بحوث في علم الأصول - ج ٣

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: الدار الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٩

الوجه الثاني :

أن يقال بأن صحة الإطلاق مع عدم التلبس الفعلي ناشئ من التوسع في مدلول مادة المشتق بمعنى أن المادة أريد بها في المقام ، الحرفة والصناعة ، ولم يرد بها الفعلية ، ففي الحرفة مثلا ، نرى أنه يصح إطلاق كلمة صائغ على هذا الإنسان ، مع أنه لا يباشر فعلا عملية الصياغة ، وإنما يصح ذلك باعتبار أن الصياغة التي هي مبدأ الاشتقاق في صائغ ، بمعنى الصناعة والحرفة ، وتلبسه بالحرفة فعلي لا محالة ، فيكون ذلك من استعمال المشتق في المتلبس بالفعل لأنه متلبس بالفعل بحرفة الصياغة.

وما يمكن أن يقوله الأعمي لإبطال هذا الوجه ، هو أن يقال ، بأن المادة لو كان مدلولها هو الحرفة والصناعة للزم أن يكون هذا المدلول مدلولا للمادة حينما تعرض عليها سائر الهيئات الأخرى ، لأن المادة واحدة موضوعة بوضع واحد نوعي ، فمثلا ، «صاغ ويصوغ» مادتهما واحدة ، وضعت لمدلولها وهو الصنعة والحرفة ، مع أننا نرى بالوجدان أن الصياغة في ضمن «صاغ ويصوغ» تدل على الحدث ، ونفهم من ذلك التلبس الفعلي بالصياغة ، إذن فالصياغة لم تكن بمعنى الحرفة والصناعة ، وإلّا للزم أن تكون بهذا المعنى في تمام المشتقات بناء على الوضع النوعي الواحد.

الوجه الثالث :

أن يقال ، بأننا لو سلّمنا بأن المادة أريد بها العملية ، لا الحرفة والصناعة ، ولكن الهيئة موضوعة للمتلبس بالتلبس الشأني لا بالتلبس الفعلي ، فالتصرف في مدلول الهيئة لا المادة ، ولكن لا بحملها على المتلبس والمنقضي ، بل بتوسعة دائرة التلبس.

فنقول بأن المراد من التلبّس الملحوظ في هيئة «صائغ» ، هو الأعم من التلبس الفعلي والتلبس الشأني ، وحينئذ ، يصح في المقام إطلاق «صائغ» على

١٦١

المتلبس بالصلاة فعلا ، لأن تلبسه الشأني في الصياغة محفوظ ، فلا يثبت بذلك الوضع للأعم.

ويمكن للأعمي أن يدفع هذا الوجه بسنخ ما دفع به سابقه ، بأن يقال ، بأن هيئة «صائغ» لو كانت موضوعة بوضع شخصي ، بحيث أنها موضوعة للذات المتلبسة فعلا لكن بتلبس أعم من الشأني والفعلي ، وهيئة ضارب موضوعة بوضع شخصي بحيث أنها موضوعة للذات المتلبسة فعلا بالتلبس الفعلي خاصة ، لا التلبس الشأني ، لأمكن ما ذهبتم إليه ، ولكن هيئة «صائغ وضارب» موضوعة بوضع نوعي واحد على وزان طبيعي هيئة فاعل التي لم يلحظ فيها مادة دون مادة ، وحينئذ نسأل ، أن هيئة فاعل الذي هو الكلي الطبيعي ، هل أخذ فيه التلبس الفعلي ، أو الأعم من الفعلي والشأني؟. فإن قيل بأن المأخوذ هو التلبس الأعم ، فهذا خلف ما ذهبتم إليه من أن ضارب لا يصدق على من لم يكن متلبسا تلبسا فعليا بالضرب ، وإن قيل بأن المأخوذ هو التلبس الفعلي بالخصوص ، إذن فما ظنكم في «صائغ» الذي يصح إطلاقه على الذات مع عدم التلبس الفعلي. إذن فالهيئة موضوعة بوضع نوعي لا شخصي ، ولو كان هناك توسعة في دائرة مدلول هيئة صائغ بنحو يشمل التلبس الفعلي والتلبس الشأني ، للزم سريان هذه التوسعة إلى تمام أسماء الفاعل مع أن القوم لا يلتزمون بذلك.

الوجه الرابع :

أن يقال ، بأن إطلاق المشتق على الذات لا يشتمل على التوسعة والتصرف في مدلول مادة «صائغ» ولا في مدلول هيئته بل مشتمل على التصرف في مدلول جملة «زيد صائغ» ، لأن هذه الجملة بقرينة كون الصياغة حرفة وصناعة ، تدل على الهوهوية والجري الشأني الاقتضائي ، لا الجري الفعلي الدائمي.

ولا يرد على هذا الوجه ما أورد على الوجه الثاني والثالث ، فلا يقال ، بأن التصرف في مدلول مادة صائغ ، حتّى يشكل بأن هذه المادة محفوظة في

١٦٢

«صاغ» أيضا ، ولا يقال بأن التصرف في هيئة «صائغ» ، حتى يشكل بأن هذه الهيئة محفوظة في هيئة «ضارب» أيضا ، بل التصرف في مدلول جملة «زيد صائغ» فإن مدلولها الجري والهوهوية ، وبقرينة أن الصياغة خارجا تكون حرفة ، وحيث أن هناك من الصاغة من لم يمارسها فعلا ، فتحمل الهوهوية على الهوهوية الاقتضائية لا الهوهوية الفعلية.

