بحوث في علم الأصول - ج ٣

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: الدار الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٩

الوجه الثالث

وهذا الوجه أدق وأوجه من سابقيه ، وحاصله ، أنه إذا لاحظنا مصدرين مجردين ـ «ضرب وخروج» ـ نرى أن لكل منهما قابلا وفاعلا ، فالضرب له قابل وفاعل كما أن الخروج له قابل وفاعل ، وقد يتحد القابل والفاعل كما في الشخص الذي يضرب نفسه أو يخرج نفسه ، ففاعل الضرب والخروج هو عين قابل الضرب والخروج ، وقد يختلفان كما في الشخص الذي يضرب غيره أو يخرج غيره ، ففاعل الضرب شخص وقابله آخر ، وفاعل الخروج شخص وقابله آخر ، وحينئذ لو فرض أن النسبة الناقصة لم تكن مأخوذة أصلا في «ضرب ولا في خروج» ، ولا في غير ذلك من المصادر ، وأن كل مصدر يدل على ذات الحدث ، فينبغي أن يصح إضافة «ضرب» إلى كل ما يصح أن يضاف إليه الخروج ، ويصح إضافة الخروج إلى كل ما يصح أن يضاف إليه الضرب ، فمثلا تصح إضافة الضرب إلى فاعله فنقول «ضرب زيد لعمرو» فقد أضيف الضرب إلى فاعل الضرب لا إلى قابله ، ولكن لا يصح أن يضاف الخروج إلى فاعل الخروج أو الموت إلى فاعل الموت فيما إذا فرض أن إنسانا أوجد الخروج في غيره أو فعل الموت في غيره ، فلا يصح أن تقول «خروج زيد» بمعنى الخروج الذي فعله في غيره من قبيل أن تقول «ضرب زيد» ، يعني الضرب الذي فعله في غيره ، ولا يصح أن تقول «موت زيد» يعني الموت الذي فعله في غيره.

١٨١

وعدم صحة إضافة بعض المصادر إلى فاعلها وتعيّن إضافتها إلى قابلها مع أن بعض المصادر الأخرى يصح إضافته إلى فاعله ، هذا كاشف على أن هناك نحوين من النسب الناقصة التقييدية ، قد أخذا في الهيئة المصدرية ، فبعض المصادر أخذ فيه النسبة الناقصة التقييدية إلى الفاعل ، ولهذا لا يصح إضافته إلى القابل ، وبعضه أخذ فيه النسبة الناقصة التقييدية إلى القابل ، ولهذا لا يصح إضافته إلى الفاعل ، وبعضه لعلّه أخذ فيه كلتا النسبتين أو الأعم إلى الفاعل تارة وإلى القابل أخرى ، ولهذا يصح إضافته إلى الفاعل والقابل.

وأما إذا بني على أن النسب غير مأخوذة أصلا في مدلول المصادر كلية ، وأن المصادر لا تدل إلّا على ذات الحدث ، إذن فلما ذا بعض المصادر لا تقبل الإضافة إلى الفاعل ، وبعضها يقبل الإضافة إليه ، مع أن ذات الحدث بما هو ، بقطع النظر عن تطعيمه بنسبة خاصة ، دائما نسبته إلى الفاعل على حد واحد!.

والجواب : أنه في مقام تصوير الفرق بين المصدر واسم المصدر ، ذكرنا أن العرف والعقل يحلّل الحدث «الخروج» إلى مرحلتين ، وعبّرنا بالمصدر عن المرحلة الأولى ، وهي مرحلة التكوين والإيجاد ، والعرف يحلّل هذه المرحلة إلى جهتين ، جهة الإيجاد وجهة القبول ـ إيجاد الخروج وقبول الخروج ـ ، وبعض المصادر موضوع لجهة القبول والبعض الآخر موضوع لجهة الإيجاد ، وبعض المصادر يناسب كلتا الجهتين ، وحينئذ فما كان من المصادر موضوعا لجهة قبول الحدث لا يصح إضافته إلى الفاعل ، بل يضاف إلى القابل دائما ، «فالخروج» مثلا موضوع لجهة القبول لا للفعل والإيجاد ، فلهذا يصح إضافته إلى الفاعل ، بينما «الضرب» موضوع لجهة الفعل والإيجاد أو للأعم من جهة الفعل وجهة القبول ، ولهذا يصح إضافته إلى فاعله.

إذن فصحة إضافة بعض المصادر إلى الفاعل وعدم صحة إضافة بعض المصادر إلى الفاعل ، هذا من شئون المادة وليس من شئون الهيئة ، فإن المادة المحفوظة في ضمن المصدر دائما تكون موضوعة للمرحلة الأولى من الحدث ولكن هذه المرحلة لها جهتان ، فبعض المصادر ملحوظ في موادها جهة

١٨٢

القبول ، وبعضها ملحوظ فيها جهة الإيجاد ، لا أن الاختلاف بين المصادر نشا من أخذ نسبة قبولية في هيئة بعض المصادر ، وأخذ نسبة فاعلية في بعض المصادر الأخرى.

