مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٥

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دفتر سماحة آية الله العظمى السبزواري
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٥٩

وقال تعالى : (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٥٦] ، وغيرهما من الآيات الشريفة ، ولذا خص سبحانه هذه الآية بكونها بإذن الله تعالى وفعله عزوجل ، دفعا لتوهّم الالوهية في فاعلها.

ويستفاد من جمع (الموتى) ، تعدّد صدور هذه المعجزة وكثرتها. وإنما كرّر سبحانه (بِإِذْنِ اللهِ) ، لبيان أن هذه المعجزات التي صدرت عن عيسى عليه‌السلام مستندة إلى الله تعالى ، ودفعا لتوهّم الغلو فيه ، باعتبار أن فاعلها ليس من جنس البشر.

ويستفاد من هذا التعبير عدم استقلال عيسى عليه‌السلام في شيء من ذلك ، وأكّد سبحانه وتعالى ذلك بحكايته عزوجل عن قوله في آخر هذه الآيات : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) ، فلا مجال لإضلال الناس فيه.

قوله تعالى : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ).

آية اخرى فيها الأخبار بالمغيبات التي يختصّ علمها بالله تعالى ، أو من علّمه عزوجل ، وظهور الآية فيه واضح ، لأن الإنسان قد يهيء لنفسه أمورا لا يطلع عليها غيره ، فإذا اخبر بها أحد غيره من دون وساطة وسبب ظاهري لا يشك في أنه إخبار بغيب مكنون ، وإنّ المخبر بها على اتصال بعالم الغيب.

وإنما خصّ ما يأكله الإنسان وما يدّخره باعتبار كونهما مألوفين عنده ، وأنهما يأخذان نصيبا وافرا من حياته ، وفي الإخبار بهما وإظهار هما للعيان لا يسع لأحد إنكاره.

قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

أي : أن تلك الخوارق والمعجزات كافية في الهداية والرشاد ، كما أنها داعية بدلالتها الواضحة القاطعة إلى الإيمان برسالتي وصدقي فيها إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بالله تعالى ، فإنه عليه‌السلام بعث إلى قوم يدّعون أنهم مؤمنون.

والإيمان بالله تعالى يدعو إلى الإذعان بأنه عزوجل يرسل الرسل لتكميل النفوس وهداية العباد وإرشادهم إلى الصلاح ، ولا يعقل أن تظهر المعجزة على يد

٣٠١

الكاذب ، فهو يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه المعجزات صدرت على يد نبيّ صادق في نبوّته ، فلا تكونوا ممّن استحوذ عليهم الشيطان ، وعلم بالحقّ وأنكره ، كما قال تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) [سورة النمل ، الآية : ١٤].

قوله تعالى : (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ).

الجملة حالية ، وهي معطوفة على قوله تعالى : (بِآيَةٍ) ، أي : جئتكم حال كوني مصدّقا.

والمراد بقوله : (لِما بَيْنَ يَدَيَ) ، أي ما تقدّمني من التوراة ، واللام فيها للعهد ، أي التوراة المعهودة بين الأنبياء ، لا التوراة الموجودة في زمانه.

وتصديقه للتوراة هو الإيمان بأن التوراة كتاب إلهي ، وإنّ ما فيها حكمة وصواب ، وهي التي نزلت على موسى بن عمران ، ونظير ذلك ما ورد بالنسبة إلى نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا دلالة لتصديقهما لما بين يديهما من التوراة على أنها غير محرّفة.

والآية الشريفة تدلّ على أنه لم يأت ناسخا لها ، بل مصدّقا وعاملا بالتوراة إلا في بعض الأحكام.

قوله تعالى : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ).

أي : وجئتكم لأحل بعض ما حرّمته شريعة موسى بن عمران على بني إسرائيل ، فإنها حرّمت عليهم بعض الطيبات بظلمهم وكثرة سؤالهم ، قال تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً* وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [سورة النساء ، الآية : ١٦٠ ـ ١٦١] ، كما أنه نسخ بعض الأحكام التي تغيّرت حسب تغيّر المقتضيات وتبدّلها.

والآية الشريفة تدلّ على أن الإنجيل يشتمل على بعض الأحكام الإثباتيّة ، ولكن لا دلالة فيها على أنه يشتمل على شريعة ، وإن وقع الخلاف بين العلماء في أن الإنجيل يشتمل على شريعة وأحكام تغيّر ما في التوراة ، وقد نسخ الإنجيل بعض ما في التوراة ، ولكن لا يقدح ذلك في كونه مصدّقا للتوراة ، وقال بعضهم : إن الإنجيل لم يشتمل على أحكام ولم يمح حلالا ولا حراما ، بل هو رموز وأمثال ،

٣٠٢

ومواعظ ، وزواجر. وأما الشريعة والأحكام فهي مأخوذة من التوراة.

والحقّ ما ذكرناه من أن المستفاد من الآيات الشريفة الواردة في شأن الإنجيل هو أنه يشتمل على إثبات بعض الأحكام ، التي هي أوفق بالحكمة والمصلحة الفعليّة ، وبعض المواعظ والأمثال والأحكام الأخلاقيّة الأدبيّة ، وهي بمجموعها مصدّقة لشريعة موسى ، ولذا كانت شريعة عيسى موافقة في الجملة والإجمال لشريعة موسى عليه‌السلام ، وإن كانت الاولى أكمل من الثانية ، وقد نسب إلى عيسى عليه‌السلام في الإنجيل : «ما جئت لأبطل التوراة ، بل جئت لاكملها».