ولكن معنى هذا أن التوسعة منوطة بالجملة لا بالكلمة ، فكلمة «صائغ» حالها حال كلمة «ضارب» ، والتوسعة جاءت ببركة جملة «زيد صائغ» ، مع أن هذا خلاف الوجدان ، فهو قاض بأن كلمة صائغ بنفسها مفردة ، مفهومها أوسع من مفهوم ضارب أو قاتل ، فإن هذه الكلمة من دون إجرائها على ذات ومن دون إيقاعها محمولة ، يتبادر منها معنى واسعا قابلا للانطباق على المتلبس والمنقضي عنه المبدأ.

الوجه الخامس :

أن يقال بعدم التصرف في مدلول المادة والهيئة والجملة ، وإنما التصرف بأمر خارجي ، وذلك بأن العرف يعمل عناية ارتكازية ، بحيث أن الصياغة مستمرة ، فهو يلغي الفترات الفاصلة بين أوقات الصياغة ، ويرى أن الصياغة فعلية حكما ، وحينئذ ، هذا الإنسان الذي لا يصوغ فعلا ، ينزّل منزلة الصائغ الفعلي ، وينطبق عليه هذا العنوان.

ولكن إذا صحّت هذه العناية العرفية الارتكازية ، إذن لصدق عرفا أن نقول عن زيد المتلبس بالصلاة فعلا أنه متلبس بالصياغة فعلا ، مع أن هذا غير صحيح ، وبهذا تبطل عرفية هذه العناية.

وإذا بطلت هذه الوجوه الأربعة يتعين الوجه الأول ، وهو المدّعى للقائل بالأعم ، وهو أن هيئة صائغ موضوعة للأعم من المتلبس والمنقضي عنه المبدأ.

١٦٣

إيرادات على الأعمي

ويشكل على الأعمي بعدة إيرادات.

أولا : إن الأعمي أشكل على الوجه الثالث ، بأن لازمه أن تكون هيئة صائغ موضوعة بوضع شخصي لا نوعي ، إذ لو كانت موضوعة بوضع نوعي بلحاظ طبيعي صيغة فاعل للمتلبس الأعم من الشأني والفعلي ، للزم صدق العنوان حتى في «ضارب وقاتل» في موارد التلبس الشأني.

وهذا الكلام من الأعمي في غير محله ، لأنه يدّعي التفصيل بين «ضارب» و «صائغ» ، فضارب موضوع لخصوص المتلبس ، وصائغ موضوع للأعم ، وهذا لا يتم إلّا بتعدد الوضع ، فهيئة «فاعل» وضعت في ضمن «عالم وضارب» لخصوص المتلبس ، ووضعت في ضمن «شاعر وصائغ» للأعم من المتلبس وممن انقضى عنه المبدأ.

فإذا صحّ تعدد الوضع ، فلما ذا لا تصح دعوى القائل بالوضع لخصوص المتلبس ، من وجود وضعين لهيئة فاعل ، فهي في «شاعر وصائغ» موضوعة للمتلبس ولو شأنا ، وهي في «عالم وضارب» موضوعة للمتلبس الفعلي.

ثانيا : أن الصحيح في المقام ، هو الوجه الثالث ، بأن يقال بأن هيئة صائغ مفادها هو التلبس الأعم من الفعلي والشأني دون الالتزام بوضعها الشخصي ، بل نلتزم بأن هيئة «صائغ» موضوعة بالوضع النوعي لطبيعي فاعل ،

١٦٤

وأن التوسعة في التلبس للشأني والفعلي مأخوذة في طبيعي اسم الفاعل من دون فرق بين «صائغ وضارب» ، لأن مرادنا من التلبس الشأني في المقام ليس مجرد إمكان التلبس وقابليته ، بل اتخاذ المبدأ حرفة وطريقة وهذا محفوظ في سائر أسماء الفاعلين ، غايته أن هذا النحو من التلبس ليس له مصداق في «ضارب» ، لأن الضرب لم يتخذ حرفة في السوق ، ولكن كل أسماء الفاعلين موضوعة للذات المتلبسة بنحو من التلبس يشمل اتخاذ المبدأ ديدنا ، والفرق بين بعض أسماء الفاعلين والبعض الآخر حيث أن هذا النحو من التلبس له مصداق في الخارج وفي بعضها ليس له مصداق ، وهذا الفرق بين «صائغ وضارب» ليس في المفهوم والمعنى الموضوع له ، حتى يلزم تعدد الوضع ، بل الوضع واحد والموضوع له واحد وهو طبيعي المتلبس ولو بهذا النحو من التلبس ، بل الفرق في المصداق ، حيث أن ضارب ليس له مصداق في الخارج بحيث يكون الضرب مهنة وحرفة له ، بينما صائغ له مصداق بهذا النحو من التلبس.

وبهذا يندفع دليل الأعمي بتفسيرنا لظاهرة انطباق عنوان صائغ على الذات الغير متلبسة فعلا بالصياغة ، إذ نوسّع دائرة التلبس باتخاذ المبدأ ديدنا وحرفة ، وهذه التوسعة تجري في سائر المشتقات والأوصاف الاشتقاقية ، فمثلا كلمة «مذبح» اسم لمكان معد للذبح اتخذ الذبح فيه منهجا وطريقة ، وهذا مشمول للتلبس.

