تذكرة الفقهاء - ج ٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١

ومكحول (١).

والثاني : لا يجب ، وهو قويّ ، لأنّه عليه‌السلام قضى بالسّلب للقاتل (٢) ، ولم يخمّس السّلب ، وبه قال الشافعي وابن المنذر وابن جرير وأحمد ، للعموم (٣).

وقال إسحاق : إن كان السّلب كثيرا ، خمّس ، وإلاّ فلا. وهو قول عمر (٤).

ونمنع أنّه غنيمة ، فلا يدخل تحت عموم الآية (٥) ، ولو سلّم فالعامّ يخصّ بالسنّة.

إذا عرفت هذا ، فالسّلب يستحقّه القاتل من أصل الغنيمة ـ وبه قال الشافعي ومالك في إحدى الروايتين (٦) ـ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل السّلب للقاتل (٧) مطلقا ، ولم ينقل أنّه جعله من خمس الخمس.

وفي الرواية الثانية عن مالك أنّه يحسب من خمس الخمس الذي هو سهم المصالح ، لأنّه استحقّه القاتل للتحريض على القتال ، فكان من سهم‌

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤١٨ ، الشرح الكبير : ٤٤٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٨.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢١٧ ، الهامش ٥.

(٣) الامّ ٤ : ١٤٢ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٨ ، المغني ١٠ : ٤١٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٥.

(٤) المغني ١٠ : ٤١٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٥ ـ ٤٤٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٨.

(٥) الأنفال : ٤١.

(٦) الامّ ٤ : ١٤٢ ، مختصر المزني : ١٤٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٠١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٤.

(٧) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢١٧ ، الهامش (٥).

٢٢١

المصالح ، كالنفل (١).

ونمنع ثبوت الحكم في الأصل ، مع أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقدّره ولم يستعلم قيمته ، ولو وجب احتسابه من خمس الخمس ، لوجب العلم بقدره وقيمته.

وأمّا النفل : فيستحقّه من قوطع عليه بعد الفعل ويخمّس عليه ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا نفل إلاّ بعد الخمس » (٢).

ولقوله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ) (٣).

ويستحقّه المجعول له زائدا عن سهمه الراتب له ، ولا يتقدّر بقدر ، بل هو موكول إلى الإمام ، قلّ أو كثر.

والنفل يكون إمّا بأن يبذل الإمام من سهم نفسه الذي هو الأنفال ، أو يجعله من الغنيمة.

ولو جعل الإمام نفلا على فعل مصلحة فتبرّع من يقوم بها مجّانا ، لم يكن له أن ينفل. وكذا لو وجد من ينتدب بنفل أقلّ ، لم يكن له أن ينفل الأكثر ، إلاّ أن يعلم الإمام أنّ طالب النفل الأكثر أنكى للعدوّ وأبلغ في مقصوده.

مسألة ١٢٥ : السّلب كلّ مال متّصل بالمقتول ممّا يحتاج إليه في القتال ، كالثياب والعمامة والقلنسوة والدرع والمغفر والبيضة والجوشن والسلاح ، كالسيف والرمح والسكّين ، فهذا كلّه سلب يستحقّه القاتل إجماعا.

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤١٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٢.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٨٢ ـ ٢٧٥٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٣١٤ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٢٤٢ ، مسند أحمد ٤ : ٥١٣ ـ ١٥٤٣٥.

(٣) الأنفال : ٤١.

٢٢٢

وأمّا ما لا يحتاج إليه في القتال ممّا هو متّصل به وإنّما يتّخذ للزينة أو غيرها ، كالتاج والسوار والطرق والهميان الذي للنفقة ، والمنطقة ، فهل يكون سلبا أم لا؟ تردد الشيخ فيه ، وقوّى كونه سلبا (١) ـ وهو قول أحمد وأحد قولي الشافعي (٢) ـ لأنّه لابس له ، فهو سلب في الحقيقة ، فيدخل تحت عموم الخبر (٣).

وقال الشافعي في الآخر : إنّه لا يكون سلبا ، لأنّه لا يحتاج إليه في القتال ، فأشبه المنفصل (٤).

والحكم معلّق على الاسم الذي يندرج فيه صورة النزاع دون صورة النقص ، فافترقا.

والدابّة التي يركبها من السّلب وإن لم يكن راكبا لها إذا كانت بيده ـ وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (٥) ـ لأنّه يستعان بها في الحرب ، فأشبهت السلاح.

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٦٧.

