تذكرة الفقهاء - ج ٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١

الثاني : ما فتحه المسلمون عنوة ، وهو ملك المسلمين قاطبة ، فلا يجوز أيضا إحداث كنيسة ولا بيعة ولا صومعة راهب ولا بيت صلاة للمشركين ، لأنّها صارت ملكا للمسلمين.

وأمّا ما كان موجودا قبل الفتح : فإن هدمه المسلمون وقت الفتح ، لم يجز استجداده أيضا ، لأنّه بمنزلة الأحداث في ملك المسلمين.

وإن لم يهدموه ، قال الشيخ : لا يجوز إبقاؤه (١). وهو أحد قولي الشافعي (٢) ، لأنّ هذه البلاد ملك المسلمين ، فلا يجوز أن تكون فيها بيعة ، كالبلاد التي أنشأها المسلمون.

والثاني : يجوز إبقاؤها (٣) ، لقول ابن عباس : أيّما مصر مصرته العجم ففتحه الله على العرب فنزلوه ، فإنّ للعجم ما في عهدهم.

ولأنّ الصحابة فتحوا كثيرا من البلاد عنوة ، فلو يهدموا شيئا من الكنائس.

ولحصول الإجماع عليه ، فإنّها موجودة في بلاد المسلمين من غير نكير (٤).

الثالث : ما فتح صلحا ، فإن صالحهم على أنّ الأرض لهم ويأخذ منهم الخراج عليها ، فهنا يجوز إقرارهم على بيعهم وكنائسهم وبيوت نيرانهم ومجتمع عباداتهم وإحداث ما شاءوا من ذلك فيها وإنشائه وإظهار الخمور فيها والخنازير وضرب الناقوس والجهر بقراءة التوراة والإنجيل ،

__________________

(١) انظر : المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٦.

(٢ و ٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٦ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٢١ ـ ٣٢٢ ، الوجيز ٢ : ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٠.

(٤) الأدلّة المذكورة هنا وردت في المغني ١٠ : ٦٠٠ ، والشرح الكبير ١٠ : ٦٠٩ ـ ٦١٠ لأحد الوجهين للحنابلة في المقام ، وليس فيهما التعرّض لقولي الشافعي.

٣٤١

لأنّ ذلك لهم ، وإنّما يمنعون من الأشياء الستّة السابقة من الزنا واللواط بالمسلمين وافتتان المسلم عن دينه وقطع الطريق وإيواء عين المشركين وإعانتهم على المسلمين.

وإن صالحهم على أن تكون الأرض للمسلمين ويؤدّون الجزية إلينا بسكناهم فيها ، فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح.

فإن شرطنا لهم إقرارهم على البيع والكنائس أو على إحداث ذلك وإنشائه ، جاز ، لأنّه إذا جاز أن يصالحهم على أن تكون الأرض بأجمعها لهم ، جاز أن يكون بعض الأرض لهم بطريق الأولى.

وإن شرطنا عليهم أن لا يحدثوا شيئا أو يخربوها ، جاز ذلك أيضا.

ولو لم نشترط شيئا ، لم يجز لهم تجديد شي‌ء ، لأنّ الأرض للمسلمين.

وإذا شرط عليهم التجديد والإحداث ، فينبغي أن يبيّن مواضع البيع والكنائس.

وأمّا البلاد التي أحدثها الكفّار وحصلت تحت يدهم ، فإن أسلم أهلها ، كالمدينة واليمن ، فحكمها حكم القسم الأوّل. وإن فتحت عنوة أو صلحا ، فقد تقدم.

إذا عرفت هذا ، فكلّ موضع لا يجوز لهم إحداث شي‌ء فيه إذا أحدثوا فيه ، جاز نقضه وتخريبه ، وكلّ موضع لهم إقراره لا يجوز هدمه.

فلو انهدم هل يجوز إعادته؟ تردّد الشيخ (١) فيه.

وقال الشافعي : يجوز لهم إعادته ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ لأنّهم‌

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٦.

(٢) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٦٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٩٧ ـ ١٦٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٩ ، المغني ١٠ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٠.

٣٤٢

يقرّون عليها ، وبناؤها كاستدامتها ، ولهذا يجوز تشييد حيطانها ورمّ ما تشعّث منها. ولأنّا أقررناهم على التبقية ، فلو منعناهم من العمارة لخربت (١).

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز لهم ذلك ـ وعن أحمد روايتان (٢) ـ لأنّه إحداث للبيع والكنائس في دار الإسلام ، فلم يجز ، كما لو ابتدئ بناؤها ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تبنى الكنيسة في دار (٣) الإسلام ، ولا يجدّد ما خرب منها » (٤) بخلاف رمّ ما تشعّث ، لأنّه إبقاء واستدامة وهذا إحداث (٥).