ثالثا : ويرد على تفسير الأعمي ، لظاهرة صحة إطلاق لفظ صائغ في حال عدم التلبس الفعلي بالصياغة بالوضع للأعم ، عدم صحة هذا التفسير ، وذلك أنه لو كانت نكتة صحة هذا الإطلاق هي الوضع للأعم من المتلبس والمنقضي ، إذن للزم صحة هذا الإطلاق حتى بعد ترك الحرفة والصياغة والانشغال بحرفة أخرى ، كأن أصبح «بقالا» مثلا ، مع أنه لا إشكال بحسب الوجدان أن هذا الذي ترك الصياغة واشتغل بالبقالة لا يصدق عليه عرفا أنه صائغ ، فهذا دليل على أن التوسعة في المطلب ليست قائمة على أساس الوضع

١٦٥

للأعم ، بل بنكتة توسيع التلبس وتعميمه للتلبس الشأني.

ويرد أيضا على هذا التفسير أن غير المحترف الذي لم يكن يوما محترفا للصياغة ، لو أنه صاغ ولو مرة صدفة ، للزم صحة إطلاق صائغ عليه ، لأن هذه الكلمة موضوعة للأعم ، مع أنه لا إشكال في أن هذا الصائغ على سبيل الصدفة لا يصدق عليه أنه صائغ ، إلّا بالعناية ، وليس ذلك ، إلّا لأن التلبس المعتبر في هيئة صائغ إمّا التلبس بوجوده الفعلي أو التلبس الشأني باتخاذ المبدأ ديدنا ومنهجا له.

فهذان شاهدان على أن صحة الإطلاق الملحوظة ليست بملاك الوجه الأول ، وإنما هي بملاك الوجه الثالث بالنحو الذي قررناه.

وبهذا انتهى الكلام في أدلة الأعمي ، واتضح أن الصحيح مطلقا هو الوضع لخصوص المتلبس.

١٦٦

خاتمة

يبحث فيها عن الفرق بين المصدر ومفاده والمشتق ومفاده وبقيّة الأوصاف الاشتقاقيّة.

وهنا قد قيل بأن المصدر ، هو أصل الكلام والمشتقات ، وليس المراد بذلك أن المصدر بوجوده اللفظي يكون أصلا للمشتقات بوجوداتها اللفظية ، لوضوح أن المصدر حينئذ له هيئة خاصة مباينة لهيئات سائر المشتقات ، فلا معنى لأن يكون «ضرب» هيئة ومادة ، أصلا «لضارب» ، لأنهما بوجوديهما اللفظيين متباينان ، إذ كل منهما متقوّم بهيئة خاصة مباينة لهيئة الآخر ، بل المراد كون المصدر أصلا ، بلحاظ المعنى والمدلول ، بمعنى أن مفاد المصدر ، هو مادة مفادات سائر المشتقات ، فهو المعنى المحفوظ والساري في سائر مداليل المشتقات.

والتحقيق في أصالة المصدر من حيث المعنى ، مبني على معرفة أن المصدر هل هو بمادته موضوع لذات الحدث ، وبهيئته لم يوضع لمعنى نسبي يحصّص ذلك الحدث ويخصّصه بنحو خاص؟ فحينئذ ، هذا يكون معنى محفوظا في سائر المشتقات الأخرى ، فذات الحدث يكون محفوظا فيها لا محالة ، أو أن المصدر حاله حال سائر المشتقات ، فله وضعان ، وضع بلحاظ مادته لذات الحدث ، ووضع بلحاظ هيئته لمعنى نسبي ، فعلى هذا لا يكون المصدر أصلا للكلام حتى بلحاظ المعنى ، لأن مفاده حينئذ نسبة مخصوصة

١٦٧

تباين سائر النسب الأخرى ، وإنما تمام وظيفة هيئة المصدر ، هي حفظ المادة في قالب لفظي معيّن؟.

فالمعروف بين المحققين المتأخرين ، أن المصدر كما هو موضوع بمادته لذات الحدث ، كذلك هو موضوع بهيئته لمعنى آخر. وفي تقريب هذا المعنى يذكر وجهان :

الوجه الأول :

ما هو معروف بين المتأخرين ، من أن هيئة المصدر موضوعة للنسبة الناقصة التقييدية ، بمعنى أن الحدث الذي هو مدلول المادة ، يمكن أن يضاف إلى ذات فاعله ، أو إلى ذات مفعوله ، بنحو الإضافة الناقصة ، كما يمكن أن يضاف بنحو النسبة التامة ، فمثلا إضافة «الضرب» إلى «ضارب» في «ضرب زيد» هذه بنحو النسبة التامة ، وفي «ضرب زيد» بنحو النسبة الناقصة ، إذن فهيئة المصدر موضوعة لنسبة بين مدلول المادة وبين فاعل «ما» أو مفعول «ما» ، على نحو الإبهام والإجمال ، وبذلك يختلف المصدر عن أسماء المصادر والجوامد ، ففي أسماء المصادر من قبيل «طهر وغسل وعجب» ، وأسماء الأجناس العامة ، من قبيل «قلم ودار» ، لم يؤخذ للهيئة أي معنى نسبي ، بينما في المصادر من قبيل «ضرب» ، فقد أخذ في مدلول الهيئة المصدرية معنى نسبي ، وهو النسبة الناقصة التقييدية بين الحدث وبين ذات «ما» على وجه الإبهام ،

وهذا الوجه يمكن أن يستشكل فيه ، ويمنع أخذ النسبة الناقصة التقييدية في مفاد هيئة المصدر بعدة تقريبات.

