تذكرة الفقهاء - ج ٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١

في السبي يأخذ العدوّ من المسلمين في القتل من أولاد المسلمين [ أو من مماليكهم ] فيحوزونه ، ثمّ إنّ المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم فسبوهم وأخذوا منهم ما أخذوا من مماليك المسلمين وأولادهم الذين أخذوهم من المسلمين فكيف يصنع فيما كانوا أخذوه من أولاد المسلمين ومماليكهم؟ قال : فقال : « أما أولاد المسلمين فلا يقام في سهام المسلمين ولكن يردّ إلى أبيه أو إلى أخيه أو إلى امّه بشهود ، وأمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون ، ويعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت المال » (١).

وهو مرسل (٢) ، وروايتنا أصحّ طريقا.

واحتجّ أبو حنيفة بما رواه ابن عباس أنّ رجلا وجد بعيرا [ له ] (٣) كان المشركون أصابوه ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن أصبته قبل أن نقسمه فهو لك ، وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة » (٤).

وهو معارض بما رويناه من طريق (٥) العامّة (٦).

ولو أخذ المال أحد الرعيّة نهبة (٧) أو سرقة أو بغير شي‌ء ، فصاحبه أحقّ به بغير شي‌ء ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٨) ـ لما رواه العامّة : أنّ قوما أغاروا على سرح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذوا ناقته وجارية من الأنصار ، فأقامت‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٥٩ ـ ٢٨٧ ، الاستبصار ٣ : ٤ ـ ٥ ـ ٨ بتفاوت في بعض الألفاظ. وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) في « ق ، ك‍ » : وهي مرسلة.

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) المغني ١٠ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٩ ـ ٤٧٠.

(٥) في « ق ، ك‍ » : طرق.

(٦) تقدّم في ص ٢٦٠ ، وكذا الإشارة إلى مصادره في الهامش (٣).

(٧) في « ق ، ك‍ » وكذا في المغني والشرح الكبير : بهبة.

(٨) الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٦ ، المغني ١٠ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧١.

٢٦١

عندهم أيّاما ثمّ خرجت في بعض الليل ، قالت : فما وضعت يدي على ناقة إلاّ رغت (١) حتى وضعتها على ناقة ذلول فامتطيتها ثمّ توجّهت إلى المدينة ونذرت إن نجّاني الله عليها أن أذبحها ، فلمّا قدمت المدينة استعرفت الناقة فإذا هي ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذها ، فقلت : يا رسول الله إنّي نذرت أن أنحرها ، فقال : « بئس ما جازيتيها (٢) ، لا نذر في معصية الله » (٣).

وقال أبو حنيفة : لا يأخذه إلاّ بالقيمة ، لأنّه صار ملك الواحد بعينه ، فأشبه ما لم قسم (٤). ونمنع الصغرى.

ولو اشتراه المسلم من العدوّ ، بطل الشراء ، وكان لصاحبه أخذه بغير شي‌ء ، لأنّ المشرك لا يملك مال المسلم بالاستغنام.

وقال أحمد : ليس لصاحبه أخذه إلاّ بثمنه ، لرواية عن عمر (٥).

وليست حجّة.

ولو أبق عبد لمسلم (٦) إلى دار الحرب فأخذوه ، لم يملكوه بأخذه ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (٧) ـ لما تقدّم (٨).

__________________

(١) رغا البعير والناقة ترغو : صوتت فضجّت. والرغاء : صوت ذوات الخفّ. لسان العرب ١٤ : ٣٢٩ « رغا ».

(٢) في الطبعة الحجريّة : جازيتها.

(٣) المغني ١٠ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧١ نقلا عن صحيح مسلم ٣ : ١٢٦٢ ـ ١٢٦٣ ذيل الحديث ١٦٤١ ، ومسند أحمد ٥ : ٥٩٤ و ٥٩٩ ـ ٦٠٠ ، ذيل الحديث ١٩٣٦٢ و ١٩٣٩٣.

(٤) المغني ١٠ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧١.

(٥) المغني ١٠ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧١ ـ ٤٧٢.

(٦) في « ك‍ » : المسلم.

(٧) الامّ ٤ : ٢٥٤ ، النتف ٢ : ٧٢٧ ـ ٧٢٨ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٥٥ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٨ ، المغني ١٠ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٥.

(٨) في صدر المسألة.

٢٦٢

وقال مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد : يملكونه (١).

ولو أسلم المشرك الذي في يده مال المسلم ، أخذ منه بغير قيمة.

