التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0523-3
الصفحات: ٦٧١

الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢)) [البقرة : ٢ / ٢٤٨ ـ ٢٥٢].

وقال لهم نبيهم صموئيل : إن علامة ملك طالوت أن يأتيكم صندوق التوراة الذي أخذه منكم أعداؤكم في فلسطين ، فيه طمأنينة لقلوبكم وسكون للنفس ، فيما اختلفتم فيه من أمر طالوت ، وفيه بقية : قطع من ألواح التوراة ، ومخلّفات أو آثار آل موسى وآل هارون ، كعصا موسى ، تحمله الملائكة حتى تضعه في بيت طالوت ، إن في ذلك علامة على ملكه ، إن كنتم مؤمنين بالله حقا ، فاسمعوا لطالوت وأطيعوه. قال ابن عباس : كانت العماليق قد سبوا التابوت من بني إسرائيل ، فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض ، وهم ينظرون إليه ، حتى وضعوه عند طالوت ، فلما رأوا ذلك قالوا : نعم ، فسلّموا له وملّكوه ، وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالا ، قدموا التابوت بين أيديهم.

فلما خرج طالوت عن بلده بيت المقدس ، مع جنوده ، لقتال العمالقة ، قال لهم طالوت : إن الله مختبركم بنهر : هو نهر الأردن ، فمن شرب منه ، فليس من جنودي أو أصحابي ، ومن لم يذقه أو لم يشرب منه ، فإنه من أتباعي وجنودي ، إلا من أخذ منه بمقدار ملء الكف ، بالاغتراف غرفة واحدة ، فشربوا منه ، وعصوا أمر الملك ، إلا عددا قليلا منهم ، بعدد أصحاب بدر (٣١٤). فلما اجتاز طالوت النهر وجماعته المؤمنون القلة الطائعون ، قال ضعفاء الإيمان منهم : لا قدرة لنا على قتال جالوت : أكبر طاغية وثني ، كان قد احتل مع أتباعه فلسطين ، ولا قوة لنا على قتال جنوده لكثرتهم وقلة عددنا ، قال الذين يتيقنون أنهم ملاقو ربهم في الآخرة : قد تغلب الجماعة القليلة الجماعة الكثيرة ، بإرادة الله ونصره وتأييده ، والله مع الصابرين بالعون ، وإن النصر مع الصبر ، وليس بكثرة العدد.

١٤١

ولما ظهروا لقتال جالوت (أمير العمالقة) وجنوده ، قالوا : ربنا صبّرنا كثيرا ، وثبتنا وقوّنا على الجهاد وعدم الفرار ، وانصرنا على أعدائنا الكفار : جالوت وجنوده ، ومدّنا بالعون حتى نتغلب عليهم.

فاستجاب الله دعاءهم ، وهزموا العمالقة بأمر الله وإرادته ، وقتل داود بن إيشا ـ أحد جنود عسكر طالوت ـ جالوت الجبار الكافر ، وأعطى الله داود النبوة وهي الحكمة ، وجعله ملكا على بني إسرائيل أثناء حياة طالوت ، بعد أن كان راعيا ، وعلّمه ربه من علومه ، كصناعة الدروع ، ومعرفة منطق الطير. ولو لا مدافعة بعض الناس ببعضهم ، ومقاومة الأشرار ، لتغلب المفسدون ، وقتلوا المؤمنين ، وأهلكوا الحرث والنسل والناس الآمنين ، ولكن الله صاحب الفضل على العالمين ، يتولى رعايتهم وحفظهم.

هذه آيات الله في هذه القصة ، نقصّها عليك أيها النبي بالحق : وهو الخبر الصحيح من غير زيادة ولا نقصان ولا تحريف ، وإنك يا محمد النبي : من جملة رسل الله ، يأتيك وحي الله تعالى ، وتخبر به الناس ، وهذا تقوية لقلبه وإيناس وتثبيت لشأنه.

درجات الأنبياء وموقف الناس من رسالاتهم

ليس كل الناس على درجة أو مرتبة واحدة ، وإنما يتفاوتون في درجاتهم ومراتبهم عند الله وعند الناس بمقدار قيامهم بالواجب ، وتفانيهم في أداء الحق ، والتزامهم أوامر الله ، وتباينهم في العمل الصالح.

وشاءت حكمة الله أن يتفاوت الأنبياء والرسل أيضا في الدرجات بمقدار تضحياتهم وتفاوت آثارهم أو تأثيراتهم في الحياة الإنسانية ، فكان ذلك سببا في تفضيل بعض الأنبياء على بعض ، بتخصيصه بمفخرة ليست لغيره ، وأفضل الرسل :

١٤٢

هم أولو العزم ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : خير ولد آدم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، وهم أولو العزم. وقد سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن آدم : أنبي مرسل هو؟ فقال : «نعم نبي مكلّم» ولكن كان تكليم آدم في الجنة ، لا في الدنيا.

