مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٥

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دفتر سماحة آية الله العظمى السبزواري
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٥٩

وظاهر الآية الشريفة أن الطهارة في المقام أعمّ من الطهارة من الأدناس الظاهريّة والأقذار المعنويّة ، فهي معصومة بعصمة الله تعالى ، وقد تحقّق فيها دعاء أمها من إعاذتها وذرّيتها من الشيطان الرجيم.

وقيل : الطهارة مختصّة بالطهارة عن الأدناس التي تلحق بالنساء ، مثل الحيض والنفاس ، حتّى تكون صالحة لخدمة المسجد ، ولكن الإطلاق يدفع ذلك.

قوله تعالى : (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ).

أي : واختارك لتكوني اما للمسيح ، فيكون الاصطفاء في المقام غير الاصطفاء في صدر الآية الشريفة ، فإنه يختصّ ببعض الجهات ، وهو تقديم مريم عليها‌السلام على سائر النساء في الولادة من غير أب ، ويشهد لذلك جملة من الآيات المباركة التي تدلّ على تكريمها بهذه المزيّة ، قال تعالى : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) ، وقال تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٩١] ، وقال تعالى : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [سورة التحريم ، الآية : ١٢]. والمستفاد من جميع ذلك أنها تقدّمت على نساء العالمين في خصوص هذه المزيّة ، وإن كانت لها صفات اخرى منها التطهير والتصديق بكلمات الله تعالى وكتبه ، والقنوت ، وتقبّلها ربّها ، وأنبتها نباتا حسنا ونحو ذلك ، ولكن هذه الأمور قد توجد في غيرها فلا تختصّ بها ، وربما تكون هذه الأمور هي من تلك الجهات التي اقتضت اصطفاءها في المرة الاولى.

ومن ذلك يظهر سرّ تكرار الاصطفاء في الآية الشريفة ، فلا دلالة فيها مع هذه القرائن الكثيرة على اصطفائها على جميع نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، مع أن لفظ العالمين قابل للتوسعة والتضييق ، والقرائن المذكورة في المقام والسنّة دلّت على سيادتها وتقدّمها على نساء العالمين في جهة خاصة أو على نساء عالمها ، فهي لا تدلّ على أفضليتها على فاطمة عليها‌السلام ، التي اجتمعت فيها امور كثيرة لا تكون في غيرها ، وسيأتي في البحث الروائي ما يتعلّق بذلك.

٢٨١

قوله تعالى : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ).

تكرار النداء لبيان عظمة المنادي ، وللإشارة إلى تتابع النداء على مريم وحثّها على الاستماع والإصغاء ، والتحبّب إليها ، والاهتمام بشأنها.

والقنوت : هو لزوم الطاعة والخضوع ، وتقدّم تفصيل معناه في قوله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٣٨]. والسجود والركوع معروفان ، والجميع كناية عن لزوم الطاعة والخضوع والخشوع في العبادة وعدم تركها في حال ، ومراعاة وظيفة العبوديّة.

ويمكن أن يكون المراد من الركوع مع الراكعين هو لزوم الصلاة والمحافظة عليها ، ولعلّ النكتة في التعبير بالركوع مع الراكعين هي الأمر باتباع شريعة موسى ومتابعة زكريا قبل ظهور شريعة ابنها عيسى عليه‌السلام ، حيث إنها كانت في كفالته ، مع أن الظاهر أن الصلاة كانت واحدة في الشريعتين ، فإنها أوّل ما نطق به عيسى عليه‌السلام حينما وضعته امه ، قال تعالى حكاية عنه : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٣١].

وكيف كان ، فهي تابعة في جهات عبادتها لشخص آخر ، وهو إبراهيم أو موسى أو زكريا ، ولا استقلال لها بوجه حتّى يتوهّم أنها أصل من الأصول ، ولا ينافي ذلك نداءها من قبل الملائكة بلزوم الطاعة والعبادة والخضوع ، فإن كلّ نفس آمنت بالله تعالى ايمانا حقيقيّا واتّصفت بالتقوى واليقين يمكن أن تحدثها الملائكة ، وقد ورد في جملة من الاخبار : «ان المؤمن محدث» ، ولا ريب أن حديث الملائكة كاشف عن كمال الإيمان ، كما أن وحي الشيطان كاشف عن كمال الشقاء والحرمان ، قال تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٢١].

وربما يكون الوجه في الأمر بالركوع مع الراكعين هو لزوم الصلاة ، التي هي معروفة عند الخواص ، التي تكون خالصة عن الشوائب وكلّ ما هو خارج عنها عندهم.

٢٨٢

ولا دلالة لهذه الجملة على كون المعنى منها لزوم صلاة الجماعة ، كما ذكره بعض المفسّرين ، بل المراد منها هو لزوم الموافقة مع المصلّين والدخول في زمرتهم.

وإنما ذكر سبحانه (الرب) ، لأن ربوبيّته المطلقة تقتضي إيصال كلّ ممكن لغايته ، وغاية العبوديّة الحقيقيّة هي الوصول إلى مقام الاصطفاء ، فتكون الجملة في مقام التعليل للجملة الاولى ، أي : أن علّة الاصطفاء هي الخضوع للحي القيوم والسجود والركوع له ، والانخلاع عن الرذائل والانقطاع إلى الله تعالى.

وإنما قدّم سبحانه السجود قبل الركوع ، لكمال أهمية السجود من الركوع وغيره من العبادات ، ففي الحديث : «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد» ، مع أنه يمكن أن يراد من الركوع مطلق الصلاة ، ولم يعلم بوجه صحيح أن صلاتهم كانت مثل صلاة المسلمين بتقديم الركوع على السجود.

قوله تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ).

(ذلك) إشارة إلى ما قصّه الله تعالى من شأن امرأة عمران ومريم وزكريا ويحيى ، وما تضمّنته من البلاغة والغرابة.

