تذكرة الفقهاء - ج ٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١

أو الردّ إلى مأمنهما. وإن كان ممّا يقرّ أهله عليه ، ألزمناهما بالإسلام أو الجزية أو الردّ إلى مأمنهما.

ولو جاء عبد ، حكمنا بحرّيّته ، لأنّه قهر مولاه على نفسه. ولو جاء سيّده ، لم يردّ عليه ، لأنّه مستضعف لا يؤمن عليه الافتتان ، ولا يردّ عليه قيمته.

وللشافعي في ردّ القيمة قولان (١).

مسألة ٢١١ : لا يجوز ردّ النساء المهاجرات إلينا عليهم مطلقا إجماعا ، لقوله تعالى ( إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ) ـ إلى قوله ـ ( فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ ) (٢) وسبب ذلك أنّ أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة ، فجاء أخواها يطلبانها ، فأنزل الله هذه الآية ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ الله منع الصلح » (٣).

إذا عرفت هذا ، فلو صالحناهم على ردّ من جاء من النساء مسلمة ، كان الصلح باطلا. والفرق بينها وبين الرجل من وجوه :

الأوّل : لا يؤمن أن يزوّجها وليّها بكافر فينالها.

الثاني : لا تؤمن ، لضعف عقلها من الافتتان في دينها.

الثالث : عجزها عن الهرب والنجاة بنفسها لو طلبته.

وإذا طلبت امرأة أو صبيّة مسلمة الخروج من عند الكفّار ، جاز لكلّ‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦٦.

(٢) الممتحنة : ١٠.

(٣) المهذّب ـ : للشيرازي ـ ٢ : ٢٦١ ، المغني ١٠ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٩ ، وانظر : المغازي ـ للواقدي ـ ٢ : ٦٣١ ، والسيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٣ : ٣٤٠ ، ودلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٤ : ١٧١ ، والجامع لأحكام القرآن ١٨ : ٦١.

٣٦١

مسلم (١) إخراجها ، وتعيّن عليه ذلك مع المكنة ، لما فيه من استنقاذ المسلم.

مسألة ٢١٢ : إذا عقد الإمام الهدنة اليوم فإمّا أن يشترط فيه أن لا ردّ لمن جاء مسلما‌ ، أو يطلق ، أو يشترط الردّ.

فإن شرط عدم الردّ ، فلا ردّ ولا غرم. وكذا لو خصّص النساء بعدم الردّ.

وإن أطلق ولم يشترط الردّ ولا عدمه ثمّ جاءت امرأة مسلمة منهم أو جاءت كافرة ثم أسلمت ، لم يجز ردّها إجماعا. ثمّ إن جاء أبوها أو جدّها أو أخوها أو أحد أقاربها يطلبها ، لم تدفع إليه لقوله تعالى ( فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ ) (٢).

ولو طلب أحدهم مهرها ، لم يدفع إليه.

ولو جاء زوجها أو وكيله يطلبها ، لم تردّ إليه إجماعا.

وإن طلب (٣) مهرها ولم يكن قد سلّمه إليها ، فلا شي‌ء له إجماعا.

وإن كان قد سلّمه ، ردّ عليه ما دفعه (٤) ، عند علمائنا ـ وهو أحد قولي الشافعي (٥) ـ لقوله تعالى ( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) (٦) والمراد منه الصداق ،

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « مؤمن » بدل « مسلم ».

(٢) الممتحنة : ١٠.

(٣) في الطبعة الحجريّة : طالب.

(٤) في الطبعة الحجريّة : قد دفعه.

(٥) مختصر المزني : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤ ، المغني ١٠ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٠ ، الجامع لأحكام القرآن ١٨ : ٦٤.

(٦) الممتحنة : ١٠.

٣٦٢

وأيضا فإنّ البضع متقوّم وهو حقّه ، فإذا حلنا بينه وبين حقّه ، لزمنا بدله.

والثاني : لا يردّ عليه ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والمزني ـ لأنّ بضع المرأة ليس بمال ، فلا يدخل في الأمان ، ولهذا لو عقد الرجل الأمان لنفسه ، دخل فيه أمواله ، ولا يدخل فيه زوجته (١).

وهو قياس ضعيف في مقابلة النصّ فلا يسمع ، خصوصا مع تأكّد النصّ بعمله عليه‌السلام ، فإنّه ردّ مهر من جاءت مسلمة في صلح الحديبيّة (٢).

وإن شرط الردّ لمن جاء منهم إليهم ، لم يجب (١) الردّ ، ووجب الغرم لما أنفق من المهر.

وللشافعي قولان (٤) أيضا.

مسألة ٢١٣ : إنّما يجب أن يردّ عليه ما دفعه من المهر لو قدمت المرأة إلى بلد الإمام‌ أو بلد خليفته ومنع من ردّها ، فأمّا إذا قدمت إلى غير بلدهما ، وجب على المسلمين منعه من أخذها ، لأنّه من الأمر بالمعروف.

