تذكرة الفقهاء - ج ٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١

لإقامة السنّة.

ولو سلّم في بعض الأحوال التي لا يستحبّ فيها السلام ، فالوجه : وجوب الردّ ، عملا بالعموم ، خلافا للشافعيّة (١).

وإذا سلّم على المصلّي ، وجب عليه الجواب.

وقالت الشافعيّة : لا يجيب حتى يفرغ من الصلاة ، ويجوز أن يجيب في الصلاة بالإشارة (٢).

وعندنا يجيب بمثل ما سلّم عليه ، فيقول في الجواب : السلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم السلام.

وأمّا من يقضي الحاجة ، فالقرب منه ومكالمته بعيد عن الأدب والمروءة.

وأمّا الحمّام : فإنّه موضع التنظيف والدلك ، فلا تليق التحيّة بحالهم.

والمشغول بالأكل إن كانت اللقمة في فيه واحتاج في المضغ والبلع إلى زمان يمنعه عن الجواب ، لم يسنّ التسليم عليه ، وأمّا بعد الابتلاع وقبل وضع لقمة أخرى في فيه (٣) فلا منع.

وبعض الشافعيّة منع مطلقا (٤). وبعضهم سوّغه مطلقا (٥).

ولا يمنع المعامل وقت المعاملة والمساومة من التسليم عليه ، لأنّ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣ ، المغني ١ : ٧٤٧ ، التفسير الكبير ١٠ : ٢١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ و ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣ ، المجموع ٤ : ١٠٣ ، المغني ١ : ٧٤٧ و ٧٤٨.

(٣) في « ق » : فمه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧١ ـ ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣٣.

٢١

أغلب أحوال الناس ذلك.

ولا بدّ في السلام وجوابه من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع.

وصيغته : السلام عليكم. ويقوم مقامه : سلام عليكم. ولو قال : عليكم السلام ، لم يكن مسلما ، إنّما هي صيغة جواب. ويراعى صيغة الجمع وإن كان السلام على واحد خطابا له. ولو أخلّ بصيغة الجمع ، حصل أصل السنّة.

وصيغة الجواب : وعليكم السلام. ولو قال : وعليك السلام ، للواحد ، جاز. ولو ترك حرف العطف وقال : عليكم السلام ، فهو جواب ، خلافا لبعض الشافعيّة (١).

ولو تلاقى اثنان فسلّم كلّ واحد منهما على الآخر ، وجب على كلّ واحد منهما جواب الآخر ، ولا يحصل الجواب بالسلام وإن ترتّب السلامان.

ولو قال المجيب : وعليك ، ففي كونه جوابا نظر من حيث إنّه لا تعرّض للسلام فيه ، ومن حيث إنّه يكون جوابا للعطف ورجوعا إلى قول : السلام. ولو قال : عليكم ، لم يكن جوابا.

وكمال السلام أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكمال الجواب أن يقول : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

وينبغي أن يكون الجواب متّصلا بالسلام ليعدّ جوابا له ، كما في قبول الإيجاب في العقود.

ولو ناداه من وراء ستر أو حائط وقال : السلام عليكم يا فلان ، أو‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٢٩.

٢٢

كتب كتابا وسلّم فيه عليه ، أو أرسل رسولا فقال : سلّم على فلان ، فبلغه الكتاب والرسالة ، قال بعض الشافعية : يجب عليه الجواب ، لأنّ تحيّة الغائب إنّما تكون بالمناداة أو الكتاب أو الرسالة ، وقد قال تعالى ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ ) (١) الآية (٢).

والوجه أنّه إن سمع النداء ، وجب الجواب ، وإلاّ فلا.

وما يعتاده الناس من السلام عند القيام ومفارقة الجماعة دعاء لا تحيّة يستحبّ الجواب عنه ولا يجب.

ويكره أن يخصّ طائفة من الجمع بالسلام. ولو سلّم عليه جماعة فقال : وعليكم السلام ، وقصد الردّ عليهم جميعا ، جاز ، وسقط الفرض في حقّ الجميع.

ويستحبّ أن يسلّم الراكب على الماشي ، والقائم على الجالس ، والطائفة القليلة على الكثيرة. ولا يكره أن يبتدئ الماشي والجالس.

ولو سلّم على الأصمّ ، أتى باللفظ ، لقدرته عليه ، وأشار باليد ليحصل الإفهام. ولو لم يضمّ الإشارة ، لم يستحقّ الجواب. وكذا في جواب الأصمّ ينبغي أن يجمع بين اللفظ والإشارة.

وسلام الأخرس بالإشارة معتدّ به ، وكذا ردّه السلام.

