التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0523-3
الصفحات: ٦٧١

فألقوا السلاح وبكوا ، وتعانقوا ، وانصرفوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سامعين مطيعين ، فأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع هذه الآيات.

إن هذه الإثارة وتأجيج الفتنة وبذر بذور التفرقة بين المسلمين من قبل غيرهم تعطينا دليلا واضحا وعبرة وعظة وهو أن معطيات العقل والتجربة والمصلحة أسباب تقتضي الحذر من الأعداء ، والتنبه للمخاطر وألوان المكر والمؤامرات ، فإن سوء الظن قد يكون أحيانا عصمة من الوقوع في الشرور ، وحسن الظن ورطة ، والغفلة عن مكائد الأعداء نوع من البله والسذاجة ، فهل نعتبر ونتعظ من حادث واحد ، فضلا عن تكرار العبر والدروس في تعاملنا مع الآخرين؟

الاعتصام بالقرآن والسنة

ليس هناك في السياسة العامة أسوأ من تفرق الأمة وتمزق صفوفها وانقسامها فرقا وأحزابا ، لذا حرص الإسلام إبان عهده الأول على وحدة الصف ، واجتماع الكلمة ، وتحقيق الألفة ، وإشاعة المحبة ، والسبيل التي وحّد الله بها الأمة هو اتحاد دستورها ، واعتصامها بكتاب الله وسنة نبيه ، قال الله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)) (١) (٢) [آل عمران : ٣ / ١٠٢ ـ ١٠٣].

قال ابن عباس مبينا سبب النزول : كان بين الأوس والخزرج شر في الجاهلية ،

__________________

(١) تمسكوا بدينه.

(٢) طرف حفرة.

٢٢١

فذكروا ما بينهم ، فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكر ذلك له ، فذهب إليهم ، فنزلت هذه الآية : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ..) [آل عمران : ٣ / ١٠١](وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا).

أعدّ الله الأمة للاجتماع والاتحاد ، فأمر الجميع بتقوى الله تعالى ، والمعنى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله اتقاء حقا شاملا فيما استطعتم ، أي بالغوا في التقوى ، وأدوها كاملة حتى لا تتركوا شيئا من المستطاع ، وذلك بالتزام أوامر الله واجتناب نواهيه ، بأن يطاع الله فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى ، ومعنى قوله تعالى : (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) : دوموا على الإسلام حتى يوافيكم الموت وأنتم عليه ، والإسلام : هو المعنى الجامع للتصديق في القلب وأداء الأعمال ، وهو الدّين عند الله ، وهو الذي بني على خمس معروفة.

وبعد توحيد العقيدة والعمل ، أمر الله تعالى بالتمسك بكتاب الله وعهده واتباع سنة نبيه ، وهذا هو حبل الله ، وتسمى العهود والمواثيق حبالا ، وحبل الله الذي أمر باتباعه : هو القرآن ، أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كتاب الله : هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض».

ثم نهى الله عن التفرق أبدا ، فإن الداء العضال في الفرقة والانحلال. ويكون التزام الجماعة بعد الاعتصام بالكتاب والسنة هو سبيل الوحدة ، والبعد عن التفرق. أخرج الإمام أحمد عن أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة قيل : يا رسول الله ، وما هذه الواحدة؟ فقبض يده وقال : الجماعة ، ثم قرأ : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا).

وقد كان العرب الجاهليون في حروب مستعرة وعداوات وأحقاد ، وبخاصة

٢٢٢

الأوس والخزرج ، فلما جاء الإسلام ، انتزع من قلوبهم الحقد ، وطهرهم من العداوة ، وأصبحوا بنعمة الله إخوانا متحابين متعاطفين ، يؤثرون إخوانهم على أنفسهم ، ولو كان بهم خصاصة (أي حاجة) وكانوا على وشك الوقوع في النار بسبب شركهم ووثنيتهم إذا ماتوا ، فأنقذهم الله بالإسلام والتوحيد ، والإيمان والطاعة ، ومثل هذا البيان والتوجيه والتذكير ، يبين الله آياته للناس ، ليهتدوا إلى الطريق المستقيم ، أو ليكونوا بالاستقامة والسداد راجين الهداية.

والجامع بين المسلمين هو المبدأ العظيم في القرآن : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات : ٤٩ / ١٠] والحديث النبوي الذي رواه أحمد ومسلم : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

إن عزة العرب والمسلمين تتطلب منهم أولا وقبل كل شيء الاستغناء عن غيرهم في كل شيء عسكري واقتصادي ، لأن الحاجة تقتضي المذلة والهوان ، وسبيل تحقيق وحدة الصف لهذه الأمة : هو الحفاظ على شخصيتها المتماسكة ، وتميزها الذاتي ، ورفض تبعتها لغيرها من الأمم التي لا تبغي لها إلا الشر ، وينبغي أن تكون لنا استراتيجيتنا الذاتية وخطتنا الخاصة وعقليتنا الواعية ، فلا نطمئن لمشورة غيرنا ، ولنتأمل جيدا في مصداقية ما ينصحوننا به ، كيلا نقع كما وقعنا كثيرا في شرك خداعهم ، وإلحاق أفدح الخسائر والمحن والبلايا في مصالحنا وبناء أمجاد وطننا وأمتنا.

جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنهجهم

قد يتعرض الأفراد والجماعات للنسيان أو الضعف أو التورط في معصية ، فيكون التذكير بالخير والنصح والإرشاد خير سبيل لاستدراك الخطأ ، والعودة إلى جادة الاستقامة والصواب ، لذا تكررت وسائل التذكير في الإسلام بخطب الجمعة

٢٢٣

والعيدين والمناسبات الإسلامية ، وأمر الله تعالى بتخصيص جماعة أو فئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتحذير من الانقسام والتفرّق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض من فروض الكفاية ، إذا قام به قائم ، سقط عن الباقي. قال الله تعالى :

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩)) [آل عمران : ٣ / ١٠٤ ـ ١٠٩].

أوجب الله تعالى على المسلمين جميعا تكوين أمة منظمة موحدة ، لا ترهب أحدا ، وتقول الحق ، وترفع الظلم ، ولا تخشى في الله لومة لائم ، وعلى هذه الأمة أو الجماعة المنظمة مهمة الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف الذي يقره الشرع والعقل ، والنهي عن المنكر الذي يقبّحه الشرع والعقل ، وحماية الدين ، وحفظ الحقوق ، وإقامة العدل ، وأداء الأمانات ، وأسلوب هذه الجماعة كما جاء في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان» (١).

وتتميز هذه الجماعة بالعلم والمعرفة لأحكام الشريعة ، والتقوى ، والتخلق بأخلاق الأنبياء ، وأن يكونوا المثل الأعلى في الخلق والفضيلة ، وهم لا غيرهم الكمل المفلحون في الدنيا والآخرة.

__________________

(١) أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة عن أبي سعيد الخدري.

٢٢٤

ثم حذر القرآن الكريم من التفرق والاختلاف كما حدث لمن قبلنا ، من بعد ما جاءت الآيات الواضحات التي تهدي إلى سواء السبيل ، لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فاستحقوا العذاب الشديد في الآخرة.

إن هذا العذاب العظيم يوم تبيض وجوه المؤمنين وتشرق بالسعادة ، وتسودّ وتكتئب وجوه المختلفين الذين لم يتواصوا بالحق والصبر من الكفار والمنافقين حينما يرون ما أعدّ لهم من العذاب الدائم ، ويقال لهؤلاء الذي اسودت وجوههم تأنيبا وتوبيخا : أكفرتم بالرسول محمد بعد إيمانكم به ، فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون.

وأما الذين ابيضت وجوههم : ففي رحمة الله وجنته ورضوانه خالدون ، هذه آيات الله المتقدمة المتضمنة تعذيب الكفار وتنعيم المؤمنين ، تتلى علينا بالحق الثابت ، فلا عذر بعد هذا للمتفرقين المختلفين ، ولا يريد الله بهذه التوجيهات والنصائح والأحكام ظلما في حكمه لأحد من العباد ، وإنما هي لمصلحتهم في الدنيا والآخرة ، ولإقرار الحق وتثبيته ، ولا يعترض أحد على الحق ، فلله ما في السماوات وما في الأرض ملكا وخلقا وتصرفا وحكما ، وإلى الله وحده لا غير ترجع أمور الخلائق قاطبة.

الخلاصة : إن الدعوة الإسلامية ونشرها في أنحاء العالم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الإسلام الكفائية ؛ لأن الإسلام دعوة الحق والخير والسعادة والتوحيد للعالم أجمع ، ولأن الإسلام حريص على نقاوة المجتمعات من عوامل الدمار والانحطاط ، وجعل المجتمع قويا ناضجا متماسكا ، ليتفرغ لبناء الحضارة ، وإرساء معالم المدنية الحقة القائمة على التقدم المادي والمعنوي.

٢٢٥

منزلة الأمة الإسلامية

ليست الأمة الإسلامية أمة متعصبة لأفرادها ، منغلقة على نفسها ، وإنما هي أمة منفتحة على الشعوب ، متسامحة مع الناس ، تحب الخير لجميع البشر ، وتدرأ الشر والسوء عن الأمم ، فهم خير الناس للناس.

وقد حدد القرآن الكريم معيار تفضيل الأمة الإسلامية على غيرها ، وهو حرصها على الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والإيمان بالله تعالى وحده ، قال الله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠)) [آل عمران : ٣ / ١١٠].

