التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0523-3
الصفحات: ٦٧١

فقال لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سلاني ، فقالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله. فأنزل الله تعالى على نبيه : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) فأسلم الرجلان ، وصدّقا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وبما أن الله يحب عباده ، ويرغب لهم بالخير ، أورد عقب الآية السابقة ما ارتضاه وأحبه لعباده منذ أن خلق الخلق وإلى يوم القيامة وهو الإسلام ، أي الخضوع والانقياد لله والإيمان به والطاعة ، ولا خلاف بين جميع الأنبياء والمرسلين في جوهر الدين وهو الإسلام والسلام والإخاء والمحبة ، والتوحيد والعدل في كل شيء ، ولم يقع الخلاف بين أهل الكتاب وأتباع الأديان إلا بسبب الحسد والبغي أو الظلم والحفاظ على المراكز القائمة والمصالح المادية ، والحرص على الدنيا وما فيها ، فمن يكفر بآيات الله الدالة على وجوده وتوحيده وصدق أنبيائه ، فإنه ظلم نفسه ، والله مجازيه وهو سريع الحساب وشديد العقاب.

وإن حدث جدال بين النبي أو أتباعه وبين أهل الأديان الأخرى ، فليقل المؤمن : قد أسلمت وجهي لله وانقدت له وأقبلت عليه بعبادتي مخلصا لله وحده ، معرضا عما سواه ، فإنه أسلم هؤلاء المعارضون لهدي الله وقرآنه ، فقد اهتدوا إلى الطريق المستقيم ، وإن تولوا وأعرضوا فما على الداعية أو الرسول إلا الإبلاغ فقط ، والله بصير بخلقه ، عليم بحالهم ، فيحاسبهم ويجازيهم ، قال الله تعالى :

(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ (١) (٢) (٣) (٤)

__________________

(١) الشرع القائم على التوحيد مع التصديق والعمل به.

(٢) حسدا.

(٣) أخلصت نفسي وعبادتي لله.

(٤) مشركي العرب.

١٨١

أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠)) [آل عمران : ٣ / ١٩ ـ ٢٠].

جزاء قتل الأنبياء وحكم الإعراض عن بيان الله

لن يغتفر التاريخ جرائم قتلة أهل الحق والدفاع عن القيم الدينية وعن مصالح الأوطان وحماية البلاد ، ولن ينجو قتلة الأنبياء وقتلة أهل المعروف من العقاب الشديد في الآخرة ، وهؤلاء المجرمون بطلت أعمالهم في الدنيا والآخرة ، وما لهم في الآخرة من ناصرين ولا شفعاء ، لأنهم حرموا المجتمع والأمة من الخير والاهتداء بهدي الله ودينه ، وصدّوا الأنبياء عن قول الحق وتبليغ الرسالة ، وآذوا بالقتل وغيره كل من آزرهم ونصرهم ، ونصحهم وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر من أهل العلم والعدل ، قال الله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢)) (١) (٢) [آل عمران : ٣ / ٢١ ـ ٢٢].

روى ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، أي الناس أشد عذابا يوم القيامة؟ قال : رجل قتل نبيا ، أو قتل من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، ثم قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١)) ثم قال الرسول : «يا أبا عبيدة قتلت بنو

__________________

(١) أي بالعدل.

(٢) أي بطلت أعمالهم.

١٨٢

إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار ، في ساعة واحدة ، فقام مائة وسبعون رجلا من بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ، ونهوهم عن المنكر ، فقتلوهم جميعا من آخر النهار ، من ذلك اليوم ، فهم الذين ذكر الله عزوجل».

ثم أبان الله تعالى في قرآنه حكم المعرضين عن بيان الله وهديه ، والمعرضين عن القرآن وإرشاده ، فقال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٥)) (١) (٢) (٣) [آل عمران : ٣ / ٢٣ ـ ٢٥].

قال ابن عباس : نزلت هذه الآية بسبب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل بيت المدارس (٤) على جماعة من يهود ، فدعاهم إلى الله ، فقال له نعيم بن عمرو ، والحارث بن زيد من يهود بني قينقاع : على أي دين أنت يا محمد؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنا على ملة إبراهيم ، فقالا : فإن إبراهيم كان يهوديا ، فقال لهما النبي عليه‌السلام : «فهلموا إلى التوراة ، فهي بيننا وبينكم» فأبيا عليه ، فنزلت هذه الآية : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ).

