تذكرة الفقهاء - ج ٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١

الإبل. ولأنّه حيوان تجوز المسابقة عليه بعوض ، فيسهم له ، كالفرس (١).

ولا دلالة ( في الآية ) (٢) على إسهام الركاب ، والجامع لا يصلح للعلّيّة ، لنقضه بالبغال والحمير ، ولا فرق بين أن تقوم الإبل مقام الخيل أو تزيد في العمل.

ويسهم للخيل مع حضورها الوقعة وإن لم يقاتل عليها ولا احتيج إليها في القتال ، لأنّه أحضرها للقتال ولزم عليها مئونة.

ولو كانت الغنيمة من فتح حصن أو مدينة ، فالقسمة فيها كالقسمة في (٣) غنائم دار الحرب ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسّم غنائم خيبر (٥) للفارس ثلاثة أسهم ، وللراجل سهمين ، وهي حصون (٦).

ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى الخيل بأن ينزل أهل الحصن فيقاتلوا خارجه ، فيسهم (٧) له.

ولو حاربوا في السفن وفيهم الرجالة وأصحاب الخيل ، قسّمت الغنيمة كما تقسّم في البرّ ، للراجل سهم ، وللفارس سهمان ، سواء احتاجوا إلى الخيل أو لا ، للرواية عن الصادق عليه‌السلام لمّا سأله حفص بن غياث عن سريّة في سفينة قاتلوا ولم يركبوا الفرس كيف تقسّم؟ فقال عليه‌السلام : « للفارس سهمان ، وللراجل سهم » (٨).

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤٣٨ ـ ٤٣٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٧.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك‍ » : للآية.

(٣) في « ق ، ك‍ » : « من » بدل « في ».

(٤) المغني ١٠ : ٤٤١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٦.

(٥) في الطبعة الحجريّة ، و « ق ، ك‍ » : « حنين » بدل « خيبر ». وما أثبتناه من المصدر.

(٦) المغني ١٠ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٣.

(٧) في « ق ، ك‍ » بدل « فيسهم » : « فيقسم ».

(٨) التهذيب ٦ : ١٤٦ ـ ٢٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣ ـ ٣.

٢٤١

مسألة ١٣٩ : يسهم للفرس المستعار للغزو ، والسهم للمستعير‌ ـ وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (١) ـ لأنه متمكّن من الغزو عليه شرعا وعقلا ، فأشبه المستأجر. ولأنّ سهم الفرس لمنفعته ، وهي مملوكة للمستعير.

وقال بعض الحنفيّة : السهم للمالك. وهو رواية عن أحمد (٢). وقال بعضهم : لا يسهم للفرس (٣) ، لأنّ السهم نماء الفرس ، فأشبه الولد (٤). ولأنّ مالكه لا يستحقّ شيئا فكذا فرسه ، كالمخذّل (٥).

والفرق : أنّ النماء والولد غير مأذون له فيه ، بخلاف الغزو. والمخذّل لا يستحقّ سهما بالحضور ، للخذلان ، بخلاف المستعير ، فإنّ صاحب الفرس لو حضر لاستحقّ سهما ، وإنّما منع ، للغيبة ، فلا قياس ، للاختلاف في العلّة.

ولا نعلم خلافا في استحقاق المستأجر لسهم الفرس إذا استأجره للغزو.

ولو استعار فرسا لغير الغزو فغزا عليه ، استحقّ السهم الذي له ، وأمّا ( سهم الفرس ) (٦) فكالفرس المغصوب.

ولو استأجره لغير الغزو فغزا عليه ، سقط سهم الفرس ، لأنّه‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٤ ، المغني ١٠ : ٤٥٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠١.

(٢ و ٣) المغني ١٠ : ٤٥٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠١.

(٤) قوله : « لأنّ السهم .. الولد » دليل لقول أحمد وبعض الحنفيّة.

(٥) قوله : « ولأنّ مالكه .. كالمخذّل » دليل لقول بعض الحنفيّة الآخر.

(٦) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « السهم الذي للفرس ».

٢٤٢

كالغاصب.

ولو كان المستأجر أو المستعير ممّن لا سهم له ، كالمرجف والمخذّل ، أو له رضخ ، كالمرأة والعبد ، كان حكمه حكم فرسه المملوكة ، وقد تقدّم (١).

مسألة ١٤٠ : لو غصب فرسا فقاتل عليه ، استحقّ الغاصب سهم راجل.

وأمّا سهم الفرس : فإن كان صاحبه حاضرا في الحرب ، فالسهم له ، وإلاّ فلا شي‌ء له ، لأنّه مع الحضور قاتل على فرسه من يستحقّ السهم ، فاستحقّ السهم ، كما لو كان مع صاحبه ، وإذا ثبت أنّ للفرس سهما ، ثبت لمالكه ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل للفرس سهما (٢) ولصاحبه سهما (٣) ، وما كان للفرس كان لمالكه.

