بحوث في علم الأصول - ج ٣

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

بحوث في علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: الدار الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٩

عنده ، وحيث أنه لم يصدر منه سوى قوله «أحلّ الله البيع» ، وسكت عن بيان حدود هذا البيع وشئونه ، فسكوته عن ذلك مع كون ظاهر حاله أنه في مقام بيان ما هو الصحيح عنده ، فيستكشف من ذلك أنه أحال على العرف ، وإلّا لكان عليه أن يتصدّى لبيان ما هو الصحيح عنده ببيان مستقل.

وهذا التقريب للإطلاق المقامي ، قابل للمناقشة ، إذ لو سلّم بأن ظاهر حال المولى أنه في مقام بيان أحكامه وما هو الصحيح عنده ، وإيصال ذلك إلى العباد ، ولكن هل أن ظاهر حاله أنه في مقام بيان ذلك في الوقت الذي قال فيه أحلّ الله البيع ، وفي شخص هذا الكلام ، أو أن ظاهر حاله أنه في مقام بيان ذلك على مدى الزمان ، وبمجموع كلامه لا بشخص ذاك الكلام؟.

فإن كان ظاهر حاله هو الأول ، حينئذ يتم الإطلاق المقامي ، فيقال بأن المولى في هذه اللحظة ، هو في مقام بيان ما هو الصحيح عنده ، ولم يصدر منه بيان وإنما قال «أحلّ الله البيع» وسكت عن بيان حدود هذا البيع ، فسكوته مع كون ظاهر حاله في هذه اللحظة أنه في مقام البيان ، يكون كاشفا عن إمضاء الطريقة العقلائية والحوالة إلى العرف.

وإن كان ظاهر حاله هو الثاني ، كما هو المحرز حينئذ ، لا يمكن نفي جزئية شيء أو شرطيته ، إلّا بعد مطالعة مجموع كلامه لا خصوص «أحل الله البيع» ، فإن لم يوجد في مجموع كلامه ما يكون دالا مثلا على جزئية اللفظ في المعاملة ، حينئذ يتم هذا الإطلاق المقامي بأن يقال بأن المولى ظاهر حاله هو في مقام البيان بمجموع كلامه ولم نجد في المجموع بيانا ، فيكشف ذلك عن إمضاء الطريقة العقلائية في تشخيص مرامه ، ولكن إذا شك ولم يدر هل وجد في مجموع كلامه ما يدل على البيان ، ولكنه لم يصل إلينا ، فإذا احتملنا صدور بيانات تدل على اعتبار اللفظ مثلا ، في المعاملة ، ولكن لم يصل إلينا ذلك فحينئذ ، لا يمكن إحراز الإطلاق المقامي ، لأن هذا الإطلاق يتوقف على سكوت المولى في مجموع كلامه ، لا على السكوت في شخص ذلك الكلام ،

٨١

فمثل هذا الإطلاق لا يفي بغرض الفقيه ، ولا يعوّض عن الإطلاق اللفظي في المقام.

نعم هناك مطلب آخر ، غير الإطلاق المقامي واللبّي ، لا يرتبط بباب أدلة الإمضاء اللفظية ، وهذا المطلب هو إمضاء السيرة العقلائية ، فلو فرض أن انعقدت سيرة العقلاء في أسواقهم على البيع بالمعاطاة ولم يصل إلينا ردع من الشارع مع شدة استحكام هذه السيرة ، حينئذ نقول ، لو كانت هذه السيرة غير مرضية لردع عنها ولو صل إلينا هذا الردع ، ولكنه لم يصل إلينا ، فيستكشف من ذلك عدم صدور الردع وتحقق الإمضاء ، وهذا مطلب مستقل غير مربوط بباب الإطلاق وهو الاستدلال بالسيرة العقلائية.

٨٢

الجهة السادسة

تقدم فيما سبق أن أسماء المعاملات إذا كانت موضوعة للمسبّب ، فينغلق البحث في الصحيحي والأعمّي ، وإذا كانت موضوعة للسبب فينفتح البحث في أنها هل هي موضوعة لخصوص الصحيح أو للأعم؟.

والكلام في هذه الجهة يفرض أن أسماء المعاملات موضوعة للسبب ، فيقع البحث في أن ما ذهب إليه الصحيحي هو الحق ، أو أن ما ذهب إليه الأعمّي هو الصحيح ، بمعنى هل أن الصحة مأخوذة أو ليست مأخوذة؟.

