بحوث في علم الأصول - ج ٤

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

بحوث في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: الدار الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٦

١
٢

٣

٤

بيان حول هذا الجزء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الخلق وأعز المرسلين سيدنا ونبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد ، فهذا الجزء الثاني من «بحوث علم الأصول» التي كان قد ألقاها علينا سيدنا وأستاذنا الأعظم شهيد الإسلام آية الله العظمى ، السيد محمد باقر الصدر (قدس‌سره).

وهذا الجزء بتمامه لم يكف لاستيعاب جميع بحوث الأوامر ، وإنما استوعب جلّها ، ابتداء من دلالات مادة الأمر وانتهاء بالإجزاء حتى نهايته ، ممّا اضطرني أن أكمل بحوث الأوامر وما يتبعها من مبحث مقدمة الواجب ، والضد ، والترتب ، والتزاحم ، وحالات الأمر الخاصة ، وتعلّق الأمر بالطبيعة أو الأفراد ، وحقيقة الواجب التخييري ، والواجب الكفائي ، والواجب الموسّع والمضيّق ، وتبعية القضاء للأداء ، وهكذا حتى يكتمل جزءا خاما بعون الله تعالى وكّلني أمل أن يكون ثواب هذا الجهد المهدى ثوابه إلى روح سيدنا وأستاذنا الأعظم (قدس‌سره) أن يكون لي صغرى لكبرى قول النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، يموت المرء إلّا عن ثلاث ، علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية.

٥
٦

بحوث الأوامر

دلالات مادة الأمر

دلالات صيغة الأمر

مبحث الإجزاء

٧
٨

دلالات مادة الأمر

معاني مادة الأمر

توحيد معاني مادة الأمر

دلالاتها على العلو أو الاستعلاء

دلالتها على الوجوب

ملاك دلالتها على الوجوب

دلالتها على الطلب والإرادة

الجبر والاختيار

٩
١٠

بحوث الأوامر

وفيه فصول

الفصل الأول

فيما يتعلق بمادة الأمر

والكلام في مادة الأمر ، يقع في عدة جهات

١١
١٢

الجهة الأولى

في معاني كلمة الأمر

ذكر لكلمة الأمر معان متعددة ، منها (الطلب) ، فإنّ الطلب في الجملة ـ على تفصيل يأتي ـ هو أحد معاني الأمر بلا إشكال ، وفي مقابله ، معان أخرى ، من قبيل (الشيء ، والفعل ، والفعل العجيب ، والحادثة ، والغرض).

ومن الواضح كما ذكر الأصوليّون كصاحب الكفاية (١) (قده) ، أن جملة من هذه المعاني ، ليست معاني لكلمة الأمر ، ولا تستفاد (٢) بالمباشرة من كلمة الأمر ، من قبيل. الغرض في قولك «جئت لأمر كذا» ، فإن الغرض إنّما يستفاد من اللّام ، وأمر كذا يعني أمر هو كذا ـ لأمر التغذية أي لأمر هو التغذية ، وأما كلمة الأمر ، فتدل على مصداق الغرض وهو التغذية ، ولذلك كان عدّ مفهوم الغرض من معاني الأمر من باب اشتباه المفهوم بالمصداق. ولا إشكال في أن بعض هذه المعاني معان لكلمة الأمر ، وهنا وقعت محاولتان في البين :

المحاولة الأولى

هي محاولة إرجاع المعاني الأخرى غير الطلب إلى معنى واحد بحيث يكون جامعا بين موارد استعمال كلمة «الأمر» في الحالات التي يراد منها غير الطلب.

__________________

(١) المشكيني ج ١ ص ٨٩.

(٢) إحكام الأحكام ـ الآمدي ج ٢.

١٣

وفي هذا المجال ، قد يقال ، أنّ ذاك المعنى الواحد هو الشيء ، ولهذا ذكر صاحب الكفاية (١) أن كلمة الأمر حقيقة في الطلب وفي الشيء ، فالمعاني الأخرى غير الطلب ترجع إلى الشيء لأنّ الفعل شيء والحادثة شيء والغرض شيء وهكذا ، وبهذا تختصر معاني كلمة الأمر في معنيين ، هما ، الطلب ومفهوم الشيء وقد لاحظ المحقق النائيني (٢) والأصفهاني (٣) ، أن مفهوم الشيء بعرضه العريض لا يناسب أن يكون مدلولا لكلمة الأمر.