مسألة ١٩٩ : ظهر من هذا الاتّفاق على جواز رمّ ما تشعّث ممّا لهم إبقاؤه وإصلاحه.

وهل يجب إخفاء العمارة؟ للشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : العدم ، كما يجوز إبقاء الكنيسة ، فحينئذ يجوز تطيينها من داخل وخارج وإعادة الجدار الساقط ، وعلى الأوّل يمنعون من التطيين من خارج. وإذا أشرف الجدار على السقوط ، بنوا جدارا داخل الكنيسة ، وقد تمسّ الحاجة‌

__________________

(١) الوجيز ٢ : ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٦ ، الوسيط ٧ : ٨١ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٦ ـ ٧٠٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٠ ، المغني ١٠ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٠.

(٢) الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٩ ، المغني ١٠ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٠.

(٣) كلمة « دار » لم ترد في الكامل ـ لابن عدي ـ والمغني والشرح الكبير.

(٤) الكامل ـ لابن عدي ـ ٣ : ١١٩٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٦ ، المغني ١٠ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٠.

(٥) المغني ١٠ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٦ ، الوجيز ٢ : ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٩ ، الوسيط ٧ : ٨١ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٦ ـ ٧٠٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٠.

٣٤٣

إلى بناء ثان وثالث ، فينتهي الأمر إلى أن لا يبقى من الكنيسة شي‌ء. ويمكن الجواب (١) بإيقاع العمارة ليلا (٢).

ولو انهدمت الكنيسة ، فللشافعي في جواز إعادتها وجهان :

أحدهما : المنع ، لأنّ الإعادة ابتداء.

وأصحّهما عندهم (٣) : الجواز ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد ـ لأنّ الكنيسة مبقاة لهم ، فلهم التصرّف في مكانها (٤).

وإذا جوّزنا إعادتها ، لم يكن لهم توسيع خطّتها ، لأنّ الزيادة كنيسة جديدة متّصلة بالأولى ، وهو أصحّ وجهي الشافعي. والثاني : الجواز (٥).

مسألة ٢٠٠ : دور أهل الذمّة على أقسام ثلاثة :

أحدها : دار محدثة ، وهو أن يشتري عرصة ويستأنف فيها بناء ، فليس له أن يعلو على بناء المسلمين إجماعا ، لقوله عليه‌السلام : « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (٦).

ولأنّه يشتمل على اطّلاعهم على عورات المسلمين ، وعلى استكثارهم وازديادهم عليهم.

وللشافعيّة قول بجوازه (٧).

__________________

(١) أي : الجواب عن الموجبين للإخفاء.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٠.

(٣) أي : عند الشافعيّة.

(٤) راجع المصادر المذكورة في الهوامش (٢) من ص ٣٤٢ و ( ١ و ٢ ) من ص ٣٤٣.

(٥) الوجيز ٢ : ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٩ ، الوسيط ٧ : ٨١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٠.

(٦) الفقيه ٤ : ٢٤٣ ـ ٧٧٨. وفي صحيح البخاري ٢ : ١١٧ ، وسنن الدار قطني ٣ : ٢٥٢ ـ ٣٠ ، وسنن البيهقي ٦ : ٢٠٥ وغيرها بدون « عليه ».

(٧) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٠ ـ ٥٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١١.

٣٤٤

والمراد أن لا يعلو على بناء جيرانه دون غيرهم.

وللشافعيّة قول : إنّه لا يجوز أن يطيل بناءه على بناء أحد من المسلمين في ذلك البلد (١).

ولا فرق بين أن يكون [ بناء ] الجار (٢) معتدلا أو في غاية الانخفاض.

ثمّ المنع لحقّ الدّين لا لمحض حقّ الجار حتى [ يمنع ] (٣) وإن رضي الجار.

وهل يجوز أن يساوي بناء المسلمين؟ قال الشيخ : ليس له ذلك ، بل يجب أن يقصر عنه (٤) ، لقوله عليه‌السلام : « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (٥) ولا يتحقّق علوّ الإسلام بالمساواة. ولأنّا منعنا من مساواتهم للمسلمين في اللباس والركوب فكذا هنا. وهو أحد وجهي الشافعي.

والثاني : الجواز ، لعدم الاستطالة على المسلمين (٦).

وليس بجيّد ، لأنّا منعناه المساواة في اللباس والركوب ، وأوجبنا التمييز (٧) ، فكذا هنا. ولأنّ علوّ الإسلام لا يتحقّق معها.

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٦ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١١.