أما الصحة الشرعية فلا إشكال في عدم أخذها في المعنى الموضوع له ، لأن ظاهر حال الشارع بما هو فرد من مجتمع له لغته وأعرافه وقوانينه وأحكامه ، أنه يمضي هذه اللغة وهذه الأعراف والقوانين ، فلظاهر حال الشارع جنبتان. إحداهما إمضاء اللغة ، والأخرى إمضاء الأعراف والقوانين ، ولا يرفع اليد عن هذا الإمضاء إلّا بقرينة الردع ، ومن الملاحظ أن الشارع عند مجيئه كان هناك لغة تستعمل ألفاظ البيع والتجارة وغير ذلك في معانيها ، وهناك أحكام في البيئة العربية من الصحة والفساد والإجزاء والشرائط ، وظاهر حاله ، أنه أمضى كلتا الجنبتين ، حيث كان يجري على طبق التسمية اللغوية ، فيستعمل لفظ البيع في نفس ما يستعمله فيه أهل العرف واللغة ، ويمضي ما يراه العرف حلالا أو حراما ، ثم بعد هذا أقام الشارع قرائن على عدم إمضاء جملة من الأحكام فقد حرم الربا ، والبيع الضرري مثلا ، وبذلك رفعت اليد عن ظهور

٨٣

حاله في إمضاء الأحكام في بعض الموارد ، وأما ظهور حاله في إمضاء اللغة والتسمية فهذا لا موجب لرفع اليد عنه ، لأن دليل تحريم الربا مثلا إنما كان تصرفا في ناحية الأحكام ، لا في ناحية التسمية ، وهذا الظهور يكون دليلا على أن الشارع لم يتصرف تصرفا لغويا جديدا في هذه الألفاظ ، بل أمضى ما عليه العقلاء في اللغة ، وإن لم يمض ما عليه العقلاء في الأحكام ، وبهذا يثبت أن الصحة الشرعية غير مأخوذة في المسمّى قطعا.

وأما الصحة العقلائية فهي أيضا غير مأخوذة في المسمّى بل أن لفظ البيع بناء على وضعه للسبب هو موضوع لطبيعي الإنشاء الجامع بين الحصة الصحيحة عقلائيا والحصة الأخرى غير الصحيحة عقلائيا ، وتقريب هذا المدّعى هو أن وضع اللفظ لخصوص ما هو الصحيح عقلائيا له أحد وجهين :

الوجه الأول :

أن يكون اللفظ موضوعا لواقع الصحيح ، أي لواقع تلك الأجزاء والشرائط بأسمائها وخصوصياتها من دون أخذ عنوان الصحة فيها قيدا.

الوجه الثاني :

أن يكون المأخوذ في المسمّى عنوان الصحيح ومفهومه لا واقعه .. وكلا هذين الوجهين لا يخلو من إشكال.

أمّا الوجه الأول فلازمه أن يتغيّر الوضع بتغير الأحكام العقلائية ، بحيث تتغير اللغة في أسماء المعاملات تبعا لتغير هذه الأحكام ، لأن العقلاء تتغير أحكامهم فيما يعتبرونه جزءا أو شرطا في صحة المعاملة ، فلو كان لفظ البيع موضوعا لواقع تلك الأجزاء التي هي أربعة مثلا ، فحينئذ ، تبعا لتغير حكم العقلاء بأن جاءت محاكم عقلائية أضافت جزءا أو أنقصت شرطا ، يتغير الوضع ، فيحتاج العقلاء إلى وضع آخر ، فيضعون اللفظ للخمسة مثلا أو للثلاثة ، بينما أن المعلوم وجدانا ، أن الوضع اللغوي ثابت ومستقر ولا يناسبه

٨٤

ذاك التغير والتبدل في عالم التشريع وعالم الصحة والبطلان. فهذا الوجه في غاية البعد.

أما الوجه الثاني ، فهو لا يرد عليه ما أورد على الأول ، لأن مفهوم الصحة مفهوم واحد محفوظ في جميع الحالات ، وإنما الاختلاف في المصاديق ، فهو ينطبق تارة على أربعة أجزاء ، وأخرى على خمسة ، وثالثة على ثلاثة ، فلا يلزم بناء على هذا الوجه تغير اللغة تبعا لتغير الأحكام العقلائية ، ولكن يلزم على هذا الوجه أن يكون مفهوم الصحة مستفادا من نفس لفظ البيع ، مع أنه اتضح سابقا أن مفهوم الصحة حتى عند الصحيحي ، هو غير مستفاد من لفظ البيع ، كما أنه لم يكن مستفادا من لفظ الصلاة والصوم ، فإن لفظ الصلاة ولفظ البيع ونحو ذلك من الألفاظ ، لا يتبادر منها وجدانا مفهوم الصحة ، فلو كان لفظ البيع موضوعا لمفهوم الصحيح عند العقلاء ، للزم الترادف وهو خلاف الوجدان.

إذن فكلا الوجهين بعيد في المقام وعليه فلا يكون لفظ البيع موضوعا للصحيح عند العقلاء ، بل هو موضوع للجامع بين الصحيح والفاسد ، بحيث مهما تغيّرت أحكام العقلاء ، فهو محفوظ وثابت ، وبهذا يتبين أن الحق هو الوضع للأعم.