التقريب الأول : ما ذكره المحقق النائيني (١) قدس‌سره حيث قال ، بأن النسبة الناقصة التي هي معنى حرفي لو كانت مأخوذة في المصدر ، للزم كونه

__________________

(١) فوائد الأصول / الكاظمي : ج ١ ص ٥٠ ـ ٥٥.

١٦٨

مبنيا في اللغة ، لأن أحد أسباب البناء في لغة العرب ، هو تضمّن الإسم لمعنى حرفي ، وكونه شبيها بالحرف ، مع أنه من الواضح عدم كون المصدر كذلك.

وهذا الإشكال في غير محله ، لأن ما عدّ سببا من أسباب البناء إنما هو تضمّن الإسم بمادته للمعنى الحرفي ، لا بهيئته ، من قبيل أسماء الإشارة والموصول التي قيل ببنائها. بلحاظ أنها متضمنة للمعنى الحرفي بمادتها لا بهيئتها ، وأما في المقام ، لا ندّعي بأن المصدر بمادته متضمن للمعنى الحرفي الذي هو الجنبة الاسمية في المصدر بل بهيئته ، فمادته موضوعة لذات الحدث ، وذات الحدث خالية من المعنى الحرفي ، وهيئته هي الموضوعة لذلك. ولا يتوهم أن تضمّن هيئة الكلمة للمعنى الحرفي يكفي لجعلها مبنية ، بدليل أن فعل الماضي والمضارع والأمر بمادته لم يتضمن المعنى الحرفي بل بهيئته ، ومع هذا هو مبني ، لأن الفعل مبني بالأصالة لا باعتباره متضمنا لمعنى حرفي.

إذن فهذا الإشكال غير صحيح ، لأن النسبة الناقصة تؤخذ في جانب الهيئة لا في جانب المادة.

التقريب الثاني : أن يقال بأنه إذا بنينا على أن مفاد هيئة المصدر موضوعة لنسبة الحدث إلى ذات «ما» يلزم في قولنا «ضرب زيد» ، وجود نسبتين ناقصتين تقييديتين في عرض واحد ومرتبة واحدة على مفهوم واحد وهذا أمر غير معقول.

وتوضيح ذلك : أن اجتماع نسبتين ناقصتين تقيديتين على شيء واحد يعني أن هذا الشيء الواحد صار طرفا لنسبتين ناقصتين بل لا بدّ من الطولية بين هاتين النسبتين ، من قبيل قولنا «ماء الورد الجيد» ، فهنا نسبتان ناقصتان إحداهما نسبة الماء إلى الورد بالإضافة ، والأخرى النسبة التوصيفية حيث وصفناه بأنه جيد وإحدى النسبتين في طول الأخرى ، لأن ماء الورد بما هو ماء الورد يوصف بأنه جيد ، فالنسبة الوصفية في طول نسبة الإضافة.

١٦٩

أمّا أن تكون النسبتان الناقصتان في عرض واحد ، فهذا أمر غير معقول ، لأن كون «مفهوم طرفا للنسبة» ، عبارة عن اندكاكه في مفهوم تركيبي ، وهذا المدلول الوحداني لا معنى لأن يندك في مرتبة واحدة في مفهومين تركيبيين ، نعم يندك في مفهوم تركيبي ، ثم ذاك المفهوم التركيبي يندك في مفهوم تركيبي أوسع منه ، وهو معنى الطولية بين النسبتين كما في «ماء الورد الجيد» فإن العرضية بين النسبتين غير معقول ، لأن المفهوم التركيبي لا يمكن اندكاكه في مرتبة واحدة في مفهومين تركيبيين ، نعم يندك في مفهوم تركيبي ، وهذا يندك في مفهوم تركيبي أوسع منه ، وهو معنى الطولية بين النسبتين ، فإن «ماء» اندك في مفهوم تركيبي وهو «ماء الورد» ، ثم ماء الورد اندك في مفهوم تركيبي آخر وهو «ماء الورد الجيد».

وبناء على هذا نقول ، أن الحدث وهو مدلول المادة في «ضرب زيد» ، صار طرفا لنسبتين ناقصتين في عرض واحد إحداهما نسبته إلى ذات «ما» على وجه الإبهام وهي مدلول الهيئة المصدرية ، والأخرى نسبته إلى «زيد» وهي مدلول الإضافة ، ولا مخلص من ذلك إلّا أن يقال مثلا ، بأن النسبة الثانية التي هي مفاد الإضافة طرفها هو الذات وليس الحدث ، فيرجع قولنا إلى حدث صادر من ذات ، وتلك الذات هي «زيد» ، وهذه عناية واضحة ومخالفة للوجدان العرفي فإنه شاهد ، بأن طرف النسبة مع «زيد» ليس هو الذات المبهمة المأخوذة في الهيئة المصدرية ، وإنما هو الحدث الذي هو مدلول المادة ، إذن ، فالحدث صار طرفا لنسبتين ناقصتين عرضيتين إحداهما النسبة المأخوذة في مفاد هيئة المصدر والأخرى النسبة المأخوذة في مفاد هيئة الإضافة ، فكأنّ الحدث نسب بالنسبة الناقصة إلى الذات المبهمة ، وإلى «زيد» في عرض واحد ، وهذا ممّا لا محصل له.