ولو دخل مسلم دار الحرب فسرقه أو نهبه أو اشتراه ثمّ أخرجه إلى دار الإسلام ، فصاحبه أحقّ به ، ولا تلزمه قيمة ، ولو (٢) أعتقه من هو في يده أو تصرّف فيه ببيع أو غيره ، كان باطلا.

ولو غنم المسلمون من المشركين شيئا عليه علامة المسلمين فلم يعلم صاحبه ، فهو غنيمة بناء على ظاهر الحكم باليد ، وبه قال الثوري والأوزاعي (٣).

وقال الشافعي : يوقف حتى يجي‌ء صاحبه (٤).

ولو وجد شي‌ء موسوم عليه : حبس في سبيل الله ، قال الثوري : يقسم ما لم يأت صاحبه (٥).

وقال الشافعي : يردّ كما كان ، لأنّه قد عرف مصرفه ـ وهو الحبس ـ فهو بمنزلة ما لو عرف صاحبه (٦).

ولو أصيب غلام في بلاد الشرك فقال : أنا لفلان من بلاد المسلمين (٧) ، ففي قبول قوله من غير بيّنة نظر. وكذا البحث لو اعترف المشرك بما في يده لمسلم. لكنّ الوجه هنا القبول قبل الاستغنام.

ولو كان في يد مسلم مال مستأجر أو مستعار من مسلم ثمّ وجده المستأجر أو المستعير ، كان له المطالبة به قبل القسمة وبعدها ، لأنّ ملك‌

__________________

(١) المدوّنة الكبرى ٢ : ١٥ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٨ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٥٥ ، المغني ١٠ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٥.

(٢) في « ق ، ك‍ » بدل « ولو » : « فإن ».

(٣ ـ ٦) المغني ١٠ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٢.

(٧) في « ق » : الإسلام.

٢٦٣

المسلم لا يزول بالاستغنام ، فلا تزول توابعه.

وقال أبو حنيفة : ليس له الأخذ ، لأنّه لا حقّ له في العين لا ملكا ولا يدا ، بل حقّه في الحفظ وقد بطل بخروجه (١) عن ملك صاحبه (٢). وهو ممنوع.

ولو دخل حربيّ دار الإسلام بأمان فاشترى عبدا مسلما ثمّ لحق بدار الحرب فغنمه (٣) المسلمون ، كان باقيا على ملك البائع ، لفساد البيع ، فيردّ على المالك ، ويردّ المسلم عليه الثمن الذي أخذه ، لأنّه في أمان. ولو تلف العبد ، كان للسيّد القيمة ، وعليه ردّ ثمنه ، ويترادّان الفضل.

ولو أسلم الحربيّ في دار الحرب وله مال وعقار ، أو دخل مسلم دار الحرب واشترى بها عقارا أو مالا ثمّ غزاهم المسلمون فظهروا على ماله وعقاره ، لم يملكوه ، وكان باقيا عليه إن كان المال ممّا ينقل ويحوّل ، وأمّا العقار فإنّه غنيمة ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في غير العقار ، وقالوا في العقار : إنّه كغيره ، لأنّه مال مسلم ، فلا يجوز اغتنامه ، كما لو كان في دار الإسلام (٤).

وقال أبو حنيفة : العقار يغنم ، وأمّا غيره فإن كان في يده أو يد مسلم أو ذمّيّ ، لم يغنم ، وإن كان في يد حربيّ ، غنم (٥).

مسألة ١٥٢ : لو فرّ المسلمون (٦) من الزحف قبل القسمة ، لم يكن لهم (٧)

__________________

(١) في « ق » : لخروجه.

(٢) انظر : الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤٥.

(٣) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : فغنموه ، والأنسب ما أثبتناه.

(٤) الام ٤ : ٢٧٨ ، المغني ١٠ : ٤٦٩ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤٥ ، النتف ٢ : ٧٢٩.

(٥) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤٤ ـ ١٤٥ ، المغني ١٠ : ٤٦٩.

(٦) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : المسلم. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٧) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : له. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٢٦٤

نصيب في الغنيمة ما لم يعودوا قبل القسمة ، لأنّهم عصوا بالفرار ، وتركوا الدفع عنها.

ولو فروا بعد القسمة ، لم يؤثر في ملكهم الحاصل بالقسمة ، لأنهم ملكوا ما حازوا بالقسمة ، فلا يزول ملكهم بالهرب.

ولو هربوا قبل القسمة فذكروا أنّهم ولّوا متحرّفين لقتال أو متحيّزين إلى فئة ، فالوجه : أنّ لهم سهامهم فيما غنم قبل الفرار ولا شي‌ء لهم فيما غنم بعده ما لم يلحقوا القسمة.