وبهذا انتهى الكلام في مناقشة هذه الأوجه الثلاثة ، واتضح أن النسبة الناقصة التقييدية غير مأخوذة في المعنى الموضوع لهيئة المصدر ، وأن المصدر موضوع لذات الحدث دون إضافة أي نسبة تقييدية إليه.

١٨٣

مدلول المشتق

وأمّا الكلام في تشخيص مدلول المشتق ، وبقيّة الأوصاف الاشتقاقية ، فيقع الكلام فيها ، في أربعة أقوال :

القول الأول :

أن يقال بأن الوصف الاشتقاقي موضوع بمادته لذات الحدث كما هو الحال في المصدر ، وأما هيئته فلم توضع لأي نسبة من النسب ، وإنما وضعت لأخذ الحدث لا بشرط من حيث الحمل ، إذن فالنسبة غير مأخوذة في مفاد ضارب ، وإنما مدلوله من حيث المادة ، ذات الحدث ، ومن حيث الهيئة ، اللابشرطية من ناحية الحمل ، أي أخذه لا بشرط من حيث الحمل ، ومن يقول بهذا في المشتق يقول أيضا في المصدر بعدم أخذ النسبة ، وأن هيئة المصدر مأخوذة للدلالة على ما يقابل اللابشرطية في الحمل ، يعني على أخذه بشرط لا من حيث الحمل ، وهذا القول ذهب إليه المحقق الدواني وتبعه المحقق النائيني (١) ، فإنه ذهب إلى عدم أخذ النسبة رأسا ، وأن مفاد المشتق هو إخراج الحدث عن الإباء عن الحمل إلى اللابشرطية من حيث الحمل.

القول الثاني :

وهذا القول هو ظاهر صاحب (٢) الكفاية حيث ذكر بأن المشتق موضوع

__________________

(١) فوائد الأصول / الكاظمي : ج ١ ص ٥٩ ـ ٦٠.

(٢) حقائق الأصول / الحكيم : ج ١ ص ٩٦.

١٨٤

لمفهوم بسيط منتزع عن الذات بلحاظ تلبسها بالمبدإ ، فالذات والمبدأ غير مأخوذين في مدلول المشتق ، وإنما المأخوذ عنوان بسيط منتزع عن الذات بلحاظ قيام المبدأ بالذات بحيث يكون هذا العنوان نسبته إلى الذات نسبة العنوان الانتزاعي إلى منشأ انتزاعه ونسبته إلى المبدأ نسبة العنوان الانتزاعي إلى مصحّح الانتزاع ، ففي البين شيئان ، ذات ومبدأ ، وهذا المبدأ بضمه إلى الذات يصح أن ينتزع عنوان بسيط من الذات ، وهذا العنوان البسيط المتولد من الذات ببركة المبدأ هو مدلول «ضارب وعالم».

القول الثالث :

وهذا القول هو ظاهر المحقق (١) العراقي ، ومضمونه أن حال المشتق «عالم» هو حال المصدر ، فحيث أن المشهور ذهب إلى أن المصدر بمادته موضوع للحدث ، وبهيئته لنسبة ناقصة تقييدية ، فكذلك الوصف الاشتقاقي بمادته موضوع لذات الحدث وبهيئته موضوع لنسبة مغايرة للنسبة المأخوذة في هيئة المصدر حفاظا للفرق بين المشتق والمبدأ.

القول الرابع :

أن يقال بأن مدلول المشتق هو عبارة عن المركب الثلاثي الشامل للذات والمبدأ والنسبة القائمة بين الذات والمبدأ ، بحيث أن هذه العناصر الثلاثة بذاتها ونفسها هي المأخوذة في مدلول كلمة «عالم» ابتداء ، لا أن المأخوذ عنوان بسيط منتزع عن ذلك ، وهذا القول ، وهو القول بالتركيب ، اختاره ببعض معانيه المحقق الأصفهاني (٢) والسيد الأستاذ (٣).

__________________

(١) منهاج الأصول / الكرباسي : ج ١ ص ١٣٠ ـ ١٣١. بدائع الأفكار / الآملي : ج ١ ص ١٥٧ ـ ١٧٠ ـ ١٧١.

(٢) نهاية الدراية / الأصفهاني : ج ١ ص ١٠٠ ـ ١٠١.

(٣) محاضرات فياض / ج ١ ص ٢٩٧.

١٨٥

التحقيق في الأقوال

أما القول الأول الذي ذهب إليه المحقق الدواني والنائيني ، حيث قالا ، بأن المشتق بمادته موضوع لذات الحدث وبهيئته للّابشرطية دون أخذ النسبة فيه بوجه من الوجوه ، هذا القول ينحل إلى دعوى إثباتية ودعوى سلبية.

أما الدعوى السلبية في هذا القول ، هي أن النسبة لم تؤخذ في مدلول هيئة المشتق ، وأمّا الدعوى الإثباتية فيه ، هي أخذ اللابشرطية في مدلول هيئة المشتق.

١٨٦

الدعوى السلبية

وهذه الدعوى استدل عليها في كلمات الدواني والنائيني بعدة وجوه.

