تذكرة الفقهاء - ج ٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام في حديث : « سيف على مشركي العرب ، قال الله تعالى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (١) » (٢) الحديث.

وقال أبو حنيفة : تقبل من جميع الكفّار إلاّ العرب ، لأنّهم يقرّون على دينهم بالاسترقاق فاقرّوا بالجزية ، كأهل الكتاب ، وأمّا العرب فلا تقبل منهم ، لأنّهم رهط النبي عليه‌السلام ، فلا يقرّون على غير دينه (٣).

والفرق : أنّ أهل الكتاب لهم حرمة بكتابهم ، بخلاف غيرهم من الكفّار ، والعرب قد بيّنّا أنّهم إن كانوا يهودا أو نصارى أو مجوسا ، قبلت منهم الجزية ، وإلاّ فلا ، ولا فرق بين العرب والعجم ، لأنّ الجزية تؤخذ بالدين لا بالنسب.

وقال أحمد : تقبل من جميع الكفّار إلاّ عبدة الأوثان من العرب (٤).

وقال مالك : تقبل من جميعهم إلاّ مشركي قريش ، لأنّهم ارتدّوا (٥).

وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز : إنّها تقبل من جميعهم ، لأنّ النبي عليه‌السلام كان يبعث السريّة ويوصيهم بالدعاء إلى الإسلام أو الجزية (٦).

__________________

(١) التوبة : ٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٠ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ١٣٦ ـ ٢٣٠.

(٣) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٤ ـ ١٦٣٥ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٧ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٦٠ ، المغني ١٠ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧.

(٤) المغني ١٠ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٠.

(٥) المغني ١٠ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧.

(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٧ ـ ٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٣٧ ـ ٢٦١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ :

٢٨١

وهو عامّ في كلّ كافر (١).

ونمنع العموم ، بل الوصيّة في أهل الذمّة.

مسألة ١٦٥ : من عدا اليهود والنصارى والمجوس لا يقرون بالجزية‌ بل لا يقبل منهم إلاّ الإسلام وإن كان لهم كتاب ، كصحف إبراهيم وصحف آدم وإدريس ( وشيث ) (٢) وزبور داود ـ وهو أحد قولي الشافعي (٣) ـ لأنّها ليست كتبا منزلة على ما قيل ، بل هي وحي يوحى ، ولأنّها مشتملة على مواعظ لا على أحكام مشروعة.

والقول الثاني للشافعي : يقرّون بالجزية ، لقوله تعالى ( مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) (٤) (٥).

وليس حجّة ، لأنّه للعهد.

قال ابن الجنيد من علمائنا : الصابئون تؤخذ منهم الجزية ويقرّون عليها ، كاليهود والنصارى ـ وهو أحد قولي الشافعي (٦) ـ بناء على أنّهم من أهل الكتاب وإنّما يخالفونهم في فروع المسائل لا في أصولها.

وقال أحمد : أنّهم جنس من النصارى. وقال أيضا : أنّهم يسبتون ،

__________________

٩٥٣ ـ ٢٨٥٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٢١٦ ـ ٢١٧.

(١) المغني ١٠ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في « ق ، ك‍ ».

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥١ ، الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٦ ، الوسيط ٧ : ٦٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٤ ، المغني ١٠ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٤) التوبة : ٢٩.

(٥) المصادر في الهامش (٣).

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥١ ، الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٨ ، الوسيط ٧ : ٦١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٥.

٢٨٢

فهم من اليهود (١).

وقال مجاهد : إنّهم من [ اليهود و ] (٢) النصارى (٣).

وقال السدي : إنّهم من أهل الكتاب (٤).

وكذا السامرة ، ومتى كانوا كذلك قبلت منهم الجزية.

وقد قيل عنهم : إنّهم يقولون : إنّ الفلك حيّ ناطق ، وإنّ الكواكب السبعة السيّارة آلهة (٥). ومتى كان الحال كذلك لم يقرّوا على دينهم بالجزية.

وقال المفيد : وقد اختلف فقهاء العامّة في الصابئين ومن ضارعهم في الكفر سوى من ذكرناه من الثالثة الأصناف.

فقال مالك بن أنس والأوزاعي : كلّ دين بعد الإسلام سوى اليهوديّة والنصرانيّة فهو مجوسيّة ، وحكم أهله حكم المجوس. وروي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال : الصابئون مجوس. وقال الشافعي وجماعة من أهل العراق : حكمهم حكم المجوس. وقال بعض أهل العراق : حكمهم حكم النصارى.

قال : فأمّا نحن فلا نجاوز بإيجاب الجزية إلى غير من عدّدناه ، لسنّة‌

__________________

(١) المغني ١٠ : ٥٥٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٠ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٨٣.

(٢) ما بين المعقوفين من المصادر ، وفيها هكذا : إنّهم بين اليهود والنصارى.

(٣ و ٤) النكت والعيون ( تفسير الماوردي ) ١ : ١٣٣ ، المغني ١٠ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٠.