وأمّا مع الغيبة : فإنّ الغاصب لا يملك منفعة الفرس ، والمالك لم يحضر ، فلا يستحقّ سهما ، فلا يستحقّ فرسه.

وقال بعض الشافعيّة : يسهم للغاصب ، وعليه اجرة الفرس لمالكه ، لأنّ الفرس كالآلة ، فكان حاصلها لمستعملها ، كما لو غصب سيفا فقاتل به ، أو قدوما (٤) فاحتطب به (٥).

والفرق : أنّ السيف والقدوم لا شي‌ء لهما ، والفرس جعل لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) تقدّم في ص ٢٢٧ و ٢٢٨.

(٢) كذا ، وفي المصدر : « سهمين ».

(٣) صحيح البخاري ٤ : ٣٧ ، المغني ١٠ : ٤٥٣.

(٤) القدوم : التي ينحت بها. لسان العرب ١٢ : ٤٧١ « قدم ».

(٥) المغني ١٠ : ٤٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٩ ـ ٥١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤١.

٢٤٣

سهما ، ولمّا لم تكن الفرس أهلا للتملّك كان السهم لمالكها.

وقال بعض الحنفيّة : لا سهم للفرس. وهو قول بعض الشافعيّة (١).

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب على الغاصب اجرة المثل ، سواء كان صاحبه حاضرا أو غائبا.

ولو كان الغاصب ممّن لا سهم له كالمرجف ، فسهم الفرس لمالكه إن كان حاضرا ، وإلاّ فلا شي‌ء له.

وقال بعض العامّة : حكم المغصوب حكم فرسه ، لأنّ الفرس يتبع الفارس في حكمه ، فيتبعه إذا كان مغصوبا ، قياسا على فرسه (٢).

وليس بجيّد ، لأنّ النقص في الفارس والجناية منه ، فاختصّ المنع به وبتوابعه ، كفرسه التابعة له ، بخلاف المغصوب.

وكذا البحث لو غزا العبد بغير إذن مولاه على فرس مولاه.

ولو غزا جماعة على فرس واحدة بالتناوب ، قال ابن الجنيد : يعطى كلّ واحد سهم راجل ثمّ يقسّم بينهم سهم فرس واحدة. وهو حسن.

مسألة ١٤١ : لو غزا العبد بإذن مولاه على فرس مولاه ، رضخ للعبد ، وأسهم للفرس. والسهم والرضخ لسيّده (٣). ولو كان معه فرسان ، رضخ له ، وأسهم لفرسيه ـ وبه قال أحمد (٤) ـ لأنّه فرس حضر الوقعة وخوصم عليه ، فاستحقّ مالكه السهم ، كما لو كان الراكب هو السيّد.

وقال أبو حنيفة والشافعي : لا سهم للفرس : لأنّه تحت من لا سهم

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤١.

(٢) المغني ١٠ : ٤٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٠.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « للسيّد ».

(٤) المغني ١٠ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٠.

٢٤٤

له ، فلم يسهم له ، كما لو كان تحت مخذّل (١).

والفرق : أنّ المخذّل لا يستحقّ شيئا بالحضور ، ففرسه أولى بعدم الاستحقاق.

ولو غزا الصبي على فرس ، أسهم له ولفرسه على خلاف بيننا وبين العامّة في استحقاق الصبي السهم.

ولو غزت المرأة أو الكافر على فرس لهما ، فالأقرب أنّهما يرضخان أزيد من رضخ الراجل من صنفهما وأقلّ من سهم الفارس ، لأنّا قد بيّنّا أنّه لا يبلغ بالرضخ للفارس سهم فارس. ولأنّ سهم الفرس له ، فإذا لم يستحقّ هو بحضوره سهما ففرسه أولى ، بخلاف العبد ، فإنّ الفرس هناك لغيره وهو السيّد.

ولو غزا المرجف أو (٢) المخذّل على فرس ، فلا شي‌ء له ولا لفرسه.

ولو غزا العبد بغير إذن مولاه ، لم يرضخ (٣) له ، لأنّه عاص.

مسألة ١٤٢ : ينبغي للإمام أن يتعاهد خيل المجاهدين ـ التي تدخل دار الحرب‌ ـ ويعتبرها ، فيأذن في استصحاب ما يصلح للقتال ، ويمنع من استصحاب ما لا يصلح له ، لأنّه كلّ وضرر ، كالحطم ـ وهو الذي يتكسّر من الهزال ، والقحم ـ بفتح القاف وسكون الحاء ـ وهو الكبير السنّ الهرم الفاني ، والضرع ـ بفتح الضاد والراء ـ وهو الصغير الضعيف الذي لا يمكن القتال عليه ، والأعجف ، وهو المهزول ، والرازح ، وهو الذي لا حراك به من الهزال.

فلو ادخل فرس من هذه ، قال الشيخ : يسهم له (٤) ـ وبه قال‌

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٠.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجرية : « و » بدل « أو ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) في « ق ، ك‍ » : « فلا رضخ ».