(٢) في « ك‍ » والطبعة الحجريّة : يكون في الجدار. وفي « ق » : في‌ء الجار. والأنسب بسياق العبارة ما أثبتناه.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : يمضي. والظاهر أنّ ذلك تصحيف ما أثبتناه.

(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٦.

(٥) راجع المصادر في الهامش (٦) من ص ٣٤٤.

(٦) الوجيز ٢ : ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١١.

(٧) في « ك‍ » : التميز.

٣٤٥

ولو كان أهل الذمّة في موضع منفرد ، كطرف بلدة ، منقطع عن العمارات ، فلا منع من رفع البناء. وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : المنع ، كما يمنعون من ركوب الخيل (١).

الثاني : دار مبتاعة لها بناء رفيع ، فإنّها تترك على حالها من العلوّ إن كانت أعلى من المسلمين ، لأنّه هكذا ملكها ، ولا يجب هدمها ، لأنّه لم يبنها وإنّما بناها المسلمون ، فلم يعل على المسلمين شيئا.

وكذا لو كان للذمّيّ دار عالية فاشترى المسلم دارا إلى جانبها اقصر منها ، أو بنى المسلم دارا إلى جانبها أقصر منها ، فإنّه لا يجب على الذمّيّ هدم علوّه.

أمّا لو انهدمت دار الذمّيّ ، العالية فأراد تجديدها ، لم يجز له العلوّ على المسلم إجماعا ، ولا المساواة على الخلاف.

وكذا لو انهدم ما علا منها وارتفع ، فإنّه لا يكون له إعادته.

ولو تشعّث منه شي‌ء ولم ينهدم ، جاز له رمّه وإصلاحه ، لأنّه استدامة وإبقاء لا تجديد.

الثالث : دار مجدّدة ، وحكمها حكم المحدثة سواء ، وقد تقدّم (٢).

مسألة ٢٠١ : قد بيّنّا أنّهم يمنعون من ركوب الخيل ، لأنّه عزّ وقد ضربت عليهم الذلّة.

وللشافعيّة وجه : أنّهم لا يمنعون ، كما لا يمنعون من الثياب النفيسة. والأظهر : المنع (٣).

__________________

(١) الوسيط ٧ : ٨٢ ، الوجيز ٢ : ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤١ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١١.

(٢) تقدّم في القسم الأوّل.

(٣) حلية العلماء ٧ : ٧٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٢.

٣٤٦

واستثنى بعضهم عن المنع البراذين الخسيسة (١).

وألحق بعضهم البغال النفيسة بالخيل ، لما في ركوبها من التجمّل (٢).

ولا يمنعون من البهائم وإن كانت رفيعة القيمة.

ولا يركبون بالسرج. وتكون ركبهم من الخشب دون الحديد.

ويمنعون من تقليد السيوف وحمل السلاح ، ومن لجم الذهب والفضة.

وقال بعض الشافعيّة : هذا كلّه في الذكور البالغين ، فأمّا النساء والصغار فلا يلزمون الصّغار ، كما لا تضرب عليهم الجزية (٣).

مسألة ٢٠٢ : لا ينبغي تصدير أهل الذمّة في المجالس ، ولا بدأتهم بالسلام ، ولا يترك لهم صدر الطريق ، بل يلجئون إلى أضيق الطريق إذا كان المسلمون يطرقون ، فإن خلت الطرق عن الزحمة ، فلا بأس.

قال عليه‌السلام : « لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ، فإذا لقيتم أحدهم في طريق (٤) فاضطرّوه إلى أضيقه » (٥).

وليكن التضييق عليه بحيث لا يقع في وهدة ، ولا يصدم جدارا. ولا يوقّرون.

ولا يجوز أن يبدأ من لقيه منهم بالسلام.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٢.

(٢) الوجيز ٢ : ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤١ ـ ٥٤٢ ، الوسيط ٧ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٣.

(٤) في الطبعة الحجرية وسنن الترمذي : « الطريق ».

(٥) صحيح مسلم ٤ : ١٧٠٧ ـ ٢١٦٧ ، سنن الترمذي ٤ : ١٥٤ ـ ١٦٠٢ ، و ٥ : ٦٠ ـ ٢٧٠٠.

٣٤٧

قال عليه‌السلام : « إنّا غادون غدا فلا تبدءوهم بالسلام ، وإن سلموا عليكم فقولوا : وعليكم » (١).

قالت عائشة : دخل رهط من اليهود على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا : السام عليك ، ففهمتها فقلت : وعليك السام واللعنة والسخط ، فقال عليه‌السلام : « مهلا يا عائشة ، فإنّ الله تعالى يحبّ الرفق في الأمور كلّها » فقلت : يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا؟ فقال : « قولي : وعليكم » (٢). فعلى هذا لا ينبغي أن يردّ بأزيد من قوله : وعليكم.