(٢) المغني ١٠ : ٤٢١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٠ ـ ٤٥١ ، معالم السنن ـ للخطابي ـ ٤ : ٤٣ ، الامّ ٤ : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، الوجيز ١ : ٢٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٣ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٠٠ ، و ١٤ : ١٥٧ ـ ١٥٨.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢١٧ ، الهامش (٥).

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ٤٠٠ ، و ١٤ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٣ ، المغني ١٠ : ٤٢١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٠ ـ ٤٥١ ، معالم السنن ـ للخطابي ـ ٤ : ٤٣.

(٥) مختصر المزني : ١٤٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٣ ، المغني ١٠ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥١ ـ ٤٥٢ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٥.

٢٢٣

وفي رواية عن أحمد أنّها ليست سلبا ، لأنّ السّلب ما كان على بدنه (١).

وينتقض بالسيف والرمح.

وكذا ما على الدابة من سرج ولجام وجميع آلاتها وحلية تلك الآلات من السّلب ، لأنّه تابع لها ، ويستعان به في القتال.

ولو كانت الدابة في منزله أو مع غيره أو منفلتة (٢) ، لم تكن سلبا ، كالسلاح الذي ليس معه.

ولو كان راكبا عليها فصرعه عنها ثمّ قتله بعد نزوله عنها ، فهي من السّلب.

ولو كان ماسكا بعنانها غير راكب ، قال ابن الجنيد : تكون من السّلب ـ وبه قال الشافعي وأحمد في رواية (٣) ـ لأنّه يتمكّن من القتال عليها ، فأشبهت ما في يده من السيف والرمح.

وفي رواية عن أحمد : أنّها ليست سلبا ، لأنّه ليس راكبا عليها ، فأشبه ما لو كانت في يد غلامه (٤).

وأمّا الجنيب (٥) الذي يساق خلفه : فليس من السّلب ، لأنّ يده ليست عليه.

ولو كان راكبا دابّة وفي يده جنيب له ، قال ابن الجنيد : يكون من‌

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥١ ـ ٤٥٢ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٥.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : منفصلة. وذلك تصحيف. والصحيح ما أثبتناه.

(٣) انظر : المصادر في الهامش (٥) من ص ٢٢٣.

(٤) المغني ١٠ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(٥) أي : الدابّة تقاد. الصحاح ١ : ١٠٢ « جنب ».

٢٢٤

السّلب ، لأنّه ممّا يستعان به على القتال ويده عليه ، فكان سلبا ، كالفرس المركوب. وهو أحد قولي الشافعي (١).

والثاني : لا يكون سلبا ، لأنّه لا يمكن ركوبهما معا ، فلا يكون سلبا (٢).

ويجوز سلب القتلى وتركهم عراة ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في قتيل سلمة ابن الأكوع : « له سلبه أجمع » (٣).

قال ابن الجنيد : ولا أختار أن يجرّد الكافر في السّلب.

وكرهه الثوري (٤) ، ولم يكرهه الأوزاعي (٥).

ولم يكن أمير المؤمنين عليه‌السلام يأخذ سلب أحد عند مباشرته للحروب.

مسألة ١٢٦ : الأقرب افتقار مدّعي السّلب إلى بيّنة بالقتل‌ ـ خلافا للأوزاعي (٦) ـ لقوله عليه‌السلام : « من قتل قتيلا له عليه بيّنة فله سلبه » (٧).

ولأنّه مدّع ، فافتقر إلى البيّنة.

احتج : بأنّ النبي عليه‌السلام قبل قول أبي قتادة (٨).

وليس حجّة ، لأنّ خصمه أقرّ له فاكتفى بإقراره.

وهل يفتقر الى شاهدين؟ قال به أحمد ، لأنّ النبي عليه‌السلام اعتبر البيّنة (٩) ، وإطلاقها ينصرف إلى شاهدين ، ولأنّها دعوى قتل ، فاعتبر شاهدان ، كقتل‌

__________________

(١ و ٢) الوجيز ١ : ٢٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٠ ـ ٣٦١ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٣.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٣٧٥ ذيل الحديث ١٧٥٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٤٩ ـ ٢٦٥٤ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠٧.

(٤ و ٥) المغني ١٠ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٢.

(٦) المغني ١٠ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٠.

(٧ ـ ٩) صحيح مسلم ٣ : ١٣٧١ ـ ١٧٥١ ، سنن أبي داود ٣ : ٧٠ ـ ٢٧١٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠٦ ، الموطّأ ٢ : ٤٥٤ ـ ١٨.