ولا يجب على الصبي ردّ السلام ، لأنّه ليس مكلّفا. ولو سلّم على جماعة فيهم صبي فردّ الصبي ، لم يسقط الفرض بجوابه. ولو سلّم الصبي ،

__________________

(١) النساء : ٨٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٢٨ ، الأذكار ـ للنووي ـ : ٢٦١ ، التفسير الكبير ١٠ : ٢١٥.

٢٣

فالأقرب وجوب الردّ عليه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (١).

وسلام النساء على النساء كسلام الرجال على الرجال. ولو سلّم رجل على امرأة أو بالعكس ، فإن كان بينهما زوجيّة أو محرميّة أو كانت عجوزا خارجة عن مظنّة الفتنة ، ثبت استحقاق الجواب ، وإلاّ فلا.

ويستحبّ لمن دخل دار نفسه أن يسلّم على أهله. وكذا من دخل مسجدا أو بيتا لا أحد فيه يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ولا يسلّم على أهل الذمّة ابتداء. ولو سلّم عليه ذمّيّ أو من لم يعرفه فبان ذمّيّا ، ردّ بغير السلام بأن يقول : هداك الله ، أو : أنعم الله صباحك ، أو : أطال الله بقاءك. ولو ردّ بالسلام ، لم يزد في الجواب على قوله : وعليك.

والتحيّة بتقبيل اليد وانحناء الظهر لا أصل له في الشرع ، لكن لا يمنع الذمّيّ من تعظيم المسلّم بهما. ولا يكره التعظيم بهما لزهد وعلم وكبر سنّ. وروي أنّ أعرابيّا قعد عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستحسن كلامه ، فاستأذنه في أن يقبّل وجهه ، فأذن له ، ثمّ استأذن في أنّ (٢) يقبّل يده ، فأذن له ، ثمّ استأذنه في أن يسجد له ، فلم يأذن له (٣).

وتستحبّ المصافحة.

ويكره للداخل أن يطمع في قيام القوم لكن يستحبّ لهم أن يكرموه.

والأقرب : جواز السلام بالفارسيّة.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٣١.

(٢) في الطبعة الحجرية : ثم استأذنه إن.

(٣) أورده ـ كما في المتن ـ الرافعي في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٧٥ ، ورواه الحاكم في المستدرك ٤ : ١٧٢ ، وأبو نعيم في دلائل النبوّة ٢ : ٥٠٢ ـ ٥٠٣ ـ ٢٩١ نحوه.

٢٤

مسألة ١١ : روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « حقّ المؤمن على المؤمن ستّ : أن يسلّم عليه إذا لقيه ، وأن يجيبه إذا دعاه ، وأن يسمّته إذا عطس ، وأن يعوده إذا مرض ، وأن يشيّع جنازته إذا مات ، وأن لا يظنّ فيه إلاّ خيرا » (١).

واستحباب التسميت على الكفاية. وإنّما يستحبّ إذا قال العاطس : الحمد لله ، فيقول المسمّت له : يرحمك الله ، أو ما شابهه. ويكرّر التسميت إذا تكرّر العطس إلاّ أن يكون لمرض ، فيقول : عافاك الله.

ويستحبّ للعاطس أن يجيبه ، فيقول : يغفر الله لك ، وشبهه. ولا يجب الجواب هنا ، بخلاف ردّ السلام ، لأنّ التسميت إنّما هو للعاطس ولا عطاس بالمسمّت ، والتحيّة تشمل الطرفين.

وتستحبّ زيارة القادم ومعانقته ، فإنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عانق جعفرا ـ لمّا قدم من الحبشة (٢).

مسألة ١٢ : يسقط فرض الجهاد بالعجز ، وهو قسمان‌ : حسّي ، كالمرض والفقر والصبا والجنون والأنوثة والعرج المانع من المشي‌ سواء قدر على الركوب أو لا ، لأنّ الدابّة قد تهلك.

وللشافعيّة وجه : أنّ العرج لا يؤثّر في حقّ الراكب مع قدرته على الركوب (٣). وليس بشي‌ء.

ولا فرق بين أن يكون العرج في رجل واحدة أو في الرّجلين معا.

__________________

(١) مسند أحمد ٢ : ٦١٦ ـ ٦١٧ ـ ٨٠٧٢ ، شعب الإيمان ـ للبيهقي ـ ٦ : ٤٢٥ ـ ٨٧٥٣ بتفاوت.

(٢) أسد الغابة ١ : ٢٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٢.

٢٥

وقال أبو حنيفة : لا أثر للعرج في رجل واحدة (١).