(٥) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٩٤ ، المغني ١٠ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٠ ، وانظر الوسيط ٧ : ٦١.

٢٨٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم ، والتوقيف الوارد عنه في أحكامهم.

قال : وقد روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : « المجوس إنما ألحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات ، لأنّه كان لهم فيما مضى كتاب » ولو خلّينا والقياس ، لكانت المانويّة والمزدقيّة والديصانيّة عندي بالمجوس أولى من الصابئين ، لأنّهم يذهبون في أصولهم مذاهب تقارب المجوسيّة وتكاد تختلط بها.

وأمّا المرقونيّة والماهانيّة : فإنّهم إلى النصرانيّة أقرب من المجوسيّة ، لقولهم في الروح والكلمة والابن بقول النصارى وإن كانوا يوافقون الثنويّة في أصول أخر.

وأمّا الكينونيّة (١) : فقولهم يقرب من النصرانيّة لأصلهم (٢) في التثليث وإن كان أكثره لأهل الدهر.

وأمّا السمنيّة : فتدخل في حكم مشركي العرب وتضارع مذاهبها قولها (٣) في التوحيد للبارئ وعبادتهم سواه تقرّبا إليه وتعظيما فيما زعموا من عبادة الخلق لهم. وقد حكي عنهم ما يدخلهم في جملة الثنويّة.

ثمّ قال : فأمّا الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممّن عددناه ، لأنّ جمهورهم يوحّد الصانع في الأزل ، ومنهم من يجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم ، فكانت عندهم الأصل ، ويعتقدون في الفلك وما فيه : الحياة والنطق وأنّه المدبّر لما في العالم والدالّ عليه ، وعظّموا الكواكب‌

__________________

(١) في متن المقنعة : الكيثونية. وفي نسخة منها كما في المتن.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : لا مثلهم. وما أثبتناه من المصدر ، وكما في المختلف ـ للمصنّف رحمه‌الله ـ ٤ : ٤٤٥ ، المسألة ٥٨.

(٣) في الطبعة الحجريّة : في قولها.

٢٨٤

وعبدوها من دون الله تعالى ، وسمّاها بعضهم ملائكة ، وجعلها بعضهم آلهة ، وبنوا لها بيوتا للعبادات ، وهؤلاء على طريق القياس إلى مشركي العرب وعبّاد الأوثان أقرب من المجوس ، لأنّهم وجّهوا عبادتهم إلى غير الله تعالى في التحقيق وعلى القصد والضمير ، وسمّوا من عداه من خلقه بأسمائه ، جلّ عمّا يقول المبطلون.

والمجوس قصدت بالعبادة الله تعالى على نيّاتهم في ذلك وضمائرهم وعقودهم وإن كانت عبادة الجميع على أصولنا غير متوجّهة في الحقيقة إلى القديم ، ولم يسمّوا من أشركوا بينه وبين الله تعالى في القدم (١) باسم في معنى الإلهيّة ومقتضى العبادة ، بل من ألحقهم بالنصارى أقرب في التشبيه (٢) ، لمشاركتهم إيّاهم في اعتقاد الإلهيّة في غير القديم ، وتسميتهم له بذلك ، وهما : الروح عندهم ، والنطق الذي اعتقدوه [ في ] (٣) المسيح ، وليس هذا موضع الردّ على متفقّهة العامّة فيما اجتنبوه من خلافنا فلنشرحه (٤) ، وإنّما ذكرنا منه طرفا ، لتعلّقه بما تقدّم من وصف مذهبنا في الأصناف وبيّنّاه في التفصيل (٥). هذا آخر كلام شيخنا المفيد.

وللشافعي في الصابئين والسامرة ـ وهم عنده مبتدعة النصارى‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : القديم. وما أثبتناه من المصدر ، وكما في المختلف ٤ : ٤٤٦ ، المسألة ٥٨.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : النسبة. وما أثبتناه من المصدر ، وكما في المختلف ٤ : ٤٤٦ ، المسألة ٥٨.

(٣) أضفناها من بعض نسخ المصدر كما في هامشه ، وكما في المختلف ٤ : ٤٤٦ ، المسألة ٥٨.

(٤) في الطبعة الحجريّة : فلنسترجع. وفي المصدر : فنشرحه.

(٥) المقنعة : ٢٧٠ ـ ٢٧٢.

٢٨٥

واليهود ـ قولان (١).

وقال بعض أصحابه : إن كانوا كفرة دينهم ، فلا يقرّون ، وإن كانوا مبتدعة ، أقروا ، فلو عقدنا له وأسلم منهم عدلان وشهدا بكفره ، تبيّن بطلان العقد ، ويغتال ، لتلبيسه (٢).

والمتولّد بين الكتابيّ والوثنيّ في مناكحته قولان للشافعي ، والصحيح عنده أنّه يقرّر (٣).