ولكن يمكن التخلص من هذا الاعتراض ، بأن يقال بأن الهيئة المصدرية في قولنا «ضرب زيد» تدل على النسبة لا على طرف النسبة.

إذن ففي المقام نسبة واحدة فقط ، أحد طرفيها الحدث ، والآخر «زيد» ،

١٧٠

والدال على النسبة ، هو هيئة المصدر ، والدال على الحدث ، هو مادة المصدر ، والدال على الطرف الآخر للنسبة ، هو هيئة الإضافة ، فليس في المقام نسبتان إحداهما نسبة الحدث إلى الذات ، والأخرى نسبة الحدث إلى «زيد» ، ليجتمع نسبتان ناقصتان في مرتبة واحدة ، بل نسبة واحدة ، الدال عليها هو الهيئة ، وهذه الهيئة المصدرية ، إنما تدل على النسبة فقط ، ولا تدل على المنسوب إليه ، ولكن هيئة الإضافة تدل على تعيين المنسوب إليه ، وكونه «زيدا».

إذن فلا يوجد في المقام نسبة إلى الذات ، ونسبة أخرى إلى «زيد» ، بل نسبة واحدة مدلولة للهيئة المصدرية.

التقريب الثالث : وهذا التقريب ينشأ من جواب التقريب السابق ، وهو أن هيئة المصدر لو كانت دالة على النسبة وطرف النسبة أيضا ، بمعنى أنها تدل على نسبة الحدث إلى الذات المبهمة ، إذن فالمصدر يكون معنى مستقلا في نفسه وليس لازم الإسناد إلى الغير ، وأمّا إذا بنينا بأن هيئة المصدر تدل على النسبة فقط دون طرف النسبة ، إذن فالمصدر يكون واجب الإسناد ، فكما أن فعل الماضي مثلا لا بد من إسناده فنقول «ضرب زيد» لأن ضرب تدل على النسبة وأما طرف النسبة وهو الفاعل لا يدل عليه هيئة الفعل ، وإنما تدل عليه هيئة الجملة الفعلية ، فكذلك في المقام ، إذا قلنا بأن هيئة المصدر تدل على النسبة فقط دون طرف النسبة ، إذن فالمصدر لا يكون تام المعنى في نفسه من دون إسناده ، ويكون حاله حال الفعل ، مع أن «الضرب» يتكلم عنه من دون إسناده فنقول «الضرب حرام» من دون أن نسنده إلى شيء وهذا كاشف عن أحد أمرين :

فإمّا أن النسبة وطرف النسبة كليهما داخل في هيئة المصدر لكي يكون قابلا للتوجه إليه من دون إسناده.

وإمّا أن يكون كلاهما خارجا عن مدلول المصدر وأن مدلوله ذات الحدث.

١٧١

والجواب ، أن هذا الاعتراض إنما يرد لو كان المشهور قائلا بأن النسبة مأخوذة وملحوظة دائما في هيئة المصدر ومدلوله ، ولكن المشهور لا يقول بذلك ، بل يقول بأن موارد استعمال هيئة المصدر على قسمين :

ففي بعض الموارد يؤتى بالمصدر من دون أن يفرض للهيئة معنى أصلا ويكون تمام المقصود من المصدر ، هو المادة فقط ، ولكن وظيفة الهيئة حفظ المادة في قالب معين ، من دون أن تكون دالة على شيء ، وفي بعض الموارد الأخرى يؤتى بالهيئة للدلالة على النسبة الناقصة التقييدية ، فعلى هذا لا يرد الاعتراض على المشهور ، لأن في موارد عدم الإسناد ، يقولون بأن الهيئة معطّلة ولم يرد منها النسبة.

التقريب الرابع : أن يقال ، بأنه تحصّل أن الهيئة المصدرية تدل على النسبة ، وهيئة الإضافة في قولنا «ضرب زيد» تدل على تعيين طرف هذه النسبة ، ولكن من المعلوم أن هيئة الإضافة لا تدل فقط على تعيين طرف النسبة ، بل هي تدل على النسبة أيضا ، كما في قولنا «غلام زيد» ، فإن النسبة بين «غلام» و «زيد» مدلولة لهيئة الإضافة ، فإذا كانت هيئة الإضافة دالة على النسبة والتزمنا في المصادر بأن المصدر أيضا دال على النسبة ، فيلزم من ذلك تعدد الدال على النسبة في المقام ففي قولنا «ضرب زيد» يكون هناك دالان على النسبة ويلزم انفهامها مرتين بدالين في قول واحد ، مع أن الوجدان قاض بخلاف ذلك ، فلا فرق بين قولنا «ضرب زيد» أو «غلام زيد» من حيث وحدة النسبة ووحدة الدال عليها.

