التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0523-3
الصفحات: ٦٧١

وعلائم الإيمان والنّفاق معروفة واضحة من خلال المواقف والتصرفات والكلام المنطوق ، بعض الناس يروقك قوله ، ويعجبك طلاقة لسانه ، وقوة بيانه ، ولكنه يخادع ويداهن ، ويتملق ويكذب ، ولا يتكلم إلا ليحظى بشيء من الدنيا وزخارفها وأطماعها ، ويحاول زخرفة كلامه إما بحلف الأيمان ، وإما بأن يشهد الله على ما في قلبه ، فكلما قال قولا شفعه وقرنه بقوله : يعلم الله هذا ، ويشهد أني صادق ، والله يعلم أنه أشهد الناس خصومة وعداوة ، وأقواهم جدلا ، وأكثرهم حقدا وبغضاء.

قال الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ (١) فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ (٢) فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ (٣) وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ (٤) أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦)) [البقرة : ٢ / ٢٠٤ ـ ٢٠٦].

قال السّدي : نزلت هذه الآيات في الأخنس بن شريق الثقفي ، وهو حليف بني زهرة ، أقبل إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المدينة ، فأظهر له الإسلام ، وأعجب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك منه ، وقال : إنما جئت أريد الإسلام ، والله يعلم إني لصادق ، وذلك قوله : (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ). ثم خرج من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمرّ بزرع لقوم من المسلمين وحمر ، فأحرق الزرع ، وعقر الحمر ، فأنزل الله تعالى فيه : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها* وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ).

هذا أنموذج من عناصر التخريب والفساد والنّفاق ، لم يكرهه أحد على ما صنع ، ولكنه ارتضى لنفسه موقف الخبث ، وإضمار السوء والعمل على هدم مقومات أمته ، وتدمير أمجاد مجتمعة ومفاخرهم.

__________________

(١) أي شديد الخصومة والعداوة.

(٢) الحرث : الزرع.

(٣) أي ما تناسل من الحيوان.

(٤) لبئس الفراش والمضجع.

١٠١

وفي مقابل هذا العنصر الخبيث نجد في الأمة أنموذجا طيبا آخر ، هو صهيب بن سنان وأمثاله من المجاهدين المخلصين ، أراده المشركون على الكفر ، فأبى ، وأخذوا ماله ، وفرّ بدينه إلى المدينة ، فأنزل الله في شأنه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧)) (١) [البقرة : ٢ / ٢٠٧] أي رؤف بعباده حيث كلفهم الجهاد في سبيل الله ، فعرّضهم بذلك لثواب الشهداء. قال سعيد بن المسيب : أقبل صهيب مهاجرا نحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاتّبعه نفر من قريش من المشركين ، فنزل عن راحلته ، ونثر ما في كنانته (٢) ، وأخذ قوسه ، ثم قال : «يا معشر قريش ، لقد علمتم أني من أرماكم رجلا ، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بما في كنانتي ، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ، ثم افعلوا ما شئتم. قالوا : دلّنا على بيتك ومالك بمكّة ونخلّي عنك ، وعاهدوه إن دلّهم أن يدعوه ، ففعل ، فلما قدم على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أبا يحيى ، ربح البيع ، ربح البيع» وأنزل الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ).

وقال المفسّرون : أخذ المشركون صهيبا فعذّبوه ، فقال لهم صهيب : إني شيخ كبير ، لا يضرّكم ، أمنكم كنت أمّن من غيركم ، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني؟ ففعلوا ذلك ، وكان قد شرط عليهم راحلة ونفقة ، فخرج إلى المدينة ، فتلقاه أبو بكر وعمر ورجال ، فقال له أبو بكر : ربح بيعك أبا يحيى ، فقال صهيب : وبيعك ، فلا بخس ، وما ذاك؟ فقال : أنزل الله فيك كذا ، وقرأ عليه هذه الآية.

__________________

(١) يبيعها ببذلها في طاعة الله تعالى.

(٢) أي أخرج ما في جعبة السهام من سهام.

١٠٢

اتّباع جميع أحكام الدّين

الإسلام وأحكامه دين الله وشرعه الذي لا يتجزّأ ولا يختلط بغيره ، فهو بمثابة المظلة الواقية من الضلال والانحراف والشّر والسوء ، والعاصم من كل أذى وضرر ، فمن كان مسلما بحق اتّبع جميع أحكام الدين ، والتزم كل ما شرعه القرآن الكريم ، فأحلّ حلاله ، وحرّم حرامه.

لذا أمر الله المسلمين وغيرهم أن يستسلموا لله تعالى ويطيعوه في الظاهر والباطن ، وأن يدخلوا في الإسلام كله ، ولا يخلطوا به غيره. قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ (١) آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ (٢) كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨)) [البقرة : ٢ / ٢٠٨].