والأنباء : جمع نبأ ، كالأخبار جمع خبر ، ولكن النبأ أخصّ من مطلق الخبر ، لأن النبأ يطلق على الخبر ذي الفائدة العظيمة ، والخبر أعمّ منه ، وقد يطلق على مطلق الخبر مع القرينة ، ويمكن أن يستفاد من موارد الاستعمالات القرآنيّة أن النبأ يستعمل غالبا في الموارد التي تستفاد فائدة الخبر من ناحية العلّة ، والخبر بالعكس.

والغيب : كلّما غاب عن الحواس الظاهريّة والمعنويّة ، سواء كان من موجودات هذا العالم في ما مضى ويأتي ، أم عالم آخر. ومادة (غيب) كثيرة الاستعمال في القرآن مفردا وجمعا ، ولعلّ من أعظم موارد استعمالها قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) [سورة الجن ، الآية : ٢٦ ـ ٢٧].

والوحي هنا إلقاء المعنى إلى الغير على وجه خفي ، سواء كان بإرسال الملك أم الإلهام ، أو غير ذلك ، ولا يختصّ بالنفوس الإنسانيّة ، بل يعمّ غيرها ، لأن جميع

٢٨٣

الممكنات مسخّرات تحت إرادته عزوجل ومستمدة من مدده ، قال تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [سورة النحل ، الآية : ٦٧].

ويستفاد من الآية الشريفة أن ما أوحى الله تبارك وتعالى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الصحيح المكنون في علم الغيب ، ولا يوجد عند أهل الكتاب ، بل لا عبرة بما هو الموجود عندهم ، لعدم سلامته من التحريف ، ولا عند قوم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكونهم أميين لا يعرفون هذه القصص بوجه من الوجوه.

ونظير هذا التعبير ورد في قصة يوسف : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) [سورة يوسف ، الآية : ١٠٢] ، والقصتان متشابهتان من حيث أن يد التحريف نالتهما ، وأنهما لم تذكرا بهذه الخصوصيات التي وردت في القرآن الكريم في كتب القوم.

قوله تعالى : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ).

أقلام جمع قلم ، ومادة (قلم) تأتي بمعنى القطع في أي هيئة استعملت ، وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم مفردة وجمعا ، قال تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) [سورة القلم ، الآية : ١] ، وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) [سورة لقمان ، الآية : ٢٧] ، ويسمّى القدح قلما لأنه مقطوع في الجملة أيضا ، وقيل : لا يقال للقلم قلما إلا بعد البري ؛ ويسمّى قبله قصبة ويراعة.

وما روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كان يأخذ الوحي عن جبرائيل ، وجبرائيل عن ميكائيل وميكائيل عن إسرائيل وإسرافيل عن اللوح المحفوظ واللوح عن القلم» ، فهي إشارة إلى معنى إلهي سيأتي تفسيره في موضعه إن شاء الله تعالى.

وإلقاء الأقلام نوع من القرعة التي قرّرتها الشريعة المقدّسة الإسلامية ، فقد ورد فيها : «القرعة لكل أمر مشكل» ، أو «كلّ أمر مشكل ففيه القرعة» ، وهي تختلف باختلاف الأعصار والأمصار ، فتشمل كلّما يسمّى قرعة كيف كانت ، ويأتي في قوله تعالى : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٤١] بعض الكلام.

٢٨٤

ومعنى يلقون أقلامهم ، أي : أن سدنة الهيكل كانوا يتسابقون في كفالتها ، فيلقون أقلامهم ويرمونها ويضربون بها لأخذ النتيجة. والآية المباركة تدلّ على أن القرعة لها دخل في تمييز الحقوق وتعيينها في الواقع.

قوله تعالى : (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ).

أي : أن النتيجة التي أرادوها من ضرب الأقلام هي تعيين من يكفل مريم ، والجملة تدلّ على أن التكفّل والحنان للوليد كانا في مورد السباق من أوّل ولادة مريم.

قوله تعالى : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ).

أي : وما كنت شاهدا نزاعهم وتنافسهم على كفالة مريم حين تراضوا بالقرعة ، وضرب السهام فخرجت باسم زكريا وكانت من نصيبه. والظاهر أن هذا الاختصام والنزاع كان لكفالة مريم من ابتداء الأمر وحين ولادتها.

وقيل : ان هذا الاختصام والنزاع كان بعد كبر مريم عليها‌السلام وعجز زكريا عن كفالتها ، لأن هذه الجملة ذكرت بعد تعيين الكفيل بالقرعة وتمام قصتها ، فتكونان واقعتين مستقلتين.

ولكن ظاهر الآية الشريفة يدفع ذلك ، ولا يضرّ إعادة بعض خصوصيات القصة بعد تمامها ، لفائدة خاصة وهي التثبيت ، ونظير ذلك ما ورد في قصة يوسف عليه‌السلام ، فإنه بعد سرد القصة قال تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) [سورة يوسف ، الآية : ١٠٢].

ويستفاد من الآية الشريفة جواز الاختصام في المسارعة إلى الخير ، والمتيقّن منه ما إذا كان ذلك بمجرّد القول والاحتجاج من دون أن تطرأ عناوين جانبيّة اخرى ، كالهتك والتوهين والإيذاء مثلا.

وفي تكرار : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) للدلالة على أن كلّ واحد من الموردين له الاستقلال في الدلالة على صدق قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحة نبوّته ، مع أنه رجل امي لا يعلم هو وقومه من أخبارهم شيئا ، وعدم ذكرهما في الكتب المتداولة في أهل

٢٨٥

الكتاب ، وفيها الدلالة على أن ذلك وحي من الله تعالى.

