تذكرة الفقهاء - ج ٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١

فإن اختار الدالّ قيمتها ، مضى الصلح ، وسلّم إليه القيمة ، لتعذّر تسليم العين إليه. وإن امتنع ، فإن اختار صاحب القلعة دفعها إلى الدالّ وأخذ قيمتها ، دفعت الجارية إلى الدالّ ، وسلّم إلى صاحب القلعة قيمتها ، ويكون جارية مجرى الرضخ ، وكان الصلح ماضيا. وإن امتنع كلّ منهما ، فسخ الصلح عند الشيخ (١) ، لتعذّر إمضائه ، لأنّ حقّ الدالّ سابق ، ولا يمكن الجمع بينه وبين الصلح ، ولصاحب القلعة أن يحصن قلعته كما كانت من غير زيادة ، وهو مذهب الشافعي (٢).

والوجه : دفع القيمة ، كما لو أسلمت الجارية قبل دفعها إليه ، لما في فسخ الصلح من تضرّر المسلمين. ورعاية حكمة دفع ضرر يسير عن صاحب العين في مقابلة ثبوت ضرر عظيم في حقّ المسلمين كافّة ، فإنّه ربما لا يمكن فتح القلعة بها مناف لحكمة الشارع.

مسألة ١١٤ : لو فتحت القلعة عنوة أو صلحا ولم تكن الجارية داخلة في الهدنة ، فإن كانت الجارية باقية على الكفر ، سلّمت إليه ، عملا بالشرط.

وإن أسلمت قبل الصلح والأسر ، دفع إلى الدالّ قيمتها ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صالح أهل مكة عام الحديبيّة على أنّ من جاء منهم مسلما ردّه إليهم ، فلمّا جاءت مسلمات منعه الله تعالى من ردّهنّ ( إلى الكفّار ) (٣) وأمره بردّ مهورهنّ على أزواجهنّ ، وفسخ ما كان عقده عليه‌السلام من الهدنة (٤).

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٢٨.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٥ ، المغني ١٠ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٧.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ق ، ك‍ ».

(٤) المغازي ـ للواقدي ـ ٢ : ٦٣١ ، السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٣ : ٣٤٠ ، صحيح البخاري ٣ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٢٨ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٤ : ١٧١ ، مصابيح السنّة ـ للبغوي ـ ٣ : ١١٢ ـ ٣٠٨٣.

٢٠١

ولو أسلمت بعد الأسر ، فإن كان المجعول له مسلما ، سلّمت إليه بالشرط ، فإنّها رقّ ، وإن كان كافرا ، لم تسلّم إليه بل قيمتها ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخر : تسلّم إليه ، ويطالب بإزالة الملك ، لأن الكافر لا يستديم ملك المسلم (١).

ولو ماتت الجارية قبل الظفر أو بعده ، قال الشيخ : لا تدفع إليه قيمتها ، لأنّ الشرط اقتضى إمكان تسليمها ، وهو غير ممكن ، فلا يجب له العوض ، كما لو لم تفتح القلعة (٢). وهو أحد وجهي الشافعي (٣).

وفي الآخر : تدفع إليه القيمة ، كما لو أسلمت (٤).

وليس بجيّد ، لأنّه علّق حقّه على شي‌ء معيّن وتلف من غير تفريط ، فسقط حقّه ، بخلاف المسلمة ، لإمكان تسليمها لكنّ الشرع منع منه.

ولو كان الدليل جماعة ، كانت الجارية بينهم.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الجارية تسلّم إلى الكافر إن ظفرنا بها ، فإن لم تفتح القلعة ، لعجز ، أو تجاوزناها مع القدرة ، فلا شي‌ء له علينا وإن أتمّ الدلالة ، إلاّ إذا رجعنا إلى الفتح بعلامته.

ولو فتحها طائفة أخرى سمعوا العلامة ، فلا شي‌ء عليهم ، إذ لم يجر معهم الشرط.

وإن لم تكن فيها جارية ، فلا شي‌ء له ، وكذا إن كانت قد ماتت قبل‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٣.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٢٨.

(٣ و ٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٥.

٢٠٢

المعاقدة.

وإن ماتت بعد الظفر وقبل التسليم ، فعلينا البدل إمّا اجرة المثل أو قيمة الجارية.

وللشافعيّة فيه وجهان بناء على أنّ الجعل المعيّن يضمن ضمان العقد أو ضمان اليد ، كالصداق (١).

وإن ماتت قبل الظفر وبعد العقد ، ففي وجوب البدل للشافعي قولان (٢).

ولو لم يحصل من القلعة شي‌ء إلاّ تلك الجارية ، ففي وجوب التسليم للشافعيّة وجهان (٣).

مسألة ١١٥ : يجوز للإمام ونائبه أن يبعث سريّة تغير على العدوّ وقت دخوله دار الحرب ، ويجعل لهم الربع بعد الخمس ، فما قدمت به يخرج خمسه والباقي يعطي السريّة منه ربع الباقي ثمّ يقسّم الباقي بين الجيش والسريّة أيضا.

وكذا إذا قفل (٤) من دار الحرب مع الجيش فأنفذ سريّة تغير ، وجعل لهم الثلث بعد الخمس ، جاز ، فإذا قدمت السريّة بشي‌ء ، أخرج خمسه ثم اعطى السريّة ثلث الباقي ثمّ قسّم الباقي بين الجيش والسريّة معه ـ وبه قال الحسن البصري والأوزاعي وأحمد (٥) ـ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان‌

__________________

(١ و ٢) الوجيز ٢ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧١ ، الوسيط ٧ : ٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٥.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٤ ، الوسيط ٧ : ٤٨.