٨٥

الجهة السابعة

أشرنا سابقا أن النزاع بين الصحيحي والأعمّي في المعاملات إنما يتأتى بناء على أن ألفاظ المعاملات موضوعة للأسباب. أما إذا كانت موضوعة للمسبّبات فلا معنى لهذا النزاع ، وهذه الجهة معقودة لبيان هذا المطلب ، وهو هل أن أسماء المعاملات هي أسماء للأسباب حتى يتأتى النزاع بين الصحيحي والأعمّي ، أو أنها أسماء للمسبّبات حتى ينغلق البحث بينهما؟. وقبل الدخول في هذا البحث لا بد من تمهيد مقدمة نقتنصها من الأبحاث السابقة ، وهذه المقدمة ، هي معرفة المراد بالسبب والمسبّب.

أمّا السبب فهو مكون من ثلاثة عناصر بمجموعها تسمّى السبب ، وهذه العناصر هي :

العنصر الأول :

هو الإنشاء ، والمقصود به اللفظ ، أو ما يقوم مقامه ، كالفعل الذي تنشأ به المعاملة في المعاطاة.

العنصر الثاني :

هو المدلول التصديقي للإنشاء القائم في نفس المنشئ ، فإن هذه الجملة الإنشائية وهي «بعت» ، لها مدلول تصديقي قائم في نفس البائع ، وهو اعتبار تمليك المال بعوض.

٨٦

العنصر الثالث :

هو قصد التسبب بهذا الاعتبار إلى المسبّب الذي هو أمر وراء هذه العناصر الثلاثة.

وتوضيح ذلك : أن البائع عند ما يعتبر في نفسه الكتاب مثلا ، ملكا للمشتري ، فهذا الاعتبار لا بد وأن يكون بلحاظ غرض ، وإلّا لكان لغوا فما هو الغرض المبرر لهذا الاعتبار؟. هذا الغرض يوجد فيه احتمالان :

الاحتمال الأول :

أن يكون الغرض الداعي للبائع إلى أن يعتبر الكتاب ملكا للمشتري ، هو التوصل إلى السيطرة التكوينية إلى أن يكون الكتاب تحت سيطرة المشتري تكوينا ويكون الدرهم تحت سيطرة البائع تكوينا ، وهذا الاحتمال ساقط لوضوح أن الاعتبار لا دخل له في السيطرة التكوينية ، لأن هذه السيطرة مربوطة بإرادتهما بدفع الكتاب إلى المشتري ودفع الدرهم إلى البائع ، سواء اعتبر البائع هذه الملكية في نفسه أو لم يعتبر هذه الملكية ، إذن فلا يعقل أن يكون اعتبار الملكية في نفس البائع هو بقصد التوصل إلى السيطرة التكوينية لأن هذه السيطرة لا ربط لحصولها بالاعتبار كما هو واضح.

الاحتمال الثاني :

أن يكون الغرض من هذا الاعتبار ، هو التوصل والتسبب إلى إلزامات فوقية للطرف المقابل ، فكل من البائع والمشتري يستهدف بالاعتبار الوصول إلى إلزامات أعلائية ضمانا لسلامة النتيجة ، إذ لو عدل أحدهما وأراد الفرار من المعاملة ، عندئذ يوجد قانون إلزامي قاهر بحيث لا يسمح له بالعدول عن هذه المعاملة ، وهذا الإلزام الفوقي نسميه بالمسبّب وهو عبارة عن جعل من قبل جاعل ومسنّن ، سواء كان هذا الجاعل هو الشارع العقلائي أو الشارع الإلهي ، وقد يكون هو نفس البائع والمشتري بحيثية عقلائيتهما لا بحيثية تعاملهما.

إذن لا بد من الالتزام بهذا العنصر الثالث في السبب وهو قصد التسبب بهذا الاعتبار إلى ذاك المسبّب ولو لم يحصل هذا القصد لكان الاعتبار هزليا

٨٧

في نظر العقلاء ولا يترتب عليه أيّ أثر.

إذن جدية المعاملة ليست بالاعتبار فقط ، بل بجدية الاعتبار ، ولا يكون الاعتبار كذلك إلّا إذا قصد التسبب به إلى الإلزامات الفوقية. وبهذا يكون السبب بحسب ما تقتضيه هذه البيانات العقلائية ، مكونا من ثلاثة عناصر ، الإنشاء والاعتبار وجدية الاعتبار.

وأمّا المسبّب فبحسب الحقيقة ، هو ذاك المتسبّب إليه ، وهو الإلزامات الفوقية ، بمعنى أن المسبّب هو الجعل القانوني على طبق ما أراده المتعاملان وتسبّب إليه ، سواء كان هذا الجعل من قبل الشارع الإلهي أو من قبل الشارع العقلائي.

فإذا اتضح ما هو السبب ، وما هو المسبب ، يقع الكلام حينئذ في أن أسماء المعاملات هل هي أسماء للأسباب أو للمسبّبات؟.