وإطلاق النفي يشمل نفي الحضور الجسماني والروحاني ، ومنه يظهر ضعف ما ذكره بعض من أن الأرواح خلقت قبل الأجساد ، وأنها كانت عالمة بكلّ شيء قبل التعلّق بالأجساد ، فلما تعلّقت بها سلبت عنها علومها وانحصرت معرفتها بما يستفيده الإنسان بالجهد ، ويستندون في ذلك إلى بعض الأحاديث ، وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام فيه ، ونظير المقام قوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) [سورة القصص ، الآية : ٤٦] ، وقوله تعالى : (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [سورة القصص ، الآية : ٤٤] ، والجميع يدلّ على انحصار علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالأمور الغيبيّة بالوحي السماوي فقط.

والآية الشريفة تدلّ أيضا على كمال العناية بشأن مريم والاهتمام بها وكرامتها على الله تعالى وعظم منزلتها عند سدنة بيت المقدس ، ولعلّ السرّ في ذلك أنهم عرفوا بوجه من الوجوه أن لها شأنا من الشأن وتكون منشأ لحادثة عظيمة ، وهي الولادة من غير أب.

وكيف كان ، فالآية المباركة تدلّ على قداسة ام المسيح وتبطل الشبهات التي لم تتورّع اليهود أن يلصقوها بمريم ، كما أنها تدلّ على إبطال مزاعم النصارى في مريم ، ببيان كاف وشرح واف تقبله العقول السليمة والأذهان المستقيمة ، وإخراجها عن حدّ الإفراط والغلو ومنحها أرفع المقامات ، وهو مقام التقوى والخضوع لربّ العالمين والعبوديّة لله تعالى.

ومن عجيب الأمر أن امراة عمران نذرت ما في بطنها محرّرا بخلوص ، وحزنت عند ما وضعت المولود أنثى ، لاحتياجها إلى رعاية الام أكثر من غيرها ، ولكن الله تعالى تقبّلها وجعل قلوب سدنة بيت المقدس تهوى إليها ، فتشاجر القوم وتنازعوا في كفالتها وحضانتها وحفظها وحراستها ، ولا بد من الاعتبار والتوكّل عليه تعالى ، وجعل هذه القصة نصب الأعين ، فكلّ من أخلص في عمله لله تعالى يراعي الله عزوجل شأنه ويوكل قوما من عباده لحفظه ورعايته ، أنه على كلّ شيء قدير.

٢٨٦

قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ).

شروع في قصة عيسى عليه‌السلام ، وبشارة عظيمة من الرحمن لابنة عمران وتبجيل لها ، وإعلان لجلالة مقام المسيح ورفعة مكانه ، و (إذ) بدل من نظيرتها السابقة ، أو عطف بيان ، وترك العطف لاتحاد المخاطب فيهما ، وللإشارة إلى تقارب الزمانين ، بحيث يمكن اعتبارهما حينا واحدا وفي قصة واحدة ، والظاهر أن البشارة كانت في كبر مريم عليها‌السلام.

والمراد بالملائكة جنسها ، فلا ينافي أن يكون واحدا ، وهو في المقام جبرائيل عليه‌السلام الذي تمثّل لها بشرا ، سويّا ، كما قال تعالى في موضع آخر : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا* قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا* قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ١٧ ـ ١٩] ، ويمكن أن تكون البشارة من جبرائيل وجنوده من الأملاك إجلالا واهتماما بالموضوع ، والكلّ رسل من الله تعالى ، ولذا ينسب تارة إلى نفسه واخرى إلى الملائكة.

قوله تعالى : (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ).

مادة (كلم) تأتي بمعنى الظهور والبروز ، وهذا هو الجامع بين جميع استعمالاتها ، وعلى هذا تكون جميع الموجودات كلمات الله تعالى ، لأنها مظاهر قدرته ومبرزات مشيئته ، كما أن أنبياء الله تعالى وأولياءه كلمات الله تعالى ، لأنهم مظاهر أخلاقه ، وتشريعاته ، وكما أن بين الكلمات الهجائيّة فرقا واضحا بين أفرادها ، كذلك يكون بين كلمات الله تعالى التشريعيّة والتكوينيّة.

والكلمة والكلم كالتمرة والتمر جنس ومفرد ، وتطلق الكلمة في العلوم الأدبية على اللفظ الدال على المعنى وعلى الجملة ، سواء كانت تامّة يصحّ السكوت عليها ، أم ناقصة لا يصحّ.

وإنما أتى الضمير في (اسمه) مذكّرا باعتبار المعنى.

والمسيح معرب ، وأصله (مشيح) بالعبرانيّة ، كما في كتب العهدين ، وهو لقب

٢٨٧

عيسى بن مريم ، وقد وقع في ضمن البشارة كما هو ظاهر الآية الشريفة ، فيكون مباركا ، قال تعالى حكاية عنه : (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) ، ويصحّ أن يقع اسما له توسعا ، فيقال اسمه المسيح عيسى ابن مريم.

وكيف كان ، فقد ذكر القوم في وجه تسمية عيسى بن مريم بهذا الاسم أو اللقب.

ومنها : أنه مسح بالتطهير من الذنوب.

ومنها : أنه مسح بدهن زيت بورك فيه ، وكان الأنبياء يمسحون به.

ومنها : أنه كان يمسح رؤوس اليتامى.

ومنها : أنه كان يمسح عين الأعمى بيده فيبصر ، وذا عاهة فيبرأ.

ومنها : أن جبرائيل مسحه بجناحه حين ولادته ليكون عوذة من الشيطان.

ومنها : أن كتب العهدين كانت تبشّر بني إسرائيل بظهور ملك عليهم ينجيهم ، فسمّي مشيحا بذلك ، وقد تعلل اليهود عن قبول نبوّته بأنه لم ينل الملك أيام دعوته ولم تتحقق البشارة في حياته ، ووجه بعض النصارى والمسلمين بأن المراد الملك المعنوي ، دون الظاهري الصوري.