فإذا منع غير الإمام وغير خليفته من ردّها ، لم يلزم الإمام أن يعطيهم شيئا ، سواء كان المانع من ردّها العامّة أو رجال الإمام ، لأنّ البدل يعطيه الإمام من المصالح ولا تصرّف لغير الإمام وخليفته فيه.

__________________

(١) مختصر المزني : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦١ و ٣٦٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٦٨ ، المغني ١٠ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٠ ، الجامع لأحكام القرآن ١٨ : ٦٤.

(٢) المغازي ـ للواقدي ـ ٢ : ٦٣١ ، السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٣ : ٣٤١ ، صحيح البخاري ٣ : ٢٥٨ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٢٨.

(٣) في « ق ، ك‍ » : لم يجز.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤.

٣٦٣

ولو سمّى مهرا فاسدا وأقبضها إيّاه كخمر أو خنزير ، لم تكن له المطالبة به ولا بقيمته ، لأنّه ليس بمال ولا قيمة له في شرعنا.

والمغروم هو الذي دفعه الزوج من صداقها ، وهو قول أكثر الشافعيّة (١).

وقال بعضهم : المغروم الأقلّ من مهر مثلها و [ ما بذله ] (٢) فإن كان مهر المثل أقلّ ، فالزيادة كالموهوب ، وإن كان المبذول أقلّ ، فهو الذي فات عليه (٣).

ولو لم يدفع إلاّ بعضه ، لم يستحقّ إلاّ ذلك القدر.

ولو كان أعطاها أكثر ممّا أصدقها أو أهدى إليها هدية أو أنفق في العرس أو أكرمها بمتاع ، لم يجب ردّه ، لأنّه تطوّع به ، فلا يردّ عليه. ولأنّ هذا ليس ببدل عن البضع الذي حيل بينه وبينه ، إنّما هو هبة محضة ، فلا يرجع بها ، كما لا يستحقّ ردّ ما أطعمها.

مسألة ٢١٤ : لو قدمت مسلمة إلى الإمام فجاء رجل وادّعى أنّها زوجته ، فإن اعترفت له بالنكاح ، ثبت ، وإن أنكرت ، كان عليه إقامة البيّنة : شاهدان مسلمان عدلان ، ولا يقبل شاهد وامرأتان ، ولا شاهد ويمين ، لأنه نكاح ، فلا يثبت إلاّ بذكرين.

فإذا ثبت النكاح بالبيّنة أو باعترافها فادّعى أنّه سلّم إليها المهر ، فإن‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : بدله. وما أثبتناه يقتضيه السياق وكما في العزيز شرح الوجيز ، ويؤيّده عبارة الحاوي والروضة.

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤.

٣٦٤

صدّقته ، ثبت له ، وإن أنكرت ، كان عليه البيّنة ، ويقبل فيه شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين ، لأنّه مال ، ولا يقبل قول الكفّار في البابين وإن كثروا.

فإن لم تكن له بيّنة ، كان القول قولها مع اليمين.

ولا يثبت الغرم بمجرّد قوله : دفعت إليها صداقها أو كذا من صداقها ، وهو قول بعض الشافعيّة (١).

وقال بعضهم : لا يمين عليها ، لأنّ الصداق على غيرها (٢).

وقال بعضهم : يتفحص الإمام عن مهر مثلها ، وقد يمكن معرفته من تجّار المسلمين الذين دخلوا دار الحرب ، و (٣) من الأسارى ، ثمّ يحلف الرجل أنّه أصدقها ذلك القدر ، وسلّمه (٤).

وقال بعض الشافعيّة : لو ادّعى الدفع وصدّقته ، لم يعتمد على قولها ولا يجعل حجّة علينا (٥).

وقال بعضهم : إقرارها بمثابة البيّنة (٦).

مسألة ٢١٥ : لو قدمت مجنونة ، فإن كانت قد أسلمت قبل جنونها وقدمت ، لم تردّ ، ويردّ مهرها ، لأنّها بحكم العاقلة في تفويت بضعها.

وإن كانت قد وصفت الإسلام وأشكل علينا هل كان إسلامها حال عقلها أو جنونها؟ فإنّها لا تردّ أيضا ، لاحتمال أن تكون قد وصفت الإسلام وهي مجنونة ، فإن أفاقت فأقرّت بالإسلام ، ردّ مهرها عليه ، وإن أقرّت بالكفر ، ردّت عليه.

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤.

(٣) في « ق ، ك‍ » : « أو » بدل « و ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٤ ـ ٥٢٥.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٧ ـ ٥٦٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٥.

٣٦٥

ولو جاءت مجنونة ولم يخبر عنها بشي‌ء ، لم تردّ عليه ، لأنّ الظاهر أنّها إنّما جاءت إلى دار الإسلام لأنّها أسلمت ، ولا يردّ مهرها ، للشكّ ، فيجوز أن تفيق وتقول : إنّها لم تزل كافرة ، فتردّ حينئذ ، فينبغي أن يتوقّف عن ردّها حتى تفيق ويتبيّن أمرها.