قوله تعالى : (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).

تأكيد لما سبق وتثبيت للحجّة ، وتمهيد لما سيأتي في قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ). وفي الآية الشريفة الدلالة على أن كلّ ما أتى به عيسى عليه‌السلام إنما هو من عند الله دفعا لتوهّم التضليل والغلو فيه.

وإنما خصّ الربّ بالذكر ، لأنه القائم بشؤون خلقه والمراعي مصالحهم ، وهو الذي يسوقهم إلى الكمال.

قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ).

أي : احذروا مخالفته وغضبه في الإعراض عن الإيمان بي والإيمان بآيات الله وشهادتها برسالتي ، واتقوه في الطاعة لي.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ).

تصريح منه عليه‌السلام بأنه عبد الله وأنه مبعوث من قبله جلّ جلاله ، وليس له شأن مستقل ، وبذلك ينتفي موضوع الغلو والحلول والوحدة والتثليث ونحوها فيه ، قوله تعالى : (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ).

شرح لقول عيسى بن مريم : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) ، وبمنزلة العلّة لذلك.

يعني : لا بد للإنسان أن يرد الصراط المستقيم ، وإني أبيّن لكم ذلك الصراط المستقيم ، فالتعليل تعليل عقلي ، وقضية حقيقيّة لجميع ما ادّعاه عيسى بن مريم ، بل وكذا بالنسبة إلى سائر الأنبياء عليهم‌السلام.

٣٠٣

بحوث المقام

بحث أدبي :

الضمير في (نوحيه) يرجع إلى (ذلك) في صدر الجملة كما عن المشهور ، ويحتمل أن يعود إلى (الغيب) ليشمل ما قصّه عزوجل سابقا وغيرها من القصص.

وصيغة الاستقبال في (نوحيه) تدلّ على استمرار الوحي وعدم انقطاعه.

وجملة : (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) قيل : مبتدأ وخبر ، والجملة في موضع نصب بالفعل المضمر دل عليه الكلام ، تقديره : (ينظرون أيهم يكفل مريم).

وقيل : إنّ الجملة من تتمّة الكلام الأول ، ولا حاجة إلى التقدير ، أي : يلقون أقلامهم لأخذ النتيجة ، وهي أيهم يكفل مريم.

وإذ في قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ) عطف بيان على (إذ) المتقدّمة في قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) أو بدل ، ولا يضرّ الفصل الطويل ، إذ الجملة جيئت لتثبيت ما ورد فيها ، وقيل بدل من (يختصمون) ، وهو بعيد لاختلاف الزمانين ، فإن الاختصام ـ كما عرفت ـ كان في صغر مريم والبشرى كانت في كبرها.

وعيسى بن مريم بدل من المسيح. وعيسى اسم أعجمي لم ينصرف ، وابن يكتب بدون همزة لوقوعه صفة بين علمين ، لأن القاعدة أنه إذا وقع كذلك تحذف في الخط والكتابة تبعا لحذفها في اللفظ ، لكثرة استعماله كذلك ، ولكن إذا لم يقع بين علمين ، سواء كان أحد الطرفين علما والآخر غير علم ، أو لم يكن كلاهما علما ، ثبتت الهمزة ولم تحذف في جميع الصور ، هذا في غير عيسى بن مريم ، وأما فيه فالهمزة ثابتة في القرآن مطلقا ولعلّه إما لأجل أن خط القرآن لا يقاس عليه ، وأما لتثبيت ابنيّته مهما أمكن.

قوله تعالى : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ، حال من عيسى كما قاله

٣٠٤

الأخفش ، أو من (كلمة) ، وهي وإن كانت نكرة لكنها موصوفة بما بعدها ، والتذكير باعتبار المعنى.

وكذا الحال في بقية الأوصاف المعطوفة : ومن المقرّبين ، ويكلّم ، ومن الصالحين ، ويكلمه ، رسولا. ولا يضرّ عطف الفعل على الاسم في بعض الأفراد منها.

وقوله تعالى : (وَكَهْلاً) عطف على الظرف في المهد ، الذي هو حال من الضمير في الفعل ، والكهل ـ كما عرفت ـ من جاوز الثلاثين ، وقد ذكر العلماء أن ابن آدم ما دام في الرحم فهو جنين ، فإذا ولد فهو وليد ، وما دام يرضع فهو رضيع ، وإذا فطم فهو فطيم ، وإذا دبّ فهو دارج ، وإذا بلغ خمسة أشبار فهو خماس ، وإذا سقطت رواضعه فهو مثغور ، وإذا ثبتت أسنانه فهو مثغر ، فإذا قارب عشر سنين أو جاوزها فهو مترعرع وناشئ ، وإذا بلغ الحلم أو كاد فهو يافع أو مراهق ، وإذا احتلم فهو حرور ، واسمه في جميع هذه الأحوال غلام ، وإذا اخضرّ شاربه وأخذ عذاره يسيل قيل قد بقل وجهه ، وإذا صار ذا فتاء فهو فتى وشارخ ، وإذا اجتمعت لحيته وبلغ شبابه فهو مجتمع ، ثم ما دام بين الثلاثين والأربعين فهو شاب ثم كهل إلى أن يستوفى الستين ، هذا في الذكور. وأما في الإناث ، فهي طفلة ثم وليدة ، ثم كاعب إذا كعب ثدياها ، ثم ناهد ، ثم معصر إذا أدركت ، ثم عانس إذا ارتفعت عن حدّ الإعصار ، ثم خود إذا توسطت الشباب ، ثم مسلف إذا جاوزت الأربعين ، ثم نصف إذا كانت بين الشباب والتعجيز ، ثم شهلة وكهلة إذا وجدت من الكبر وفيها بقية وجلد ، ثم شهربة إذا عجزت وفيها تماسك ، ثم حيزبون إذا صارت عالية السن ناقصة العقل ، ثم قلعم ولطلط إذا انحنى قدّها وسقطت أسنانها.