رفع الله بعض الأنبياء على من عداه درجات في الفضل والشرف ، وكلم موسى عليه‌السلام ربه في الدنيا ، فهو كليم الله ، وآتى الله عيسى ابن مريم الآيات الواضحات ، كتكليمه في المهد وهو طفل ، وإحياء الموتى وإبراء الأكمه (الذي ولد أعمى) والأبرص بإذن الله ، وأيده الله بروح القدس جبريل عليه‌السلام مع روحه الطاهرة ونفسه الصافية ، وتلك هي منزلته دون تفريط ولا إفراط ، فاليهود حطت من شأنه واتهمته واتهمت أمه ، وغير اليهود رفعوه إلى درجة الألوهية ، وواقعه أنه مخلوق بإذن الله وبنفخ الروح فيه من عند الله من غير أب ، ومرّ بأدوار الحمل والطفولة كغيره من الناس ، وعاش يأكل ويشرب ، ويدعوا إلى وحدانية الله ، واتباع أوامر الله ، والاستعداد لجنان الخلد ، والبعد عن المعاصي والمنكرات ، كغيره من البشر الأنبياء ، فهو رسول كريم على الله ، لا يرقى إلى درجة الألوهية.

قال الله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (٢٥٣)) (١) (٢) [البقرة : ٢ / ٢٥٣].

وقوله تعالى : (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) إشارة إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهو أفضل الأنبياء والرسل ، لأنه بعث إلى الناس كافة ، وأرسل رحمة للعالمين ، وكان خاتم الأنبياء

__________________

(١) وهو موسى عليه‌السلام.

(٢) جبريل عليه‌السلام.

١٤٣

والمرسلين ، وهو أعظم الناس أمة ، ومعجزته القرآن ، وتميز بالخلق العظيم الذي أعطاه الله ، وأعطي خمس خصال لم يعطها أحد قبله ، وهذه الخصال كما

قال : «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد من قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ، ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة».

أما موقف الناس من اتّباع الأنبياء فهو موقوف متناقض ، فإنهم اختلفوا فمنهم من آمن بهم ومنهم من كفر ، واقتتلوا من بعد ما جاءتهم البينات والرسل والمعجزات ، ولو شاء الله ما اقتتلوا ، ولكنهم تركوا أحرارا ليتميز الصالح من الفاسد ، ويجعل قبول الدين منبعثا من التفكير والنظر ، والله يفعل ما يريد من الحكمة الإلهية السديدة.

الترغيب في الإنفاق

إن بناء الأمجاد في الأمة ، وطريق الحفاظ على استقلالها وعزتها وكرامتها يحتاج إلى تعاون أفرادها وتضامن أبنائها ، فلا يتحقق تقدم ولا تسمو أمة من دون التضحية بالمال والنفس.

والآخرة ميزان الأعمال الصالحة ، وفيها رصيد خالد دائم لكل من يعمل خيرا أو يؤدي واجبا.

ولكن الناس في التعاون وفعل الخير متفاوتون ، فمنهم من يقدم على الخير لذاته حبا فيه ، ومنهم من يفعل الخير خوفا من العقاب وطلبا للثواب ، وهؤلاء هم المحتاجون للتذكير والخطاب الإلهي الآمر بالإنفاق في سبيل المصلحة العامة وقوة الجماعة وتحقيق التكافل الاجتماعي.

١٤٤

قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)) (١) [البقرة : ٢ / ٢٥٤]. هذه الآية ـ كما قال ابن جريج ـ شاملة الزكاة المفروضة والتطوع ، وهذا صحيح ، فالزكاة واجبة ، والتطوع في وجوه الخير مندوب إليه. وظاهر الآية يراد بها جميع وجوه البّر : من سبيل خير ، وصلة رحم ، وبناء مسجد أو مشفى أو مدرسة ، وإحسان إلى فقير ، وتسليح جيش وإغاثة ملهوف ، وإعانة منكوب ، وإعطاء مفلس أو ابن سبيل منقطع عن السفر إلى بلاده ، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود في مراسليه : «حصّنوا أموالكم بالزكاة ، وداووا مرضاكم بالصدقة».

ندب الله تعالى بهذه الآية إلى إنفاق شيء مما أنعم به ، وحذر تعالى من البخل أو الإمساك إلى أن يجيء يوم لا يمكن فيه بيع ولا شراء ولا استدراك نفقة في ذات الله ومن أجل رضوان الله ، ذلك اليوم الذي لا يجد فيه الإنسان ما ينجيه أو يؤازره غير عمله الصالح ، وعقيدته الصحيحة ، لا تنفع فيه الصداقة والمحبة أو الخلّة ، ولا تفيد فيه شفاعة الشفعاء والوسطاء ، فهذا يوم الجزاء والثواب والعقاب ، يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. يوم يظهر فيه فقر العباد إلى الله الواحد القهار ، والكافرون بنعم الله الجاحدون حقوق المال المشروعة هم الظالمون لأنفسهم فقط ، والظالمون : واضعو الشيء في غير موضعه ، قال عطاء بن دينار : الحمد لله الذي قال : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ولم يقل : الظالمون هم الكافرون ، أي لأن معنى الآية أن كل كافر ظالم ، وليس كل ظالم كافرا ، ولو قال : والظالمون هم الكافرون ، لكان قد حكم على كل ظالم (وهو من يضع الشيء في غير موضعه) بالكفر.