٢٢٥

العمد (١).

وقال بعض العامّة : يقبل شاهد ويمين ، لأنّها دعوى مال. ويحتمل قبول شاهد من غير يمين ، لأنّ النبي عليه‌السلام قبل قول الذي شهد لأبي قتادة من غير يمين (٢) (٣).

مسألة ١٢٧ : لو قال الإمام : من أخذ شيئا فهو له ، جاز‌ ـ وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال أبو حنيفة (٤) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوم بدر : « من أخذ شيئا فهو له » (٥).

والثاني : المنع ، وإلاّ سقط حقّ أهل الخمس من خمسه ، ومن يستحقّ جزءا من الغنيمة لم يجز للإمام أن يشترط إسقاطه ، كما لو شرط الغنيمة لغير الغانمين. وتأوّل الخبر بأنّ غنائم بدر لم تكن للغانمين ، لأنّ الآية (٦) نزلت بعدها ، ولهذا قسيم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن لم يحضرها (٧).

قال الشيخ : لو قال الإمام قبل لقاء العدوّ : من أخذ شيئا من الغنيمة فهو له بعد الخمس ، كان جائزا ، لأنّه معصوم وفعله حجّة (٨).

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٠.

(٢) المصادر في الهامش ( ٧ ـ ٩ ) من ص ٢٢٥.

(٣) المغني ١٠ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٠.

(٤) المهذّب ـ الشيرازي ـ ٢ : ٢٤٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٦ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٥ ، المغني ١٠ : ٤٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١١.

(٥) سنن البيهقي ٦ : ٣١٥.

(٦) الأنفال : ٤١.

(٧) المصادر في الهامش (٤).

(٨) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٦٨ ـ ٦٩.

٢٢٦

البحث الرابع : في الرضخ.

مسألة ١٢٨ : لا سهم للنساء في الغنيمة ، بل يرضخ لهنّ الإمام ما يراه ، للحاجة إليهنّ في معالجة الطبخ ومداواة المرضى وغير ذلك ، فيدفع إليهنّ الإمام من الغنيمة شيئا دون السهم ، وله أن يسوّي بين النساء في الرضخ ، وأن يفضّل مع المصلحة ، عند علمائنا أجمع ، وأكثر العلماء (١) ، لما رواه العامّة : أنّ النبي عليه‌السلام كان يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ، ويحذين (٢) من الغنيمة ، وأمّا السهم فلم يضرب لهنّ (٣).

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهما عليهما‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج بالنساء في الحرب يداوين الجرحى ، ولم يقسّم لهنّ من الفي‌ء شيئا ولكن نفلهنّ » (٤).

ولأنّهنّ لسن من أهل القتال ، ولهذا لم يجب عليهنّ فرضه.

وقال الأوزاعي : يسهم للنساء ، لأنّ النبي عليه‌السلام ضرب لسهلة بنت عاصم يوم حنين بسهم ، فقال رجل من القوم : أعطيت سهلة مثل سهمي (٥) (٦).

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٥ ، سنن الترمذي ٤ : ١٢٦ ذيل الحديث ١٥٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ ـ ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٢٩ و ٣٣٠.

(٢) أي : يعطين. النهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ٣٥٨ « حذا ».

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٤٤٤ ـ ١٨١٢ ، سنن الترمذي ٤ : ١٢٥ ـ ١٢٦ ـ ١٥٥٦ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٣٢ ، مسند أحمد ١ : ٥٠٧ ـ ٢٨٠٧ ، المغني ١٠ : ٤٤٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٦.

(٤) الكافي ٥ : ٤٥ ـ ٨ ، التهذيب ٦ : ١٤٨ ـ ٢٦٠.

(٥) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٨٣ ـ ٢٧٨٤.

(٦) المغني ١٠ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٥ ، سنن الترمذي ٤ : ١٢٦ ، ذيل

٢٢٧

وليس حجّة ، لأنّ في الحديث : أنّها ولدت ، فأعطاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها ولولدها ، وعندنا يسهم للمولود كالرجل.

مسألة ١٢٩ : لا سهم للعبيد ، بل يرضخ لهم الإمام ما يراه مصلحة وإن جاهدوا ، وبه قال أكثر العلماء (١) ، لما رواه العامّة عن ابن عباس في المرأة والمملوك يحضران الفتح ليس لهما سهم ، وقد يرضخ لهما (٢).