ولا تجوز مودّتهم.

قال الله تعالى ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) (٣) الآية.

ومنع بعض الشافعيّة من دخول نساء أهل الذمّة الحمّام مع نساء المسلمين ، لأنّه احتساب في الدين. وكذا منع من لبس أهل الذمّة الديباج (٤).

والأقرب : عدم المنع ، كما لا يمنع من رفيع القطن والكتّان.

مسألة ٢٠٣ : يجب على أهل الذمّة الانقياد لحكمنا ، فإذا فعلوا ما يعتقدون تحريمه ، يجري عليهم حكم الله فيه ، ولا يعتبر فيه رضاهم ، كالزنا والسرقة ، فإنّهما محرّمان عندهم كما في شرعنا. وأمّا ما يستحلّونه‌

__________________

(١) مسند أحمد ٧ : ٥٤٦ ـ ٢٦٦٩٤ و ٢٦٦٩٥ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٨ : ٤٤٣ ـ ٥٨١٥ باختلاف يسير.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ١٤ ، و ٧٠ ـ ٧١ ، صحيح مسلم ٤ : ١٧٠٦ ـ ٢١٦٥ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٠ ـ ٢٧٠١ باختلاف في بعض الألفاظ.

(٣) المجادلة : ٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٤.

٣٤٨

وهو محرّم عندنا كالخمر ، فإن تظاهروا به ، حدّوا عليه ، وإلاّ فلا.

ولو نكح واحد من المجوس محرما له ، لم يتعرّض له.

وتنتقض الذمّة بقتال المسلمين سواء شرط عليهم الامتناع أو لا ، لأنّ عقد الذمّة الكفّ عن القتال ، فالقتال يناقضه.

ولو منعوا الجزية والانقياد للأحكام ، انتقض العهد ، لأنّ عقد الذمّة بهما يتمّ ، ولذلك ( يشترط التعرّض للجزية ) (١) والانقياد للأحكام في ابتداء العقد ، وهو محمول على منعها مع القدرة ، فأمّا العاجز المستمهل فلا ينتقض عهده.

ويحتمل أن يقال في القادر : تؤخذ منه الجزية قهرا ، ولا يجعل الامتناع ناقضا ، كما لو امتنع عن دين.

وأمّا الامتناع من (٢) إجراء الأحكام : فإن امتنع هاربا ، احتمل أن لا يكون ناقضا ، وان امتنع راكنا إلى عدوّ وقوّة ، دعي إلى الاستسلام ، فإن نصب القتال ، انتقض عهده بالقتال.

وقال بعضهم : إنّ الامتناع من البذل نقض العهد من الجماعة ومن الواحد ، والامتناع من الأداء مع الاستمرار نقض من الجماعة دون الواحد ، لأنّه يسهل إجباره عليه (٣).

وفي قطع الطريق أو القتل الموجب للقصاص للشافعيّة طريقان :

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجرية و « ق ، ك‍ » : تشترط الجزية. وما أثبتناه يقتضيه سياق العبارة.

(٢) في هامش « ق ، ك‍ » : « عن » بدل « من ».

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٥ ـ ٥١٦.

٣٤٩

أحدهما : أنّهما (١) كالقتال ، لأنّ شهر السلاح وقصد النفوس والأموال مجاهرة تناقض الأمان.

وأظهرهما : أنّهما (٢) كالزنا بالمسلمة ، لأنّه ليس فيهما منابذة للمسلمين (٣). ولا يلتحق (٤) بالمنابذة التوثّب على رفقة أو شخص معيّن. ويجري الطريقان فيما إذا قذف مسلما (٥).

وسواء قلنا : ينتقض العهد بها أو لا ينتقض ، يقام عليهم بموجب ما فعلوه من حدّ أو تعزير.

فإن قتل الذمّيّ لقتله مسلما أو لزناه وهو محصن ، فهل يصير ماله فيئا تفريعا على الحكم بالانتقاض؟ للشافعية وجهان (٦).

وأمّا ذكر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسوء إذا جاهروا به فللشافعيّة فيه طريقان :

أحدهما : أنّه ينتقض العهد به بلا خلاف ، كالقتال ، لأنّ ما يجب شرطه عليهم إذا خالفوه انتقض العهد.

وأظهرهما عندهم : أنّه كالزنا بالمسلمة ، ويجي‌ء فيه الخلاف.

وطعنهم في الإسلام وفي القرآن كذكرهم الرسول عليه‌السلام بالسوء (٧).