ولا جهاد على الأقطع والأشلّ ، لعدم تمكّنهما من الضرب والاتّقاء. ومفقود معظم الأصابع كالأقطع ولا يسقط عن الأعشى وضعيف البصر إذا كان يدرك الشخص ويمكنه أن يتّقي السلاح.

ويسقط عن الفقير ، وهو الذي لا يجد ما ينفق في طريقه ذهابا وعودا ولا ما يركب عليه.

ويشترط نفقة أهله وعياله ذهابا وعودا. ومن لا أهل له ولا عشيرة يشترط في حقّه نفقة الإياب أيضا.

وقال بعض الشافعيّة : لا يشترط ، لأنّ سفر الغزو سفر الموت (٢).

وهو غلط ، لأنّ الغالب في الظنّ الإياب ، ولأنّ وجود ذلك معه يوجب له نشاطا وقوّة.

ولو كان القتال على رأس البلد أو قريبا منه ، لم يشترط نفقة الطريق.

ويجب اشتراط الراحلة مع الحاجة. ويجب أن يكون جميع ذلك فاضلا عن نفقة من تلزمه نفقته.

ولا يشترط أمن الطريق من طلائع الكفّار ، لأنّا مأمورون بقتالهم.

ولو كان (٣) من متلصّصي المسلمين ، فللشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّه يمنع الوجوب ، كما في الحجّ ، وأصحّهما : أنّه لا يمنع ، لأنّ قتال المتلصّص أهمّ وأولى (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٢.

(٣) أي الخوف.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٢.

٢٦

ولو بذل للفقير ما يحتاج إليه ، لم يجب القبول إلاّ أن يكون الباذل الإمام ، فعليه أن يقبل ويجاهد ، لأنّ ما يأخذه من الإمام حقّه.

والذمّي لا يكلّف الخروج إلاّ مع الحاجة ، لأنّه بذل الجزية لنذب عنه لا ليذبّ عنّا.

القسم الثاني : المانع الشرعي مع القدرة. وأقسامه ثلاثة :

الأوّل : الرقّ ، فلا يجب على العبد وإن أمره سيّده بذلك ، لأنّه ليس من أهل الجهاد ، والملك لا يقتضي التعرّض للهلاك ، وليس القتال من الاستخدام المستحقّ للسيّد على العبد ، ولا يلزمه الذبّ عن سيّده عند الخوف على روحه إذا لم يجب الدفع عن الغير ، بل السيّد في ذلك كالأجانب. نعم ، للسيّد استصحابه في سفر الجهاد وغيره ليخدمه ويسوس دوابّه ويحفظ متاعه.

والمدبّر والمكاتب والمتحرّر بعضه كالقنّ.

الثاني : الدّين ، فلا يجب على من عليه دين حالّ لمسلم أو ذمّي الخروج إلى الجهاد مع قدرته على الدّين إلاّ بإذن ربّ الدّين. وله منعه منه ، لأنّ مطالبته تتوجّه عليه ، والحبس إن امتنع من أدائه ، ولأنّ الدّين فرض متعيّن عليه ، فلا يترك بفرض الكفاية.

ولو كان معسرا ، فالوجه : أنّه ليس له منعه من الجهاد ، لأنّه لا مطالبة له عليه في الحال ، وهو أحد قولي الشافعيّة ، ومذهب مالك. والثاني : المنع ، لأنّه يرجو اليسار فيؤدّي وفي الجهاد خطر الهلاك (١).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣ ، المغني ١٠ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٦.

٢٧

ولو استناب المديون من يقضي الدّين من مال حاضر ، فله الخروج ، لأنّ صاحب الدّين يصل إلى حقّه في الحال ، أمّا لو أمره بالقضاء من مال غائب ، فإنّه لا يجوز له الخروج بغير إذنه ، لأنّه قد لا يصل إليه.

وإذا أذن ربّ المال في الخروج ، جاز له ، ولحق بأصحاب فرض الكفاية ، وهو أحد قولي الشافعيّة (١).

ولو كان الدّين مؤجّلا ، فليس لصاحبه منعه من الخروج ، كما ليس له منعه من الأسفار ، وهو أحد قولي الشافعيّة وقول مالك. والثاني : أنّ له منعه ـ وبه قال أحمد ـ لأنّ الجهاد يقصد فيه الشهادة التي تفوت بها النفس ، فيفوت الحقّ بفواتها (٢).

وروي أنّ رجلا جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا يكفّر عنّي خطاياي؟ قال : « نعم ، إلاّ الدّين ، فإنّ جبرئيل قال لي ذلك » (٣).