فإن أفاقت ، سئلت ، فإن ذكرت أنّها أسلمت ، أعطي المهر ومنع منها ، وإن ذكرت أنّها لم تزل كافرة ، ردّت عليه.

وينبغي أن يحال بينه وبينها حال جنونها ، لجواز أن تفيق فيصدّها عن الإسلام في أوّل زمان إفاقتها.

ولو جاءت صغيرة ووصفت الإسلام ، لم تردّ إليهم ، لئلاّ تفتن عند بلوغها عن الإسلام. ولا يجب ردّ المهر بل يتوقّف عن ردّه حتى تبلغ ، فإن بلغت وأقامت على الإسلام ، ردّ المهر ، وان لم تقم ، ردّت هي وحدها ـ وهو أحد قولي الشافعي (١) ـ لأنّ إسلامها غير محكوم بصحّته. وإن قلنا بصحّة إسلام الصبي ، فظاهر ، فلا يجب ردّ مهرها ، كالمجنونة إذا لم يعلم إسلامها حال إفاقتها أو حال جنونها ، فيحافظ على حرمة الكلمة.

والثاني للشافعي : أنّه يجب ردّ مهرها ، لأنّ وصفها بالإسلام يمنع من ردّها ، فوجب ردّ مهرها ، كالبالغة.

ثمّ فرّق بينها وبين المجنونة : بأنّ المنع في المجنونة ، للشكّ في إسلامها ، وفي الصغيرة ، لوصف الإسلام (٢).

ونمنع ذلك ، فإنّ وصف الإسلام لا يحكم به فيها ، وإنّما منعناه منها ، للشكّ في ثباتها عليه بعد بلوغها ، فإذا بلغت فإن ثبتت على الإسلام ، رددنا‌

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠.

٣٦٦

مهرها ، وإن وصفت الكفر ، رددناها.

مسألة ٢١٦ : لو قدمت أمة مسلمة إلى الإمام ، صارت حرّة ، لأنّها قهرت مولاها على نفسها ، فزال ملكه عنها ، كما لو قهر عبد حربي سيّده الحربيّ ، فإنّه يصير حرّا. والهدنة إنّما تمنع من في قبضة الإمام من المسلمين وأهل الذمّة.

فإن جاء سيّدها يطلبها ، لم تدفع إليه ، لأنّها صارت حرّة ، ولأنّها مسلمة. ولا يجب أيضا ردّ قيمتها ، كالحرّة في الأصل ، وهو أحد قولي الشافعي (١).

والثاني : تردّ قيمتها عليه ، لأنّ الهدنة اقتضت ردّ أموالهم عليهم ، وهذه من أموالهم ، فعلى هذا تردّ على السيّد قيمتها لا ما اشتراها به (٢).

فإن جاء زوجها يطلبها ، لم تردّ عليه ، لما مضى. وإن طلب مهرها ، فإن كان حرّا ، ردّ عليه ، وان كان عبدا ، لم يدفع إليه المهر حتى يحضر مولاه فيطالب به ، لأنّ المال حقّ له.

ولو حضر السيّد دون العبد ، لم يدفع إليه شي‌ء ، لأنّ المهر يجب للحيلولة بينها وبين الزوج ، فإذا حضر الزوج وطالب ، ثبت المهر للمولى ، فيعتبر حضورهما معا.

ولو أسلمت ثمّ فارقتهم ، قال بعض الشافعيّة : لا تصير حرّة ، لأنّهم في أمان [ منّا ] (٣) فأموالهم محظورة علينا ، فلا يزول الملك عنها بالهجرة ،

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٢) الوجيز ٢ : ٢٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٣) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : منها ، وذلك تصحيف.

٣٦٧

بخلاف ما إذا هاجرت ثمّ أسلمت ، فإنّ الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض ، فجاز أن تملك نفسها بالقهر (١).

ولم يتعرّض أكثرهم لهذا التفصيل ، وأطلق الحكم بالعتق وإن أسلمت ثمّ فارقتهم ، لأنّ الهدنة جرت معنا ولم تجر معها (٢).

إذا عرفت هذا ، فنقول : إن أوجبنا غرامة المهر والقيمة ، نظر ، فإن حضر الزوج والسيّد معا ، أخذ كلّ واحد منهما حقّه ، وإن جاء أحدهما دون الآخر ، احتمل أنّا لا نغرم شيئا ، لأنّ حقّ الردّ مشترك بينهما ولم يتمّ الطلب ، وأنّه نغرم حقّ الطالب ، لأنّ كلّ واحد من الحقّين متميّز عن الآخر ، وأنّا نغرم للسيّد إن تفرّد بالطلب ، ولا نغرم للزوج. والفرق أنّ حقّ اليد في الأمة المزوّجة للسيّد ، فإنّه له أن يسافر بها ، وإذا لم ينفرد الزوج باليد ، لم يؤثّر طلبه على الانفراد.