وقال بعضهم : إن ذكر النبي عليه‌السلام بسوء يعتقده أو يتديّن به بأن قال : إنّه ليس برسول ، وإنّه قتل اليهود بغير حقّ ، أو نسبه إلى الكذب ، ففيه الخلاف ، وأمّا ذكره بما لا يعتقده ولا يتديّن به ، كما لو نسبه إلى الزنا ، أو‌

__________________

(١ و ٢) في الطبعة الحجريّة : أنّه‌

(٣) في « ق ، ك‍ » : المسلمين.

(٤) في « ك‍ » والطبعة الحجريّة : ولا يلحق.

(٥) الوجيز ٢ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٦.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٦.

(٧) الوجيز ٢ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٦.

٣٥٠

طعن في نسبه ، فإنّه ينتقض به العهد ، سواء شرط عليهم الكفّ عنه أو لا (١).

وقال آخرون : إنّ الخلاف فيما إذا طعنوا بما لا يتديّنون به ، فأمّا ما هو من قضيّة دينهم ، فلا ينتقض العهد بإظهاره بلا خلاف ، ومن هذا القبيل قولهم في القرآن : إنّه ليس من عند الله (٢).

وذكر الله تعالى بسوء كذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطريق الأولى لكنّهم (٣) جعلوا إظهار الشرك ، وقولهم : إنّه ثالث ثلاثة ، ومعتقدهم في المسيح بمثابة إظهار الخمر والخنزير ، وقالوا : لا ينتقض العهد بها (٤) ، مع أنّ جميع ذلك يتضمّن ذكر الله تعالى بالسوء ، ولا يستمرّ ذلك إلاّ على أنّ السوء الذي يتديّنون به لا ينتقض العهد به.

مسألة ٢٠٤ : حيث حكمنا بانتقاض العهد فهل يبلغهم المأمن؟ للشافعي قولان :

أحدهما : نعم ، لأنّهم دخلوا دار الإسلام بأمان ، فيبلغون المأمن ، كمن دخل بأمان صبيّ.

وأصحّهما عندهم : المنع ، بل يتخيّر الإمام فيمن انتقض عهده بين القتل والاسترقاق والمنّ والفداء ، لأنّه كافر لا أمان له ، كالحربيّ ، بخلاف من أمّنه صبيّ ، فإنّه يعتقد لنفسه أمانا ، وهنا فعل باختياره ما يوجب الانتقاض.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٧.

(٣) في الطبعة الحجريّة وهامش « ك‍ » : لكن.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٧.

٣٥١

والقولان فيما إذا انتقض الأمان بغير القتال ، فأمّا إذا نصبوا القتال ، صاروا حربا في دار الإسلام ، فلا بدّ من استئصالهم (١).

البحث الخامس : في المهادنة‌

مسألة ٢٠٥ : المهادنة والموادعة والمعاهدة ألفاظ مترادفة‌ معناها : وضع القتال وترك الحرب مدّة بعوض وغير عوض.

وهي جائزة بالنص والإجماع.

قال الله تعالى ( بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (٢) وقال تعالى ( فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ ) (٣) وقال تعالى ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها ) (٤).

وصالح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهيل بن عمرو بالحديبيّة على وضع القتال عشر سنين (٥).

والإجماع واقع عليه ، لاشتداد الحاجة إليه.

ويشترط في صحّة عقد الذمّة أمور أربعة :

الأوّل : أن يتولاّه الإمام أو من يأذن له ، لأنّه من الأمور العظام ، لما‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٧ : ٧١٢ ـ ٧١٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٩ ـ ٥٥٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٧.

(٢) التوبة : ١.

(٣) التوبة : ٤.

(٤) الأنفال : ٦١.

(٥) المغازي ـ للواقدي ـ ٢ : ٦١١ ، السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٣ : ٣٣٢ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٢٠٤ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٤ : ١٤٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٨٦ ـ ٢٧٦٦.

٣٥٢

فيه من ترك الجهاد على الإطلاق أو في جهة من الجهات. ولأنّه لا بدّ فيه من رعاية مصلحة المسلمين والنظر لهم ، والإمام هو الذي يتولّى الأمور العامّة.

هذا إذا كانت المهادنة مع الكفّار مطلقا أو مع أهل إقليم ، كالهند والروم.

ويجوز لوالي الإقليم المهادنة مع أهل قرية أو بلدة تلي ذلك الإقليم للحاجة ، وكأنّه مأذون فيه بتفويض مصلحة الإقليم إليه.

فإن عقد المهادنة واحد من المسلمين ، لم يصحّ ، فإن دخل قوم ممّن هادنهم دار الإسلام بناء على ذلك العقد ، لم يقرّوا ولكن يلحقون مأمنهم ، لأنّهم دخلوا على اعتقاد أمان.