إن الشفاعة المعدومة يوم القيامة هي الشفاعة الصادرة من الناس بغير إذن الله

__________________

(١) مودة وصداقة.

١٤٥

تعالى مثل شفاعة الدنيا ، ولكن توجد شفاعة بإذن الله تعالى ، وحقيقتها رحمة من الله سبحانه ، شرّف بها الذي أذن له الله في أن يشفع.

والخلاصة : إن الله تعالى ندب أغنياء الأمة لمؤازرة المصالح العامة ، ومعاونة المحتاجين ، والاسهام في تخليص الأمة من الفقر والجهل والمرض ، وذلك لا يكون إلا بالإنفاق المشروع المعقول الذي يحقق المنفعة العامة ، وليس بالتبذير بإنفاق المال على موائد اللهو والقمار والشهوات الذاتية.

آية الكرسي

قال الله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [البقرة : ٢ / ٢٥٥].

هذه هي آية الكرسي التي يعنى الناس بها عادة ، فيحفظونها ، ويقرءونها صباحا ومساء ، ويعالجون بها المرضى بالرقية ، لما فيها من أسرار عظيمة ، ومعان بليغة ، وعقائد شاملة ، وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة ، منها حديث صحيح الإسناد رواه أبو عبد الله الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «سورة البقرة فيها آية ، سيدة آي القرآن ، لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه : آية الكرسي».

آية الكرسي إذن هي سيدة آي القرآن ، وورد أنها تعدل ثلث القرآن ، وروى

__________________

(١) الدائم الحياة.

(٢) الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه.

(٣) نعاس.

(٤) الكرسي نؤمن به كما ورد وهو غير العرش ، والعرش أكبر منه ، وقيل : إنه علم الله.

(٥) لا يثقله ولا يشق عليه.

١٤٦

النسائي وأبو يعلى وابن حبان عن أبّي بن كعب أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال عنها : «من قرأها أول ليله لم يقربه شيطان».

ومشتملاتها أن الله لا إله يعبد بحق في الوجود إلا هو ، وما عداه من الآلهة المزعومة تعبد بغير حق ، فالله متفرد بالألوهية ، موصوف بالحياة الأبدية ، واجب الوجود ، الحي الذي لا يموت ، القائم بذاته على تدبير خلقه ، المخالف لهم في كل صفاتهم ، لا يشبهه شيء من خلقه ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا تغلبه ولا تستولي عليه سنة (نعاس) ولا نوم ، مالك الملك ، ذو العرش والجبروت ، له ما في السماوات والأرض ، ذو البطش الشديد ، فعّال لما يريد ، لا يملك أحد الكلام يوم القيامة إلا بإذنه ، ولا يشفع أحد إلا بأمره ، يعلم بالكليات والجزئيات ، ولا يطلع على علمه أحدا إلا من شاء ، ولا يحيط بعلمه أحد إلا بما شاء ، واسع الملك والقدرة ، الأرض جميعا في قبضته ، والسماوات مطويات بيمينه ، وسع كرسيه أي علمه السماوات والأرض ، فالكرسي : العلم كما قال ابن عباس ، والذي تقتضيه الأحاديث : أن الكرسي مخلوق عظيم بين يدي العرش ، والعرش أعظم منه ، روى ابن جرير الطبري عن ابن زيد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس».

والمهم أن قدرة الله عظيمة شاملة ، لا يشغله شأن عن شأن ، ولا يشق عليه أمر دون أمر ، القاهر لا يغلب ، العظيم الذي لا تحيط به الأفهام والعقول جلّ شأنه ، لا يعرف كنهه إلا هو سبحانه وتعالى.

هذه الآية منبئة عن عظم الله تعالى وعظم مخلوقاته ، وعظم قدرته ، فلا يؤوده ولا يثقله حفظ هذا الأمر العظيم ، قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : سمعت نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أعواد المنبر ، وهو يقول : «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة ، لم

١٤٧

يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ، ولا يواظب عليها إلا صدّيق أو عابد ، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه ، آمنه الله على نفسه وجاره ، وجار جاره ، والأبيات حوله».

الحرية الدينية في الإسلام

من المعلوم أن انتشار الإسلام كان بالإقناع والبرهان ، وبالحجة والبيان ، لا بالقهر والإكراه والإجبار ، فلم يثبت في تاريخ الإسلام أن أحدا من الناس أكره أحدا على دين الإسلام ، وإنما كان الناس يدخلون في دين الله أفواجا بحرية وقناعة ، وطواعية واختيار.

