بحوث في علم الأصول - ج ٣

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: الدار الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٩

البسيط للمركب ، ومعلولية البسيط للمركب مبرهن على استحالتها ، فهذا الاحتمال أيضا ساقط.

الاحتمال الرابع : أن يكون هذا الجامع الصحيحي ، جامعا انتزاعيا بسيطا ، ولا يكون من لوازم الماهية ، بل يكون منتزعا عن الصلاة لا بلحاظ ذاتها ، بل بلحاظ جهة عرضية قائمة بها ، من قبيل عنوان الأبيض ، الذي هو منتزع عن الجسم بلحاظ جهة عرضية وهي البياض.

وهذا الاحتمال ساقط في المقام ، وذلك لأن لازمه أن هذا الفرد من الصلاة الذي بدئ به بالتكبير وختم بالتسليم لا يستحق اسم الصلاة إلّا في مرتبة متأخرة عن مرتبة ذاته ، وهي مرتبة عروض تلك الجهة الخارجية عليه ، بحيث لو انضم ذلك النفس الملائكي إلى هذا الفرد لاستحق عنوان الصلاة ، مع أنه من المعلوم حسب ارتكاز المتشرعة أن هذا الفرد الذي ترتبت أموره حسب المقرّرات الشرعية ، هو صلاة بما هو هو من دون حاجة إلى أن يلحظ انضمام أمر عرضي خارجي إليه ، فهذا الاحتمال أيضا ساقط.

وبهذه الصيغة ، يبرهن على الجامع الصحيحي ، لأنه لا يخلو من واحدة من الاحتمالات الأربعة المتقدمة فإذا بطل الكل بطل تصوير الجامع. هذه هي الصيغة الفنية في تقرير ابطال الجامع وهذه الصيغة لها أجوبة وتخلصات أهمها تخلصان ، وأحد هذين التخليصين هو المختار ، والثاني للمحقق الخراساني (قده) (١).

__________________

(١) حقائق الأصول / الحكيم : ج ١ ص ٥٨.

٢١

التخلص المختار

وهو أن نقول ، بأن هذا الجامع نفرضه جامعا تركيبيا وليس عنوانا بسيطا ، وعويصة الإشكال على تصوير هذا الجامع التركيبي ، نشأت من نقطة ، وهي : أن كل جزء من الأجزاء هل هو مأخوذ في هذا الجامع التركيبي أو ليس مأخوذا؟. فإذا أخذنا فاتحة الكتاب في هذا الجامع إذن أخرجنا صلاة الأخرس مع أنها صحيحة ، وإذا لم نأخذ فاتحة الكتاب أخرجنا صلاة غير الأخرس الذي أسقط الفاتحة ، مع أنها باطلة ، وإذا لم نأخذ الصلاة الوضوئية بالخصوص ، بل الجامع بين الصلاة الوضوئية والصلاة الترابية ، فحينئذ ، ندخل المتيمم والماء أمامه مع أن صلاته باطلة.

وهذه النقطة نشأت من الالتفات إلى جانب الوجود ، وأخذه بنحو لا يقبل التجزئة والتحليل ، فكأنه يوجد أمران ، إمّا أن نأخذ الفاتحة ، أو لا نأخذ الفاتحة ، وحيث أن ارتفاع النقيضين مستحيل ، إذن فكل من الشقين يلزم عليه إشكال ، بينما يمكن في المقام ، التجزئة والتحليل ، بحيث يندفع هذا الإشكال.

وحاصل الدفع ، أن الجزء ـ الفاتحة ـ من طرف الوجود ، وإن كان وجوده أمرا واحدا ، ولكن هذا الوجود الواحد ، له أنحاء من العدم ، فتارة تنعدم الفاتحة انعداما نسيانيا ، وأخرى تنعدم انعداما اضطراريا ، وثالثة تنعدم انعداما

٢٢

اختياريا ، وهكذا أيّ جزء آخر أو شرط يمكن تحليله إلى حصص متعددة باعتبار حالات الترك ودواعيه.

وحينئذ ، بناء على هذا ، يقال بأن الجامع الصحيحي ، هو عبارة عن الفعل المركب ، الذي لا يصدق عليه انعدامات معينة ، والذي نضيّقه بلحاظ حصص العدم ، لا بلحاظ الوجود ، فنقول مثلا المركب الذي لا يصدق عليه الفقدان الاختياري لفاتحة الكتاب ، وحينئذ إذا فرض أن الإنسان ترك الفاتحة وهو أخرس ، أو وهو ناس ، يصدق على صلاته أنها مركب ليس فاقدا فقدا اختياريا للفاتحة ، والإنسان المختار الذي يأتي بالفاتحة ، أيضا يصدق على فعله أنه مركب ، ليس فاقدا فقدا اختياريا للفاتحة ، وبهذا يمكن جمع الأفراد الصحيحة كلها ، وإخراج الفرد الباطل ، عن طريق تضييق هذا الجامع التركيبي ، بلحاظ حصص العدم ، لا بلحاظ الوجود ، فبدلا من النظر إلى طرف الوجود ، ننظر إلى طرف العدم ، فتكون هناك حصص عديدة للعدم ، فأيّ حصة من العدم حكم معها في الرسالة العملية بالبطلان ، نقول بأن الجامع التركيبي ضيّق ، بأن لا يكون واجدا لتلك الحصة من العدم ، وأيّ حصة من العدم لا تضر بصحة الصلاة ، لا يضيّق هذا الجامع التركيبي من ناحيتها ، فهذا جامع تركيبي معقول لا إشكال عليه ، وهذا هو الجامع الصحيحي ، وهذا هو الصحيح في تصحيح الجامع ، ودفع هذه العويصة.