وفوات النفس غير معلوم ، ولا دلالة في الحديث على المطلوب.

وللشافعيّة طريقة أخرى هي أنّه إن لم يخلّف وفاء ، فليس له الخروج إلاّ بإذن ربّ الدّين ، وإن خلّف ، فوجهان ، لأنّه قد يتلف ولا يصل إلى ربّ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٤٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣ ، المغني ٤ : ٥٤٩ ، و ١٠ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٤ ـ ٤٩٥ و ١٠ : ٣٧٦.

(٣) الموطأ ٢ : ٤٦١ ـ ٣١ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥٠١ ـ ١٨٨٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٢١٢ ـ ١٧١٢ ، سنن النسائي ٦ : ٣٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٥ ، مسند أحمد ٦ : ٤٠٣ ـ ٢٢٠٣٦ و ٤١٢ ـ ٢٢٠٧٩ و ٤١٩ ـ ٤٢٠ ـ ٢٢١٢٠ بتفاوت.

٢٨

الدّين (١).

ولبعضهم وجه آخر : إن كان الأجل يدوم إلى أن يرجع ، فلا منع ، وإن كان يحلّ قبل أن يرجع ، فوجهان (٢).

وهل ركوب البحر كسفر الجهاد؟ قال بعض الشافعيّة : نعم ، لخطره (٣).

وليس بجيّد ، لأنّ راكب البحر يغلب السلامة ويطلب الغنيمة ، والغازي يعرّض نفسه للشهادة.

الثالث : الأبوّة ، فمن كان له أبوان مسلمان أو أحدهما ليس له الجهاد إلاّ بإذنهما أو بإذن الحيّ منهما ، سواء الأب والامّ في ذلك ، وهو قول عامّة أهل العلم (٤) ، لما رواه ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله أجاهد؟ فقال : « ألك أبوان؟ » قال : نعم ، قال : « ففيهما فجاهد » (٥).

وفي رواية : جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبويّ يبكيان ، قال :

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣.

(٤) الوجيز ٢ : ١٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٨١ ، بدائع الصنائع ٧ : ٩٨ ، المغني ١٠ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٧.

(٥) سنن أبي داود ٣ : ١٧ ـ ٢٥٢٩ ، المغني ١٠ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ ـ ٣٧٧ ، ونحوه في سنن الترمذي ٤ : ١٩١ ـ ١٩٢ ـ ١٦٧١ ، وفيها عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وقال صاحب المغني بعد نقل هذا الحديث : وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله. وقال صاحب الشرح الكبير : وروى ابن عباس نحوه.

وكذا قال الترمذي في ذيل الحديث المزبور : وفي الباب عن ابن عباس.

٢٩

« ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما » (١).

وهاجر رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هل لك باليمن أحد؟ » قال : نعم ، أبواي ، قال : « أذنا لك؟ » قال : لا ، قال : « فارجع فاستأذنهما ، فإن أذنا لك فجاهد ، وإلاّ فبرّهما » (٢).

ولأنّ الجهاد فرض كفاية وبرّ الوالدين فرض عين ، فيقدّم وهو بشرط الإسلام.

ولو كانا مشركين أو الحيّ منهما ، لم يفتقر إلى إذنهما ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٣) ـ للتهمة الظاهرة بالميل إلى ملّته في الكفر ، وكان ولد عبد الله بن أبيّ بن سلول يغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومعلوم أنّ أباه كان يكره ذلك ، فإنّه كان يخذل الأجانب ويمنعهم عن الجهاد (٤) ، وكذا أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يجاهدون وفيهم من له أبوان كافران من غير استئذانهما ، منهم أبو بكر ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر وأبوه رئيس المشركين يومئذ قتل ببدر ، وأبو عبيدة قتل أباه في الجهاد فأنزل الله تعالى ( لا تَجِدُ قَوْماً ) (٥) (٦) الآية.

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ : ١٧ ـ ٢٥٢٨ ، سنن النسائي ٧ : ١٤٣ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٦ ، مسند أحمد ٢ : ٣٤٢ ـ ٦٤٥٤ و ٤٠٠ ـ ٦٧٩٤.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ١٧ ـ ١٨ ـ ٢٥٣٠ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ١٣١ ـ ٢٣٣٤ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣ ، المغني ١٠ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٣.

(٥) المجادلة : ٢٢.

(٦) أسباب النزول ـ للنيسابوري ـ : ٢٣٦ ، التفسير الكبير ٢٩ : ٢٧٦ ، الجامع لأحكام القرآن ١٧ : ٣٠٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٣ ، المغني ١٠ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٨.