إن هؤلاء المعادين يترددون في قبول حكم الله ، ثم يعرضون عن قبول كتاب الله ، وشأنهم دائما الإعراض والعناد ، وما شجعهم على هذا العناد والجحود إلا اعتقادهم الباطل أنهم لا تصيبهم النار إلا أياما قليلة ، ثم يدخلون الجنة في زعمهم ، وهذا مجرد وهم وافتراء ، فلقد غرهم ما كانوا يختلقون في الدين ، كقولهم : إن الأنبياء ستشفع

__________________

(١) أي اليهود.

(٢) خدعهم وأطمعهم في غير مطمع.

(٣) أي يختلقون ويكذبون على الله.

(٤) المدارس : الموضع الذي يدرس فيه كتاب الله.

١٨٣

لنا ، ونحن أولاد الأنبياء ، وأحباء الله ، وشعب الله المختار ، وستتبدد كل هذه الدعاوي إذا جمعهم الله يوم القيامة الذي لا شك فيه ، وتوفى كل نفس ما كسبت من خير أو شر ، وهم لا يظلمون.

من أدلة قدرة الله تعالى

كان المشركون ينكرون النبوة لشخص بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، وأنكر أهل الكتاب النبوة في غير بني إسرائيل ، وتعجب المنافقون واليهود من بشائر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأمته ، روى الواحدي عن ابن عباس وأنس بن مالك قالا : لما افتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، ووعد أمته ملك فارس والروم ، قال المنافقون واليهود : هيهات هيهات ، من أين لمحمد ملك فارس والروم؟ هم أعز وأمنع من ذلك (١) ، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية :

(قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧)) (٢) (٣) [آل عمران : ٣ / ٢٦ ـ ٢٧].

وقال قتادة : ذكر لنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته ، فأنزل الله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ ..) الآية.

هذه بعض الأدلة على قدرة الله تعالى وعظمته ، فهو مالك الملك ، وهو المعطي والمانع ، يؤتي الملك والنبوة من يشاء من عباده كآل إبراهيم ، قال الله تعالى : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) [النساء : ٤ / ٥٤].

__________________

(١) أي هم أشد وأقوى من ذلك.

(٢) تدخل.

(٣) بلا نهاية في العطاء.

١٨٤

وقد يعطي الله ملكا فقط كسائر الملوك الدنيويين القدامى والمعاصرين ، وقد ينزع الله الملك ممن يشاء من الأفراد والأمم بسبب ظلمهم وفسادهم وسوء سياستهم ، كما نزع الملك من كثير من الدول والأشخاص ، والله سبحانه يعز من يشاء ويذلّ من يشاء ، والعزة والذلة لا تتوقف على الملك أو المال ، فكل إنسان معرض للذل والعز بمقتضى إرادة الله ، والله وحده بيده الخير ، فكل ما كان أو يكون لا يخلو من خير ونعمة ، لصاحبه نفسه أو لغيره من الناس ، إن الله قدير تام القدرة على كل شيء ، ولا يفعل شيئا إلا بمقتضى الحكمة والمصلحة والعدل.

ومن أدلة قدرة الله تعالى وتمام ملكه وعظمته : أن الله يدخل الليل في النهار فيزيد منهما وينقص ، ويدخل النهار في الليل زيادة ونقصا ، بيده الأمر ، والكون في قبضته ، والسماوات والأرض مطويات بيمينه. وهو سبحانه يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي حياة مادية واضحة كإخراج النبات الرطب من الحب اليابس وعلى العكس ، وحياة معنوية ملحوظة كإخراج العالم من الجاهل ، والجاهل من العالم ، والمؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن.

ومن أدلة قدرة الله أنه يرزق جميع المخلوقات في الدنيا والآخرة ، يرزق من يشاء بغير حساب يطلب منه ، ولا رقيب عليه ، وبغير تعب ولا مشقة ، فله سبحانه خزائن السماوات والأرض ، التي لا تنفد ولا تغيض ، ولا تفنى ولا تنقص ، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ، وهو الخالق لكل شيء.

موالاة الأعداء

المسلم قاعدة صلبة وأمينة في بنية المجتمع الإسلامي ، فلا يفرّط في حق من حقوق أمته ، ولا يغدر ولا يخون ولا يغش أحدا ، ولا يكون جاسوسا للأعداء ، ولا يظهر

١٨٥

اللطف لهم والميل إليهم إلا بمقدار ما تقتضيه المصلحة العامة العليا ، ولا يناصر الأعداء ، أو يعمل ضد مصلحة أمته المؤمنة.

