تذكرة الفقهاء - ج ٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١

السادس : التميز عن المسلمين.

وينبغي للإمام أن يشترط عليهم في عقد الذمّة التميز عن المسلمين في أربعة أشياء : في لباسهم ، وشعورهم ، وركوبهم ، وكناهم.

أمّا اللباس : فيلبسوا ما يخالف لونه سائر ألوان الثياب ، فعادة اليهود : العسلي ، وعادة النصارى : الأدكن ، والمجوس : الأسود. ويكون هذا في ثوب واحد لا في الجميع. ويأخذهم بشدّ الزنّار في وسط النصراني فوق الثياب ، واليهودي بوضع (١) خرقة فوق عمامته أو قلنسوته تخالف في اللون. ويجوز أن يلبسوا العمائم والطيلسان ، فإن لبسوا قلانس (٢) ، شدّوا في رأسها علما ليخالف قلانس القضاة ، ويختم في رقبته خاتم رصاص أو نحاس أو حديد لا من ذهب وفضّة ، أو يضع فيه جلجلا أو جرسا ليمتاز به عن المسلمين في الحمّام. وكذا يأمر نساءهم بلبس شي‌ء يفرق بينهنّ وبين المسلمات من شدّ الزنّار تحت الإزار. ويختم في رقبتهنّ. ويغيّروا أحد الخفّين ، فيكون أحدهما أحمر والآخر أبيض. ولا يمنعون من لبس فاخر الثياب.

وأمّا الشعور : فلا يفرّقون شعورهم ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرّق شعره (٣). ويحذفون مقاديم رءوسهم ، ويجزّون شعورهم.

وأمّا الركوب : فلا يركبون الخيل ، لأنّه عزّ. ويركبون ما عداها بغير‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : بجعل ، بدل بوضع.

(٢) في الطبعة الحجريّة : القلانس.

(٣) صحيح مسلم ٤ : ١٨١٧ ـ ١٨١٨ ـ ٢٣٣٦ ، سنن النسائي ٨ : ١٨٤ ، الموطأ ٢ : ٩٤٨ ـ ٣.

٣٢١

سرج. ويركبون عرضا ، رجلاه إلى جانب وظهره إلى آخر. ويمنعون تقليد السيوف وحمل السلاح واتّخاذه.

وأمّا الكنى : فلا يتكنّوا بكنى المسلمين ، كأبي القاسم ، وأبي عبد الله ، وأبي محمد ، وأبي الحسن ، وشبهها. ولا يمنعون من جميع الكنى ، فإنّ (١) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأسقف نجران : « أسلم أبا الحارث » (٢).

مسألة ١٨٧ : من انتقض أمانه ، يتخيّر الإمام فيه بين المنّ والقتل والاسترقاق والفداء على ما بيّنّاه. فإن أسلم قبل اختيار الإمام ، سقط ذلك كلّه إلاّ ما يوجب حدّا أو قودا أو استعادة مال.

قال الشيخ : فإنّ أصحابنا رووا أنّ إسلامه لا يسقط عنه الحدّ (٣) ، لأنّه حقّ ثبت في ذمّته فلا يسقط بإسلامه ، كالدّين.

ولو أسلم بعد استرقاقه ، لم ينفعه في ترك الاسترقاق ، وكذا المفاداة.

وأمّا المستأمن ـ وهو المعاهد في عرف الفقهاء ـ فهو الذي له أمان بغير ذمّة ، فللإمام أن يؤمنه دون الحول بعوض وغيره. ولو أراد إقامة حول ، وجب العوض.

فإذا عقد له الأمان ، فإن خاف منه الإمام الخيانة بإيواء عين المشركين وشبهه ، نبذ الإمام إليه الأمان ، ويردّه إلى دار الحرب ، لقوله تعالى ( وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ) (٤) بخلاف أهل الذمّة ، فإنّه لا تنقض ذمّتهم بخوف الخيانة ، لالتزامهم بأحكام الإسلام من الحدود‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : لأنّ.

(٢) المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ١٠ : ٣١٦ ـ ١٩٢٢٠ ، المغني ١٠ : ٦١٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٠٦.

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٤.

(٤) الأنفال : ٥٨.

٣٢٢

وغيرها ، فيكون ذلك مانعا لهم عن الخيانة.

والمعاهدون لا يلزمهم حدّ ولا عقوبة ، فلا زاجر لهم عن الخيانة ، فجاز لنا نبذ عهدهم مع خوف الخيانة.

وينبغي للإمام إذا عقد الذمّة أن يكتب أسماءهم وأسماء آبائهم وعددهم وحليتهم ، ويعرّف على كلّ عشرة منهم عريفا ليحفظ من يدخل فيهم ويخرج عنهم كأن يبلغ صغير أو يفيق مجنون أو يقدم غائب أو يسلم واحد أو يموت ، ويجبي جزيتهم. وإن تولاّه بنفسه ، جاز.