والأجير على القتال يستحق الأجرة بالعقد والسهم بالحضور. ولو حضر المستأجر أيضا ، استحقّ هو أيضا.

وعن أحمد روايتان : إحداهما هذا ، والأخرى : أنّه لا يسهم للأجير ، لأنّ غزوة بعوض ، فكأنّه واقع من غيره ، فلا يستحقّ شيئا (١).

وينتقض بالمرصد للقتال.

والأجير على العمل إن كان في الذمّة كأن يستأجره لخياطة ثوب أو غيره في ذمّته ، فإذا حضر الأجير الوقعة ، استحقّ السهم إجماعا ، لأنّه حضر الوقعة وهو من أهل القتال ، وإنّما في ذمّته حقّ لغيره ، فلا يمنعه من استحقاق السهم ، كما لو كان عليه دين.

وإن كان قد استأجره مدّة معلومة لخدمة أو لغيرها ، فإن خرج بإذن المستأجر ، استحقّ السهم بالحضور ، وإلاّ فلا ، لأنّه عاص بالجهاد ، فلا يستحقّ سهما ، اللهم إلاّ أن يتعيّن عليه فإنّه يستحق السهم.

إذا ثبت هذا ، فإنّ السهم يملكه في الصورة التي قلنا باستحقاقه لها ، ليس للمؤجر عليه سبيل.

__________________

(١) المغني ١٠ : ٥٢٠ ـ ٥٢١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٣ ـ ٥١٤.

٢٦٥

وللشافعي في الثاني (١) ثلاثة أقوال :

أحدها : أنّه يستحقّ السهم ، لقول النبي عليه‌السلام : « الغنيمة لمن شهد الوقعة » (٢).

ولأنّ الأجرة تستحقّ بالمنفعة والسهم بحضور الوقعة وقد وجد.

الثاني : أنّه يرضخ له ولا يسهم ، لأنّه قد حضر الوقعة مستحقّ المنفعة ، فلا يسهم له ، كالعبد.

الثالث : يخيّر الأجير بين ترك الأجرة والإسهام وبين العكس ، لأنّ كلّ واحد من الأجرة والسهم يستحقّ بمنافعه ، ولا يجوز أن يستحقّهما لمعنى واحد ، فأيّهما طلب استحقّه (٣).

قال : وتكون الأجرة ـ التي يخيّر بينها وبين السهم ـ الأجرة التي تقابل مدّة القتال ، ويخيّر قبل القتال وبعده ، أمّا قبل القتال فيقال له : إن أردت الجهاد فاقصده واطرح الأجرة ، وإن أردت الأجرة فاطرح الجهاد ، ويقال بعد القتال : إن قصدت الجهاد ، أسهم لك وتركت الأجرة ، وإن كنت قصدت الخدمة ، أعطيت الأجرة دون الغنيمة (٤).

ولو استؤجر للخدمة في الغزو أو أكرى دوابّه له وخرج معها وشهد الوقعة ، استحقّ السهم ـ وبه قال الليث ومالك وابن المنذر (٥) ـ لقوله عليه‌السلام : « الغنيمة لمن شهد الوقعة » (٦).

__________________

(١) أي فيما إذا استأجره مدّة معلومة.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١٦.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٨ ، الوجيز ١ : ٢٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٨ ـ ٣٦٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٩.

(٥) المغني ١٠ : ٥٢١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٤.

(٦) الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١٦.

٢٦٦

وقال الأوزاعي وإسحاق : لا يسهم له (١).

وعن أحمد روايتان (٢).

ولو آجر نفسه لحفظ الغنيمة أو سوق الدوابّ التي من المغنم ، أو رعيها ، جاز ، وحلّت له الأجرة ، ولا يجوز له ركوب دوابّ الغنيمة إلاّ أن يشرطه في الإجارة.

ولو دفع إلى المؤجر فرسا ليغزو عليها ، لم يملكها بذلك ، لأصالة بقاء الملك على صاحبه.

وقال أحمد : يملكها به (٣). وليس جيّدا.

مسألة ١٥٣ : لو اشترى المسلم أسيرا من يد (٤) العدوّ ، فإن كان بإذنه ، دفع ما أدّاه المشتري إلى البائع إجماعا ، لأنّه أدّاه بإذنه ، فصار نائبا عنه في الشراء ، ووكيلا في ابتياع نفسه.

وإن اشتراه بغير إذنه ، لم يجب على الأسير دفع الثمن إلى المشتري ـ وبه قال الثوري والشافعي وابن المنذر (٥) ـ لأنّه متبرّع.