وهذا ما حذّر منه القرآن الكريم في آيات كثيرة ، وهدد المخالفين المتواطئين على مصلحة الأمة ومصيرها ، فقال الله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨)) (١) (٢) [آل عمران : ٣ / ٢٨]. فلا تجوز موالاة الأعداء ومناصرتهم فهذا أمر ينفّر منه الشرع ولا يقره الدين في أي حال ، إلا في حال الخوف منهم واتقاء أمر يجب اتقاؤه كالقتل وقطع الأعضاء والضرب بالسوط والسجن والتهديد والوعيد وسائر أنواع التعذيب ،. وذلك إذا كان المرء في دار الأعداء ، فإذا داراهم الإنسان أحيانا باللسان فقط وتحاشى أذاهم ، فذلك أمر جائز شرعا ، ويكون المؤمن في هذه الحال مكرها ، والله تعالى يقول : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ). [النحل : ١٦ / ١٠٦].

وسبب نزول آية النهي عن موالاة الأعداء : هو ما قاله الكلبي : نزلت هذه الآية في المنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه ، كانوا يتولون اليهود والمشركين ، ويأتونهم بالأخبار ، ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ونهى المؤمنين عن مثل فعلهم.

وهناك سبب آخر ذكره ابن عباس ، فقال : نزلت الآية في عبادة بن الصامت الأنصاري ، وكان بدريا نقيبا (٣) ، وكان له حلفاء من اليهود ، فلما خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الأحزاب قال عبادة : يا نبي الله ، إن معي خمس مائة رجل من اليهود ، وقد رأيت

__________________

(١) تخافوا من جهتهم أمرا.

(٢) يخوفكم الله.

(٣) أي حضر موقعة بدر الكبرى ، وحضر بيعة العقبة وكان أحد النقباء (العرفاء) الاثني عشر الذين اختارهم النبي عرفاء على قومهم.

١٨٦

أن يخرجوا معي ، فأستظهر بهم على العدو ، فأنزل الله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) الآية. ثم هدد الله المخالفين المتواطئين على مصير أمتهم بقوله : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠)) (١) (٢) [آل عمران : ٣ / ٢٩ ـ ٣٠].

والمعنى : إن الله تعالى يعلم كل ما يخفيه الناس في صدورهم ، أو يظهرونه ، والله يعلم أيضا جميع ما يحدث في السماوات والأرض ، ومن ذلك الميل إلى الأعداء أو البعد عنهم ، والله تام القدرة على كل شيء.

وليحذر الإنسان يوم القيامة الرهيب ، ففيه يجد كل إنسان ما قدمه من عمل خير أو شر ، قليل أو كثير ، فإن كان العمل خيرا سرّ صاحبه ، وإن كان شرا ودّ صاحبه أن يكون بينه وبين عمله بعد ما بين المشرقين. ويحذر الله الناس عقابه الصارم إن خالفوا ، والله رؤف بالعباد إن أطاعوا والتزموا الأوامر واجتنبوا النواهي.

والخلاصة : حرّم الله إفشاء الأسرار للأعداء التي تضر الجماعة الإسلامية ، ولا مانع من معاملة غير المسلمين معاملة حسنة إذا لم يتآمروا علينا أو يضرونا بضرر ، وأما الأعداء الذين أخرجوا المسلمين من بلادهم كفلسطين وغيرها ، فلا تحل موالاتهم ، بل تجب معاداتهم حتى نحرر الأراضي المحتلة.

__________________

(١) مشاهدا في الصحف.

(٢) يخوفكم الله ذاته.

١٨٧

الطاعة والولاء أساس المحبة

يزعم بعض الناس أنهم يحبون الله ورسوله ، ولكنهم لا يتبّعون شيئا من أوامر الله ورسوله ، ولا يلتزمون جادة الطاعة ، وتراهم في واد وأحكام الشرع في واد آخر ، ومثل هذا الموقف لون من ألوان التناقض الذي لا يقره شرع ولا عقل ، ونوع من أنواع الازدواجية الممقوتة التي يلبس فيها الإنسان لباسين ويتحلى بحلتين.

فمن أهم ركائز المحبة إظهار الطاعة ، والانقياد للأوامر الإلهية ، لذا قال الإمام الشافعي :

تعصي الإله وأنت تظهر حبه

هذا لعمري في القياس بديع

لو كنت تظهر حبه لأطعته

إن المحب لمن يحب مطيع

وتكررت أوامر القرآن الكريم بالطاعة ، فقال الله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠)) [الأنفال : ٨ / ٢٠]. ووبّخ أولئك الذين يدّعون محبة الله ورسوله ، ويعصون أوامرهما ، فقال سبحانه : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢)) [آل عمران : ٣ / ٣١ ـ ٣٢].