والمراد بالسّلم في الآية : الإسلام ، فعلى من آمن بالإسلام دينا العمل بجميع فروعه وأحكامه ، فلا يؤمن من يعمل ببعض أحكامه كالصلاة والصيام مثلا ، ويترك بعض الأحكام الأخرى كالزكاة والجهاد والحكم بكتاب الله وحدوده ، وترك الحرام كله ومنع الخمر والرّبا والزّنا والرشوة والظلم. قال ابن عباس : نزلت هذه في عبد الله بن سلام وأصحابه ، وذلك أنهم حين آمنوا بالنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، آمنوا بشرائعه وشرائع موسى ، فعظّموا السبت ، وكرهوا لحوم الإبل (الجمال) وألبانها بعد ما أسلموا ، فأنكر ذلك عليهم المسلمون ، فقالوا : إنا نقوى على هذا وهذا ، وقالوا للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن التوراة كتاب الله ، فدعنا فلنعمل بها ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ..).

ثم هدّد الله تعالى في الآيات التالية بالانتقام من المائلين عن الحق ، المبتعدين عن

__________________

(١) الإسلام وشرائعه كلها.

(٢) طرقه وآثاره.

١٠٣

الإسلام ، بعد ما جاءتهم الآيات الواضحات والحجج البيّنات ، وهل ينتظر هؤلاء المبتعدون عن شرع الله ، الخارجون عن أمر الله إلا أن يأتيهم عذاب الله ، وتأتيهم الملائكة بما قدّر الله وأراده لهم.

ثم قرّع الله ووبّخ بني إسرائيل على تركهم الآيات التي جاءت بها الرّسل الكرام السابقون ، وبخاصة موسى وعيسى ، ووبّخهم أيضا على عدم الإيمان بشريعة الإسلام ، مع إقامة البراهين والمعجزات الدّالة على صدق النّبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكل من يغيّر نعمة الله التي توصّل بها إلى الهداية والخير ، فيستعملها في الكفر والضلال والعصيان ، فليستعدّ لعقاب الله الشديد الصارم.

وأرشدت آيات القرآن إلى أن سبب عدم اتباع أحكام الدين هو الحرص على الدنيا ، ومحبّتها ، وتحسينها في أعين الكفار ، والافتتان بها ، والاستهزاء بالمؤمنين والسخرية منهم ، مع أن للمؤمنين الدرجة العالية يوم القيامة ، وهم فوق الكفار في الدرجة والقدر ، إذ هم في أعلى عليّين ، والكفار في أسفل السّافلين ، ونبّه القرآن الكريم إلى أن الرزق ليس على قدر الإيمان والكفر ، وإنما يرزق الله من يشاء ، ولو كان كافرا عاصيا ، ويقتّر الرزق على من يشاء ، ولو كان مؤمنا طائعا ؛ لأن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة. قال الله تعالى : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ (١) حَكِيمٌ (٢٠٩) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠) سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ (٢) يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣) (٢١٢)) [البقرة : ٢ / ٢٠٩ ـ ٢١٢].

__________________

(١) ظللتم عن الحق.

(٢) مظلات من السحاب الرقيق.

(٣) بلا نهاية ولا عد لما يعطيه.

١٠٤

الحاجة إلى الأنبياء والرّسل

لقد ثبت في التاريخ الإنساني أن الناس لم يتمكّنوا بمجرد عقولهم وخبراتهم وتجاربهم وفطرتهم البدائية أن يعرفوا الحلّ الأمثل والتشريع الأفضل الذي يحتكمون إليه في منازعاتهم وخلافاتهم ، ليتوصلوا إلى الوحدة والانسجام ، والسكينة والاطمئنان ، والسعادة والاستقرار. فكان من الضروري وجود الهداية الإلهية والإرشادات الرّبانية لإنقاذ الناس من الضلالة والانحراف إلى نور الحق والإيمان ، وصار من المؤكد أن الاهتداء بهدي الأنبياء والرّسل ضروري للبشر ، وتبين فعلا أن الدين الإلهي هو السبب الوحيد لسعادة النوع الإنساني ، والمصلح لأمر الحياة ، والمقوّم لاعوجاج البشر ، يوحّد بين الآراء ، ويجمع العقول والأفكار ، وينبّه إلى ما فيه المصلحة الحقيقة ، ويبعد عما فيه شرّ وفساد ، وزيغ وانحراف.

قال الله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)) (١) [البقرة : ٢ / ٢١٣].