وللشافعيّة ثلاثة أقوال (٣) كالاحتمالات.

ولو كان زوج الأمة عبدا ، فلها خيار الفسخ إذا [ عتقت ] (٤) فإن فسخت النكاح ، لم يغرم المهر ، لأنّ الحيلولة حصلت بالفسخ ، وإن لم تفسخ ، غرم المهر.

ولا بدّ من حضور السيّد والزوج معا وطلب الزوج المرأة والسيّد المهر ، فإن انفرد أحدهما ، لم يغرم ، لأنّ البضع ليس ملك السيّد ، والمهر غير مملوك للعبد.

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٧.

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : عقدت. وهو تصحيف ما أثبتناه.

٣٦٨

مسألة ٢١٧ : لو قدمت مسلمة ثمّ ارتدّت ، وجب عليها أن تتوب ، فإن لم تفعل ، حبست دائما ، وضربت أوقات الصلوات ، عندنا ، وقتلت ، عند العامّة على ما سيأتي.

فإن جاء زوجها وطلبها ، لم تردّ عليه ، لأنّه حكم لها بالإسلام أوّلا ثمّ ارتدّت ، فوجب حبسها ، ويردّ عليه مهرها ، لأنّه حلنا بينه وبينها بالحبس.

وعند العامّة إن جاء قبل القتل ، ردّ عليه مهرها ، للحيلولة بينه وبينها بالقتل ، وإن جاء بعد قتلها ، لم يردّ عليه شي‌ء ، لأنّا لم نحل بينه وبينها عند طلبه لها (١).

ولو ماتت مسلمة قبل الطلب ، فلا غرم ، لأنّه لا منع بعد الطلب. وكذا لو مات الزوج قبل طلبها ، لأنّ الحيلولة حصلت بالموت لا الإسلام.

ولو مات أحدهما بعد المطالبة ، وجب ردّ المهر عليه ، لأنّ الموت حصل بعد الحيلولة ، فإن كانت هي الميّتة ، ردّ المهر عليه ، وإن كان هو الميّت ، ردّ المهر على ورثته.

ولو قتلت قبل الطلب ، فلا غرم ، كما لو ماتت ، وإن قتلت بعده ، ثبت الغرم.

ثمّ قال الجويني : إنّ الغرم على القاتل ، لأنّه المانع بالقتل (٢).

وفصّل بعضهم بأنّه إن قتلها على الاتّصال بالطلب ، فالحكم ما ذكره ، وإن تأخّر القتل ، فقد استقرّ الغرم علينا بالمنع ، فلا أثر للقتل بعده ، وفي الحالين لا حقّ للزوج فيما على القاتل من القصاص أو الدية ، لأنّه‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٨.

٣٦٩

لا يرثها (١).

ولو جرحها جارح قبل الطلب ثمّ طلبها الزوج وقد انتهت إلى حركة المذبوحين ، فهو كالطلب بعد الموت.

وإن بقيت فيها حياة مستقرّة ، فالغرم على الجارح ، لأنّ فواتها يستند إلى الجرح ، أو في بيت المال ، لحصول المنع في الحياة؟ للشافعيّة وجهان ، أصحّهما : الثاني ، ولا يسقط الغرم (٢).

ولو طلّقها الزوج بعد قدومها مسلمة ، فإن كان بائنا أو خلعا قبل المطالبة ، لم يجب ردّ المهر إليه ، لأنّ الحيلولة منه بالطلاق لا بالإسلام ، فقد تركها باختياره ، وإن كان بعد المطالبة ، ردّ إليه ، لأنه قد استقرّ المهر له بالمطالبة والحيلولة.

وإن كان رجعيّا ، لم يكن له المطالبة بالمهر ، لأنّه أجراها إلى البينونة ، أمّا لو راجعها ، فإنّه يردّ عليه المهر مع المطالبة ، لأنّ له الرجعة في الرجعي ، وإنّما حال بينهما الإسلام.

ولو ملكها بشرط أن تطلّق نفسها على الفور ، فكالطلاق البائن.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه لو طلّقها رجعيّا ، استحقّ المهر بمجرّد الطلب من غير رجعة ، لأنّ الرجعة فاسدة ، فلا معنى لاشتراطها (٣).

وهو ممنوع ، لتضمّن الرجعة قصد الإمساك وإن كانت رجعة الكافر للمسلمة باطلة.

مسألة ٢١٨ : لو جاءت امرأة مسلمة ثمّ جاء زوجها وأسلم ، نظر ، فإن أسلم قبل انقضاء عدّتها ، كان على النكاح ، لأنّ امرأة مجوسيّة أسلمت قبل‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧١ ـ ٥٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٨.

٣٧٠

زوجها ، فقال علي عليه‌السلام : « أتسلم؟ » قال : لا ، ففرّق بينهما ، ثمّ قال : « إن أسلمت قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك ، وإن انقضت عدّتها قبل أن تسلم ثمّ أسلمت فأنت خاطب من الخطّاب » (١).