ولو توثّن نصرانيّ وله ولد صغير امّه نصرانيّة ، فله حكم التنصّر ، وإن كانت وثنيّة ، فهو تابع للتوثّن أو يبقى عليه حكم التنصّر؟ للشافعي وجهان (٤).

ولا يغتال إذا بلغ وإن كان يغتال أبوه على الأصحّ عندهم (٥).

ولا يحلّ وطء سبايا غور ، لأنّهم ارتدّوا بعد الإسلام.

وفي استرقاقهم خلاف بينهم ، والظاهر عندهم جواز استرقاق الوثنيّ وسبايا غور أولاد المرتدّين (٦).

وأمّا عندنا فإنّ ذبائح أهل الكتاب لا تحلّ إجماعا منّا. فأمّا مناكحتهم ففيه تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى.

مسألة ١٦٦ : بنو تغلب بن وائل من العرب من ربيعة بن نزار ، انتقلوا في الجاهليّة إلى النصرانيّة. وانتقل أيضا من العرب قبيلتان أخريان ، وهم‌

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادرهما في الهامش (٣) من ص ٢٨٢.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٨ ـ ٥٠٩.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٩ ، الحاوي الكبير ٩ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٤٧٩ ، و ٧ : ٤٩٥ ـ ٤٩٦.

(٤ و ٥) الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٦.

(٦) الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١١.

٢٨٦

تنوخ وبهراء ، فصارت القبائل الثلاثة من أهل الكتاب ، تؤخذ منهم الجزية كافّة (١) ، كما تؤخذ من غيرهم ـ وبه قال علي عليه‌السلام وعمر بن عبد العزيز (٢) ـ لأنّهم أهل كتاب ، فيدخلون تحت عموم الأمر بأخذ الجزية من أهل الكتاب.

وقال أبو حنيفة : لا تؤخذ منهم الجزية ، بل تؤخذ منهم الصدقة مضاعفة ، فيؤخذ من كلّ خمس من الإبل شاتان ، ويؤخذ من كلّ عشرين دينارا دينار ، ومن كلّ مائتي درهم عشرة دراهم ، ومن كلّ ما يجب فيه نصف العشر العشر وما يجب فيه العشر الخمس ـ وبه قال الشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حيّ وأحمد بن حنبل ـ لأنّ عمر ضعّف الصدقة عليهم (٣).

وهي حكاية حال لا عموم لها ، فجاز أن تكون المصلحة للمسلمين في كفّ أذاهم بذلك. ولأنّه كان يأخذ جزية لا صدقة وزكاة. ولأنّه يؤدّي إلى أن يأخذ أقلّ من دينار بأن تكون صدقته أقلّ من ذلك. ولأنّه يلزم أن يقيم بعض أهل الكتاب في بلد الإسلام مؤبّدا بغير عوض بأن لا يكون له زرع ولا ماشية.

وروى العامّة عن علي عليه‌السلام أنّه قال : « لئن تفرّغت لبني تغلب ليكوننّ لي فيهم رأي ، لأقتلنّ مقاتلتهم ، ولأسبيّن ذراريهم ، فقد نقضوا العهد ، وبرئت منهم الذمّة حين نصّروا أولادهم » (٤).

__________________

(١) كلمة « كافّة » لم ترد في « ق ، ك‍ ».

(٢) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٢ ـ ٥٨٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٥ وما بعدها ، سنن البيهقي ٩ : ٢١٦.

(٤) الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٣٤ ذيل رقم ٧١ ، المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٢.

٢٨٧

إذا ثبت أنّ المأخوذ جزية ، فلا تؤخذ من الصبيان والمجانين والنساء ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لما تقدّم ، ولأنّ عمر قال : هؤلاء حمقى رضوا بالمعنى دون الاسم (٢).

وقال عمر بن عبد العزيز حيث لم يقبل من نصارى بني تغلب إلاّ الجزية : لا والله إلاّ الجزية ، وإلاّ فقد أذنتكم بالحرب (٣).

وقال أبو حنيفة : إنّها صدقة تؤخذ مضاعفة من مال من يؤخذ منه الزكاة لو كان مسلما. وبه قال أحمد (٤).

وعلى ما قلناه يكون مصرفه مصرف الجزية.

ولو بذل التغلبيّ الجزية وتحطّ عنه الصدقة ، قبل منه ، لأنّ المأخوذ منه عندنا جزية.

ومن قال : إنّه صدقة قال : ليس لهم ذلك ، لئلاّ يغيّر الصلح (٥).

أمّا الحربي من التغلبيّين فإنّه إذا بذل الجزية ، قيل : قبلت منه ، لقوله عليه‌السلام : « ادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم » (٦) (٧).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٣ ، الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٨ و ٤٩٩ و ٥٠١ و ٥٢٩ ، الوسيط ٧ : ٦٢ ـ ٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٠ و ٤٩٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٧ ، المغني ١٠ : ٥٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٣.