٢٣

تطبيقات

بيّنا سابقا ، النكتة التي أمكن بها تصوير الجامع التركيبي على الصحيحي ، بحيث يشمل الأفراد الصحيحة ، ولا يشمل شيئا من الأفراد الفاسدة ، ولتوضيح جامعية هذا الجامع ، لا بد من تطبيقه على كل جزء جزء من أجزاء الصلاة ، وبهذا الصدد يمكن تقسيم أجزاء الصلاة وشرائطها إلى خمسة أقسام :

القسم الأول :

أن يكون الجزء أو الشرط ، دخيلا بنحو الركنية على الإطلاق ، بحيث لا يتصور مع فقده صحة العمل العبادي أصلا ، من قبيل ، قصد القربة وإسلام المصلي ، وفي هذا القسم لا تتأتى عويصة الإشكال في الجامع ، لأنه لا محذور في أخذ هذا الجزء أو الشرط في المركب جزءا أو شرطا ، لفرض أن كل فعل فاقد له ليس بصحيح ولا يلزم من أخذه محذور إخراج بعض الأفراد الصحيحة.

القسم الثاني :

أن يكون للجزء أو للشرط بدل عرضي تخييري ، بحيث أن المكلف ، إن شاء فعل هذا ، وإن شاء فعل ذاك ، من قبيل فاتحة الكتاب والتسبيحات ، أو من قبيل الغسل والوضوء ، بناء على أن كل غسل يغني عن الوضوء ، وفي هذا

٢٤

القسم لا تتأتى عويصة الإشكال ، لأنه بالإمكان أخذ الجامع بين البدل والمبدل جزءا في المركب التركيبي ، ولا محذور في ذلك ، لأن واجد الجامع صحيح دائما ، وفاقده بعد فرض الركنية فاسد دائما.

القسم الثالث :

أن يكون للجزء أو للشرط بدل عرضي معيّن وليس تخييريا ، بمعنى أن المكلف له إن شاء أتى بهذا ، وإن شاء أتى بذاك ، بل هذا في حالة ، وذاك في حالة أخرى ، من قبيل الغسل والوضوء ، بناء على أن الغسل وظيفة المحدث بالأكبر ، والوضوء وظيفة المحدث بالأصغر ، فلو كان محدثا بالأصغر ، تعيّن عليه الوضوء ، فإذا صلّى مع الغسل كانت صلاته باطلة ، وإن كان محدثا بالأكبر ، تعيّن عليه الغسل فلو صلّى مع الوضوء كانت صلاته باطلة ، وكذلك من قبيل عدد الركعات في الصلوات الرباعية ، فإذا صلى المسافر أربعا ، بطلت صلاته ، لأن وظيفته التقصير ، وإذا صلّى الحاصر مقصّرا ، بطلت صلاته ، لأن وظيفته التمام.

ومن هذا القسم يبدأ الإشكال ، لأن عويصة الإشكال ، تتصور بما يلي : هل نأخذ في الجامع التركيبي الغسل خاصة دون الوضوء ، أو الوضوء خاصة دون الغسل؟. إذن فقد خرجت الصلاة الأخرى الصحيحة ، لأنه إذا أخذ الغسل خاصة ، فصلاة المحدث بالأصغر مع الوضوء قد خرجت عن الجامع التركيبي ، وإذا أخذ الوضوء خاصة ، إذن صلاة المحدث بالأكبر مع الغسل قد خرجت أيضا ، وإن أخذنا الجامع بين الغسل والوضوء كما فعلنا في القسم الثاني ، فهذا لا يصح ، لأن الجامع ينطبق على وضوء المجنب المحدث بالأكبر مع أن صلاته باطلة ، وكذلك الحال بالنسبة للمحدث بالأصغر ، لو أوجد الجامع في ضمن الغسل ، إذن إن أخذ هذا البدل بالخصوص ، أو هذا البدل بالخصوص ، فلا ينطبق الجامع التركيبي على الفرد الآخر الصحيح ، وإن أخذ الجامع ما بين البدلين العرضيين التعينيين ، إذن يلزم انطباق الجامع التركيبي على الفاسد أحيانا ، هذه هي عويصة الإشكال في هذا القسم.

٢٥

والجواب على ذلك : أن نأخذ الجامع كما فعلنا في القسم الثاني ، ونقول ، أن المأخوذ في الجامع التركيبي ، هو الجامع بين الغسل والوضوء ، ولكنه ليس بين كل غسل وكل وضوء ، بل الجامع بين الغسل المسبوق بالحدث الأكبر ، والوضوء المسبوق بالحدث الأصغر ، فالجامع المأخوذ في الجامع التركيبي ، هو الجامع بين هاتين الحصتين من الغسل والوضوء ، وهذا الجامع ينطبق على الصحيح دائما ، ولا ينطبق على الفاسد أصلا ، فإن المحدث بالأصغر الذي صلّى مع الوضوء صلاته صحيحة ، وينطبق عليه الجامع ، وإن صلى المحدث بالأكبر مع الغسل ، كذلك صلاته صحيحة ، وينطبق عليه الجامع ، ولو عكس أحدهما ، فصلّى المحدث الأكبر مع الوضوء ، أو صلّى المحدث بالأصغر مع الغسل ، لم ينطبق عليه الجامع ، لأن هذا الجامع ليس جامعا بين الغسل على الإطلاق والوضوء على الإطلاق ، بل هو جامع بين حصتين من الغسل والوضوء ، وهذا المحدث بالأصغر إذا اغتسل وصلّى إذن فهو لم يأت بالجامع ، لا في ضمن الغسل الخاص ، لأنه غسل غير مسبوق بالجنابة ولا في ضمن الوضوء الخاص ، لأنه لم يتوضأ ، إذن فتكون صلاته باطلة.