ولأنّه ليس من أهل القتال ، فلا يجب عليه الجهاد ، فأشبه المرأة.

وقال أبو ثور : يسهم للعبد ـ وهو مرويّ عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري والنخعي ـ لأنّ حرمة العبد في الدين كحرمة الحرّ ، وفيه من العناء ما فيه ، فأسهم له كالحرّ (٣).

والفرق : أنّ الحرّ يجب عليه الجهاد ، والحرّيّة مظنّة الفراغ (٤) للنظر والفكر في مصالح المسلمين ، بخلافه.

ولا فرق بين العبد المأذون له وغيره في عدم الإسهام ، بل يرضخ لهما.

وقال ابن الجنيد : يسهم للعبد المأذون ـ وبه قال الأوزاعي وأبو ثور (٥) ـ

__________________

الحديث ١٥٥٦ ، معالم السنن ـ للخطابي ـ ٤ : ٤٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١.

(١) المغني ١٠ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٥ ، سنن الترمذي ٤ : ١٢٧ ذيل الحديث ١٥٥٧ ، الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ ـ ٣٥٣ ، معالم السنن ـ للخطابي ـ ٤ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٢٩.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٤٤٦ ذيل الحديث ١٤٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٣٢ ، المغني ١٠ : ٤٤٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٦.

(٣) المغني ١٠ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٥.

(٤) في « ق ، ك‍ » : « النزاع » بدل « الفراغ ».

(٥) معالم السنن ـ للخطابي ـ ٤ : ٤٩ ، المغني ١٠ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٥.

٢٢٨

وغير المأذون لا يسهم له إجماعا.

ثمّ إن كره مولاه الغزو ، لم يرضخ له ، لعصيانه ، وإن عرف منه الإباحة ، استحقّ الرضخ كالمأذون.

ولو أعتق العبد قبل انقضاء الحرب ، أسهم له.

ولو قتل سيّد المدبّر قبل تقضي الحرب وهو يخرج من الثلث ، عتق وأسهم له مع حضوره.

ومن نصفه حر قيل : يرضخ له بقدر ما فيه من الرقّ ، ويسهم له بقدر ما فيه من الحرّيّة ، لأنّه ممّا يمكن تنصيفه فينصف كالميراث (١).

وقيل : يرضخ له ، لأنّه ليس من أهل وجوب القتال ، فأشبه الرقيق (٢).

والخنثى المشكل يرضخ له ، لعدم علم الذكوريّة ، ولعدم وجوب الجهاد عليه (٣).

وقيل : له نصف سهم ونصف الرضخ ، كالميراث (٤).

ولو ظهر حاله وعلم أنّه رجل ، أتمّ له سهم الرجل ، سواء انكشف قبل تقضي الحرب أو بعده ، أو قبل القسمة أو بعدها ، لأنّه قد ظهر لنا استحقاقه للسهم واعطي دون حقّه.

مسألة ١٣٠ : يسهم للصبي إذا حضر الحرب وإن ولد بعد الحيازة قبل القسمة ، كالرجل المقاتل ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الأوزاعي (٥) ـ

__________________

(١ و ٢) المغني ١٠ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٦.

(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٧.

(٥) المغني ١٠ : ٤٤٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤١٣.

٢٢٩

لما رواه العامّة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسهم للصبيان بخيبر (١). وأسهم أئمّة المسلمين كل مولود ولد في دار الحرب.

ومن طريق الخاصّة : قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إذا ولد المولود في أرض الحرب قسّم له ممّا أفاء الله عليه (٢) » (٣).

ولأنّه حرّ ذكر (٤) حضر القتال ، وله حكم المسلمين ، فيسهم له كالرجل. ولأنّ في إسهامه بعثا له بعد البلوغ على الجهاد ، فيكون لطفا له فيجب. ولأنّه معرّض للتلف ، فأشبه المحارب.

وقال مالك : يسهم له إذا قاتل وقدر عليه ومثله قد بلغ القتال (٥).

وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري والليث وأحمد وأبو ثور : لا يسهم له ، بل يرضخ (٦) وعن القاسم وسالم ليس شي‌ء ، لأنه ليس من أهل القتال ، فلم يسهم له ، كالعبد (٧).

والفرق : أنّ المظنّة للاستحقاق ـ وهي الحرّيّة والذكورة ـ تثبت له ،

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤٤٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٧.

(٢) في المصدر : عليهم.

(٣) التهذيب ٦ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ـ ٢٥٩.