ولكن شيئا ممّا ذكروه لم يقم عليه دليل ، بل هو تطويل بلا طائل تحته ، والذي يظهر من الآية الشريفة أن هذا اللقب أو التسمية إنما هي من الله تعالى من حين ولادته ، وأنه يلازم البركة والخير اللذين عرف بهما عيسى بن مريم ، ولعلّ السرّ في ذلك كلّه هو نبذ العادة التي كانت متّبعة عند الإسرائيليين في الزعيم الروحاني عند ما يمنحه للزعامة الروحانيّة من هو قبله ، حتى صار لقبا للزعيم الروحاني وأصبح وساما للزعامة الروحانيّة ، كالتويج للملك ، فالآية المباركة ترشد إلى الإعراض عن هذه العادة ، وأن المسيح الذي يكون مباركا هو عيسى ابن مريم الذي سماّه الله تعالى به لا غيره.

وقد وقع الخلاف بين المفسّرين في المراد من الكلمة ، فقيل : إنّ المراد منها هو المسيح باعتبار أنه تكون في رحم امه من غير فحل ، بل بكلمة (كن) ، أي بتوجّه

٢٨٨

الإرادة الخلّاقة إلى إيجاده بدون أسباب ومعدّات ظاهريّة ، وإلا فإن جميع أفراد الإنسان يوجدون بكلمة الله تعالى وإرادته التكوينيّة ، ولكنهم يوجدون بالأسباب العاديّة ، بخلاف عيسى فإنه وجد من دون تلك الأسباب العادية ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) [سورة النساء ، الآية : ١٧١] ، وقوله تعالى في آخر هذه الآيات : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). وهذا الوجه هو الصحيح وتؤيّده ظواهر الآيات الشريفة وبعض الأحاديث.

وقيل : إنّ المراد منها المسيح عليه‌السلام باعتبار أن الأنبياء السابقين بشّروا به بعنوان أنه هو الذي ينجي بني إسرائيل ، فيكون نظير قوله تعالى في ظهور موسى عليه‌السلام : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) [سورة الأعراف ، الآية : ١٣٧] ، وأيّد ذلك بما ورد في كتب العهدين في شأن المسيح عيسى بن مريم.

ويردّ عليه : أن ظاهر القرآن الكريم أن المسيح اسم للكلمة التي أوجدها تعالى ، لا أن يكون اسما للكلمة التي تقدّمت البشارة بها ، مضافا إلى أن ظاهر قوله تعالى في المقام (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) أن عيسى ابن مريم هو بنفسه وقع مورد البشارة ، لا أن يكون مبشّرا به.

وقيل : إنّ المراد بالكلمة نفس البشارة ، والأخبار بحمل مريم بعيسى عليه‌السلام وولادته منها ، أي : ويبشّرك ببشارة هي ولادة عيسى من غير أب.

وفيه : أنه خلاف ظاهر الآية الشريفة.

وقيل : أن المراد بها عيسى باعتبار كونه موضحا لمراد الله تعالى في التوراة ، ومبيّنا لتحريفات اليهود وما اختلفوا فيه ، كما حكى عنه عزوجل : (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) [سورة الزخرف ، الآية : ٦٣].

وفيه : أنه لا يلائم ظاهر الآية الشريفة.

٢٨٩

قوله تعالى : (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ).

عيسى معرّب يسوع بالعبرانيّة ، وفي كتب العهدين : «ايشوع» ، ومعناه السيد. وذكر بعض المفسّرين أن تفسيره بيعيش هو الأنسب من جهة تسمية ابن زكريا بيحيى ، لما بين هذين النبيين من المشابهة التامّة ، وهو وجه حسن ، لكن إثبات المشابهة التامّة حتى من هذه الجهة مشكل ، لأنه إذا ورد في القرآن الكريم وصف لنبيّ من الأنبياء ، فإن استفيد من القرائن الداخليّة أو الخارجيّة اختصاص ذلك النبيّ بذلك الوصف فهو ، وإلا فيجري في جميع الأنبياء ، فما اختصّ به عيسى بن مريم هو لقب المسيح وبعض الخصوصيات ، لا تجري في غيره ، وإن كان يحيى الذي بينه وبين عيسى المشابهة الكبيرة ، والأنبياء يتشابهون في أغلب الصفات والعلامات ، ولكن لا يلزم من ذلك التشابه التام.

وإنما نسب سبحانه وتعالى عيسى إلى امه مريم ، للتنبيه على أنه مخلوق من غير أب ، وردّا على من يسميه ابن الله ، وللإعلام بأنه وامه شريكان في كونهما آية الله تعالى ، قال عزوجل : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٩١].

قوله تعالى : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ).

الوجيه ذو الجاه والكرامة والشرف ، والوجاهة : هي المقبوليّة ، أما وجاهته في الدنيا فلما له من المكانة الرفيعة والشرف العظيم والرفعة المعنويّة الروحانيّة ، التي طالما جعلت الملوك نير المذلة في أعناقهم أمام عظمته وسؤدده ، وأما وجاهته في الآخرة ، فلها شأن لا يعلمه إلا الله تعالى ، وقد أطلق سبحانه وتعالى له هذا الوصف في الدنيا والآخرة ولم يقيّده بجهة خاصة ، ليشمل الجميع ويذهب ذهن السامع كلّ مذهب أمكن.

والظاهر أن الوجاهة في الدنيا والآخرة لا تختصّ بعيسى عليه‌السلام ، فإن جميع الأنبياء لهم هذه الوجاهة.

نعم ، تختلف باختلاف الجهات الخارجيّة ، والآية الكريمة ليست في مقام بيان ذلك.

٢٩٠

قوله تعالى : (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ).

