تذكرة الفقهاء - ج ٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١

أحدها : تلتقط أيّام [ إفاقته ] (١) وتكمل سنة ، ويؤخذ منه دينار.

والثاني : لا شي‌ء.

والثالث : كالعاقل.

والرابع : ينظر إلى الأغلب.

والخامس : ينظر إلى آخر السنة ، كما في تحمّل العقل. وإذا وقع مثله في الأسر ، نظر إلى وقت الأسر (٢).

البحث الثاني : في مقدار الجزية.

مسألة ١٧٧ : اختلف علماؤنا في أنّ للجزية قدرا معيّنا لا يجوز تغييره على أقوال ثلاثة :

أحدها : أنّ فيها مقدرا ، وهو ما قدّره عليّ عليه‌السلام : على الفقير اثنا عشر درهما ، وعلى المتوسّط أربعة وعشرون ، وعلى الغني ثمانية وأربعون في كلّ سنة (٣) ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد في رواية (٤) ـ لما رواه العامّة : أنّ‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : جنونه. وما أثبتناه من المصادر.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٨ ، الوسيط ٧ : ٦٢ ـ ٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٦ ـ ٩٥ ، التهذيب ٤ : ١٢٠ ـ ٣٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ ـ ٥٤ ـ ١٧٨.

(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٧٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٩٥ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٦ ـ ١٦٣٦ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ : ٩٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٩ ،

٣٠١

النبي عليه‌السلام أمر معاذا أن يأخذ من كلّ حالم دينارا (١).

وما تقدّم (٢) من وضع علي عليه‌السلام ، وكذا وضع عمر (٣) ، ولم يخالفهما أحد ، فكان إجماعا.

الثاني : أنّه ليس فيها قدر موظّف لا قلّة ولا كثرة ، بل بحسب ما يراه الإمام من قلّة وكثرة بحسب المصلحة ، ذهب إليه أكثر علمائنا (٤) ، والثوري وأحمد في رواية (٥) ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر معاذا أن يأخذ من كلّ حالم دينارا (٦). وصالح أهل نجران على ألفي حلّة ، النصف في صفر ، والنصف في رجب (٧). وما وضعه عليّ عليه‌السلام وعمر (٨). وصالح عمر بني تغلب على مثلي ما على المسلمين من الصدقة (٩). وهو يدلّ على عدم التقدير فيه.

__________________

حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ ـ ٦٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٠٤.

(١) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٢٩١.

(٢) تقدّم في ص ٢٩١ وكذا الإشارة إلى مصادره في الهامش (٥).

(٣) الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٤٤ ـ ٤٥ ـ ١٠٤ ، سنن البيهقي ٩ : ١٩٦ ، المغني ١٠ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٢.

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٥ : ٥٤٥ ، المسألة ٩ ، وسلاّر في المراسم : ١٤١ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٠٥ ، وابن إدريس في السرائر : ١١٠ ، والمحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٣٢٨.

(٥) المغني ١٠ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٠٤.

(٦) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٢٩١.

(٧) سنن أبي داود ٣ : ١٦٧ ـ ٣٠٤١ ، سنن البيهقي ٩ : ١٩٥.

(٨) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٥) من ص ٢٩١ ، والهامش (٣) من هذه الصفحة.

(٩) الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٣٣ ـ ٣٤ ـ ٧٠ و ٧١ ، المغني ١٠ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير

٣٠٢

ومن طريق الخاصّة : رواية زرارة ـ الصحيحة ـ أنّه سأل الصادق عليه‌السلام ما حدّ الجزية على أهل الكتاب؟ وهل عليهم في ذلك شي‌ء موظّف لا ينبغي أن يجاوز إلى غيره؟ فقال : « ذلك إلى الإمام يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء على قدر ما يطيق » (١) الحديث.

الثالث : أنّها لا تتقدّر في طرف الزيادة ، وتتقدّر في طرف القلّة ، فلا يؤخذ من كلّ كتابيّ أقلّ من دينار ـ وهو قول ابن الجنيد ، وأحمد في رواية (٢) ـ لأنّ عليّا عليه‌السلام زاد على ما قرّره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينقص منه (٣) ، فدلّ على أنّ الزيادة موكولة إلى نظره دون النقصان.

وقال الشافعي : أنّها مقدّرة بدينار على الغني والفقير لا يجوز النقصان منه ، وتجوز الزيادة عليه إن بذلها الذميّ (٤).

وقال مالك : هي مقدّرة في حقّ الغني بأربعين درهما ، وفي حقّ المتوسّط بعشرين درهما ، وفي حقّ الفقير بعشرة دراهم (٥).

__________________

١٠ : ٥٩٢ ـ ٥٩٣.