فقد قال الميرزا «قده» أن الشيء يطلق على الجوامد أيضا ، بينما الأمر لا يطلق على الجوامد فلا يقال ، «زيد أمر» من الأمور ، ولكن يقال ، «زيد شيء» من الأشياء ، فمدلول كلمة الأمر ، لا ينبغي أن يؤخذ بنحو سعة مفهوم الشيء الشامل حتى للجوامد ، ومن هنا لا يبعد أن يكون هذا المعنى الجامع هو أضيق دائرة من مفهوم الشيء وعبّر عنه ، «بالواقعة» ، وأحيانا بالواقعة المهمّة أو بالحادثة ، إخراجا للجوامد ، أمثال زيد فإن زيدا ليس حادثة ، فإخراجا للجوامد ذكر «الميرزا» أن الجامع عنوان الواقعة المهمة أو الحادثة.

ونظير ذلك ذكر المحقق الأصفهاني ، فهو يرى أن موارد استعمال كلمة الأمر في غير الطلب لا تناسب الشيء بعرضه العريض ، وإنّما تناسب ما يكون من قبيل مفهوم الفعل ـ فعل من الأفعال ـ ، والفعل مع الواقعة أو مع الحادثة للميرزا «قده» متقاربان في المقام. فيتلخص من كلماتهما ، أن الجامع المتصوّر بلحاظ موارد استعمالات كلمة الأمر في غير الطلب ، هو ليس الشيء الشامل حتى للجوامد ، بل هو عنوان أخص لا يشمل الجوامد ، وهو عنوان الواقعة المهمة أو الحادثة المهمة.

والصحيح في المقام ، أن مدلول كلمة الأمر بحسب ما هو المستفاد من

__________________

(١) المشكيني ج ١ ص ٩٠.

(٢) أجود التقريرات ـ الخوئي ج ١ ص ٨٦.

(٣) نهاية الدراية ـ الأصفهاني ج ١ ص ١٠٣ ـ ١٠٤.

١٤

موارد استعمالاته في غير الطلب ، وإن كان غير مساوق لمفهوم الشيء الشامل حتى للجوامد ، ولكنه ليس بالنحو الذي أفيد ، فإن عنوان الواقعة المهمة أو الحادثة المهمة ، ليس هو المعنى المدلول لكلمة الأمر ، لوضوح استعمال كلمة الأمر في موارد ليس فيها أهمية ، ولا أصل الحدوث والوقوع ، وليس من باب الفعل ، أمّا استعماله في موارد عدم الأهمية ، كقولك «كلام زيد ليس بأمر مهم» فهذا صحيح ، وليس في ذلك تناقض ، وأمّا أنه يصح استعمال كلمة الأمر في موارد عدم الحادثة والواقعة ، وذلك كما هو الحال في موارد استعمال كلمة الأمر في الأمور المستحيلة والأمور العدمية ، كقولك اجتماع النقيضين أمر مستحيل ، وشريك الباري أمر مستحيل ، وعدم مجيء زيد أمر غريب ، ففي أمثال هذه الموارد يصح استعمال كلمة الأمر ، مع أنّ شريك الباري ليس حادثة ولا واقعة وكذلك صفات الله تعالى ، كقولك علم الله وصفاته وقدرته أمر لا يتصوره الإنسان ، مع أن علمه وقدرته ليست من الوقائع والحوادث ولا من الأفعال على حدّ تعبير المحقق الأصفهاني «قده». إذن فعنوان الحادثة والواقعة والفعل أضيق دائرة من موارد استعمال كلمة الأمر ، بل نحن نرى أن كلمة الأمر تستعمل في الجوامد أيضا وليس الأمر كما ذكر الميرزا ، من أن كلمة الأمر لا تستعمل في الجوامد فإن الأسماء الجامدة في مقابل المصادر التي يمكن الاشتقاق منها هي على قسمين.

القسم الأول : أسماء الأعلام من قبيل زيد وعمرو.