المقرّبون هم الّذين استقاموا على الطريقة وأصابوا الحقّ والحقيقة ، ومشوا على بساط القرب بإقدام حافية عن جميع الأوهام ، وتخلّوا عن تمام الجهات الإمكانية ، وطرحوا جميع إضافاتهم النفسانيّة ، ولا يشاءون إلا ما شاء الله تعالى ، فأدركوا لذّة البقاء بالله تعالى في الفناء في مرضاة الله ، طينتهم حبّ الواحد الأحد ، وصورتهم الشوارق النازلة من الله الصمد ، فقد وردوا الساحة الربوبيّة بهممهم العالية ، وتصرّفوا في نظام التكوين بإذن من الحي القيوم الحكيم ، وقد وصف الله تعالى الأنبياء بهذا الوصف لأنهم سبقوا سائر أفراد الإنسان إلى هذه الحقيقة ، كما يظهر من قوله تعالى في شأن المتقرّب إليه : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [سورة الواقعة ، الآية : ١١].

والمراد القرب إلى الله تعالى الذي هو غاية سعي الإنسان والتقرّب إلى المعبود ، ولذا يكون قرين المعبوديّة لله تعالى ؛ والقرب إما أن يحصل من فعل الفاعل المختار ، كتقرّب الأنبياء والأولياء ، وإما أن يكون من مجرّد العطية المحضة والمنحة الإلهيّة ، لمن يشاء ، كقرب بعض الملائكة ، وقد جمعهما الله تعالى في قوله عزوجل : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [سورة النساء ، الآية : ١٧٢].

ثم إنّ كلّ وجيه في الدنيا والآخرة هو مقرّب عند الله تعالى ، وكذا بالعكس إن لوحظ ذلك من حيث الوصف بحال الذات ، وأما إذا لوحظ من حيث الوصف بحال المتعلّق ، أي اعتقاد الناس ، فالأمر ليس كذلك ، فكم من مقرّب عند الله تعالى لا يعرفه أحد. ولكن المستفاد من سياق الآية الشريفة هو المعنى الأوّل ، فيكون العطف تفسيريّا.

قوله تعالى : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً).

مادة (مهد) تأتي بمعنى البساط والفراش والراحة ، ويسمّى مضجع الطفل أو الموضع الذي يهيأ له مهدا لكونه محل ذلك كلّه للطفل ، كما تسمّى الأرض مهادا

٢٩١

لذلك أيضا بالنسبة إلى الإنسان والحيوان ، ومهّدت الأمر هيأته ووطئته ، قال تعالى : (فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) [سورة الروم ، الآية : ٤٤].

والكهولة : اسم لما بين الشباب والشيخوخة ، والشاب من تجاوز البلوغ إلى ثلاثين سنة ، والشيخ من جاوز الأربعين ، وفيه يكون الإنسان رجلا كاملا سويّا ، وقد سمّى العلماء كلّ سني العمر باسم خاص ، كما يأتي في البحث الأدبي.

والمعنى : يكلّم الناس ويدعوهم إلى التوحيد من حين ولادته إلى حين كهولته ورفعه إلى السماء ، وقد حكى الله تعالى في موضع آخر تكلّمه حين ولادته ، وقال عزوجل : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا* وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٣٠ ـ ٣٣].

وفي الآية المباركة بشارة إلى مريم بأنه يعيش إلى زمان الكهولة ، فيكون رجلا كاملا قويّا سويّا ، وفيها إشارة إلى أنه لا يبلغ سن الشيخوخة.

وقد ذكر سبحانه وتعالى طرفي عمره لما وقع فيهما الآيتان ، التكلّم ساعة ولادته ـ في المهد وهو صبي لم يبلغ سن الكلام ـ كلاما يعتني به العقلاء كما يعتنون بكلام الرجال ، وآية رفعه إلى السماء حين بلوغه سن الكهولة كما يأتي بعد ذلك.

والمعروف أنه عليه‌السلام أرسل إلى الناس وهو ابن ثلاثين سنة ، ورفع إلى السماء بعد ثلاث سنين ، وهذا ما تدلّ عليه الأناجيل المعروفة ، ولكن ذكر جمهور المفسّرين أن تكليمه الناس إنما هو بعد نزوله من السماء ، فإنه لم يمكث في الأرض ما يبلغ به سن الكهولة.

والصحيح ما ذكرناه من أن الآية الشريفة في مقام بيان أن الزمانين مورد حدوث الآية فيهما ، والنصارى تزعم مزاعم في حياة هذا الرجل العظيم ، والآية الشريفة تنفي تلك بأسلوب جذاب.

٢٩٢

قوله تعالى : (وَمِنَ الصَّالِحِينَ).

أي : معدود منهم الّذين تعرفهم مريم وتعلم سيرتهم. ومادة (صلح) تستعمل في المطابقة مع الواقع المطلوب من الشيء ، فصلاح الإنسان مطابقة أعماله الجوانحيّة والجوارحيّة مع مرضاة الله تعالى.

وقد وقع هذا التوصيف لجمع من أنبياء الله تعالى ، منهم إبراهيم عليه‌السلام ، قال تعالى : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة النحل ، الآية : ١٢٢] ، وإسحاق ويعقوب ، قال تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٧٢] ، ويحيى عليه‌السلام ، قال تعالى : (وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٣٩] ، وقال تعالى في شأن جمع من الأنبياء (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة الأنعام ، الآية : ٨٥] ، ولوط ، قال تعالى : (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٧٥] ، وإسماعيل وإدريس وذو الكفل ، قال تعالى في شأنهم : (كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ* وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٨٦] ، وفي طلب سليمان الذي استجابه الله تعالى قال جلّ شأنه حكاية عنه : (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) [سورة النمل ، الآية : ١٩] ، ويونس صاحب الحوت ، قال تعالى في شأنه : (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة القلم ، الآية : ٥٠].