وقال مالك : يجب دفع الثمن كالأوّل ـ وبه قال الحسن البصري والنخعي والزهري وأحمد ـ لأنّ عمر قال في حديث : وأيّما حرّ اشتراه التجّار فإنّه تردّ إليهم رءوس أموالهم ، فإنّ الحرّ لا يباع ولا يشترى. فحكم للتجّار برءوس أموالهم (٦).

وهو محمول على إذنهم.

__________________

(١) المغني ١٠ : ٥٢٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٣.

(٢) المغني ١٠ : ٥٢٠ ـ ٥٢١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٣ ـ ٥١٤.

(٣) المغني ١٠ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٦.

(٤) في « ق ، ك‍ » : يدي.

(٥ و ٦) المغني ١٠ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٢.

٢٦٧

فلو أذن له في الشراء وأداء الثمن ثمّ اختلفا في قدره ، فالقول قول الأسير ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّه منكر.

وقال الأوزاعي : يقدّم قول المشتري ، لأنّهما اختلفا في فعله وهو أعلم به (٢).

وهو ممنوع ، وإنّما اختلفا في القدر المأذون فيه ، وهو فعل الأسير ، فهو أعلم به.

مسألة ١٥٤ : إذا استولى أهل الحرب على أهل الذمّة فسبوهم وأخذوا أموالهم ثمّ قدر عليهم المسلمون ، وجب ردّهم إلى ذمّتهم ، ولا يجوز استرقاقهم إجماعا ، لأنّهم لم ينقضوا ذمّتهم ، فكانوا على أصل الحرّيّة ، وأموالهم كأموال المسلمين.

قال علي عليه‌السلام : « إنّما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا » (٣).

فمتى علم صاحبها قبل القسمة وجب ردّها إليه ، وإن علم بعدها ، فعلى ما تقدّم من الخلاف في أموال المسلمين.

وهل يجب فداؤهم؟ قال بعض العامّة : نعم يجب مطلقا ، سواء كانوا في معونتنا أو لم يكونوا ـ وهو قول عمر بن عبد العزيز والليث ـ لأنّا التزمنا حفظهم لمعاهدتهم وأخذ الجزية منهم ، فلزمنا القتال عنهم ، فإذا عجزنا عن ذلك وأمكننا تخليصهم بالفدية ، وجب ، كمن يحرم عليه إتلاف شي‌ء فيتلفه فإنّه يغرمه (٤).

__________________

(١ و ٢) المغني ١٠ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٢.

(٣) أورده ابن قدامة في المغني ١٠ : ٤٨٩.

(٤) المغني ١٠ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٣.

٢٦٨

وقال قوم منهم : لا يجب فداؤهم إلاّ أن يكون الإمام قد استعان بهم في قتاله فسبوا ، لأنّه سبب في أسرهم (١).

وإنّما يثبت ما ذكرناه لو كانوا على شرائط الذمة ، ولو لم يكونوا ، استرقّوا بالسبي ، كالحربي.

ويجب فداء الأسارى من المسلمين مع المكنة.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أطعموا الجائع ، وعودوا المريض ، وفكّوا العاني » (٢).

وفادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلين من المسلمين برجل أخذه من بني عقيل (٣).

البحث السادس : في أقسام الغزاة.

الغزاة ضربان :

مطوّعة ، وهم الذين إذا نشطوا غزوا ، وإن لم ينشطوا قعدوا لمعايشهم ، فهؤلاء لهم سهم الصدقات ، إذا غنموا في دار الحرب شاركوا الغانمين وأسهم لهم.

والثاني : من أرصد نفسه للجهاد ، فهؤلاء لهم من الغنيمة أربعة الأخماس ، ويجوز عندنا أن يعطوا أيضا من الصدقة من سهم ابن السبيل.

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٣.

(٢) صحيح البخاري ٧ : ٨٧ ، سنن أبي داود ٣ : ١٨٧ ـ ٣١٠٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٧٩ و ١٠ : ٣ ، المغني ١٠ : ٤٩٠.

(٣) المغني ١٠ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٣.

٢٦٩

مسألة ١٥٥ : ينبغي للإمام أن يتّخذ الديوان‌ ـ وهو الدفتر الذي فيه أسماء القبائل قبيلة قبيلة ـ ويكتب عطاياهم ، ويجعل لكلّ قبيلة عريفا ، ويجعل لهم علامة بينهم ويعقد لهم ألوية ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرّف عام خيبر على كلّ عشرة عريفا (١) ، وجعل يوم فتح مكّة للمهاجرين شعارا ، وللأوس شعارا ، وللخزرج شعارا (٢) ، امتثالا لقوله تعالى ( وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ) (٣).