الوجه الأول :

وهذا الوجه ذكره المحقق الدواني ، ومضمونه ، أنه لو فرض أن رأينا شبحا أبيضا فالمحسوس بالذات بحسب الحقيقة إنما هو نفس «البياض» لا الذات التي هي محط البياض ، لأن المدرك بالحس البصري إنما هو اللون والضوء ، وأمّا ما وراءهما فإنما يدرك بتوسطهما ، إذن فما ندركه حقيقة من الجدار الأبيض إنما هو «البياض» لا الذات التي لبست هذا البياض ، وحينئذ ، لو لم يقم برهان على عرضيّة هذا البياض وأنه يحتاج إلى ذات ، وكان يحتمل كونه قائما بذاته بدون حاجة إلى حائط من ورائه يتصف بالبياض ، ففي مثل هذه الحالة لا إشكال بأن العرف يصفه بأنه «أبيض» ، وهذا دليل على أن مفهوم «أبيض» لم تؤخذ فيه النسبة إذ لو كان مأخوذا فيه النسبة والذات مضافا إلى أخذ ذات الحدث ، إذن لما أمكن أن نصف هذا بأنه أبيض إلّا بعد أن يقوم برهان على أن هذا البياض عرض وله نسبة إلى موضوعه وأنه قائم بذات من ورائه ، إذن فنفس صحة توصيفه بأنه «أبيض» قبل أن تتبين جنبته العرضية فيه ، دليل على عدم أخذ النسبة وعدم أخذ الذات في مدلول أبيض.

وهذا البيان بلا موجب ، إذ يمكن توسيع هذا الاستدلال بأن يقال ، بأنه

١٨٧

كما يوصف هذا العرض قبل أن يقوم برهان على عرضيته أو جوهريته بالوصف الاشتقاقي ، كذلك يوصف حتى بعد أن يقوم برهان على عرضية نفس العرض. بالوصف الاشتقاقي ، لا الذات ، فنقول ، النور منير ، والوجود موجود ، حتى بعد قيام البرهان على أن النور عرض ، ولا نقول أن الذات منيرة ، إذ لا ذات في البين لها نورانية ، بل شيء واحد وهو نفس النور ، فيمكن للدواني أن يستدل أيضا بصحة هذا الإطلاق فيقول ، بأنه يصح إطلاق منير وموجود على نفس النور ونفس الوجود ، فلو فرض أن النسبة والذات كانت مأخوذة في مدلول منير. وموجود ، إذن هنا لا ذات لها نورانية ، بل شيء واحد وهو النور. فهذا الإطلاق صحيح عرفا فيمكن الاستدلال به على أن الذات والنسبة غير مأخوذتين في مدلول المشتق ، إذ لو كانت مأخوذة فليس في هذا العرض ذات ونسبة ومبدأ.

وكذلك يمكن إجراء هذا البيان في المبدأ فيما إذا فرض أن المبدأ وهو الحدث. قام برهان على أنه ذات لا على أنه عرض ، كما هو الحال في علم الباري حيث قام البرهان على أنه عين ذاته ، إذن فهو ذات قائم بنفسه لا أنه عرض وذات ، إذ ليس في البين ذات وعرض ونسبة ، بل ذات يطلق عليه أنه عالم ، وأنه قادر ، فلو فرض أن النسبة كانت مأخوذة في مدلول المشتق ، يلزم عدم صحة إطلاق لفظ عالم على العلم الذي هو ذات مستقلة بنفسها من قبيل «علم الباري» تعالى ، فبرهان الدواني بحسب الحقيقة يجري في هذه الموارد ببيان واحد.

والجواب عنه في تمام هذه الموارد هو :

أن من يقول بأخذ النسبة أو بأخذ النسبة والذات في مدلول المشتق ، لو كان يريد بهذه الذات المأخوذة ، ذاتا مقيّدة ، بأن تكون مغايرة مع المبدأ ، فحينئذ يرد عليه ، أنه عند ما يوصف البياض بأنه أبيض والنور بأنه منير ، والذات الواجبة بأنها عالمة مع أنه لا يوجد في المقام ذات مغايرة مع المبدأ ، بل ليس في الواقع إلّا وجود واحد ، وهذا الوجود الواحد هو وجود للذات وللمبدا ،

١٨٨

إذن فلا يصح أن يدّعى أخذ ذات في مفهوم المشتق بقيد أن تكون مغايرة للمبدا.

وأما إذا كان المدّعى هو أخذ ذات مبهمة في مدلول المشتق بنحو قابل لأن تكون غير المبدأ تارة ، وعينه أخرى ، وتكون النسبة مأخوذة ، لكن هذه النسبة المأخوذة ليست بمعنى التلبس المساوق للاثنينية والمغايرة ، بل بمعنى الوجدان وكون الذات واجدة للمبدا ، حينئذ ، بناء على هذا ، تصح تمام هذه الاستعمالات ، ففي هذه الموارد أيضا يوجد شيء ، وهذا الشيء واجد للمبدا وهو «البياض» في قولنا «أبيض» أو «النور» في قولنا النور منير أو «العلم» في قولنا الباري عالم ، ولكن وجدانه للمبدا وجدان ذاتي لا وجدان عرضي ، ففرق بين وجدان الحائط للبياض ووجدان نفس البياض للبياض ، وكذلك الفرق بين وجدان ذات الباري للعلم ووجدان الجاهل بالذات للعلم ، ولكن بعد تعميم الذات بأن يراد بها ذات مبهمة قابلة للانطباق حتى على الذات المحفوظة في ضمن المبدأ وبعد تعميم النسبة بنحو يراد من النسبة ليس التلبّس ، بل الوجدان الأعم من الوجدان الذاتي والوجدان العرضي ، فعلى هذا لا يرد الإشكال على هذه الاستعمالات ، لأنها تكون جارية على القاعدة.