قال مسروق : كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان فتنصرا قبل أن يبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الطعام ، فأتاهما أبوهما فلزمهما ، وقال : والله لا أدعكما حتى تسلما ، فأبيا أن يسلما ، فاختصموا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أيدخل بعضي النار ، وأنا أنظر؟ فأنزل الله عزوجل : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [البقرة : ٢ / ٢٥٦].

أي إن الإكراه في الدين ممنوع ، ولا جبر ولا إلجاء ، على الدخول في الدين ، ولا يصح الإلجاء والقهر بعد أن بانت الأدلة والآيات الواضحة الدالة على صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يبلّغه عن ربه ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. فقول العوام وأمثالهم من المستشرقين : «إن الإسلام قام بالسيف» دعوى باطلة غير صحيحة ولا ثابتة. أما حروب المسلمين فكانت دفاعية حتى يكف المشركون عن فتنة المسلمين ، ويتركوا

__________________

(١) الهدى والإيمان.

(٢) الضلال والكفر.

(٣) أي الأصنام ، وكل ما عبد من دون الله راضيا بذلك فهو طاغوت مثل فرعون ونمرود ونحوهما.

(٤) بالعقيدة المحكمة.

(٥) لا انقطاع لها ولا زوال.

١٤٨

الناس أحرارا ، ولا مانع من وجود ما يسمى بالتعايش الديني السلمي بين الإسلام وأهله وغيره من أهل الأديان ، ومن يكفر بالأصنام وكل ما يعبد من دون الله ، ويؤمن بالله واجب الوجود ، الإله الواحد من غير شريك ، فقد بالغ بالتمسك بالعروة الوثقى المأمون انقطاعها ، والله سميع لأقوال الناس ، عليم بمعتقداتهم وأفعالهم.

ثم بيّن الله تعالى أنه يتولى أمور المؤمنين بالتوفيق والهداية لأقوم الطريق ، فقال سبحانه : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧)) [البقرة : ٢ / ٢٥٧]. أي إن الله تعالى يتولى شؤون عباده المؤمنين ، فهو يرشدهم إلى الصراط المستقيم ، ويخرجهم من ظلمات الشك والشبهة إلى نور العلم والمعرفة واليقين ، أما الذين كفروا بالله ورسوله ، فيتولى الطاغوت (أي الشيطان) أمورهم ، وينقلهم من نور الحق والإيمان إلى ظلمات الكفر والنفاق ، والشك والضلال ، وهؤلاء الكفار هم الذين بعدوا عن الهدى والصواب ، وتمادوا في الغي والضلال ، وهم أصحاب النار الملازمون لها ، الخالدون فيها.

هذه مقارنة عملية مثمرة بين فئتين من الناس ، فمن آمن بربه ورسله جميعا وبكل ما أنزل من كتاب وحكمة ، فالله وليه ، يخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، ومن كفر بعد وجود النبي المرسل والقرآن المنزّل ، فوليه شيطانه ، وهو الذي يغويه ، ويخرجه من دائرة الإيمان إلى ظلمة الكفر والضلال.

قصة النمرود وإبراهيم والعزير وحماره

ضرب الله تعالى مثلا واضحا للمؤمن الواعي اليقظ ، وللكافر الغبي المتسلط ، بإبراهيم عليه‌السلام ، ليبين أدلة الإيمان الفطرية ، وحجج الكفر المتهافتة الساقطة ،

١٤٩

ثم أعقب ذلك بقصة العزير وحماره لإثبات وجود الله وقدرته على إحياء الأنفس والبعث بعد الفناء ، وذلك في هذه الآيات الكريمة التالية :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [البقرة : ٢ / ٢٥٨ ـ ٢٦٠].

ألم تعلم قصة النمرود الملك المتجبر ملك بابل في العراق ، الذي عارض إبراهيم عليه‌السلام وجادله في ربوبية الله تعالى ، بسبب ملكه وسلطانه وما أعقبه من كبرياء وغرور ، فكفر بأنعم الله ، حين قال : يا إبراهيم من ربك؟ فقال : ربي هو الذي يحيي الناس ويميتهم ، قال نمرود : أنا أيضا أحيي وأميت ، قال ابن عباس : أتى برجلين ، فقتل أحدهما وعفا عن الآخر ، وادعى أنه أحيا وأمات ، وذلك مغالطة ، لأن إبراهيم أراد أن الله هو الذي يخلق الحياة والموت في الأشياء ، فقال له إبراهيم عليه

__________________

(١) غلب وتحير.

(٢) ساقطة على سقوفها.

(٣) كيف يحيي أو متى؟

(٤) لم يتغير مع مرور السنين عليه.

(٥) نرفعها من الأرض لنؤلفها مرة أخرى.