وآية في قوله تعالى : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ) في موضع الحال ، أي متلبّسا بآية ، والباء للملابسة ، والتنوين للتفخيم دون الوحدة.

والضمير في قوله تعالى : (فَأَنْفُخُ فِيهِ) يرجع إلى الطير باعتبار المعنى ، وفي سورة المائدة أنّث الضمير ، قال تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي

٣٠٥

فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) [سورة المائدة ، الآية : ١١٠] ، والطير صالح للواحد والجمع.

وقوله تعالى : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَ) ، عطف على قوله (بِآيَةٍ) ، والجملة حالية ، أي : وجئتكم حال كوني مصدقا. ويمكن أن يكون عطفا على قوله : (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) ، واختلاف الجملتين في الغيبة والتكلّم غير ضائر بالعطف ، لا سيما بعد تفسير قوله : (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) بقوله : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) ، فإنه مخرج للكلام من الغيبة إلى الحضور.

بحث دلالي :

تدلّ الآيات الشريفة على امور :

الأوّل : يدلّ قوله تعالى : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) على أن مريم عليها‌السلام كانت محدّثة ، تتكلّم مع الملائكة وتكلّمها وتسمع كلامها وقد تعاين شخصها ، كما يدلّ عليه قوله تعالى : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ١٧] ، وقد وردت روايات كثيرة على أن المحدّث هو الذي يسمع الصوت ولا يعاين الملك ، ففي الحديث عن محمد بن مسلم قال : «ذكرت المحدّث عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال عليه‌السلام : إنه يسمع الصوت ولا يرى الصورة ، فقلت : أصلحك الله ، كيف يعلم أنه كلام الملك؟ قال عليه‌السلام : إنه يعطي السكينة والوقار حتّى يعلم أنه ملك» ، والأخبار بهذا المضمون كثيرة. واختلاف الروايات في رؤية المحدّث للملك أو عدم رؤيته وسماع صوته فقط ، محمول على مراتب كمال النفس ، وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام في الرسول والنبيّ والمحدّث.

الثاني : يدلّ قوله تعالى : (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) ، على تقدّم مريم على نساء العالمين من جهات عديدة قد ذكرها سبحانه في ما تقدّم من الآيات ، كالإنبات الحسن ، وكفالة زكريا لها ، وتحريرها للعبادة ، والرزق من الله ، وما يأتي في الآيات اللاحقة ، كلزوم الطاعة والقنوت والخشوع لله عزوجل وبشارتها بكلمة

٣٠٦

من الله المسيح عيسى بن مريم والحمل من غير فحل ، ولعلّ تكرار الاصطفاء في الآية الشريفة لأجل اختلاف مورد الاصطفاء في الموضعين ، فالأوّل بلحاظ ما سبق من الكمالات والصفات الحسنة ، والثاني باعتبار ما يأتي ، والآية الشريفة في مقام بيان فضلها وتقدّمها على سائر النساء من الجهات التي ذكرها الله تعالى في القرآن ، وأهمّها الحمل من غير أب ، فيكون التقدّم على سائر النساء من هذه الجهة ، وأما غيرها ، فقد يشترك معها شخص آخر ، ولا ينافي أن تكون امرأة اخرى أفضل منها من جهة اخرى ، فقد وردت أحاديث متواترة بين المسلمين على أن فاطمة الزهراء عليها‌السلام سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنّة ، فهي بضعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي الطاهرة المطهّرة المعصومة ، وهي زوج علي بن أبي طالب وام السبطين سيدي شباب أهل الجنّة ، وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عباس أنه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : سيدة نساء أهل الجنّة مريم بنت عمران ، ثم فاطمة ، ثم خديجة ، ثم آسية امرأة فرعون».

وأخرج الشيخان عن أبي هريرة ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ، أحناهن على ولد في صغره ، وأرعاهن على بعل في ذات يده ، ولو علمت أن مريم ابنة عمران ركبت بعيرا ما فضلت عليها أحدا» ، والمراد من نساء قريش بعضهن لا جميعهن. وأخرج ابن حريز عن فاطمة عليها‌السلام قالت : «قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت سيدة نساء أهل الجنّة إلا مريم البتول».

وفي الدر المنثور : أخرج أحمد والترمذي وابن المنذر وابن حبان والحاكم عن أنس : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون».

وفيه : أخرج ابن عساكر عن طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أربع نسوة سادات عالمهن مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأفضلهن عالما فاطمة».