قال عكرمة ومقاتل : نزلت هذه الآية في ابن مسعود ، وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة ، وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم : إن ديننا خير مما تدعونا إليه ، ونحن خير وأفضل منكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وفحوى الآية : أنكم أيها المسلمون خير أمم الأرض ، بشيء واحد ، وهو أنكم تأمرون بالمعروف المنقذ للأمم ، وتنهون عن المنكر المدمر للشعوب ، وتؤمنون بالله إيمانا صادقا كاملا لا ينقص منه شيء ، ولو أن أهل الكتاب آمنوا بما آمنتم به ، لكان خيرا لهم وأكرم وأفضل من الإيمان ببعض الكتب الإلهية وببعض الرسل كموسى وعيسى ، والكفر بالبعض الآخر ، وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وبعض أهل الكتاب مؤمنون حقيقة كعبد الله بن سلام وجماعته ، وكثير منهم فاسقون خارجون عن حدود دينهم وكتبهم.

ثم هوّن القرآن الكريم من شأن عداوة اليهود وقوتهم ، فقال الله تعالى :

٢٢٦

(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) [آل عمران : ٣ / ١١١ ـ ١١٢].

قال مقاتل مبينا سبب النزول : إن رؤوس اليهود : كعب وبحري والنعمان ، وأبو رافع وأبو ياسر وابن صوريا ، عمدوا إلى مؤمنهم عبد الله بن سلام وأصحابه ، فآذوهم لإسلامهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً).

والمعنى : لن يصيبكم من اليهود ضرر في الأبدان ، ولا في الأموال ، وإنما هو مجرد أذى بالألسنة ، كالهجاء والطعن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والتنفير من الإسلام.

فإن قاتلوكم انهزموا أمامكم وولوا الأدبار ، وصفهم القرآن بثلاث صفات : عدم الضرر ، والفرار في الحرب ، وعدم النصر.

وهم قوم أذلة إلى الأبد ، ورثوا ذل النفس وضعف القلب ، وهم دائمو الفقر والحاجة ، لا يشبعون من مال ، ولا قوة لهم وإن كانوا أغنياء ، إلا بمدد مؤقت من الله ومدد من الناس.

وسبب اتصافهم بهذه الصفات أنهم يكفرون بآيات الله ، ويقتلون الأنبياء معتقدين أنهم على غير حق فيما يفعلون. وما جرّأهم على ذلك إلا فعل المعاصي والعدوان على قيم الآخرين وحقوقهم ، قال قتادة مفسرا هذه الآية : «اجتنبوا المعصية والعدوان ، فإن بها أهلك من كان قبلكم من الناس».

__________________

(١) ضررا يسيرا.

(٢) ينهزمون.

(٣) الذل والصغار.

(٤) وجدوا.

(٥) بعهد منه وهو الإسلام.

(٦) رجعوا متلبسين به.

(٧) الفقر والشح.

٢٢٧

أجل! إن الأمة الإسلامية خير الأمم بسبب إيمانها الصحيح التام بما أنزل الله في كتبه ، وبسبب قيامها بمهمة إصلاح المجتمع وحرصها على الفضيلة ، وأصول الإصلاح ثلاثة كما ذكرت آية (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) : وهي الإيمان بالله وكبته ورسله واليوم الآخر ، ومنه الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس ، والأمر بالمعروف المتفق مع الشرع والعقل والعرف الصحيح والنهي عن المنكر ، وهو كل قبيح ينهى عنه الشرع ويستقبحه العقل السليم والعرف الصحيح.

مؤمنو أهل الكتاب

لا نجد في الإسلام أي سمة للتعصب والميل والمحاباة للمسلمين على حساب غيرهم ، لأن الإسلام ذو قيمة ذاتية خالدة ، ورسالة سامية ، يترفع عن التأثير بالعصبيات ، أو ممالأة الأتباع على حساب الحق والعدل.

لذا أنصف القرآن أهل الكتاب إنصافا عاليا رفيع المستوى ، فأقرت آيات القرآن بوجود فئة أمينة من أهل الكتاب تؤتمن على القليل والكثير ، وأعلنت آي القرآن عن وجود جماعة مؤمنة صالحة مستقيمة عادلة ، تؤمن بالله واليوم الآخر ، وترعى الذمم ، وتحترم القيم ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتبادر إلى فعل الخيرات ، وهؤلاء الصالحون هم الذين ماتوا قبل مجيء الإسلام وظهور شرائعه ، أو أدركوا الإسلام ، فدخلوا فيه. وغيرهم جماعة فاسقون خارجون عن حدود الله.

قال الله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ (١) (٢)

__________________

(١) أي مستقيمة عادلة.

(٢) أي ساعات الليل.

٢٢٨

الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥)) (١) [آل عمران : ٣ / ١١٣ ـ ١١٥].