إذا عرفت هذا ، فإن كان قد أخذ مهرها قبل إسلامه ثمّ أسلم في العدة ، ردّت إليه ، ووجب عليه ردّ مهرها إليها ، لأنّ استحقاقه للمهر إنّما كان بسبب الحيلولة وقد زالت.

ولو أسلم بعد انقضاء عدّتها ، لم يجمع بينهما وبانت منه.

ثمّ إن كان قد طالب بالمهر قبل انقضاء عدّتها ، كان له المطالبة ، لأنّ الحيلولة حصلت قبل إسلامه. فإن لم يكن طالب قبل انقضاء العدّة ، لم يكن له المطالبة بالمهر ، لأنّه التزم حكم الإسلام ، وليس من حكم الإسلام المطالبة بالمهر بعد البينونة.

ولو كانت غير مدخول بها وأسلمت ثمّ أسلم ، لم يكن له المطالبة بمهرها ، لأنّه أسلم بعد البينونة ، وحكم الإسلام يمنع من وجوب المطالبة في هذه الحالة.

مسألة ٢١٩ : كلّ موضع يجب فيه الردّ فإنّه يجب ردّ أقلّ الأمرين من المسمّى في العقد والمقبوض ، فإن كان المقبوض أقلّ من المسمّى ، لم تجب الزيادة على ما دفعه ، لقوله تعالى ( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) (٢) وإن كان المقبوض أكثر ، كان الزائد هبة ، فلا يجب ردّها.

فإن اختلفا في المقبوض ، كان القول قولها مع اليمين وعدم البيّنة.

قال الشيخ : فإن أعطيناه المهر لما ذكرناه فقامت البيّنة بأنّ‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٠١ ـ ١٢٥٧ ، الإستبصار ٣ : ١٨٢ ـ ٦٦١.

(٢) الممتحنة : ١٠.

٣٧١

المقبوض كان أكثر ، كان له الرجوع بالفضل (١).

وفي هذا الإطلاق نظر ، فإنّا لو دفعنا ما اعترفت به المرأة مع اليمين ، لم يكن له الرجوع بشي‌ء.

تنبيهان :

الأوّل : كلّ موضع حكمنا بوجوب ردّ المهر فإنّه يكون من بيت مال المسلمين المعدّ للمصالح ، لأنّ ذلك من مصالح المسلمين.

وللشافعيّة قولان ، أحدهما : محلّ الغرم خمس الخمس المعدّ للمصالح. والثاني : إن كان للمرأة مال ، أخذ منها (٢).

الثاني : لو شرطنا في الصلح ردّ من جاء مطلقا ، لم يصحّ على ما تقدّم. فإذا بطل ، لم يردّ من جاءنا منهم ، رجلا كان أو امرأة ، ولا يردّ البدل عنها بحال ، لأنّ البدل استحقّ بشرط ، وهو مفقود هنا ، كما لو جاءنا من غير هدنة.

مسألة ٢٢٠ : لو قدم إلينا عبد فأسلم ، صار حرّا ، فإذا جاء سيّده يطلبه ، لم يجب ردّه ولا ردّ ثمنه ، لأنّه صار حرّا بالإسلام ، ولا دليل على وجوب ردّ ثمنه.

وإذا عقد الإمام الهدنة ثمّ مات ، وجب على من بعده من الأئمة العمل بموجب ما شرطه الأوّل إلى أن يخرج مدّة الهدنة ، ولا نعلم فيه خلافا ، لأنّه معصوم فعل مصلحة ، فوجب على القائم بعده تقريرها إلى وقت خروج‌

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٥٥.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٥.

٣٧٢

مدّتها.

وإذا نزل الإمام على بلد وعقد معهم صلحا على أن يكون البلد لهم ويضرب على أرضهم خراجا يكون بقدر الجزية ويلتزمون أحكامنا ويجريها عليهم ، كان ذلك جائزا ، ويكون ذلك في الحقيقة جزية ، فإذا أسلم واحد منهم ، سقط عنه ما ضرب على أرضه من الصلح ، وصارت الأرض عشريّة ، لأنّ الإسلام يسقط الجزية.

ولو شرط عليهم أن يأخذ منهم العشر من زرعهم على أنّه متى (١) قصر ذلك عن أقلّ ما تقتضي المصلحة أن يكون جزية ، كان جائزا ، فإن غلب في ظنّه أنّ العشر لا يفي بما توجبه المصلحة من الجزية ، لا يجوز أن يعقد عليه.

وإن أطلق ولا يغلب على ظنّه الزيادة والنقصان ، قال الشيخ : الظاهر من المذهب جوازه ، لأنّه من فروض الإمام ، فإذا فعله ، كان صحيحا ، لأنّه معصوم (٢).