وقد انقدح ممّا بيناه أنه لا تقابل بين السبب والمسبّب ، بل أن كلا منهما فرد لمفهوم واحد وهو مفهوم التمليك بعوض ، فالتمليك بعوض له فردان ، أحدهما في أفق السبب وفي أفق الشخص ، والآخر في أفق المسبّب وفي أفق الشارع ، فهذان فردان من مفهوم واحد ، أحدهما موجود مباشري للمكلف ، والآخر موجود تسبيبي له ، فبالإمكان أن يقال أن أسماء المعاملات موضوعة لذاك المفهوم المجرّد من خصوصية الوجود المباشري وخصوصية الوجود التسبيبي ، فهي موضوعة لذات المفهوم المنطبق على الموجود المباشري وهو السبب ، والمنطبق على الموجود التسبيبي وهو المسبّب ، لوضوح ذلك وجدانا ، حيث لا عناية في إطلاق لفظ البيع على السبب والمسبّب ، لأنهما سنخان من الوجود لمفهوم واحد ، بل يمكن أن يترقّى أكثر من ذلك ، فيقال ، بأنه بحسب النظر الواقعي العرفي ، وإن كان السبب موجودا في أفق ، والمسبّب في أفق آخر ، فهما وجودان متغايران ، لكن بالنظر العرفي الأداتي ، يلحظ السبب بما هو أداة لإيجاد المسبّب ، وبما هو فان في المسبّب ، وبما هو إيجاد للمسبّب وإيجاد الشيء لا يزيد على ذلك الشيء بل هو عين وجوده.

٨٨

الاشتراك

يقع الكلام في الاشتراك في عدة جهات :

٨٩
٩٠

الجهة الأولى

الكلام في هذه الجهة ، في وجوب الاشتراك وعدم وجوبه ، حيث ادّعى بعضهم ، ضرورة ذلك في اللغة ، ولزوم وقوعه ، ببرهان أن المعاني التي يتصورها الذهن غير متناهية ، والألفاظ الموضوعة لأداء تلك المعاني متناهية ، فيضطر الإنسان الاجتماعي ، لاستخدام لفظ واحد في أكثر من معنى ، لاستيعاب المعاني اللّامتناهية ، بالألفاظ المتناهية ، في مقام التعبير عن هذه المعاني ، وليس معنى ذلك إلّا ضرورة وقوع الاشتراك في اللغة.

وأجيب على هذا المطلب بعدة وجوه :

الوجه الأول :

ما ذكره المحقق الخراساني (١) ، من أن المعاني إذا كانت غير متناهية وأريد الوضع لكل معنى منها ، فالأمر كما ذكر ، من لا بدّية الاشتراك ، لاستيعاب تلك المعاني ، ولكن هذا أمر غير معقول في نفسه ، لأن الأوضاع إذا كانت بعدد المعاني ، فيلزم صدور أوضاع غير متناهية من الإنسان الاجتماعي ، وهذا الإنسان متناه ، ولا يصدر من المتناهي إلّا المتناهي ، فيستحيل صدور أوضاع غير متناهية من هذا الإنسان المتناهي ، وإنما يصدر منه أوضاع متناهية موازية لمعاني متناهية ، إذن فلا ضرورة إلى الاشتراك ، لأن المعاني المشمولة

__________________

(١) حقائق الأصول / الحكيم : ج ١ ص ٨٨.

٩١

للوضع متناهية وفي قبالها ألفاظ متناهية بقدرها ، فلا حاجة إليه.

وهذا الوجه غير تام ، لأن الاشتراك كما قد يحصل بوضع تفصيلي بعدد المعاني ، كذلك قد يحصل بوضع واحد بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص ، فلو فرضنا أن عدد المعاني اللّامتناهية عشرة ، والألفاظ خمسة ، ونريد أن نستوعب هذه العشرة بهذه الخمسة ، وفي هذا المقام ، لا ضرورة لإصدار عشرة أوضاع مستقلة بعدد المعاني اللامتناهية ، إذ بالإمكان أن نصدر عددا أقل من العشرة ، ومع ذلك نستوعب العشرة ، ويحصل الاشتراك ، وذلك باستخدام طريقة الوضع العام والموضوع له الخاص ، فمثلا خمسة من هذه المعاني العشرة ننتزع منها جامعا ، ثم نضع اللفظ لأفراد هذا الجامع ، فقد أصبح لهذا اللفظ خمسة معاني بعملية وضعية واحدة ، وأصبح مشتركا بين هذه الأفراد الخمسة من المعاني ، فلم يلزم صدور عشرة أوضاع من الواضع بل أقل من ذلك ، وهذا نقوله مهما كبر عدد عشرة إلى أن يصل إلى غير المتناهي حقيقة ، فبالإمكان أخذ كميات من هذه المعاني اللّامتناهية ، وننتزع منها جامعا ونضع اللفظ بإزاء أفراده على وجه الإجمال بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص.