وكذلك الحال في مسألة العدد ، نقول أن الدخيل في الجامع التركيبي هو الجامع بين اثنين وأربعة ، لكن ليس كل اثنين وكل أربعة ، حتى يقال ، إذن لو صلّى المسافر أربعة والحاضر اثنتين ينطبق عليه الجامع مع أن صلاته باطلة! ، بل اثنتين مقرونة بالسفر وأربعة مقرونة بالحضر ، إذن فالجامع يصير صحيحا على الإطلاق ، وبهذا تنحل عويصة الإشكال في القسم الثالث.

القسم الرابع :

أن يكون للجزء بدل ، لكنه ليس عرضيا ، بل هو بدل طولي ، كما إذا فرض في المقام ، أن هذا الجزء على تقدير تعذره ينتقل إلى بدل منه ، من قبيل التيمم مع الوضوء ، وقراءة فاتحة الكتاب مع إشارة الأخرس ، أو الركوع القيامي مع الركوع الجلوسي ، ومع الركوع الإيمائي ، ففي مثل ذلك أيضا

٢٦

يمكن حل العويصة ، بما حلّت به في القسم الثالث ، بأن نقول ، أن الجزء الدخيل في الجامع التركيبي هو عبارة عن الجامع ما بين الركوع القيامي والركوع الجلوسي ، فإن قيل بأن هذا الجامع قد ينطبق على الفاسد ، كما لو ركع المختار ركوعا جلوسيا ، نقول بأن الجامع نقيّده في مقام الانتزاع ، فيكون جامعا بين الركوع القيامي المقرون بالقدرة ، والركوع الجلوسي المقرون بالعجز ، فالمريض إذا صلّى من جلوس والصحيح إذا صلى من قيام ، كلاهما مصداق للجامع ، لكن الصحيح إذا صلّى من جلوس فهذا ليس مصداقا للجامع ، لأن الجامع لم يوجد لا في ضمن الركوع القيامي ، حيث لم يؤت بالركوع القيامي ، ولا في ضمن الركوع الجلوسي المقرون بالمرض.

فروح هذا القسم الرابع ، هي روح القسم الثالث ، حيث يرجعان بحسب الحقيقة ، إلى القسم الثاني الذي لا إشكال فيه في أخذ الجامع بين البدلين العرضيين جزءا للواجب ، كذلك هنا ، يؤخذ الجامع بين البدل وبدله الاضطراري جزءا للواجب ، غاية الأمر ، أنه جامع بينهما ، بعد تخصيصهما لا على وجودهما الإطلاقي ، إذن لا إشكال في هذا القسم.

القسم الخامس :

ما إذا فرض أن هذا الجزء أو الشرط ، تصح الصلاة بدونه أحيانا بلا بدل أصلا ، كما هو الحال في الجزء الذي يسقط بسبب التقية ، فمثلا لو أسقط بسملة الفاتحة بسبب التقية ، فصلاته صحيحة ، وليس هنا بدل عرضي ولا بدل طولي.

والتخلص هنا من العويصة ، أشكل منه في الأقسام السابقة ، فهل الدخيل في المركب هو البسملة بالخصوص؟. إذن الذي أسقط البسملة بسبب التقية ، صلاته صحيحة ، مع أنّ الجامع لا ينطبق عليه ، أو أن الدخيل في المركب هو الجامع!. إذ ليس هناك من بدل للبسملة حتى يتأتى الجامع.

فإن قيل الجامع بين البسملة والتقية ، يقال بأن هذا ليس صحيحا ، لأن

٢٧

التقية ليست جزءا من أجزاء الصلاة ، ولا شرطا من شروطها ، إذ أن التقية حالة خارجية ، وليست جزءا ، أو فعلا من أفعال المكلف ، حتى يؤخذ الجامع ما بين البسملة والتقية ، من هنا أصبح هذا القسم أكثر عويصة من سابقيه ، وفي هذا المجال يمكن التخلص من الإشكال بإحدى صيغتين.

أ ـ الصيغة الأولى : أن يقال ، بأن الجامع التركيبي الملحوظ في المقام ، لا يؤخذ فيه البسملة بعنوانها ، حتى يقال إذن لا ينطبق على صلاة التقية ، ولا يؤخذ فيه الجامع بين البسملة وشيء آخر ، إذ لا شيء آخر مثلا ، ولكن يقال أن هذا الجامع التركيبي أخذ فيه هذا الوصف ، وهو : أن لا يكون هذا الجامع التركيبي فاقدا فقدا اختياريا للبسملة ، وبهذا أصبح مركبا جامعا مانعا ، لأنّ من يصلي بلا تقية ، ويسقط البسملة ، فهذا مركب فاقد فقدا اختياريا للبسملة ، فلا ينطبق عليه الجامع ، ومن يصلي التقية ويسقط البسملة ، فهذا مركب يصدق عليه أنه ليس فاقدا فقدا اختياريا للبسملة. إذن فهذا جامع ، يشمل الصلاة الصحيحة بكلا شكليها ، في حال الاختيار ، وفي حال الاضطرار ، ولا ينطبق على المختار لو أسقط البسملة عصيانا ، وبهذه الصيغة يندفع الإشكال في هذا القسم.

ب ـ الصيغة الثانية : أن يقال ، بأن المأخوذ في الجامع التركيبي ، الجامع ما بين البسملة وتقيّد الصلاة بالتقية ، والتقيد فعل من أفعال المكلف ، ويقع تحت الأمر في باب الشروط ، وهذا الجامع يعقل جزئيته بنحو التخيير ، بمعنى أنه جامع بين وجود البسملة ، وبين فقدها المقرون بالتقيّد مع التقية ، وأما الذي لا يعقل جزئيته ، هو الجامع ما بين البسملة ، ونفس التقية ، لأنها ليست فعلا من أفعال المكلف ، ولكن التقيد بالتقية يعقل أن يكون جزءا في الصلاة ، كما كان التقيد بالطهارة جزءا فيها.