مسألة ١٨٨ : لا يجوز أخذ الجزية ممّا لا يسوغ للمسلمين تملّكه ، كالخمر والخنزير إجماعا. نعم ، يجوز أخذها من ثمن ذلك ، فلو باع ذمّيّ خمرا أو خنزيرا (١) على ذمّيّ وقبض الثمن ، جاز أخذه من الجزية ، لأنّا عقدنا الذمّة على تديّنهم بدينهم.

ولأنّ محمد بن مسلم سأل الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ عن صدقات أهل الذمّة وما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم ولحم خنازيرهم وميتتهم ، قال : « عليهم الجزية في أموالهم تؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو الخمر ، وكلّما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم ، وثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم » (٢).

وإذا عقد لهم الذمّة ، عصموا أنفسهم وأموالهم وأولادهم الأصاغر من القتل والصبي والنهب ما داموا على الذمّة ، ولا يتعرّض لكنائسهم وخمورهم وخنازيرهم ما لم يظهروها.

__________________

(١) في « ق » : خمرة أو خنزيره.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٨ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨ ـ ١٠٠ ، التهذيب ٤ : ١١٣ ـ ١١٤ ـ ٣٣٣ بتفاوت يسير.

٣٢٣

ولو ترافعوا إلينا في خصوماتهم ، تخيّر الحاكم بين الحكم عليهم بمقتضى شرع الإسلام وبين ردّهم إلى حاكمهم.

ومن أراق من المسلمين لهم خمرا أو قتل خنزيرا ، فإن كان مع تظاهرهم ، فلا شي‌ء عليه ، وإلاّ وجب عليه قيمته عند مستحليه.

وإذا مات الإمام وقد ضرب لما قرّره من الجزية أمدا معيّنا أو اشترط الدوام ، وجب على القائم بعده إمضاء ذلك إجماعا ، لأنّ الإمام معصوم. أمّا نائبه : فلو قرّرهم ثمّ مات المنوب فإن كان ما قرّره صوابا ، وجب اتّباعه ، وإلاّ فسخ.

إذا ثبت هذا ، فإنّ الثاني ينظر في عقدهم ، فإن كان صحيحا ، أقرّهم عليه ، لأنّه مؤبّد. وإن كان فاسدا ، غيّره إلى الصحّة ، لأنّه منصوب لمصالح المسلمين.

ثمّ إن كان ما عقده الأوّل ظاهرا معلوما ، اتّبع ، وإن لم يكن معلوما وشهد عدلان به ، عمل عليه ، ولا تقبل شهادة بعضهم على بعض.

فإن اعترفوا بالجزية وكانت دون الواجب ، لم يلتفت إليهم ، وطالبهم بالواجب ، فإن بذلوه ، وإلاّ ردّهم إلى مأمنهم. وإن اعترفوا بالواجب ، أقرّهم عليه. وإن اتّهمهم في الزائد ، حلّفهم.

ولو قيل باستئناف العقد معهم ، لأنّ عقد الأوّل لم يثبت عنده ، كان حسنا.

مسألة ١٨٩ : قد بيّنّا أنّ أقلّ الجزية دينار عند بعض علمائنا قدره اثنا عشر درهما نقرة مسكوكة أو مثقال. والدينار في غير الجزية يقابل بعشرة دراهم.

وللإمام أن يماكس بالزيادة ما شاء. ولو لم يبذل إلاّ الدينار ، وجب‌

٣٢٤

القبول. ولو بذل الزيادة ثمّ علم عدم الوجوب ، لم ينفعه ، كالشراء بالعين ، إلاّ أن ينبذ العهد ثمّ يرجع إلى بذل دينار.

وقيل : ينفع ، كما يجوز ابتداء العقد به (١).

وقال بعض الشافعيّة : الأصل في الجزية الدينار ، ولا يقبل الدراهم إلاّ بالسعر والقيمة ، كما يجعل أصل نصاب الفضّة ربع دينار ، وتقوّم النقرة بالذهب كالسّلع ، ولا يجب على الإمام أن يخبرهم عن أقلّ ما يجب عليهم (٢).

وعلى القول بعدم قبول الدينار لو التزموا بالزيادة أوّلا مع جهلهم بعدم اللزوم يكونون ناقضين للعهد عند بعض الشافعيّة (٣) ، كما لو امتنعوا من أداء أصل الجزية. وحينئذ يبلغون المأمن أو يقتلون؟ للشافعي قولان (٤).

فإن قلنا : يبلغون ، فعادوا فطلبوا العهد (٥) بدينار ، أجيبوا إليه.

ثمّ إن كان النبذ بعد مضي سنة ، لزمه ما التزمه بتمامه. وإن كان في أثناء السنة ، لزمه لما مضى قسطه ممّا التزم.