هذا ما ينبغي أن يقال في مقام الاعتراض على أخذ النسبة الناقصة التقييدية في هيئة المصادر.

فالصحيح ، أن المصادر بهيئاتها لم تؤخذ فيها تلك النسبة وحدها ولا هي مع طرفها ، فلأنه يلزم من ذلك تعدّد النسبتين الناقصتين في مرتبة واحدة على مفهوم واحد ، وأمّا هي بدون طرفها فلأنه لزم من ذلك تعدد الدال على

١٧٢

النسبة في قولنا «ضرب زيد» لأن هيئة الإضافة تدل على النسبة كما تدل عليها هيئة المصدر ، والوجدان قاض بخلاف ذلك.

الوجه الثاني :

هو ما ذكره المحقق النائيني (١) (قده) ، فإنه لم يقبل بأخذ النسبة الناقصة التقييدية في المصدر ، واعترض على ذلك ، بلزوم كون المصدر مبنيا حينئذ ، بل ذهب إلى قول آخر في مقام تصوير أن هيئة المصدر موضوعة لمعنى زائد على مدلول المادة فقال : أن المصدر واسم المصدر كلا منهما موضوع لذات الحدث ، «فغسل» الذي هو المصدر ، «وغسل» الذي هو اسم المصدر ، كلاهما بمادته موضوع لذات الحدث ولكن هيئة اسم المصدر موضوعة لمعنى يقابل المعنى الموضوع له هيئة المصدر وذلك أن هيئة اسم المصدر موضوعة للدلالة على الحدث بما هو شيء من الأشياء في نفسه مقيدا بعدم الانتساب إلى الذات ، فكأن هيئة اسم المصدر موضوعة لتقييد الحدث بعدم الانتساب إلى الذات وملاحظته بما هو شيء في مقابل الذات. وأما هيئة المصدر فهي موضوعة لإلغاء تقييد الحدث بعدم الانتساب إلى الذات ، لا أنها موضوعة للانتساب ، وفرق بين أن تكون هيئة المصدر موضوعة لانتساب الحدث إلى الذات ، وبين أن تكون موضوعة لعدم تقييد الحدث بعدم الانتساب إلى الذات ، ولنفي الخصوصية المأخوذة في اسم المصدر ، فاسم المصدر بمادته موضوع لذات الحدث وبهيئته لتقيّده بعدم الانتساب إلى الذات ، وهذا التقييد تنفيه هيئة المصدر لا أنها تدل على الانتساب والنسبة.

ولكنّ ما ذهب إليه ، لا يمكن المساعدة عليه بحسب الظاهر ، لأن قوله أن هيئة اسم المصدر موضوعة للتقيد بعدم الانتساب إلى الذات يراد به أحد أمرين :

__________________

(١) فوائد الأصول / الكاظمي : ج ١ ص ٤٩ ـ ٥٠

١٧٣

الأمر الأول :

أن يكون مراده ، أن هيئة اسم المصدر موضوعة لتقييد الحدث الذي هو مدلول المادة بأن لا يكون منسوبا إلى الذات ، فمدلول مادة اسم المصدر يكون مقيدا ، بأن لا يكون منسوبا إلى الذات ، ويرد على ذلك :

أولا : أنه خلاف الوجدان في اسم المصدر إذ لو كانت هيئة اسم المصدر موضوعة لتقييد مدلول المادة بعدم الانتساب إلى الذات ، لزم عدم صدق اسم المصدر على «الغسل» الخارجي ، وهذا خلاف الوجدان لأن أي «غسل» يقع في الخارج ، فهو منسوب إلى الذات لا محالة ، ويلزم أيضا عدم صحة الإضافة في اسم المصدر ، مع أنه يقبل الإضافة بلا إشكال كما هو واضح في قولك «غسل زيد».

ثانيا : إذا كان المراد بهيئة المصدر نفي تقييد المادة بعدم الانتساب إلى الذات ، فإن نفي هذا التقيد يحصل بالسكوت عن المصدر ، بلا حاجة إلى أن توضع هيئته لذلك ، فبوضع مادة المصدر للحدث من دون وضع لهيئته أصلا ، يحصل بذلك عدم التقييد.

الأمر الثاني :

أن يكون مراده ، هو أن اسم المصدر لا دلالة له على الانتساب ، لا أنه يدل على عدم الانتساب ، يعني أن عدم الانتساب من ناحية اسم المصدر ثابت ، وإن كان الانتساب قد يكون ثابتا في الواقع.

ويرد على ذلك :

أولا : إن عدم دلالة اسم المصدر على الانتساب لا ينافي الانتساب من جهة الإضافة ، فالانتساب في قولنا «غسل زيد» ، ليس بلحاظ كلمة «غسل» ، بل بلحاظ الإضافة ، فعدم الانتساب بلحاظ اسم المصدر ثابت ولكن يكفي هذا الثبوت أن لا تكون هيئة اسم المصدر موضوعة للنسبة ، فإن مجرد عدم كون

١٧٤

اسم المصدر موضوعا للنسبة يكفي في أن لا يكون دالا على النسبة ، فلا معنى لأن تكون هيئة اسم المصدر موضوعة للدلالة على عدم الانتساب.

ثانيا : إن اسم المصدر لا يدل على الانتساب ، إذن فيقابله في المصدر الدلالة على الانتساب ، وهذا ممّا لا يلتزم به الميرزا (قده).