(١) الفقيه ٢ : ٢٧ ـ ٩٨ ، التهذيب ٤ : ١١٧ ـ ٣٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ ـ ١٧٦ بتفاوت وزيادة.

(٢) المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٢.

(٣) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٣) من ص ٣٠١.

(٤) الامّ ٤ : ١٧٩ ، مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٩ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٩ و ٥٢٠ ، الوسيط ٧ : ٦٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٠ ، المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٤٠٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٦ ـ ١٦٣٦ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ : ٩٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١١١ و ١١٢.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٤٠٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٧ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٦ ـ ١٦٣٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٨ ، المغني ١٠ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٣ ، وفيها بعض المقصود.

٣٠٣

مسألة ١٧٨ : تجب الجزية بآخر الحول ، ويجوز أخذها سلفا‌ ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّه مال يتكرّر بتكرّر الحول ، وتؤخذ في آخر كلّ حول ، فلا تجب بأوّله ، كالزكاة والدية.

وقال أبو حنيفة : تجب بأوّله ، ويطالب بها عقيب العقد ، وتجب الثانية في أوّل الحول الثاني وهكذا ، لقوله تعالى ( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (٢) (٣).

والمراد التزام إعطائها ، لا نفس الأخذ والإعطاء حقيقة ، ولهذا يحرم قتالهم بمجرّد بذل الجزية قبل أخذها إجماعا.

إذا عرفت هذا ، فالجزية تؤخذ ممّا تيسّر من أموالهم من الأثمان والعروض على حسب قدرتهم ، ولا يلزمهم شي‌ء معيّن ، كذهب أو فضّة ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا بعث معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كلّ حالم دينارا أو عدله معافري (٥) (٦).

وأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نصارى نجران ألفي حلّة (٧).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٦٢ ، المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٤.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٦٢ ، المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥.

(٤) المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٥.

(٥) المعافري : برود باليمن منسوبة إلى معافر ، وهي قبيلة باليمن. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٣ : ٢٦٢.

(٦) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (٤) من ص ٢٩١.

(٧) سنن أبي داود ٣ : ١٦٧ ـ ٣٠٤١ ، سنن البيهقي ٩ : ١٩٥ ، المغني ١٠ : ٥٦٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٥.

٣٠٤

وكان عليّ عليه‌السلام يأخذ الجنس ، فيأخذ الحبال من صانعها ، والمسال (١) من صانعها ، والإبر من صانعها ، ثمّ يدعو الناس فيعطيهم الذهب والفضّة ، فيقتسمونه ، ثمّ يقول : « خذوا هذا (٢) فاقتسموا » فيقولون : لا حاجة لنا فيه ، فيقول : « أخذتم خياره وتركتم شراره لتحملنّه » (٣).

ولا تتداخل الجزية ، بل إذا اجتمعت عليه جزية سنتين أو أكثر ، استوفيت منه أجمع ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٤) ـ لأنّه حقّ ماليّ يجب في آخر كلّ حول ، فلا تتداخل ، كالدية والزكاة.

وقال أبو حنيفة : تتداخل ، لأنّها عقوبة ، فتتداخل ، كالحدود (٥).

والفرق : ما تقدّم.

مسألة ١٧٩ : يتخيّر الإمام في وضع الجزية إن شاء على رءوسهم ، وإن شاء على أرضيهم.

وهل له أن يجمع بينهما فيأخذ عن رءوسهم شيئا وعن أرضيهم شيئا آخر؟ منع منه الشيخان وابن إدريس (٦) ، لأنّ محمد بن مسلم سأل الصادق عليه‌السلام :

__________________

(١) المسلّة واحدة المسال ، وهي الإبر العظام. لسان العرب ١١ : ٣٤٢ « سلل ».

وفي الأموال ـ لأبي عبيد ـ : المسان ، بدل المسالّ.

(٢) كلمة « هذا » لم ترد في « ق ، ك‍ ».

(٣) الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٤٩ ـ ١١٧ ، المغني ١٠ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٥.

(٤) الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، الوسيط ٧ : ٧٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٤ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٤.

(٥) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٦١ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٧ ـ ١٦٣٧ ، الوسيط ٧ : ٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٦.

(٦) المقنعة : ٢٧٣ ، النهاية : ١٩٣ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٨ ، السرائر : ١١٠.

٣٠٥

أرأيت ما يأخذ هؤلاء من الخمس من أرض الجزية ويأخذون من الدهاقين جزية رءوسهم ، أما عليهم في ذلك شي‌ء موظّف؟ فقال : « كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم ، وليس للإمام أكثر من الجزية ، إن شاء الإمام وضع على رءوسهم ، وليس على أموالهم شي‌ء ، وإن شاء فعلى أموالهم ، وليس على رءوسهم شي‌ء » (١).