وإذا ضرب على الفقير دينارا ، وعلى المتوسّط دينارين ، وعلى الغني أربعة ، كان الاعتبار في هذه الأحوال بوقت الأخذ لا بوقت العقد.

ولو قال بعضهم : أنا فقير أو متوسّط ، قبل قوله إلاّ أن تكذّبه البيّنة.

مسألة ١٩٠ : إذا شرطت الضيافة عليهم ثمّ رأى الإمام نقلها‌ إلى‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٠.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٠.

(٥) في « ق ، ك‍ » : العقد ، بدل العهد.

٣٢٥

الدنانير ، لم يجز إلاّ برضاهم ، لأنّ الضيافة قد تكون أهون عليهم. وهو أحد قولي الشافعي (١).

والثاني : يجوز ، لأنّ الأصل الدنانير (٢).

فعليه إذا ردّت إلى الدنانير ، فهل تكون في المصالح العامّة أو تختصّ بأهل الفي‌ء؟ للشافعيّة وجهان ، أظهرهما : الثاني ، لأنّ القياس في الضيافة الاختصاص أيضا إلاّ أنّ الحاجة اقتضت التعميم ، فإذا ردّت إلى الأصل ، ثبت الاختصاص ، كما في الدينار المضروب ابتداء (٣).

وإنّما تشترط الضيافة على الغني والمتوسّط ، دون الفقير ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة (٤) ـ لأنّه قد يتعسّر القيام بها. والثاني : يجوز كالجزية (٥).

وعلى القول بأنّ الضيافة من الجزية يجوز اشتراطها عليه لكن لا يزاد على دينار.

ولو أراد الضيف أن يأخذ منهم ثمن الطعام ، لم يلزم. نعم ، له أن يأخذ الطعام ويذهب به ولا يأكل عندهم ، بخلاف طعام الوليمة ، فإنّه لا يجوز إخراجه ، لأنّ تلك معاوضة والوليمة تكرمة.

ولا يطالبهم بطعام الثلاثة في اليوم الأوّل. ولو لم يأتوا بطعام اليوم فللضيف المطالبة به من الغد إن جعلنا الضيافة محسوبة من الدينار.

ولا يلزمهم اجرة الطبيب والحمّام وثمن الدواء.

ولو تنازعوا في إنزال الضيف ، فالخيار له. ولو تزاحم الضيفان على واحد‌

__________________

(١ و ٢) الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٣ ـ ٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

٣٢٦

من أهل الذمّة ، فالخيار للذمّي. وليكن للضيفان عريف (١) يرتّب أمورهم.

وإذا دفع الذمّيّ الجزية ، أخرج يده من جيبه وحنى ظهره وطأطأ رأسه وصبّ ما معه في كفّة الميزان ، ويأخذ المستوفي بلحيته ، ويضرب في لهزمتيه. واللهزمتان في اللّحيين : مجتمع اللحم بين الماضغ والاذن. ويكفي الضرب في أحد الجانبين ولا يراعى الجمع بينهما بالهيئة المذكورة.

وهل هي واجبة أو مستحبّة؟ وجهان (٢). وينبني عليهما جواز أن يوكّل الذمّي مسلما بأداء الجزية ، وأن يضمن مسلم عن ذمّي ، وأن يحيل الذمّيّ على مسلم.

ولو وكّل الذمّيّ ذمّيّا بالأداء ، قال الجويني : الوجه طرد الخلاف ، لأنّ كلّ واحد منهم يثبت معنى الصّغار في نفسه (٣).

ولو وكّل مسلما بعقد الذمّة ، جاز ، فإنّ الصّغار يثبت عند الأداء دون العقد.

مسألة ١٩١ : قد بيّنّا الخلاف فيما لو امتنع قوم من أهل ذمّة الكتاب من أداء الجزية باسمها وبدّلوا أداءها باسم الصدقة ، فقال الشافعي وأبو حنيفة : يجوز (٤). وقال مالك : لا يجوز (٥).

وهل تسقط عنهم الإهانة حينئذ؟ منع بعضهم منه (٦).

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : عريفا. وما أثبتناه هو الصحيح.

(٢) الوجهان للشافعيّة ، انظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٧ ، وروضة الطالبين ٧ : ٥٠٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٤.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٥ ، المغني ١٠ : ٥٨١ ـ ٥٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٢.

(٥ و ٦) انظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٨.

٣٢٧

ولا فرق في جواز التبديل بين العرب والعجم ، فإنّ الحاجة واقتضاء الصدقة (١) لا يختلف.

وعند الشافعي لا تؤخذ من مال الصبيان والمجانين والنساء ، لأنّها جزية في الحقيقة (٢) وقال أبو حنيفة : يجوز أخذها من النساء (٣).