ذكر العلماء عدة أسباب متشابهة لنزول هذه الآية ، ولا مانع من تكرار الأسباب ، واتحاد الجواب ، قال الحسن البصري وابن جريح ، زعم أقوام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنهم يحبون الله ، فقالوا : يا محمد ، إنا نحب ربنا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال ابن عباس : وقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قريش ، وهم في المسجد الحرام ، وقد نصبوا أصنامهم ، وعلّقوا عليها بيض النّعام ، وجعلوا في آذانها الشنوف (١) ، وهم يسجدون

__________________

(١) أي حلي الآذان.

١٨٨

لها ، فقال : يا معشر قريش ، لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل ، ولقد كانا على الإسلام ، فقالت قريش : يا محمد ، إنما نعبد هذه حبا لله ، ليقربونا إلى الله زلفى. فأنزل الله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ) وتعبدون الأصنام لتقربكم إليه ، (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم ، وأنا أولى بالتعظيم من أصنامكم.

وقال ابن عباس أيضا : إن اليهود لما قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، أنزل الله تعالى هذه الآية ، فلما نزلت عرضها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على اليهود ، فأبوا أن يقبلوها.

ومضمون الآيتين : قل لهم يا محمد : إن كنتم تحبون الله حقيقة ، فاتبعوني فإن ما جئت به هو من عند الله ، والمحب المخلص الصادق حريص على إرضاء المحبوب ، وامتثال أمره واجتناب نهيه ، فإن اتبعتموني يحببكم الله ويوفقكم للخير ، ويغفر لكم ذنوبكم ، والله غفور رحيم.

قل لهم يا محمد : أطيعوا الله باتباع كلامه ، واتبعوا الرسول باتباع منهجه وسنته ، والاهتداء بهديه واقتفاء أثره ، فإن تولوا وأعرضوا ولم يجيبوا دعوتك غرورا منهم بدعوى أنهم محبون لله وأنهم أبناؤه ، فاعلم أن الله لا يحب الكافرين الذين لا يتأملون في آيات الله ، ولا يهتدون إلى الدين الحق والشرع الحنيف ، ومعنى قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) أنه يعذبهم ويعاقبهم على كفرهم بالله وبرسوله ، وهذا وعيد وتهديد يستحق التأمل والتعقل.

اصطفاء الأنبياء

يختار الله عزوجل أنبياءه ورسله ، لما يجده فيهم من مقومات عظيمة ومؤهلات عالية ، ولما يراه مناسبا لقومهم ، ويلائم عصرهم وزمانهم. وهذا منهج يتبعه القادة والحكام ، فإنهم يبعثون الرسل والسفراء إلى أمراء العالم وحكامهم ، ويختارونهم

١٨٩

اختيارا موفقا يؤدون فيه مهامهم أداء حسنا. غير أنه مع الأسف الشديد يرفض بعض الجهلاء هذا المبدأ العقلي السليم ، فهؤلاء المشركون وأهل الكتاب كانوا ينكرون على النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبوته ؛ لأنه بشر مثلهم ، وليس من بني إسرائيل ، فيرد الله عليهم : إن الله اصطفى آدم أبا البشر ونوحا الأب الثاني ، واصطفى من ذريتهما آل إبراهيم ، ومن آل إبراهيم آل عمران.

والمشركون الوثنيون يعترفون باصطفاء آدم ونوح وآل إبراهيم ، لأنهم من سلالته ، وبنو إسرائيل يعترفون بهذا وباصطفاء آل عمران ، لأنهم من سلالة (إسرائيل) يعقوب حفيد إبراهيم.

وإذا كان الله اصطفى هؤلاء على غيرهم من غير مزية سبقت ، فما المانع من اصطفاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك على العالمين ، كما اصطفى آل عمران على غيرهم. واصطفى : أي اختار صفو الناس.

لقد أوضح القرآن الكريم سنة الله تعالى في اختيار الرسل ، فقال : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤)) (١) [آل عمران : ٣ / ٣٣ ـ ٣٤].

والمعنى : إن الله اختار آدم أبا البشر ، فجعله نبيا إلى بنيه ، واختار الله نوحا وجعله أول رسول بعث إلى الناس لما عبدوا الأوثان ، وانتقم الله بإغراقهم ، ونجاته هو ومن اتبعه. واختار الله للنبوة والرسالة آل إبراهيم الخليل ، ومنهم سيد البشر وخاتم النبيين محمد. واصطفى الله من ذرية إبراهيم آل عمران ، وعمران هذا : هو أب مريم وجدّ عيسى عليه‌السلام.

__________________

(١) اختار.