وبهذه الصيغة يندفع الإشكال في هذا القسم. وبذلك يكون الجامع التركيبي على الصحيحي معقولا في تمام الأقسام الخمسة ، ويعقل للصحيحي أن يقول بأن الواضع وضع اللفظ للصحيح.

٢٨

تخلّص المحقق الخراساني :

صار واضحا أن تصوير الجامع على الصحيح بمكان من الإمكان ، إلّا أن المحقق الخرساني (١). سلك مسلكا آخر في دفع عويصة الإشكال ، فاختار تصوير الجامع على الصحيح ، إلّا أن الجامع الذي تصوّره جامع بسيط ، منتزع عن الأفراد الصحيحة المختلفة في أجزائها وشرائطها ، وبيّن في توضيح إثبات جامعه ، ما يرجع حاصله إلى مقدمتين :

المقدمة الأولى :

إن المستفاد من الأدلة الشرعية ، أن الصلوات الصحيحة على اختلاف أجزائها وخصوصياتها ، تشترك جميعها في أثر واحد نوعي ، من قبيل الانتهاء عن الفحشاء والمنكر ، وهذا الأثر نثبته بالدليل الشرعي ، بما ورد في الكتاب والسنة من أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

المقدمة الثانية :

بعد أن ثبت اشتراك تمام الصلوات الصحيحة في أثر واحد نوعي ، نثبت بالبرهان العقلي أنه لا بدّ من فرض جامع بين هذه الصلوات ، وأن هذا الجامع هو المؤثر في ذلك الأثر ، ببرهان أن الواحد لا يصدر إلّا من واحد. وحيث أن الأثر واحد ، فيلزم أن يكون المؤثر واحدا ، إذ لو كان المؤثر متعددا ، بحيث أن كل صلاة صحيحة ، مؤثرة بخصوصيتها في ذلك الأثر ، للزم تأثير الكثير في الواحد ، وصدور الواحد من الكثير ، وهو مستحيل.

إذن لا بدّ من فرض أن مؤثرية هذه الأفراد الصحيحة ، إنما هو باعتبار اشتراكها في جامع واحد نوعي ، وهذا الجامع لا بدّ وأن يكون بسيطا ، لما بيّن من استحالة الجامع التركيبي. وبهذا ينتهي صاحب الكفاية ، إلى جامع بسيط بين الأفراد الصحيحة ، ومن الواضح أن مقصوده بهذا الجامع البسيط ليس

__________________

(١) حقائق الأصول / ج ١ ص ٥٨.

٢٩

العنوان البسيط الانتزاعي ، بلحاظ جهة عرضية خارجية ، كما هو الحال في الاحتمال الرابع من الاحتمالات المتقدمة عند تصوير عويصة الإشكال ، إذ لو كان مقصوده هذا لأمكن الاكتفاء بالمقدمة الأولى فقط ، إذ بمجرد كون الصلوات تشترك في أثر واحد نوعي ، حينئذ ، يمكن انتزاع هذا الجامع عن الصلوات ، بلحاظ ترتب هذا الأثر عليها ، بلا حاجة إلى ضم قانون أنّ الواحد لا يصدر إلّا من واحد ، فمن هنا يعرف أن مراده من الجامع جامع بسيط ذاتي ، ينطبق على الصلوات ، لا في طول ترتب الأثر بل في مرتبة سابقة على ترتب الأثر ، بحيث أن هذا الجامع هو علة الأثر والمؤثر للأثر.

فمقصوده عنوان بسيط ذاتي ، إمّا ذاتي في كتاب الكليّات ، أو الذاتي في كتاب البرهان ، فمراده هو الاحتمال الثاني ، أو الثالث ، من الاحتمالات الأربعة التي تقدمت في عويصة الإشكال. وقد اعترضوا على هذا الكلام باعتراضات نذكر أهمها.

الاعتراض الأول :

إن الواحد على ثلاثة أقسام : واحد بالشخص ، وواحد بالنوع ، وواحد بالعنوان.

والمقصود من الواحد بالشخص ، الواحد بالعدد ، بمعنى شخص واحد من قبيل زيد ، والمقصود من الواحد بالنوع النوع الواحد أي ماهية نوعية واحدة ، مشتركة في ذاتياتها ، وهذه الذاتيات محفوظة في تمام أفرادها من قبيل ماهية الحرارة ، فإن ماهيتها ليست واحدا بالشخص ، لأنها كثيرة بالعدد ، ولكنها واحدة بالنوع ، والمقصود من الواحد بالعنوان ، وحدة العنوان الانتزاعي المنطبق على أفراد متعددة ، وإن كانت هذه الأفراد متعددة عددا وماهية ، من قبيل عنوان الطويل ، فقد يصدق على النخيل ، وقد يصدق على الحيوان ، وقد يصدق على الإنسان ، فهذا واحد بالعنوان ، يجمع أفراد مختلفة ومتكثرة عددا ونوعا.

٣٠

وحينئذ قالوا ، بأن قاعدة أن الواحد لا يصدر إلّا من واحد ، هي إمّا مختصة بالواحد بالشخص ولا تجري في الواحد بالنوع فضلا عن الواحد بالعنوان ، وإمّا أن يبنى على جريانها في الواحد بالشخص ، والواحد بالنوع ، فيقال ، أن الواحد بالشخص لا يصدر إلّا من واحد بالشخص ، باعتبار لزوم السنخية بين العلة والمعلول ، والواحد بالنوع لا يصدر إلّا من واحد بالنوع لذات السبب ، وأمّا الواحد بالعنوان ، لا تجري فيه القاعدة ، لأن الواحد بالعنوان لا يلزم أن يكون صادرا من الواحد ، لا بالشخص ، ولا بالنوع ، ولا بالعنوان ، فإن مرجع كونه واحدا بالعنوان ، إلى قيام عنوان انتزاعي في تمام هذه الأفراد.