وينظر الإمام في تضعيف الصدقة ، فإن نقص عن الجزية ، زاد إلى ثلاثة أضعاف وأكثر.

ولو كثروا وعسر العدد ليعلم الوفاء ، ففي جواز الأخذ بغالب الظنّ وجهان ، والظاهر عند الشافعي المنع ، وأنّه لا بدّ وأن يتحقّق أخذ دينار من كلّ رأس (٤).

ويجوز الاقتصار على تضعيف الصدقة إذا حصل الوفاء.

ولو شرط (٥) ضعف الصدقة وزاد على دينار عن كلّ واحد ثمّ سألوا إسقاط الزيادة وإعادة اسم الجزية ، أجيبوا إليه ، لأنّ الزيادة أثبتت لتغيّر. الاسم.

وللشافعيّة وجه آخر : أنّهم لا يجابون إليه (٦).

__________________

(١) كذا ، والظاهر : واقتضاء المصلحة.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٥ ، المغني ١٠ : ٥٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٣.

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٩ ، المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٥.

(٥) في الطبعة الحجريّة : اشترط.

(٦) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٧ : ٥٠٦.

٣٢٨

ومن ملك مائتين من الإبل ، أخذ منه (١) ثمان حقاق أو عشر بنات لبون.

ولا يفرق بأخذ أربع حقاق وخمس بنات لبون ، كما لا يفرق في الصدقة عند الشافعي (٢).

ويأخذ من ستّين من البقر أربع تبيعات لا ثلاث مسنّات ، ولا يجعل كأنّه ملك مائة وعشرين من البقر ، كما لا يجعل في مائتين من الإبل كأنّه ملك أربعمائة حتى يجوز التفريق بأخذ أربع حقاق وخمس بنات لبون.

وفي تضعيف الجبران عنده وجهان :

أحدهما : يضعّف ، فيؤخذ مع [ كل بنت مخاض أربع شياه أو أربعون ] (٣) درهما ، لأنّه بعض الصدقة الموجودة.

وأصحّهما : المنع ، لما في تضعيف الجبران من تضعيف الضّعف ، فيؤخذ مع [ كل ] (٤) بنت مخاض شاتان أو عشرون درهما (٥).

ولو لم يوجد في مال صاحب ستّ وثلاثين بنت لبون ، أخذ الإمام حقّتين ويردّ جبرانين.

ولا خلاف بينهم في أنّ الجبران لا يضعّف هنا ، ويخرج الإمام الجبران‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : منها.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٦.

(٣) ورد بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة هكذا : بنت مخاض أربع شياه أو عشرين. وما أثبتناه من المصدر كما يقتضيه السياق.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٠.

٣٢٩

من الفي‌ء ، كما إذا أخذه ، ردّه إلى الفي‌ء (١).

وهل يؤخذ من بعض النصاب قسطه من واجب تمام النصاب ، كشاة من عشرين شاة ونصف شاة من عشر؟ فيه للشافعي قولان :

أحدهما : نعم ، قضيّة للتضعيف.

وأصحّهما عندهم : المنع ، لأنّ الأثر عن عمر ورد في تضعيف ما يجب على المسلم لا في إيجاب ما لا يجب فيه شي‌ء على المسلم (٢).

مسألة ١٩٢ : إذا استأذن الحربيّ في دخول دار الإسلام ، إذن له الإمام إن كان يدخل للرسالة أو حمل ميرة أو متاع تشتد حاجة المسلمين إليه.

ولا يجوز توظيف مال على الرسول والمستجير لسماع كلام الله تعالى ، فإنّ لهما الدخول من غير إذن.

وإن كان يدخل لتجارة لا تشتدّ الحاجة إليها ، فيجوز أن يأذن له ، ويشترط عليه عشر ما معه من مال التجارة ، لأنّه لمّا ارتفق بالتجارة جعل عليه في مقابلة إرفاقه شي‌ء.

وإنّما يؤخذ العشر من مال التجارة ، ولا يعشّر ما معه من ثوب ومركوب.

وللشافعيّة وجهان في أنّه هل يجوز للإمام أن يزيد المشروط على العشر؟ أصحّهما عندهم : الجواز.

وكذا يجوز نقصها ، فيردّ العشر إلى نصف العشر فما دون خصوصا فيما تكثر حاجة المسلمين إليه ، كالميرة (٣).

ولو رأى أن يأذن لهم ويرفع الضريبة أصلا ، ففي جوازه وجهان :

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٦.

(٣) الوسيط ٧ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٧.

٣٣٠

أحدهما : المنع ، لئلا يتردّدوا ويرتفقوا بدار الإسلام من غير مال.

وأظهرهما : الجواز لدعاء الحاجة إليه (١).

ثمّ إن شرط الأخذ من تجارة الكافر ، أخذ ، سواء باع ماله أو لا. وإن شرط الأخذ من الثمن ، فلا يؤخذ ما لم يبع.