والآيات الشريفة ليست في مقام الحصر.

أوّلا : لما ثبت في محلّه من أنه لا مفهوم للوصف.

وثانيا : أن كلمة (من) في بعضها تدلّ على عموميّة الصفة من الموصوف.

وثالثا : الأدلّة العقليّة والنقليّة الدالّة على أن أهل التقوى مطلقا ولو لم يكونوا من الأنبياء هم من الصالحين.

والصلاح والتقوى مع تحقّق الشرائط من أهم أسباب القرب إلى الله جلّ جلاله ، وبهما يكون العبد من المقرّبين ويفوز بسعادة الدارين ، والصلاح آخر

٢٩٣

مقامات الأولياء ، وهو الارتباط الكامل بين العبد والمعبود ويتحقّق بامتثال الأوامر واجتناب المناهي سرّا وعلنا ، بحيث ترتفع الاثنينيّة بين الباطن والظاهر ، وهو الإنسانيّة الكاملة التي دعا إليها القرآن الكريم ورغّب إليها غاية الترغيب ، وفيه تجتمع سعادة الدارين وللصالحين درجات نورانيّة ومقامات روحانيّة لا حدّ لها ، ولا يمكن درك هذه المنزلة العظيمة ولا تحديدها بكلام. ولمثل ذلك فليعمل العاملون وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

قوله تعالى : (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ).

سؤال عن كيفيّة وقوع البشارة على خلاف مجاري الطبيعة ، وقد جرت عادة الله سبحانه وتعالى وسنّته على أن يجري الأمور عليها ما دامت في دار الأسباب والمسبّبات ، ولكن إرادة الله تعالى فوق الطبيعة ، وهي مسخّرة تحت القدرة التامّة الكاملة ، إذا قال لشيء : كن ، فيكون. وهذا هو السبب الأصيل والأوّل للإيجاد مطلقا ، وأما جريان الأمور على وفق الطبيعة من إحدى الطرق للإيجاد ربما يصل إلى المطلوب ، وربما يتخلّف عنه ، لفرض أن التأثير تحت إرادة القادر الحكيم ، ولا يمكن التخلّف فيها.

والسؤال منها إنما هو في أن الولادة هل تكون وفق مجاري الطبيعة ، وهو التزويج والولادة من أب ، وحينئذ من هو الزوج؟ أم بغير ذلك الذي هو أمر غريب عجيب لا يصدر إلا من إرادة قاهرة له القدرة الكاملة ، وهي لا تنكر ذلك وتعلم أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فيكون السؤال استفسارا عن الواقع والحقيقة.

والمس والمسيس كناية ظاهرة عن الوطي. والبشر يطلق على الواحد والجمع ، والتنكير للعموم ، والجملة تفيد عموم النفي لا نفي العموم.

والخطاب مع الربّ لإظهار غاية التذلّل والخضوع من أن المتكلّم معها هي الملائكة ، كما عرفت سابقا ، وهي تعلم أنها تخاطبها عن الله تعالى وكلامهم كلامه عزوجل.

٢٩٤

قوله تعالى : (قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ).

أي : أن الله تعالى قضى أن يفعل كذلك ويرزقك المولود خلاف العادة المقدّرة ، وهو أمر محتوم لا يقبل التغيير والتبديل ، لا يعجزه شيء. وبهذا الكلام تحقّق المقصود ورفع التردد والتعجّب الحاصلين لمريم عليها‌السلام.

وإنما عبّر سبحانه وتعالى في المقام بالخلق ، وفي قصة زكريا بالفعل ، لأن المقام على خلاف العادة ولا ينطبق على الأسباب المعروفة ، لذا عبّر عزوجل بالخلق ، وهو الإبداع والإيجاد ، فهو يشبه الأمور المبتدأة ، ومثل هذا التعبير شائع في خلق الأمور بغير الأسباب العادية ، قال تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) [سورة السجدة ، الآية : ٤] ، بخلاف قصة زكريا ، فإن إيجاد يحيى كان من الزوجين ، كما في سائر الناس ، ولكن فيه الآية لهما بخلاف غيره كما عرفت ، ولذا عبّر عنه بالفعل.

قوله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

أي : إذا أراد شيئا لا مرد له ، فإنما يقول له : (كن فيكون) من دون تخلّف بين الإرادة والمراد ، وقد تقدّم الكلام في قوله تعالى : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة البقرة ، الآية : ١١٧] ، وقلنا إنّ الجملة تدلّ على كمال قدرته ونفوذ مشيئته ، كما أنها تدلّ على سرعة نفوذ إرادته ، وعدم وجود أي صعوبة وعسر في تنفيذها.

ثم إنّ هذه الجملة المباركة : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) مذكورة في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم ، وفي بعضها : (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة يس ، الآية : ٨٢] ، وهي كناية عن كمال الإحاطة والقدرة التامّة من دون احتياج إلى سبب آخر غير قضائه تعالى وإرادته ، وأنه لا يعجزه شيء ، ولا ينافي ذلك توقّف نظام التكوين على قانون الأسباب والمسبّبات ثم انتهاؤها إلى القدرة الأزليّة ، لأن مقتضياتها إما أن تكون جارية على الأسباب والمسبّبات وهو الغالب ، وإما أن تكون جارية بمجرّد القضاء الحتمي وعلى خلاف

٢٩٥

العادة وقانون الأسباب ، نظير الأفعال الصادرة عن النفس الإنسانيّة ، فإنها تارة تتوقّف على تهيئة أسباب خاصة ، واخرى لا تكون كذلك ، كتصور الصور الذهنيّة. واختلاف التعبير في الآيات الشريفة يرجع إلى شيء واحد ، والجميع من أسباب الفعل وبيان القدرة الكاملة.