وفي الخصال : بإسناده عن أبي الحسن الأوّل موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «قال

٣٠٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله عزوجل أختار من النساء أربعا : مريم ، وآسية ، وخديجة ، وفاطمة» ، والروايات في هذا المضمون من الفريقين كثيرة ، وبعضها وإن دلّت على تساويهن في الاصطفاء إلا أنه لا ينافي وجود التفاضل بينهن ، كما عرفت من أن فاطمة الزهراء تفضل سائر النساء من جهات عديدة.

الثالث : يستفاد من قوله تعالى : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) أن هذه الأمور الثلاثة مرتبة على قوله تعالى : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) فاصطفاها للزوم الطاعة والقنوت ، وطهّرها للسجود والخضوع ، واصطفاها للخشوع والركوع مع الراكعين ، فكانت هذه الثلاثة مقتضيات للأمور الثلاثة التي وردت في هذه الآية الشريفة.

الرابع : يستفاد من قوله تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) أن أخبار مريم عيسى وزكريا ويحيى التي وردت في القرآن الكريم هي الأخبار الصحيحة ، وما سواها لم تسلم من يد التحريف ، وقد حكى القرآن الكريم تلك الأخبار بأسلوب جذّاب رقيق وبيان فائق أنيق ، يلتذّ السامع من سماعها ويستنير المخاطب من شعاعها ، مع أدب بارع لا يعقل فوقه أدب. وهذا ممّا تميّز به القرآن الكريم في قصصه عن غيره من سائر الكتب الإلهيّة ، ومن أراد الاطلاع على أكثر من ذلك فليقارن ما ورد في التوراة والإنجيل في أخبار هؤلاء الأنبياء العظام مع ما ورد في القرآن الكريم فيهم ، يرى الفرق واضحا ويحكم بالإعجاز في القرآن الكريم.

الخامس : يدلّ قوله تعالى : (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) على نبوّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصدقه فيها ، فقد أخبر صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قصة مريم وعيسى ويحيى وزكريا وهو امي لم يقرأ ولم يكتب ، ولم يعرفها أحد من قومه قبل الوحي.

السادس : يدلّ قوله تعالى : (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) على أن تسميته المسيح كانت من قبل الله تعالى الذي وضع هذا الاسم له ، ويستفاد منه أن أسماء الأنبياء إنما تكون من قبل الله تعالى ، ولعلّ ما ورد في المأثور : «الأسماء تنزل من السماء» ، تختصّ بأسماء الأنبياء ، وقد ذكرنا أنه ربما يكون الوجه في هذه التسمية

٣٠٨

(المسيح) هو الإشارة إلى نبذ العادة الإسرائيليّة في ما يفعله الزعماء والروحانيون عندهم.

السابع : يدلّ قوله تعالى : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) على شدّة انقطاع هذه المرأة الصالحة إلى خالقها وإخلاصها له تعالى ، ممّا أوجب تنازع القوم في حفظها وحراستها ، وتشبه مريم عليها‌السلام ام موسى عليها‌السلام في الحالات الانقطاعيّة إلى الله تعالى وإخلاصها في العبوديّة.

وقد ذكر سبحانه وتعالى حالات مريم العذراء وأطوار خلقها في القرآن الكريم بهذا الوجه اللطيف والأسلوب الجذاب ، ووصفها بأوصاف كثيرة تدلّ على جلالة قدرها وعظيم منزلتها عنده عزوجل ، وهذا من أهم موجبات الألفة والحنان بين المسلمين والنصارى.

الثامن : يستفاد من قوله تعالى : (كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) أن ما خلقه عيسى لم يكن له نظير في الخارج ، وإنما كانت صورته كصورة الطير.

التاسع : إنما ذكر تعالى تكلّم عيسى في المهد وعند الكهولة وهي آخر قوة نشاط الشباب وكمال القوى ، للإعلام بأن تكلّمه في حال صباه كمثل تكلّمه في دور كمال قواه ، ولم يكن كلامه في حال الصبا كتكلم سائر الصبيان ، فيكون عيسى المسيح في مهده حينما يقول بلسان فصيح : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوالِدَتِي) [سورة مريم ، الآية : ٣٢] هو حين كهولته ، وحين رفعه إلى السماء يقولها كذلك ، لأنه خلق لإظهار الحقّ ، ولا حقّ إلا ذلك.

العاشر : إنما ذكر تعالى أمثلة متعدّدة لآيات نبوّته وصدق دعوته ، لأن كلّ واحد منها مثال لعالم من العوالم الخلقيّة.

الأول : إيجاد الروح الحيوانيّة التي هي أوسع العوالم الخلقيّة ، وإنما مثّل بخلق الطير ، لأنّه فيها من جهات الخلق والإعجاب ما ليس في غيره.

الثاني : للروح الإنسانيّة بإبراء الأكمه والأبرص اللذين هما من أشدّ

٣٠٩

الأمراض إزعاجا ، بل قد يكونان من أعظم المهلكات ، فتكون كناية عن سلطنة الروح الإنسانيّة من كلّ جهة.

الثالث : إحياء الموتى الذي هو السلطة التامّة على الروح ، وكونها تحت أمره بحيث يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

الرابع : عالم الغيب ، بحيث يكون حاضرا لديه.

الحادي عشر : إنما كرّر سبحانه وتعالى : (بِإِذْنِ اللهِ) ، لبيان أنه لا شأن لعيسى وغيره من الأنبياء في صدور المعجزات عنهم ، والمدار كلّه على إذنه تعالى وإرادته ، قال جلّ شأنه : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [سورة المؤمن ، الآية : ٧٨] ، وبذلك تبطل دعوى الغلو والالوهية فيهم.

