الجيران بعضهم على بعض في الأرض أو السكن أو العمل ، فكل هذه

__________________

(١) أي قديرا حفيظا.

(٢) أي محاسبا على العمل ومكافئا له.

٣٥٤

الأمثلة من أنواع الشفاعة السيئة ، ومن شفع شفاعة سيئة فقد وقع في الإثم الكبير وعرّض نفسه لسخط الله تعالى.

ومن الطريف أن آية الشفاعة جاء بعدها آية التحية ، والتحية نوع من الشفاعة الحسنة ؛ لأنها تقرب الناس بعضهم من بعض ، وتنشر المحبة وتقوي أواصر المودة ، وتقتلع الأحقاد وسوء التفاهم ، وتمنع التحية شرا كبيرا أو تآمرا عظيما إذا توافرت النيات الحسنة ، واستنارت القلوب بنور الإيمان الحق بالله ورسله وكتبه.

وآداب وواجبات التحية كثيرة منها أن الواجب ردها بأحسن منها أو بمثلها ، فإذا حيّا الإنسان أخاه بقوله : مرحبا أو السلام عليكم أجابه بقوله : مرحبا وأهلا وسهلا ، أو بقوله : (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته) وإحسان الرد يكون أيضا بزيادة معنوية طيبة كريمة كالبشاشة وحسن الاستقبال وكرم الضيافة والسؤال عن الحال والأهل والعمل ، والله سبحانه يحاسب على كل شيء ويمنح الفضل والرحمة والثواب على كل خير من التحية أو ردها ، والضيافة والبشاشة وترك التجهم والعبوس في وجوه الآخرين ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه مسلم وغيره : «والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم : أفشوا السلام بينكم». وجاء في نهاية آية التحية بيان جزائها فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) أي يحاسبكم على كل شيء من التحية وغيرها.

ثم كانت الآية الثالثة متوّجة أعمال الناس بضرورة اللجوء إلى الله وحده ، ومحددة لهم المقاصد الحسنة في الدنيا ، ومحذرة لهم من حساب الآخرة : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) وهذه الآية تقرر ركنين أساسيين للدين وهما : إثبات توحيد الله ، فهو الذي يقصد بحق في كل عمل ، وإثبات البعث والجزاء في الآخرة لحمل الناس على الاستعداد للقاء الله بالأعمال الصالحة ، لأن الله يجازي كل عامل بعمله.

٣٥٥

أوصاف المنافقين

النفاق مظهر من مظاهر الضعف والجبن والغدر وفقد الثقة بالذات ، وهو دليل على اضطراب صاحبه وقلقه وحيرته ، فلا يستقر على حال بسبب ضعف في إيمانه أو تفكيره ، أو بسبب الحرص على مصالحه التي يريد تحقيق أكبر قدر نفعي منها على حساب الجماعات القوية في المجتمع.

والنفاق نوعان : نفاق شرعي : وهو إبطان الكفر وإظهار الإيمان ، أو هو نفاق في الإسلام وادعائه. وأصحاب هذا النوع هم الذين كانوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المدينة ، ونزل في شأنهم آيات النفاق الكثيرة في سورة البقرة وسورة (المنافقون) بدليل أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يقتلهم أينما وجدوا ، وكان زعيمهم عبد الله بن أبيّ يتردد بين المسلمين وبين اليهود والمشركين ، وهؤلاء لا يجوز بحال اتخاذهم أولياء وأنصارا حتى يهاجروا ويأتوا إلى المدينة مع المجتمع المسلم بعد أن خرجوا منها. إن هؤلاء المنافقين نافقوا في الولاء للإسلام ، وادعوا أنهم مع المسلمين ، والواقع أنهم عليهم ، وهم شر خلق الله ، ولا يجوز الاختلاف في الحكم عليهم ، فهم كفار مردة. لذا عاتب الله المؤمنين وأنكر عليهم انقسامهم في شأن كفر المنافقين فئتين : فئة تزكيهم وتشهد لهم بالخير ، وفئة تطعن بهم وتشهد لهم بالكفر ، والحال أنهم كافرون ، وقعوا في الضلال بسبب عصيانهم أوامر الرسول ومخالفتهم إياه ، قال الله تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٨٩)) (١) (٢) [النساء : ٤ / ٨٨ ـ ٨٩].