(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٧١ ، الخلاف ٤ : ٢٠٣ ، المسألة ٢٨.

٢٤٥

الشافعي (١) ـ لعموم الأخبار ، ولأنّ كلّ جنس يسهم له فإنّه يستوي فيه القويّ والضعيف ، كالآدمي.

وقال ابن الجنيد منّا : لا يسهم له ـ وبه قال مالك وأحمد ، وقول للشافعي (٢) ـ لأنّه لا ينتفع به ، فأشبه المخذّل.

والمريض يسهم له إذا لم يخرج بمرضه عن كونه من أهل الجهاد ، كالمحموم وصاحب الصداع ، لأنّه من أهل الجهاد ، ويعين عليه برأيه وتكبيره (٣) ودعائه.

وإن خرج (٤) ، كالزمن والأشلّ والمفلوج ، فهل يسهم له؟ قال الشيخ : يسهم له ، عندنا ، سواء منع مرضه من الجهاد أولا ، كالطفل (٥).

ولو نكس الفرس بصاحبه في حملته أو مبارزته ، أسهم له ، ولم يمنع بذلك من الإسهام.

ولو استأجر أجيرا للحرب ثمّ دخلا معا دار الحرب ، أسهم لهما معا ، سواء كانت الأجرة (٦) في الذمّة أو معيّنة ، ويستحقّ مع ذلك الأجرة. ولو لم يحضر المستأجر ، استحقّ المؤجر السهم والأجرة ، لأنّ الإسهام يستحقّ‌

__________________

(١) الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٣ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤١ ، المغني ١٠ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٨١.

(٢) المغني ١٠ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٨١ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٣ ، الامّ ٤ : ١٤٥ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٣ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤١.

(٣) في « ق » : تكثيره.

(٤) أي : خرج بمرضه عن كونه من أهل الجهاد.

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٧١ ـ ٧٢ ، الخلاف ٤ : ٢٠٥ ، المسألة ٣٠.

(٦) في « ق ، ك‍ » : الإجارة.

٢٤٦

بالحضور.

مسألة ١٤٣ : الاعتبار بكونه فارسا وقت الحيازة للغنيمة ، لا بدخوله المعركة. فلو دخل دار (١) الحرب فارسا ثمّ ذهب (٢) فرسه قبل حيازة الغنيمة ، فلا سهم لفرسه. ولو دخل راجلا فأحرزت الغنيمة وهو فارس ، فله سهم فارس (٣) ـ وبه قال الشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن عمر (٤) ـ لأنّه حيوان يسهم له ، فاعتبر وجوده حال القتال ، كالآدمي.

وقال أبو حنيفة : الاعتبار بدخول دار الحرب ، فإن دخل فارسا ، فله سهم فارس وإن نفق فرسه قبل القتال ، وإن دخل راجلا ، فله سهم راجل وإن استفاد فرسا فقاتل عليه (٥).

وعنه رواية أخرى كقولنا ، لأنّه دخل الحرب بنيّة القتال ، فلا يتغيّر سهمه بذهاب دابّته أو حصول دابّة أخرى له ، كما لو كان ذلك بعد القتال (٦).

والفرق تقدّم.

ولو دخل الحرب فارسا فمات فرسه بعد تقضّي الحرب قبل حيازة الغنائم ، للشافعي قولان (٧) مبنيّان على أنّ ملك الغنيمة هل يتحقّق بانقضاء‌

__________________

(١) كلمة « دار » لم ترد في « ق ، ك‍ ».

(٢) في الطبعة الحجريّة : ذهبت.

(٣) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجرية ، فرس. وما أثبتناه هو المناسب لسياق العبارة.

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ٤٢١ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤٢ ، المغني ١٠ : ٤٣٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٨ ـ ٥٠٩.

(٥) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٤٢ ـ ٤٣ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٦ و ١٢٧ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢١ ، المغني ١٠ : ٤٣٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٩.

(٦) المغني ١٠ : ٤٣٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٩.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٦.

٢٤٧

الحرب أو الحيازة؟

وكذا لو وهب فرسه أو أعاره أو باعه ، البحث في ذلك كلّه واحد.

قال الشيخ : هذا إذا كان الحرب في دار الكفر ، فأمّا إذا كان في دار الإسلام ، فلا خلاف في أنّه لا يسهم إلاّ للفرس الذي يحضر القتال (١).

مسألة ١٤٤ : من مات من الغزاة أو قتل قبل حيازة الغنيمة وتقضّي القتال ، فلا سهم له. وإن مات بعد ذلك ، فسهمه لورثته ـ وبه قال أحمد (٢) ـ لأنّه إذا مات قبل حيازة الغنيمة ، فقد مات قبل ملكها وثبوت اليد عليها ، فلم يستحقّ شيئا ، وإن مات بعده ، فقد مات بعد الاستيلاء عليها في حال لو قسّمت صحّت قسمتها وملك سهمه ، فاستحقّ السهم ، كما لو مات بعد إحرازها في دار الإسلام ، وإذا استحقّ السهم ، انتقل إلى ورثته ، كغيره من الحقوق.