ولم يذكره سبحانه وتعالى في آيتين من الآيات الأربعة ـ وهما إبراء الأكمه والأبرص والإنباء بالمغيّبات ـ إما لأجل استفادة الإذن فيهما من الآيتين الأخيرتين بالأولى ، لأن ذلك بالنسبة إليهما يعدّ من العرضي ، والإذن في الذاتي يستلزم الإذن في العرضي. مع أنه قد ذكر في سورة المائدة (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي) [سورة المائدة ، الآية : ١١٠] ، وإما لأجل أن هذين الأمرين من الإنباء والإبراء ينبغي أن يكونا من مقامات الأولياء ، لا أن ينسب أوّلا وبالذات إلى الله تعالى ، لأن مقام ولايتهم يقتضي تفويض مثل هذه الأمور إليهم ، فلهم أن يفعلوا فيها بما يشاءون ، ولذا قال : (وَأُنَبِّئُكُمْ) فنسب ذلك إلى نفسه ، فإن مقام الولاية مقام برزخي بين الالوهية الحقّة والخلقيّة الصرفة.

الثاني عشر : يدلّ قوله تعالى : (فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) ، على أن الإنسانيّة الكاملة هي غاية التكوينات والتشريعات لما ذكرناه مرارا ، ومن أنها هي الصراط المستقيم والجسر الممدود بين المبدأ والمعاد ، وهو وإن كان حادثا ولكنه بحسب البقاء أبدي كأزلية الله تعالى وأبديته ، فهذه الأمور الثلاثة : المبدأ تبارك وتعالى ، والصراط المستقيم ، والدار الآخرة ، متلازمة حقيقة ، وإن كانت مختلفة مفهوما.

٣١٠

بحث فلسفي :

ذكرنا مرارا أنه قد جرت سنّة الله تعالى على إيجاد المسبّبات الماديّة بأسبابها الخاصة بها كلّ صنف بحسبه ، كذلك جرت عادته سبحانه وتعالى في توجيه المسبّبات المعنويّة والروحانيّة بأسبابها الخاصة كلّ صنف بحسبه ، ومن أهم تلك الأسباب أنبياء الله تعالى وأولياؤه ، فيفاض بهم على النفوس المستعدّة ما ينتظم به نظام العالم بماديّاته ومعنويّاته نظما دقيقا متقنا ، والكلّ مسخّرات تحت أمره تعالى وصادرة عن إرادته ، وهي تحيط بهم وتخرج منهم ، ولابدع في ذلك بالنسبة إلى من أفنى جميع شؤونه وحيثيّاته فيه عزوجل ، وتشهد لذلك الأدلّة العقليّة والنقليّة.

ثم إنّ هذا العالم الذي نعيش فيه مركب من أمرين ، واقعي معنوي وظاهري صوري ، ولكلّ منهما مدبّر وولي أمر قائم به.

والأول : عبارة عن تجلّيات الآخرة في هذا العالم بواسطة الكتب السماويّة والأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين والعلماء العاملين ، والعقل المجرّد المقرّر بالكتب السماويّة.

والثاني : عبارة عن تجليّات الدنيا بنفسها لأهلها ، وهي فانية زائلة وإن بلغت ما بلغت في الكمالات الوهميّة والمراتب الخياليّة ، فلا بد في طلب كلّ متاع من الرجوع إلى أهله وإلا بطل الطلب وخسرت الصفقة ، سواء كان الطلب هو العقل المجرّد أم سائر القوى الخادمة له ، والأمران متشابكان ، فلا لبّ إلا ومعه قشر ، ولا قشر إلا وفيه اللب ، واللبيب هو الذي ميّز بين الأمرين فاختار اللب وعدل عن القشر.

بحث روائي :

في تفسير القمّي : في قوله تعالى : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) قال عليه‌السلام : «اصطفاها مرتين : أما الاولى

٣١١

فاصطفاها ، أي اختارها. وأما الثانية فإنها حملت من غير فحل ، فاصطفاها بذلك على نساء العالمين».

أقول : يستفاد من الحديث أن جهات الاصطفاء مختلفة ، ويمكن أن تكون في نفس واحدة جهات عديدة من الاصطفاء ، ويمكن أن يستفاد من إطلاق الاصطفاء في مثل الخليل والكليم ، تحقّق جملة من جهات الاصطفاء.

وفي المجمع : قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) اصطفاك لذرّية الأنبياء وطهّرك من السفاح ، واصطفاك لولادة عيسى من غير فحل».

أقول : ظهر وجه ذلك ممّا تقدّم آنفا.

وفي الدر المنثور : أخرج الحاكم في صحيحه عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أفضل نساء العالمين خديجة ، وفاطمة ، ومريم ، وآسية امرأة فرعون».

أقول : الأفضليّة من الأمور النسبيّة الإضافيّة ، ويمكن أن تتحقّق في بعض هذه الأربعة أشدّ وأكثر من تحقّقها في البعض الآخر ، ويصحّ أن يقال بأفضليّة خديجة من جميع تلك النساء.

أولا : لأنها أوّل مسلمة ، وأنها بذلت نفسها ونفيسها في الإسلام وتكفّلت مثل محمد خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو أفضل جميع الموجودات ، فحازت بذلك درجة لا يمكن حصولها لأحد غيرها من النساء.