وفي المقام إنما نفى سبحانه وتعالى السبب الظاهري دون السبب الواقعي كما أنه لم ينف السبب رأسا ، فتكون مجاري قضائه وأسباب الطبيعة مسخّرة تحت إرادته وإن لم تكونا متّحدتين من كلّ جهة ، ولم تفارق إحداهما الاخرى.

والآية تدلّ على أن خلق عيسى عليه‌السلام كان إبداعيا من غير توسّط سبب ظاهري ، ولذا كان على خلاف العادة ، ولكن كلّ حادث محتاج إلى علّة توجده ، بلا فرق بين أن يكون من العلويّات أو السفليّات أو المعجزات وخوارق العادات ، لأن الموجود إما واجب بالذات ، أو واجب بالغير ، ولا ثالث في البين ، والثاني ممكن محتاج إلى العلّة لا محالة وإلا لزم الخلف المحال. فجميع المعجزات وخوارق العادات لها أسباب لكنها خفيّة عن عقولنا وإدراكاتنا ، وليس لأحد أن يحكم بأن كلّما لا يدرك فهو غير واقع ، وهذا ممّا يختل به النظام ويبطل به الانتظام ، فيكون حمل مريم العذراء بكلمة الله عيسى بن مريم لا يعقل أن يكون بغير سبب واقعي ، بل عن بعض أكابر الفلاسفة إثبات أن له سبّبا ظاهريّا أيضا ، وهو أن المرأة قد تصل من كمالها إلى حدّ تتحقّق فيها صفة العاقديّة ، مضافا إلى صفة الانعقاديّة ، فإذا حصلت مواجهة بين هذه المرأة وشاب جميل تنعقد النطفة من دون وقوع أي اتصال جسمي وتماس خارجي بينهما ، فإن الذي يقدر على أن يرسل الرياح لواقح لقادر على أن يجعل الهواء المجاور في بعض الموارد لقاحا أيضا ، إظهارا لتسخير الأشياء تحت إرادته وقدرته ، وما ذكره صحيح في الجملة ، وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام فيه.

وكيف كان ، فإن حمل مريم لعيسى لم يكن من دون سبب واقعي ، وهذا هو ظاهر قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [سورة مريم ،

٢٩٦

الآية : ١٧] ، ويشبه خلق عيسى خلق آدم عليه‌السلام ، فإنه وجد من نفخ الله تعالى فيه ، وسيأتي تفصيل الكلام في سورة مريم إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ).

عطف على (وجيها) كبقية الأحوال التي وردت لبيان المقامات المعنويّة والكمالات الحقيقيّة لعيسى بن مريم عليه‌السلام. والكتاب يمكن أن يكون من قبيل ذكر العام قبل الخاص ، والمجمل قبل المفصّل ، إعلاما بشأن الكتاب وتثبيتا لدرجته ، وبيان أهمية الخاص. ويمكن أن يكون المراد به كلّيات أسرار القضاء والقدر الثابتة في العلم الأزلي مع إحاطته عزوجل بتمام الجزئيات إحاطة واقعيّة حقيقيّة.

وتقدّم معنى الحكمة ، وذكرنا أن المراد بها الحقائق التي تكون نافعة للإنسان اعتقادا وعملا ولها دخل في سعادته في الدارين.

والتوراة هي الكتاب الذي نزل على موسى بن عمران عليه‌السلام في الميقات ، وهي تتضمّن التشريعات التي شرّعها الله تعالى لموسى عليه‌السلام.

والإنجيل هو الكتاب المنزل على عيسى بن مريم ، ومعناه في اليونانيّة القديمة التعليم ، وقيل معناه البشارة. وإنما ذكر عزوجل الإنجيل لأنه كان موعودا به عند الأنبياء ومعلوما لديهم.

وأما الأناجيل الأربعة المعروفة عند النصارى ، فقد كتبت بعد المسيح بعدّة قرون ، وأما التوراة فقد تناولتها يد التحريف ، كما تدلّ عليه آيات كثيرة من القرآن الكريم ، وإن كان يصدقها في بعض الأحكام.

ويختلف التوراة عن الإنجيل في أن الاولى تشتمل على الأحكام الإلهيّة والإنجيل يتضمّن على النواسخ وبعض الأحكام الإثباتية ، قال تعالى : (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) [سورة الزخرف ، الآية : ٦٣] ، وقال تعالى : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ* وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) [سورة المائدة ، الآية : ٤٦ ـ ٤٧] ، وقد تقدّم في أوّل هذه السورة بعض الكلام فيهما.

٢٩٧

قوله تعالى : (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ).

مفعول مطلق لفعل مقدّر ، أي : أرسله الله ، أو منصوب بفعل مضمر تقديره ونجعله رسولا ، أو معطوف على الأحوال السابقة.

والرسول صفة وهي هنا بمعنى مفعل ، والرسالة هي السفارة الإلهيّة إلى البشر لإيصالهم إلى الكمال المنشود والحكم بينهم بالحقّ والقضاء بالقسط. ويمكن أن يكون اختصاص بني إسرائيل بالذكر باعتبار كون ابتداء الرسالة والدعوة فيهم ، أو باعتبار أنهم أقرب الناس إليه ، فيكون نظير قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [سورة الشعراء ، الآية : ٢١٤] ، وإلا فإن عيسى من أولي العزم ، كما هو صريح بعض الآيات الشريفة ، وتقدّم الكلام في قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٣] ، هذا بناء على اتحاد معنى النبوّة والرسالة والفرق بينهما بالاعتبار.

وأما إذا قلنا إن الرسول مطلقا أخصّ من النبيّ ، فالأمر أوضح ، فهو من أنبياء اولي العزم مع هذه الصفة الخاصة له ، أي الرسالة الإلهيّة.

واختلف في زمان رسالته ، والمشهور أنه ثلاث وثلاثين سنة.