وقال أبو حنيفة : إن مات قبل إحراز الغنيمة في دار الإسلام أو قسمتها في دار الحرب ، فلا سهم له ، لأنّ ملك المسلمين لا يتمّ إلاّ بذلك (٣).

ونمنع ذلك ، بل يملك بالاستيلاء والحيازة.

وقال الشافعي وأبو ثور ، إن حضر القتال ، أسهم له ، سواء مات قبل حيازة الغنيمة أو بعدها ، وإن لم يحضر ، فلا سهم له (٤) ـ ونحوه قال مالك‌

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٧١.

(٢) المغني ١٠ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٥ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٨.

(٣) بدائع الصنائع ٧ : ١٢١ ، المغني ١٠ : ٤٤٠ ـ ٤٤١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٦.

(٤) روضة الطالبين ٥ : ٣٣٦ ، المغني ١٠ : ٤٤١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٥.

٢٤٨

والليث بن سعد (١) ـ لقوله عليه‌السلام : « الغنيمة لمن شهد الوقعة » (٢).

( ونحن نقول ) (٣) بموجبه ، فإنّ من قتل قبل تقضّي الحرب لم يشهد الوقعة بكمالها.

مسألة ١٤٥ : لا يجوز تفضيل بعض الغانمين في القسمة (٤) على بعض ، بل يقسّم للفارس سهمان ، وللراجل سهم ، ولذي (٥) الأفراس ثلاثة ، سواء حاربوا أو لا إذا حضروا للحرب لا للتخذيل وشبهه ، ولا يفضّل أحد لشدّة بلائه وحربه ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٦) ـ لقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ) (٧) أضاف الباقي إلى الغانمين فاستووا فيه ، عملا بالظاهر.

ولأنّه عليه‌السلام قسّم للفارس سهمين وثلاثة على تفاوتهم في عدد الخيل ، وللراجل سهما (٨).

من طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن قسم بيت المال : « أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوّي بينهم في العطاء وفضائلهم بينهم وبين‌

__________________

(١) المدوّنة الكبرى ٢ : ٣٣ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ١٨٠ ، المغني ١٠ : ٤٤١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٥ ـ ٥١٦.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١٦.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك‍ » : ونقول.

(٤) في « ق ، ك‍ » بدل « القسمة » : « الغنيمة ».

(٥) في « ك‍ » والطبعة الحجريّة : لذوي.

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤٠ ، المغني ١٠ : ٤٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١١ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٨.

(٧) الأنفال : ٤١.

(٨) سنن أبي داود ٣ : ٧٥ ـ ٧٦ ـ ٢٧٣٣ ـ ٢٧٣٦ ، المغني ١٠ : ٤٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١١.

٢٤٩

الله ، أجملهم كبني رجل واحد لا يفضّل أحد منهم لفضله وصلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص » (١).

وقال مالك : يجوز أن يفضّل بعض الغانمين على بعض ، ويعطى من لم يحضر الوقعة (٢) ، لأنّ النبي عليه‌السلام أعطى من غنيمة بدر من لم يشهدها (٣).

وقال أبو حنيفة : يجوز أن يفضّل ، ولا يعطى من لم يحضر الوقعة (٤) ، لقوله عليه‌السلام : « من أخذ شيئا فهو له » (٥).

والجواب : أنّه ورد في قضيّة بدر ، وغنائمها لم تكن للغانمين.

قال الشيخ : إذا قال الإمام : من أخذ شيئا فهو له ، جاز ، لأنّه معصوم وفعله حجّة (٦).

ونحن لا ننازعه ، بل هل لنائبه ذلك؟ للشافعي قولان :

أحدهما : الجواز ، لأنّ النبي عليه‌السلام قاله في غزاة بدر.

والثاني : المنع ، لأنّه عليه‌السلام قسّم الغنائم للفارس سهمين وللراجل سهما. وقضيّة بدر منسوخة (٧).

مسألة ١٤٦ : الغنيمة تستحقّ بالحضور قبل القسمة ، فلو غنم المسلمون ثمّ لحقهم مدد قبل تقضي الحرب ، أسهم له إجماعا ، وإن كان بعده وبعد‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٤٦ ـ ٢٥٥ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٤.

(٣) المغازي ـ للواقدي ـ ١ : ١٥٣ ، و ٢ : ٦٨٣ ، السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٢ : ٣٣٤ و ٣٣٨ و ٣٤٥ و ٣٤٦ و ٤٤٠ ، المنتظم ٣ : ١٣٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٤.

(٥) سنن البيهقي ٦ : ٣١٥ ، المغني ١٠ : ٤٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١١.

(٦) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٦٨ ـ ٦٩ ، الخلاف ٤ : ١٨٩ ، المسألة ١٤.

(٧) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٢٩ ، وانظر : المغني ١٠ : ٤٥٤ ، والشرح الكبير ١٠ : ٥١١.