(٤) في الطبعة الحجريّة : ذكر حرّ.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٩٢ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ١٧٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٤ ، المغني ١٠ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٧.

(٦) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٤٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤٧ ، الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ ـ ٣٥٣ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ و ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٢٩ ، المغني ١٠ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٧.

(٧) المغني ١٠ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٧.

٢٣٠

فيثبت الحكم.

مسألة ١٣١ : الكافر لا يسهم له ، بل يرضخ له الإمام ما يراه ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية (١) ـ لأنّه ليس من أهل الجهاد ، لأنّه لا يخلص نيّته للمسلمين ، فلا يساويهم في الاستحقاق.

وقال الثوري والزهري وإسحاق : يسهم له ، كالمسلم ـ وهو رواية عن أحمد ـ لما رواه الزهري أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم (٢).

ولأنّ الكفر نقص في الدين ، فلم يمنع استحقاق السهم ، كالفسق (٣).

ويحتمل أن يكون الراوي سمّى الرضخ إسهاما. والفرق بين الكفر والفسق ظاهر.

وإنّما يستحقّ الكافر الرضخ عندنا أو السهم عند آخرين لو خرج إلى القتال بإذن الإمام. ولو خرج بغير إذنه ، لم يسهم له ولم يرضخ إجماعا ، لأنّه غير مأمون على الدين.

ولو غزا جماعة من الكفّار بانفرادهم فغنموا ، فغنيمتهم للإمام ، لما يأتي من أنّ الغنيمة بغير إذن الإمام له.

وقال بعض العامّة : غنيمتهم لهم ولا خمس فيها ، لأنّه اكتساب مباح لم يؤخذ على وجه الجهاد ، فكان كالاحتطاب (٤).

__________________

(١) الوجيز ١ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ و ٢٤٦ ، المغني ١٠ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٩.

(٢) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٨٤ ـ ٢٧٩٠.

(٣) المغني ١٠ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٩.

(٤) المغني ١٠ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٨.

٢٣١

وقال بعضهم : فيه الخمس ، لأنّه غنيمة قوم من أهل دار الإسلام ، فأشبه غنيمة المسلمين (١).

ويجوز أن يستعين الإمام بالمشركين في الجهاد ـ وبه قال الشافعي (٢) وجماعة من العلماء (٣) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استعان بناس من اليهود في حربه (٤).

وقال ابن المنذر : لا يستعان بهم (٥). وعن أحمد روايتان (٦).

ويشترط أن يكون المستعان به من المشركين في الحرب حسن الرأي في المسلمين مأمون الضرر.

مسألة ١٣٢ : لا حدّ معيّن للرضخ ، بل هو موكول إلى نظر الإمام‌ لكن لا يبلغ للفارس سهم فارس ولا للراجل سهم راجل ، كما لا يبلغ بالتعزير الحدّ.

وينبغي أن يفضّل بعضهم على بعض بحسب مراتبهم وكثرة النفع به وضدّ ذلك ، ولا يسوّى بينهم في السهام ، لأنّ السهم منصوص عليه غير موكول إلى الاجتهاد فلم يختلف ، كالحدّ والدية ، والرضخ مجتهد فيه ،

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٧.

(٢) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤١ ، المغني ١٠ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢١.

(١) في المغني ١٠ : ٤٤٧ ، هكذا : ولا يستعان بمشرك ، وبهذا قال ابن المنذر والجوزجاني وجماعة من أهل العلم. وفي الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٠ ـ ٤٢١ : .. وهذا اختيار ابن المنذر والجوزجاني في جماعة من أهل العلم.

(٤) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٨٤ ـ ٢٧٩٠.

(٥) المغني ١٠ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢١.

(٦) المغني ١٠ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٠ ـ ٤٢١.

٢٣٢

فاختلف ، كالتعزير.

قال الشيخ : الرضخ ، يكون من أصل الغنيمة (١) ـ وهو أحد أقوال الشافعي (٢) ـ لأنّهم يستحقّون ذلك لمعاونة الغانمين في تحصيل الغنيمة ، فكانوا كالحفّاظ والناقلين تكون أجرتهم من الأصل. ولو أعطاهم الإمام ذلك من ماله من الأنفال وحصّته من الخمس ، جاز.

والثاني للشافعي : يكون من أربعة الأخماس ، لأنّهم يستحقّون ذلك بحضورهم الوقعة ، فأشبهوا الغانمين (٣).