(٢) المغني ١٠ : ٥٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٢٩.

(٣ و ٤) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٢.

(٥) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٤.

(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٦ ـ ١٣٥٧ ـ ٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٣٧ ـ ٣٦١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٣ ـ ٩٥٤ ـ ٢٨٥٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٢١٦ ـ ٢١٧.

(٧) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٤.

٢٨٨

ولو أراد الإمام نقض صلحهم وتجديد الجزية عليهم ، جاز ، خلافا لبعض العامّة (١).

مسألة ١٦٧ : لا تحلّ ذبائح بني تغلب ولا مناكحتهم كغيرهم من أهل الذمّة‌ ـ أمّا من أباح أكل ذبائح أهل الذمّة فقال الشافعي : لا يباح أكل ذبائح أهل الذمّة من العرب كافّة (٢) ـ ونقله العامّة عن علي عليه‌السلام وعطاء وسعيد ابن جبير والنخعي (٣) ، لأنّهم أهل كتاب (٤) ، فلا تحلّ ذبائحهم على ما يأتي.

ولما رواه العامّة عن علي عليه‌السلام من التحريم (٥).

ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن ذبائح نصارى العرب هل تؤكل؟ فقال : « كان علي عليه‌السلام ينهى عن أكل ذبائحهم وصيدهم ، وقال : لا يذبح لك يهودي ولا نصراني أضحيتك » (٦).

وقال الباقر عليه‌السلام : « لا تأكل ذبيحة نصارى العرب » (٧).

وقال أبو حنيفة : تحلّ ذبائحهم. وبه قال الحسن البصري والشعبي والزهري والحكم وحمّاد وإسحاق (٨).

وعن أحمد روايتان (٩).

__________________

(١) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٨٤.

(٢) الامّ ٢ : ٢٣٢ ، مختصر المزني : ٢٨٤ ، الحاوي الكبير ١٥ : ٩٣ ـ ٩٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٥٨ ، المغني ١٠ : ٥٨٧ ، وانظر مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٠٥ ـ ١٣٠٤.

(٣) المغني ١٠ : ٥٨٧.

(٤) في « ك‍ » والطبعة الحجريّة : الكتاب.

(٥) سنن البيهقي ٩ : ٢١٧ ، الامّ ٢ : ٢٣٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٥٨ ، المغني ١٠ : ٥٨٧.

(٦) التهذيب ٩ : ٦٤ ـ ٢٧١ ، الاستبصار ٤ : ٨١ ـ ٨٢ ـ ٣٠٤.

(٧) التهذيب ٩ : ٦٨ ـ ٢٨٨ ، الإستبصار ٤ : ٨٥ ـ ٣٢٠.

(٨) المغني ١٠ : ٥٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٤٢١.

(٩) المغني ١٠ : ٥٨٧.

٢٨٩

مسألة ١٦٨ : وتؤخذ الجزية من أهل خيبر.

وما ذكره بعض أهل الذمّة منهم أنّ معهم كتابا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإسقاطها (١) ، لا يلتفت إليهم ، لأنّه لم ينقله أحد من المسلمين.

قال ابن سريج : ذكر أنّهم طولبوا بذلك ، فأخرجوا كتابا ذكروا أنّه بخطّ علي عليه‌السلام كتبه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان فيه شهادة سعد بن معاذ ومعاوية. وتاريخه بعد موت سعد وقبل إسلام معاوية ، فاستدلّ بذلك على بطلانه (٢).

ولو غزا الإمام قوما فادّعوا أنّهم أهل كتاب ، سألهم ، فإن قالوا : دخلنا أو دخل آباؤنا قبل نزول القرآن في دينهم ، أخذ منهم الجزية ، وشرط عليهم نبذ العهد ، والمقاتلة لهم إن بان كذبهم ، ولا يكلّفون البيّنة على ذلك ، ويقرّون بأخذ الجزية. فإن بان كذبهم ، انتقض عهدهم ، ووجب قتالهم.

ويظهر كذبهم باعترافهم بأجمعهم أنّهم (٣) عبّاد وثن. فإن اعترف بعضهم وأنكر الآخرون ، انتقض عهد المعترف خاصّة دون غيره. ولا تقبل شهادتهم على الآخرين.

فإن أسلم منهم اثنان وعدّلا ثمّ شهدا (٤) أنّهم ليسوا أهل ذمّة ، انتقض العهد.

ولو دخل عابد وثن في دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن وله ابنان صغير وكبير ، فأقاما على عبادة الأوثان ثمّ جاء الإسلام ونسخ كتابهم ، فإنّ الصغير إذا بلغ وقال : إنّني على دين أبي وأبذل الجزية ، أقرّ عليه وأخذ منه‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥١١.

(٣) في « ك‍ » والطبعة الحجرية : بأنّهم.

(٤) في « ق ، ك‍ » : وعدّلوا ثمّ شهدوا.