فدليل الدواني مع تعميمات وإضافات هذا الدليل ، لا يمكن المساعدة عليه لإثبات عدم أخذ النسبة في مدلول المشتق.

الوجه الثاني :

وهذا الوجه ذكره المحقق النائيني (١) (قده) ، حيث ذكر أنه إما أن تكون الذات مأخوذة في مدلول الوصف الاشتقاقي بدون النسبة ، أو أن الذات والنسبة مأخوذان فيه ، وكلاهما باطل ، فيتعين أن يكون مدلوله هو ذات المبدأ بلا زيادة.

__________________

(١) فوائد الأصول / الكاظمي : ج ١ ص ٥٤ ـ ٥٥.

١٨٩

أمّا أن الذات مأخوذة فيه دون النسبة ، فهذا لا محصّل له ، إذ لا ارتباط حينئذ بين مدلول الهيئة ومدلول المادة لأن مدلول المادة هو الحدث ، فإذا كان مدلول الهيئة هو الذات من دون أخذ نسبة مخصوصة بين الذات والحدث ، يلزم عدم وجود أي ارتباط بين الذات والحدث ، أي بين مدلول المادة ومدلول الهيئة هو خلاف الوحدان.

وأمّا أن الذات مأخوذة فيه مع النسبة فيلزم من ذلك تضمّن الكلمة لمعنى حرفي ، لأن النسبة معنى حرفي ، وتضمّن الكلمة لمعنى حرفي يوجب البناء في لغة العرب ، والحال أن الأوصاف الاشتقاقية غير مبنية في اللغة العربية فكيف يفترض أن تكون النسبة مأخوذة في مدلول الوصف الاشتقاقي.

وهذا الكلام غير صحيح إذ يمكن الاعتراض عليه :

أولا : لو فرض أن المأخوذ هو الذات مع النسبة فلا يلزم الإشكال في كون الوصف الاشتقاقي مبنيا بدعوى تضمنه لمعنى حرفي ، إذ قد تبين سابقا أن التضمن للمعنى الحرفي إنما يوجب البناء للاسم إذا كان بلحاظ المادة لا الهيئة ، وفي المقام التضمن إنما هو في هيئة المشتق لا مادته ، فما يقال من أن تضمن المعنى الحرفي يوجب بناء الإسم ، إنما هو في تضمنه بمادته من قبيل أسماء الإشارة والموصولات التي هي بمادتها متضمنة لمعنى حرفي ، وأمّا إذا كانت بهيئتها متضمنة لمعنى حرفي فلم يثبت أنه سبب للبناء في لغة العرب.

ثانيا : لو سلّم أن تضمن المعنى الحرفي ، سواء كان بلحاظ مدلول المادة أو كان بلحاظ مدلول الهيئة ، يكون موجبا للبناء ، لكن هذا لا ينطبق على محل الكلام ، لأنه في محل الكلام بناء على أخذ الذات والنسبة في مدلول هيئة المشتق ، يكون مفاد هيئة المشتق ، هو الحصة الخاصة من الذات ، يعني الذات التي لها العلم ، والحصة الخاصة بما هي حصة خاصة هي مفهوم اسمي قائم بنفسه وليس معنى حرفيا ، نعم بالتحليل تنحل الحصة الخاصة إلى مقيّد وقيد وتقيّد ، والتقيّد معنى حرفي ، وهذا غير تضمّن المعنى في نفسه للمعنى

١٩٠

الحرفي ، وإلّا للزم أن تكون أكثر أسماء الجوامد وأسماء الأجناس معان مبنية لأنها حصص خاصة ، فالسيف موضوع لحصة خاصة من الحديد ، والسرير موضوع لحصة خاصة من الخشب وهكذا ، إذن فلا يلزم من الالتزام بأخذ الذات والنسبة في مدلول هيئة الوصف أن يكون مبنيا ، فهذا الإشكال في غير محله.

الوجه الثالث :

وهذا الوجه أفاده المحقق النائيني (١) أيضا ، وحاصل ما ذكره ، هو أن النسبة المدّعاة في مدلول هيئة المشتق ، إمّا أن تكون مأخوذة مع الذات أو مأخوذة بدون الذات ، فإن كانت الذات أيضا مأخوذة في مدلول المشتق مع النسبة ، فهذا باطل ببراهين المحقق الشريف التي سوف تأتي ، للزوم أخذ النوع في الفصل. مثلا أو غير ذلك مما يلزم من أخذ الذات في مدلول المشتق ، وإن كانت النسبة مأخوذة من دون الذات فهذا غير معقول لأن النسبة تتقوّم بطرفين ولا يعقل استغناؤها بطرف واحد.