ومن الواضح ، أن العنوان الانتزاعي ، قد ينتزع من الحقائق المتباينة والوجودات المتخالفة بحسب الخارج ، وليس نسبة العنوان الانتزاعي إلى منشأ انتزاعه ، نسبة المعلول إلى العلة ، حتى تطبق عليه القاعدة ، فإن هذا العنوان ليس له وجود آخر منحاز عن منشأ انتزاعه ، بل منتزع عن حقائق متخالفة ، قد يكون لها علل متخالفة أيضا في تمام ذواتها.

نعم لو أرجعنا باب الانتزاع ، إلى باب العليّة ، وقلنا أن نسبة العنوان الانتزاعي إلى منشأ الانتزاع دائما ، هي نسبة المعلول إلى العلة ، لأمكن تطبيق القاعدة على الواحد بالعنوان ، فيقال بأن هذه المعلولات ، إذا كانت واحدة بالعنوان ، فهذا معناه ، أنها جميعا لها معلول واحد ، وهو العنوان الانتزاعي ، وهذا يكشف عن وحدة ذاتية نوعية فيها ، فيلزم وجود وحدة ذاتية نوعية في العلل ، لكن بعد التمييز بين باب الانتزاع ، وباب العلية ، لا ينبغي تطبيق القاعدة على الواحد بالعنوان.

وبالتطبيق نقول ، إن الأثر الواحد المترتب على الصلوات الصحيحة ، ليس واحدا بالشخص ، ولا واحدا بالنوع ، بل هو واحد بالعنوان ، لأن النهي عن الفحشاء والمنكر ، عنوان انتزاعي من أنحاء من الكمالات ، والاستمساكات ، بعروة الشريعة في المجالات المختلفة ، وحينئذ لا يوجد أثر

٣١

واحد بالشخص ، ولا بالنوع ، وإنما أثر واحد بالعنوان ، والمفروض أن القاعدة لا تطبق على الواحد بالعنوان ، وعليه فلا محذور في فرض عدم الجامع ، وفرض تباين الصلوات الصحيحة تباينا ذاتيا ، لأنه لا يلزم من ذلك صدور الواحد بالنوع ، أو بالشخص ، من الكثير بالنوع أو بالشخص.

الاعتراض الثاني :

وهذا الاعتراض أورده السيد الأستاذ (١) ، وحاصله أنه لا يمكن في المقام فرض أن المؤثر في هذا ، الأثر الوحداني هو الجامع ، لأنّ معنى فرضه كذلك ، هو أن خصوصية كل فرد من الأفراد الصحيحة ، غير دخيل في الأثر ، كما هو الحال في سائر الموارد ، فحينما يقال ، أن الإحراق مستند إلى جامع النار ، فمعنى هذا ، أن خصوصية هذه النار وكونها على الطين ، لا دخل لها في الإحراق ، وإنما منشأ الإحراق هو جامع النار وطبيعتها المحفوظة في ضمن الحصص ، وهذا غير صحيح في باب الصلاة فإن في باب الصلاة ، لا معنى لأن يقال ، بأن المؤثر في النهي عن الفحشاء والمنكر ، هو الجامع بين صلاة الحاضر وصلاة المسافر ، إذ معنى هذا ، أن خصوصية صلاة المسافر من جعل التسليم عقيب الركعة الثانية ، وخصوصية صلاة الحاضر من ضم الركعة الثالثة والرابعة ، لا دخل لها في التأثير في الأثر ، مع أنه لا إشكال في أن لها تمام الدخل في صحة الصلاة وصيرورتها ناهية عن الفحشاء والمنكر.

فصاحب الكفاية إن أراد تصوير جامع بحيث يكون هو علة التأثير ، مع سلخ الخصوصيات عن هذا التأثير ، فهو غير صحيح ، للقطع بأن للخصوصيات دخلا في التأثير ، وأن أراد تصوير جامع من دون أن يكون هو المؤثر ، إذن كيف يبرهن عليه بقانون أن الواحد لا يصدر إلّا من واحد؟.

وهذا الاعتراض ليس بشيء ، لأن صاحب الكفاية ، يقول ، بأن المؤثر ليس هو المركب بما هو مركب ، بل هو العنوان البسيط الانتزاعي الثابت في

__________________

(١) محاضرات فياض / ج ١ ص ١٤٤ ـ ١٤٥.

٣٢

المرتبة السابقة على ترتب الأثر ، والمستكشف بقانون أن الواحد لا يصدر إلّا من واحد ، والمؤثر ليس هذا المركب بالخصوص ، ولا هذا المركب بالخصوص ، نعم العنوان البسيط المؤثر هم منتزع عن صلاة المسافر بخصوصياتها ، وعن صلاة الحاضر بخصوصياتها المقوّمة لانتزاع ذلك العنوان البسيط.

فإن أردتم بدعوى دخل الخصوصيات ، أن هذه الخصوصيات التركيبية لصلاة المسافر ولصلاة الحاضر دخيلة في الأثر ، فهذا ينكره صاحب الكفاية ، لأنه يقول بأن المؤثر هو الجامع البسيط لا الجامع التركيبي ، وإن أردتم بهذه الدعوى أن تمام الخصوصيات دخيلة باعتبار مقوّميتها لانتزاع ذاك العنوان البسيط ، فهذا صحيح ، لكنه لا ينافي مؤثرية العنوان البسيط ، إذ يوجد مركبات مختلفة في خصوصياتها ، وكل واحدة من هذه المركبات بخصوصيتها ، لها دخل في انتزاع ذلك العنوان ، ثم ذلك العنوان البسيط هو المؤثر في الأثر الوحداني ، وهو النهي عن الفحشاء والمنكر ، فلا يلزم في المقام محذور.