وثانيا : أنها ام المؤمنين وام الأئمة الأطهار عليهم‌السلام. وام فاطمة الزهراء ، فإن جهات شرفها على البقية ممّا لا تخفى على كلّ مسلم ، وقد تقدّم بعض الكلام فيها أيضا.

وفي العلل : عن الصادق عليه‌السلام في حديث : «أن مريم كانت سيدة نساء عالمها ، وأن الله عزوجل جعل فاطمة سيدة نساء عالمها وعالم ابنة عمران وسيدة نساء الأوّلين والآخرين».

أقول : هذا الحديث يدلّ على ما ذكرناه آنفا.

٣١٢

وفي تفسير القمّي : في قوله تعالى : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) قال عليه‌السلام : «لما ولدت اختصم آل عمران فيها فكلّهم قالوا نكفلها ، فخرجوا وقارعوا بالسهام بينهم ، فخرج سهم زكريا فتكفّلها زكريا».

أقول : المقارعة بالسهم عند حصول الحيرة والتحيّر فطريّة في الجملة ، وقد قرّرها الشارع ، وقد تقدّم في التفسير ما يتعلّق بذلك.

وفي تفسير العياشي : في قوله تعالى : (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : «يقرعون بها حين أوتمت من أبيها».

أقول : لا تنافي بين هذا الحديث وسابقه ، لأن المشهور أنها أوتمت وهي في الحمل ، مضافا إلى أن تحريرها للبيت عبارة عن انقطاعها عن أبيها ، ولم يكن من يكفلها إلا سدنة البيت.

وفي إكمال الدين : عن الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) قال : «إنه أرسل إلى بني إسرائيل خاصة ، وكانت نبوّته ببيت المقدس».

أقول : إنه أرسل إلى بني إسرائيل خاصة باعتبار فعليّة الدعوة ، لا بالنسبة إلى أصل النبوّة ، فإنها عامّة ومن اولي العزم.

وفي تفسير العياشي : في قوله تعالى : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) عن الصادق عليه‌السلام قال : «كان بين داود وعيسى أربعمائة سنة ، وكانت شريعة عيسى أنه بعث بالتوحيد والإخلاص بما اوصي به نوح وإبراهيم وموسى ، وانزل عليه الإنجيل ، وأخذ عليه الميثاق الذي أخذ على النبيّين ، وشرّع له في الكتاب إقام الصلاة مع الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحريم الحرام وتحليل الحلال ، وانزل عليه في الإنجيل مواعظ وأمثال وحدود ليس فيها قصاص ، ولا أحكام حدود ، ولا فرض مواريث ، وانزل عليه تخفيف ما كان على موسى في التوراة ، وهو قول الله في الذي قال عيسى لبني إسرائيل : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) ، وأمر عيسى من معه ممّن اتبعه من المؤمنين أن يؤمنوا بشريعة التوراة والإنجيل».

٣١٣

أقول : في الروايات كان بين داود وعيسى أربعمائة سنة وثمانون سنة ، ويمكن حمل ذلك على اختلاف السنين بحسب الأقوام ، على أنه لا ثمرة في تحقيق ذلك.

وفي تفسير القمّي : في قوله تعالى : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ) عن الباقر عليه‌السلام : «أن عيسى كان يقول لبني إسرائيل : إني رسول الله إليكم وإني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص ، والأكمه هو الأعمى ، قالوا : ما نرى الذي تصنع إلا سحرا ، فأرنا آية نعلم أنك صادق ، قال : أرأيتكم إن أخبرتكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ـ يقول ما أكلتم في بيوتكم قبل أن تخرجوا وما ادخرتم بالليل ـ تعلمون اني صادق؟ قالوا : نعم ، فكان يقول : أنت أكلت كذا وكذا أو شربت كذا وكذا ورفعت كذا وكذا ، فمنهم من يقبل منه فيؤمن ، ومنهم من يكفر وكان لهم في ذلك آية إن كانوا مؤمنين».

أقول : إنّ الإخبار بالمغيّبات الشخصيّة التي تتعلّق بحالات الأفراد له الأثر الكبير النفسي في نفوسهم ، فتتعلّق نفسهم بالخبر ، ولذا كان الإنباء من آخر الآيات التي جرت على يد عيسى عليه‌السلام ، ولم يكن يقدر أحد من المخاطبين على إنكاره.

وفي تفسير القمّي ـ أيضا ـ : في قوله تعالى : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) وهو السبت ، والشحوم ، والطير الذي حرّم الله تعالى على بني إسرائيل».

٣١٤

(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤) إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠))

بعد أن ذكر سبحانه وتعالى جملة من قصص عيسى عليه‌السلام ، وبيّن ما عليه من الصفات الحميدة وما جرت من المعجزات على يديه ، ودلّت الآيات الباهرات على صدق نبوّته وصحّة دعواه ، وأمر الناس بطاعته ، واعتبر أن متابعته هي الصراط المستقيم.

شرع في هذه الآيات الشريفة ببيان ما آل إليه أمره وما جرى بينه وبين قومه بني إسرائيل من العناد والكفر ، وما لاقاه منهم من الإعراض والتولّي.