والثالث : أنّه يدفع من سهم المصالح ، لأنه مستحقّ الرضخ ليس من أصحاب السهم ولا من أصحاب الخمس ، فلم يكن الدفع إليه إلاّ على وجه المصلحة ، فكان من سهم المصالح (٤).

ولو استأجر الإمام أهل الذمّة للقتال ، جاز ، ولا يبيّن المدّة ، لأنّ ذكر المدّة غرر ، فربما زادت مدّة الحرب أو نقصت ، وعفي عن الجهالة هنا ، لموضع الحاجة. فإن لم يكن قتال ، لم يستحقّوا شيئا ، وإن كان قتال ، فإن قاتلوا ، استحقّوا الأجرة ، وإلاّ فإشكال ينشأ من أنّه منوط بالعمل ولم يوجد ، ومن أنّه يستحقّ (٥) بالحضور ، لأنّه بمنزلة القتال في حقّ المسلم يستحقّ به السهم ، فكذا هنا. والأول أقوى.

ولو زادت الأجرة على سهم الراجل أو الفارس ، احتمل أن يعطى ما‌

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٧٠.

(٢ ـ ٤) الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ ـ ٦٨٢ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٠٢ ، وحكى ابن قدامة في المغني ١٠ : ٤٤٩ عن الشافعي قولين.

(٥) في « ك‍ » والطبعة الحجريّة : استحقّ.

٢٣٣

يكون رضخا من الغنيمة ، وما زاد يكون من سهم المصالح ، وأن يدفع ذلك كلّه من الغنيمة ، لجريانه مجرى المئونة التي لا يعتبر فيها النقصان عن السهم.

ولو غزا الرجل بغير إذن الإمام ، أخطأ. ولو غنم مع العسكر ، فسهمه للإمام. ولو غزا بغير إذن أبويه أو بغير إذن صاحب الدّين ، استحقّ السهم ، لتعيّن الجهاد عليه بالحضور.

مسألة ١٣٣ : قال الشيخ : ليس للأعراب من الغنيمة شي‌ء وإن قاتلوا مع المهاجرين ، بل يرضخ لهم الإمام بحسب ما يراه مصلحة (١).

ونعني بالأعراب من أظهر الإسلام ولم يصفه ، وصولح على إعفائه عن المهاجرة وترك النصيب.

ويجوز أن يعطيهم الإمام من سهم ابن السبيل من الصدقة ، لأنّ الاسم يتناولهم.

ومنعه ابن إدريس ، وأوجب لهم النصيب كغيرهم من المقاتلة (٢).

والشيخ استدلّ بقول الصادق عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا على إن دهمه من عدوّه دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم وليس لهم في الغنيمة (٣) نصيب » (٤).

ولا نعلم صحّة سند هذه الرواية.

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٧٤ ، النهاية : ٢٩٩.

(٢) السرائر : ١٦٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « القسمة ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٦ : ١٥٠ ـ ٢٦١.

٢٣٤

البحث الخامس : في كيفية القسمة.

مسألة ١٣٤ : أوّل ما يبدأ الإمام بعد إحراز الغنيمة بدفع ما تقدّم من السّلب ، لأنّ حقّه متعلّق بالعين ، ثمّ اجرة الحمّال والحافظ والناقل والراعي ، لأنّ ذلك من مؤنها يؤخذ من أصلها ، ثمّ الرضخ إن قلنا : إنّه يخرج من أصل الغنيمة ، ثمّ يفرز خمس الباقي لأهله ، وتقسّم أربعة الأخماس الباقية بين الغانمين.

وتقدّم قسمة الغنيمة على قسمة الخمس ، لأنّ مستحقّ الغنيمة حاضرون ، ويقف رجوعهم وانصرافهم إلى مواطنهم على قسمة الغنيمة ، وأهل الخمس غيّاب في مواطنهم. ولأنّ الغنيمة حصلت باجتهاد الغانمين فكأنّها بعوض ، فكانت آكد من الخمس.

مسألة ١٣٥ : للإمام أن يصطفي لنفسه من الغنيمة ما يختاره ، كفرس جواد وثوب مرتفع وجارية حسناء وسيف قاطع وغير ذلك ممّا لا يضرّ بالعسكر ، عند علمائنا أجمع ، لما رواه العامّة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصطفي من الغنائم الجارية والفرس وما أشبههما في غزاة خيبر وغيرها (١).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « نحن قوم فرض الله طاعتنا ، لنا الأنفال ، ولنا صفو الأموال » (٢).