١٩٠

اختار الله هؤلاء وجعلهم صفوة الخلق وخيارهم ، وجعل فيهم النبوة والرسالة. ثم ذكر الله تعالى قصة مريم ، فكما أنها ولدت من أم عاقر ، على خلاف المألوف أو المعهود ، وقبلت في خدمة البيت أو هيكل العبادة ، بالرغم من أنها أنثى ، فلم يستغرب المشركون واليهود أن يرسل الله نبيا عربيا ليس من ذرية إسرائيل (يعقوب). وأم مريم بنت عمران : هي حنة بنت قاذوذ ، وقصتها في القرآن هي :

(إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧)) (١) (٢) (٣) (٤) [آل عمران : ٣ / ٣٥ ـ ٣٧].

قصة زكريا ويحيى عليهما‌السلام واصطفاء مريم

تعجب زكريا عليه‌السلام من حال مريم البتول القانتة المتفرغة للعبادة ، وما يجده عندها من رزق وفير ، فدعا ربه أن يرزقه ولدا صالحا من ولد يعقوب عليه‌السلام ، فبشرته الملائكة وهو يصلي في المحراب بيحيى عليه‌السلام ، وهذا ما قصّته علينا الآيات التالية :

__________________

(١) أي معتقا خالصا للعبادة وخدمة المسجد.

(٢) أي العابدة خادمة الرب.

(٣) أي أحصّنها وألجأ إليك لحمايتها وصونها.

(٤) المحراب : المبنى الحسن كالغرف الخاصة والعلالي ونحو ذلك ، ومحراب القصر : أشرف ما فيه ، وموقف الإمام أشرف ما في المصلى.

١٩١

(هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٤١) وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (٤٢) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) [آل عمران : ٣ / ٣٨ ـ ٤٤].

دعا زكريا عليه‌السلام أن يرزقه الله ولدا صالحا ، مثل مريم ، من ولد يعقوب عليه‌السلام ، قائلا : يا رب أعطني من عندك أولادا طيبين ، لأنهم فرحة العين ، ومجلى القلب ، إنك سميع قول كل قائل ، مجيب دعوة كل دعاء صالح.

فخاطبته الملائكة شفاها ، والمخاطب : هو جبريل عليه‌السلام ، وذلك أثناء قيامه للصلاة ، يدعو الله ، ويصلي في المحراب ، وقالت له : إن الله يبشرك بغلام اسمه يحيى ، مصدقا بعيسى الذي ولد ونشأ بكلمة الله : (كن) لا بالطريقة المعتادة من الولادة من أب وأم. ويكون سيد قومه ، وزاهدا مانع نفسه من الشهوات ، ونبيا يوحى إليه.

وبشارة أخرى أن يحيى عليه‌السلام سيد قومه ، والمحصّن والمعصوم من الذنوب ،

__________________

(١) لا يأتي النّساء مع القدرة تعففا وزهدا.

(٢) كيف يكون؟

(٣) عقيم لا تلد لبلوغها ٧٨ سنة.

(٤) تعجز عن مكالمتهم بغير آفة إلا إيماء وإشارة.

(٥) صلّ من الزوال إلى الغروب.

(٦) يطرحون سهامهم للاقتراع بها.

١٩٢

والمانع نفسه من شهواتها ، وهو نبي صالح يوحى إليه ، وهذه بشارة أخرى بنبوة يحيى ، بعد البشارة بولادته.

تعجب زكريا عليه‌السلام من هاتين البشارتين ، فقال : كيف يكون لي غلام ، وقد أصبحت كبير السن ، وامرأتي عقيم لا تلد ، فأجابته الملائكة : كذلك الله يفعل ما يشاء ، أي مثل ذلك الخلق غير المعتاد الحاصل مع امرأة عمران ، يفعل الله ما يشاء في الكون. فطلب زكريا من ربه أن يجعل له علامة تدل على الحمل ووجود الولد منه ، استعجالا للسرور ، أو ليشكر تلك النعمة ، فجعل الله علامة ذلك ألا يقدر على كلام الناس مدة ثلاثة أيام متوالية ، إلا بالإشارة والرمز بيد أو رأس أو نحوهما. وأمره الله أن يذكر ربه ويكبره ذكرا كثيرا ، ويسبّحه أو ينزهه عما لا يليق به طوال الوقت ، ولا سيما عند الصباح والمساء.

واذكر أيها النبي حين قالت الملائكة لمريم : يا مريم ، إن الله لكثرة عبادتك وزهدك اختارك رمزا لسمو الأخلاق والصفات ، وطهرك من الأكدار والعيوب ، والوساوس والدناءات ، وطهرك من عادات النساء كالحيض والنفاس والولادة من غير جماع ، وفضلك على نساء العالمين في زمانك.

يا مريم ، الزمي الطاعة والخضوع والخشوع لله ، واسجدي له مع التعظيم ، وصلّي جماعة مع المصلين.