وعلى الرغم من أن المسيح جاء لينجيهم ويخفّف عنهم بعض الأعباء والتكاليف الشاقّة التي حملوها على أنفسهم ، عاندوه وهمّوا بقتله ، وعندئذ دعا دعوته : (من أنصاري إلى الله) ، فلبّوا النداء الحواريون وأعلنوا انتصارهم له ، فأنجاه الله تعالى من مكرهم ورفعه إليه ، وأوعد الكافرين بالخزي والعذاب ، ووعد

٣١٥

المؤمنين به علو الذكر وحسن المآب ، ثم ختم عزوجل بأن خلق عيسى كخلق آدم وأنهما خلقا بالأمر التكويني الخارق للعادة ، واعتبر أن ذلك هو الحقّ ، وغير ذلك من الدعاوي هي الباطلة.

وأوجز سبحانه في هذه الآيات القصص بما يؤدّي المطلوب منها في المحاجّة مع وفد نجران حين قدموا المدينة ، وذكر بعض الخصوصيات في مواضع اخرى من القرآن الكريم.

التفسير

قوله تعالى : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ).

مادة (حسس) تدلّ على الإدراك بالمشاعر الحسيّة ، كالعين والاذن والأنف واللسان واليد ـ ويقابله الدرك العقلي ، أي ما يدركه الفكر ، قال تعالى : (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) [سورة مريم ، الآية : ٩٨] ، وقال تعالى : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) [سورة الأنبياء ، الآية : ١٢] ، وقال تعالى : حكاية عن يعقوب (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ) [سورة يوسف ، الآية : ٨٧] ، أي اطلبوه عن طريق الحسّ ، وفي الحديث : «ان الشيطان حساس لحاس» ، أي شديد الحس والإدراك ، وفي الحديث أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كان في مسجد الخيف فسمع حسّ حية» ، أي حركتها وصوت مشيها.

وإنما عبّر سبحانه وتعالى ب (أحس) مع أن الكفر من الأمور المعنويّة ، لبيان أن كفرهم بلغ مبلغا حتّى تعلّقت به الحواس الظاهرة ، فيكون استعارة بليغة ، كما في قوله تعالى : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ١٢].

والمعنى : فلما عرف عيسى من بني إسرائيل الكفر وعلم منهم العناد واللجاج ، وأنهم قصدوا إيذاءه مع وضوح تلك الآيات الباهرات التي عرفوها منه ، دعا

٣١٦

الأنصار لتثبيت شرع الله تعالى والتمسّك بدينه.

وفي الآية الشريفة التسلية لنبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله حين ما رأى من قومه العناء واللجاج.

كما يستفاد منها أن الآيات الكونيّة والمعجزات الباهرات لا تلجئ أحدا على الإيمان ولا تكون ملزمة له ، كما هو صريح بعض الآيات الشريفة مثل قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [سورة القصص ، الآية : ٥٦] ، وذلك صدر منهم من العناد واللجاج ما جعل الأنبياء في العناء والمشقّة من أقوامهم.

قوله تعالى : (قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ).

الأنصار جمع نصير ، فعيل بمعنى فاعل ، لأن كلّ واحد من المتناصرين ناصر ومنصور ، وهو بمعنى العون ، ونصرة الله للعبد ظاهرة ، وأما نصرة العبد لله هي نصرته لعبادته والقيام بحفظ حدوده ورعاية عهوده وامتثال أوامره واجتناب مناهيه.

وإنما أضاف إلى الأنصار نفسه لبيان أن نصرته نصرة الله تعالى. وقيّد الأنصار بكونهم إلى الله ، للتحريض والتشويق إلى لقاء الله تعالى ، ونظير ذلك كثير في القرآن الكريم ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [سورة النساء ، الآية : ١٣٦] ، وقال تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [سورة البقرة ، الآية : ٢٤٥] ، وقد ذكر سبحانه وتعالى في موضع آخر بما يرفع الإجمال عن هذا الموضع ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ) ، كما قال عيسى بن مريم للحواريين (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) [سورة الصف ، الآية : ١٤].

والاستفهام في هذه الآية الشريفة لاختبار القوم ومعرفة المؤمن منهم عن غيره ، وبيان أهمية النصرة لله تعالى.

٣١٧

قوله تعالى : (قالَ الْحَوارِيُّونَ).

الحواريون جمع حواري ، وأصل المادة تدلّ على البياض والتخلّص من كلّ عيب ، ولذلك سمّيت نساء أهل الجنّة بحور العين لشدّة بياضهن وسواد عيونهن ، وفي الحديث : «أن في الجنّة لمجتمعا للحور العين».

وإنما سمّى ناصر الأنبياء حواري ، باعتبار خلوصه في نفسه عن العيب والذنب وإخلاصه لغيره ، فيكون ناصرا وخاصّة له.

ولم يرد هذا اللفظ في القرآن الكريم إلا بالنسبة إلى أصحاب المسيح عليه‌السلام ، وهم رسله الّذين أخلصوا في أنفسهم ونقّوها من كلّ عيب وكانوا مخلصين له ، وهم الّذين كان عيسى عليه‌السلام يرسلهم إلى بني إسرائيل للوعظ والإرشاد.

وقد اختلفوا في عددهم ، والمشهور أنهم كانوا اثنى عشر رسولا ، وذكرهم إنجيل متى في الاصحاح العاشر ٢ ـ ٤ ، وقيل إنّ عددهم سبعون ، وهم الّذين اختارهم عيسى وأرسلهم إلى الأقوام ليعلموهم المسيحيّة ، ولا فائدة في معرفة العدد بعد وضوح أصل المعنى وأن المناط هو تحقّق الإخلاص والخلوص.