الثاني : أن يكون للمسلمين إليه حاجة ومصلحة إمّا لضعفهم عن المقاومة فينتظر الإمام قوّتهم ، وإمّا لرجاء إسلام المشركين ، وإمّا لبذل الجزية منهم والتزام أحكام الإسلام.

ولو لم تكن هناك مصلحة للمسلمين بأن يكون في المسلمين قوّة وفي المشركين ضعف ويخشى قوّتهم واجتماعهم إن لم يبادرهم بالقتال ، لم تجز له مهادنتهم ، بل يقاتلهم إلى أن يسلموا أو يبذلوا الجزية إن كانوا أهل كتاب.

قال الله تعالى ( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ) (١).

وإذا طلب الكفّار الهدنة ، فإن كان فيها مضرّة على المسلمين ، لم تجز إجابتهم ، وإن لم تكن ، لم تجب الإجابة أيضا. ويجتهد الإمام ويحافظ على‌

__________________

(١) سورة محمد : ٣٥.

٣٥٣

الأصلح من الإجابة والترك فيفعله ، بخلاف الجزية ، فإنّ الإجابة فيها واجبة.

الثالث : أن يخلو العقد عن شرط فاسد ، وهو حقّ كلّ عقد ، فإن عقدها الإمام على شرط فاسد ، مثل : أن يشترط ردّ النساء أو مهورهنّ ، أو ردّ السلاح المأخوذ منهم ، أو دفع المال إليهم مع عدم الضرورة الداعية إلى ذلك ، أو أنّ لهم نقض الهدنة متى شاءوا ، أو يشترط ردّ الصبيان أو الرجال ، أو أن لا ينزع اسراء المسلمين من أيديهم ، أو يردّ إليهم المسلم الذي أسروه وأفلت (١) منهم ، أو شرط ترك مال مسلم في أيديهم ، فهذه الشروط كلّها فاسدة يفسد بها عقد الهدنة ، كما يفسد عقد الذمّة باقتران الشروط الفاسدة به ، مثل : أن يشترط عدم التزام أحكام المسلمين في أهل الذمّة ، أو إظهار الخمور والخنازير ، أو يأخذ الجزية بأقلّ ما يجب عليهم ، أو على أن يقيموا بالحجاز ، أو يدخلوا الحرم. ويجب على من عقد معهم الصلح إبطاله ونقضه.

الرابع : المدة. ويجب ذكر المدة التي يهادنهم عليها. ولا يجوز له مهادنتهم مطلقا ، لأنه يقتضي التأبيد ، والتأبيد باطل ، إلاّ أن يشترط الإمام الخيار لنفسه في النقض متى شاء. وكذا لا يجوز إلى مدّة مجهولة ، وهذا أحد قولي الشافعيّة (٢).

والثاني : أنّه إذا هادن مطلقا ، نزّل الإطلاق عند ضعف المسلمين على عشر سنين (٣).

وأمّا عند القوّة فقولان.

أحدهما : أنّه يحمل على أربعة أشهر ، تنزيلا على الأقلّ.

__________________

(١) الإفلات : التخلّص من الشي‌ء فجأة. لسان العرب ٢ : ٦٦ « فلت ».

(٢ و ٣) الوجيز ٢ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٥٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢١.

٣٥٤

والثاني على سنة ، تنزيلا على الأكثر (١).

واعترضه بعضهم بأنّه لا تجوز الهدنة مع القوّة إلى سنة بل أقلّ من سنة (٢).

مسألة ٢٠٦ : إذا كان بالمسلمين قوّة ورأى الإمام المصلحة في المهادنة ، هادن أربعة أشهر فما دون إجماعا.

قال الله تعالى ( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) (٣).

ولا يجوز أن يهادن سنة ، لأنّها مدّة الجزية ، ولا يقرّر الكافر سنة بغير جزية.

وفيما بين الأربعة الأشهر والسنة للشافعي قولان :

الجواز ، لأنّها مدة تقصر عن مدّة الجزية كالأربعة.

وأصحّهما عندهم : المنع ، لأنّ الله تعالى أمر بقتل المشركين (٤) مطلقا ، وأذن في الهدنة أربعة أشهر (٥) (٦).

وأمّا إذا كان في المسلمين ضعف ، فإنه تجوز الزيادة على السنة بحسب الحاجة إلى عشر سنين ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هادن قريشا بالحديبيّة عشر سنين (٧) ، وكان عليه‌السلام قد خرج ليعتمر لا ليقاتل ، وكان بمكّة‌

__________________

(١) الوجيز ٢ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٥٨ روضة الطالبين ٧ : ٥٢١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٥٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢١.