وفي حديث آخر قال : « فإن أخذ من رءوسهم الجزية فلا سبيل على أراضيهم ، وإن أخذ من أراضيهم فلا سبيل على رءوسهم » (٢).

وقال أبو الصلاح : يجوز الجمع بينهما (٣) ، لعدم تقدّر الجزية قلّة وكثرة ، فجاز أن يأخذ من أرضيهم (٤) ورءوسهم ، كما يجوز أن يضعفها (٥) على رءوسهم. ولأنّه أنسب بالصّغار.

ونقول بموجب الحديثين ، ونحملهما على ما إذا صالحهم على قدر معيّن ، فإن شاء أخذه من رءوسهم ، ولا شي‌ء حينئذ على أرضيهم (٦) ، وبالعكس.

مسألة ١٨٠ : يجوز أن يشترط عليهم في عقد الذمّة ضيافة من يمرّ بهم من المسلمين إجماعا ، بل تستحبّ ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار ـ وكانوا ثلاثمائة نفر ـ في كلّ سنة ، وأن يضيفوا من‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٦ ـ ٥٦٧ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧ ـ ٩٨ ، التهذيب ٤ : ١١٧ ـ ٣٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ ـ ١٧٦.

(٢) التهذيب ٤ : ١١٨ ـ ٣٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ ـ ١٧٧.

(٣) انظر : الكافي في الفقه : ٣٤٩.

(٤) في الطبعة الحجريّة : أراضيهم.

(٥) في الطبعة الحجريّة : يضعها.

(٦) في « ك‍ » والطبعة الحجريّة : أراضيهم.

٣٠٦

يمرّ (١) بهم من المسلمين ثلاثة أيّام ، ولا يغشوا مسلما (٢).

وشرط على نصارى نجران إقراء رسله عشرين ليلة فما دونها ، وعارية ثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين درعا مضمونة إذا كان حدث باليمن (٣).

ولأنّ الحاجة تدعو إليه ، وربّما امتنعوا من مبايعة المسلمين معاندة وإضرارا.

ولو لم يشترط الضيافة ، لم تكن واجبة ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ للأصل. ولأنّ أصل الجزية إنّما تثبت بالتراضي ، فالضيافة أولى.

وقال بعض العامّة : تجب بغير شرط (٥).

وتجوز لجميع الطارقين ، ولا تختصّ بأهل الفي‌ء ، خلافا لبعض الشافعيّة أنّه لا تجوز لغير المجاهدين (٦).

ويجب أن تكون الضيافة زائدة على أقلّ ما يجب عليهم من الجزية ـ وهو أحد قولي الشافعي (٧) ـ فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرط زيادة على الدينار الضيافة (٨). والدينار عنده مقدار (٩) الجزية (١٠). ولأنّه لو شرط الضيافة من‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : مر.

(٢) سنن البيهقي ٩ : ١٩٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٣ ، المغني ١٠ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٩.

(٣) الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٢٠١ ـ ٥٠٣.

(٤) المغني ١٠ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٩.

(٥) المغني ١٠ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٩.

(٦) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٧) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٩ ـ ٧٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٨) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٢).

(٩) في الطبعة الحجريّة : بمقدار.

(١٠) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٣٠٣.

٣٠٧

الجزية ولم يمرّ بهم أحد ، خرج الحول بغير جزية.

والثاني للشافعي : تحتسب من الدينار الذي هو قدر الجزية عنده (١) (٢).

ويجب أن تكون الضيافة المشترطة معلومة بأن يكون عدد من يطعمونه من المسلمين في كلّ سنة معلوما. ويكون أكثر الضيافة لكلّ أحد ثلاثة أيّام.

والأقرب عندي : جواز الزيادة مع الشرط.

ويجب أن يعيّن القوت قدرا وجنسا ، وعطف الدوابّ كذلك. ولا يكلّفوا الذبيحة ، ولا الضيافة بأرفع من طعامهم ، إلاّ مع الشرط.

وينبغي أن تكون الضيافة على قدر الجزية ، فيكثرها على الغني ، ويقلّلها على الفقير ، ويوسّطها على المتوسّط.

وينبغي أن يكون نزول المسلمين في فواضل منازلهم وفي بيعهم وكنائسهم. ويؤمرون بأن يوسّعوا أبواب البيع والكنائس ، وأن يعلوها ليدخلها المسلمون ركبانا ، فإن لم تسعهم بيوت الأغنياء ، نزلوا في بيوت الفقراء ولا ضيافة عليهم. وإن لم تسعهم ، لم يكن لهم إخراج أهلها منها. ومن سبق إلى منزل ، كان أحقّ به ، ولو اجتمعوا ، فالقرعة.