٢٥٠

القسمة ، فلا شي‌ء له إجماعا.

وإن كان بعد انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة قبل القسمة ، أسهم له ، عندنا ـ وبه قال أبو حنيفة (١) ـ لرواية حفص بن غياث أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام ولم يلقوا عدوّا حتى يخرجوا إلى دار الإسلام. فهل يشاركونهم فيها؟ قال : « نعم » (٢).

ولأنّهم اجتمعوا على الغنيمة في دار الحرب ، فأسهم لهم ، كما لو حضروا القتال.

وقال الشافعي : لا يسهم له ـ وبه قال أحمد ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقسّم لأبان بن سعيد بن العاص وأصحابه لمّا قدموا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر بعد أن فتحها (٣) (٤).

وهي حكاية حال ، فجاز أن يكونوا قد حضروا بعد القسمة.

مسألة ١٤٧ : إذا لحق الأسير بالمسلمين ، فإن كان بعد تقضّي الحرب وقسمة الغنيمة ، لم يسهم له إجماعا ، لأنّ المدد لو لحقهم بعد القسمة لم يسهم له فكذا الأسير.

وإن لحق بهم بعد انقضاء الحرب فقاتل مع المسلمين ، استحقّ السهم‌

__________________

(١) بدائع الصنائع ٧ : ١٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٤ ، المغني ١٠ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٨١.

(٢) التهذيب ٦ : ١٤٥ ـ ١٤٦ ـ ٢٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٢ ـ ١.

(٣) سنن أبي داود ٣ : ٧٣ ـ ٢٧٢٣ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٨٥ ـ ٢٧٩٣.

(٤) المغني ١٠ : ٤٥٥ و ٤٥٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٨١ و ٤٨٢ ، الامّ ٤ : ١٤٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٥.

٢٥١

عندنا ، وهو قول العلماء لا نعلم فيه خلافا.

وإن لم يقاتل ، أسهم له ـ وهو أحد قولي الشافعي (١) ـ لأنّه لو قاتل استحقّ السهم إجماعا ، وكلّ من يستحقّ مع القتال يستحقّ مع عدمه إذا حضر الوقعة ، كغير الأسير.

وقال أبو حنيفة : لا يسهم له ـ وهو ثاني الشافعي ـ لأنّه حضر ليتخلّص من القتل والأسر لا للقتال ، فأشبه المرأة (٢).

وينتقض بما لو قاتل ، ولأنّ الاعتبار بالحضور مع كونه من أهل القتال ، لا بالقتال.

ولو دخل (٣) التجار أو الصنّاع مع المجاهدين دار الحرب كالبقّال والبيطار والخيّاط وغيرهم من أتباع العسكر ، فإن قصدوا الجهاد مع التجارة أو الصناعة ، استحقّوا ، وإن لم يقصدوا ، فإن جاهدوا ، استحقّوا ، وإن لم يجاهدوا ، قال الشيخ : لا يسهم لهم بحال (٤) ، لأنّهم لم يدخلوا للجهاد والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الأعمال بالنيّات » (٥).

ولو اشتبه الحال ، قال الشيخ : الظاهر أنّه يسهم لهم (٦) ، لأنّهم‌

__________________

(١) الامّ ٤ : ١٤٦ ، مختصر المزني : ١٥٠ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٥ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤٠.

(٢) المبسوط ـ للسرخسي ١٠ : ٤٦ ، الامّ ٤ : ١٤٦ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧١ ، مختصر المزني : ١٥٠ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٤.

(٣) في متن الطبعة الحجريّة : حضر.

(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٧٢.

(٥) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ ـ ٢٢٠١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ ـ ٤٢٢٧ ، سنن البيهقي ١ : ٢١٥ و ٧ : ٣٤١.

(٦) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « له » بدل ما أثبتناه ، وذلك من المصدر.

٢٥٢

حضروا ، والسهم يستحقّ بالحضور (١).

وللشافعي قولان : الإسهام وعدمه.

واختلف أصحابه ، فقال بعضهم : القولان فيما إذا لم يقاتلوا ، ولو قاتلوا ، استحقّوا قولا واحدا ، كالأسير. ومنهم من قال : القولان فيما إذا قاتلوا ، وإن لم يقاتلوا لم يستحقّوا قولا واحدا. ومنهم من قال : القولان في الصورتين (٢).

وقال أبو حنيفة : إن قاتلوا ، استحقّوا ، وإن لم يقاتلوا ، لم يستحقّوا (٣).

مسألة ١٤٨ : الجيش إذا خرج غازيا من بلد فبعث الإمام منه سريّة فغنمت السريّة ، شاركهم الجيش ، ولو غنم الجيش ، شاركتهم السريّة في غنيمته ، وهو قول العلماء (٤) كافّة إلاّ الحسن البصري ، فإنّه حكي فيه أنّه قال : تنفرد السريّة بما غنمت (٥).