١٥٠

السلام : إن الله يطلع الشمس من المشرق ، فأطلعها من المغرب ، وتلك حجة لا تقبل المغالطة ، فتحير ودهش الكافر ، والله لا يوفق الكافرين إلى طريق الهداية ، لابتعادهم عنه.

وهل رأيت أيها النبي مثل العزير من بني إسرائيل ، حين مرّ على أهل قرية من أرض بيت المقدس ، بعد تخريب بختنصّر لها ، فصارت خاوية من السكان ، والبيوت قائمة ، أو أن المساكن ساقطة على سقوفها المدمرة ، فقال : كيف يحيى الله أهل هذه القرية ، أو كيف تعود فيها الحياة بالبناء والعمارة والسكان؟ فأماته الله بنفسه ، مائة سنة ، ثم بعثه حيا بعد موته ، فقال له : كم مكثت هنا ميتا؟ قال بحسب ظنه : مكثت يوما أو بعض يوم ، معتقدا أنه نام وأفاق ، قال له ربه : بل مكثت ميتا مائة سنة ، فانظر إلى ما كان معك من طعام وشراب لم يتغير مع طول المدة بقدرة الله ، وانظر إلى حمارك الذي مات كيف نحييه بعد تفرق أجزائه ، ولنجعلك مثالا على البعث بعد الموت ، ودليلا على قدرتنا ، وانظر إلى العظام ، كيف نرفع بعضها من الأرض ، ونضم أجزاءها ، ثم نردها إلى أماكنها ، ثم نسترها باللحم ، فلما اتضح له ذلك عيانا ، بعد تعجب ، قال : أعلم واطمئن أن الله قادر على كل شيء لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

واذكر أيها النبي حين قال إبراهيم الخليل عليه‌السلام : رب أرني رؤية عين ، لا رؤية قلب ، ليطمئن قلبي ، كيف تعيد الموتى أحياء ، فقال الله له : أولم تصدق بقدرتي على الإحياء حتى ترى؟ قال : بلى يا رب ، علمت وآمنت بقدرتك ، ولكن سألت ذلك ليزداد يقيني باجتماع المعاينة إلى الاستدلال على الإيمان ، قال : فخذ أربعة طيور ، وضمهن واجمعهن إليك ، ثم قطّعهن ، واجعل في كل جبل من كل واحد منهن جزءا ، ثم نادهنّ ، يجئن إليك مسرعات في الطيران ، واعلم يا إبراهيم أن الله قوي غالب لا يعجزه شيء ، حكيم في صنعه وتدبيره.

١٥١

الإنفاق في سبيل الله وآدابه

الكثير من الناس ينفقون أموالهم بسخاء وفير على مصالحهم الخاصة وأهوائهم الذاتية ومآربهم المادية ، والقليل من الناس من ينفق شيئا من ماله في سبيل الله والمصلحة العامة العليا للأمة ، لذا رغبّ القرآن الكريم بالإنفاق في سبيل الله ، وأبان أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، قال الله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١)) [البقرة : ٢ / ٢٦١]. هذا تصوير مادي محسوس لثواب الإنفاق في سبيل الله وزيادته وأجره ، يدل على أن الأجر يكون بمقدار سبع مائة ضعف ، والله يضاعف لمن يشاء أضعافا مضاعفة ، إذ هو الواسع الفضل ، الكريم العليم بكل شيء ، وهذه الآية في نفقة التطوع ، وسبل الله كثيرة ، وهي جميع ما هو طاعة وعائد بمنفعة على المسلمين والملّة ، وأشهرها وأعظمها غناء : الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا.

قال ابن عمر : لما نزلت هذه الآية قال النبي عليه الصلاة والسلام ـ فيما يرويه ابن حبان في صحيحة وغيره ـ ربّ زد أمتي ، فنزلت : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) فقال : رب زد أمتي ، فنزلت : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ).

ومن أهم آداب الإنفاق : الإنفاق سرا قاصدا به صاحبه وجه الله لا رياء ولا سمعة ولا شهرة ، ومن آداب الإنفاق الذي يستحق مضاعفة الثواب المذكور إنما هو لمن لم يتبع إنفاقه منّا ولا أذى ، فهذا هو الذي يريد وجه الله تعالى ويرجو ثوابه ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢)) (١) (٢) [البقرة : ٢ / ٢٦٢].

__________________

(١) تعداد الإحسان وإظهاره.

(٢) تطاولا وتفاخرا بالعطاء.

١٥٢

والمن : ذكر النعمة والإشادة بها على معنى التعديد لها والتقريع بها. والأذى : السب والتشكي ، وهو أعم من المنّ ، لأن المنّ جزء من الأذى.