تلك القصص التي أخبرناك عنها أيها النبي ، من أخبار زكريا ويحيى ومريم : هي من أخبار الغيب التي لم تطلع عليها أنت ولا أحد من قومك ، وإنما هي بالوحي الذي أوحينا به على يد جبريل الأمين ، ولم تكن حاضرا معهم حينما جاءت امرأة عمران ، وألقت مريم في بيت المقدس ، وتنافس الأحبار في رعايتها وخدمتها.

١٩٣

ولم تكن حاضرا حين تنازعوا في كفالتها ، وأخذوا يقترعون في شأن الكفالة ، لأنك أمي ، فلم يبق لك طريق للعلم إلا الوحي من الله تعالى.

قصة عيسى عليه‌السلام

ـ ولادته وبعثته ومعجزاته ـ

قصص القرآن العجيبة مدعاة للإيمان والاعتبار والاتعاظ ، وهي غالبا قصص للأنبياء والمرسلين تتضمن المعجزات والدلائل الدالة على صدق الوحي والرسالة والنبوة ، وتظل ناطقة بقدرة الله تعالى على الاستثناءات كما هي في الأحوال المعتادة ، حيث يخلق الله تعالى المعجزة على يد نبي أو رسول ، لتدل على صدقه في دعواه الرسالة أو النبوة ، ومن هذه القصص ما مرّ سابقا من قصص زكريا ويحيى ومريم ، وما يذكر هنا من قصة ولادة عيسى من غير أب ، ومعجزاته ، وتعليم الله له الكتاب (الكتابة) والحكمة (العلم النافع) والتوراة والإنجيل ، كما في الآيات التالية :

(إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ (١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) (٧) (٨) (٩)

__________________

(١) المراد بها عيسى ، سمي بالكلمة لأنه وجد بكلمة (كن فيكون) من غير وسائط.

(٢) ذا جاه وشرف.

(٣) في السرير وقت الرضاع.

(٤) عهد اكتمال القوة.

(٥) أراد شيئا أو حتّمه.

(٦) الصواب في القول والعمل.

(٧) أصور وأقدر.

(٨) الذي ولد أعمى.

(٩) الذي به برص أي بياض في الجلد منفر.

١٩٤

الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١)) (١) [آل عمران : ٣ / ٤٥ ـ ٥١].

اذكر أيها النبي حين قالت الملائكة : يا مريم ، إن الله يبشرك بمولود منك من غير أب هو الكلمة ، أي وجد بكلمة (كُنْ فَيَكُونُ) من الله ، من غير واسطة بشر ، اسمه المسيح عيسى ابن مريم ، فهو منسوب إليك ، ولقب بالمسيح ، لمسحه بالبركة أو بالدهن الذي يمسح به الأنبياء ، وهو ذو جاه في الدنيا بالنبوة ، وفي الآخرة بالشفاعة وعلو الدرجة ، ومن المقربين إلى الله يوم القيامة.

ويكلم الناس وهو طفل صغير في المهد : مضجع الطفل حين الرضاع ، وفي الكهولة : ما بعد الثلاثين أو الأربعين إلى الشيخوخة ، أي يكلم الناس في الحالين بالوحي والرسالة ، وهو من العباد الصالحين.

قالت مريم مستبعدة الأمر بحكم العادة : كيف يكون لي ولد ، ولم يقربني رجل؟ فأجابها الوحي بالإلهام : مثل ذلك يخلق الله ما يشاء من العدم بمقتضى قدرته وحكمته ، وإذا أراد أمرا أو شيئا ممكنا ، أوجده بكلمة (كُنْ) فيكون كما أراد.

ويعلّم الله عيسى الكتابة والخط ، والعلم النافع وفهم أسرار الأشياء ، والتوراة التي أنزلها على موسى ، والإنجيل : الكتاب الذي أوحي إليه من بعد ذلك.

ويرسله الله رسولا إلى بني إسرائيل : أني أنبئكم بعلامة دالة على صدق نبوتي ورسالتي ، وهي أنني أصورّ لكم من الطين شيئا كهيئة الطير ، فأنفخ فيه ، فيصير حيا

__________________

(١) ما تتركونه مخبأ للأكل في المستقبل.

١٩٥

كهيئة سائر الطيور ، بإرادة الله ، فالخلق الحقيقي من الله ، وأبرئ الأكمه : الذي ولد أعمى ، والأبرص الذي به البرص : وهو بياض يظهر في الجلد منفّر ، وخصّ هذان المرضان ، لاستحالة الشفاء منهما في العادة الغالبة ، وأحيي الموتى ، وكل ذلك بإرادة الله تعالى ، وأخبركم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم من الحبوب وغيرها ، مما لا يطلع عليه الناس عادة ، إن في جميع ما ذكر دليلا قاطعا ، وحجة ظاهرة على صدق رسالتي ، إن كنتم مصدقين بالرسالات الإلهية.