مسألة ٢٢١ : إذا فسد عقد الهدنة إمّا لزيادة في المدّة أو التزام المال أو غيرهما ، لم يمض ، ووجب نقضه ، لكن لا يجوز اغتيالهم ، بل يجب إنذارهم وإعلامهم أوّلا. وإذا وقع صحيحا ، وجب الوفاء بالكفّ عنهم إلى انقضاء المدّة أو صدور خيانة (٣) منهم تقتضي الانتقاض.

ولو عقد نائب الإمام عقدا فاسدا ، كان على من بعده نقضه.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان فساده من طريق الاجتهاد ، لم يفسخه ،

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « أن » بدل « متى ».

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٥٦.

(٣) في « ق ، ك‍ » : جناية.

٣٧٣

وإن كان بنصّ أو إجماع ، فسخه (١).

وينبغي للإمام إذا عاهد أن يكتب كتابا يشهد عليه على عقد الهدنة ليعمل به من بعده. ولا بأس أن يقول فيه : لكم ذمّة الله وذمّة رسوله وذمّتي. ومهما صرحوا بنقض العهد وقاتلوا المسلمين أو آووا عينا عليهم أو كاتبوا أهل الحرب بأخبارهم أو قتلوا مسلما أو أخذوا مالا ، فقد انتقض عهدهم.

البحث السادس : في تبديل أهل الذمّة دينهم ، ونقض العهد.

مسألة ٢٢٢ : إذا انتقل ذمّيّ تقبل منه الجزية ـ كاليهودي أو النصراني أو المجوسي‌ ـ إلى دين يقرّ أهله عليه بالجزية ، كاليهودي يصير نصرانيّا أو مجوسيّا ، أو (٢) بالعكس ، لعلمائنا قولان :

أحدهما : أنّه يقبل منه ذلك ، ولا يجب قتله ، بل يجوز إقراره بالجزية ، لأنّ الكفر كالملة الواحدة.

والثاني : لا يقرّ ، لقوله عليه‌السلام : « من بدّل دينا فاقتلوه » (٣) ولقوله تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٦٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٢.

(٢) في « ق » : « و » بدل « أو ».

(٣) صحيح البخاري ٤ : ٧٥ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٣ : ٥٣٨ ـ ٥٣٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٤٨ ـ ٢٥٣٥ ، سنن أبي داود ٤ : ١٢٦ ـ ٤٣٥١ ، سنن الترمذي ٤ : ٥٩ ـ ١٤٥٨ ، سنن النسائي ٧ : ١٠٤ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠٨ ـ ٩٠ ، مسند أبي داود الطيالسي : ٣٥٠ ـ ٢٦٨٩ ، مسند أحمد ١ : ٣٥٨ ـ ١٨٧٤ ، و ٤٦٥ ـ ٤٦٦ ـ ٢٥٤٧ و ٢٥٤٨. وفيها جميعا : « من بدّل دينه .. ».

(٤) آل عمران : ٨٥.

٣٧٤

فعلى الأوّل قال الشيخ : لو انتقل إلى بعض المذاهب ، أقرّ على جميع أحكامه. وإن انتقل إلى المجوسية ، فمثل ذلك غير أنّا على أصلنا لا نجوّز مناكحتهم بحال ولا أكل ذبائحهم. ومن أجاز أكل ذبائحهم من أصحابنا ينبغي أن يقول : إن انتقل إلى اليهوديّة أو النصرانيّة (١) ، أكلت ذبيحته ، وإن انتقل إلى المجوسيّة ، لا تؤكل ولا يناكح.

قال : وإذا قلنا : لا يقرّ على ذلك ـ وهو الأقوى عندي ـ فإنّه يصير مرتدّا عن دينه (٢).

تذنيب : إذا قلنا : لا يقرّ عليه ، فبأيّ شي‌ء يطالب؟

منهم من يقول : إنّه يطالب بالإسلام لا غير ، لاعترافه ببطلان ما كان عليه ، وما عدا دين الإسلام باطل ، فلا يقرّ عليه (٣).

ومنهم من يقول : إنّه يطالب بالإسلام أو بدينه الأوّل (٤).

وقوّى الشيخ الأوّل (٥). فعليه إن لم يرجع إلاّ إلى دينه الأوّل ، قتل ، ولم ينفذ إلى دار الحرب ، لما فيه من تقوية أهل الحرب.

ولو انتقل من لا يقرّ على دينه إلى دين من يقرّ أهله عليه ، كالوثني ينتقل إلى التهوّد أو التنصّر ، الأقوى : ثبوت الخلاف السابق فيه.

ولو انتقل الذمّيّ إلى دين لا يقرّ أهله عليه ، لم يقرّ عليه إجماعا.

وما الذي يقبل منه؟ قيل : لا يقبل منه إلاّ الإسلام (٦) ـ وقوّاه الشيخ (٧) ـ

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والمصدر : والنصرانيّة.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٥٧.

(٣ و ٤) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٧٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٥٥.

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٥٧.

(٦) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٧٧.

(٧) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٥٧.

٣٧٥

للآية (١) والخبر (٢).