وسأله أبو بصير عن صفو المال ، فقال : « الإمام يأخذ الجارية الحسناء والمركب الفاره والسيف القاطع والدّرع قبل أن تقسّم الغنيمة ، هذا صفو‌

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ : ١٥٢ ـ ٢٩٩١ ـ ٢٩٩٥ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠٤.

(٢) التهذيب ٤ : ١٣٢ ـ ٣٦٧.

٢٣٥

المال » (١).

وهذا الحقّ عندنا ثابت للإمام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لمشاركته إيّاه في تحمّل الأثقال وإتمام ذوي الحقوق مؤونتهم مع قصور حقّهم.

وقالت العامّة : إنّه مختصّ بالنبي عليه‌السلام يبطل بموته (٢).

وهل الاصطفاء قبل الخمس أو بعده؟ فهم ممّا تقدّم في الرضخ.

مسألة ١٣٦ : إذا أخرج الإمام من الغنيمة الرضخ والجعائل واجرة الحافظ‌ وغيره وما تحتاج الغنيمة إليه من النفقة مدة بقائها ، يقسّم الباقي بين الغانمين خاصّة ممّا ينقل ويحوّل من الأموال الحاضرة ، للراجل سهم وللفارس سهمان.

ولا خلاف بين العلماء في أن الراجل له سهم ، واختلفوا في الفارس.

فقال أكثر علمائنا : إنّه يستحقّ سهمين : سهم له ، وسهم لفرسه (٣). وبه قال أبو حنيفة (٤).

وقال ابن الجنيد من علمائنا : للفارس ثلاثة أسهم : سهمان لفرسه ، وسهم له. وهو قول أكثر العامّة ، ونقله العامّة عن علي عليه‌السلام ، وبه قال عمر‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٤ ـ ٣٧٥.

(٢) المغني ٧ : ٣٠٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٠.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٩٥ ، والمبسوط ٢ : ٧٠ ـ ٧١ ، والقاضي ابن البراج في المهذّب ١ : ١٨٦ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٠٤ ، وابن إدريس في السرائر : ١٥٧ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ١ : ٣٢٤.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤٦ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٤١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤١٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٤.

٢٣٦

ابن عبد العزيز والحسن البصري وابن سيرين وحبيب بن أبي ثابت ومالك ومن تبعه من أهل المدينة ، والثوري والليث ومن تبعه من أهل مصر ، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمّد (١).

لنا : ما رواه العامّة عن المقداد ، قال : أعطاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهمين : سهم لي وسهم لفرسي (٢).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « للفارس سهمان ، وللراجل سهم » (٣).

ولأنّه حيوان ذو سهم ، فلا يزاد على الواحد ، كالآدمي.

وما رواه العامّة عن ابن عبّاس أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى للفارس ثلاثة أسهم (٤).

وما رواه الخاصّة : أنّ عليّا عليه‌السلام كان يجعل للفارس ثلاثة أسهم (٥) ، فمحمول على صاحب الأفراس الكثيرة ، لما رواه الباقر عليه‌السلام : « أنّ عليا عليه‌السلام كان يسهم للفارس ثلاثة أسهم : سهمين لفرسيه (٦) ، وسهما له ، ويجعل للراجل سهما » (٧).

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤٣٤ ـ ٤٣٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٢ ـ ٥٠٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٣ ، الموطأ ٢ : ٤٥٦ ـ ٢١ ، المدوّنة الكبرى ٢ : ٣٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٤ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ١٩٦ ، مختصر المزني : ١٤٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤١٥ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤٠.

(٢) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٢٠ : ٢٦١ ـ ٦١٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٤ ـ ٢ ، التهذيب ٦ : ١٤٦ ـ ٢٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣ ـ ٣.

(٤) المغني ١٠ : ٤٣٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٣.

(٥) التهذيب ٦ : ١٤٧ ـ ٢٥٧ ، الإستبصار ٣ : ٤ ـ ٤.

(٦) في « ك‍ » وظاهر الطبعة الحجريّة ، والتهذيب : لفرسه.

(٧) الاستبصار ٣ : ٤ ـ ٥ ، التهذيب ٦ : ١٤٧ ـ ٢٥٨.

٢٣٧

إذا عرفت هذا ، فإنّه يعطى ذو الفرسين فما زاد ثلاثة أسهم : سهما له وسهمين لأفراسه ، ولا يزاد على السهمين وإن كثرت الأفراس ـ وبه قال أحمد (١) ـ لما رواه العامّة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسهم للخيل ، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس (٢).