وقد اتضح مما سبق ، أن النسبة الناقصة التقيدية ، غير مأخوذة في مدلول المصدر بالنحو الذي قرره المشهور ، ولا بالنحو الذي أفاده الميرزا (قده) ، ولكن هناك وجوه يمكن الاستدلال بها على أخذ هذه النسبة في مدلول هيئة المصدر ، فلا بد من التعرض لها مع مناقشتها.

١٧٥

الوجه الأول

لا إشكال في وجود الفرق بين المصدر واسم المصدر ، كما لا إشكال في أن كلّا منهما موضوع بمادته لذات الحدث ، والمفروض أن هيئة اسم المصدر لم توضع لأي نسبة من النسب ، فحينئذ ، إذا لم نقل بأن هيئة المصدر موضوعة للنسبة الناقصة التقيدية ، لانعدم الفرق ، وهو خلف ، فبملاك الفرق بين المصدر واسم المصدر يستدل على أن هيئة المصدر موضوعة للنسبة الناقصة التقيدية.

وفيه ، أن ما يكون وجها للفرق عدة اعتبارات أخرى غير ما ذكر في الوجه ، وهذه الاعتبارات هي :

الاعتبار الأول : أن يقال ، بأن نسبة المصدر إلى اسم المصدر هي نسبة الفعل إلى الانفعال ، فالمصدر هو الفعل ، واسم المصدر هو الانفعال. والمتأثر بذلك الفعل.

وفيه أن هذا الاعتبار بظاهره غير صحيح ، حيث لا يصح أن يقال بأن اسم المصدر عبارة عن الانفعال ، لأن الانفعال بنفسه من أبواب المصادر المزيدة ، فهو مصدر مزيد وليس اسم مصدر ، فنسبة الانكسار إلى الكسر ليست كنسبة اسم المصدر إلى المصدر ، بل كنسبة المصدر المزيد إلى المصدر المجرد ، ومن هنا يقال بأن المصدر هو الفعل واسم المصدر هو الأثر المتولد

١٧٦

من ذلك الفعل ، فمثلا ، البيع يساوق المعنى المصدري ، ونتيجته وهي الملكية تساوق اسم المعنى المصدري.

وفيه أن هذا الفرق إنما يتم في باب المسبّبات التوليدية حيث يكون فيها فعل وهو السبب ، ونتيجة وهي المسبّب ، ولكن في أكثر الموارد ، ليس هناك مسبّبات توليدية ولا يوجد شيئان متغايران حتى يعبّر عن الفعل بالمصدر ، وعن المسبب التوليدي باسم المصدر ، بل شيء واحد ، يعبّر عنه تارة «بغسل» وأخرى «بغسل» ، فالتمييز بهذا الاعتبار في غير محله.

الاعتبار الثاني : أن يقال بأنه عند ملاحظة الفعل مع نتيجته يوجد ثلاث حالات.

الحالة الأولى : فيما إذا فرض أن الفعل كان منصبّا على ذات مفروغ عنها ، وكان الفعل مؤثرا في شكلها من قبيل فعل «النسّاج» مع «الفرّاش» ، فهنا يوجد عمل ، وهو النسيج ، ونتيجة ، وهي الفراش ، وهذان أمران متغايران خارجا وحقيقة.

الحالة الثانية : فيما إذا فرض أن الفعل كان موجدا لأصل الذات ، لا أن الذات مفروغ عن وجودها ، وذلك من قبيل خلق الله تعالى لزيد ، فهنا يوجد شيئان ، أحدهما خلق الله تعالى ، والآخر المخلوق ، وهو «زيد» ، إلّا أن التغاير بين هذين الشيئين ، ليس تغايرا حقيقيا ، لأن خلق الله تعالى «لزيد» هو عين زيد ، فلا يوجد في الخارج حقيقة ، إلّا شيء واحد ، وهذا الشيء الواحد خارجا يحلله العقل أو العرف إلى شيئين ، أحدهما الخلق ، والآخر هو الذات.

الحالة الثالثة : فيما إذ فرض أن الفعل لم يؤثر في الذات الموجودة ، كما في الحالة الأولى ، ولم يحقق ذاتا كما في الحالة الثانية ، وذلك من قبيل القيام ، فإن العقل والعرف ، بالعناية يحلل القيام الذي هو شيء واحد ، إلى مرحلتين ، مرحلة التكوين والإيجاد ، ومرحلة التكوّن والانوجاد ، وإن كان ما

١٧٧

بإزاء أحدهما خارجا هو عين ما بإزاء الآخر ، ولكن التحليل في هذه الحالة الثالثة أخفى منه في الحالة الثانية ، لأنه في الحالة الثانية كانت ذات أوجدها الفعل ، ووجود الذات يساعد على التحليل ، وهنا في هذه الحالة الثالثة لا ذات أصلا ، ولكن التحليل الثالث عين التحليل الثاني ، فالعقل والعرف حلّل القيام إلى مرحلتين ، مرحلة التكوين والإيجاد ومرحلة التكوّن والانوجاد ، فالمرحلة الأولى يعبّر عنها بالمصدر ، والمرحلة الثانية يعبر عنها باسم المصدر ، من دون أن تكون النسبة مأخوذة في المرحلة الأولى ولا في المرحلة الثانية ، فالمصدر يوازي الخلق في الحالة الثانية ، واسم المصدر يوازي «زيدا» في الحالة الثانية أيضا ، ومن هنا كان اسم المصدر أعمق في الاسمية من المصدر ، باعتبار شبه اسم المصدر بالأعلام الشخصية «كزيد» الذي يعبّر عن المرحلة الثانية من الحالة الثانية ، بينما اسم المصدر يعبّر عن المرحلة الثانية من الحالة الثالثة فهو يوازي الأعلام الشخصية في الحالة الثانية ، ولهذا كان أعمق وأوضح في الاسمية من المصدر.