فإذا أراد الإمام القسمة ، قدّم الأقرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالأقرب ، فيقدّم بني هاشم على بني المطّلب ، وبني عبد شمس على بني نوفل ، لأنّ عبد شمس أخو هاشم من الأبوين ، ونوفل أخوه من الأب ، ثمّ يسوّي بين عبد العزّى وعبد الدار ، لأنّهما أخوا عبد مناف ، فإن استووا في القرب ، قدّم أقدمهم هجرة ، فإن تساووا ، قدّم الأسنّ.

فإذا فرغ من عطايا أقارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بدأ بالأنصار ، وقدمهم على جميع العرب ، فإذا فرغ من الأنصار ، بدأ بالعرب ، فإذا فرغ من العرب ، قسّم على العجم ، وليس ذلك فرضا.

مسألة ١٥٦ : قال الشيخ : ذرّيّة المجاهدين إذا كانوا أحياء يعطون على ما تقدّم ، فإذا مات المجاهد أو قتل وترك ذرّيّة أو امرأة ، فإنّهم يعطون كفايتهم من بيت المال من الغنيمة ، فإذا بلغوا ، فإن أرصدوا نفوسهم للجهاد ، كانوا بحكمهم ، وإن اختاروا غيره ، خيّروا ما يختارونه ، وتسقط مراعاتهم ، وهكذا حكم المرأة لا شي‌ء لها (٤).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٩ ، الأمّ ٤ : ١٥٨ ، وفيه : عام حنين.

(٢) المغازي ـ للواقدي ـ ٢ : ٨١٩ ـ ٨٢١ ، الامّ ٤ : ١٥٨.

(٣) الحجرات : ١٣.

(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٧٣.

٢٧٠

وللشافعي في إعطاء الذرّيّة والنساء بعد موته قولان :

أحدهما : أنّهم يعطون ، لأنّه إذا لم يعط ذرّيّة بعده لم يجرّد نفسه للقتال ، فإنّه يخاف على ذرّيّته الضياع ، لأنّا لا نعطيه إلاّ ما يكفيه ، لا ما يدّخره لهم.

والثاني : أنّهم لا يعطون ، لأنّا إنّما نعطيهم تبعا للمجاهدين ، لا أنّهم من أهل الجهاد ، فإذا مات ، انتفت تبعيّتهم للمجاهدين ، فلم يستحقّوا شيئا من الفي‌ء (١).

مسألة ١٥٧ : ويحصي الإمام المقاتلة وهم بالغوا الحلم ، فيحصي فرسانهم ورجالهم ليوفر عليهم على قدر كفايتهم ، ويحصي الذريّة وهم من لم يبلغ الحلم ، ويحصي النساء ، ليعلم قدر كفايتهم.

قال ابن عمر : عرضت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة ، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة ، فأجازني (٢).

ويقسّم عليهم في السنة مرّة واحدة ، لأنّ الجزية والخراج ومستغل الأراضي التي انجلى عنها المشركون إنّما تكون في السنة مرّة واحدة ، فكذلك القسمة.

ويعطي المولود ، وتحسب مئونته من كفاية أبيه إلاّ أنّه يفرده بالعطاء ، وكلّما زادت سنّة زاد في عطاء أبيه.

ويعطي كلّ قوم منهم قدر كفايتهم بالنسبة إلى بلدهم ، لاختلاف‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٢ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٥٠ ، الوجيز ١ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٤١.

(٢) الامّ ٤ : ١٥٦ ، المغني ١٠ : ٤٤٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٨.

٢٧١

الأسعار في البلدان. ويجوز أن يفضّل بعضهم على بعض في العطاء من سهم سبيل الله وابن السبيل لا من الغنيمة.

ونقل العامّة عن عليّ عليه‌السلام أنّه سوّى بينهم في العطاء ، وأخرج العبيد فلم يعطهم شيئا ، لأنّهم استووا في سبب الاستحقاق ـ وهو نصب أنفسهم للجهاد ـ فصاروا بمنزلة الغانمين (١).

قال الشيخ : وليس للأعراب من الغنيمة شي‌ء (٢) ، على ما تقدّم (٣). واختاره الشافعي (٤) أيضا.

ويجب على من استنهضه الإمام للجهاد النفور معه على ما تقدّم (٥).