وقيل : يقبل منه الإسلام أو الدين الذي كان عليه ، لأنّه انتقل من دين يقرّ أهله عليه إلى ما لا يقرّ أهله عليه ، فيقبل منه (٣).

واستبعده ابن الجنيد وقال : لا يقبل منه إلاّ الإسلام ، لأنّه بدخوله فيما لا يجوز إقراره عليه قد أباح دمه ، وصار حكمه حكم المرتدّ.

وقيل : يقبل منه الإسلام ، أو الرجوع إلى دينه الأوّل ، أو الانتقال إلى دين يقرّ أهله عليه ، لأنّ الأديان المخالفة لدين الإسلام ملّة واحدة ، لأنّ جميعها كفر. وهو الأظهر عند الشافعيّة (٤).

قال الشيخ : وأمّا أولاده : فإن كانوا كبارا ، أقرّوا على دينهم ، ولهم حكم نفوسهم ، وإن كانوا صغارا ، نظر في الأمّ ، فإن كانت على دين يقرّ أهله عليه ببذل الجزية ، أقرّ ولده الصغير في دار الإسلام ، سواء ماتت الأمّ أو لم تمت ، وإن كانت على دين لا يقرّ أهله عليه ، كالوثنيّة وغيرها ، فإنّهم يقرّون أيضا ، لما سبق لهم من الذمّة ، والامّ لا يجب عليها القتل (٥).

مسألة ٢٢٣ : إذا عقد الإمام الهدنة ، وجب عليه الوفاء‌ بما عقده ما لم ينقضوها بلا خلاف نعلمه ، لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٦) وقال تعالى ( فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ ) (٧).

__________________

(١) آل عمران : ٨٥.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٣٧٤ ، الهامش (٣).

(٣ و ٤) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٧٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٥٥ ، حلية العلماء ٦ : ٤٣٤ ـ ٤٣٥.

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٥٧ ـ ٥٨.

(٦) المائدة : ١.

(٧) التوبة : ٤.

٣٧٦

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقدة ولا يحلّها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء » (١).

ولو شرع المشركون في نقض العهد ، فإن نقض الجميع ، وجب قتالهم ، لقوله تعالى ( فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ) (٢).

وإن نقض بعض ، نظر فإن أنكر عليهم الباقون بقول أو فعل ظاهر ، أو اعتزلوهم أو راسلوا الإمام بأنّا منكرون لفعلهم مقيمون على العهد ، كان العهد (٣) باقيا في حقّه.

وإن سكتوا على ما فعل الناقضون ولم يوجد إنكار ولا تبرّ من ذلك ، كانوا كلّهم ناقضين للعهد ، لأنّ سكوتهم دالّ على الرضا به ، كما لو عقد بعضهم الهدنة وسكت الباقون ، دلّ على رضاهم ، كذا هنا.

فإذا نقض الجميع ، غزاهم الإمام وبيّتهم وأغار عليهم ، ويصيروا أهل حرب ليس لهم عقد هدنة. وإن كان من بعض ، غزا الإمام الناقضين دون الباقين على العهد. ولو كانوا ممتزجين ، أمرهم الإمام بالتمييز ليأخذ من نقض. ولو لم يتميّزوا فمن اعترف بأنّه نقض ، قتله ، ومن لم يعترف بذلك ، لم يقتله وقبل قوله ، لتعذّر معرفته إلاّ منه.

ولو نقضوا العهد ثمّ تابوا عنه ، قال ابن الجنيد : أرى القبول منهم.

مسألة ٢٢٤ : لو خاف الإمام من خيانة المهادنين وغدرهم بسبب أو أمارة دلّته على ذلك ، جاز له نقض العهد.

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ : ٨٣ ـ ٢٧٥٩ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٣١ ، مسند أحمد ٥ : ٥٢٢ ـ ١٨٩٤٣.

(٢) التوبة : ٧.

(٣) في « ق ، ك‍ » : « العقد » بدل « العهد ».

٣٧٧

قال الله تعالى ( وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ) (١) يعني أعلمهم بنقض عهدهم حتى تصير أنت وهم سواء في العلم.

ولا يكفي وقوع ذلك في قلبه حتى يكون عن أمارة تدلّ على ما خافه.

ولا تنتقض الهدنة بنفس الخوف ، بل للإمام نقضها ، وهذا بخلاف الذمّي إذا خيف منه الخيانة ، فإن عقد الذمّة لا ينتقض بذلك ، لأنّ عقد الذمّة يعقد لحقّ أهل الكتاب ، ولهذا يجب على الإمام إجابتهم عليه ، وعقد الهدنة والأمان لمصلحة المسلمين لا لحقّهم ، فافترقا.

ولأن عقد الذمّة آكد ، لأنّه عقد معاوضة ومؤبّد ، بخلاف الهدنة والأمان ، ولهذا لو نقض بعض أهل الذمّة وسكت الباقون ، لم ينتقض عهدهم ، ولو كان في الهدنة ، انتقض.