وأمّا الذمّيّ فله أن يتّجر فيما سوى الحجاز من بلاد الإسلام ، ولا يؤخذ من تجارته شي‌ء إلاّ أن يشترط عليه مع الجزية.

ثمّ الذمّيّ في بلد الحجاز كالحربيّ في بلد الإسلام ـ ولا يؤخذ منهما في كلّ حول إلاّ مرّة واحدة ـ إذا كان يدور في بلاد الإسلام تاجرا. ويكتب له وللذمّيّ براءة حتى لا يطالب في بلد آخر قبل مضيّ الحول.

ولو رجع الحربيّ إلى دار الحرب ثمّ عاد في الحول ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يؤخذ في كلّ مرّة ، لئلاّ يرتفق بدار الإسلام بلا عوض ، بخلاف الذمّيّ ، فإنّه في قبضة الإمام.

والثاني : أنّه لا يؤخذ إلاّ مرّة ، لأنّ الضريبة كالجزية (٢).

ويتخيّر الإمام فيما يضرب بين أن يستوفيها دفعة واحدة وبين أن يستوفيها في دفعات.

وما ذكرناه من أخذ المال من تجارة الحربيّ أو الذمّيّ [ فيما ] (٣) إذا شرط عليه ذلك ، فأمّا إذا أذن للحربيّ في دخول دار الإسلام أو الذمّيّ في دخول الحجاز بلا شرط ، فوجهان :

أحدهما : يؤخذ ، حملا للمطلق على المعهود.

__________________

(١) الوسيط ٧ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٧.

(٣) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : كما ، بدل فيما. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٣٣١

والثاني : المنع ، لأنّهم لم يلتزموا (١).

وقال أبو حنيفة : إن كانوا يأخذون من المسلمين إذا دخلوا دارهم تجّارا ، أخذ منهم مثل ما يأخذون وإن لم يشترط ، وإلاّ فلا يؤخذ منهم (٢).

واعترض عليه بأنّه مجازاة غير الظالم. ولأنّه لو وجب أن نتابعهم في فعلهم ، لوجب أن نقتل من أمّنّاه إذا قتلوا من أمّنوه (٣).

مسألة ١٩٣ : إذا صالحنا طائفة من الكفّار على أن تكون أراضيهم لهم‌ ويؤدّون خراجا عن كلّ جريب في كلّ سنة شيئا ، جاز ، ويطرد ملكهم.

قال الشافعي : والمأخوذ جزية مصرفه مصرف الفي‌ء ، والتوكيل بإعطائه كالتوكيل بإعطاء الجزية (٤).

ويشترط أن يكون ما يخصّ كلّ واحد من أهل الجزية قدر دينار إذا وزّع على عدد رءوسهم ، ويلزمهم ذلك ، زرعوا أو لا.

ولا يؤخذ من أراضي الصبيان والمجانين والنساء.

ولهم بيع تلك الأراضي وهبتها وإجارتها.

ولو استأجر مسلم ، فالأجرة للكافر ، والخراج عليه.

ولو باعها من مسلم ، انتقل الواجب إلى رقبة البائع ، ولا خراج على المشتري.

__________________

(١) الوسيط ٧ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٧ ، حلية العلماء ٧ : ٧١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٧ : ٧١٦ ، المغني ١٠ : ٥٩٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٦.

(٣) حكى الرافعي الاعتراض عن الشافعيّة في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٣.

(٤) الوسيط ٧ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٨.

٣٣٢

وعند أبي حنيفة يلزمه الخراج (١).

وقال مالك : لا يصحّ بيعها من مسلم (٢).

ولو أسلموا بعد الصلح ، سقط عنهم الخراج ـ خلافا لأبي حنيفة (٣) ـ وعليهم أن يؤدّوا عن الموات الذي يمنعوننا عنه دون ما لا يمنعون عنه.

ولو أحيوا منه شيئا بعد الصلح ، لم يلزمهم شي‌ء لما أحيوا إلاّ إذا شرط عليهم أن يؤدّوا عمّا يحيونه.

ولو صالحناهم على أن تكون الأراضي لنا وهم يسكنونها ويؤدّون عن كلّ جريب كذا ، فهذا عقد إجارة ، والمأخوذ أجرة ، فتجب معها الجزية ، ولا يشترط أن تبلغ دينارا عن كلّ رأس. وتؤخذ من أراضي النساء والصبيان والمجانين. ويوكّل المسلم في أدائها. وليس لهم بيع تلك الأراضي وهبتها ، ولهم إجارتها ، فإنّ المستأجر يؤجر.

البحث الرابع : في بقايا أحكام المساكن والأبنية والمساجد.

مسألة ١٩٤ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز للحربيّ دخول دار الإسلام إلاّ بإذن الإمام‌ خوفا من تضرّر المسلمين بالتجسيس وشراء سلاح وغير ذلك ، فإذا أذن لمصلحة كأداء رسالة وتجارة ، جاز بعوض وغيره.