مسألة ١٥٨ : إذا مرض واحد من أهل الجهاد ، فإن لم يخرج به عن كونه من أهل الجهاد‌ ـ كالحمّى والصداع ـ لا يسقط عطاؤه ، لأنّه كالصحيح. وإن كان مرضا لا يرجى زواله ـ كالزمن والفلج ـ خرج به عن المقاتلة ، وكان حكمه حكم الذرّيّة في العطاء وسقوطه ، وقد تقدّم (٦).

ولو مات المجاهد بعد حئول الحول واستحقاق السهم ، كان لوارثه المطالبة بسهمه ، قاله الشيخ (٧) ، لأنّه استحقّه بحؤول الحول ، والمجاهدون معيّنون ، بخلاف الفقراء ، فإنّهم غير معيّنين ، فلا يستحقّون بحؤول الحول ، وللإمام أن يصرف إلى من شاء منهم ، بخلاف المجاهدين.

__________________

(١) الام ٤ : ١٥٥ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٧٧.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٧٤ ، النهاية : ٢٩٩.

(٣) تقدّم في ص ٢٣٤ ، المسألة ١٣٣.

(٤) الامّ ٤ : ١٥٤ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٧٧.

(٥) تقدّم في ص ٩.

(٦) تقدّم في ص ٢٤٦.

(٧) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٧٣ ـ ٧٤.

٢٧٢

وللشافعي قول آخر : إنّه إنّما يستحقّ بعد موته إذا صار المال إلى يد الوالي ، لأنّ الاستحقاق إنّما هو بحصول المال لا بمضي الزمان (١).

مسألة ١٥٩ : قال الشيخ : ما يحتاج الكراع وآلات الحرب إليه يؤخذ من بيت المال‌ من مال (٢) المصالح ، وكذا رزق الحكّام وولاة الأحداث والصلاة وغيره من وجوه الولايات والمصالح يخرج من ارتفاع الأراضي المفتوحة عنوة ومن سهم سبيل الله ، ومن جملة ذلك ما يلزمه فيما يخصّه من الأنفال والفي‌ء ، وهي جنايات من لا عقل له ، ودية من لا يعرف قاتله وغير ذلك ممّا نقول : إنّه يلزم بيت المال (٣).

ولو أهدى المشرك إلى الإمام أو إلى رجل من المسلمين هديّة والحرب قائمة ، قال الشافعي : تكون غنيمة ، لأنّه إنّما أهدى ذلك من خوف الجيش ، وإن أهدى إليه قبل أن يرتحلوا من دار الإسلام ، لم تكن غنيمة وانفرد بها (٤).

وقال أبو حنيفة : تكون للمهدي إليه على كلّ حال. وهو رواية عن أحمد (٥).

__________________

(١) الامّ ٤ : ١٥٦ ، مختصر المزني : ١٥٢ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٥٤.

(٢) في المصدر : أموال.

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٧٥.

(٤) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ و ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨ و ٤٨٥ ، المغني ١٠ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ و ٤٨٨ ، المغني ١٠ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٩.

٢٧٣
٢٧٤

الفصل الخامس : في أحكام أهل الذمّة‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في وجوب الجزية ومن تؤخذ منه.

مسألة ١٦٠ : الجزية هي المال المأخوذ من أهل الكتاب لإقامتهم بدار الإسلام ، في كلّ عام.

وهي واجبة بالنصّ والإجماع.

قال الله تعالى ( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (١).

وما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصيّة من يبعثه أميرا على سريّة أو جيش : « .. فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية » (٢).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « .. فإن أبوا هاتين فادعهم إلى إعطاء الجزية » (٣).

ولا خلاف بين المسلمين في ذلك.

إذا عرفت هذا ، فعقد الجزية أن يقول الإمام أو نائبه : أقررتكم بشرط الجزية والاستسلام. ويذكر مقدار الجزية ، فيقول الذمّي : قبلت ، أو : رضيت ، وشبهه.

__________________

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٣٧ ـ ٢٦١٢ ، مسند أحمد ٦ : ٤٨٣ ـ ٢٢٤٦٩ ، المغني ١٠ : ٥٥٧ ـ ٥٥٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٦.

(٣) الكافي ٥ : ٢٩ ـ ٨ ، التهذيب ٦ : ١٣٩ ـ ٢٣٢.

٢٧٥

وقال بعض الشافعيّة : لا يجب ذكر مقدار الجزية لكن ينزل على الأقلّ (١).

وقيل : لا يجب ذكر الاستسلام ، نعم يجب ذكر كفّ اللسان عن الله تعالى ورسوله (٢).

وفي صحته مؤقتا قولان (٣).

ولو قال : أقررتكم ما شئت أنا ، فقولان قريبان (٤) ، وأولى بالجواز.