وسبب نزول هذه الآيات في أصح التأويلات : ما قاله ابن عباس رضي الله عنه : لما أسلم عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن سعنة ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، ومن أسلم من اليهود ، قالت أحبار اليهود : ما آمن لمحمد إلا شرارنا ، ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائنا. وقالوا لهم : لقد خنتم حين استبدلتم بدينكم دينا غيره ، فأنزل الله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً) الآية.

والمعنى : ليس أهل الكتاب متساوين في العقيدة والأفعال ، فمنهم أمة مستقيمة على طاعة الله ، ثابتة على أمره ، يتلون آيات الله ، ويقرءون القرآن في ساعات الليل ، ويصلون والناس نيام ، ويناجون ربهم وغيرهم غافلون ، وهم يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا صادقا خالصا ، ويخشون الله ، ويرجون ثوابه وتجارة لن تبور ، فهؤلاء مؤمنون حقا.

وهم في مجال الأخلاق والعمل الاجتماعي ، يأمرون بالفضيلة والمعروف ، وينهون عن الرذيلة والمنكر ، ويبادرون إلى فعل الخيرات بسرعة وبلا تلكؤ أو إمهال ، وهم قوم صالحون مثل عبد الله بن سلام وصحابته الذين أسلموا وصلحت أحوالهم وارتفعت درجاتهم. فهم بإسلامهم خيار ، لا أشرار كما زعم اليهود ، وأتقياء لا فجار ، وعقلاء لا مجانين ، إذ اختاروا الإيمان وتركوا الضلال.

وما يفعلون من الطاعات ، فلن يحرموا ثوابه ويمنعوا جزاءه ، ولا يتصور غير هذا في شريعة الإسلام العادلة ، وعدل الله الشامل ، فالله شكور لفعل عباده الأتقياء ،

__________________

(١) أي يمنعوا أو يحرموا ثوابه.

٢٢٩

عليم بهم ، لا ينساهم ولا يهملهم ، فالجزاء الحسن لهم حق ، والله القادر على كل شيء ، البصير بأعمال العباد ، فقوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) وعد ووعيد.

إن عدل الله الشامل أن يظهر الأخيار ويتولاهم برعايته وتأييده ، ويبعد من ساحته الفجار والأشرار والحاقدين والمعاندين ، لذا أنصف الإسلام غير المسلمين ، فحكم بإيمان بعضهم بالقرآن ، وأشاد بقيامهم بالأعمال الصالحة ، حيث أصلحوا أنفسهم ، وجاهدوا في إصلاح غيرهم ، وقاوموا دعوة الفساد والانحراف ، وكانوا دعاة حق وخير ، وبناة صالحين لمجد أمتهم ، وتقدم دولة الحق والخير والتوحيد.

جزاء الضلال

أقام الله السماوات والأرض وأوجد من فيهما بالحق والعدل ، والعادل لا يقبل الظلم ولا جحود النعمة وكفرانها ، وإنما يطلب الله العادل من عباده أن يشكروه على نعمه الكثيرة فلا يكفروه ، وأن يؤمنوا به لأنه الخالق المبدع ، لا أن يكذّبوا بوجوده وعدله ووحدانيته.

فالمؤمن الصادق الإيمان يقرّ بوجود الله ويشكر نعمة الله عليه لأنه أوجده وسوّاه ، ورزقه وصانه في حياته ، وأما الكافر الذي ينكر وجود الله أو وحدانيته ولم يشكر نعم الله عليه ، فهذا منتكس الفطرة ، ليس لديه وفاء للمعروف ولا تقدير للمنعم.

وكثيرا ما عقد القرآن الكريم المقارنة بين المؤمنين والكفار ، والأتقياء والفجار ، والمصلحين والمفسدين ، لينبّه العباد ويحذرهم ، ويرغب الناس بالإيمان والصلاح ، وينفرهم من الكفر والفساد.

وكثيرا ما افتخر الكفار ويفتخرون بقولهم : نحن أكثر أموالا وأولادا وزينة في

٢٣٠

الحياة الدنيا ، وما نحن بمعذّبين ، والكفار : هم كل من لم يؤمن بالله ربا واحدا لا شريك له ، ولا ندّ له ولا نظير ، وليس له والد ولا ولد ، ولا يشبهه أحد من خلقه ، وقد ردّ الله على هؤلاء الكفار جميعا بقوله تعالى مبينا جزاءهم في الآخرة.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١٦) مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧)) (١) (٢) [آل عمران : ٣ / ١١٦ ـ ١١٧].

ومعنى الآية : إن الكفار لن تجزي عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا من الإجزاء يوم القيامة ، قال تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨)) [الشعراء : ٢٦ / ٨٨]. وفي آية أخرى قال تعالى : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى). [سبأ : ٣٤ / ٣٧].