فإن دخل بغير أمان ، فقال : أتيت لرسالة ، قبل قوله ، لتعذّر إقامة البيّنة عليه.

__________________

(١) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤.

(٢) حلية العلماء ٧ : ٧٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤.

(٣) الوسيط ٧ : ٧٨ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤.

٣٣٣

ولو قال : أمّنني مسلم ، قال الشيخ : لا يقبل إلاّ ببيّنة ، لإمكان إقامتها (١).

وقال بعض الشافعيّة : يقبل ، كما لو قال : لرسالة (٢).

والفرق : إمكان إقامة البيّنة على الثاني دون الأوّل.

ولو دخل ولم يدّع شيئا ، كان للإمام قتله واسترقاقه وأخذ ماله ، لأنّه حربيّ دخل دارنا بغير أمان ولا عهد ، بخلاف الذمّي إذا دخل الحجاز بغير إذن ، لأنّ الذمّيّ محقون الدم ، فيستصحب الحكم فيه ، بخلاف الحربيّ.

مسألة ١٩٥ : لا يجوز لكافر حربيّ أو ذمّيّ سكنى الحجاز إجماعا ، لقول ابن عباس : أوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاثة أشياء ، قال : « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم » ( قال : وسكت عن الثالث ) (٣).

وقال عليه‌السلام : « لا يجتمع دينان في جزيرة العرب » (٤).

والمراد بجزيرة العرب في هذه الأخبار الحجاز خاصّة ، ونعني بالحجاز مكّة والمدينة وخيبر واليمامة وينبع وفدك ومخاليفها (٥).

وسمّي حجازا ، لأنّه حجز بين نجد وتهامة.

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٨.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٧ : ٧١٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٩.

(٣) صحيح البخاري ٦ : ١١ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ ـ ١٢٥٨ ـ ١٦٣٧ ، سنن أبي داود ٣ : ١٦٥ ـ ٣٠٢٩ ، المغني ١٠ : ٦٠٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٢ ، وبدل ما بين القوسين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : وقال السبب الثالث. وذلك تصحيف ، وما أثبتناه من المصادر.

(٤) الموطّأ ٢ : ٨٩٢ ـ ١٨ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٠٨ ، المغني ١٠ : ٦٠٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٢.

(٥) المخلاف واحد المخاليف : الكورة. القاموس المحيط ٣ : ١٣٧ « خلف ».

٣٣٤

وجزيرة العرب ما بين عدن إلى ريف العراق طولا ، ومن جدّة والسواحل إلى أطراف الشام عرضا ، قاله الأصمعي وأبو عبيد (١).

وقال أبو عبيدة : هي من حفر أبي موسى (٢) إلى اليمن طولا ، ومن رمل « يبرين » (٣) إلى منقطع السماوة عرضا (٤).

قال (٥) الخليل : إنّما قيل لها جزيرة العرب ، لأنّ بحر الحبش وبحر فارس والفرات أحاطت بها ، ونسبت إلى العرب ، لأنّها أرضها ومسكنها ومعدنها (٦).

وإنّما قلنا : إنّ المراد بجزيرة العرب الحجاز خاصّة ، لأنّه لولاه لوجب إخراج أهل الذمّة من اليمن ، وليس واجبا ، ولم يخرجهم عمر من اليمن وهي من جزيرة العرب ، وإنّما أوصى النبي عليه‌السلام بإخراج أهل نجران من جزيرة العرب (٧) ، لأنّه عليه‌السلام صالحهم على ترك الربا ، فنقضوا العهد (٨).

__________________

(١) غريب الحديث ـ للهروي ـ ٦ : ٦٧ « جزر » ، سنن البيهقي ٩ : ٢٠٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٢ ، المغني ١٠ : ٦٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٣.

(٢) حفر أبي موسى : ركايا احتفرها على جادّة البصرة إلى مكة. النهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ٤٠٧ ، لسان العرب ٤ : ٢٠٧ « حفر ». وأبو موسى هو الأشعري كما في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٢.

(٣) يبرين : اسم قرية كثيرة النخل والعيون العذبة بحذاء الأحساء من بني سعد بالبحرين. معجم البلدان ١ : ٧١ « أبرين » و ٥ : ٤٢٧ « يبرين ».

(٤) غريب الحديث ـ للهروي ـ ٢ : ٦٧ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٢ ، المغني ١٠ : ٦٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٣.

(٥) في الطبعة الحجريّة : وقال.

(٦) العين ٦ : ٦٢ « جزر » ، المغني ١٠ : ٦٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٣.

(٧) سنن البيهقي ٩ : ٢٠٨ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ١٢ : ٣٤٥ ـ ١٣٠٣٧ ، مسند أحمد ١ : ٣٢٢ ـ ١٧٠١.