وظاهر هذا الكلام واضح الإشكال ، إذ لو فرض أن النسبة مأخوذة دون الذات والنسبة لا تتقوم إلّا بطرفين أحدهما الذات والآخر الحدث ويستحيل تقومها بطرف واحد ، فهذا الكلام صحيح في نفسه ، لأن النسبة في نفس الأمر والواقع لا بدّ لها من طرفين ، لكن لا يلزم أن يكون طرفاها مدلولين لنفس الدال على النسبة بحيث يكون الدال على النسبة دالا على الطرفين ، لأن الكلام في أن هيئة المشتق هل تدل على النسبة أو تدل على النسبة مع الذات ، فلو قيل بأن هيئة المشتق تدل على النسبة دون الذات ، ومادة المشتق تدل على الحدث ، لا يلزم من ذلك محذور تقوّم النسبة بطرف واحد ، لأن النسبة في نفس الأمر لها طرفان ، ولكن الكلام في أنه في مرحلة الدلالة ، هل يكون الدال على النسبة بنفسه دالا على طرفها أيضا وهو الذات أو لا يكون دالا على

__________________

(١) فوائد الأصول ـ الكاظمي ج ١ ص ٥٤ ـ ٥٥.

١٩١

طرفها؟ ، فدعوى أن الهيئة لا تدل على الذات بل على النسبة فقط لا تستلزم أن تكون النسبة واقفة مع طرف واحد في الواقع ، بل لها طرفان ولكن الهيئة لا تدل على هذين الطرفين كما هو الحال في باب الحروف ، ففي قولنا «كتاب في المسجد» كلمة (في) تدل على النسبة ولا تدل على الطرفين ، لأن الدال عليهما الاسمان ولا يلزم من ذلك أن تكون النسبة متقوّمة بطرف واحد ، بل هي متقوّمة بطرفين ، ولكن الدال عليها لا يدل على كلا الطرفين.

فكان الأفضل له أن يجعل نفس البراهين المحقق الشريف موجبة لإبطال هذا الوجه بكلا تقديريه ، فأمّا على تقدير أخذ الذات مع النسبة في مدلول المشتق فيكون المشتق متقوما بالنسبة باعتبارها جزءا من مدلوله والنسبة متقومة بطرفيها وهما الحدث والذات ، إذن فيلزم تقوّم المشتق بالذات ، وهذا يلزم منه محاذير المحقق الشريف.

وأمّا على تقدير أخذ النسبة دون الذات فواضح تقوّم المشتق بالذات لأن المشتق على هذا التقدير يكون متقوما بالنسبة والنسبة متقومة بطرفيها ، إذن فيرجع إلى تقوّم المشتق بالذات ، فيلزم ما تخيّله المحقق الشريف محذورا.

إلّا أنه من المحتمل أن يكون مقصود المحقق النائيني مطلبا آخرا وإن كانت العبارة قاصرة عن أدائه ، وحاصل هذا المطلب ، هو أن هيئة المشتق إن كانت دالة على النسبة من دون دلالتها على الذات يلزم تقوّم النسبة بطرف واحد في مرحلة مدلول الكلام لا في نفس الأمر والواقع ، فإن النسبة بين الذات والحدث إذا كانت مدلولة للهيئة وكان الحدث مدلولا للمادة ، إذن ففي مرحلة الكلام ومرحلة المدلول المطابقي التصوري للكلام لا يوجد دال ثالث يدل على الذات ، إذ لا يوجد إلّا المشتق مبدأ وهيئة ، فمبدؤه يدل على الحدث ، وهيئته تدل على النسبة ، فلا يوجد ما يدل على الذات في المقام ، فالنسبة تبقى بلا طرفين في هذه المرحلة.

وهذا كلام فني في مقام إبطال أخذ النسبة دون الذات ، ولكن يبقى الإشكال واردا ، إذ بالإمكان أخذ النسبة والذات معا ، لأن براهين المحقق

١٩٢

الشريف لا محصّل لها ، وعليه فهذا الوجه غير تام.

الوجه الرابع :

أن يقال ، بأن النسبة إمّا أن تؤخذ مع الذات وإمّا بدون الذات ، فإن أخذت مع الذات إذن يلزم محاذير المحقق الشريف ، وإن أخذت بدون الذات يلزم إباء المشتق عن الحمل على الذات ، وذلك لأن النسبة تساوق الاثنينية والمغايرة بين الطرفين ، مع أن الحمل يساوق الوحدة والاتحاد ، ففرض ملاحظة النسبة بين المبدأ والذات هو فرض المغايرة ، وفرض حمل هذا على ذاك هو فرض الاتحاد ، إذن فأخذ النسبة من دون أخذ الذات يؤدي إلى إباء المبدأ عن الحمل على الذات ، لأن وقوعه طرفا للنسبة معناه ملاحظته مغايرا للذات ومع مغايرته للذات كيف يمكن حمله على الذات؟.