والقسم الثاني أسماء الأجناس : فما كان من قبيل أسماء الأجناس أيضا يصح استعمال كلمة الأمر فيه ، فمثلا تقول النار أمر ضروري للحياة ، وأمّا ما كان من قبيل أسماء الأعلام بالذات ، مثل «زيد» ، أو بالعرض ، كأن أصبح اسم علم بالإشارة فلا يصح أن يعبّر عنه بأمر ، فلا يقال «زيد» أمر وأنما يقال علم زيد أمر من الأمور ، وهذا كاشف عن أن مفهوم الأمر مساوق مع شيء من قبيل مفهوم الخصوصية ، بمعنى أنه مطعّم بالجانب الوصفي ، ولهذا أسماء الأعلام حيث أنها منسلخة عن الجانب الوصفي نهائيا ومتمحضة في الذاتية

١٥

والعلمية ، لا يطلق عليها أنها أمر ، وإن أطلق عليها شيء ، ولكن لا يطلق عليها أنها أمر وخصوصية ، لأنها متمحضة في الجنبة العلمية ولهذا تكون اسميّتها أقوى من غيرها.

وأما أسماء الأجناس ، فلا تخلو من جانب وصفي في الجملة ، فهي مطعّمة بالجانب الوصفي كالخشب ، فهو ذات لها صفة معينة بها تكون خشبا ، لهذا يصدق عليها كلمة أمر فضلا عن المصادر التي هي أوصاف بحسب الحقيقة.

إذن بهذا نعرف أن المفهوم الجامع الذي يناسب موارد استعمالات كلمة الأمر في غير الطلب ليس هو مفهوم الشيء بعرضه العريض ، لئلا ينطبق على أسماء الأعلام التي هي منسلخة عن الجانب الوصفي ومتمحضة في العلمية ، ولا هو عبارة عن الفعل أو الحادثة أو الواقعة كما ذكر الميرزا والأصفهاني «قده» ، لئلا يلزم من ذلك عدم صدق عنوان الأمر على ما يكون فيه جنبة صفتية ، وإن لم يكن فعلا ولا حادثة ، من قبيل الأمور المستحيلة والعدميّة ، ومن قبيل أسماء الأجناس ، فمن هذه الناحية يكون المفهوم وسطا بين الحدّين ، من قبيل مفهوم الخصوصية مثلا ، ولا ضير بأن يكون هذا المفهوم الوسط جامعا. وكون تلك المعاني مصاديق لهذا المفهوم الوسط.

وبهذا يتم الكلام في المحاولة الأولى بإرجاع المعاني المذكورة في مقابل الطلب ، إلى معنى واحد وجامع وسط.

المحاولة الثانية :

هي محاولة إرجاع الطلب مع تلك المعاني الأخرى إلى معنى واحد ، بحيث إن كلمة الأمر ، ليس لها معنيان ، أحدهما الطلب ، والآخر الشيء أو الحادثة أو الخصوصية ، بل معنى واحد في جميع موارد استعمالاتها.

وهذا المطلب ، وهو توحيد المعنى لكلمة الأمر ، يتصور على ثلاثة أنحاء.

النحو الأول : أن يقال بإرجاع غير الطلب إلى الطلب.

١٦

والنحو الثاني : أن يقال بإرجاع الطلب إلى غير الطلب.

والنحو الثالث : أن يقال بتصور جامع أعلائي بين الطلب وبين ذاك المعنى الآخر الذي هو غير الطلب.

وهذه الأنحاء من التصور ، لتوحيد المعنى للأمر ، نحسبها حسابا تفصيليا وإجماليا.

أما الحساب التفصيلي فهو :

إن النحو الأول

وهو إرجاع غير الطلب إلى الطلب ، هو ما استقربه المحقق الأصفهاني «قده» حيث ذكر (١) بعد أن افترض أن غير الطلب عبارة عن الفعل ، بأن استعمال كلمة الأمر في الفعل مرجعه إلى استعمال كلمة الأمر في الطلب بنحو من الأنحاء ، وذلك لأن الفعل في معرض أن يتعلق به الطلب ، فكما يصح أن يعبّر عن الفعل بمطلب ، وهذا أمر متعارف ، فيقال الصلاة مطلب مهم ، والكتابة مطلب مهم ، فكل فعل يعبّر عنه بمطلب بلحاظ شأنية تعلق الطلب به ، فكذلك يصح أن يعبّر عنه بأمر ، بلحاظ شأنية تعلق الأمر به ، إذن فكلمة الأمر استعملت في معناها حتى في قولنا «الصلاة أمر عظيم وشرب الخمر أمر ذميم» ، إذا استعملت كلمة الأمر في الطلب ، ولكن إنما أطلق الطلب على الصلاة أو على شرب الخمر من باب أنه قابل ذاتا أن يتعلق به الطلب (٢).