ومعنى الآية أن الناس كانوا في بداية أمرهم على السواء على الفطرة الساذجة ، والبدائية العقلية ، يتصرفون في حياتهم ومعايشهم وعلاقاتهم الاجتماعية بحسب الرغبات الذاتية والغرائز البشرية ، لا يعرفون منهج الحياة الأفضل ، ولا مستوى المدنية والحضارة الأرقى ، ولا شيئا عن الأنظمة والشرائع التي تنظم علاقات الناس ، وتجعلهم يعيشون في راحة وطمأنينة ، بعيدين عن المنازعات والخلافات التي تهدّد وجودهم وتضعف شأنهم ، فجاءت الشرائع الإلهية على يد الأنبياء والرّسل يبشّرون

__________________

(١) حسدا وظلما.

١٠٥

الناس بالخير والسعادة ، وينذرونهم من الشّر والأهواء ، ويخرجونهم من الظلمات إلى النور ، لأن استسلام الناس إلى عقولهم بلا هدي إلهي مما يدعو إلى الشقاق والنزاع والانحراف والاضطراب والقلق ، فكثيرا ما حالت الأوهام والمصالح الذاتية بين الناس وبين الوصول إلى المراد من العقائد والأحكام التشريعية المنظمة لشؤون المجتمع.

وأنزل الله تعالى مع الأنبياء والرّسل الكتب الإلهية القائمة على الحق والعدل والرحمة والمصلحة الحقيقية ، ليحكم الله بين الناس فيما اختلفوا فيه من أمور دنياهم ودينهم ، ولم يقع الاختلاف في الدين بين العلماء وأهل النظر في الكتاب الإلهي إلا بسبب البغي والحسد والطمع في الدنيا وزينتها ، أما الذين آمنوا وأخلصوا دينهم لله ، وعملوا صالحا من أنفسهم ، وثابوا لرشدهم فهداهم ربّهم للحق بإذنه وإرادته ، والله مصدر الخير يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

عاقبة الصّبر على الدعوة إلى الله

تعرّض النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنون من أصحابه لمختلف أنواع الأذى والاضطهاد والتعذيب ، فصبروا وصابروا ، وكافحوا وجاهدوا ، حتى ظفروا وانتصروا ، وتحققت لهم الآمال الكبرى والغايات السامية. قال الله تعالى مبيّنا هذا الموقف المشرّف للرسول وصحابته : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ (١) تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا (٢) مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ (٣) اللهِ قَرِيبٌ (٢١٤)) [البقرة : ٢ / ٢١٤].

__________________

(١) حال الذي مضوا من المؤمنين.

(٢) الفقر ، والمرض.

(٣) أزعجوا بالبلايا الشديدة.

١٠٦

ذكر العلماء سببين لنزول هذه الآية ، فقال قتادة والسّدّي : نزلت في قصة الأحزاب ، حين حاصر المشركون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه في المدينة. نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين من الجهد والشدة ، والحر والبرد وسوء العيش وأنواع الأذى ، وكان كما قال الله تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) [الأحزاب : ٣٣ / ١٠].

وقال عطاء وجماعة : نزلت الآية تسلية للمهاجرين الذين أصيبت أموالهم بعدهم في بلادهم ، وفتنوا هم قبل ذلك. لما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه المدينة ، اشتدّ الضّر عليهم ، بأنهم خرجوا بلا مال ، وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين ، وآثروا رضا الله ورسوله ، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأسرّ قوم من الأغنياء النفاق ، فأنزل الله تعالى تطييبا لقلوبهم : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ..) الآية.

خوطب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنون معه بهذه الآية ، حثّا لهم على الثبات والمصابرة على مخالفة الكفار ، وتحمل المشاق ، مع بيان عاقبة الصبر. وكان ذلك من قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقصد استعجال النصر ، لا لسبب الشّك والارتياب في وعد الله وعدله.

ومعنى الآية أتظنون أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة ، ولما تتعرفوا على أخبار من مضى من قبلكم من الأنبياء ومن معهم من المؤمنين؟ فأنتم لم تتعرضوا للمحنة والبلاء مثل ابتلائهم ، مسّتهم الشدة والخوف والفقر والألم والأمراض ، تعرضوا للبأساء أي الفقر ، وللضّراء أي المرض والمصائب ، وزلزلوا أي أزعجوا إزعاجا شديدا بأنواع البلايا ، حتى اضطرهم الألم والكرب إلى أن يقول الرسول ـ وهو أعلم الناس بصدق وعد الله ، وأوثقهم بنصره ـ ويقول المؤمنون المقتدون به من غير أي شك بإنجاز وعد الله : متى يأتي نصر الله للمؤمنين؟ فكاد صبرهم ينفد من هول ما لاقوا ، فأجيبوا :

١٠٧

ألا إن نصر الله قريب الحصول ، مؤكد الوقوع ، ولكن في الوقت الذي يريده الله ، وبحسب مقتضى الحكمة الإلهية التي يعلم بها الله ، وقدّم الرسول في الرتبة لمكانته ، ثم قدّم قول المؤمنين ؛ لأنه المتقدم في الزمان والحدوث قبل قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك القول.