المقام الثاني : في تصوير الجامع على الأعمي :

بعد الفراغ من تصوير الجامع على الصحيحي يقع الكلام في تصوير الجامع على الأعمي ، وقد أفاد صاحب الكفاية (١) ، أن تصوير الجامع على الأعمي في غاية الإشكال ، ووجه هذا الإشكال ، هو أن هذا الجامع ، إمّا أن يكون جامعا بسيطا ، أو جامعا مركبا ، فهنا احتمالان :

الاحتمال الأول :

أن يكون جامعا بسيطا ، على حدّ الجامع البسيط الذي ادعاه المحقق الخراساني في الصحيحي (٢) ، ولكن لا يوجد هنا أثر مشترك بين الصلوات

__________________

(١) حقائق الأصول / الحكيم : ج ١ ص ٦٠.

(٢) حقائق الأصول / الحكيم : ج ١ ص ٥٨.

٣٣

الصحيحة والفاسدة حتى يستكشف من وحدة الأثر وحدة المؤثر ، فإن الصلاة الفاسدة لا دليل على أنها موضوع للتأثير ، ولو اقتضاء ، فضلا عن كونها موضوعة للتأثير بنحو العلية التامة.

وعلى هذا لا يمكن استكشاف الجامع البسيط ، ببرهان أن الواحد لا يصدر إلّا من واحد ، فمن هنا استشكل في الجامع البسيط على الأعمي ، مع أنه تصوره على الصحيحي.

الاحتمال الثاني :

أن يكون الجامع الأعمي مركبا ، بحيث تؤخذ. ويقال أنها متى ما حفظت ، فالجامع محفوظ في ضمنها.

وهذا الاحتمال الثاني يتصور على نحوين ، فإنه تارة تؤخذ أجزاء معينة بذواتها ، من قبيل الأركان الخمسة ، ويقال بأنها هي القدر الجامع ، فمتى ما وجدت ، فالصلاة موجودة ، ومتى ما فقد شيء منها ، فالصلاة معدومة ، وتارة أخرى يؤخذ مقدار من الأجزاء معين عددا لا ذاتا ، بأن يؤخذ سبعة من عشرة أجزاء ، لكن لا بعينها ، ويقال ، بأن الجامع هو سبعة فمتى ما كان الفعل مشتملا على سبعة أجزاء ، فالجامع محفوظ ، وإذا نقص عن سبعة ، فالجامع غير محفوظ.

ويرد على الجامع التركيبي بكلا احتماليه من قبل صاحب الكفاية ، بأن هذا لازمه أن إطلاق لفظ الصلاة على الصحيحة التامة الأجزاء والشرائط ، يكون إطلاقا عنائيا مجازيا من باب إطلاق اللفظ الموضوع للجزء على الكل ، لأن لفظة الصلاة موضوعة للجامع التركيبي بحسب الفرض ، والجامع التركيبي هو الأركان الخمسة ، وحينئذ هذا الجامع قد أخذ لا بشرط ومطلقا من ناحية انضمام سائر الأجزاء إليه ، ففي حالة الانضمام تكون سائر الأجزاء أجنبية وزائدة على الجامع وعلى المسمّى ، فيكون إطلاق لفظ الصلاة على المجموع المركب من الأركان الخمسة وغيرها ، إطلاقا مجازيا.

والإشكال الوارد من صاحب الكفاية ، في الاحتمال الأول على كون

٣٤

الجامع بسيطا على الأعمي ، هو غير صحيح ، بمعنى أننا لو قبلنا جامعه البسيط على الصحيحي لأمكن تصويره هنا أيضا ، لكن بتغيير صيغة هذا الجامع من القضية التنجيزية إلى القضية الإجمالية والإبهامية ، وذلك لأن كل صلاة من الصلوات الفاسدة ، تكون صحيحة في زمان ما ، ومن فاعل ما ، إلّا تلك الصلاة التي فقدت أركانها ، وإلّا الصلاة بدون قراءة ، صحيحة من الأخرس ، والصلاة بدون تشهد ، صحيحة من ناسيه ، وهكذا ، فالصلوات الفاسدة كلها ، بمقدار ما يكون تحت النظر للقائل بالأعم ، تكون صحيحة في زمان ما ، ومعنى ذلك أن الجامع البسيط الذي استكشفه صاحب الكفاية بين الأفراد الصحيحة ، بقانون أن الواحد لا يصدر إلّا من واحد ، ينطبق على كل صلاة من هذه الصلوات ، لكن على تقدير ، وفي حالة ، لا مطلقا ، وبالفعل ، وحينئذ ، يمكن القول بأن لفظ الصلاة إذا وضعها الشارع لما يكون لاهوتا بالفعل ، فهذا معناه ، الوضع للصحيح ، وإذا وضعها لما هو لاهوت في زمان ما ولو من فاعل ما ، فهذا معناه الوضع للأعم ، لأنّ كل صلاة فاسدة ، ينطبق عليها هذا العنوان الانتزاعي ، وهو أنه لاهوت في زمان ما ، فيكون هذا جامعا بين الصلوات الصحيحة والفاسدة ، وهو سنخ جامع انتزاعي ، لا يتوقف على ضم جهة عرضية خارجية فمن المعقول تصوير المسمّى بلفظ الصلاة بهذه اللغة ، ومن المعقول تصوير الجامع البسيط على الأعمي ، إذا قبلناه على الصحيحي.