وإذا لم يرد الإنسان الصدقة ، فليكن رده طيبا ، وقوله حسنا معروفا ، دون إساءة ، فالكلام الجميل تهدأ به نفس السائل ، وهو خير للسائل والمسؤول من صدقة يتبعها أذى وضرر ، إذ شرعت الصدقة لتقريب الناس من بعضهم بعضا ، وتخفيف حدة الحسد والحقد بين فئات الناس ، والأذى والمن يخرجها عن وضعها الصحيح ، قال الله تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣)) [البقرة : ٢ / ٢٦٣].

ثم خاطب الله المؤمنين بوصف الإيمان ، ليكون ذلك أدعى للقبول والامتثال ، فحرّم عليهم المن والأذى صراحة ، فقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤)) (١) (٢) (٣) (٤) [البقرة : ٢ / ٢٦٤].

قال العلماء : إن الصدقة التي يعلم الله من صاحبها أنه يمّن أو يؤذي ، فإنه لا يتقبّل صدقته. وذلك لأن من منّ أو آذى غيره كمن ينفق ماله للرياء والسمعة ، والذي يرائي كمثل حجر أصم عليه تراب ، وقد نزل عليه مطر شديد ، فذهب التراب ، وبقي الحجر أملس ، وهكذا الذي يمنّ أو يرائي يلبس ثوبا غير ثوبه ، ثم لا يلبث أن ينكشف أمره ، فيكون ما يلبس به كالتراب على الصفوان : (الحجر الأملس) الذي يذهب به الوابل (المطر الشديد) فلا يبقى من أثره شيء.

__________________

(١) مراءاة لهم وسمعة.

(٢) حجر كبير أملس.

(٣) مطر شديد.

(٤) أجرد نقيا من التراب.

١٥٣

حال المنفق في سبيل الله والمنفق في سبيل الشيطان

قال الله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢)) [البقرة : ٢ / ٢٦٢]. نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف ، أما عبد الرحمن بن عوف : فإنه جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأربعة آلاف درهم صدقة ، وقال : كان عندي ثمانية آلاف درهم ، فأمسكت منهم لنفسي ولعيالي أربعة آلاف ، وأربعة آلاف أقرضتها ربي ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بارك الله لك فيما أمسكت ، وفيما أعطيت». وأما عثمان رضي الله عنه فقال : علي جهاز من لا جهاز له ، في غزوة تبوك ، فجهز المسلمين بألف بعير بأقتابها وأحلاسها (أي بما يوضع على ظهورها) وتصدق ببئر رومة التي كانت قريبة من المدينة على المسلمين ، فنزلت فيهما هذه الآية المتقدمة ، وقال النبي عن عثمان : «يا رب إن عثمان بن عفان رضيت عنه ، فارض عنه».

ثم بيّن الله تعالى حال المنفق لله وفي سبيل الله وبقصد تثبيت نفسه على الخير ، فمثله كمثل الأرض الطيبة التربة ، الخصبة النماء ، فهو يجود بقدر سعته وما في يده ، فإن أصابه خير كثير أنفق كثيرا ، وإن أصابه قليل ، أنفق على قدر سعته ، فخيره دائم وبره لا ينقطع ، كالبستان الذي يثمر بصفة دائمة ، سواء نزل عليه مطر كثير أو قليل. قال الله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥)) (١) (٢) (٣) (٤) [البقرة : ٢ / ٢٦٥].

ثم أورد الله سبحانه مثلا ثانيا لمن ينفق ماله في سبيل الشيطان ومرضاة لنفسه وهواه ، وللرياء والسمعة والمباهاة ، فقال تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ

__________________

(١) تصديقا وتيقنا بثواب الإنفاق.

(٢) بستان بمرتفع من الأرض.

(٣) ثمرها المأكول.

(٤) مطر خفيف.

١٥٤

مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)) (١) (٢) [البقرة : ٢ / ٢٦٦]. من أساليب فصاحة القرآن أنه يأتي فيه بيان نقيض ما تقدم ذكره ، لتستبين حال التضاد بعرضها على الذهن ، فلما ذكر الله تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم بقصد مرضاة الله ، ذكر مثلا آخر لنفقة الرياء ، والمعنى : أيها المنفق لغير الله ، مثلك كمثل من له بستان فيه نخيل وأعناب وزروع من كل صنف ، تجري الأنهار فيما بينها ، وفيها من كل الثمرات التي تشتهيها ، وأنت رجل كبير مسنّ أدركتك الشيوخة ، وأصابك ضعف الكبر ، ولك ذرية ضعفاء صغار لا يقدرون على الكسب ، وليس لك غير هذا البستان ، فأصابه بأمر الله ريح شديدة عاصفة ، وسموم كالنار أو أشد ، فاحترق الشجر ، وأباد الثمر ، وأنت في أشد الحاجة إلى نتيجة عملك ، وثمرة جهدك في شبابك.