ترشيد الإنفاق

المال حصيلة الجهد الإنساني ، وأمانة عند صاحبه ، فلا يجنيه إلا من كسب حلال مباح ، ولا ينفقه إلا في موضع مشروع يفيد المالك والمجتمع. فإذا ما أنفق الإنسان ماله في طرق غير مشروعة وبذّر ماله ذات اليمين وذات الشمال ، خسر وندم ، وأضاع ماله ، وخان الأمانة ، ولم يرع حق الله في ماله.

والعاقل الرشيد الذي ينفق ماله فيما يجب عقلا وعرفا وشرعا ، ويختار الأفضل ، ويراعي الألزم والأوجب لمن يحتاج للنفقة ، وهؤلاء العقلاء الراشدون يسألون عادة عن وجوه الإنفاق السليمة وعمن هو أحق الناس بالنفقة ، وقد سأل جماعة من المؤمنين النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن مقدار ما ينفقون وعن بيان الجهة التي ينفقون فيها ، نفقة التطوع ، لا الزكاة الواجبة المفروضة. وكان أحد السائلين عمرو بن الجموح الأنصاري ، وكان شيخا كبيرا ذا مال كثير ، فقال : يا رسول الله ، بماذا يتصدق ، وعلى من ينفق؟ فنزلت الآية الكريمة في سورة البقرة :

(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥)) [البقرة : ٢ / ٢١٥].

ومعنى الآية : أيّ مقدار تنفقونه قليلا كان أو كثيرا من المال ، فهو لكم وثوابه خاص بكم ، ومن أفضل ما تنفقون العطاء للوالدين والأولاد والزوجات ؛ لأنهم

١٠٨

القرابة القريبة ، ثم للأقارب الأباعد ، الأقرب فالأقرب ، ثم لليتامى والمساكين وابن السّبيل ، يعطون من هذا المال ، وما تنفقوا من خير مطلقا ، فإن الله سيجازي به ؛ لأنه عليم بكل شيء.

إن النفقة على الوالد والولد والزوجة وغيرهم له ثواب عند الله في الدار الآخرة ، وإن كان واجبا شرعا وعرفا على الإنسان ، وهذا من مزايا الإسلام وفضائله : أن المرء يقوم بواجبه ، ومع ذلك يثاب عليه ويعدّ ذلك في سجل حسناته.

وقد بيّن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولويات النفقة وترتيب المستحقين لها فقال فيما أخرجه مسلم : «دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك».

وذكر الرّواة الثّقات سببا آخر للآية السابقة ، قال عطاء : نزلت الآية في رجل أتى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن لي دينارا ، فقال : أنفقه على نفسك ، فقال : إن لي دينارين ، فقال : أنفقهما على أهلك ، فقال : إن لي ثلاثة ، فقال : أنفقها على خادمك ، فقال : إن لي أربعة ، فقال : أنفقها على والديك ، فقال : إن لي خمسة ، فقال : أنفقها على قرابتك ، فقال : إن لي ستة ، فقال : أنفقها في سبيل الله ، وهو أخسّها ، أي أقلّها أجرا. يدلّ هذا الحديث على أن الإنفاق على الأسرة أفضل وجوه الإنفاق.

وتكون نفقة التطوع بعد النفقات الواجبة مما هو زائد عن الحاجة وهي سنة ، لقوله تعالى :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩)) [البقرة : ٢ / ٢١٩].

١٠٩

تشريع القتال وثوابه

أبان القرآن الكريم أن القتال أو الجهاد في سبيل الله ، وإن كان مكروها للنفس البشرية ، ففيه خير كبير للأمة ، لأنه إعلاء لكلمة الله والإسلام ، ودفع للظلم ، ورفع لمنارة الحق والعدل ، وسبيل لطرد المعتدين واسترداد الحقوق المغتصبة ، وعسى أن يحب الناس شيئا ، والواقع أنه شر مستطير عليهم ، وعسى أن يكره الناس شيئا والواقع أن فيه خيرا عظيما لهم ، قال الله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢١٦)) (١) [البقرة : ٢ / ٢١٦].

ثم بيّن القرآن الكريم أن انتهاك حرمة الشهر الحرام أخف من فتنة الناس عن دينهم ، والأشهر الحرم : ذو القعدة وذو الحجّة والمحرم ورجب. وصدّ الناس عن سبيل الله وعن الإسلام ، وقتل المسلمين وإخراجهم من ديارهم وأموالهم ، ومنعهم عن المسجد الحرام وعن أداء الحج والعمرة وإخراج أهله منه ، وهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، كل واحدة من هذه الجرائم التي ارتكبها المشركون ، أكبر إثما ، وأعظم جرما عند الله والناس ، من القتال في الشهر الحرام. قال الله تعالى :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧)) (٢) [البقرة : ٢ / ٢١٧].