٢٩٠

الجزية ، لأنّه تبع أبيه في الدين ، لصغره. وأمّا الكبير فإن أراد أن يقيم على دين أبيه ويبذل الجزية ، لم يقبل ، لأنّ له حكم نفسه ، ولا يصحّ له الدخول في الدين بعد نسخه.

ولو دخل أبوهما في دين أهل الكتاب ثمّ مات ثمّ جاء الإسلام وبلغ الصبي واختار دين أبيه ببذل الجزية ، أقرّ عليه ، لأنّه تبعه في الدين ، فلا يسقط بموته. وأمّا الكبير فلا يقرّ بحال ، لأنّ حكمه منفرد.

مسألة ١٦٩ : اختلف علماؤنا في الفقير.

فقال الشيخ : لا تسقط عنه الجزية ، بل ينظر بها إلى وقت يساره ، ويؤخذ منه حينئذ ما يقرّر عليه في كلّ عام حال فقره (١) ـ وبه قال المزني والشافعي في قول (٢) ـ لعموم( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (٣).

ولقوله عليه‌السلام : « خذ من كلّ حالم دينارا » (٤) وهو عامّ.

ولأنّ عليّا عليه‌السلام وظف على الفقير دينارا (٥).

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٨.

(٢) الامّ ٤ : ١٧٩ ، مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٨ ، المغني ١٠ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٩.

(٣) التوبة : ٢٩.

(٤) أورد نصّه الماوردي في الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٩ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، وابن قدامة في المغني ١٠ : ٥٧٦ ، والكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٣ ، وفي المصادر الحديثيّة هكذا : عن معاذ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا وجّهه إلى اليمن أمره أن يأخذه من كلّ حالم دينارا. انظر سنن أبي داود ٣ : ١٦٧ ـ ٣٠٣٨ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢٠ ـ ٦٢٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٨ و ٩ : ١٩٣ ، ومسند أحمد ٦ : ٣٠٤ ـ ٢١٥٠٨ ، و ٣٠٩ ـ ٢١٥٣٢ ، و ٣٢٨ ـ ٢١٦٢٤ ، والأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٣١ ـ ٣٢ ـ ٦٤.

(٥) انظر : المقنعة : ٢٧٢ ، والتهذيب ٤ : ١١٩ ـ ١٢٠ ـ ٣٤٣ ، والاستبصار ٢ : ٥٣ ـ ٥٤ ـ ١٧٨.

٢٩١

وقال المفيد وابن الجنيد منّا : لا جزية عليه (١) ـ وهو قول آخر للشافعي (٢) ـ لأنّ الجزية حقّ يجب بحؤول الحول ، فلا تجب على الفقير ، كالزكاة والعقل (٣).

والجواب : أنّ الزكاة والعقل وجبا بطريق المواساة ، والجزية لحقن الدم والسكنى ، ولا فرق بين الغني والفقير في ذلك.

وللشافعي قول ثالث : إنّه يخرج من الدار (٤).

إذا ثبت هذا ، فالإمام يعقد لهم الذمّة على الجزية ، وتكون في ذمّته ، فإذا أيسر ، طولب بها.

مسألة ١٧٠ : وتسقط الجزية عن الصبي إجماعا ، لقوله عليه‌السلام لمعاذ : « خذ من كلّ حالم دينارا » (٥) دلّ بمفهومه على سقوط الجزية عن غير البالغ.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام في حديث : « والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض (٦) الحرب من أجل ذلك رفعت عنهم الجزية » (٧).

وإذا بلغ بالإنبات أو الاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة وكان من‌

__________________

(١) قال المصنّف في مختلف الشيعة ٤ : ٤٥٠ ، المسألة ٦٣ : والظاهر من كلام المفيد .. الأوّل. يعني وجوب الجزية على الفقيرة وانظر : المقنعة : ٢٧٢.

(٢) مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٨.

(٣) أي : في جناية الخطإ.

(٤) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٧.

(٥) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٩١ ، الهامش (٤).

(٦) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « أهل » بدل « أرض » وما أثبتناه من المصادر.

(٧) الكافي ٥ : ٢٩ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨ ـ ١٠٢ ، التهذيب ٦ : ١٥٦ ـ ٢٧٧.

٢٩٢

أهل الذمّة ، طولب بالإسلام أو بذل الجزية ، فإن امتنع منهما ، صار حربا ، فإن اختار الجزية ، عقد معه الإمام ما يراه ، ولا عبرة بجزية أبيه ، فإذا حال الحول من حين العقد عليه ، أخذ ما شرط.

ولو كان الصبي ابن وثنيّ وبلغ ، طولب بالإسلام خاصّة.

ولو بلغ مبذّرا ، لم يزل الحجر عنه ، ويكون ماله في يد وليّه.

ولو أراد عقد الأمان بالجزية أو المصير إلى دار الحرب ، أجيب ، وليس لوليّه منعه ، لأنّ الحجر لا يتعلّق بحقن دمه وإباحته بل بماله ، كما لو أسلم أو ارتدّ.