٣٠

وقال الثوري : ولا يغزو إلاّ بإذنهما ، لعموم الأخبار (١). وهو مخصوص بما قلناه.

فروع :

أ ـ لو كان أبواه رقيقين ، فعموم كلام الشيخ (٢) يقتضي اعتبار إذنهما ، للعموم ، ولأنّهما مسلمان فأشبها الحرّين.

ويحتمل عدم اعتبار إذنهما ، لانتفاء ولايتهما.

ب ـ لو كانا مجنونين ، فلا عبرة بإذنهما.

ج ـ هل الجدّان كالأبوين؟ الأقرب ذلك. وللشافعيّة وجهان (٣).

ولو كانا مع الأبوين ، ففي اشتراط إذن الجدّ مع الأب والجدّة مع الأمّ إشكال ينشأ من أنّ القريب يحجب البعيد ، ومن أنّ البرّ إلى البعيد لا يخصّ بحالة فقدان القريب.

د ـ لو تعيّن الجهاد عليه ، لم يعتبر إذن الأبوين ولا غيرهما من أصحاب الدّين والسيّد ، وكذلك كلّ الفرائض لا طاعة لهما في تركها ، كالصلاة والحجّ ، لأنّه عبادة تعيّنت عليه ، فلا يعتبر إذن الأبوين فيها ، وقال تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (٤) ولم يشترط إذن الأبوين.

هـ ـ لو أذن أبواه في الغزو وشرطا عليه ترك القتال فحضر ، تعيّن عليه وسقط شرطهما ـ وبه قال الأوزاعي وأحمد وابن المنذر (٥) ـ لأنّه صار‌

__________________

(١) المغني ١٠ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٨.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٣.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) المغني ١٠ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٧٩.

٣١

واجبا ، فلم يبق لهما في تركه طاعة.

ولو خرج بغير إذنهما فحضر القتال ثمّ بدا له الرجوع ، لم يجز له ذلك.

و ـ ليس للأبوين المنع من سفر الحجّ الواجب ، لأنّه على الفور ، وليس الخوف فيه كالخوف في الغزو.

وللشافعي قول إنّ لهما المنع ، لأنّ الحجّ على التراخي وبرّ الوالدين على الفور (١). والصغرى ممنوعة.

وكذا ليس لهما المنع من سفره في طلب العلم الواجب عليه ، ولا يجب عليه استئذانهما كالحجّ.

ولو كان فرض كفاية بأن خرج طالبا لدرجة الفتوى وفي بلده من يشتغل بالفتوى ، احتمل أنّ لهما المنع ، لتعيّن البرّ عليه ، وعدمه ، لبعد الحجر على المكلّف وحبسه.

ولو لم يكن هناك من يشتغل بالفتوى لكن خرج مع جماعة لذلك ، فالأقرب عدم الاحتياج إلى الإذن ، لأنّه لم يوجد في الحال من يقوم بالغرض ، والخارجون معه قد لا يحصل لهم المقصود. ولو لم يخرج معه أحد ، لم يفتقر إلى الإذن ، لأنّه يؤدّي فرضا ، كما لو خرج لغزو تعيّن عليه.

ولو أمكنه التعلّم في بلده ، فإن توقّع في سفره زيادة فراغ أو إرشاد أستاذ ، احتمل عدم افتقاره إلى الإذن.

وأمّا سفر التجارة : فإن كان قصيرا ، لم يمنع منه ، وإن كان طويلا وفيه خوف ، اشترط إذنهما ، وإلاّ احتمل ذلك تحرّزا من تأذّيهما. ولأنّ لهما منعه‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٠ ، المجموع ٨ : ٣٤٩.

٣٢

من حجّة التطوّع مع أنّه عبادة فيكون منعهما من المباح أولى ، وعدمه ، لأنّه بامتناعه ينقطع عن معاشه ويضطرب أمره.

والأقرب : أنّ الأب الكافر كالمسلم في هذه الأسفار ، بخلاف سفر الجهاد [ ولا فرق بين الحرّ ] (١) والرقيق ، لشمول معنى البرّ والشفقة.

ز ـ لو خرج للجهاد بإذن صاحب الدّين أو الأبوين ثمّ رجعوا‌ أو كان الأبوان كافرين فأسلما بعد خروجه من غير إذن وعلم بالحال ، فإن لم يشرع في القتال ولم يحضر الرفقة (٢) بعد ، فإنّه ينصرف إلاّ إذا خاف على نفسه أو ماله أو خاف من انصرافه كسر المسلمين.