أوضح الزهري سبب نزول هذه الآية فقال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن

__________________

(١) مكروه لكم في الطبع.

(٢) الشرك والكفر بالله.

١١٠

جحش ، ومعه نفر من المهاجرين ، فقتل عبد الله بن واقد الليثي عمرو بن الحضرمي في آخر يوم من رجب ، وأسروا رجلين ، واستاقوا العير (الإبل) فوقف على ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «لم آمركم بالقتال في الشهر الحرام». وقالت قريش : استحل محمد الشهر الحرام ، فنزلت هذه الآية (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ...) الآية ، إلى قوله تعالى : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) أي قد كانوا يقتلونكم وأنتم في حرم الله بعد إيمانكم ، وهذا أكبر عند الله من أن تقتلوهم في الشهر الحرام مع كفرهم بالله.

ثم أوضح القرآن المجيد ثواب المجاهدين في سبيل الله كعبد الله بن جحش وصحبه في القصة السابقة ، فهؤلاء الذين آمنوا بالله ورسله ، وفارقوا الأهل والأوطان لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه ونصرة الحق والعدل ، ولحقوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، هؤلاء لهم الدرجات العلا عند الله ، والله يكافئهم ويجازيهم أحسن الجزاء ، ويغفر لهم خطاياهم ويرحمهم بفضله وإحسانه ، وهو الغفور الرحيم ، قال الله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)) [البقرة : ٢ / ٢١٨].

هنيئا لهؤلاء المجاهدين المقاتلين أعداءهم لدفع العدوان ، واسترداد الحق السليب.

حكم الخمر وبيان مضارها

التدرج في التشريع في صدر الإسلام من خصائص التشريع الإسلامي أخذا بالمبدأ التربوي الذي يعالج الأمر شيئا فشيئا ، لإعداد النفس على تقبل الأحكام ، والانتقال تدريجا من الأيسر والأسهل إلى الوسط ثم إلى الأشد الأكمل. وهكذا كان تحريم

١١١

الخمر ، فإنها حرمت بالمدينة وكانت تصنع من العسل والزبيب ، والتمر والشعير والقمح ، وأنزل الله في الخمر آيات أربعا تدرجت بالعرب لتنقلهم مما ألفوه إلى حكم الشرع النهائي. وأول آية بدأت بالتعريض بالخمر قول الله تعالى :

(وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [النحل : ١٦ / ٦٧].

وصف تناول العنب والتمر على سبيل التفكه الطازج بالحسن ولم يوصف السّكر بذلك مما يدل على التفرقة بينهما. ثم جاء عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : أفتنا في الخمر والميسر ، فإنهما مذهبة للعقل ، مسلبة للمال ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ (١) قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما (٢) أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩)) [البقرة : ٢ / ٢١٩].

ويلاحظ أن الإثم في الخمر : ذهاب العقل والسباب والافتراء وإيذاء الآخرين ، والتعدي عليهم في أعراضهم وكراماتهم ، والمقصود بالمنافع : كسب الأثمان والنفع التجاري ، ولما أخبر الله عزوجل أن الإثم أكبر من النفع أو اللذة ، وأعود بالضرر في الآخرة ، كان ذلك تقدمة أو تمهيدا للتحريم.

ثم منع الله المصلين من أداء الصلاة حال السكر ، لأنهم لا يعقلون ما يقولون ، فقال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣)) [النساء : ٤ / ٤٣].

__________________

(١) القمار.

(٢) ما فضل عن قدر الحاجة.

١١٢

ثم أنزل الله تعالى آية تحريم الخمر تحريما قاطعا ، مع بيان أسباب التحريم فقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ ـ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)) [المائدة : ٥ / ٩٠ ـ ٩١].

والأمر باجتناب الخمر والميسر يدل على التحريم وزيادة : وهو التنفير من الاقتراب منها ، والبعد عنها بعدا شديدا ، لأن تناول الخمر مضيعة للمال ، مذهبة للعقل ، تدمير للصحة ، فهي كما أثبت الأطباء تلحق أضرارا شديدة بجميع أجزاء جهاز الهضم ، فضلا عن أضرارها الأدبية حيث يصير السكران موضع استهزاء وسخرية واحتقار لما يصدر عنه عادة من كلام الهذيان ، بسبب ضياع عقله واهتزاز أفكاره ، وفقد توازن شخصيته ، لذا حرّم الله الخمر والمخدرات كالأفيون والحشيش والهراوين ، لما فيها من الأضرار ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مدمن الخمر كعابد الوثن» «الخمر أم الخبائث» والكبائر ، و «كل مسكر خمر وكل خمر حرام» و «ما أسكر كثيره فقليله حرام» و «لعن الله الخمر ولعن معها عشرة : بائعها ومبتاعها ، والمشتراة له ، وعاصرها ، والمعصورة له ، وساقيها ، وشاربها ، وحاملها والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها».