إذن فلا يلزم أن يصدر من الإنسان المتناهي أوضاع غير متناهية لاستيعاب المعاني اللّامتناهية ، بل يكفي في المقام صدور أوضاع متناهية على طريقة الوضع العام والموضوع له الخاص.

الوجه الثاني :

ما أفاده المحقق الخراساني (١) أيضا وحاصله ، أنه لو فرض أن الأوضاع اللّامتناهية يعقل صدورها ، بأن كان الواضع هو الله تعالى ، لكن المستعمل ليس هو الله ، وإنما هو الإنسان إشباعا لحاجته الاستعمالية ، ومن المعلوم أن الإنسان المتناهي يستحيل أن يكون له حاجات استعمالية غير متناهية ، وإلّا لزم أيضا صدور غير المتناهي من المتناهي وهو محال.

__________________

(١) نفس المصدر ج ١ ص ٨٨.

٩٢

وهذا الوجه أيضا غير تام ، لأن الحاجة الاستعمالية بوجودها الفعلي ، وإن كانت متناهية حيث لا يعقل أن تكون أكبر من الإنسان ، إلّا أنها بوجودها التبادلي هي أوسع من وجودها الفعلي ، ففرق بين المعاني التي قد احتاج إليها الإنسان فعلا ، وبين ما يمكن أن يحتاجه منها ولو بدلا ، فمثلا لو فرض أن المعاني الغير متناهية هي عشرة ، فنقول لا يمكن أن يحتاج الإنسان فعلا عشرة حاجات استعمالية ، لأن رقم عشرة ، غير متناه بحسب الغرض ، وإنما أقصى ما يمكن أن يحتاجه هو خمسة مثلا ، لكن هذه الخمسة بدلية ، يعني بالإمكان أن يحتاج إلى هذه الخمسة من العشرة ، وبالإمكان أن يحتاج إلى تلك الخمسة من العشرة ، وهكذا ، وبما أن ملاك الوضع هو إمكان الاحتياج ولو بدلا ، لا الاحتياج الفعلي ، وإمكان الاحتياج موجود في تمام العشرة التي هي كمية غير متناهية ، إذن فلا بد من الوضع للجميع.

إذن فما أفاده (قده) من أن دائرة الحاجات الاستعمالية متناهية غير تام ، لأن البرهان إنما يثبت أن دائرة فعلية الحاجة متناهية ، وأمّا دائرة إمكان الحاجة على سبيل البدل فهي أوسع من دائرة الحاجة الفعلية ، فلعلّها تكون غير متناهية.

نعم لو أبدل برهان استحالة صدور غير المتناهي من المتناهي ، بدعوى أن الوجدان شاهد خارجا على أن دائرة إمكان الحاجة ولو بدلا غير متناهية ، لكان هذا مطلبا صحيحا ، لكن حيث أن الوجه بيّن بعنوان الاستحالة كان لزاما أن يرد بمسألة برهانية.

الوجه الثالث :

ما ذكره المحقق الخراساني (١) أيضا وهو : دعوى أن المعاني متناهية ، لأنه ليس المراد بالمعاني الجزئيات ، كزيد وعمر ، بل المراد بها الكليات ، والكليات متناهية ، إذن فالألفاظ المتناهية بإزائها معان متناهية.

وهذا الوجه إذا كان المقصود منه الصياغة البرهانية ، فهو غير مقبول ،

__________________

(١) حقائق الأصول / الحكيم ج ١ ص ٨٨.

٩٣

لأن المعاني على نحوين ، بسائط من قبيل الوحدة والشيئية والوجود والعدم ، ومركبات من قبيل الإنسان والهواء ، وهذه المركبات من المعاني أيضا على نحوين ، مركبات حقيقية ، وهي المتركبة من جنس وفصل كالحيوان والإنسان ، ومركبات اعتبارية من قبيل دار وسوق ، فإذا فرضنا أن المركبات الاعتبارية داخلة في المعاني ، فمن الممكن جدا تصوير مركبات اعتبارية إلى غير النهاية ، إذ يمكن استخراج معان مركبة من المعاني الكلية ، فكل اثنين اثنين من المعاني الكلية يصير مركبا اعتباريا ، وكل ثلاثة ثلاثة منها يصير مركبا اعتباريا ، وهكذا إلى غير النهاية ، إذن فالمعاني مهما اختصرنا فيها وعلى أي عدد اقتصرنا ، فبالإمكان استخراج معان غير متناهية منها بلحاظ المركبات الاعتبارية في المعاني.

نعم لو رجعنا إلى الوجدان لقلنا إنّ هذه المعاني وإن كانت غير متناهية فهي خارجة عن محل ابتلاء الإنسان ، لأننا ندرك وجدانا أن الإنسان لا يبتلي بالحاجة إلى التعبير عن هذه المعاني اللامتناهية.