ولو قال : ما شئتم ، صحّ ، لأنّ عقد الجزية غير لازم من جانب الكفّار ، فإنّ لهم الالتحاق بدارهم متى شاءوا.

مسألة ١٦١ : ويعقد الجزية لكلّ كتابيّ عاقل بالغ ذكر.

ونعني بالكتابي من له كتاب حقيقة ، وهم اليهود والنصارى ، ومن له شبهة كتاب ، وهم المجوس ، فتؤخذ الجزية من هؤلاء الأصناف الثلاثة بإجماع علماء الإسلام قديما وحديثا.

والكتاب إمّا التوراة أو الإنجيل ، فأهل التوراة اليهود ، وأهل الإنجيل النصارى. وقد كانت النصرانيّة في الجاهلية في ربيعة وغسّان وبعض قضاعة ، واليهوديّة في حمير وبني كنانة وبني الحارث بن كعب وكندة ،

__________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٢ ـ ٤٩٣ ، الوسيط ٧ : ٥٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٨.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٧ ، وانظر العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٣ ، والوسيط ٧ : ٥٦ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٨٨.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٣ ، الوسيط ٧ : ٥٦ ـ ٥٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٨.

(٤) كذا ، وفي الوجيز والوسيط : فقولان مرتّبان. وهما للشافعيّة ، انظر : الوجيز ٢ : ١٩٧ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٣ ، والوسيط ٧ : ٥٧ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٨٨.

٢٧٦

والمجوسيّة في تميم ، وعبادة الأوثان ، والزندقة كانت في قريش وبني حنيفة.

وتؤخذ الجزية من جميع اليهود وجميع النصارى على الشرائط الآتية ، سواء كانوا من المبدّلين أو غير المبدّلين ، وسواء كانوا عربا أو عجما في قول علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر (١) ـ لعموم الآية (٢). ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ من أكيدر دومة (٣) ، وهو رجل من غسّان أو كندة من العرب (٤) ، وأخذ من نصارى نجران (٥) ، وهم عرب ، وأمر معاذا أن يأخذ الجزية من أهل اليمن (٦) ، وهم كانوا عربا.

وقال أبو يوسف : لا تؤخذ الجزية من العرب (٧).

والإجماع يبطله ، فإنّ اليهود والنصارى من العرب سكنوا في زمن الصحابة والتابعين في بلاد الإسلام ولا يجوز إقرارهم فيها بغير جزية.

__________________

(١) المغني ١٠ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٨ ، الامّ ٤ : ١٧٤ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٨٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٤ ـ ١٦٣٥.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) دومة : قلعة من بلاد الشام. وأكيدرها ملكها ، واسمه أكيدر بن عبد الملك الكندي. معجم البلدان ٢ : ٤٨٧.

(٤) سنن أبي داود ٣ : ١٦٧ ـ ٣٠٤١ ، سنن البيهقي ٩ : ١٨٦ و ١٨٧.

(٥) سنن أبي داود ٣ : ١٦٧ ـ ٣٠٤١ ، السيرية النبويّة ـ لابن هشام ـ ٢ : ٢٣٣ ، الدلائل ـ لأبي نعيم ـ ٢ : ٤٥٧ ـ ٢٤٥ ، الدلائل ـ للبيهقي ـ ٥ : ٣٨٩ ، المغني ١٠ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٨.

(٦) سنن أبي داود ٣ : ١٦٧ ـ ٣٠٣٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠ ـ ٦٢٣ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥ ـ ٢٦ ، سنن البيهقي ٩ : ١٨٧ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٣٩٨.

(٧) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٦ ، المغني ١٠ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٨.

٢٧٧

مسألة ١٦٢ : تؤخذ الجزية ممّن دخل في دينهم من الكفّار إن كانوا قد دخلوا فيه قبل النسخ والتبديل ، ومن نسله وذراريه ، ويقرون بالجزية ولو ولد بعد النسخ.

ولو دخلوا في دينهم بعد النسخ ، لم يقبل منهم إلاّ الإسلام ، ولا تؤخذ منهم الجزية ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لقوله عليه‌السلام : « من بدّل دينه فاقتلوه » (٢).

ولأنّه ابتغى دينا غير الإسلام ، فلا يقبل منه ، لقوله تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) (٣).

وقال المزني : يقرّ على دينه ، وتقبل منه الجزية مطلقا (٤) ، لقوله تعالى ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) (٥).

والمراد المشاركة في الإثم والكفر دون إقراره على عقيدته.

ولا فرق بين أن يكون المنتقل إلى دينهم ابن كتابيّين أو ابن وثنيّين أو ابن كتابيّ ووثنيّ في التفصيل الذي فصّلناه.