وهؤلاء الكفار الذين لا تنفعهم أموالهم ولا أولادهم هم ملازمون للنار ، لا ينفكون عنها ، وماكثون فيها أبدا على الدوام ، الله أعلم به.

ثم ضرب الله مثلا رائعا صور فيه الأموال التي ينفقها الكفار ، ظانين أنها قربة وحسبة وعبادة ، وهي في الواقع للرياء والسمعة والمفاخرة وكسب الثناء ، أو للصد عن سبيل الله ، مثل هذا المال الذي ينفقونه كمثل ريح فيها برد شديد أتت على الزرع ، فأهلكت الأخضر واليابس. إن هذا المال أفسد عقولهم بما صرفهم عن النظر الصحيح والتفكير في عواقب الأمور ، وإنهم مع إنفاقه ظلموا أنفسهم بمعاصي الله ، فكانت النقمة إليه أسرع وفيه أقوى.

__________________

(١) الصر : البرد الشديد.

(٢) الحرث : إثارة الأرض للزرع ، والمراد هنا فيها نبات مزروع أي زرعهم.

٢٣١

إنهم إذا أنفقوا المال في سبيل الشيطان والهوى والفساد ، ورجوا منه الثواب والنفع ، فهم لن يجدوا في الآخرة إذا قدموها إلا الحسرة والندامة ، ومثلهم مثل من زرع زرعا ، وتوقع منه خيرا ونفعا ، فأصابته ريح ، فأحرقته ، فوقف مبهوتا حائرا ، إن الله يتقبل من المؤمنين المتقين ، ويثيب المخلصين ، وما ظلم الله الكافرين ، بل جازاهم وكافأهم على عملهم الشر بالشر ، وكانوا هم الظالمين لأنفسهم.

إن الانحراف عن هدي الله وضلال الاعتقاد أساس بلاء الإنسان في الآخرة ، وهو أيضا سبب ضياع ثمرة الأعمال الصالحة التي عملها الشخص على أرضية غير مؤمنة ، ويكون مصيره الخزي والذل والندامة والزج به في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.

اتخاذ بعض الأعداء مستشارين

يحرص القرآن الكريم على تماسك الأمة وتناصحها ، ويحذرها من التعثر ومداخل الشر والسوء ، ويحميها من استشارة المشبوهين والمعادين ، ومن اتخاذ فئة من الأعداء في مواطن السر والاطلاع على دخائل الأمور وأسرار الدولة والولاة والحكام ، لذا قال الله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ (١) (٢) (٣) (٤) (٥)

__________________

(١) بطانة الرجل : خاصته وأهل مشورته وأمناء سره.

(٢) أي لا يقصرون في إيصال الخبال : وهو الشر والفساد إليكم.

(٣) أي تمنوا إيقاعكم في العنت ، أي المشقة والحرج.

(٤) انفردوا.

(٥) أشد الغضب.

٢٣٢

الصُّدُورِ (١١٩) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠)) [آل عمران : ٣ / ١١٨ ـ ١٢٠].

قال ابن عباس ومجاهد : نزلت هذه الآيات في قوم من المؤمنين ، كانوا يصافون المنافقين ، ويواصلون رجالا من اليهود ، لما كان بينهم من القرابة والصداقة ، والحلف والجوار والرضاع ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات ، ينهاهم عن مباطنتهم ، خوف الفتنة منهم عليهم.

ينهى الله تعالى المؤمنين بهذه الآيات عن أن يتخذوا من الأعداء أخلاء وأمناء ، يأنسون بهم في الباطن من أمورهم ، ويفاوضونهم في الآراء ، ويطمئنون إلى آرائهم ونصائحهم. فإياكم أيها المؤمنون من اتخاذ فئة من غيركم أمناء أسراركم ، تطلعونهم على أموركم ، وتودونهم ، فهم لا يقصرون في إيصال الفساد والشر لكم ، ويحرصون على إيقاع الضرر بكم ، ويؤيد هذا المعنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من خليفة ولا ذي إمرة إلا وله بطانتان ، بطانة تأمره بالخير وتحضّه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه ، والمعصوم : من عصم الله» (١).

هؤلاء الأعداء يتمنون كل شر ومشقة لكم ، فإن لم يستطيعوا حربكم وإيذاءكم ودوا من صميم قلوبهم كل فساد وألم وسوء بكم.

ألم تظهر البغضاء لكم والحسد عليكم من فلتات ألسنتهم ، وما تخفي صدورهم : من الحسد وإرادة الشر أكبر وأكثر ، قد بينا لكم أيها المؤمنون العقلاء الآيات والعبر التي ترشدكم إلى الخير وتحذركم من الشر ، وهذا تحذير خطير وتنبيه شديد يهز النفوس ، لتحذر من منافقي اليهود التي نزلت هذه الآيات فيهم لا في منافقي العرب. إنكم أيها المؤمنون مخطئون في حبهم وإحسان الظن بهم ، فهم لا يحبونكم مع أنكم

__________________

(١) أخرجه البخاري والنسائي وغيرهما عن أبي سعيد الخدري.