الوجه الرابع :

ما ذكره السيد الأستاذ (١) ، من أن الألفاظ غير متناهية ، كما هو الحال في المعاني ، لأن الألفاظ وإن كانت ثمانية وعشرين حرفا ، لكن بالتركيب يحصل عدد غير متناه تقريبا ، لأن كل حرف إما أن يكون مفتوحا أو مضموما أو مكسورا ، وعلى هذه التقادير ، إمّا أن يكون في أول الكلمة أو في وسطها أو في أخرها ، وعلى هذه التقادير كلها إما أن تكون الكلمة ثنائية أو ثلاثية أو رباعية ، إلى آخر هذه التقسيمات التي تؤدي إلى حصول كلمات بعدد اللامتناهي ، إذن فقد تطابقت المعاني مع الألفاظ باللّامتناهي.

وهذا الوجه ، إذا كان المقصود منه هو الصياغة البرهانية فهو أيضا غير تام ، وأقل ما يقال في توضيح عدم تماميته ، أن أي عدد نفرضه من الكلمات فهو بنفسه معنى من المعاني ، فإن كلمة «أب» هي بنفسها معنى من المعاني

__________________

(١) محاضرات فياض / ج ١ ص ١٩٩ ـ ٢٠٠.

٩٤

فكلّما تكثرت الألفاظ والكلمات تكثرت المعاني ، وعلى هذا لو قصدنا بالمعاني تمام ما يخطر على الذهن ، إذن فالمعاني دائما تبقى أكثر من الألفاظ ، لأن كل كلمة هي بنفسها أيضا معنى من المعاني مضافا إلى سائر المعاني الأخرى ، ولا جواب على ذلك ، إلّا الوجدان ، فإنه شاهد على عدم الحاجة إلى هذه المعاني الكثيرة ، وإنما الحاجة تقتضي قدرا معقولا من المعاني ، وهذا القدر يكفيه قدر معقول من الألفاظ.

وبهذا يتبين ، أن الصحيح في مقام دفع ضرورة الاشتراك ، هو شهادة الوجدان ، حيث يقال ، بأن المعاني وإن كانت غير متناهية وهي حتما أكثر من الألفاظ ، لأنه مهما تصاعدت دائرة الألفاظ فهي داخلة في المعاني ، ولكن مع هذا ، لا حاجة إلى الوضع لتمام هذه المعاني ، لأن كثيرا منها خارج عن المعرضية وعن إمكان الاحتياج العرفي لتفهيمه وتفهّمه ، وما كان من المعاني داخلا في دائرة الإمكان فهو كمية محدودة بالوجدان إذن فلا ضرورة إلى الاشتراك (١).

__________________

(١) تجدر الإشارة إلى أنه يمكن الجمع بين الصياغة البرهانية عند المحقق الخراساني وبين البرهان الوجداني عند السيد الصدر ، حيث أن المعاني غير متناهية عند الخراساني ، ولكن أكثرها خارج عن الحاجة العرفية بالوجدان عند السيد الصدر. فاكتمل برهانا مركبا من الوجدان والبرهان. والنكتة هي أن السيد الصدر أكمل برهان الآخوند بوجدانه ـ المقرر.

٩٥

الجهة الثانية

والكلام في هذه الجهة معاكس للمدّعى في الجهة الأولى ، حيث ادّعي هنا استحالة وقوع الاشتراك في اللغة وامتناعه امتناعا غيريا ، باعتباره منافيا لحكمة الوضع ، بتقريب ، أن الغرض من الوضع هو التفهيم وإبراز المعاني لإيصالها إلى الغير ، والاشتراك دائما يكون منشأ للإجمال والتردد ، فهو مناف لحكمة الوضع وبالتالي يكون ممتنعا امتناعا غيريا.

ويجاب على هذا البرهان بصيغتين :

الصيغة الأولى :

هو أن يقال ، بأن الغرض من الوضع لو كان هو خصوص التفهيم التفصيلي لورد الإشكال المذكور ، لكن من قال بأن الغرض هو الإفهام بالدرجة التفصيلية ، بل الغرض من الوضع هو طبيعي التفهيم الجامع بين التفهيم التفصيلي والتفهيم الإجمالي ، ومن المعلوم أن التفهيم الإجمالي مترتب على المشترك ، وهذا التفهيم الإجمالي ممّا يتعلق به غرض العقلاء.