إن من ينفق في سبيل الشيطان والهوى والرياء يظن أنه ينتفع بإنفاقه ، ثم يفاجأ بأنه لا يجد نتيجة لعمله ، لتبدد أثره ، وضياع فائدته ، فهو مثل ذلك الرجل المسن صاحب تلك الجنة (أي البستان) يأتي يوم القيامة ، فلا يجد لعمله إلا الحسرة والندامة ، لقد علّق الشيخ الكبير المسن ـ كالمتقاعد اليوم ـ الأمل على دخل معين في آخر الحياة ، ثم لا يجد هذا الشيخ هذا الدخل ، نجده كيف يعتصر الألم كبده ، ويموت حرقة وأسفا على فقدان دخله وضياع ماله بعاصفة من السماء ، إن المنفق رياء أو في سبيل الشيطان مثله مثل هذا المسن الذي فقد المال في الدنيا ، وضاع عليه النعيم في آخر حياته ، فيموت كمدا وحسرة وألما ، بسبب سوء تصرفه وخبث نيته وقصده.

__________________

(١) ريح عاصف.

(٢) سموم شديدة أو صاعقة.

١٥٥

أصول الإنفاق

المال أمانة في يد الإنسان ، يتردد بين الدخل والنفقة ، وكما أن الحصول على المال أمر صعب غير يسير ، لأنه يتطلب الكسب المشروع الحلال ، كذلك الإنفاق ليس أمره هينا ، فمن السهل جمع المال ، ولكن من الصعب المحافظة على المال أو ادخار ثواب إنفاقه على المحرومين ، فالإنسان ابن مجتمعة ، يقصده المحتاجون إن كان موسرا غنيا ، ويتطلع إلى ما ائتمنه الله عليه الفقير المسكين ، وينبغي أن يكون الإنفاق ضمن أصول معينة :

الأصل الأول ـ الإنفاق من الطيب (أي الجيد الحسن) وعدم إعطاء الرديء أو الخبيث ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧)) (١) (٢) [البقرة : ٢ / ٢٦٧]. فلا يصح للمتصدق سواء في الزكاة المفروضة أم في التطوعات المالية أن يتعمد إعطاء الفقير الخبيث الرديء ، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وليس من الأدب أو الإحسان أن يجعل الإنسان لله ما يكره من المال.

وسبب نزول هذه الآية ما قال جابر : أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بزكاة الفطر بصاع من تمر ، فجاء رجل بتمر رديء ، فنزل القرآن : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ..) الآية.

أي أنفقوا من جياد أموالكم ولا تقصدوا الخبيث الرديء أو الفاسد أو الخاسر ، فتجعلوا صدقتكم منه خاصة دون الجيد ، فهذا نهي عن تعمد الصدقة من الخبيث دون الطيب ، وكما قال تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢)) [آل عمران : ٣ / ٩٢.]

__________________

(١) أي لا تقصدوا الرديء.

(٢) أي تتساهلوا في أخذه.

١٥٦

الأصل الثاني ـ مقاومة نوازع الشح والبخل : فعلى الإنسان أن يقاوم غريزة البخل لديه ، وألا يخشى فقرا بصدقة مالية يتصدق بها ، فالله يعوض المنفق خيرا ، ويزيده فضلا ونعمة ، قال الله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩)) [البقرة : ٢ / ٢٦٨ ـ ٢٦٩].

فبعد أن رغّب الله سبحانه في الإنفاق الطيب ، حذّر من وسوسة الشيطان وعداوته في ذلك ، وأخبر سبحانه بمغفرته للمنفق وفضله عليه وسعة خزائنه لتعويضه ، وعلمه بقصده الحسن ، وإيتائه الحكمة لمن يشاء في وضع المال في موضعه الصحيح المفيد ، والله ذو الفضل العظيم ، والمغفرة : الستر على العباد في الدنيا والآخرة ، والفضل : هو الرزق في الدنيا ، والنعيم في الآخرة ، وأي خير في الدنيا والآخرة بعد توفيق الله وهدايته في فهم الأمور على حقيقتها ، وإدراك الأشياء على وضعها الصحيح ، ومنها أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.

والأصل الثالث ـ مشروعية الإنفاق سرا وعلانية : على المؤمن أن يقصد في عمله وجه الله ، ويخلص في إعطاء الصدقة للمحتاجين ، وسيجد ثواب ذلك حتما في الآخرة فلا يضيع ، وكل شيء يعلم به الله ، ويدخر لصاحبه فيه الأجر ، ولا مانع بعد توافر الإخلاص وحسن القصد إبداء الصدقة لتشجيع الآخرين أو الإسرار بها منعا من الرياء وحب السمعة ، قال الله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١)) [البقرة : ٢ / ٢٧٠ ـ ٢٧١].

ويرى العلماء كابن عباس وغيره أن إبداء الصدقة الواجبة (أي الزكاة) خير

١٥٧

وأفضل من إسرارها وإخفائها ، وأما الصدقة المندوبة أو صدقة التطوع فإخفاؤها أفضل وخير من إعلانها ؛ لأن ذلك أدعى لعدم الرياء ، وأحفظ لكرامة الفقير.