ومن طريق الخاصّة : رواية الحسين بن عبد الله عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : « إذا كان مع الرجل أفراس في غزو لم يسهم إلاّ لفرسين منها » (٣).

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : لا يسهم لأكثر من فرس واحد ، لأنّ النبي عليه‌السلام لم يسهم لأفراس الزبير إلاّ لواحد (٤) (٥).

وهو معارض بما روي عن الزبير أنّه عليه‌السلام أسهم له عن فرسين (٦).

مسألة ١٣٧ : ويسهم للفرس سواء كان عتيقا‌ ـ وهو الذي أبواه‌

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤٣٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٤ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ١٩٦ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٣.

(٢) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٨١ ـ ٢٧٧٤.

(٣) التهذيب ٦ : ١٧٤ ـ ٢٥٦ ، الاستبصار ٣ : ٤ ـ ٦.

(٤) سنن البيهقي ٦ : ٣٢٩.

(٥) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠١ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٦ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٤٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤٦ ، الموطأ ٢ : ٤٥٦ ـ ٤٥٧ ذيل الحديث ٢١ ، المدوّنة الكبرى ٢ : ٣٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٤ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ١٩٦ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٦٢.

(٦) المغازي ـ للواقدي ـ ٢ : ٦٨٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٢٩.

٢٣٨

عتيقان عربيّان كريمان ـ أو برذونا ـ وهو الذي أبواه أعجميّان ـ أو مقرفا ـ وهو الذي أبوه برذون وامّه عتيقة ـ أو هجينا ، وهو عكس البرذون ـ وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة (١) ـ لصدق اسم الفرس في الجميع. ولأنّه حيوان ذو سهم ، فاستوى الفاره وغيره ، كالآدمي.

وقال الأوزاعي : لا يسهم للبرذون ، ويسهم للمقرف والهجين سهم واحد (٢).

وعن أحمد روايات :

إحداها : يسهم لما عدا العربي سهم واحد. وهو قول الحسن البصري.

الثانية : أنّه يسهم له مثل سهم العربي. وبه قال عمر بن عبد العزيز والثوري.

الثالثة : أنّها إن أدركت إدراك العراب ، أسهم لها ، مثل الفرس العربي ، وإلاّ فلا.

الرابعة : أنّه لا يسهم لها (٣).

__________________

(١) الامّ ٧ : ٣٣٧ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤٠ ـ ٣٤١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤١٨ ، و ١٤ : ١٦١ ، الموطّأ ٢ : ٤٥٧ ، ذيل الحديث ٢١ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ١٩٧ ، المغني ١٠ : ٤٣٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٤.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٤١٨ ، و ١٤ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٩.

(٣) المغني ١٠ : ٤٣٦ ـ ٤٣٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٤ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٩.

٢٣٩

وعن أبي يوسف روايتان (١) :

إحداهما : أنّه يسهم له ، كالعربي.

الثانية : أنّه يسهم له سهم واحد ، لأنّ البرذون لا كر له ولا فرّ ، فأشبه البعير.

وقد بيّنّا عدم اعتبار التفاضل في السهام بشدّة البلاء في الحرب.

مسألة ١٣٨ : لا يسهم لغير الخيل من الإبل والبغال والحمير والفيلة وغيرها ، عند علمائنا ـ وهو قول عامّة العلماء ، ومذهب الفقهاء في القديم والحديث (٢) ـ لأنّه لم ينقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إسهام غير الخيل مع أنّه كان معه يوم بدر سبعون بعيرا (٣). ولأنّ الفرس له كرّ وفرّ وطلب وهرب ، بخلاف غيرها.

وحكي عن الحسن البصري أنّه قال : يسهم للإبل خاصّة (٤).

وعن أحمد روايتان :

إحداهما : أنّه يسهم للبعير سهم واحد ، ولصاحبه سهم آخر.

والثانية : أنّه إن عجز عن ركوب الخيل فركب البعير ، أسهم له ثلاثة أسهم : سهمان لبعيره. وسهم له ، وإن أمكنه الغزو على الفرس ، لم يسهم لبعيره ، لقوله تعالى ( فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ) (٥) وهي‌

__________________

(١) انظر : حلية العلماء ٧ : ٦٧٩ ـ ٦٨٠.

(٢) المغني ١٠ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٧ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٢ ، المدوّنة الكبرى ٢ : ٣٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ١٩.

(٣) المغني ١٠ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٧.

(٤) المغني ١٠ : ٤٣٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٧.

(٥) الحشر : ٦.

٢٤٠