ولو أراد أن يعقد أمانا ببذل جزية كثيرة ، احتمل أن يكون للوليّ منعه ، لأنّ حقن دمه يمكن بالأقلّ.

ولو صالح الإمام قوما على أن يؤدّوا الجزية عن أبنائهم غير ما يدفعون عن أنفسهم ، فإن كانوا يؤدون الزائد من أموالهم ، جاز ، ويكون زيادة في جزيتهم ، وإن كان من مال أولادهم ، لم يجز ، لأنّه تضييع لمالهم فيما ليس واجبا عليهم.

ولو بلغ سفيها ، لم تسقط عنه الجزية ، ولا يقرّ في دار الإسلام بغير عوض ، للعموم (١).

ولو منعه وليّه ، لم يقبل منه ، لأنّ مصلحته بقاء نفسه.

وإن لم يعقد أمانا ، نبذناه إلى دار الحرب وصار حربا.

مسألة ١٧١ : إذا عقد الإمام الجزية لرجل ، دخل هو وأولاده الصغار وأمواله في الأمان ، فإذا بلغ أولاده ، لم يدخلوا في ذمّة (٢) أبيهم وجزيته إلاّ‌

__________________

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) في الطبعة الحجريّة : أمان ، بدل ذمّة.

٢٩٣

بعقد مستأنف ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّ الأب عقد الذمّة لنفسه ، وإنّما دخل أولاده الصغار لمعنى الصغر ، فإذا بلغوا ، زال المقتضي للدخول.

وقال أحمد : يدخلون بغير عقد متجدّد ، لأنّه عقد دخول فيه الصغير (٢) ، فإذا بلغ ، لزمه ، كالإسلام (٣).

والفرق : علوّ الإسلام على غيره من الأديان ، فألزم به ، بخلاف الكفر.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يعقد له الأمان من حين البلوغ ، ولا اعتبار بجزية أبيه ، فإن كان أوّل حول أقاربه ، استوفى منه معهم في آخر الحول ، وإن كان في أثناء الحول ، عقد له الذمّة ، فإذا جاء أصحابه وجاء الساعي ، فإن أعطى بقدر ما مضى من حوله ، أخذ منه ، وإن امتنع حتى يحول الحول ، لم يجبر على الدفع.

ولو كان أحد أبوي الطفل وثنيّا ، فإن كان الأب ، لحق به ، ولم تقبل منه الجزية بعد البلوغ ، بل يقهر على الإسلام ، فإن امتنع ، ردّ إلى مأمنه في دار الحرب ، وصار حربا. وإن كانت الامّ ، لحق بالأب ، وأقرّ في دار الإسلام بالجزية.

مسألة ١٧٢ : الجزية تسقط عن المجنون المطبق إجماعا ، لقوله عليه‌السلام : « رفع القلم عن ثلاثة ـ وعدّ ـ المجنون حتى يفيق » (٤).

__________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٣ ، المغني ١٠ : ٥٧٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٠.

(٢) في الطبعة الحجريّة زيادة : لمعنى الصغر.

(٣) المغني ١٠ : ٥٧٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩٠ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٣.

(٤) سنن أبي داود ٤ : ١٤٠ ـ ٤٤٠١ ، و ١٤١ ـ ٤٤٠٣ ، سنن ابن ماجة ١ :

٢٩٤

ولقول الصادق عليه‌السلام : « جرت السنّة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه ولا من المغلوب على عقله » (١).

ولأنّه محقون الدم ، ولا مقتضى لوجوب الجزية.

ولو كان الجنون غير مطبق ، فإن لم يكن مضبوطا بأن تكون ساعة من أيّام أو من يوم ، اعتبر الأغلب ، لعدم القدرة على ضبط الإفاقة. وإن كان مضبوطا بأن يجنّ يوما ويفيق يومين أو أقلّ أو أكثر ، احتمل اعتبار الأغلب كالأوّل ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ لأنّ اعتبار الأصول بالأغلب. وأن تلفّق أيّام إفاقته ، فإذا كملت حولا ، أخذت منه (٣) ، ويحتمل أن تؤخذ في آخر كل حول بقدر ما أفاق فيه.

وكذا الاحتمالان لو كان يجنّ ثلث الحول ويفيق ثلثيه أو بالعكس.

ولو تساوت أيّام إفاقته وجنونه بأن يجنّ يوما ويفيق يوما ، أو يجنّ نصف الحول ويفيق نصفه (٤) ، فإنّ إفاقته تلفّق ، لتعذّر الأغلب ، لعدمه هنا.

ولو كان يجنّ نصف الحول ثمّ يفيق مستمرّا ، أو يفيق نصفه ثمّ يجنّ مستمرّا ، فعليه في الأوّل من الجزية بقدر ما أفاق من الحول إذا استمرّت الإفاقة بعد الحول. وفي الثاني لا جزية عليه ، لأنّه لم تتمّ الإفاقة حولا.