وأمّا الإشكال الوارد من «الآخوند» في الاحتمال الثاني على كون الجامع مركبا على الأعمي ، فقد حاول السيد الأستاذ التخلص منه فقال ، بأن اللّابشرطية لها معنيان :

المعنى الأول :

أنه يلحظ (١) الشيء لا بشرط من ناحية شيء آخر ، بحيث أن الشيء الآخر ، على فرض وجوده ، يكون أجنبيا عنه ، وعلى فرض عدمه لا يضر عدمه

__________________

(١) محاضرات فياض / ج ١ ص ١٥٨ ـ ١٥٩ ـ ١٦٠.

٣٥

به ، من قبيل ملاحظة الماء لا بشرط من ناحية الكأس ، فإن معنى هذا ، إنه لو وجد الماء في الكأس ، فالكأس أجنبي عن الماء ، ولو لم يوجد الكأس ووجد الماء على الأرض فلا يضر هذا بمائية الماء.

المعنى الثاني :

أنه يلحظ الشيء لا بشرط ، بالإضافة إلى شيء آخر ، بحيث يكون عدمه غير مضر ، كما هو الحال في المعنى الأول ، ولكن وجوده يكون دخيلا وليس أجنبيا ، من قبيل اسم الكلمة ، فإنه موضوع لحرفين ، لكن لا بشرط من حيث انضمام الحرف الثالث والرابع ، فقد تكون الكلمة ثمان حروف مثلا ، ولكنها هي موضوعة لحرفين لا بشرط من حيث الثالث ، فمحصّل هذه اللّابشرطية ، هو أنه لو لم يوجد الحرف الثالث مثل (قم) ، لا يضر بكونها كلمة ، عدم وجود الحرف الثالث ، لأن الجامع الملحوظ هو الحرفان ، وهما محفوظان في المقام ، وأمّا إذا وجد الحرف الثالث كما في (زيد) ، فإن الدال لا يكون أجنبيا عن الكلمة بل هو داخل.

وبعد هذا قال السيد الأستاذ ، بأن الجامع الأعمي التركيبي ، ملحوظ في المقام ، بنحو اللّابشرطية الثانية ، بمعنى أن الأركان الخمسة ، أو الأجزاء السبعة ، هي بمثابة الحرفين الأولين في الكلمة بالنسبة لباقي الأجزاء والشرائط ، فقد لوحظ الجامع لا بشرط ، من حيث باقي الأجزاء والشرائط ، بحيث لو لم يوجد الباقي ، لا يضر به ، ولو وجد الباقي ، يكون جزءا من الجامع.

وهذا البيان بمقدار جنبته العرفية صحيح وواقع ، ولكن صياغته الفنية غير معقولة ، لأن اللّابشرطية ، لا يعقل أن تكون إلّا بالنحو الأول.

والبرهان على ذلك هو : إن أخذ شيء لا بشرط ، من ناحية شيء آخر ، معناه الإطلاق في مقابل التقييد ، فإن اللّابشرط في مقابل بشرط شيء وبشرط لا ، فأخذ الماء لا بشرط من حيث الكأس ، أو أخذ الأركان الخمسة لا بشرط

٣٦

من حيث التشهد والتسليم ، هذا معناه الإطلاق ، والإطلاق كما بيّناه سابقا ، ليس مرجعه إلى الجمع بين القيود بل مرجعه إلى رفض القيود ، فإن الإطلاق حينما نقول ، بأن الماء أخذ مطلقا من ناحية الكأس ، ليس معناه الجمع بين القيود ، بحيث أننا أخذنا الماء مقيدا بالكأس تارة ، ومقيدا بالغدير أخرى ، بل هو رفض القيود ، بحيث أننا لاحظنا ذات الماء ، ولم ندخل في الاعتبار وجود الكأس وعدمه ووجود الغدير وعدمه.

وإذا طبقنا هذا الكلام في المقام ، نقول : أن الأركان الخمسة ، إذا لاحظناها بالإضافة إلى التشهد والتسليم مطلقة ، فعلى القول بالجمع بين القيود ، يكون معنى ذلك ، أنه لاحظنا الأركان تارة مع التشهد والتسليم ، وأخرى بلا تشهد وتسليم ، وبهذا يتم مرام الأستاذ ، لأن التشهد والتسليم مع وجوده ، فقد لاحظنا الأركان مقيدة به ، ومع عدمه لاحظناها مقيدة بعدمه.

وأمّا على القول ، بأن الإطلاق هو رفض القيود كما هو الصحيح ، فمعنى هذا ، أن الأركان لم نلحظها تارة مقيدة بوجود التشهد ، وأخرى مقيدة بعدمه ، بل لاحظناها من دون أن نأخذ معها وجود التشهد ولا عدم وجوده ، فكما أن عدم التشهد ليس دخيلا ، كذلك وجوده ليس دخيلا ، فوجوده وجود زائد وعدمه أيضا أمر زائد لا يضر ولا يكون دخيلا.

فالذي ذكره الأستاذ من معنى اللّابشرطية بنحو لو وجد لكان دخيلا ، ولو فقد لا يضر ، يكون ذلك ، متعقلا ، إذا قلنا بأن الإطلاق معناه الجمع بين القيود ، وأمّا إذا قلنا بأن الاطلاق معناه رفض القيود وعدم ملاحظتها في الجامع وجودا وعدما ، إذن فكما أن العدم لا يكون دخيلا ، كذلك الوجود لا يكون دخيلا ، بل يكون أجنبيا.