(٨) سنن أبي داود ٣ : ١٦٧ ـ ١٦٨ ، الحديث ٣٠٤١ وذيله ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٤.

٣٣٥

ويجوز لهم دخول الحجاز بإذن الإمام ، وأن يقيموا ثلاثة أيّام ، فيجوز ( حينئذ أن ينتقل ) (١) إلى غيره من بعض مواضع الحجاز ، لأنّه لا مانع منه.

ولو مرض بالحجاز ، جازت له الإقامة ، لمشقّة الانتقال عليه. ولو مات ، دفن فيه.

قال الشيخ : يجوز له الاجتياز في أرض الحجاز بإذن وغيره (٢).

ولو كان له دين ، لم يكن له المقام أكثر من ثلاثة أيّام لاقتضائه ، بل يوكّل في قبضه.

قال الشيخ : ولا يمنعه من ركوب بحر الحجاز ، لأنّه ليس بموضع إقامة ، ولا له حرمة ببعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه. ولو كان فيه جزائر وجبال ، منعوا من سكناها ، وكذا حكم سواحل بحر الحجاز ، لأنّها في حكم البلاد (٣).

مسألة ١٩٦ : لا يجوز لهم دخول الحرم لا اجتيازا ولا استيطانا ، قاله الشيخ (٤) ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٥) ـ لقوله تعالى ( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) (٦) والمراد به الحرم ، لقوله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ) (٧) يريد ضررا بتأخّر الجلب عن الحرم ، ولقوله تعالى ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٨).

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك‍ » : أن ينتقل حينئذ.

(٢ و ٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٨.

(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٧.

(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٧ : ٧١٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٨ ، المغني ١٠ : ٦٠٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١١.

(٦ و ٧) التوبة : ٢٨.

(٨) الإسراء : ١.

٣٣٦

وقال أبو حنيفة : يجوز [ لهم ] (١) دخول الحرم والإقامة فيه مقام المسافر ، ولا يستوطنوه ، ويجوز لهم دخول الكعبة ، لأنّ المنع من الاستيطان لا يمنع الدخول والتصرّف ، كالحجاز (٢).

ولم نستدلّ نحن بمنع استيطان الحجاز على المنع من دخول الحرم ، بل استدللنا بالآية على وقوع الفرق ، فيبطل القياس.

إذا عرفت هذا ، فإن قدم بميرة لأهل الحرم ، منع من الدخول ، فإن أراد أهل الحرم الشراء منه ، خرجوا إلى الحلّ واشتروا منه.

ولو جاء رسولا ، بعث الإمام ثقة يسمع كلامه ، ولو امتنع من أداء الرسالة إلاّ مشافهة ، خرج إليه الإمام من الحرم لسماع كلامه ، فإن دخل بغير إذن عالما ، عزّر ، لا جاهلا.

فلو (٣) مرض في الحرم ، نقله منه ، ولو مات ، لم يدفنه (٤) فيه ، بخلاف الحجاز.

فإن دفن في الحرم ، قال الشيخ : لا ينبش ، ويترك مكانه ، لعموم ورود منع النبش (٥).

وقال الشافعي : ينبش ويخرج إلى الحلّ إلاّ أن يتقطّع (٦).

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : له. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) حلية العلماء ٧ : ٧١٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٧ ، المغني ١٠ : ٦٠٥ ـ ٦٠٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١١.

(٣) في « ق » : فإن.

(٤) في « ق » : لم ندفنه.

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٩ ، منهاج الطالبين : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٨ ، التفسير الكبير ١٦ : ٢٦.

٣٣٧

ولو صالحهم الإمام على دخول الحرم بعوض ، قال الشيخ : جاز ، ووجب عليه دفع العوض. وإن كان خليفة للإمام ووافقه على عوض فاسد ، بطل المسمّى ، وله اجرة المثل (١).

ومنع الشافعي من ذلك كلّه وأبطل الصلح.

قال : فإن دخلوا إلى الموضع الذي صالحهم عليه ، لم يردّ العوض ، لأنّه حصل لهم ما صالحهم عليه ، وإنّما أوجب ما صالحهم عليه ، لأنّه لا يمكنهم الرجوع إلى عوض المثل ، فلزمهم المسمّى وإن كان الصلح فاسدا. ولو وصلوا إلى بعض ما صالحهم على دخوله ، أخرجهم ، وكان عليهم العوض بقدره (٢).

ولو صالح الإمام الرجل أو المرأة على الدخول إلى الحجاز بعوض ، جاز ، لأنّ المرأة كالرجل في المنع.

ولو صالح المرأة على سكنى دار الإسلام غير الحجاز بعوض ، لم يلزمها ذلك ، لأنّ لها المقام فيها بغير عوض ، بخلاف الحجاز.