مسألة ١٧٣ : لا تؤخذ الجزية من النساء إجماعا ، لقوله عليه‌السلام : « خذ من كلّ حالم » (٥) خصّ الذّكر به.

__________________

٦٥٨ ـ ٢٠٤١ ، سنن الدارمي ٢ : ١٧١ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٦ ـ ١١٨٧ ، و ٧ : ١٤٦ ـ ٢٤١٧٣ بتفاوت يسير.

(١) الكافي ٣ : ٥٦٧ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨ ـ ١٠١ ، التهذيب ٤ : ١١٤ ـ ٣٣٤.

(٢) المغني ١٠ : ٥٧٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٩١.

(٣) في الطبعة الحجريّة زيادة : جزية.

(٤) في الطبعة الحجريّة : نصف الحول.

(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٩١ ، الهامش (٤).

٢٩٥

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن قتل النساء » (١).

ولو بذلت امرأة الجزية ، عرّفت أنّه لا جزية عليها ، فإن ذكرت أنّها تعلم ذلك وطلبت دفعه إلينا ، جاز أخذه هبة لا جزية ، وتلزم على شرط لزوم الهبة. ولو شرطت ذلك على نفسها ، لم تلزم ، بخلاف ما لو قدر الرجل أكثر ممّا قدّره الإمام عليه من الجزية ، لأنّه لا حدّ للجزية قلّة ولا كثرة ، فلزمه ما التزم به.

ولو بعثت امرأة من دار الحرب تطلب عقد الذمّة وتصير إلى دار الإسلام ، مكّنت منه ، وعقد لها بشرط التزام أحكام الإسلام ، ولا يؤخذ منها شي‌ء إلاّ أن تتبرّع به بعد معرفتها أنّه لا شي‌ء عليها. وإن أخذ منها شي‌ء على غير ذلك ، يردّ عليها ، لأنّها بذلته معتقدة أنّه عليها.

ولو كان في حصن رجال ونساء وصبيان فامتنع الرجال من أداء الجزية وبذلوا أن يصالحوا على أنّ الجزية على النساء والولدان ، لم يجز ، لأنّ النساء والصبيان مال والمال لا يؤخذ منه الجزية ، ولا يجوز أخذ الجزية ممّن لا تجب عليه ويترك من تجب عليه. فإن صالحهم على ذلك ، بطل الصلح ، ولا يلزم النساء شي‌ء. ولو طلب النساء ذلك ويكون الرجال في أمان ، لم يصحّ.

ولو قتل الرجال أو لم يكن في الحصن سوى النساء ، فطلبوا عقد الذمّة بالجزية ، لم يجز ، ويتوصّل إلى فتح الحصن ويسبين ، لأنّهنّ أموال للمسلمين.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨ ـ ٢٩ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨ ـ ١٠٢ ، التهذيب ٦ : ١٥٦ ـ ٢٧٧.

٢٩٦

وقال الشيخ : يلزمه عقد الذمّة لهنّ على أن تجري عليهنّ أحكام الإسلام ، ولا يأخذ منهنّ شيئا ، فإن أخذ منهنّ شيئا ، ردّه عليهنّ (١).

ولو دخلت الحربية دار الإسلام بأمان للتجارة ، لم يكن عليها أن تؤدّي شيئا وإن أقامت دائما بغير عوض ، بخلاف الرجل. ولو طلبت دخول الحجاز على أن تؤدّي شيئا ، جاز ، لأنّه ليس لها دخول الحجاز.

مسألة ١٧٤ : تؤخذ الجزية من الشيخ الفاني والزمن‌ ـ وهو أحد قولي الشافعي (٢) ـ للعموم (٣).

والثاني للشافعي : لا تؤخذ (٤).

وفي رواية حفص عن الصادق عليه‌السلام أنّها تسقط عن المقعد والشيخ الفاني والمرأة والولدان (٥).

قال الشيخ : ولو وقعوا في الأسر ، جاز للإمام قتلهم (٦).

والأعمى مساو لهما على الأقرب.

وتؤخذ من أهل الصوامع والرهبان ـ وهو أحد قولي الشافعي (٧) ـ

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٠.

(٢) الامّ ٤ : ١٧٦ ، مختصر المزني : ٢٧٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، المغني ١٠ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٧.

(٣) التوبة : ٢٩.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٦ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٠ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، المغني ١٠ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٧.

(٥) الكافي ٥ : ٢٩ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨ ـ ١٠٢ ، التهذيب ٦ : ١٥٦ ـ ٢٧٧.

(٦) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٤٢.

(٧) الامّ ٤ : ١٧٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٦ ،

٢٩٧

للعموم (١). وقد فرض عمر بن عبد العزيز على رهبان الديارات الجزية على كلّ راهب دينارين (٢). ولأنّه كافر صحيح قادر على الجزية ، فوجبت عليه ، كالشمّاس (٣).