وما أفاده «قده» : لا يمكن المساعدة عليه لما ذكرناه ، من أن كلمة الأمر قد تستعمل فيما لا معنى لتعلق الأمر به أصلا ، فنقول مثلا ، شريك الباري أمر مستحيل ، واجتماع النقيضين أمر مستحيل ، فإن قيل أن كلمة الأمر استعملت في الطلب ، وأطلق الطلب على شريك الباري من باب أنه يمكن تعلق الأمر به ، إذن فهذه عنايات لا معنى لها بناء على ـ ما ـ بينّاه ، من أن إطلاق كلمة

__________________

(١) نهاية الدراية ـ الأصفهاني ج ١ ص ١٠٣ ـ ١٠٤.

(٢) المصدر السابق.

١٧

الأمر لا يختص بباب الأفعال التي يصح تعلق الطلب بها ، بل يأتي في غير الأفعال أيضا من الأمور المستحيلة ومن أسماء الأجناس ، وعليه فلا يمكن تصحيح إرجاع غير الطلب إلى الطلب بالعناية التي ذكرها المحقق الأصفهاني «قده» ، فالنحو الأول لتصوير توحيد معنى لفظ الأمر لا يمكن المساعدة عليه.

وأما النحو الثاني

وهو إرجاع الطلب إلى غير الطلب ، وهو ما استقربه المحقق النائيني (١) ، فبعد أن ذكر أن لفظة الأمر لها معنيان ، أحدهما الطلب ، والآخر الحادثة المهمة أو الواقعة المهمة ، قال ، بأن الطلب أيضا يمكن أن يستعمل في كلمة الأمر ، باعتبار كونه مصداقا من مصاديق الواقعة والحادثة ، فالطلب واقعة أيضا ، فيقال زيد يطلب من عمرو ، فمثل هذا إنما يكون باعتبار مصداقيته لعنوان الواقعة أو عنوان الحادثة ، فيرجع الطلب إلى غير الطلب.

وما أفاده (قده) ساقط لأمرين :

الأمر الأول :

إن الطلب لو كان يطلق عليه الأمر ، وكان الأمر يستعمل في موارد الطلب بلحاظ أن الطلب مصداق للواقعة ، إذن لما كان هناك فرق بين الطلب التشريعي ، وهو الطلب من الغير ، من قبيل أن يطلب زيد من ابنه أن يصلي ، وبين الطلب التكويني ، من قبيل أن يطلب زيد المال أو العلم.

ومن الواضح أن كلمة الأمر في موارد الطلب إنما تستعمل في الطلب التشريعي فإذا طلب الوالد من ولده أن يصلّي ، فيقال أمره بالصلاة ، أما حينما يطلب الإنسان العلم لا يستعمل فيه الأمر بالعلم ، وهذا شاهد على أن إطلاق كلمة الأمر على الطلب ليس باعتباره واقعة من الوقائع ، إذ لو كان بهذا الاعتبار لانعدم الفرق بين الطلب التشريعي والطلب التكويني ، فإن الطلب التكويني

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ الخوئي ص ٨٦.

١٨

أيضا واقعة من الوقائع مع أنه لا يطلق عليه الأمر بنفس اللحاظ الذي يطلق به على الطلب التشريعي ، فهذا كاشف على أن إطلاق كلمة الأمر في موارد الطلب لوحظ فيه الطلب بما هو طلب تشريعي ، لا أن الاستعمال في الواقعة وأن الطلب ملحوظ بما هو مصداق للواقعة.