صفات المستحقين للصدقة

بيّن القرآن الكريم صفات مستحقي الصدقة ، حتى تقع في موقعها الصحيح وعلى الوجه الذي يرضي الله تعالى.

أما الصفة الأولى ـ فيجوز للمسلم أن يتصدق على المحتاج الفقير ، سواء أكان مسلما أم غير مسلم ، احتراما لإنسانيته ، ودفعا لحاجته ، قال الله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢)) [البقرة : ٢ / ٢٧٢]. ذكر سعيد بن جبير سبب نزول هذه الآية : إن المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة غير المسلمين ، فلما كثر فقراء المسلمين ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم» فنزلت هذه الآية مبيحة للصدقة على من ليس من أهل دين الإسلام.

والصفات الأخرى لمن تعطى الصدقة لهم كثيرة ، أهمها : إعطاء الصدقة لمن حبس نفسه على الجهاد في سبيل الله ولم يقم بالكسب المعيشي كغيره من الناس ، قال الله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [البقرة : ٢ / ٢٧٣].

__________________

(١) أي حبسوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله وامتنعوا من الكسب.

(٢) سفرا للتكسب.

(٣) الترفع عن السؤال.

(٤) بعلامتهم أو هيئتهم الدالة على الفاقة والحاجة.

(٥) إلحاحا في السؤال.

١٥٨

نزلت هذه الآية في أهل الصّفّة ، وهم فقراء المهاجرين الذين هاجروا مع رسول الله ، وتركوا مالهم في مكة ، وكان عددهم زهاء أربع مائة رجل ، ولم يكن لهم مأوى ، فكانوا يأكلون عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم يبيتون في المسجد تحت مكان مسقوف يقال له (الصفة) وكانوا متخصصين للجهاد وحفظ القرآن الكريم والخروج مع السرايا التي يرسلها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهم جنود الجيش وطلاب العلم.

ومن صفات المعطى لهم الصدقة : العجز عن العمل أو التجارة والكسب ، بسبب ضعف أو كبر أو ضرورة ، ومن صفاتهم التعفف ، فهم الذين يحسبهم الذي يجهل حالهم أغنياء من عفتهم وصبرهم وقناعتهم ، فعندهم عزة المؤمنين وتوكل المتوكلين. ومن صفاتهم وعلاماتهم : الضمور والنحول والضعف ، ورثاثة الثياب ، وهذا متروك لفراسة المؤمن ، فربّ فقير مظهره حسن ، وغني ذو ثياب رثة. ومن صفاتهم : عدم الإلحاح في السؤال ، فهم لا يسألون ولا يستجدون أصلا ، أو لا يسألون الناس ملحين أو ملحفين في المسألة ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه أحمد والنسائي : «لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرّة سوي» أي قادر على العمل.

ثم سوّى القرآن الكريم بين صدقة السر وصدقة العلانية في الأجر والثواب ، فقال الله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)) [البقرة : ٢ / ٢٧٤].

قال الكلبي : لما نزل قوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ ...) [البقرة : ٢ / ٢٧٠] قالوا : يا رسول الله ، صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية. فمن تصدق بشيء لله سرا أو علنا ، فله الأجر الكامل عند ربه الذي رباه وتعهده في بطن أمه وبعد ولادته ، ولا خوف عليه أصلا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا هو يحزن أبدا ، وهكذا كل من سار على نهج القرآن واهتدى بهديه ، فأولئك هم المفلحون.

١٥٩

ثواب الصدقة وخطر الربا

الإسلام دين الرحمة والعطف والتعاون ، أوجب على الناس أن يتآزروا في وقت الشدة والضيق ، وأن يتراحموا في وقت العسر والمشقة ، فإذا احتاج الواحد إلى مبلغ من المال ، فعلى الآخرين مساعدته بالصدقة أو غيرها من ألوان المساعدة ، ولا يرهقه بإقراضه مبلغا من المال مع زيادة معينة أو نسبية تتزايد مع مرور الزمان ، لأن الله تعالى يبارك للغني فيما يتصدق به ويعوضه خيرا عما أنفق ، وينمي له ماله بوسائل مختلفة ، ويكون المتصدق محبوبا عند الله والناس أجمعين ، فلا حسد ولا بغضاء ، ولا غش ولا احتيال ، ولا سرقة ولا اغتصاب ، ولا تآمر ولا إيذاء ، وهذا كله مما يساعد على نمو المال وزيادته ، قال الله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) (١) (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) (٢) (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (٣) [البقرة : ٢ / ٢٧٦]. وآيات الربا هي : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١)) [البقرة : ٢ / ٢٧٥ ـ ٢٨١].

__________________

(١) يهلك المال الحرام.

(٢) أي يزيد ويبارك.

(٣) مقيم على كفره بتحليل الربا ، فاجر فاسق بأكله الربا.

١٦٠