وهذا الوجه نشكل عليه أيضا بما أشكلنا به على الوجه السابق ، إذ يمكن أخذ النسبة والذات معا في مدلول المشتق ، ولا يلزم من ذلك محذور المحقّق الشريف ، لأنه سوف يأتي أنه لا محصّل له ولا يرد محذور امتناع الحمل ، لأن الذات متحدة مع زيد ومع عمرو خارجا ، فيصح حملها على زيد وعلى عمرو خارجا.

وبهذا يتبين أن تمام هذه الوجوه الأربعة لا يمكن أن تبرهن على عدم إمكان أخذ النسبة والذات في مدلول هيئة المشتق وبهذا ينتهي الكلام في الدعوى السلبية.

١٩٣

الدعوى الإيجابية

أمّا الدعوى الإيجابية فهي أن هيئة المشتق موضوعة للّابشرطية ، ولملاحظة مدلول المادة لا بشرط من ناحية الحمل ، وبهذا أصبح مدلول المادة صالحا للحمل على الذات ، بينما مدلول المادة في ضمن المصدر ليس صالحا للحمل على الذات ، لأن هيئة المصدر موضوعة لملاحظته «بشرط لا» من حيث الحمل ، إذن «فعالم وعلم» كلاهما مشتركان في مدلول المادة ، ولكن الفرق بينهما في الهيئة ، لأن هيئة المشتق الوصفي في «عالم» وضعت لملاحظة مدلول المادة بنحو اللابشرط من ناحية الحمل ، وبذلك صحّ حمله على الذات فيقال «زيد عالم» وهيئة المصدر موضوعة لملاحظة مدلول المادة «بشرط لا» من حيث الحمل وبهذا امتنع حمله على الذات فلا يقال «زيد علم»

وهذه الدعوى تحتاج إلى تفسير ، إذ ما معنى كون مدلول المادة يؤخذ في جانب المشتق «لا بشرط» وفي جانب المبدأ والمصدر «بشرط لا»؟.

وقد فسّرت هذه «اللابشرطية» و «الشرطلائية» بثلاث تفسيرات.

١٩٤

التفسير الأول

وهو ما انساق إليه الجمود على حاق العبارة ، حيث قيل ، بأن أخذ مدلول المادة «لا بشرط» أو «بشرط لا» معناه انحفاظ مفهوم واحد ، وهو الحدث في المشتق وفي المصدر ، ولكن هذا المفهوم الوحداني عند ما قيس إلى الحمل أخذ تارة «بشرط لا» من ناحية الحمل فوضع له المصدر ، وأخرى أخذ «لا بشرط» من ناحية الحمل فوضع له المشتق ، فحيث أن المصدر لوحظ فيه ذلك المفهوم الوحداني «بشرط لا» من حيث الحمل ، فلا يصح حمله ، ونفس هذا المفهوم لوحظ في طرف المشتق «لا بشرط» من حيث الحمل ، ولهذا صحّ حمله ، إذن بهذا يحفظ مفهوم وحداني ، وتكون التفرقة بين المشتق والمصدر فقط في كيفية مقايسة هذا المفهوم الوحداني إلى الحمل.

وهذا الكلام كان موردا للإشكال عند الأعلام ، فإن أخذ المبدأ وملاحظته مقيدا و «بشرط لا» من ناحية الحمل ، أي مقيدا بعدم الحمل ، أو أخذه مطلقا و «لا بشرط» من ناحية الحمل وعدمه ، ممّا لا أثر له في صحة الحمل أو في إبطاله ، لأن هذين الأخذين اعتباران ذهنيان في كيفية لحاظ هذا المفهوم الوحداني ، والاعتبارات الذهنية لا دخل لها في تصحيح الحمل أو عدم تصحيحه. لأن ملاك صحة الحمل هو الاتحاد في الوجود ، وملاك عدم صحته هو عدم الاتحاد أصلا في الوجود ، وحينئذ إن كان الاتحاد في الوجود بين هذا المفهوم الوحداني المحفوظ وبين الذات ثابتا ، إذن فالحمل صحيح

١٩٥

على كل حال سواء اعتبر «بشرط لا» أو اعتبر «لا بشرط» ، وإذا كان الاتحاد في الوجود غير ثابت وكانا متغايرين وجودا كما أنهما متغايران مفهوما ، إذن على كل حال لا يصح الحمل سواء اعتبر «لا بشرط» من ناحية الحمل أو «بشرط لا» من ناحيته ، فالتفرقة بين المشتق والمبدأ باعتباري «بشرط لا» و «لا بشرط» لا يمكن أن يكون منشأ لصحة الحمل في المشتق وعدم صحته في المصدر.

وهذا الكلام ينحل إلى أمرين :

الأمر الأول : أن هذا المفهوم الوحداني ، إذا كان مغايرا مع الذات فلا يمكن تصحيح حمله على الذات باعتبار «اللابشرطية» ، وهذا صحيح ، فإن الحمل الحقيقي مرجعه إلى الهوهوية ، والهوهوية فرع أن يكون هذا عين ذاك ومتحدا معه ، فمجرد اعتبار أن هذا «لا بشرط» من ناحية الحمل على ذاك لا يوجب فيه ملاك الحمل ، إذن فمع فرض المغايرة بين هذا المفهوم الوحداني وبين الذات لا يمكن تصحيح الحمل بالاعتبار.