__________________

(١) أي ردهم إلى الكفر والقتال.

(٢) سبيل الله ، أي طريق مرضاة الله ، وهي طاعاته كلها ، والهجرة في سبيل الله تتضمن الإيمان.

٣٥٦

قال السدّي : نزلت هاتان الآيتان في قوم منافقين كانوا بالمدينة ، فطلبوا الخروج عنها نفاقا وكفرا ، وقالوا : اجتويناها أي أصابتنا حمى المدينة ووخمها ، وكرهنا المقام فيها ، وإن كانوا في نعمة.

والمعنى : لا داعي للاختلاف في شأن هؤلاء المنافقين على فرقتين للحكم عليهم ، فهم في الواقع قوم ضالون ، اختاروا الضلال ، فأبعدهم الله عن الحق والهدى ، فلا يجوز اتخاذهم أنصارا للمسلمين ، ولا يعتمد عليهم حتى يهاجروا في سبيل الله هجرة خالصة لوجه الله ، فإن أعرضوا وتولوا عن الهجرة ، ولزموا مواضعهم ، فيقتلون حيث وجدوا في أي مكان وزمان ، في الحل أو في الحرم. وهم يتمنون الضلالة لسائر المسلمين ، ليتساووا معهم ويقضوا على الإسلام كله ، وما ذاك إلا لشدة عداوتهم وبغضهم للمسلمين ، وتماديهم في الضلال والكفر ، هذا هو النوع الأول من النفاق وهو الأشهر والأخطر.

والنوع الثاني من النفاق : هو النفاق العرفي أو النفاق العملي : وهو أن يكون سر الإنسان خلاف علانيته. وهذا قد يصدر من بعض المسلمين ، وهو الذي أخبر عنه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله فيما رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة : «آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان».

والمراد : أن صاحب كل خصلة من هذه الخصال منافق ، وليس المراد أنه لا بد من اجتماع الخصال الثلاث في شخص واحد ، فمن تخلّق بواحدة من هذه الخصال فهو شبيه بالمنافق ، متخلق بأخلاقه ، في حق من حدثه ، أو وعده ، أو ائتمنه. ولا يكون منافقا من وقع مرة في الكذب ، أو خلف الوعد ، أو خيانة الأمانة ، وإنما المنافق هو الذي يكون ديدنه وشأنه وخلقه الكذب أو نقض العهد والوعد ، أو خيانة الأمانة ، فهذا الشخص إذا حدث في كل شيء كذب فيه ، وإن عاهد أو وعد ، أخلف الوعد

٣٥٧

ونقض العهد دائما ، وإن ائتمن على أمانات الناس ، خان الأمانة ، وتكرر منه ذلك.

وجاء في بعض الروايات : «آية المنافق أربع» بزيادة «وإذا عاهد غدر». والواقع أن الأربع ترجع إلى ثلاث ؛ لأن نقض العهد صورة أخرى من صور إخلاف الوعد ، أو صورة من خيانة الأمانة.

والوقوع في النفاق يحدث كما جاء في رواية مسلم بزيادة : «وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم» أي إن مدمن الكذب ومن تكرر منه خلف الوعد ونقض العهد ، أو خيانة الأمانة يعد منافقا ، وإن عمل أعمال المسلمين من صوم وصلاة وغيرهما من العبادات.

وجزاء النفاق بنوعيه هو نار جهنم ، قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦)) [النساء : ٤ / ١٤٥ ـ ١٤٦].

احترام المعاهدات وحالة الحياد

لم نجد كالإسلام دينا عظّم العهود ، وأوجب الوفاء بالمعاهدات والاتفاقات الخاصة والعامة ، أو الدولية الخارجية ، لأن احترام الكلمة دليل الرجولة والبأس والجزم ، ولأن الوفاء بالعهد من الإيمان. فالمؤمن لا يخلف وعدا ولا ينقض عهدا ، ولا يخل بشرط من شروط المعاهدات ، أو يحاول التخلص من بنود المعاهدة بالتأويلات الباطلة ، والتفسيرات المغلوطة ، واتخاذ لون من ألوان المخادعة والمخاتلة.