فهذه آثام كثيرة ، وكل من ساعد في شرب الخمر حكمه وإثمه كحكم وإثم الشارب تماما ، وهكذا يتبين ما للخمر من أضرار شخصية واجتماعية ومالية ، ففيها ضرر للفرد والجماعة وفي شرائها تبديد للثروة والمال من غير أي نفع.

تحريم الميسر (القمار) وأضراره

حرم الله الميسر (القمار) كما حرم الخمر ، وقرن في آيات التحريم بين الخمر والميسر ، لما فيهما من تضييع الأموال وإتلاف الثروات ، فقال الله تعالى :

١١٣

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩)) [البقرة : ٢ / ٢١٩].

وقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠)) [المائدة : ٥ / ٩٠].

وكان تعامل العرب في الجاهلية بالميسر على النحو التالي ، كانت سهام الميسر عندهم عشرة ، سبعة لها حظوظ ، لكل منها نصيب معلوم ، وثلاثة لا نصيب لها ، وكان لكل واحد منها اسم ، أكثرها حظا المعلّى ، وأقلها حظا الفذّ ، فإذا جاء الشتاء واشتد البرد على الفقراء ، اشتروا الجزور (الجمل) وضمن الأغنياء (الأيسار) الثمن ، ثم تنحر الجزور ، ثم يجعلون السهام (الأعواد) العشرة في كيس أو ربابة ، ثم يحركها أمين المقامرين مرتين أو ثلاثا ، فيخرج منها الأقداح (الأعواد) فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ نصيبه ، ومن خرج له قدح مما لا نصيب له ، لم يأخذ شيئا ، وغرم ثمن الجزور كله ، وكانوا يدفعون الأنصباء الرابحة إلى الفقراء ، ولا يأكلون منها ، ويفتخرون بذلك ، ويذمون من لم يشترك معهم ، وذلك هو الميسر عند العرب ، ويشبه ما يسمى باليانصيب الخيري اليوم.

حرم الله الميسر تحريما قاطعا كتحريم الخمر ، لأن الميسر إثم كبير ، يؤدي إلى اليسار والغنى الطارئ من غير تعب ولا جهد ، ويلحق الضرر بالخاسر ، فهو غرم مجهد ثقيل ، ويثير العداوة بلا سبب ، ويزرع الحقد والكراهية من غير مسوغ ، ويضيع الوقت من غير فائدة ، ويصرف العقل عن جادة التفكير النافع ، ومع ذلك فهو مدعاة للكسل والخمول ، واصطياد الثروة والمال من غير عناء ولا مشقة ، فلا يكون فيه بركة

١١٤

ولا خير ، وإثمه أكبر من نفعه ، وهو أكل لأموال الناس بالباطل بغير حق ، فيكون الميسر ولعب الموائد والسباق ـ على شرط من الطرفين ـ حراما.

والميسر أحد أنواع الاستقسام بالأزلام الذي حرمه الله تعالى بقوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣)) [المائدة : ٥ / ٣].

أي معرفة ما قسم للشخص بواسطة الأزلام (أعواد لا نصل لها). وسميت سهام قبل أن تنصل وتراش أزلاما ، لأنها زلمت أي سويت فلم يكن نتوء بها أو انخفاض.

وكانت الأزلام ثلاثة أنواع في الجاهلية :

نوع هو قداح الميسر وعددها عشرة ، سبعة منها فيها حظوظ ، وثلاثة غفل لا حظوظ لها كما بينت.

ونوع كان مع الشخص وعدده ثلاثة ، مكتوب على واحد : افعل أو أمرني ربي ، والثاني لا تفعل أو نهاني ربي ، والثالث غفل ، يضعها في كيس ، ثم يسحب واحدا منها ، فيعمل بما جاء فيه من الإذن بالفعل أو المنع من الفعل ، مثل عادة التطير.

ونوع ثالث ـ سبعة قداح (سهام) كانت عند زعيم الأصنام (هبل) في جوف الكعبة ، مكتوب عليها ما يدور بين الناس من النوازل أو الحوادث ، فإذا أراد أحدهم أن يقدم على عمل أو سفر ، ذهب إلى الكعبة ، فاستشار الأزلام الموجودة عند هبل زعيم الآلهة المنصوب على بئر ، فيتحاكم الجاهليون إلى هذه الأزلام ، فما خرج منها ، رجعوا إليه.