مسألة ١٩٧ : المسجد الحرام لا يجوز لمشرك ذمّيّ أو حربيّ دخوله إجماعا ، لقوله تعالى ( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) (٣).

وأمّا مساجد الحجاز غير الحرم وسائر المساجد بالبلدان فحكمها واحد ، فذهبت الإماميّة إلى منعهم من الدخول فيها بإذن مسلم وبغير إذنه ، ولا يحلّ للمسلم الإذن فيه ـ وهو إحدى الروايتين عن أحمد (٤) ـ لأنّه‌

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٨.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٨.

(٣) التوبة : ٢٨.

(٤) المغني ١٠ : ٦٠٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٨٠.

٣٣٨

مسجد ، فلا يجوز لهم الدخول إليه ، كالحرم.

ولقوله عليه‌السلام : « جنّبوا مساجدكم النجاسة » (١).

ولأنّ منعهم كان مشهورا.

دخل أبو موسى على عمر ومعه كتاب حساب عمله ، فقال عمر : ادع الذي كتبه ليقرأه ، قال : إنّه لا يدخل المسجد ، قال : ولم لا يدخل؟ قال : لأنّه نصرانيّ ، فسكت (٢). وهو يدلّ على شهرته بينهم.

ولعدم انفكاكهم من حدث الجنابة والحيض والنفاس ، وهذه الأحداث تمنع من المقام في المسجد فحدث الشرك أولى. ولأنّهم ليسوا من أهل المساجد. ولأنّ منعهم من الدخول فيه إذلال لهم وقد أمرنا به.

وقال أكثر العامّة : يجوز لهم الدخول بإذن المسلم (٣) ، لأنّ النبي عليه‌السلام أنزل وفد ثقيف في المسجد (٤). وشدّ ثمامة بن أثال الحنفي في سارية من المسجد (٥).

ولو سلّم ، لكان في صدر الإسلام.

__________________

(١) لم نعثر عليه في المصادر الحديثيّة.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٨٠ ، المغني ١٠ : ٦٠٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٤.

(٣) أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ٢ : ٢١٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٨ ، المغني ١٠ : ٦٠٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٨٠ ، المجموع ٢ : ١٧٤.

(٤) المغازي ـ للواقدي ـ ٣ : ٩٦٤ ، السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٤ : ١٨٤ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٢٨٤ ، تاريخ الإسلام ـ للذهبي ـ ٢ : ٦٦٨ ، سنن أبي داود ٣ : ١٦٣ ـ ٣٠٢٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٤٤ ، مسند أحمد ٥ : ٢٥٣ ـ ١٧٤٥٤.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٢٥ ، و ٥ : ٢١٥ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٨٦ ـ ١٧٦٤ ، سنن النسائي ٢ : ٤٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٤٤ ، مسند أحمد ٣ : ٢٠٥ ـ ٩٥٢٣.

٣٣٩

ولو وفد قوم من المشركين إلى الإمام ، أنزلهم في فضول منازل المسلمين ، فإن لم يكن ، جاز أن ينزلهم في دار ضيافة إن كانت ، وإن لم تكن ، أسكنهم في أفنية الدور والطرقات ، ولا يمكّنهم من الدخول في المساجد بحال.

مسألة ١٩٨ : البلاد التي ينفذ فيها حكم الإسلام على أقسام ثلاثة :

أحدها : ما أنشأه المسلمون وأحدثوه واختطّوه ، كالبصرة وبغداد والكوفة ، فلا يجوز إحداث كنيسة فيها ولا بيعة ولا بيت صلاة للكفّار ، ولا صومعة راهب إجماعا ، لقول ابن عباس : أيّما مصر مصره العرب فليس لأحد من أهل الذمّة أن يبني فيه بيعة ، وما كان قبل ذلك فحقّ على المسلمين أن يقرّ لهم (١).

وفي حديث آخر : أيّما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة ، ولا يضربوا فيه ناقوسا ، ولا يشربوا فيه خمرا ، ولا يتّخذوا فيه خنزيرا (٢).

ولأنّه بلد المسلمين وملكهم ، فلا يجوز لهم أن يبنوا فيه مجامع الكفر.

ولو صالحهم على التمكّن من إحداثها ، بطل العقد.

فأمّا ما وجد من البيع والكنائس في هذه البلاد ، مثل كنيسة الروم في بغداد ، فإنّها كانت في قرى لأهل الذمّة فأقرّت على حالها ، أو كانت في برّيّة فاتّصل بها عمارة المسلمين. فإن عرف إحداث شي‌ء بعد بناء المسلمين وعمارتهم ، نقض.

__________________

(١) سنن البيهقي ١ : ٢٠١ نحوه.

(٢) سنن البيهقي ١ : ٢٠٢ ، المغني ١٠ : ٥٩٩ ـ ٦٠٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٠٩.

٣٤٠