ولو لم يمكنه الانصراف ، للخوف وأمكنه الإقامة في قرية في الطريق إلى أن يرجع جيش المسلمين ، لزمه أن يقيم ، لأنّ غرض الراجعين عن الإذن أن لا يقاتل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : عدم الوجوب ، لما يناله من وحشة مفارقة الرفقة وإبطال أهبة الجهاد عليه (٣).

ولو كان الرجوع بعد الشروع في القتال ، احتمل وجوب الرجوع ، لأنّ حقّ الراجعين عن الإذن أولى بالرعاية ، لأنّه فرض عين والجهاد فرض كفاية ، ولأنّ حقّهم أسبق ، ولأنّ حقّ الآدمي مبني على المضايقة ، فهو أولى بالمحافظة ، وعدمه ، لوجوب الثبات على من حضر القتال ، لقوله تعالى : ( إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) (٤) ولأنّه ربما يكسر قلوب المسلمين ويشوّش الجهاد.

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) كذا ، ولعلّها : ولم يحضر الوقعة. كما يأتي نظيرها.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥.

(٤) الأنفال : ٤٥.

٣٣

وللشافعي قولان (١). ولبعض أصحابه فرق بين رجوع الأبوين وصاحب الدّين ، لعظم شأن الدّين والاحتياط للمظالم (٢).

ح ـ من شرط عليه الاستئذان إذا خرج بغير إذن ، لزمه الانصراف ما لم يشرع في القتال ، لأنّ سفره معصية ، إلاّ أن يخاف على نفسه أو ماله ، فإن شرع في القتال ، فللشافعية وجهان (٣). وهذه الصورة أولى بوجوب الانصراف ، لأنّ ابتداء الخروج كان معصية.

ولو خرج العبد بغير إذن سيّده ، لزمه الرجوع ما لم يحضر الواقعة ، فإن حضر ، فللشافعية قولان (٤).

ولو مرض الحرّ بعد خروجه أو عرج أو فني زاده أو هلكت دابّته ، تخيّر بين الانصراف والمضيّ ما لم يحضر الوقعة.

ولو حضر الوقعة ، لزمه الثبات ، للآية (٥) ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : أنّه يجوز الرجوع ، لعدم تمكّنه من القتال (٦).

والوجه أن يقال : إن كان الانصراف لا يورث إعلالا وتخاذلا في الجند ، جاز ، وإلاّ فلا.

ولو أمكنه القتال راجلا بعد موت الدابّة في الوقعة ، وجب ، وإلاّ فلا. وكذا إذا انقطع سلاحه وانكسر في الواقعة وأمكنه القتال بالحجارة ، وجب ، وإلاّ فلا.

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٤٥ ـ ٦٤٦.

(٢ ـ ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥.

(٥) الأنفال : ٤٥.

(٦) حلية العلماء ٧ : ٦٤٥ ، العزى شرح الوجيز ١١ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥.

٣٤

وحيث سوّغنا الانصراف لرجوع ربّ الدّين أو الأبوين عن الإذن أو لمرض ونحوه ، ليس للسلطان منعه منه إلاّ أن يتّفق ذلك لجماعة وكان يخاف من انصرافهم الخلل في المسلمين.

ولو انصراف لذهاب نفقة أو هلاك دابة ثمّ قدر على النفقة والدابّة في بلاد الكفر ، فعليه أن يرجع إلى المجاهدين. وإن كان قد فارق بلاد الكفر ، قال الشافعي : لم يلزمه الرجوع إليهم (١).

ولو خرج للجهاد وبه عذر من مرض وغيره ثمّ زال عذره وصار من أهل فرض الجهاد ، لم يجز له الرجوع عن الغزو. وكذا لو حدث العذر وزال قبل أن ينصرف.

ط ـ من شرع في القتال ولا عذر له تلزمه المصابرة ، ويحرم الانصراف ، لما فيه من التخذيل وكسر قلوب المجاهدين.

وطالب العلم إذا اشتغل بالتعلّم وآنس الرشد من نفسه ، هل يحرم عليه الرجوع؟ يحتمل ذلك ، لأنّه فرض كفاية شرع فيه فيلزمه بالشروع.

والأقرب : المنع ، لأنّ الشروع لا يغيّر حكم المشروع فيه ، بخلاف الجهاد ، لأنّ في الرجوع تخذيل المجاهدين وكسر قلوبهم ، وترك التعلّم ليس فيه ذلك. ولأنّ كلّ مسألة مطلوبة برأسها منقطعة عن غيرها ، وليست العلوم كالخصلة الواحدة ، بخلاف الجهاد.

وفي وجوب إتمام صلاة الجنازة بالشروع وجهان (٢) ، أحدهما :

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤١٥.

(٢) هذان الوجهان أيضا للشافعيّة. انظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤١٦.