والثاني للشافعي : لا جزية عليهم ، لأنّهم محقونون بدون الجزية ، فلا تجب ، كالنساء (٤).

ونمنع الصغرى.

مسألة ١٧٥ : اختلف علماؤنا في إيجاب الجزية على المملوك ، فالمشهور : عدم وجوبها عليهم ، وهو قول العامّة بأسرهم ، لقوله عليه‌السلام : « لا جزية على العبد » (٥).

ولأنّه مال ، فلا تؤخذ منه الجزية ، كغيره من الحيوانات (٦).

وقال قوم : لا تسقط ، لقول الباقر عليه‌السلام وقد سئل عن مملوك نصراني لرجل مسلم عليه جزية؟ قال : « نعم » قلت : فيؤدّي عنه مولاه المسلم الجزية؟ قال : « نعم ، إنّما هو ماله يفديه إذا أخذ يؤدّي عنه » (٧).

__________________

الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٩.

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٤٧ ـ ١٠٩ ، المغني ١٠ : ٥٧٨.

(٣) الشمّاس من رءوس النصارى : الذي يحلق وسط رأسه ويلزم البيعة. لسان العرب ٦ : ١١٤ « شمس ».

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٦ ، الوسيط ٧ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٤ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٠ ، المغني ١٠ : ٥٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٩.

(٥) المغني ١٠ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٧.

(٦) في « ق ، ك‍ » : الحيوان.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٩ ـ ١٠٦.

٢٩٨

ولأنّه مشرك ، فلا يجوز أن يستوطن دار الإسلام بغير عوض ، كالحرّ.

ولا فرق بين أن يكون العبد لمسلم أو ذمّي إن قلنا بوجوب الجزية عليه ، ويؤدّيها مولاه عنه.

ومنع بعض الجمهور أخذ الجزية من عبد المسلم ، وإلاّ لزم أن يؤدّي المسلم الجزية (١).

وهو ضعيف ، لأنّه يؤدّيها عن حقن دم العبد.

ولو كان نصفه حرّا ، وجب عليه عن نصفه الحرّ ، وفي نصفه الرقيق قولان ، فإن أوجبناه ، أخذ النصيب من مولاه.

ولو أعتق العبد ، فإن كان حربيّا ، قهر على الإسلام أو يردّ إلى دار الحرب ، قاله الشافعي (٢).

وقال ابن الجنيد منّا : لا يمكّن من اللحقوق بدار الحرب ، بل يسلم أو يحبس ، لأنّ في لحوقه بدار الحرب معونة على المسلمين.

وإن كان ذميّا ، لم يقرّ في دار الإسلام إلاّ بالجزية ، فإن لم يفعل ، ردّ إلى مأمنه بدار الحرب ، عند الشافعي (٣) ، وحبس ، عند ابن الجنيد.

ولا خلاف بين العلماء أنّه بعد العتق تلزمه الجزية لما يستقبل ، إلاّ ما روي عن أحمد أنّه يقرّ بغير جزية ، سواء أعتقه المسلم أو الكافر (٤) ، وما روي عن مالك أنّه قال : لا جزية عليه إن كان المعتق مسلما (٥).

__________________

(١) المغني ١٠ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩١.

(٤) المغني ١٠ : ٥٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠١ ، المغني ١٠ : ٥٨١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٨٨.

٢٩٩

مسألة ١٧٦ : يجوز للرجل أن يستتبع في عقد الجزية من شاء من الأقارب وإن لم يكن محارم ، دون الأجانب ، بأن يشترط ، فإن أطلق ، لم يتبعه إلاّ صغار أولاده وزوجاته وعبيده ، لأنّهم أموال ، ولا تتبعه نسوة الأقارب.

وأمّا الأصهار فالأقرب : عدم إلحاقهم بالأجانب.

وللشافعي وجهان (١).

وإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو أعتق العبد فاستقلّوا (٢) ، فإمّا أن يؤدّوا الجزية أو يقتلوا بعد الردّ إلى مأمنهم.

والأقارب (٣) : أنّه يجب على الصبي استئناف عقد لنفسه.

وللشافعيّة وجهان (٤).

وإن اكتفي بعقد أبيه ، لزمه مثل ما لزم الأب وإن كان فيه زيادة.

وإذا بلغ سفيها ، عقد لنفسه بزيادة الدينار لحقن الدم ، ويصحّ من الوليّ بذل الدينار الزائد لحقن دمه.

ومن يجنّ يوما ويفيق يوما سبق (٥) حكمه.

وللشافعي أقوال :

__________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٣ ، الوسيط ٧ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٣.

(٢) في « ق » : واستقلّوا.

(٣) في الطبعة الحجريّة : والأقوى.

(٤) الوجيز ٢ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٩ ـ ٥٠٠ ، الوسيط ٧ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٠.

(٥) سبق في المسألة ١٧٢.

٣٠٠