الأمر الثاني : أنه مع فرض الاتحاد في الوجود بين هذا المفهوم الوحداني وبين الذات ، لا يمكن في المقام إبطال الحمل بالاعتبار ، لتوفر ملاك الحمل وهو الاتحاد في الوجود ، فإذا كان الملاك ثابتا ، يصح الحمل ، ومجرد أخذه «بشرط» إنما هو اعتبار لا يؤثر في عدم صحة الحمل.

وهذا الأمر الثاني قابل للمناقشة في المقام ، فإنّ أخذ هذا المفهوم الوحداني «بشرط لا» من ناحية الحمل وتقيّده بعدم الحمل ، حتى لو فرض أن هذا المفهوم الوحداني متحد مع الذات ، فقد يكون أخذه مقيدا بعدم الحمل ، مانعا تعبديا بحسب التعبير الفقهي ، عن عقد قضية حملية بأن يقال «زيد علم».

وتوضيح ذلك ، أن «بشرط لا» من ناحية الحمل ، مرجعه إلى أخذ عدم الحمل قيدا ، وأخذ عدم الحمل قيدا يتصور على وجهين.

الوجه الأول :

أن يكون المقصود أخذ عدم واقع الحمل خارجا قيدا ، ويكون قيدا

١٩٦

للعلقة الوضعية ، بناء على ما سبق في وضع الحروف ، من أن صاحب الكفاية وأمثاله تصوروا إمكان تقييد العقلة الوضعية ، فكأن الواضع حينما أراد أن يضع لفظة «علم» لمفهومه ـ «للحدث» ـ قيّد هذا الوضع بما إذا لم يكن هذا الحدث محمولا على الذات وبصورة زمان عدم الحمل وبظرف عدمه من قبيل ما إدّعاه صاحب الكفاية في بحث الحروف والأسماء من أن العلقة الوضعية تكون مقيدة باللحاظ الآلي تارة ، أو باللحاظ الاستقلالي أخرى.

فلو فرض في المقام أن العلقة الوضعية بين كلمة «علم» ومدلولها كانت مقيّدة بظرف عدم الحمل ، إذن لا يصح الحمل ، لأن في زمن الحمل لا وضع ، لأن الوضع مشروط بزمان عدم الحمل والمشروط عدم عند عدم شرطه ، فلو فرض أن هذا المفهوم الوحداني متحد مع الذات وجودا لكن مع هذا ، لا يصح حمل المصدر على الذات ، لأن في ظرف الحمل لا وضع للمصدر حتى يصح حمله على الذات.

الوجه الثاني :

أن يكون المقصود أخذ عدم الحمل بما هو مفهوم تصوري قيدا في المعنى الموضوع له ، لا أخذ عدم الحمل بوجوده الواقعي الخارجي بحيث يكون قيدا للعلقة الوضعية ، بل بمعنى أن لفظة «علم» موضوعة للحدث الذي لا يحمل على الذات ، لا للحدث على الإطلاق ، بل لحصة خاصة من الحدث ، وهذه الحصة هي الحدث المقيّد بعدم الحمل ، وحينئذ أيضا يتعذر حمله على الذات ، لأنه بعد فرض أن كلمة «علم» معناها ومفهومها الحدث الذي لا يحمل على الذات ، إذن على أي مصداق يحمل هذا المفهوم!. فهل يطبّق ويحمل على حدث يحمل بالفعل على الذات؟. إذن فهذا خلف ، لأن هذا ليس مصداقا له لأن الحدث الذي يحمل على الذات لا يكون مصداقا للحدث الذي لا يحمل على الذات ، أو أنه يطبّق على حدث لا يحمل على الذات؟. فهذا معناه عدم الحمل. إذن فلا يصح الحمل في المقام.

وبهذا ، اتضح أن عدم صحة الحمل يمكن التوصل إليها بالتصرفات

١٩٧

الاعتبارية ، بأخذ مدلول «بشرط لا» من ناحية الحمل ، فإنه رغم كونه متحدا في الوجود مع الذات يمتنع فيه الحمل ، سواء كان أخذه «بشرط لا» على الوجه الأول وهو أخذ عدم الحمل الخارجي قيدا في العلقة الوضعية ، أو على الوجه الثاني ، وهو أخذ عدم الحمل قيدا تصوريا في المعنى الموضوع له ، وبهذا يتبين أن الأمر الثاني غير تام ، ولكن الأمر الأول تام ، وهو أنه إذا كان شيئان متغايران وجودا ومفهوما ، فمجرد اعتبار أحدهما «لا بشرط» من ناحية الحمل على الآخر لا يصحّح الحمل على الآخر ، فإن هذا المقدار من الكلام صحيح ، فإن أراد «الدواني» وأمثاله ، أن يصححوا حمل المشتق على الذات المتغايرين وجودا بمجرد أخذ المشتق «لا بشرط» من ناحية الحمل ، فهذا واضح البطلان في المقام ، إذ ما دام التغاير محفوظا ، فمجرد أخذه «لا بشرط» من ناحية الحمل على الآخر لا يكفي في تصحيح الحمل.