٢٣٣

تؤمنون بالكتب السماوية كلها ، ومنها كتابهم ، وتصدقون بكل الرسل ومنهم رسولهم ، ومع هذا هم لا يحبونكم ، وهم إذا قابلوكم أظهروا الإيمان بدينكم وجاملوكم ، وإذا خلوا إلى أنفسهم وشياطينهم ، أظهروا شدة الغيظ والحقد عليكم ، فليموتوا بغيظهم ، فإن الله عليم بما تنطوي عليه نفوسهم.

إنهم إذا أصابكم خير وخصب ونصر ووحدة ساءهم ، وإذا أصابكم شر فرحوا ، بسبب شدة العداوة والحسد لكم ، فإن تصبروا أيها المؤمنون على كيدهم وتآمرهم وعلى كل حال ، واتقيتم الله واتخذتم الوقاية من كيد عدوكم ، فإن الله ضمن لكم السلامة والنجاة من شرهم وضررهم ، وسيرد كيدهم في نحورهم ، ويجازيهم على كل ذلك ، أي إن صبرتم واتقيتم.

إن أسوأ ما يصدّع بناء الدولة والأمة ويكون أداة هدم وتدمير لوجودها وتحطيم كيانها هو اتخاذ بعض الأعداء مستشارين في قضايا الأمة الخطيرة ورسم سياستها ووضع الخطط الاقتصادية والتربوية والاجتماعية لها ، لأن الإخلاص للأمة ومحبة الخير لها ينبعان من الإيمان برسالة الأمة ، والاعتقاد بأهليتها للقيادة وإظهار قوتها وعزتها ومنعتها أمام الأمم الأخرى.

فضيلة الصبر والتقوى في المعارك وغيرها

قارن الله تعالى بين موقفين متعارضين للمؤمنين في معركتي بدر وأحد ، ففي معركة بدر الكبرى التي وقعت يوم الجمعة في السابع عشر من رمضان بعد ثمانية عشر شهرا من الهجرة ، صبر المؤمنون القلة أمام الفئة الكثيرة من المشركين ، وتضرعوا وأنابوا إلى الله ، والتزموا جانب التقوى لله ، واستنصروا بربهم ، فنصرهم الله تعالى ، وأمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين أي معلمين.

٢٣٤

وفي غزوة أو معركة أحد التي وقعت بين المسلمين والمشركين المكيين في السنة الثالثة من الهجرة بعد ٣١ شهرا من الهجرة يوم الأربعاء في الثاني عشر من شوال ، في هذه المعركة التي أشرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على إدارتها وتنظيم العسكر في مواقع معينة ، لم يصبر المؤمنون ، ولم يتقوا الله حق تقاته ، ولم يلتزموا بطاعة النبي القائد وخالفوه ، فلم يمدهم الله بالملائكة كما وعدهم النبي في بدء القتال ، لأنه لم يتحقق الشرط المطلوب للنصر ، وهزم المسلمون أمام المشركين ، ولو أمدهم الله بالملائكة كما حدث في معركة بدر ، لهزموا الكفار من فورهم ، فعاتب الله المؤمنين في أمر أحد ، وذكرّهم بفضله ونعمته يوم بدر ، ونزلت هذه الآيات مبتدءا فيها الخطاب للنبي :

(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (١٢٧) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) (٨) (٩) [آل عمران : ٣ / ١٢١ ـ ١٢٩].

والمعنى الإجمالي للآيات : اذكر يا محمد وقت قولك للمؤمنين يوم أحد ، وانخذال جماعة المنافقين وهم ثلاث مائة بقيادة عبد الله بن أبي : سيمدكم الله بثلاثة آلاف من

__________________

(١) خرجت أول النهار.

(٢) تنزل.

(٣) مواطن ومواقف له يوم أحد.

(٤) تجبنا عن القتال.

(٥) يقويكم يوم بدر.

(٦) ساعتهم فورا.

(٧) معلمين أنفسهم بعلامات.

(٨) ليهلك طائفة.

(٩) يخزيهم بالهزيمة.