الصيغة الثانية :

هو أن يقال ، بأنه لو سلّمنا بأن الغرض من الوضع إنما هو التفهيم التفصيلي ، لكن مع هذا ، الاشتراك معقول ، ويساعد على تحقيق هذا الغرض ولو بنحو جزء العلة ، فإن التفهيم التفصيلي يتولد في موارد الاشتراك من علة مركبة من جزءين ، أحدهما اللفظ المشترك ، والآخر القرينة ، فلو قال «رأيت

٩٦

مولاي فقبّلت يده» حينئذ يفهم تفصيليا ، أن مقصوده هو السيد ، بالقرينة ، وهذا الفهم التفصيلي نشأ من مجموع مركب من اللفظ والقرينة ، فلا اللفظ المشترك وحده كان كافيا لهذا الفهم كما لو قال «رأيت مولى» فلا يعلم أنه سيده ، بل لعلّه عبده ، وكذلك القرينة وحدها ليست كافية لفهم مقصوده تفصيلا ، كما لو قال «رأيت شخصا فقبلت يده» ، فلعلّه رأى أباه فقبّل يده لا سيده الذي يملكه. إذن فهذا الانفهام التفصيلي إنما حصل من علة مركبة من جزءين وهما اللفظ المشترك والقرينة ، وبهذا يكون اللفظ المشترك محطا لنظر العقلاء وأغراضهم ، وبهذا يتبين أن البرهان على عدم إمكان الاشتراك غير صحيح.

نعم بناء على التعهد في الوضع ، فإن تعقل المشترك ، مشكل ، وتوضيح ذلك ، أن التعهد دائما هو تعهد بقضية شرطية ، وهذه القضية لها صيغتان.

الصيغة الأولى ، هي أنه «متى ما أتى باللفظ فإنه يقصد تفهيم المعنى».

والصيغة الثانية ، هي أنه «متى ما قصد تفهيم المعنى يأتي باللفظ» فهاتان صيغتان للتعهد ، الشرط في الأولى هو الجزاء في الثانية ، والجزاء في الأولى هو الشرط في الثانية ، وحينئذ إذا أخذنا بالصيغة الأولى ، فالإشكال وارد في تعقل المشترك ، لأن الواضع حينما يضع لفظة «مولى» للسيد ، يتعهد بأنه متى ما أتى بلفظة «مولى» ، فإنه يقصد تفهيم معنى السيد ، ثم بعد هذا يضع لفظة «مولى» «للعبد» ، ويتعهد بأنه متى ما أتى بلفظة «مولى» فإنه يقصد تفهيم معنى العبد ، فهاتان قضيّتان شرطيتان الشرط واحد فيهما ، والجزاء مختلف ، فلو كان كلا هذين التعهدين موجودا ، فمعنى ذلك ، أنه متى ما أتى باللفظ فهو يقصد تفهيم معنى «السيد والعبد» معا ، مع أن هذا ليس مقصودا له قطعا ، فإن الواضع لا يريد بالمشترك ، الالتزام بكلا المعنيين معا ، إذن فالتعهدان متنازعان فيقع التهافت بينهما لعدم إمكان اجتماعها لدى الواضع ، وهذا معنى الإشكال في الاشتراك.

وأمّا إذا أخذنا بالصيغة الثانية ، فلا محذور في المقام ، لأن الواضع حينما يضع كلمة «مولى» للسيد ، فإنه يقول ، متى ما أقصد تفهيم معنى «السيد» آتي بكلمة «مولى» ، ثم بعدها يقول ، متى ما أقصد تفهيم معنى «العبد» آتى بكلمة «مولى» ، فهاتان قضيتان شرطيتان ، شرط إحداهما غير شرط الأخرى ،

٩٧

فليس الشرط واحدا ليحصل التدافع بين الجزاءين ، كما حصل ذلك في الصيغة الأولى ، إذن فلا محذور في المقام بلحاظ هذه الصيغة.

نعم بناء على هذه الصيغة الثانية للتعهّد ، يوجد محذور في الترادف ، لاتحاد الشرط في القضيتين الشرطيتين ، لأن الواضع حينما أراد وضع لفظة «أسد» للحيوان المفترس ، قال ، بأنه متى ما أقصد تفهيم الحيوان المفترس آتي بلفظة «أسد» ، ثم بعد هذا حينما أراد وضع لفظة «سبع» لهذا الحيوان قال بأنه متى ما أقصد تفهيم الحيوان المفترس آتي بلفظة «سبع» ، فهاتان قضيتان شرطيتان ، الشرط فيهما متحد ، والجزاء مختلف ، فيقع التدافع بين الجزاءين ، لعدم بناء الواضع على الإتيان بهما معا دائما.

ولكن هذا التدافع سواء كان في المشترك ، أو في الترادف ، ليس تدافعا ذاتيا ، بل هو تدافع إطلاقي ، بمعنى أن الوضع الثاني يزاحم إطلاق الوضع الأول ، ولا يزاحم أصل التعهد الأول ، لأن هذا الأصل يعقل أن يجتمع مع التعهد الثاني بنحو التقييد ، فإنّ الواضع حينما يتعهد بأنه متى ما أتى بلفظ «مولى» يريد «السيد» ، وحينما يتعهد بأنه متى ما أتى بلفظ «مولى» يريد «العبد» ، فبحسب الحقيقة ، يكون الوضع الثاني منافيا لإطلاق الوضع الأول ، فلو فرض أن الوضع الثاني نسخ إطلاق الوضع الأول وقيّده ، بأن قال الواضع ، أقيّد وضعي الأول ، بأني متى ما أتيت بلفظ مولى أريد السيد ، فيما إذا لم أكن قد أردت العبد أو فيما إذا أقمت قرينة صارفة عن العبد ، فحينئذ بمثل ذلك يرتفع التدافع ، إذن فصاحب التعهد يمكن أيضا أن يتعقل المشترك لكن مع الالتزام بأن الوضع الثاني ناسخ لإطلاق الوضع الأول مع الحفاظ على أصله ، فيكون بابه باب المطلق والمقيّد.