(٣) التوبة : ٢.

(٤) التوبة : ٥.

(٥) التوبة : ٢.

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٧ : ٧١٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٥١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٥٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢١.

(٧) السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٣ : ٣٣٢ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٢٠٤ ، تاريخ الطبري ٢ : ٦٣٤ ، المغني ١٠ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٥٧.

٣٥٥

مستضعفون ، فأراد أن يكثروا ويظهر المسلمون ، فهادنهم حتى كثروا وأظهر من بمكّة إسلامه.

قال الشعبي : لم يكن في الإسلام فتح قبل صلح الحديبيّة (١).

ولا تجوز الزيادة على عشر سنين عند الشيخ (٢) وابن الجنيد ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ فإن اقتضت الحاجة الزيادة ، استأنف عقدا.

وقال أبو حنيفة وأحمد : لا تتقدّر الزيادة بعشر ، بل تجوز بحسب ما يراه الإمام ، لأنّه عقد يجوز في العشر فجاز في الزيادة عليها ، كعقد الإجارة (٤) ولا بأس به.

وعلى الأوّل لو صالح على أكثر من عشر سنين ، بطل الزائد خاصّة ، وصحّ في العشر ، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : يبطل العقد بناء على تفريق الصفقة (٥).

مسألة ٢٠٧ : إذا كان في المسلمين قوّة ، لم يجز للإمام أن يهادنهم أكثر من سنة إجماعا ، لقوله تعالى ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٦) ويجوز إلى أربعة أشهر فما دون‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٥٧.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٥١.

(٣) مختصر المزني : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٥١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦١ ، الوجيز ٢ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٥٧ ، الوسيط ٧ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢١.

(٤) الاختيار لتعليل المختار ٤ : ١٩٠ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٥٩ ، المغني ١٠ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٦٦.

(٥) الوجيز ٢ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٥٩ ، الوسيط ٧ : ٩١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢١.

(٦) التوبة : ٥.

٣٥٦

إجماعا.

وتردّد الشيخ في أكثر من أربعة أشهر وأقلّ من سنة ، ثمّ قال : والظاهر أنّه لا يجوز (١).

وللشافعي قولان (٢).

وإذا شرط مدّة معلومة ، لم يجز أن يشترط نقضها لمن شاء منهما ، لأنّه يفضي إلى ضدّ المقصود.

وهل يجوز أن يشترط الإمام لنفسه دونهم؟ قال الشيخ (٣) وابن الجنيد : يجوز ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا فتح خيبر عنوة بقي حصن منها ، فصالحوه على أن يقرّهم ما أقرّهم الله تعالى ، ففعل (٥).

ولأنّه عقد شرّع لمصلحة المسلمين فيتبع مظان المصلحة.

وقال بعض العامّة : لا يجوز لأنّه عقد لازم ، فلا يجوز اشتراط نقضه ، كالبيع (٦).

ونمنع الملازمة والحكم في الأصل ، فإن العقود اللازمة عندنا يدخلها الخيار ، وهذا نوع خيار.

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٥١.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٦) من ص ٣٥٥.

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٥١.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٥٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢١ ، المغني ١٠ : ٥٠٩ ـ ٥١٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٨.

(٥) المغازي ـ للواقدي ـ ٢ : ٦٦٩ ـ ٦٧٠ ، السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٣ : ٣٥٢ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٤ : ٢٢٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦١ ، المغني ١٠ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٨ ، وانظر : صحيح البخاري ٣ : ٢٥٢ ، وسنن البيهقي ٩ : ٢٢٤ ، ومصابيح السنّة ـ للبغوي ـ ٣ : ١١٦ ـ ٣٠٩١.

(٦) المغني ١٠ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٨.

٣٥٧

إذا ثبت هذا ، فلو شرط الإمام لهم أن يقرّهم ما أقرّهم الله ، لم يجز ، لانقطاع الوحي بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويجوز أن يشترط أن يقرّهم ما شاء.

مسألة ٢٠٨ : الهدنة ليست واجبة على كلّ تقدير ، لكنّها جائزة ، لقوله تعالى ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها ) (١) بل المسلم يتخيّر في فعل ذلك برخصة قوله ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٢) وبما تقدّم (٣) ، وإن شاء ، قاتل حتى يلقى الله تعالى شهيدا [ عملا ] (٤) بقوله تعالى : ( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ) (٥) وكذلك فعل مولانا الحسين عليه‌السلام ، والنفر الذين وجههم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذيل وكانوا عشرة فقاتلوا مائة حتى قتلوا ولم يفلت منهم أحد إلاّ خبيب ، فإنّه أسر وقتل بمكة (٦).