وإذا شرطت الضيافة وامتنع بعضهم منها ، اجبر عليها (٣). ولو امتنع الجميع (٤) ، قهروا وقوتلوا مع الحاجة ، فإن قاتلوا ، نقضوا العهد وخرقوا‌

__________________

(١) راجع المصادر المذكورة في الهامش (٤) من ص ٣٠٣.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٢.

(٣) في « ك‍ » والطبعة الحجريّة : عليهم. وفي « ق » : عليه. والأنسب بالعبارة ما أثبتناه.

(٤) في الطبعة الحجريّة : جميعهم.

٣٠٨

الذمّة ، فإن طلبوا منه بعد ذلك العقد على أقلّ ما يراه الإمام أن يكون جزية لهم ، لزمه إجابتهم ، ولا يتعيّن الدينار.

مسألة ١٨١ : مع أداء الجزية لا يؤخذ سواها ، سواء اتّجروا في بلاد الإسلام أو لم يتّجروا ، إلاّ في أرض الحجاز على ما يأتي ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لقوله تعالى ( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (٢) جعل إباحة الدم ممتدّا إلى إعطاء الجزية ، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها.

وما رواه العامّة من قوله عليه‌السلام : « فادعهم إلى الجزية ( فإن أطاعوك فاقبل منهم ) (٣) وكفّ عنهم » (٤).

ومن طريق الخاصّة : رواية محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه‌السلام في أهل الجزية أيؤخذ من أموالهم ومواشيهم شي‌ء سوى الجزية؟ قال : « لا » (٥).

وقال أحمد : إذا خرج من بلده إلى أيّ بلد كان من بلاد الإسلام تاجرا ، أخذ منه نصف العشر ، لقوله عليه‌السلام : « ليس على المسلمين عشور ، إنّما العشور على اليهود والنصارى » (٦) (٧).

__________________

(١) الوجيز ٢ : ٢٠١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٧ ، المغني ١٠ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٥.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : فإن أجابوك فدعهم.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٧ ـ ٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٣٧ ـ ٢٦١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٣ ـ ٩٥٤ ـ ٢٨٥٨ ، مسند أحمد ٦ : ٤٨٣ ـ ٢٢٤٦٩ ، و ٤٩٢ ـ ٢٢٥٢١ بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٣ : ٥٦٨ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٨ ـ ٩٩ ، التهذيب ٤ : ١١٨ ـ ٣٣٩.

(٦) سنن البيهقي ٩ : ١٩٩ و ٢١١ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٣ : ١٩٧ ، مسند أحمد ٦ : ٥٦٩ ـ ٢٢٩٧٢.

(٧) المغني ١٠ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦١٥ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٨٢.

٣٠٩

ويحتمل أن يطلق لفظ العشور على الجزية ، أو يحمل على المتّجرين بأرض الحجاز.

تذنيب : مصرف الجزية هو مصرف الغنيمة سواء ، لأنّه مال أخذ بالقهر والغلبة ، فكان مصرفه المجاهدين ، كغنيمة دار الحرب.

مسألة ١٨٢ : اختلف (١) في الصّغار. فقال ابن الجنيد : إنّه عبارة عن أن يشترط عليهم وقت العقد إجراء أحكام المسلمين عليهم إذا كانت الخصومات بينهم وبين المسلمين أو تحاكموا (٢) إلينا في خصوماتهم ، وأن تؤخذ منهم وهم قيام على الأرض.

[ و ] (٣) قال الشيخ : الصّغار التزام أحكامنا وإجراؤها (٤) عليهم (٥).

وقال الشافعي : هو أن يطأطئ رأسه عند التسليم ، فيأخذ المستوفي بلحيته ويضربه في لهازمه (٦) ، وهو واجب في أحد قوليه حتى لو وكّل مسلما بالأداء لم يجز. وإن ضمن المسلم الجزية ، لم يصحّ. لكن يجوز إسقاط هذه الإهانة مع اسم الجزية عند المصلحة بتضعيف الصدقة. ويجوز ذلك مع العرب والعجم. فيقول الإمام : أبدلت الجزية بضعف الصدقة ، فيكون ما يأخذه جزية باسم الصدقة. فيأخذ من خمس من الإبل شاتين ، ومن خمس وعشرين بنتي مخاض ، وممّا سقت السماء الخمس ، ومن مائتي درهم‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : اختلف علماؤنا.

(٢) في الطبعة الحجريّة : يتحاكموا.

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

(٤) في « ق ، ك‍ » : وجريانها.