إذن فقد اتضح ، أنه بناء على التعهد ، التدافع قابل للحل ، بتقييد الإطلاق مع التحفظ على أصل الاشتراك ، كما اتضح أن التدافع في المشترك بناء على التعهد ، إنما يكون في الصيغة الأولى ، وأمّا في الصيغة الثانية فلا تدافع في المشترك ، نعم هناك تدافع في الترادف لا في الاشتراك.

٩٨

الجهة الثالثة

الكلام في هذه الجهة ، يدور حول إمكان استعمال اللفظ المشترك في كلا معنييه ، وعدم إمكان ذلك ، ولا بد من العلم هنا ، أن المقصود من استعمال اللفظ المشترك في كلا المعنيين ، الاستعمال فيهما بما هما معنيان ، حيث يكون هناك استعمالان ، وأمّا إذا ألبس المعنيين ثوب الوحدة وخلق الذهن منهما مركّبا اعتباريا ، فحينئذ ، يوجد معنى واحد ، واستعمال واحد ، وهذا خارج عن محل الكلام ، كما لا بدّ من العلم أيضا ، أن الكلام يشمل اللفظ الذي له معنى حقيقي ومعنى مجازي ، فيقال ، أنه هل يمكن استعماله في كلا معنييه ، الحقيقي والمجازي ، أو في معنيين مجازيين في وقت واحد ، وباستعمال واحد ، أو لا يمكن ذلك؟.

وفي هذا المقام ، ادّعى جماعة ، استحالة استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى ، وقرّب ذلك بثلاثة أوجه.

الوجه الأول :

ما نسب إلى المحقق النائيني (١) (قده) من القول بأن استعمال اللفظ في معنى يتوقف على تصور ذلك المعنى ولحاظه ، حيث لا يعقل استعمال اللفظ

__________________

(١) محاضرات فياض / ج ١ ص ٢٠٦.

٩٩

في المعنى بدون لحاظ ذلك المعنى ، فلو فرض أن المستعمل أراد أن يستعمل لفظ مولى في السيد وفي العبد باستعمالين في وقت واحد ، للزم في ذلك الوقت لحاظ كلا المعنيين ، وحينئذ هل أن المستعمل يلحظ هذين المعنيين بلحاظ واحد أو بلحاظين؟. فإن قيل بأنه يلحظهما بلحاظ واحد حيث يجعل منهما مركبا اعتباريا وحدانيا ويلبسهما ثوب الوحدة فيلحظه بلحاظ واحد ، فهذا خلف ، لأنه خارج عن محل النزاع لأنه يكون من باب استعمال اللفظ الواحد في المعنى الواحد ، وإن قيل بأنه يلحظهما بلحاظين ، حيث يلحظ السيد بلحاظ ، ويلحظ العبد بلحاظ آخر ، فهذا غير معقول ، لأن النفس بقطع النظر عن حيثياتها لا يصدر منها لحاظان في وقت واحد لبساطتها ، نعم يصدر منها لحاظان في وقت واحد بضم ضمائم إليها ، فالإنسان في وقت واحد هو يلحظ نعومة التفاحة بتوسط حاسة اللمس ، وهو يلحظ شكل التفاحة بتوسط حاسة البصر ، فهذان لحاظان صدرا من النفس لكن بتوسط الحيثيات والقوى ، ولكن بقطع النظر عن هذه الحيثيات فالنفس لا يصدر منها لحاظان في وقت واحد إذن فهذا مستحيل.

وهذا البرهان غير تام ، حيث يمكن القول بأن النفس تلحظ المعنيين بلحاظين استقلاليين ، ولا محذور في ذلك ، وأمّا دعوى استحالة صدور لحاظين من النفس فهي باطلة نقضا وحلا.

أما نقضا فيمكن أن ننقض بأمرين :

النقض الأول :

أن الميرزا يعترف بأن النفس يمكن أن تلحظ المركبات الاعتبارية ومن الواضح أن النفس تلبس هذه المركبات ثوب الوحدة وإلّا فالمركب الاعتباري متعدد في نفسه ، إذن ففي المرتبة السابقة على إعطاء النفس ثوب الوحدة لهذه المركبات الاعتبارية ، لا بد وأن تلحظ النفس هذه المركبات بما هي كثيرة ثم تلبسها ثوب الوحدة ،

١٠٠