٣٥

عدمه ، كالشروع في التطوّع لا يلزم به إتمامه و [ ثانيهما ] : وجوبه ، لأنّ الصلاة كالخصلة الواحدة ، ولما في الرجوع من هتك حرمة الميّت.

مسألة ١٣ : العلم إمّا فرض عين أو فرض كفاية أو مستحبّ أو حرام.

فالأوّل : العلم بإثبات الصانع تعالى‌ وصفاته وما يجب له ويمتنع عليه ، ونبوّة نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثبوت عصمته وإمامة من تجب إمامته وما يجب له ويمتنع عليه ، والمعاد. ولا يكفي في ذلك التقليد ، بل لا بدّ من العلم المستند إلى الأدلّة والبراهين.

ولا يجب على الأعيان دفع الشبهات فيها ، وذلك إنّما يتمّ بعلم الكلام.

وقالت الشافعية : العلم المترجم بعلم الكلام ليس بفرض عين ، وما كان الصحابة يشتغلون به (١).

والثاني : العلم بالفقه وفروع الأحكام ، وعلم أصول الفقه وكيفيّة الاستدلال والبراهين (٢) ، والنحو واللغة والتصريف ، والتعمّق في أصول الدين بحيث يقتدر على دفع شبه المبطلين والقيام بجواب الشبه وردّ العقائد الفاسدة ، وعلم أصول الفقه (٣) ، وعلم الحديث ومعرفة الرجال بالعدالة وضدّها ، والانتهاء في معرفة الأحكام إلى أن يصلح للإفتاء والقضاء. ولا يكفي المفتي الواحد في البلد ، لعسر مراجعته على جميع الناس. وعلم الطبّ ، للحاجة إليه في المعالجة ، وعلم الحساب ، للاحتياج إليه في المعاملات وقسم الوصايا والمواريث. ومن حصل له شبهة ، وجب عليه‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٢٥.

(٢) كذا ، ولعلّها : كيفيّة الاستدلال بالبراهين.

(٣) كذا ، حيث ذكره آنفا.

٣٦

السعي في حلّها.

والمستحب : الزيادة على ما يجب على الكفاية في كلّ علم.

والحرام : ما اشتمل على وجه قبح ، كعلم الفلسفة لغير النقض ، وعلم الموسيقى وغير ذلك ممّا نهى الشرع عن تعلّمه ، كالسحر ، وعلم القيافة والكهانة وغيرها.

مسألة ١٤ : قد عرفت أنّ من شرط الجهاد دعاء الإمام العادل إليه.

ولو كان الجهاد للدفع ، وجب مطلقا ، سواء كان هناك إمام أو لا.

ولو كان الإمام جائرا ، جاز القيام معه إذا قصد الدفع عن نفسه وعن المؤمنين ، كما لو كان المسلم في دار الكفّار بأمان ودهمهم عدوّ خشي على نفسه ، وجب عليه مساعدتهم في دفعه ، لما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل دخل أرض الحرب بأمان فغزا القوم الذين دخل عليهم قوم آخرون ، قال : « على المسلم أن يمنع عن نفسه وماله ويقاتل على حكم الله وحكم رسوله ، وأمّا أن يقاتل الكفّار على حكم الجور وسنّتهم (١) فلا يحلّ له ذلك » (٢).

وكذا كلّ من خاف على نفسه يجب عليه الجهاد.

ومن خاف على ماله يجوز له الجهاد إذا غلب السلامة.

مسألة ١٥ : لا يجب على من وجب عليه الجهاد إيقاعه مباشرة إلاّ أن يعيّنه الإمام للخروج ، فتحرم عليه الاستنابة بأجرة وغيرها ، ولا يجوز له حينئذ أن يغزو بجعل ، فإن أخذ جعلا ، ردّه على صاحبه. ولو لم يعيّنه ، لم تجب المباشرة بل يجوز أن يستنيب غيره بإجارة أو غيرها ، وتكون‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : سبيهم.

(٢) التهذيب ٦ : ١٣٥ ـ ١٣٦ ـ ٢٢٩ بتفاوت يسير.

٣٧

الإجارة صحيحة ، ولا يلزم المستأجر ردّ الأجرة ، عند علمائنا ، لما رواه العامّة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من جهّز غازيا كان له كمثل أجره » (١).

ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه‌السلام : « إنّ عليّا عليه‌السلام سئل عن الإجعال للغزو ، فقال : لا بأس به أن يغزو الرجل عن الرجل ويأخذ منه الجعل » (٢).

ولأنّ الضرورة قد تدعو إليه ، فكان سائغا كغيره.