وفعل النبي عليه‌السلام حيث أشرك بين السريّة ـ التي بعثها قبل أوطاس فغنمت ـ وبين الجيش (٦) يبطل قوله.

ولأنّه عليه‌السلام كان ينفل في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث (٧). وهو يدلّ‌

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٧٢.

(٢) الامّ ٤ : ١٤٦ ، مختصر المزني : ١٥٠ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٩.

(٣) بدائع الصنائع ٧ : ١٢٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٨٠.

(٤) المغني ١٠ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٦.

(٥) الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٧.

(٦) الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٧ ، المغني ١٠ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٦.

(٧) المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ١٣٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٨٠ ـ ٢٧٥٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٣١٣ ، مسند أحمد ٥ : ١٦٣ ـ ١٧٠١٥.

٢٥٣

على اشتراكهم فيما سواه.

وقوله عليه‌السلام : « الغنيمة لمن شهد الوقعة » (١) مسلّم ، فإنّ المراد الحضور حقيقة أو حكما ، كالمدد (٢).

ولو بعث الإمام من الجيش سريّتين إلى جهة واحدة فغنمتا ، اشترك الجيش والسريّتان إجماعا.

ولو اختلفت الجهة ، قال الشيخ : اشترك الجميع (٣) ـ وهو قول بعض الشافعيّة (٤) ـ كما لو اتّفقت الجهة ، وهما من جيش واحد ، فاشتركوا.

وقال بعض الشافعيّة : لا تتشارك السريتان ، وكلّ واحدة منهما مع الجيش كالجيش الواحد ، فأمّا إحداهما مع الأخرى فكالمنفردتين لا تقاسم إحداهما الأخرى (٥).

ولو بعث الإمام سريّة وهو مقيم ببلد الإسلام ، فغنمت ، اختصّت بالغنيمة إجماعا ، ولا يشاركهم الإمام ولا جيشه. وكذا لو بعث جيشا وهو مقيم بالبلد ، لم يشاركه ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يبعث السرايا وهو مقيم بالمدينة ولا يشاركهم (٦) في الغنيمة (٧).

__________________

(١) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٧ ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١٦.

(٢) كلمة « كالمدد » لم ترد في « ق ، ك‍ ».

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٧٣.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٥ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٨.

(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٧ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٨.

(٦) في « ق » : لا يشركهم.

(٧) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٧ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٧.

٢٥٤

ولو بعث سريّتين وهو مقيم ببلد أو بعث جيشين ، فكلّ واحد منهما مختصّ بما غنمه ، لأنّ كلّ سرية انفردت بالغزو والغنيمة ، بخلاف ما لو بعث بالسريّتين (١) من الجيش الواحد ، لأنّه ردء لكلّ واحدة منهما. ولو اجتمعت السريتان فغنمتا ، كانتا جيشا واحدا.

ولو بعث لمصلحة الجيش رسولا أو دليلا أو طليعة أو جاسوسا فغنم الجيش قبل رجوعه إليهم ثمّ رجع إليهم ، فالذي يقتضيه مذهبنا أنّه يسهم له ، لأنّ القتال ليس شرطا ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة (٢) (٣) ـ لأنّه كان في مصلحتهم ، وخاطر بنفسه بما هو أكثر من الثبات في الصفّ ، فشارك.

والثاني : لا يسهم له ، لأنّه لم يحضر الاغتنام (٤).

ولو غنم أهل الكتاب ، نظر ، فإن كان الإمام أذن لهم في الدخول إلى دار الحرب ، فالحكم على ما شرطه ، وإن لم يأذن ، فغنيمتهم للإمام ، عندنا.

وقال الشافعي : ينزعه (٥) منهم ويرضخ لهم. وله قول آخر : إنّه يقرّهم عليه ، كما لو غلب بعض المشركين على بعض (٦).

قال ابن الجنيد : إذا وقع النفير فخرج أهل المدينة متقاطرون فانهزم العدوّ وغنم أوائل المسلمين ، كان كلّ من خرج أو تهيّأ للخروج وأقام في المدينة من المقاتلة لحراستها من مكيدة العدوّ شركاء في الغنيمة.

__________________

(١) في « ق » : السريّتين.

(٢) في « ق ، ك‍ » : الشافعي.

(٣ و ٤) حلية العلماء ٧ : ٦٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٨.

(٥) في الطبعة الحجريّة : ينتزعه.

(٦) حلية العلماء ٧ : ٦٨٣.

٢٥٥

وكذا لو حاصرهم العدوّ فباشر حربه بعض أهل المدينة إلى أن ظفروا وغنموه إذا كانوا مشتركين في المعونة لهم والحفظ للمدينة وأهلها ، فإن كان الذين هزموا العدوّ قد لقوه (١) على ثمان فراسخ من المدينة فقاتلوه وغنموه ، كانت الغنيمة لهم دون من كان في المدينة ، الذين لم يعاونوهم خارجها.