٢٣٥

الملائكة ، والله منجز وعد رسوله لكم إن صبرتم على الجهاد ولم تطمعوا بالغنائم ، واتقيتم الله وأطعتم أمر نبيكم ، وكادت طائفتان من الأنصار وهما بنو سلمة وبنو حارثة ألا يخرجوا إلى القتال في أحد ، ثم وفقهم الله فخرجوا ، وكان هذا الوعد من النبي للمؤمنين بشرى لهم لتطمئن قلوبهم وتهدأ نفوسهم بالوعد بالنصر. والنصر من عند الله وحده بعد اتخاذ الأسباب ومن أهمها الثبات في المعركة ووحدة الصف ، ونبذ الفرقة والخلاف ، وإطاعة القائد وترك الغرور بالنفس. وأدى ترك هذه الأمور في أحد للهزيمة ، على عكس الحال في بدر ، تحقق النصر من الله ، وتم الإمداد الفعلي بالملائكة ، ليهلك ويقطع الله طائفة من رؤوس الكفر والشرك بالقتل والأسر ، أو الكبت والإغاظة ، والخزي ، فانقلبوا خائبين غير ظافرين ، أو يتوب الله عليهم إن أسلموا ورجعوا إلى الله ، أو يعذبهم إن أصروا على الكفر والشقاق ، فإنهم ظالمون لأنفسهم ، أما أنت يا محمد فليس لك من الأمر شيء ، إنما عليك البلاغ ، وعلى الله الحساب ، فلا تجزع ولا تتألم منهم ، ولا تدع عليهم ، فربما يتوب الله على بعضهم كما تاب على أبي سفيان وأمثاله ، والأمر كله بيد الله ، فلله ملك السماوات والأرض ، يغفر لمن يشاء بفضله ، ويعذب من يشاء بحكمته وعدله.

إن تحقيق الانتصارات الحاسمة في المعارك مرهون بمدى الصبر والثبات في لقاء الأعداء ، فإذا ما دبّ الخوف وسادت روح الانهزام في الجيش تضعضعت قواه وانهارت معنوياته ، لذا كان الفرار من الزحف من الكبائر العظمى في شرعة الله ، وبما أن النصر بيد الله فهو صانع النصر ، والجنود أدوات وأسباب للنصر ، فإن الاستقامة على أمر الله ، واجتناب المعاصي أمر ضروري للفوز والغلبة ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠)) [الحج : ٢٢ / ٤٠].

٢٣٦

إرشاد المؤمنين للخير

اشتملت آيات القرآن الكريم على إرشادات ومواعظ للمؤمنين ، تدلهم على ما هو خير وفضيلة ، وتمنعهم عما هو شر ورذيلة ، إحقاقا للحق ، وإبطالا للباطل ، وبناء للمجتمع الفاضل ، وهذه مجموعة أوامر ونواه مع بيان الجزاء الكريم لامتثال الأمر واجتناب النهي ، قال الله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦)) (١) (٢) (٣) (٤) [آل عمران : ٣ / ١٣٠ ـ ١٣٦].

في مطلع هذه الآيات نهى الله المؤمنين عن التشبه باليهود وعرب الجاهلية الذين كانوا يأكلون الربا أضعافا مضاعفة ، فكانوا إذا حل أجل الدين ، وعجز المدين عن سداد دينه ، قال الدائن للمدين : إما أن تقضي أو تربي ، فيلجأ المدين إلى القبول اضطرارا بتضعيف الربا أو الفائدة ، وتأجيل الدين عاما آخر ، فهذا فعل شنيع ، واستغلال قبيح ، وقد حرّم الله جميع أنواع الربا قليله وكثيره ، وكل قرض جرّ نفعا للمقرض في مقابل التأخير فهو ربا ، سواء كانت المنفعة نقدا أو عينا كثيرة أو قليلة ،

__________________

(١) كثيرة.

(٢) اليسر والعسر.

(٣) الحابسين غيظهم في نفوسهم.

(٤) معصية كبيرة.

٢٣٧

لقوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠)) [البقرة : ٢ / ٤٠].

ثم أمر الله تعالى باتقاء النار التي أعدت للعصاة والكافرين ، واتقاؤها يكون بطاعة الله وامتثال أوامره وترك المعاصي والمنكرات ، والنار سبع طبقات ، العليا منها وهي جهنم للعصاة ، والخمس للكفار ، والدرك الأسفل للمنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.

ثم أمر الله بطاعته وطاعة رسوله ، والطاعة موافقة الأمر كما أراد الآمر ، كي يرحمنا الله في الدنيا بصلاح الحال وانتظام الأمر ، وفي الآخرة بحسن الجزاء ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ..» (١).

والطاعة تتطلب المبادرة إلى فعل ما يوجب مغفرة الله ، وجزاء المطيعين جنات فسيحات واسعات عرضها كعرض السماء والأرض ، أعدت للمتقين الذين وقوا أنفسهم من عذاب الله بالعمل الصالح ، وأوصاف المتقين هي :

الذين ينفقون في السراء والضراء ، في الشدة والرخاء ، ويكتمون غيظهم ، ويملكون أنفسهم عند الغضب ، فلا يعتدون على الآخرين إذا كانوا في قوة ومنعة ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كظم غيظا ، وهو يقدر على إنفاذه ، ملأه الله أمنا وإيمانا» (٢).