والمستفاد من الآية الشريفة ـ كما عرفت ـ أن الحواري أخصّ من مطلق الصاحب.

والآية المباركة ترشد إلى أمر اجتماعي ، وهو أن كلّ مرشد في الاجتماع لا بد وأن يهيء لنفسه مركزا يكون مصدرا لإرشاده ويعتمد عليه في ما يستجدّ من الحوادث ويستمد منه القوة حين ما يتطلب ذلك ، وإلا كان عمله هدرا وأتعابه سدى. وهذا من أهم الأمور التي أشير إليها في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم والسنّة المقدّسة ، قال تعالى حكاية عن لوط : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [سورة هود ، الآية : ٨٠] ، وفي ابتداء الدعوة في الإسلام اختار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله رجالا جعلهم مصدر الدعوة ، وذلك في بيعة العقبة وبيعة الشجرة ، كما نتابع الكلام إن شاء الله تعالى.

٣١٨

قوله تعالى : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ).

أي : استجابوا إلى دعوة المسيح ، وهم الّذين اختارهم عيسى وجعلهم من حواريه ، وقالوا : نحن متبعوك وناصروك في الدعوة إلى دين الله والجهاد في سبيله ، ويفسّر معنى النصرة في الله ما بعد هذه الآية.

وفي قوله تعالى : (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) ، الطباق الشديد ، أي : نحن ناصروك لأنه نصرة الله تعالى.

قوله تعالى : (آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).

تبيّن هذه الجملة معنى نصرة الله ، إذ الإيمان الحقيقي نصرة الله تعالى ، ونصرته جلّ جلاله ترجع إلى كمال النفس الإنسانيّة ، وتهذيبها بالأخلاق الفاضلة والجهاد مع أعداء الله تعالى.

وقوله جلّ شأنه : (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ، تسليم لهم لنبيّهم تسليما حقيقيّا. وهيئة التسليم تدلّ على الخضوع لله تعالى وإطاعته في جميع تشريعاته ، والإيمان من إحدى طرق التسليم ، ولها مراتب متفاوتة.

وسياق الآية الشريفة يدلّ على كمال إيمانهم ، وتمكّنه في قلوبهم ، حتى ظهر التسليم والخضوع على جوارحهم عن جوانحهم وطلبوا من عيسى الشهادة بذلك.

وفي الآية المباركة الدلالة على أن الإيمان بالله تعالى لو لم يكن مقرونا بشهادة المتبوع لا أثر له أبدا. وتقدّم الكلام في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [سورة البقرة ، الآية : ١٤٣].

ويستفاد من الآية الشريفة أن إيمان الحواريين كان راسخا في قلوبهم ، وإنما طلب عيسى عليه‌السلام منهم النصرة لله تعالى إتماما للحجّة على غيرهم ممّن أحسّ منهم الكفر ، وإعلانا لشأنهم وإظهارا لدرجاتهم الكاملة في الإيمان ، فيكون قولهم (آمنا بالله) تأكيدا لما آمنوا به أولا ، وتثبيتا لشهادة عيسى على ذلك ، ويدلّ على ما ذكرنا قوله تعالى في موضع آخر : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي

٣١٩

قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) [سورة المائدة ، الآية : ١١١] ، والوحي ـ بأي معنى أخذ ـ كاشف عن كمال إيمانهم وجلالة قدرهم ، ولكن استفادة كونهم أنبياء الله من الوحي إليهم مشكل ، لأنه أعمّ من ذلك ، إذ قد يستعمل الوحي في مجرّد الإلقاء في القلب من الله تعالى ، كما في قوله عزوجل : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [سورة القصص ، الآية : ٧].

قوله تعالى : (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ).

تضرّع منهم إلى الله تعالى والدعاء على الإيمان ، فيكون مثل قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) [سورة آل عمران ، الآية : ٨].

والجملة مقول قول الحواريين ، وإنما حذف القول مبالغة في التضرّع ، وللدلالة على التشرّف بالدعاء ، ولبيان نفس الحكاية ، وهو من أحسن الأساليب البلاغيّة وهو في القرآن الكريم كثير جدا ، ويستفاد أن الداعي قد أهمل نفسه أمام المدعو ولا يرى لها شأنا ، وإنما همّه التضرّع وعرض الحال.

وإنما ذكر المتابعة للرسول بعد الإيمان بالله تعالى ، لبيان أن الإيمان به جلّت عظمته يستلزم العمل بما جاء به الرسول ، وأن أحدهما بدون الآخر لا أثر له.

قوله تعالى : (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ).

أي : وثبّتنا مع الشاهدين ، والمراد منه المعنى العام للشهود في كلّ عالم من العوالم ، ففي عالم الدنيا شهود الواقع والحقّ على ما هو عليه ، المشتمل على تبليغ الحقّ أيضا ، الذي هو من أعلى درجات الإيمان ، بل لا درجة فوقه ، كما في قوله تعالى : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [سورة المائدة ، الآية : ٨٣]. وبالنسبة إلى أعمال الجوارح شهود مطابقتها مع الواقع ، وبالنسبة إلى عالم البرزخ والآخرة شهود عين تلك الحقائق بصور مناسبة لتلك العوالم ، وقد تقدّم في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [سورة البقرة ، الآية : ١٤٣] ، بعض الكلام فراجع.

٣٢٠