فالصياغة الفنية لدعوى أن اللّابشرطية لها نحوان هذا أمر غير معقول ، ولكن المدّعى معقول وصحيح ، وهو أن بعض المركبات هذا حالها ، من أن الشيء الزائد لو عدم لا يكون مضرا ولو وجد لكان جزءا ، وهذا مطلب عرفي وواقع ، لكن صياغته الفنية ليست باللابشرطية بل بأمر آخر يأتي توضيحه.

٣٧

التحقيق في المقام

ذكرنا بأنه تفصّي عن اللّابشرطية ، بأن لها معنيين ، وقلنا أن ذلك غير معقول ، فمتى ما أخذنا الجامع من الأركان الخمسة ، ولاحظناه لا بشرط من حيث باقي الأجزاء والشرائط ، فمعنى ذلك ، أن الباقي لا وجوده دخيل ولا عدمه ، وكذلك الحال في الكلمة ، فإذا تصورنا الحرفين لا بشرط بالنسبة إلى الحرف الثالث ، فهذا معناه الإطلاق ، ومعنى الإطلاق رفض خصوصية ضم الحرف الثالث أو عدم ضمه ، فلا وجوده يكون دخيلا ، ولا عدمه كذلك ، بل يكون كلا الأمرين من الوجود والعدم أجنبيا عن الجامع ، فلا يمكن انطباق الجامع على الثلاثة أحرف في كلمة زيد ، هذا هو الإشكال الثبوتي للصياغة الفنية للابشرطية.

ولذلك لا بدّ من تبديلها بأن يقال ، في الكلمة وأمثالها ، إن الواضع حينما تصور جامعا ، ووضع اللفظ له ، هذا الجامع ليس معناه ، هو عنوان حرفين مأخوذا لا بشرط ومطلقا من حيث الحرف الثالث ، بل الجامع سنخ عنوان انتزاعي قابل للانطباق على الحرفين والثلاثة ، فالملحوظ ذاك العنوان الانتزاعي ، من قبيل ما زاد على حرف واحد من الحروف الثمانية والعشرين المتصلة ، وهذا الجامع ينطبق على الحرفين في (قم) ، وينطبق على الثلاثة في (زيد) ، لأن عنوان ما زاد على حرف واحد ينطبق عليهما ، فإن وجد الحرف الثالث ، كان جزءا من الجامع ، لأن الجامع ما زاد على الحرف الواحد ، وإذا

٣٨

انعدم الحرف الثالث كما في (قم) ، لا يضر ذلك بانحفاظ الجامع ، لأن (قم) ينطبق عليه ما زاد على حرف واحد.

ونفس هذا الكلام ، ننقله إلى باب الصلاة ، ونقول بأن الجامع ليس هو الأركان الخمسة مأخوذة لا بشرط ، ومطلقة من ناحية باقي الأجزاء والشرائط ، بل الجامع هو عنوان المركب من بعض أجزاء الصلاة ، فلو فرضنا أن أجزاء الصلاة ثمان وعشرون جزءا ، والأركان فيها خمسة ، فنقول بأن لفظة الصلاة موضوعة للعمل المركب من مجموع هذه الأجزاء الثمانية والعشرين ، بحيث تكون مشتملة على الركوع والسجود والطهور والتكبير ونحو ذلك ، ففي مثل ذلك لو فرض أنّ الأجزاء الأخرى كانت موجودة فينطبق عنوان الجامع على الجميع ، لأن المجموع يصدق عليه أنه مجموعة من هذه الأجزاء المشتملة على الأركان ، وإن فرض أنه لم يوجد إلّا الأركان الخمسة ، أيضا يصدق عليه هذا العنوان ، فهنا عندنا عنوان انتزاعي مركب مشتمل على مجموعة ، لا تخرج عن هذه الأجزاء الثمانية والعشرين ، وتكون مشتملة على الأركان الخمسة.

وأمّا لو كان المناط هو العدد وهو السبعة ، فنقول ، بأن لفظ الصلاة موضوع لعنوان ما زاد على الستة من هذه الأجزاء ، وحينئذ ، إن وجدت سبعة أجزاء ، يصدق عليها أنها صلاة ، لأنها مصداق لما زاد على الستة ، ولو وجدت ثمانية أجزاء أيضا يصدق عليها بأنها صلاة لأن الثمانية مصداق لما زاد على الستة ، وهذا جامع انتزاعي ولكن ليس عرضيا بلحاظ جهة طارئة ، وإنما هو عنوان انتزاعي بقطع النظر عن الجهات الطارئة.

وبذلك يتضح معقولية الجامع التركيبي على الأعم بعنوان ما زاد عن الستة من الأجزاء ، وهذا العنوان ينطبق على تمام مراتب الصلاة ، ولكن بقي كلام واحد ، وهو أن هذه الأركان الخمسة ، أو أن هذه الأجزاء الستة ، هي في أنفسها لها مراتب طولية فإن الركوع مثلا ، تارة يكون ركوعا قياميا ، وأخرى إيمائيا ، فحينما نقول ما زاد على الستة من هذه الأجزاء فبأي ركوع نأخذ؟. ومن الواضح على ضوء ما تقدم ، أن كل جزء له مراتب طولية ، يكون المأخوذ

٣٩

هو الجامع ما بين تلك المراتب ولو الجامع الانتزاعي ، بمعنى أحدها على سبيل البدل ، فحينما نقول أجزاء الصلاة ثمانية وعشرين ، نحسب كل جزء عبارة عن نفس الجزء أو بدله الطولي ، فنأخذ أحد الأمور من الركوع القيامي ، أو الركوع الجلوسي ، أو الركوع الإيمائي.

وبهذا يتضح أن الجامع التركيبي معقول على الصحيح ، وعلى الأعم ، بلا إشكال ، وهذا تمام الكلام في الجهة الثالثة من جهات البحث.

٤٠