وقال الشافعي : لا تنعقد الإجارة ، ويجب عليه ردّ الأجرة إلى صاحبها ، لتعيّن الجهاد عليه بحضوره الصف ، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه (٣).

وينتقض بالحجّ ، فإنّه إذا حضر مكة ، تعيّن عليه الإحرام ، ومع هذا جاز أن يقع الإحرام المتعيّن عليه عن غيره ، فكذا هنا.

وقال عطاء ومجاهد وسعيد بن المسيّب : من اعطي شيئا من المال يستعين به في الغزو ، فإن اعطي لغزوة بعينها فما فضل بعد الغزو فهو له ، لأنّه أعطاه على سبيل الإعانة والنفقة لا على سبيل الإجارة ، فكان الفاضل له (٤).

وإن أعطاه شيئا لينفقه في الجهاد مطلقا ففضل منه فضل ، أنفقه في جهاد آخر ، لأنّه أعطاه الجميع لينفقه في جهة قربة ، فلزمه إنفاق الجميع فيها.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٢٢ ـ ٢٧٥٩.

(٢) التهذيب ٦ : ١٧٣ ـ ٣٣٨.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٢٨ ، الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٢ ، المغني ١٠ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٢.

(٤) المغني ١٠ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٥.

٣٨

وإذا اعطي شيئا ليستعين به في الغزو ، لا يترك لأهله منه شيئا.

قال أحمد : لأنّه ليس يملكه إلاّ أن يصير إلى رأس مغزاة فيكون كهيئة ماله فيبعث إلى عياله منه ، ولا يتصرّف فيه قبل الخروج لئلاّ يتخلّف عن الغزو فلا يكون مستحقّا لما أنفقه إلاّ أن يشتري منه سلاحا أو آلة غزو (١).

وإذا حمل رجلا على دابّة غازية ، فإذا رجع من الغزو ، فهي له ، إلاّ أن يقول : هي حبس ، فلا يجوز بيعها إلاّ مع عدم صلاحيتها للغزو ، فتباع وتجعل في حبس آخر.

قال أحمد : وكذلك المسجد إذا ضاق بأهله أو كان في مكان لا ينتفع به ، جاز بيعه وجعل ثمنه في مكان ينتفع به ، وكذا الأضحية إذا أبدلها بخير منها (٢).

ولو أعطاه إيّاها ليغزو عليها ، فإذا غزا عليها ، قال أحمد : ملكها كما يملك النفقة المدفوعة إليه ، ويصنع بثمنها ما شاء (٣).

وكان مالك لا يرى أن ينتفع بثمنها في غير الغزو (٤).

وليس للغازي أن يركب دوابّ السبيل في حوائجه ، بل يركبها ويستعملها في الغزو.

وسهم الفرس الحبيس لمن غزا عليه.

وكره بعضهم إنزاء الفرس الحبيس (٥).

ولا يباع الفرس الحبيس إلاّ من علّة ، إذا عطب يصير للطحن ،

__________________

(١) المغني ١٠ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٥.

(٢) المغني : ١٠ : ٣٩١.

(٣) المغني ١٠ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٦.

(٤) المغني ١٠ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٦.

(٥) المغني ١٠ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٧.

٣٩

ويصرف ثمنه في مثله أو ينفق ثمنه على الدوابّ الحبيس.

ولا يجوز لمن وجب عليه الجهاد بتعيين الإمام أو بنذر المباشرة أن يجاهد عن غيره بجعل ، فإن فعل وقع عنه ووجب عليه ردّ الجعل إلى صاحبه.

قال الشيخ : للنائب ثواب الجهاد وللمستأجر ثواب النفقة ، وأمّا ما يأخذه أهل الديوان من الأرزاق فليس اجرة ، بل يجاهدون لأنفسهم ويأخذون حقّا جعله الله لهم ، فإن كانوا أرصدوا أنفسهم للقتال وأقاموا في الثغور ، فهم أهل الفي‌ء لهم سهم من الفي‌ء يدفع إليهم ، وإن كانوا مقيمين في بلادهم يغزون إذا خيفوا (١) ، فهم أهل الصدقات يدفع إليهم سهم منها (٢).

وتستحبّ إعانة المجاهدين ، وفي مساعدتهم فضل عظيم من السلطان والعوام وكلّ أحد.

روى الباقر عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « من بلّغ رسالة غاز كان كمن أعتق رقبة وهو شريكه » (٣).

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجرية : إذا خفوا. وما أثبتناه من المصدر.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٧.

(٣) التهذيب ٦ : ١٢٣ ـ ٢١٤.

٤٠