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٣.

(٦) اللهازم : أصول الحنكين. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٤ : ٢٨١ « لهزم ».

٣١٠

عشرة دراهم ، ومن عشرين دينارا دينارا ، ويأخذ من ستّ وثلاثين بنتي لبون ، فإن لم تكن ، فبنتي مخاض ، ومع كلّ واحدة شاتان أو عشرون درهما. ولا يضعّف الجبران ثانيا. والإمام أيضا يعطي الجبران.

وهل يحطّ عنهم الوقص؟ فيه ثلاثة أوجه له : أحدها : لا يحطّ فيأخذ من عشرين شاة شاة ، ومن مائة درهم خمسة. والثاني : يحطّ. والثالث : لا يحطّ إلاّ إذا أدّى إلى التجزئة ، فيأخذ من سبع (١) من الإبل ونصف ثلاث شياه.

ثمّ على الإمام أن ينظر فيما يحصل من الصدقة ، فإن لم يف بمال الجزية إذا قوبل بعدد رءوسهم ، زاد إلى ثلاثة أضعاف وزيادة ، وله أن يقنع بنصف الصدقة [ و ] (٢) إن كان وافيا.

قال الشافعي : ويجوز أخذ العشر من بضاعة تجّار أهل الحرب وتجوز الزيادة إن رأى ، والنقصان إلى نصف العشر عن الميرة ترغيبا لهم في التكثير من كلّ ما يحتاج إليه المسلمون. وهل يجوز حطّ أصله؟ خلاف.

وأمّا الذمّيّ فلا يؤخذ من تجارته شي‌ء إلاّ أن يتّجر في الحجاز ، ففيه خلاف.

ولا يؤخذ العشر في السنة أكثر من مرّة ، وإنّما يؤخذ هذا من الحربيّ إذا دخل بهذا الشرط ، فلو دخل بأمان من غير شرط ، فأصحّ الوجهين أنّه لا شي‌ء عليهم.

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : سبعة. وما أثبتناه ـ كما هو الصحيح ـ من المصدر.

(٢) أضفناها من المصدر.

٣١١

وأمّا الخراج فإنّما يكون إذا قرّرت أملاكهم عليهم بشرط الخراج ، ويسقط بالإسلام ، فإن ملّكناها عليهم ورددناها بخراج ، فذلك اجرة لا تسقط بالإسلام كأراضي العراق (١).

مسألة ١٨٣ : إذا مات الذمّي بعد الحول ، لم تسقط عنه الجزية ، وأخذت من تركته ـ وبه قال الشافعي ومالك (٢) ـ لأنّه مال استقرّ وجوبه عليه في حال حياته ، فلا يسقط بالموت ، كسائر الديون.

وقال أبو حنيفة : تسقط ـ وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وعن أحمد روايتان ـ لأنّها عقوبة ، فسقطت بالموت (٣).

ونمنع أنّها عقوبة وإن استلزمتها ، بل معاوضة ، لأنّها وجبت لحقن الدماء والمساكنة ، والحدّ يسقط بالموت ، لفوات محلّه وتعذّر استيفائه ، بخلاف الجزية.

ولو مات في أثناء الحول ، ففي مطالبته بالقسط نظر أقربه : المطالبة ـ وبه قال ابن الجنيد ـ لأنّ الجزية معاوضة عن المساكنة ، وإنّما أخّرنا المطالبة إرفاقا ، ولو لم يمت لم يطالب في أثناء السنة مع عقد العهد على أخذها في آخر السنة ، عملا بالشرط.

__________________

(١) الوجيز ٢ : ٢٠٠ ـ ٢٠١.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ ـ ٧٠٣ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ و ٥٢٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٤.

٣١٢

وتقدّم الجزية على وصاياه. والوجه : مساواتها للدّين ، فتقسّط التركة عليهما مع القصور.

ولو لم يخلّف شيئا ، لم يطالب ورثته بشي‌ء.

ولو مات قبل الحول ، لم يؤخذ من تركته شي‌ء أيضا.

ولو أفلس ، ضرب الإمام مع الغرماء بقدر الجزية.

ولو مات الذمّيّ وقد استسلف منه عن السنة المقبلة ، ردّ على ورثته بقدر ما بقي من السنة.

مسألة ١٨٤ : لو أسلم الذميّ في أثناء الحول ، سقطت الجزية إجماعا منّا.

وإن أسلم بعد الحول ، قال الشيخان وابن إدريس : تسقط (١) ـ وبه قال مالك والثوري وأبو عبيد وأحمد وأصحاب الرأي (٢) ـ لقوله تعالى ( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) (٣) أوجب الأخذ حالة الصّغار ، ولا يتحقّق في حقّ المسلم ، فلا تثبت الجزية أيضا.