ولأنّ أهل الذمّة في قبضة الإمام ولا يخشى الضرر كثيرا من نقضهم ، بخلاف أهل الهدنة ، فإنّ الإمام يخاف منهم الغارة على المسلمين والضرر الكثير.

مسألة ٢٢٥ : إذا انتقضت (٢) الهدنة لخوف الإمام ونبذ إليهم عهدهم ، ردّهم إلى مأمنهم ، وصاروا حربا. فإن لم يبرحوا عن حصنهم ، جاز قتالهم بعد النبذ إليهم ، لأنّهم في منعتهم (٣) كما كانوا قبل العقد. وإن كانوا قد نزلوا فصاروا في عسكر المسلمين ، ردّهم الإمام إلى مأمنهم ، لأنّهم دخلوا إليه‌

__________________

(١) الأنفال : ٥٨.

(٢) في « ق » : نقضت.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « مأمنهم » بدل « منعتهم ».

٣٧٨

من مأمنهم ، فعليه ( أن يردّهم ) (١) إليه ، وإلاّ لكان خيانة من المسلمين ، والله لا يحبّ الخائنين.

فإذا زال عقد الهدنة ، نظر فيما زال به ، فإن لم يتضمّن وجوب حقّ عليه ، مثل أن يأوي لهم عينا أو يخبرهم بخبر المسلمين ويطلعهم على عوراتهم ، ردّه إلى مأمنه ، ولا شي‌ء عليه. وإن كان يوجب حقّا ، فإن كان لآدميّ ، كقتل نفس أو إتلاف مال ، استوفي ذلك منه ، وإن كان لله تعالى محضا ، كحدّ الزنا والشرب ، أقيم عليه أيضا ، عندنا ، خلافا للعامّة (٢) ، وإن كان مشتركا ، كالسرقة ، أقيم عليه ، عندنا. وللعامّة قولان (٣).

مسألة ٢٢٦ : إذا عقد الإمام الذمّة للمشركين ، كان عليه أن يذبّ عنهم‌ كلّ من لو قصد المسلمين لزمه أن يذبّ عنهم. ولو عقد الهدنة لقوم منهم ، كان عليه أن يكفّ عنهم كلّ (٤) من يجري عليه أحكامه من المسلمين وأهل الذمّة ، وليس عليه أن يدفع عنهم أهل الحرب ولا بعضهم عن بعض.

والفرق : أنّ عقد الذمّة يقتضي جري أحكامنا عليهم ، فكانوا كالمسلمين ، والهدنة عقد أمان لا يتضمّن جري الأحكام ، فاقتضى أن يأمن من جهته من يجري عليه حكم (٥) الإمام دون غيره.

فإن شرط الإمام في عقد الذمّة أن لا يدفع عنهم أهل الحرب ، فإن كانوا في وسط بلاد الإسلام ـ كالعراق ـ أو في طرف بلاد الإسلام ، كان‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك‍ » : ردّهم.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٤.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٢ ـ ٧٢٣.

(٤) كلمة « كلّ » لم ترد في « ق ، ك‍ ».

(٥) في الطبعة الحجريّة : « أحكام » بدل « حكم ».

٣٧٩

الشرط فاسدا ، لأنّه يجب عليه أن يمنع أهل الحرب من دخول دار الإسلام ، فلا يجوز أن يشترط خلافه. وإن كانوا في دار الحرب أو بين دار الإسلام ودار الحرب ، كان الشرط جائزا ، لعدم تضمّنه تمكين أهل الحرب من دار الإسلام.

إذا ثبت هذا ، فمتى قصدهم أهل الحرب ولم يدفعهم عنهم حتى مضى حول ، فلا جزية عليهم ، لأنّ الجزية تستحقّ بالدفع ، فإن سباهم أهل الحرب ، فعليه أن يردّ ما سبي منهم من الأموال ، لأنّ عليه حفظ أموالهم. فإن كان في جملته خمر أو خنزير ، لم تلزمه استعادته (١) ، لأنّه لا يحلّ إمساكه.

وإذا أغار أهل الحرب على أهل الهدنة وأخذوا أموالهم وظفر الإمام بأهل الحرب واستنقذ أموال أهل الهدنة ، قال الشافعي : يردّها الإمام عليهم (٢).

وكذا إذا اشترى مسلم من أهل الحرب ما أخذوه من أهل الهدنة ، وجب ردّه عليهم ، لأنّه في عهد منه ، فلا يجوز أن يتملّك ما سبي منهم ، كأهل الذمّة.

وقال أبو حنيفة : لا يجب ردّ ما أخذوه من أهل الحرب من أموالهم ، لأنّه لا يجب عليه أن يدفعهم عنهم ، فلا يلزمه ردّ ما استنقذه منهم ، كما لو أغار أهل الحرب على أهل الحرب (٣).

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : « استيفاؤه » بدل « استعادته ».

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٣١.

(٣) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٧.

٣٨٠