ولو ولد بين أبوين أحدهما تقبل منه الجزية والآخر لا تقبل ، ففي‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧.

(٢) سنن الترمذي ٤ : ٥٩ ـ ١٤٥٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٤٨ ـ ٢٥٣٥ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠٨ ـ ٩٠ ، و ١١٣ ـ ١٠٨ ، سنن البيهقي ٨ : ١٩٥ و ٢٠٢ و ٢٠٥ ، و ٩ : ٧١ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٣ : ٥٣٨ ـ ٥٣٩ ، مسند أحمد ١ : ٣٥٨ ـ ١٨٧٤ ، و ٤٦٥ ـ ٤٦٦ ـ ٢٥٤٨ ، و ٥٣٠ ـ ٥٣١ ـ ٢٩٦٠ ، و ٦ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ـ ٢١٥١٠.

(٣) آل عمران : ٨٥.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧.

(٥) المائدة : ٥١.

٢٧٨

قبول الجزية منه تردّد.

مسألة ١٦٣ : المجوس تؤخذ منهم الجزية كاليهود والنصارى إجماعا ، لما رواه العامّة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب » (١).

ومن طريق الخاصّة : ما رواه علماؤنا أنّ الصادق عليه‌السلام سئل عن المجوس أكان لهم نبي؟ قال : « نعم ، أما بلغك كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أهل مكة أسلموا وإلاّ نابذتكم بحرب ، فكتبوا إليه أن خذ منّا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان ، فكتب إليهم إنّي لست آخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه زعمت أنّك لا تأخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب ثمّ أخذت الجزية من مجوس هجر ، فكتب إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور » (٢).

فالروايات متظافرة (٣) بأنّهم أهل كتاب ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لقول عليّ عليه‌السلام : « أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلّمونه وكتاب يدرسونه » الحديث ، رواه العامّة (٥).

__________________

(١) الموطأ ١ : ٢٧٨ ـ ٤٢ ، سنن البيهقي ٩ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ، الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٣٧ ـ ٧٨ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٣ : ٢٢٤ ، و ١٢ : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ـ ١٢٦٩٦ و ١٢٦٩٧ ، المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٦ : ٦٩ ـ ١٠٠٢٥ ، و ١٠ : ٣٢٥ ـ ١٩٢٥٣ ، ترتيب مسند الشافعي ٢ : ١٣٠ ـ ٤٣٠ ، المغني ١٠ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٧.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٧ ـ ٥٦٨ ـ ٤ ، التهذيب ٦ : ١٥٨ ـ ٢٨٥.

(٣) في « ق ، ك‍ » : متظاهرة.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥١ ، الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٦.

(٥) سنن البيهقي ٩ : ١٨٩ ، المغني ١٠ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٧.

٢٧٩

ومن طرق الخاصّة : ما تقدم (١).

وقال أبو حنيفة وأحمد : لا كتاب لهم ، لقوله عليه‌السلام : « سنوا بهم سنّة أهل الكتاب » (٢) (٣).

ويحتمل أن يكون المراد من له كتاب باق ، أو لأنّهم كانوا يعرفون التوراة والإنجيل.

مسألة ١٦٤ : لا يقبل من غير الأصناف الثلاثة من الكفّار إلاّ الإسلام ، فلو بذل عبّاد الأصنام والنيران والشمس الجزية ، لم تقبل ، سواء العرب والعجم ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لقوله تعالى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٥) خرج منهم الثلاثة ، لنصّ خاصّ ، فبقي الباقي على عمومه.

وما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلاّ الله » (٦) الحديث.

__________________

(١) تقدّم آنفا.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (١) من ص ٢٧٩.

(٣) المغني ١٠ : ٥٥٩ ـ ٥٦٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٦ ـ ٥٧٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٥١ ، الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٥ ، المغني ١٠ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٥) التوبة : ٥.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٥١ و ٥٢ ـ ٣٢ و ٣٣ ، و ٥٣ ـ ٣٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٤٤ ـ ٢٦٤٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٩٥ ـ ٣٩٢٧ ـ ٣٩٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٤ ، سنن الترمذي ٥ : ٣ ـ ٤ ـ ٢٦٠٦ و ٢٦٠٧ ، سنن الدار قطني ٢ : ٩ ـ ٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٢١٨ ، سنن البيهقي ٩ : ٤٩ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٥٢٢ ، مسند أحمد ٤ : ٥٧٦ ـ ٥٧٧ ـ ١٥٧٢٧ ، المغني ١٠ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩ ـ ٥٨٠.

٢٨٠