ولقوله تعالى ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) (٤) وهو عامّ.

__________________

(١) المقنعة : ٢٧٩ ، النهاية : ١٩٣ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٢ ، السرائر : ١١٠.

(٢) مقدمات ـ لابن رشد ـ : ٢٨٤ ، التفريع ١ : ٣٦٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٧ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٦ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٦١ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١.

(٣) التوبة : ٢٩.

(٤) الأنفال : ٣٨.

٣١٣

وقوله عليه‌السلام : « ليس على المسلم جزية » (١).

وأسلم ذمّيّ فطولب بالجزية وقيل له : إنّما أسلمت تعوّذا ، قال : إنّ في الإسلام معاذا ، فرفع إلى عمر ، فقال عمر : إنّ في الإسلام معاذا ، وكتب أن لا تؤخذ منه الجزية (٢).

ولأن الجزية صغار ، فلا تؤخذ ، كما لو أسلم قبل الحول.

وللشيخ قول آخر : لا تسقط (٣) ، وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر ، لأنّها دين مستحقّ واستحقّت المطالبة به ، فلا يسقط بالإسلام ، كالخراج والدين (٤).

والفرق : أنّها عقوبة بسبب الكفر وصغار ، بخلاف الدّين.

ولا فرق بين أن يسلم لتسقط عنه الجزية أو لا لذلك.

وفرّق الشيخ ، فأوجب الجزية على التقدير الأوّل دون الثاني ، كما لو زنى ذمّيّ بمسلمة ، لا يسقط عنه القتل بإسلامه (٥).

ولو أسلم في أثناء الحول ، سقطت عنه الجزية ، وهو أحد قولي‌

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ : ١٧١ ـ ٣٠٥٣ ، سنن الدار قطني ٤ : ١٥٦ و ١٥٧ ـ ٦ و ٧ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٣ : ١٩٧ ، مسند أحمد ١ : ٣٦٨ ـ ١٩٥٠.

(٢) الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٥٢ ـ ١٢٢ ، المغني ١٠ : ٥٧٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٧.

(٣) الخلاف ٥ : ٥٤٧ ، المسألة ١١.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٢ ، التنبيه : ٢٣٨ ، حلية العلماء ٧ : ٧٠٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥ ، الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ١٤٥ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٦.

(٥) التهذيب ٤ : ١٣٥.

٣١٤

الشافعي (١). والثاني : يؤخذ منه القسط (٢).

ولو استسلف منه [ الجزية ] (٣) ثمّ أسلم في أثناء الحول ، ردّ عليه قسط باقي الحول.

وهل يردّ لما مضى؟ الأقرب : عدمه.

والفرق بين أن يأخذ منه وأن لا يأخذ ظاهر ، لتحقّق الصّغار للمسلم في الثاني دون الأوّل.

البحث الثالث : فيما يشترط على أهل الذمّة‌

مسألة ١٨٥ : لا يجوز عقد الذمّة المؤبّدة إلاّ بشرطين : التزام إعطاء الجزية في كلّ حول ، والتزام أحكام الإسلام بمعنى وجوب قبولهم لما يحكم به المسلمون من أداء حقّ أو ترك محرّم.

وعقد الذمّة والهدنة لا يصحّ إلاّ من الإمام أو نائبه إجماعا.

ولو شرط عليهم في الذمّة [ شرطا ] (٤) فاسدا ، مثل أن لا جزية عليهم ، وأن يظهروا المناكير ، أو أن يسكنوا الحجاز ، أو يدخلوا الحرم أو المساجد ، أو‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٢ ، التنبيه : ٢٣٨ ، الوجيز ٢ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، معالم السنن ـ للخطابي ـ ٤ : ٢٥٥.

(٢) مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٣ و ٣١٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٢ ، التنبيه : ٢٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠١ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٦.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : الحربي. وذلك تصحيف.

وما أثبتناه ـ كما في منتهى المطلب ٢ : ٩٦٨ ـ هو الصحيح.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : عقدا. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٣١٥

عدم الالتزام بأحكام الإسلام ، لم يصحّ الشرط إجماعا. والأقرب : فساد العقد أيضا.

وينبغي للإمام أن يشترط عليهم كلّ ما فيه نفع المسلمين ورفعتهم.