وجئتكم مصدقا لما سبقني من التوراة ، عاملا بها ، مخففا بعض أحكامها ، أحل من الطيبات بعض ما حرم عليكم في التوراة ، كلحوم كل ذي ظفر كالأوز والإبل ، وشحوم الأنعام ، وجئتكم بحجة شاهدة على صدقي من الله ، فخافوا عذابه ، وأطيعوني فيما دعوتكم إليه ، وتابعوني في ديني ودعوتي لتوحيد الله. إن الله ربي وربكم ، لا إله غيره ولا رب سواه ، وأنا عبده ، فاعبدوه وحده لا شريك له ، هذا هو الطريق القويم الواضح الذي لا اعوجاج فيه.

عيسى عليه‌السلام مع قومه

دعا عيسى عليه‌السلام قومه الإسرائيليين إلى عبادة الله وحده ، فآمن به بعضهم ، وأعرض آخرون ، وتلقى منهم الأذى والتهديد بالقتل ، فأنجاه الله ، وجوزي المؤمنون بمرضاة الله ، وأنذر الله الكافرين بعذاب شديد ، ورد على من زعم ألوهية عيسى ، فليس مثله إلا مثل آدم ، وجد بكلمة الله التكوينية ، ودعي الخصوم إلى المباهلة (الدعاء باللعنة على الكاذبين) وذلك في الآيات التالية :

(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ (١)

__________________

(١) أنصار عيسى وخلصاؤه.

١٩٦

أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤) إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣))(١) (٢) (٣) (٤) (٥) (٦) [آل عمران : ٣ / ٥٢ ـ ٦٣].

أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن البصري قال : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم راهبا نجران ، فقال أحدهما : من أبو عيسى؟ وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يعجل حتى يؤامر ربه ، فنزل عليه : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨)) إلى قوله : (مِنَ الْمُمْتَرِينَ)

وقال المفسرون : إن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : مالك تشتم صاحبنا؟ قال : وما أقول؟ قالوا : تقول : إنه عبد ، قال : أجل ، إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول ، فغضبوا وقالوا : هل رأيت إنسانا قط من غير أب؟ فإن

__________________

(١) دبر تدبيرا محكما.

(٢) آخذك وافيا تاما بروحك وبدنك.

(٣) حاله وصفته العجيبة.

(٤) الشاكين.

(٥) أقبلوا عازمين.

(٦) ندع باللعنة.

١٩٧

كنت صادقا فأرنا مثله ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ)

لما شعر عيسى من قومه بني إسرائيل بالتصميم على الكفر ، قال : من ينصرني ويعينني في الدعوة إلى الله ، وتبليغ الرسالة إلى الناس؟ قال الحواريون (أنصاره وتلاميذه) الاثنا عشر رجلا : نحن أنصار دين الله ورسله ، آمنا بالله وحده ، واشهد يا عيسى بأننا مخلصون في إيماننا ، منقادون لرسالتك ، مطيعون لأوامرك.

ربنا إننا صدقنا بما أنزلت من الوحي على نبيك ، وامتثلنا أوامر رسولك ، فاجعلنا من الشاهدين يوم القيامة لك بالوحدانية ، ولرسولك بالصدق.

ـ ومكر كفار بني إسرائيل ، أي دبروا تدبيرا خفيا لقتل عيسى ، وأبطل الله مكرهم ودبر تدبيرا محكما بإلقاء شبه عيسى على أحد الحواريين ، ورفع عيسى إلى السماء ، حيا بجسده وروحه ، والله خير وأنفذ وأقوى المدبرين.

ـ واذكر أيها النبي حين قال الله تعالى : يا عيسى ، إني مستوف أجلك في الدنيا ، وقابضك ، والتوفي : الإماتة العادية ، ورافعك إلي بروحك وبدنك ، بجعلك في منزلة رفيعة كإدريس والصالحين ، ومخلّصك من خبث الكافرين ومكرهم ، ومبعدك من سوء عملهم ، وجاعل أتباعك الذين آمنوا برسالتك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ، وهي فوقية قدر ، وعلو فضائل ، وقوة حجة ، ومن هؤلاء : المسلمون الذين آمنوا بعيسى رسولا وبما يستحقه من دون غلو ، ثم يكون إلي رجوعكم جميعا ، فأحكم بين المؤمنين الأتباع وبين الكفار به ، فيما تختلفون فيه من شأن المسيح وصلبه وأمور الدين كلها.