١١٥

وعادة اليوم لمعرفة الحظ من الاستقسام بورق الشّدّة ، والودع والفنجان والمسبحة والمصحف ، كل ذلك منكر شرعا ، لا يعرفه الشرع ولا القرآن ولا يقره العقل وقد حلّ محلّ ذلك في الإسلام : الاستخارة.

الولاية على مال اليتيم

راعى التشريع الإسلامي ظروف الأيتام وضعفهم ، وانعدام خبرتهم بسبب صغرهم في إدارة وتنمية وحفظ أموالهم ، فشرع أحكاما خاصة بهم ، منها أنه جعل الولاية على أموالهم لأقاربهم الكبار الراشدين كالأب والجد ، حفاظا على ثرواتهم ، ورفع الشرع الحرج عن الأولياء في مخالطة الأيتام.

كان العرب يخلطون أموالهم بأموال اليتامى ، قال سعيد بن جبير لما نزلت آية : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠)) [النساء : ٤ / ١٠]. عزل الأولياء أموالهم ، أي تحاشى الصحابة عن اختلاط أموالهم بأموال اليتامى ، وجعلوها وحدها قائمة بذاتها ، وكان في ذلك ضرر لمال اليتيم في بعض الأحوال ، فنزلت آية : (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠)) (١) [البقرة : ٢ / ٢٢٠].

لما سأل الصحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أيخالطون اليتامى أم يجنبّون أموالهم؟ فقال لهم : إن كان في التجنيب إصلاح لأموال اليتامى فذلك خير ، وإن كان في مخالطتهم إصلاح لهم ومنفعة ، فذلك خير ؛ لأنهم إخوانكم في الدين والنسب ، فعليكم أن

__________________

(١) لكلفكم ما يشق عليكم.

١١٦

تراعوا أموالهم بالإحسان ، والله سبحانه يعلم المحسن والمسيء وسيجازي كلا على عمله. ولو شاء الله أن يضيق عليكم ويشدد بأن يوجب التجنيب أو المخالطة ، لفعل ذلك ، ولكنه ينظر لمصلحة اليتيم ، ولا يشدد عليكم ، وهو سبحانه العزيز القوي الذي لا يغالب ، الحكيم في أحكامه وتصرفاته ، لا يشرع إلا ما فيه الحكمة والخير ، ويضع الأمور في مواضعها الصحيحة.

وكان هذا الحكم تيسيرا على الأولياء ، فخلطوا طعامهم بطعام الأيتام ، وشرابهم بشرابهم ، والمهم في ذلك مراعاة العدل ومراقبة الله.

فليس هذا الخلط لأموال اليتامى مع أموال الأولياء إلا لفترة زمنية محددة هي حال الصغر ، فإذا بلغ الأيتام ، وجب إيتاء أموالهم إليهم. وحذر القرآن من أخذ الجيد من مال اليتيم وجعل الرديء من مال الولي مكانه ولا يجوز ضم أموال الأيتام نهائيا لأموال الأولياء ، فمن فعل ذلك ، فقد ارتكب ذنبا (حوبا) عظيما ، قال الله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢)) [النساء : ٤ / ٢]. أي إثما عظيما.

ولا بد قبل دفع الأموال إلى اليتامى من تدريبهم على حسن التصرف بالمال واختبارهم قبل البلوغ في دينهم وتصرفهم في أموالهم ، فإن بلغوا واستكملوا سن الخامسة عشرة ، ووجد الأولياء في الأيتام رشدا أي صلاحا في دينهم ومالهم ، دفعت إليهم أموالهم ، ولا يحل للولي أن يبادر إلى إنفاق مال اليتيم قبل بلوغه سن الرشد ، ويجوز للولي الفقير أن يأكل بالمعروف بقدر أجرة عمله من مال اليتيم ، وعلى الغني أن يتعفف عن مال اليتيم ويمتنع عن أكله ، وإذا سلمت الأموال إلى الأيتام يندب الإشهاد على ذلك لئلا يقع اختلاف ، قال الله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ

١١٧

غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٦)) [النساء : ٤ / ٦]. أي كفى بالله حافظا لأعمال خلقه ومحاسبهم.

الزواج بالمشركات الوثنيات

وأحكام الحيض

حارب الإسلام كل قواعد الشرك والوثنية ، وقطع أي صلة بين المسلمين والمشركين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ويعبدون الأصنام ، والأوثان ، أو يعتقدون بأديان غير سماوية ذات طقوس وهياكل معينة من وضع البشر.

لذا نهى الله سبحانه وتعالى المسلم أن يتزوج المشركة التي لا تدين بدين سماوي ، ولا كتاب لها ، حتى تؤمن بالله ورسوله ، ولأمة مؤمنة رقيقة خير من مشركة أعجبتك بمالها وجمالها وحسبها ونسبها ، ولو لم تعجبك فالنهي عنها من باب أولى.