ولا يبعد أن تكون بعض الاعتبارات التي ذكرت ، والتي عبّرت عن المصدر بالفعل ، وعن اسم المصدر بالانفعال تارة ، وبالنتيجة أخرى ، يمكن تأويلها وإرجاعها إلى الاعتبار الأخير ، فليس مقصودهم أن هناك فعلا ، وهناك انفعالا ، ونتيجة مغايران للفعل ، بل هناك شيء واحد خارجا يحلّل إلى مرحلتين ، فيعبّر عن الأولى بالفعل وعن الثانية بالانفعال تارة ، وبالنتيجة أخرى.

وبهذا اتضح الفرق بين المصدر واسم المصدر من دون أن تكون النسبة الناقصة التقييدية مأخوذة في مدلول هيئة المصدر ، وبهذا يبطل الوجه الأول للاستدلال على أخذ هذه النسبة في مدلول هيئة المصدر.

١٧٨

الوجه الثاني

أن يقال بأن النسبة الناقصة التقييدية لو لم تكن مأخوذة في هيئة المصدر ، لما بقي فرق بين المصادر أنفسها ، مجرداتها ومزيداتها ، لأن المصادر مطلقا مشتركة في مادة محفوظة فيما بينها جميعا ، وموضوعة لذات الحدث ، من قبيل «إكرام وتكريم» «وكرم» ، فإن هذه المصادر تشترك في المادة الواحدة المحفوظة الموضوعة لذات الحدث ، فبناء على عدم كون هيئات المصادر موضوعة لنسب مختلفة ، إذن لم يبق فرق بين المجرد منها والمزيد ، لاشتراكها جميعا في مادة واحدة ، مع أن الفرق بين مزيدها ومجردها موجود ، إذن فلا بد من أجل تصوير الفرق بين المزيد منها والمجرد ، من الالتزام ، بأن هذه المصادر بمادتها موضوعة لذات الحدث ، وبكل واحد من هيئاتها المصدرية موضوعة لنسبة ناقصة تختلف عن الأخرى الموضوع لها هيئة أخرى.

وهذا الدليل قابل للمناقشة ، وذلك لأن النسبة المدّعاة المأخوذة في باب المصادر المزيدة والتي يمتاز بها المصدر المزيد عن هيئة المصدر المجرد ، يمكن تحويلها إلى مفهوم اسمي ، وأخذها في مدلول المادة ، بأن يدّعى أن المادة المحفوظة في مطلق المصادر ليست موضوعة بمعنى واحد في المصادر جميعا على حد واحد ، بل هي موضوعة في المجرد لذات الحدث ، وفي المزيد لذات الحدث مع إضافة مفهوم اسمي موازي لهذه النسبة ، فمثلا يقال

١٧٩

عادة بأن هيئة إفعال موضوعة للنسبة التحميلية للمبدا ، ـ «إخراج وإدخال» ـ يعني تحميل الخروج وتحميل الدخول ، وبهذا يصبح الفعل متعديا بعد أن كان لازما ، وهذه النسبة التحميلية بإزائها مفهوم اسمي وهو مفهوم التحميل ، وحينئذ كما أمكن القول بأن المادة موضوعة لذات الحدث ، وهيئة إفعال موضوعة للنسبة التحميلية للمادة ، كذلك يمكن القول بأن المادة المحفوظة في باب إفعال ، موضوعة لتحميل ذات الحدث الذي يدل عليه المصدر المجرد من ذلك الباب.

وبهذا يتضح أن الفرق بين المصادر المجردة والمصادر المزيدة كما يمكن حفظه بناء على أخذ النسب في الهيئات كذلك يمكن حفظه بناء على عدم أخذ النسب في الهيئات ، فبناء على أخذها في الهيئات تكون المادة المحفوظة في المصادر مطلقا ، موضوعة لذات الحدث ، وتكون الهيئات مطلقا موضوعة لأنحاء من النسب المتفاوتة ، وبناء على عدم أخذها في الهيئات ، تكون المادة المحفوظة ، موضوعة لمعنى يختلف عن المعنى الذي وضعت له في هيئة أخرى ، فالمادة المحفوظة في هيئة المصدر المجرد موضوعة لذات الحدث بلا تطعيم بأي مفهوم زائد ، والمادة المحفوظة في هيئة المصدر المزيد «كإفعال» موضوعة لذات الحدث ، لكن مع تطعيمه بمفهوم اسمي زائد ، وهذا المفهوم الزائد منتزع من النسب التي يدعيها أصحاب النسب ، إذن فالفرق على أيّ حال محفوظ بين المصادر ، المجرد منها والمزيد.

١٨٠