قال ابن الجنيد : اختار أن يشترط عليهم أن لا يظهروا سبّا لنبيّنا عليه‌السلام ، ولا لأحد من الأنبياء والملائكة ، ولا سبّ أحد من المسلمين ، ولا يطعنوا في شي‌ء من الشرائع ، ولا يظهروا شركهم في عيسى والعزير ، ولا يرعون خنزيرا في شي‌ء من أمصار الإسلام ، ولا يمثلوا ببهيمة ولا يذبحوها إلاّ من حيث نصّ لهم في كتبهم على مذبحها ، ولا يقرّبوها لصنم ولا لشي‌ء من المخلوقات ، ولا يربوا (١) مسلما ، ولا يعاملوه في بيع ولا إجارة ولا مساقاة ولا مزارعة معاملة لا يجوز للمسلمين ، ولا يسقوا مسلما خمرا ، ولا يعطوه محرّما ، ولا يقاتلوا مسلما ، ولا يعاونوا باغيا ، ولا ينقلوا أخبار المسلمين إلى أعدائهم ، ولا يدلّوا على عوراتهم ، ولا يحيوا من بلاد المسلمين (٢) شيئا إلاّ بإذن وإليهم ، فإن فعلوا ، كان للوالي إخراجه من أيديهم ، ولا ينكحوا مسلمة بعقد ولا غيره ، ويشترط عليهم أيضا كلّ ما قلنا إنّه ليس بجائز لهم فعله ، كدخول الحرم ، وسكنى الحجاز ، وغيرهما ، يقال (٣) : فمن فعل شيئا من ذلك فقد نقض عهده ، وأحلّ دمه وماله ، وبرئت منه ذمّة الله وذمّة رسوله (٤) والمؤمنين.

مسألة ١٨٦ : جملة ما يشترط على أهل الذمّة ينقسم ستّة :

__________________

(١) في متن الطبعة الحجريّة : ولا يرثوا. وما أثبتناه هو الموافق لما في هامشها بعنوان نسخة بدل ، وما في منتهى المطلب ـ للمصنّف ـ ٢ : ٩٦٩.

(٢) في الطبعة الحجريّة : بلاد الإسلام.

(٣) كذا ، وفي منتهى المطلب ـ للمصنّف ـ ٢ : ٩٦٩ : ثمّ يقال.

(٤) في الطبعة الحجريّة : ذمّة الله ورسوله.

٣١٦

الأوّل : ما يجب شرطه ، ولا يجوز تركه ، وهو أمران : أحدهما : شرط الجزية عليهم ، وثانيهما : التزام أحكام الإسلام ، ولا بدّ منهما معا لفظا ونطقا ، ولا يجوز الإخلال بهما ولا بأحدهما ، فإن أغفل أحدهما ، لم تنعقد الجزية ، لقوله تعالى ( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) (١) والصّغار هو التزام أحكام الإسلام.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « ولو منع (٢) الرجال وأبوا أن يؤدّوا الجزية ، كانوا ناقضين للعهد ، وحلّت دماؤهم وقتلهم » (٣).

الثاني : ما لا يجب شرطه لكنّ الإطلاق يقتضيه ، وهو : أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان من العزم على حرب المسلمين أو إمداد المشركين بالإعانة على حرب المسلمين ، لأنّهم إذا قاتلونا ، وجب علينا قتالهم ، وهو ضدّ الأمان.

وهذان القسمان ينتقض العهد بمخالفتهما ، سواء شرط ذلك في العقد أو لا.

الثالث : ما ينبغي اشتراطه فيما يجب عليهم الكفّ ، وهو سبعة : ترك الزنا بالمسلمة وعدم إصابتها باسم النكاح ، وأن لا يفتنوا مسلما عن دينه ، ولا يقطع عليه الطريق ، ولا يؤوي عين المشركين ، ولا يعين على المسلمين بدلالة أو بكتابة كتاب إلى أهل الحرب بأخبار المسلمين ويطلعهم على عوراتهم ، ولا يقتلوا مسلما ولا مسلمة ، فإن فعلوا شيئا من ذلك وكان تركه شرطا في العقد ، نقضوا العهد ، وإلاّ فلا.

__________________

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) في الكافي والتهذيب : امتنع.

(٣) الكافي ٥ : ٢٩ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨ ـ ١٠٢ ، التهذيب ٦ : ١٥٦ ـ ٢٧٧.

٣١٧

ثمّ إن أوجب ما فعلوه حدّا ، حدّهم الإمام ، وإن لم يوجبه ، عزرهم بحسب ما يراه.

وللشافعي قول آخر : إنّه لا يكون نقضا للعهد مع الشرط ، لأنّ كلّ ما لا يكون فعله نقضا للعهد (١) إذا لم يشترط (٢) لم يكن نقضا وإن اشترط (٣) ، كإظهار الخمر والخنزير (٤).

ونمنع الكلّية وثبوت الحكم في الأصل.