ولا يجوز تزويج المؤمنات من المشركين حتى يؤمنوا أو يتركوا ما هم عليه من الشرك ، ولعبد مؤمن خير من مشرك مع ماله من العز والجاه ، أعجبكم بفضله أو لم يعجب.

والسر في التحريم ، أن أولئك المشركين يدعون إلى الكفر وكل ما هو شر يوصل إلى النار ، إذ ليس لهم دين يردعهم ، ولا كتاب يهديهم ، وتختلف الطبائع بين المؤمن والمشرك ، فقلب المؤمن فيه نور ، وقلب المشرك فيه ظلام وضلال.

والله يدعو بوساطة عباده المؤمنين إلى ما يوصل إلى الجنة ونعيمها ، وإلى المغفرة بإذنه وإرادته ، ويبين الله تعالى آياته القرآنية وأحكامه النافعة للمسلمين في دنياهم وأخراهم ، ليتذكروا ويتعظوا ، فيقدمون على الخير ، ويتركون الشر ، ويأتمرون بأمر الله ، ويجتنبون ووساوس الشيطان.

١١٨

قال الله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١)) [البقرة : ٢ / ٢٢١].

قال السّدّي عن ابن عباس : نزلت هذه الآية بالنسبة للأمة المؤمنة في عبد الله بن رواحة ، وكانت له أمة سوداء ، وإنه غضب عليها فلطمها ، ثم إنه فزع ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبره خبرها ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما هي يا عبد الله؟ فقال : يا رسول الله ، هي تصوم وتصلي ، وتحسن الوضوء ، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله ، فقال : يا عبد الله ، هذه مؤمنة ، قال عبد الله : فو الذي بعثك بالحق لأعتقنّها ولأتزوجنها ، ففعل ، فطعن عليه ناس من المسلمين ، فقالوا : نكح أمة. وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم ، فأنزل الله تعالى فيه : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) الآية.

وقال ابن عباس أيضا بالنسبة للمشركة : أرسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرثد بن أبي مرثد الغنوي إلى مكة في مهمة ، ليخرج ناسا من المسلمين بها أسراء ، فلما قدمها سمعت به امرأة يقال لها (عناق) وكانت خليلة له في الجاهلية ، فلما أسلم أعرض عنها ، فأتته فقالت : ويحك يا مرثد ، ألا نخلو؟ فقال لها : إن الإسلام قد حال بيني وبينك وحرمه علينا ، ولكن إن شئت تزوجتك على أن أستأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله في شأنها ينهاه عن ذلك : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ..) الآية.

ثم ذكر الله تعالى أحكام الحيض والرد على الشذوذ الجنسي في الجاهلية ، فقال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢) نِساؤُكُمْ

١١٩

حَرْثٌ (١) لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (٢) وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣)) [البقرة : ٢ / ٢٢٢ / ٢٢٣].

يسألونك ـ أيها النبي ـ عن حكم الحيض ووقاع الحائض ، فقل لهم : الجماع في الحيض أذى ، أي قذر وضرر ، فاجتنبوهن في زمن الحيض ، والمراد ترك المجامعة ، لا ترك المجالسة والاستمتاع بما دون الفرج عند الحنابلة ، وما دون الإزار عند الجمهور ، ولا تقربوهن بالجماع حتى يطهرن من الحيض بانقطاع الدم ، فإذا اغتسلن بالماء حينئذ ، فأتوهن في مكان إنجاب الذرية وهو القبل ، إن الله يرضى عن التائبين ويثيبهم ، ويرضى عن المتطهرين من الجنابة والحيض ونحوهما. قال أنس بن مالك فيما أخرجه مسلم والترمذي : كان اليهود إذا حاضت المرأة منهم ، لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت ، فسأل الأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك ، فنزلت الآية ، فقال : «اصنعوا كل شيء إلا النكاح».

زوجاتكم موضع الإنجاب وإلقاء النّطف ، فأتوهن على أية كيفية تريدون قائمة أو قاعدة ، أو جالسة نائمة ، أو مضطجعة ، إذا كان ذلك في موضع النسل ، وقدموا عملا صالحا تجدونه لأنفسكم ، عند الله ، وخافوا الله من الوقوع بالمحرّمات ، واعلموا أنكم ملاقو الله يوم القيامة ، فيجازيكم بأعمالكم ، وبشر المؤمنين بالجنة ، قال جابر فيما أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي : كانت اليهود تقول إذا جامعها في القبل من ورائها : إن الولد يكون أحول ، فنزلت الآية (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ..) الآية.

__________________

(١) محل إنجاب الذرية.

(٢) كيف كان من الهيئات ولكن في القبل ، لا في الدبر.

١٢٠