مسألة ١٤٩ : اختلف علماؤنا في أولويّة موضع القسمة ، فقال الشيخ : تستحبّ القسمة في أرض العدوّ ، ويكره تأخيرها إلاّ لعذر من خوف المشركين أو الكمين (٢) في الطريق أو قلّة علف أو انقطاع ميرة (٣).

وقال ابن الجنيد : الاختيار إلينا أن لا نقسّم إلاّ بعد الخروج من دار الحرب.

وبجواز القسمة في دار الحرب قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر (٤) ، لما رواه العامّة عن أبي إسحاق الفزاري (٥) ، قال : قلت للأوزاعي : هل قسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا من الغنائم بالمدينة؟ قال : لا أعلمه إنّما كان الناس يبيعون (٦) غنائمهم ويقسّمونها في أرض عدوّهم ،

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : قد لحقوه.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : التمكن. وهو تصحيف. وما أثبتناه من المصدر.

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ٢ : ١٢ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ١٧٦ ، الامّ ٤ : ١٤٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٣.

(٥) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : الرازي. وهو تصحيف. وما أثبتناه هو الموافق لما في المصادر الفقهيّة والرجاليّة. انظر : المغني ١٠ : ٤٥٩ ، والشرح الكبير ١٠ :

٤٧٩ ، وتاريخ مدينة دمشق ٧ : ١١٩ ـ ٤٩١ ، وتهذيب الكمال ٢ : ٢٠٩ ـ ٢٦ ، و ٣٣ :

٣١ ، وسير أعلام النبلاء ٨ : ٥٣٩ ـ ١٤٢ ، ومعجم الأدباء ١ : ٢٠٩.

(٦) كذا ، وفي المغني : يتبعون. وفي الشرح الكبير : يبتغون.

٢٥٦

ولم يقفل (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن غزاة قطّ أصاب فيها غنيمة إلاّ خمّسه وقسّمه من قبل أن يقفل ، من ذلك غزاة بني المصطلق وهوازن وخيبر (٢).

ومن طريق الخاصّة : قول الشيخ : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسّم غنائم بدر بشعب من شعاب الصفراء قريب من بدر ، وكان ذلك دار حرب (٣).

ولأنّ كلّ موضع جاز فيه الاغتنام جازت فيه القسمة ، كدار الإسلام.

وقال أصحاب الرأي : لا يقسّم إلاّ في دار الإسلام ، لأنّ الملك لا يتمّ عليها إلاّ بالاستيلاء التامّ ، ولا يحصل ذلك إلاّ بإحرازها في دار الإسلام (٤). ونمنع الكبرى.

ولو قسّمت ، قال : أساء القاسم وجازت قسمته ، لأنّها مسألة اجتهاديّة ينفذ (٥) حكم الحاكم فيها إذا وافق قول بعض المجتهدين (٦).

واحتجاج ابن الجنيد من علمائنا ـ بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما قسّم غنائم حنين (٧) والطائف بعد خروجه من ديارهم (٨) إلى الجعرانة (٩) ـ لا يدلّ على مطلوبه ، لأنّها حكاية حال ، فجاز وقوعها لعذر.

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : لم ينفل. وفي الطبعة الحجريّة : لم ينقل. وكلاهما تصحيف ، وما أثبتناه هو الصحيح من أجل سياق العبارة وكما هو في المصدر.

(٢) المغني ١٠ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٩.

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٥‌.

(٤ و ٦) بدائع الصنائع ٧ : ١٢١ ، المغني ١٠ : ٤٥٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٦.

(٥) في « ق » : وينفذ.

(٧) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : خيبر. وما أثبتناه من المصادر.

(٨) في الطبعة الحجريّة : بلادهم.

(٩) المغازي ـ للواقدي ـ ٣ : ٩٤٤ ، السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٤ : ١٣٥ ، المنتظم ٣ : ٣٣٨.

٢٥٧

قال ابن الجنيد : ولو صارت دار أهل الحرب دار ذمّة تجري فيها أحكام المسلمين فأراد الوالي قسمتها مكانه ، فعل ، كما قسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعض غنائم خيبر قبل أن يرحل عنهم (١).

قال : ولو غزا المشركون المسلمين فهزمهم المسلمون وغنموهم ، قسّموا غنائمهم مكانهم إن اختاروا ذلك قبل إدخالها المدن. ولو كان المشركون بادية أو متنقّلة ولا دار لهم فغزاهم المسلمون فغنموهم ، كان قسمتها إلى الوالي إن شاء قسّمها مكانه ، وإن شاء قسّم بعضها وأخّر بعضها (٢) ، كما قسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المغنم بخيبر (٣).

مسألة ١٥٠ : يكره للإمام أن يقيم الحدّ في أرض العدوّ ، بل يؤخّره حتى يعود إلى دار الإسلام‌ ثمّ يقيم عليه الحدّ ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد (٤) ـ لئلاّ تحمل المحدود الغيرة فيدخل إلى دار الحرب.

وقال الشافعي ومالك : لا يؤخّره ، ولا يسقط عنه الحدّ ، سواء كان الإمام مع العسكر أو لا (٥).