قوله تعالى : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).

تثبيت لرسالته بالحجّة والبرهان ، والجملة معمولة قوله تعالى : (وَرَسُولاً) لما فيها معنى النطق ، أي حال كونه ناطقا حجّتي عليكم أني قد جئتكم بآية من ربّكم.

والمعنى : يرسله رسولا حال كونه ناطقا ، أني قد أتيتكم بعلامات واضحات تدلّ على صدق دعواي ، وقد فسّرت هذه العلامات بما يأتي.

والتنوين في الآية المباركة للتفخيم ، والمراد بها نوع الآية ، فلا يضرّ تعداد ذكر الآيات بعد ذلك.

وذكر الربّ وإضافته إلى المخاطبين لإيجاب الامتثال وتأكيده عليهم ، أي لأنه ربّكم يراعي مصالحكم ويسوقكم إلى الكمال بإرسال الرسل وبعث الأنبياء.

٢٩٨

قوله تعالى : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ).

الجملة بدل من الآية ، أو خبر عن مبتدأ محذوف تقديره : هو أني أخلق لكم.

والخلق ، هو الإيجاد ، سواء كان بلا سبق مادة أصلا ، كخلق الأرواح ، أم مع سبق المادة ، كخلق عيسى عليه‌السلام الطير ، ويختصّ الأوّل بالله تعالى ، وليس في غيره عزوجل خلق بلا مادة إلا في الصور الذهنيّة غير المسبوقة بشبه أو نظير ، ونظام هذا العالم يدور على تبدّل الصور من المواد المختلفة التي لا يمكن استقصاء جهاتها وخصوصياتها والإحاطة بها إلا لله تعالى.

وفي المقام المراد من الخلق هو التصوير وجمع الأجزاء ، أي : أصور لكم من الطين ما يكون مثل الطير وهيئته.

والهيئة : الشكل والصورة ، قيل : هي مصدر بمعنى المهيّأ ، كالخلق بمعنى المخلوق.

وقيل : إنها اسم الحال ، والهيئة والوصف عرضان.

إلا أن الأوّل يقال باعتبار حصولها ، والعرض يقال باعتبار عروضه ، والوصف باعتبار لحاظ الذهن ، بخلاف الهيئة فإنها تستعمل باعتبار الخارج.

ولم يبيّن سبحانه عزوجل اسم هذا المخلوق ، وقد ذكر المفسّرون أسماء له ، ونحن في غنى عن تلك ، لصراحة الآية الشريفة في صدور هذه المعجزة عن عيسى عليه‌السلام ووقوعها في الخارج ودلالتها على صدق دعواه ، وأنه حاجّهم بذلك ، فلا فرق بين تسميته بأي اسم.

قوله تعالى : (فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ).

الضمير يرجع إلى الطين المهيّأ الذي يكون شبيه الطير.

والآية تبيّن سرّ الإعجاز ، لأن تصوير الطين طيرا مقدور لكلّ أحد ، وليس في ذلك آية ، ولكن جعله طيرا حقيقيّا ليس مقدورا لأحد إلا لله تعالى أو بإذن منه ، وقد صدرت هذه الآية من عيسى عليه‌السلام لتثبيت رسالته ، لكنّها مستندة إلى الله تعالى فلا استقلال له في ذلك ، كما هو شأن كلّ معجزة.

٢٩٩

وفي صدور هذه الآية من عيسى عليه‌السلام مناسبة لأصل خلقه عليه‌السلام ، فإنه خلق من نفخ جبرائيل ، والطير خلق من نفخه ، وهو بمنزلة الروح ، وكلّ منهما كان بإذن الله تعالى.

قوله تعالى : (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ).

الأكمه من الكمه وهو العمى مطلقا ، سواء ولد كذلك أم عرض عليه بعد ذلك ، وقيل : إن الأكمه هو الذي يولد مطموس العين.

والأبرص هو الذي به داء البرص ، وهو مرض جلدي معروف تظهر فيه لمع بياض ، ولذا يقال للقمر أبرص لبياضه ، ومنه : «بت لا يؤنسني إلا الأبرص» ، أي القمر.

وإنما خصّهما تعالى بالذكر لأنهما داءان معضلان ، أعيى الأطباء علاجهما ولم يتوصّلوا لحدّ الآن في إبرائهما وزوالهما مع تقدّم الطب وحذاقة الأطباء وكثرة جهودهم الكبيرة المتواصلة على علاجهما ، أو لأن هذين المرضين معروفان يشاهدهما كلّ أحد ، فإذا برئ المريض بدعاء المسيح وبركته ، لا يسع لأحد إنكاره ، فيكون أتمّ في الاحتجاج.

وقد نسب الإبراء إلى عيسى عليه‌السلام ، لأنه المباشر في ذلك بدعائه وبركته. والسبب في ظهور المعجزة على يديه ، وإن كان الجميع يستند إلى الله تعالى ، كما يدلّ قوله جلّ شأنه (بِإِذْنِ اللهِ) ، المذكور في الآية الشريفة ، وإنما لم يذكره سبحانه بعد هذه المعجزة لأن الاعتقاد بهما سهل المؤنة يحصل بمجرّد إخباره بأنه معجزة وأنه آية من الله تعالى ، لا سيما إذا كان الخطاب مع قوم يدّعون الإيمان بالله تعالى ، مع أن ما ذكره في ما بعد : (وَأُحْيِ الْمَوْتى) ، صالح لأن يرجع إلى الثلاثة كلّها.

قوله تعالى : (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ).

إحياء الموتى من المعجزات الباهرات وخارق عظيم ، وقد أكّد سبحانه في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم أن الله تعالى هو الذي يقدر على إحياء الموتى ، وأن غيره عاجز عنه ، قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) [سورة يس ، الآية : ١٢] ،

٣٠٠