ـ فأما الكفار فلهم عذاب شديد في الدنيا بأنواع العقاب ، وفي الآخرة بنار جهنم ، وليس لهم أنصار ينصرونهم ويمنعون عنهم العذاب.

١٩٨

وأما المؤمنون الذين يعملون صالح الأعمال التي أمر الله بها ، فيعطيهم الله ثواب أعمالهم كاملا وافرا ، والله يعاقب الظالمين أنفسهم ، الذين كفروا بالله ورسله ، وعصوا أوامر ربهم.

ـ ذلك المذكور من أخبار عيسى ومريم ، نقصه عليك أيها النبي ، من جملة الآيات والعلامات الدالة على صدق نبوتك ، ومن القرآن المحكم الذي لا خلل فيه.

ـ إن شأن عيسى الغريب كشأن آدم الذي خلقه الله من التراب ، ثم أوجده بقوله : كن بشرا ، فكان ، بل أمر آدم أغرب ، فإنه لا أب له ولا أم ، لخلقه من التراب.

ـ هذا الذي أوحي إليك أيها النبي ، هو الحق الثابت من ربك ، فلا تكن من الشاكين فيه ، والنهي للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزيادة التثبيت والتأكيد ، ومثله كل سامع متأمل.

ـ فمن جادلك في شأن عيسى بغير حق ، من بعد ما جاءك من الوحي والخبر بحقيقة الأمر ، فقل لهم : هلموا لنجتمع جميعا مع الأولاد والنساء ، ثم ندعوا الله خاشعين ، ونقول : اللهم العن الكاذب في شأن عيسى.

ـ إن هذا الذي ذكرت من أمر عيسى ، لهو القصة الواقعية لولادة عيسى عليه‌السلام ، ونشأته ومنهجه في دعوته ، ولا يوجد إله يعبد بحق غير الله تعالى وحده ، خالق كل شيء ، وإن الله لهو القوي الغالب في هذا الكون ، الحكيم في صنعه وتدبيره.

ـ فإن أعرضوا عن هذا الحق المبين واتباع عقيدة التوحيد التي دعا إليها جميع الأنبياء ، فهذا الإعراض هو الفساد بعينه ، لأنه شرك وكفر ، والله عليم بالمفسدين ، وسيعاقبهم على إفسادهم.

١٩٩

دعوة الأمم إلى توحيد الله من عهد إبراهيم

أراد الله سبحانه وتعالى أن يجمع الأمم على ملة واحدة وهي ملة التوحيد لله عزوجل ، فلا يكون هناك تعدد بين الآلهة ، ولا شرك ولا وثنية ، ولا أبوة ولا بنوة لله تعالى ، وهذا أمر سهل يسير ، وله أهداف سامية عالية ، من أهمها منع التنازع والخصام بين الناس ، وإشاعة المودة والمحبة بين الأفراد ، لذا أمر الله نبيه أن يدعو الناس إلى العدل والوسط والكلمة السواء : وهي ألا نعبد جميعا إلا الله ، وألا نشرك به شيئا ، وألا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من غير الله ، فكل دين سماوي لا يختلف عن الآخر في إثبات الوحدانية والربوبية لله تعالى. وإذا كان الأمر على هذا المنهج المعتدل الوسط ، فهيّا بنا جميعا إلى إعلانه واتباعه وإذابة الفوارق وتوحيد العقيدة ، وإن اعترضنا شيء من سوء التفاهم والخلاف ، وجب أن نرده إلى أصل التوحيد وكلمته ، فلا نقول : إن أحد البشر هو ابن الله ، فإن تولى المشركون وأهل الكتاب عن هذه الدعوة الصريحة وأعرضوا عن قبولها ، فقولوا أيها المؤمنون : اشهدوا بأنا مسلمون حقا منقادون لله ، نعبده وحده مخلصين له الدين ، وأما أنتم فلستم هكذا.

قال الله تعالى مقررا هذا المنهج المعتدل : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)) (١) [آل عمران : ٣ / ٦٤].

التزم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالكلمة السواء هذه ، وكتب بها إلى هرقل عظيم الروم وإلى غيره من أمراء وملوك العالم ، ودعا بها أهل الكتاب في الجزيرة العربية ، وكذلك ينبغي أن يدعى بها أهل الكتاب إلى يوم القيامة.

ثم أوضح القرآن حقيقة ملة إبراهيم عليه‌السلام ، وهي ملة التوحيد ، ورد على

__________________

(١) كلمة عدل ووسط.

٢٠٠