وإن رأى الوالي في تقديم الحدّ مصلحة ، قدمه سواء كان مستحقّ الحدّ أسيرا ، أو أسلم فيهم ولم يخرج إلينا ، أو خرج من عندنا لتجارة وغيرها.

أمّا لو قتل مسلما فإنّه يقتصّ منه في دار الحرب ـ وبه قال الشافعي‌

__________________

(١) المغازي ـ للواقدي ـ ٢ : ٦٨٩ ، السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٣ : ٣٦٣ ، المنتظم ٣ : ٢٩٤.

(٢) في الطبعة الحجريّة : بعضا.

(٣) نفس المصادر في الهامش (١).

(٤ و ٥) الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٠ ، المغني ١٠ : ٥٢٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧١ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٧٣ ـ ١٦٢٧.

٢٥٨

ومالك (١) وأحمد (٢) ـ لعموم الأمر بالحدّ والقصاص. ولأنّ المقتضي لإيجاب القصاص موجود ، والمانع من التقديم ـ وهو خوف اللحاق بالعدوّ ـ مفقود. ولأنّ كلّ موضع حرم فيه الزنا وجب فيه حدّ الزنا ، كدار الإسلام.

وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه القصاص ولا الحدّ إلاّ أن يكون معه إمام أو نائب عن الإمام ، لأنّه مع غيبة الإمام ونائبه لا يد للإمام عليه ، فلا يجب عليه الحدّ بالزنا ، كالحربيّ (٣).

ونمنع من ثبوت حكم الأصل ، ويفرق بأنّ الحربيّ غير ملتزم بأحكام الإسلام ، بخلاف المسلم.

مسألة ١٥١ : المشركون لا يملكون أموال المسلمين بالاستغنام ، فلو غنموا ثمّ ظفر بهم المسلمون فأخذوا منهم ما كانوا أخذوا منهم ، فإنّ الأولاد تردّ إليهم بعد إقامة البيّنة ، ولا يسترقّون إجماعا.

وأمّا العبيد والأموال : فإن أقام أربابها البيّنة بها قبل القسمة ، ردّت عليهم بأعيانها ، ولا يغرم الإمام للمقاتلة شيئا في قول عامّة أهل العلم (٤) ، خلافا للزهري وعمرو بن دينار ، فإنّهما احتجّا : بأنّ الكفّار ملكوه باستيلائهم فصار غنيمة ، كسائر أموالهم (٥).

وهو خطأ ، فإنّا بيّنّا أن الكفّار لا يملكون مال المسلم بالاستغنام.

وإن جاءوا بالبيّنة بعد القسمة ، فلعلمائنا قولان :

أحدهما : أنّه يردّ على أربابه ، ويرد الإمام قيمة ذلك للمقاتلة من‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : وبه قال مالك والشافعي.

(٢) مختصر المزني : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٢ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧١.

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧١.

(٤ و ٥) المغني ١٠ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٩.

٢٥٩

بيت المال. اختاره الشيخ (١) ـ وبه قال أبو بكر وابن عمر وسعد بن أبي وقّاص وربيعة والشافعي وابن المنذر (٢) ـ لما رواه العامة عن ابن عمر أنّه ذهب فرس له فأخذها العدوّ فظهر عليه المسلمون ، فردّ عليه في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

ومن طريق الخاصّة : ما رواه هشام بن سالم ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الترك يغيرون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم أيردّ عليهم؟ قال : « نعم ، والمسلم أخو المسلم ، والمسلم أحقّ بماله أينما وجده » (٤).

الثاني : أنّه يكون للمقاتلة ، ويعطي الإمام أربابها أثمانها من بيت مال المسلمين. وهو قول للشيخ (٥) أيضا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك وأحمد في رواية. وفي أخرى : لا حقّ لصاحبه فيه بحال. ونقله العامّة عن علي عليه‌السلام وعمر والليث وعطاء والنخعي (٦).

احتجّ الشيخ بما رواه هشام بن سالم عن بعض أصحاب الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٢٦ ، الخلاف ٥ : ٥٢٣ ، المسألة ١٠.

(٢) المغني ١٠ : ٤٧٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٠ ، مختصر المزني : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨٥ ، وانظر : الخلاف ٥ : ٥٢٣ ، المسألة ١٠.

(٣) سنن أبي داود ٣ : ٦٤ ـ ٦٥ ـ ٢٦٩٨ ، وعنه في المغني ١٠ : ٤٧١ ، والشرح الكبير ١٠ : ٤٦٩.

(٤) التهذيب ٦ : ١٥٩ ـ ١٦٠ ـ ٢٨٨ ، الإستبصار ٣ : ٤ ـ ٧.

(٥) النهاية : ٢٩٥.

(٦) المغني ١٠ : ٤٧١ ـ ٤٧٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٩ ـ ٤٧٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٥٤ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٢ ، المدوّنة الكبرى ٢ : ١٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٨ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ١٨٥.

٢٦٠