وتجوز مهادنتهم على غير مال إجماعا ، وكذا على مال يأخذه منهم إجماعا.

أمّا لو [ صالحهم ] (٧) على مال يدفعه إليهم ، فإن كان لضرورة ، مثل : أن يكون في أيدي المشركين أسير مسلم يستهان به ويستخدم ويضرب ،

__________________

(١) الأنفال : ٦١.

(٢) البقرة : ١٩٥.

(٣) تقدّم في صدر المسألة ٢٠٥.

(٤) إضافة يقتضيها السياق.

(٥) البقرة : ١٩٠.

(٦) السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٣ : ١٧٨ ـ ١٨٢ ، تاريخ الطبري ٢ : ٥٣٨ ـ ٥٣٩ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٦٧ ـ ١٦٨.

(٧) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : صالحه. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٣٥٨

جاز للإمام بذل المال واستنقاذه ، للمصلحة ، وكذا لو كان المسلمون في حصن وقد أحاط بهم المشركون وأشرفوا على الظفر ، أو كانوا خارجين من المصر وقد أحاط بهم العدوّ أو كان مستظهرا ، جاز بذل المال.

وإن لم تكن هناك ضرورة ، لم يجز بذل المال ، بل وجب القتال.

وهل يجب مع الضرورة بذل المال؟ إشكال ، وإذا بذل المال ، لم يملكه الآخذ ، لأنّه أخذه بغير حقّ.

ويجوز أن يهادنهم عند الحاجة على وضع شي‌ء من حقوق المسلمين في أموال المهادنين ، وكذا لو رأى الإمام مع قوّته على العدوّ أن يضع بعض ما يجوز تملّكه من أموال المشركين بالقدرة عليهم حفظا لأصحابه وتحرّزا من دوائر الحروب ، جاز.

مسألة ٢٠٩ : إذا عقد الهدنة ، وجب عليه حمايتهم من المسلمين وأهل الذمّة ، لأنّه أمّنهم ممّن هو في قبضته وتحت يده ، كما أمّن من في يده منهم ، فإنّ هذا فائدة العقد.

ولو أتلف مسلم أو ذمّيّ عليهم شيئا ، وجبت قيمته.

ولا تجب حمايتهم من أهل الحرب ولا حماية بعضهم من بعض ، لأنّ الهدنة هي التزام الكفّ عنهم فقط لا مساعدتهم على عدوّهم.

ولو أغار عليهم قوم من أهل الحرب فسبوهم ، لم يجب عليه استنقاذهم.

قال الشافعي : ليس للمسلمين شراؤهم ، لأنّهم في عهدهم (١).

وقال أبو حنيفة : يجوز ، لأنّه لا يجب أن يدفع عنهم ولا يحرم‌

__________________

(١) المغني ١٠ : ٥١٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٣.

٣٥٩

استرقاقهم (١).

مسألة ٢١٠ : لو شرط الإمام ردّ من جاء مسلما من الرجال ، فجاء مسلم فأرادوا أخذه ، فإن كان ذا عشيرة وقوّة تحميه وتمنعه عن الافتتان والدخول في دينهم ، جاز ردّه إليهم ولا يمنعهم منه ، عملا بالشرط ، وعدم الضرر عليه متحقّق ، إذ التقدير ذلك بمعنى أنّه لا يمنعهم من أخذه إذا جاءوا في طلبه ، ولا يجبره الإمام على المضيّ معهم ، وله أن يأمره في السرّ بالهرب منهم ومقاتلتهم.

وإن كان مستضعفا لا يؤمن عليه الفتنة ، لم تجز إعادته عندنا ، وبه قال الشافعي (٢).

وقال أحمد : تجوز (٣).

وهو غلط ، ولهذا لم نوجب على من له قوّة على إظهار دينه وإظهار شعائر الإسلام المهاجرة عن بلاد الشرك ، وأوجبناها على المستضعف.

ولو شرط في الصلح ردّ الرجال مطلقا ، لم يجز ، لأنّه يتناول من لا يؤمن افتتانه ومن يؤمن.

ولو جاء صبي ووصف الإسلام ، لم يردّ ، لأنّه لا يؤمن افتتانه عند بلوغه. وكذا لو قدم مجنون.

فإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون ، فإن وصفا الإسلام ، كانا مع (٤) المسلمين ، وإن وصفا الكفر ، فإن كان كفرا لا يقرّ أهله عليه ، ألزما الإسلام‌

__________________

(١) المغني ١٠ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٣.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٢٩ ، المغني ١٠ : ٥١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧١.

(٣) المغني ١٠ : ٥١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧١.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « من » بدل « مع ».

٣٦٠