ووقوف بعض الناس أو الدول موقف الحياد لون من ألوان العهود لأن الحياد يتطلب الاعتراف به من بقية الدول الأخرى ، فمن أقر أو اعترف بحياد جماعة أو

٣٥٨

دولة ، فمعنى ذلك أنه رضي بهذه الحالة ، وأصبح الحياد حالة داخلة في المواثيق والعهود الدولية.

ولقد حذر القرآن الكريم من نقض المعاهدات ، وجعل الله ورسوله خلف الوعد ونقض العهد من مظاهر النفاق ، وهذا يستدعي احترام أوضاع المعاهدين والمحايدين كما جاء في قوله تعالى حين يستثني من موالاة ومناصرة المنافقين طائفتين أو صنفين ، وهو قوله سبحانه : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٨٩) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠)) (١) (٢) [النساء : ٤ / ٨٩ ـ ٩٠].

تضمنت هذه الآية استثناء فئتين من الناس ، تحترم عهودهم وأحوالهم وهما :

أولا : الذين يتصلون ـ أي لهم صلة ـ بقوم معاهدين للمسلمين بينهم وبينهم ميثاق وعهد بعدم الاعتداء ، من مهادنة أو صلح وغيره ، فينضم هؤلاء إلى أولئك الأقوام المعاهدين ، فيأخذون حكم المعاهدين ، وإن لم يكونوا قد تعاهدوا صراحة مع المسلمين ، قال أبو بكر الرازي : إذا عقد الإمام عهدا بينه وبين قوم من الكفار ، فلا محالة يدخل فيه من كان في حيّزهم ممن ينسب إليهم بالرحم أو الحلف أو الولاء ، بعد أن يكونوا في حيّزهم ومن أهل نصرتهم ، وأما من كان من قوم آخرين ، فإنه لا يدخل في العهد ما لم يشرط ، ومن شرط من أهل قبيلة أخرى دخوله في عهد المعاهدين ، فهو داخل فيهم إذا عقد العهد على ذلك ، كما دخلت بنو كنانة في عهد قريش.

__________________

(١) ضاقت.

(٢) الاستسلام والرضا بالصلح.

٣٥٩

والفئة الثانية : هم المحايدون الذين جاؤوكم أيها المسلمون ، وقد ضاقت صدورهم بقتالكم ، وأبغضوا أن يقاتلوكم ، ولا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوا قومهم معكم ، بل هم لا لكم ولا عليكم ، وأعلنوا الحياد ، فلا يجوز قتالهم ، حفاظا على ما التزموه من الوقوف على الحياد والمسالمة أو الموادعة ، دون عدوان ولا اعتداء ، ودون انضمام إلى قوم معتدين.

وكل من هاتين الفئتين ينطبق عليه قول الله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)) [البقرة : ٢ / ١٩٠]. وكان من رحمة الله وفضله أن سالم هؤلاء المسلمين ، وكفوا عن إيذائهم ولو شاء الله لسلطهم علينا بأن يلهمهم القتال ، فيقاتلوننا.

إن هؤلاء المجدّين في احترام السلم والموادعة أصحاب النية الحسنة ، هم الذين نحترم مبدأ المسالمة معهم ، أما غيرهم من أصحاب النوايا الخبيثة فينبغي الحذر منهم ، لذا نبّه القرآن الكريم بعد الآية السابقة إلى الحذر من طائفة مخادعة ، يريدون اللعب على الحبلين ، وإظهار المودة للمسلمين وللمشركين معا ، فقال تعالى : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (٩١)) (١) (٢) (٣) [النساء : ٤ / ٩١] أي حجة واضحة.

نزلت هذه الآية في قوم هم بنو أسد وغطفان كانوا يجيئون من مكة إلى النبي عليه الصلاة والسلام رياء ، يظهرون الإسلام ، ثم يرجعون إلى قريش فيكفرون ، ففضح الله تعالى هؤلاء ، وأعلم أنهم مذبذبون معادون ، يجوز قتلهم وقتالهم في كل مكان.

__________________

(١) أي إلى الشرك والضلال والاضطراب.

(٢) أي وقعوا في حمأة الكفر والشرك.

(٣) وجدتموهم.

٣٦٠