هذا هو التفسير الأول «للشرطلائية» و «اللابشرطية» ، إلّا أن هذا التفسير ليس هو مراد أصحاب هذا القول كما صرّحوا بذلك أنفسهم ، وإن توهّمه بعض الأصوليين عنهم.

١٩٨

التفسير الثاني

وهذا التفسير هو ظاهر تصريحاتهم في كلمات الدواني والنائيني (١) (قده) ، إذ يقولون بأن مفهوم المشتق ومفهوم المصدر ، مفهوم وحداني محفوظ في ضمن المشتق وفي ضمن المصدر ، ويطرأ عليه «شرط لائية» في المصدر ، و «لا بشرطية» في المشتق ، ولكن «الشرطلائية» و «اللابشرطية» ليستا بلحاظ نفس الحمل ، بل بلحاظ خصوصية قبل الحمل ، يترتب عليها جواز الحمل تارة ، وعدم جوازه أخرى ، فالمشتق لوحظ «لا بشرط» لا بلحاظ الحمل نفسه ، بل بلحاظ أمر أسبق من الحمل ، وترتب على هذه «اللابشرطية» جواز الحمل ، والمصدر هو عين ذاك المفهوم ، لكنه لوحظ «بشرط لا» ، لا من ناحية الحمل «بشرط لا» ، بل من ناحية مطلب أسبق من الحمل ممّا ترتب على ذلك عدم جواز الحمل.

وما هو ذاك المطلب الأسبق الذي يلحظ هذا المفهوم الواحد ، تارة «لا بشرط» من ناحيته ، وأخرى «بشرط لا» أيضا من ناحيته؟.

فقد أوضح ذلك المحقق النائيني (٢) (قده) فقال بأن الحدث عرض ، والعرض له وجود في نفسه ، وهذا الوجود في نفسه ، هو وجود لموضوعه ،

__________________

(١) فوائد الأصول / الكاظمي : ج ١ ص ٤٩ ـ ٥٠ ـ ٥٩ ـ ٦٠.

(٢) فوائد الأصول / الكاظمي : ج ١ ص ٥٩ ـ ٦٠.

١٩٩

فمثلا «العلم» له وجود في نفسه ، يعني وجود مضاف إلى العلم ، فيقال هذا وجود «العلم» ، وله وجود لموضوعه بمعنى أن وجود «العلم» قائم بالموضوع ومندك في الموضوع ، وليس هذان وجودان للعرض ، بمعنى أن «العلم» ليس له وجودان ، وجود في نفسه ووجود آخر في موضوعه ، بل له وجود واحد ، وهذا الوجود الواحد فيه حيثيتان ، فإنه وجود للعرض في نفسه يمكن إضافته إلى ماهيته ، فيقال هذا وجود للبياض أو وجود «للعلم» أو وجود «للقيام» ، كما أن عين هذا الوجود الواحد هو وجود للموضوع بحيث يمكن إضافته إلى الموضوع فيقال هذا وجود للموضوع ويكون طورا من أطوار الموضوع ، فإن العلم شأن من شئون الذات العالمة وطور من أطوارها ، ونفس الحيثيتين يمكن تصورهما في مثال الصورة المنطبعة في المرآة فإن وجود المرآة وجود للمرآة في نفسها ، وهو وجود للصورة المنعكسة في المرآة ، وهذا وجود واحد هو وجود للمرآة ، ووجود لذي المرآة ، فإذا لوحظت المرآة بحسب الطبع في نفسها بلا عناية ، يقال هذه صورة ، باعتبار أن وجود المرآة في نفسها عين وجود الصورة فهي مستهلكة ومندكّة في الصورة ولكن مع إعمال عناية التفكيك وفصل المرآة عن الصورة ، وأن الصورة أمر طارئ والمرآة شيء إضافي منفصل عن الصورة ، حينئذ يقال هذه مرآة ، ولا يصح أن يقال هذه صورة ، ونفس هذا المثال يمكن تطبيقه في المقام ، فإذا لوحظ هذا الوجود الواحد بمقتضى طبعه دون إعمال عناية التفكيك والفصل بينه وبين موضوعه ، إذن فيصح حمله على الذات لأن هذا الوجود وجود للموضوع ، إذ وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه ، إذن فهو نحو ظهور للموضوع وطور من أطوار الموضوع فيصح حمله عليه ، ولكن إذا أعملت عناية التفكيك بين وجوده في نفسه ووجوده لموضوعه والتفت فقط إلى جنبة وجوده في نفسه ، إذن تحصل المغايرة بين العرض والموضوع ، لأنه حينما يلتفت إلى جنبة وجوده في نفسه ويفصل عن جنبة اندكاكه في الموضوع ، يحصل التغاير بين العرض والموضوع ، فلا يصح حمله على الموضوع ، والأول هو معنى «اللابشرطية» والثاني هو معنى «البشرطلائية».

٢٠٠