وهم أيضا يعفون عن مساوئ الناس ويتجاوزون عن ذنوبهم بطيب خاطر وطواعية ، والعفو عن الناس من أجلّ أفعال الخير ، وهم أيضا يحسنون إلى من أساء إليهم ، والله يحب المحسنين ، وهؤلاء المتقون إذا فعلوا فاحشة أو ذنبا كبيرا يضر كالزنا والربا ، والغيبة والنميمة ، أو ذنبا صغيرا لا يتعدى إلى غيرهم ، ذكروا عقاب

__________________

(١) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.

(٢) حديث حسن أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر.

٢٣٨

الله ، وما أعده للظالمين والعاصين ، فيرجعون ويتوبون إلى الله ، ويندمون على ما فعلوا ، وينصرفون عن مهاوي الشيطان ، ويعملون بأخلاق الرحمن. أولئك الموصوفون بما ذكرهم : أهل الكمال والتوفيق الإلهي ، وجزاؤهم مغفرة من الله ورضوان من ربهم ، وجنات تجري من تحتها الأنهار ماكثين فيها أبدا ، ولهم نعيم مقيم دائم ، ونعم ثواب العاملين المخلصين.

والخلاصة : قد يتحقق النصر للفئة الضالة المنحرفة امتحانا لأهل الإيمان ، وليكون ذلك النصر باعثا المؤمنين على إعادة الحساب وتصحيح الأخطاء ، والتفكير الجادّ في إعادة البناء ، وسد الثغرات وإزالة عوامل الضعف ، والانهزام ، وإيجاد جيل قوي وادع يدرك الأخطار ، ويلتزم بقانون النصر والغلبة الإلهية القائم على الحق والعدل ، وتحقيق التمكين في الأرض لأهل الصلاح المتوحدين المتضامنين ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)) [الأنبياء : ٢١ / ١٠٥].

اتخاذ الأسباب لتحقيق العاقبة الطيبة

يقرر القرآن الكريم قاعدة ثابتة دائمة في الحياة ، وهي أن مشيئة الله تسير على نظم ثابتة ، ربطت فيها الأسباب بالمسببّات والنتائج ، مع أن الله قادر على كل شيء ، ففي الحرب أو السلم ، أو الزرع أو التجارة أو التخطيط أو الدراسة العلمية مثلا إذا سار فيها الإنسان على الطرق السليمة ، نجح ، وإن كان شريرا مجوسيا ، وإن خرج الإنسان عن المعقول والمألوف ، واتبع طريقا غير معقولة ، أو تكاسل وأهمل ، كان من الخاسرين ، ولو كان شريفا حسيبا ، أو رجلا عظيما.

وأحق الناس بالتزام المعقول ، والاستفادة من هدي القرآن ، هم المؤمنون. قال

٢٣٩

الله تعالى مبينا سنته الدائمة في الخلق وأن العاقبة للمتقين : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠) وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) [آل عمران : ٣ / ١٣٧ ـ ١٤١].

والمعنى : انظروا أيها المسلمون في الماضي والحاضر إلى من سبقكم من الأمم ، وتعرفوا على أخبار الماضين ، فستجدون منهجا واحدا لا يتغير ، وطريقا واحدا لا يتخلف ، وهو إن سرتم سير الطائعين الموفقين ، نجحتم ، وإن سرتم سير العصاة المكذبين خسرتم ، إنكم سلكتم طريقا معتدلا يوم بدر فانتصرتم ، وسلكتم طريقا خطأ بمخالفة نبيكم يوم أحد فانهزمتم. وهكذا كل ما نتعرض له من هزائم إنما هو بسبب من أنفسنا.

والقرآن بيان واضح للناس عامة ، وهدى وموعظة للمتقين خاصة : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢)) [البقرة : ٢ / ٢].

وإياكم أيها المؤمنون من الوهن والضعف بعد الانهزام في أحد وغيرها ، ولا تحزنوا على ما حدث ، ولا على من قتل ، فإن يمسسكم قتل وجراح في معركة أحد مثلا ، فقد مسّ غيركم مثله ، فشهداؤكم مكرمون عند الله ، وما وقع للأعداء ليس نصرا ، ولكنه درس بليغ تتعظون به ، لذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد : «لو خيرت بين الهزيمة والنصر يوم أحد لاخترت الهزيمة». لما في تلك المعركة من تربية وعظة وعبرة ، أهمها أن مخالفة أمر النبي خروج على سنة الله في تحقيق الظفر.

__________________

(١) مضت.

(٢) وقائع.

(٣) لا تضعفوا عن القتال.

(٤) القرح : القتل والجراح.

(٥) نصرفها بأحوال مختلفة.

(٦) ليختبر.

(٧) يهلك ويستأصل.

٢٤٠