الأمر الثاني

إن الطلب تارة يلحظ بما هو طلب ، وأخرى يلحظ بما هو واقعة ، فإن لوحظ بما هو طلب ، أمكن أن يتعدّى إلى متعلقه ولو بالباء ، فيقال طلب الصلاة ، من الطلب المتعلق بالصلاة ، فالطلب يتعدى إلى المطلوب وأمّا إذا لوحظ بما هو واقعة ، وبما هو فعل ، فلا يتعدّى إلى الصلاة ، فإنه لا يقال فعل بالصلاة ، ومن الواضح أن الأمر يتعدى إلى متعلقه فيقال الأمر بالصلاة ، فكما أن الطلب ينسب إلى متعلقه فكذلك الأمر ينسب إلى متعلقه ، فيقال أمر بالصلاة ، وهذا كاشف عن أمر الأمر استعمل بمعنى الطلب لا بمعنى الواقعة وإلّا لكان معنى قولنا ، الأمر بالصلاة الواقعة بالصلاة أو الحادثة بالصلاة ، وهذا ممّا لا محصّل له ، فنفس تعدّي الأمر في موارد الاستعمالات الطلبية إلى المتعلق بالباء ، قرينة على أن الملحوظ هو مفهوم الطلب لا مفهوم الحادثة والواقعة ، إذن فهذا النحو الثاني ساقط أيضا.

وأما النحو الثالث

وهو دعوى تصور جامع بين الطلب والواقعة ، فكلمة الأمر لا هي موضوعة للطلب ، ولا هي موضوعة للواقعة ، وإنما هي موضوعة للجامع بين الطلب والواقعة ، والطلب يراد باعتباره مصداقا لذلك الجامع.

وهذا النحو يرد عليه ما أوردناه على النحو السابق ، مضافا إلى عدم تعقّل مثل هذا الجامع ، فإن أريد جامع يكون أوسع انطباقا من كلا الأمرين من الطلب والواقعة من قبيل مفهوم الشيء ، فمن الواضح أن كلمة الأمر ليست أوسع انطباقا من المعنيين ، فكيف يدّعى وضعها للجامع الأوسع انطباقا من قبيل مفهوم

١٩

الشيء!. وإن أريد الجامع المساوي انطباقا مع الواقعة والطلب ، فهذا الجامع عبارة عن نفس الواقعة ، لأن الواقعة صادقة على نفسها وعلى الطلب أيضا ، فيرجع الأمر إلى النحو الثاني ولا يكون النحو الثالث نحوا مستقلا برأسه.

وأمّا الحساب الإجمالي فهو :

استبعاد أن تكون كلمة الأمر لها معنى واحد سواء كان بالنحو الأول أو الثاني أو الثالث. وهذا الاستبعاد منشؤه أمران.

الأمر الأول : هو تعدد الجمع في كلمة الأمر ، فإن كلمة الأمر حينما يراد منها الواقعة أو الخصوصية تجمع بصيغة أمور ، وحينما يراد منها الطلب ، تجمع بصيغة أوامر ، ومن المستبعد أن يكون للفظ الأمر معنى واحد ، ومع هذا بلحاظ بعض مصاديقه يجمع على أوامر ، وبلحاظ بعض مصاديقه الأخرى يجمع على أمور ، فهذا غير معهود في اللغة ، فيشكّل ذلك استبعادا لوحدة المعنى.

الأمر الثاني : إن لفظة الأمر بلحاظ الطلب ليست جامدة بل اشتقاقية فيقال «أمر ، يأمر فهو مأمور» وبلحاظ الواقعة والشيء ، جامدة ، لا يشتق منها ، وهذا شاهد على أن مادة الأمر ، ليس لها معنى واحد ، إذ لو كان لها معنى واحد ، فهذا المعنى الواحد إن لوحظ فيه النسبة الناقصة بوجه من الوجوه ، فيكون مصدرا ويقبل الاشتقاق منه ، وإن جرّد عن النسبة نهائيا فيكون جامدا ، ولا يقبل الاشتقاق منه ، أمّا أنه بلحاظ بعض المصاديق تثبت قابليته للاشتقاق لغويا ، وبلحاظ بعض المصاديق تثبت عدم القابلية ، فهذا لغويا غير معهود فالمناسب مع هذا أن يكون لكلمة الأمر معنيان ، أحدهما لوحظت في اللغة فيه ، النسبة الناقصة بوجه من الوجوه ، ولهذا أصبح حاله حال المصادر في أنه يشتق منه ، والآخر لم يلحظ فيه النسبة الناقصة فصار حاله حال الجوامد.

فهذان شاهدان على تعدّد المعنى لكلمة الأمر.

هذا هو الكلام في الجهة الأولى من جهات مادة الأمر.

٢٠