وقال أبو حنيفة : لا ينتقض العهد إلاّ بالامتناع من الإمام على وجه يتعذّر معه أخذ الجزية منهم (٥).

وليس بجيّد ، لأنّ الأمان وقع على هذا الشرط ، فيبطل ببطلانه.

ولأنّ عمر رفع إليه رجل قد أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا ، فقال : ما على هذا صالحناكم. ثمّ أمر به فصلب في بيت المقدس (٦).

الرابع : ما فيه غضاضة على المسلمين ، وهو ذكر ربّهم أو كتابهم أو نبيّهم أو دينهم بسوء.

فإن نالوا بالسبّ لله تعالى أو رسوله ، وجب قتلهم ، وكان نقضا للعهد.

وإن نالوا بدون السبّ أو ذكروا دين الإسلام أو كتاب الله تعالى بما‌

__________________

(١) كلمة « للعهد » لم ترد في « ق ، ك‍ ».

(٢ و ٣) في « ق ، ك‍ » : لم يشرط .. شرط.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٨ ، التنبيه : ٢٣٩ ، الوسيط ٧ : ٨٥ ، حلية العلماء ٧ : ٧١١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٦.

(٥) المغني ١٠ : ٥٩٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢٣.

(٦) المغني ١٠ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢٣.

٣١٨

لا ينبغي ، فإن كان قد شرط عليهم الكفّ عن ذلك ، كان نقضا للعهد ، وإلاّ فلا.

وقال بعض الشافعيّة : يجب شرط ذلك ، فإن أهمل ، فسد عقد الذمّة ، لأنّه ممّا يقتضيه الصّغار (١).

الخامس : ما يتضمّن المنكر ولا ضرر فيه على المسلمين ، وهو : أن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة في دار الإسلام ، ولا يرفعوا أصواتهم بكتبهم ، ولا يضربوا الناقوس ، ولا يطيلوا أبنيتهم على بناء المسلمين ، ولا يظهروا خمرا ولا خنزيرا في دار الإسلام. فهذا كلّه يجب عليهم الكفّ عنه ، سواء شرط عليهم أو لا ، فإن خالفوا وكان مشروطا عليهم ، انتقض أمانهم ، وإلاّ فلا ، بل يجب الحدّ أو التعزير ، لما رواه العامّة عن عمر ، قال : من ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده (٢).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الجزية من أهل الجزية (٣) على أن لا يأكلوا الربا ، ولا يأكلوا لحم الخنزير ، ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ ، فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمّة الله وذمّة رسوله (٤) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : ليست لهم اليوم ذمّة » (٥).

ولأنّه عقد منوط بشرط ، فمتى لم يوجد الشرط زال حكم العقد ، كما لو امتنع من التزام قبول الجزية.

__________________

(١) انظر : المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٨ ، وحلية العلماء ٧ : ٧١٢.

(٢) المغني ١٠ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٦٢٣.

(٣) في المصدر : أهل الذمّة.

(٤) في التهذيب والطبعة الحجريّة : رسول الله.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٧ ـ ٩٧ ، التهذيب ٦ : ١٥٨ ـ ٢٨٤.

٣١٩

وقال الشيخ : لا يكون نقضا للعهد وإن شرط عليهم (١). وبه قال الشافعي (٢).

قال بعض أصحابه : إنّما لا يكون نقضا ، لأنّه لا ضرر على المسلمين فيه (٣).

وقال آخرون : لا يكون نقضا ، لأنّهم يتديّنون به (٤).

إذا عرفت هذا ، فكلّ موضع قلنا : إنّه ينتقض عهدهم فأوّل ما يعمل أنّه يستوفي منهم موجب الجرم ، ثمّ بعد ذلك يتخيّر الإمام بين القتل والاسترقاق والمنّ والفداء.

ويجوز له أن يردّهم إلى مأمنهم في دار الحرب ويكونوا حربا لنا يفعل ذلك ما يراه صلاحا للمسلمين ، قاله الشيخ (٥).

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّه يردّ إلى مأمنه ، لأنّه دخل دار الإسلام بأمان ، فوجب ردّه ، كما لو دخل بأمان صبي.

والثاني : يكون للإمام قتله واسترقاقه ، لأنّه كافر لا أمان له ، فأشبه الحربيّ المتلصّص (٦). وهو الأقرب عندي ، لأنّه فعل ما ينافي الأمان ، بخلاف من أمّنه صبي ، فإنّه يعتقده أمانا.

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٤.

(٢) المهذب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٥ ، منهاج الطالبين : ٣١٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٥.

(٣ و ٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٥.

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٤.

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٧ : ٧١٢ ـ ٧١٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٤٩ ـ ٥٥٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٥١٧.

٣٢٠