(٤) في الطبعة الحجريّة و « ق ، ك‍ » : نقل. وذلك تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٥) المغني ١٠ : ٤٠١ ـ ٤٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٨ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٦.

٢٠٣

ينفلهم إذا خرجوا بادين بالربع وينفلهم إذا قفلوا بالثلث (١).

وقال حبيب بن مسلمة الفهري : شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفل الربع في البداءة والثلث في الرجعة (٢).

ولأنّ فيه مصلحة للمسلمين ، فكان سائغا ، كالسّلب.

وقال عمرو بن شعيب : لا نفل بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ الله تعالى خصّه بالأنفال ، فقال ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) (٣) فخصّه بها (٤).

وهو باطل ، لأنّ ما ثبت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثبت للأئمّة بعده ما لم يقم دليل على التخصيص.

وقال مالك وسعيد بن المسيّب : لا نفل إلاّ من الخمس (٥).

وقال الشافعي : يخرج من خمس الخمس (٦).

مسألة ١١٦ : وإنّما يستحقّ هذا البدل بالشرط السابق ، فإن لم يشترطه الإمام ولا نائبه ، فلا نفل ، لأنّ الأصل تسوية الغانمين ، وإنّما يثبت النفل مع قلّة المسلمين وكثرة المشركين ، فيشترط الإمام التنفيل لمن يعمل مصلحة ، تحريضا لهم على القتال ، ولو كانوا مستظهرين عليهم ، فلا حاجة‌

__________________

(١) سنن الترمذي ٤ : ١٣٠ ـ ١٥٦١ ، المغني ١٠ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٨٠ ـ ٢٧٥٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٣١٣ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ١٣٣ ، مسند أحمد ٥ : ١٦٣ ـ ١٧٠١٥ ، المغني ١٠ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٩.

(٣) الأنفال : ١.

(٤) المغني ١٠ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٨.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٩٦ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ١٧٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٥ ، المغني ١٠ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٩.

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٤٩.

٢٠٤

إليه ، فإنّ أكثر مغازي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن فيها أنفال.

ولو رأى التنفيل بدون الربع أو الثلث ، فعل.

وهل تجوز الزيادة عليهما (١)؟ منع منه الأوزاعي ومكحول وأكثر العامّة ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انتهى إلى الثلث (٢) ، فلا ينبغي تجاوزه (٣).

وقال الشافعي : يجوز ، لأنّه نفل مرّة الربع ومرّة الثلث ومرّة نصف السدس ، فعلم انتفاء الضابط ، وأنّه موكول إلى نظر الإمام (٤).

وليس حجّة ، لاتّفاق الوقائع على عدم الزيادة ، فكان ضابطا فيه ، ومع ذلك فإنّه يناقض قوله : إنّه يخرج من خمس الخمس (٥) ، فلو شرط نائب الإمام زيادة على الثلث ، ردّ إليه على الأوّل ، ولزم الوفاء على الثاني.

وقد اختلف في تأويل البداءة والرجعة ، فقيل : البداءة أوّل سريّة ، والرجعة : الثانية (٦).

وقيل : البداءة : السريّة عند دخول الجيش إلى دار الحرب ، والرجعة : عند قفول الجيش (٧).

وإنّما زادهم في الرجعة ، للمشقّة ، فإنّ الجيش في البداءة ردء (٨) للسريّة تابع لها ، والجيش مستريح والعدوّ خائف ، وربّما كان غارّا ، وفي‌

__________________

(١) « عليهما » لم ترد في « ك‍ ».

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٠٤ ، الهامش (٢).

(٣) المغني ١٠ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٤٩ ـ ٣٥٠ ، المغني ١٠ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٠.

(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٠٤ ، الهامش (٦).

(٦ و ٧) انظر : العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٠.

(٨) الرّدء : المعين والناصر. لسان العرب ١ : ٨٥ « ردأ ».

٢٠٥

الرجعة لا ردء للسريّة ، لانصراف الجيش ، والعدوّ مستيقظ على حذر.

وكما يجوز التنفيل للسريّة يجوز لبعض الجيش ، لبلائه أو لمكروه تحمّله ، دون سائر الجيش ، فلو نفذ الإمام سريّة فأتى بعضهم بشي‌ء وبعضهم لم يأت ، كان للوالي أن يخصّ الذين جاءوا بشي‌ء دون الآخرين مع الشرط.

وقال أحمد : يجوز من غير شرط (١).

مسألة ١١٧ : لو قال الأمير : من طلع هذا الحصن أو هدم هذا السور أو نقب هذا البيت‌ أو فعل كذا فله كذا ، أو من جاء بأسير فله كذا ، جاز في قول عامّة العلماء (٢) ، لقوله عليه‌السلام : « من قتل قتيلا فله سلبه » (٣).

ولاشتماله على المصلحة والتحريض على القتال ، فجاز ، كزيادة السهم للفارس والسّلب لقاتله.

وكره مالك ذلك ولم يره ، وقال : لا نفل إلاّ بعد إحراز الغنيمة ، لأنّ القتال على هذا الوجه إنّما هو للدنيا (٤).

وهو منقوض بالسّلب ، واستحقاق السهم من الغنيمة ، وزيادة سهم الفارس.

وإنّما يجوز التنفيل مع المصلحة للمسلمين ، فلو انتفت لم يجز.

والنفل لا يختصّ بنوع من المال ، لأنّ النبي عليه‌السلام جعل الثلث أو‌

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣١.

(٢) المغني ١٠ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣١.

(٣) سنن البيهقي ٦ : ٣٠٧ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ١٢ ـ ٣٦٩ ـ ١٤٠٣٠ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٧ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ـ ٦٩٩٥ ـ ٦٩٩٧ و ٧٠٠٠.

(٤) المدوّنة الكبرى ٢ : ٣١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٦ ، المغني ١٠ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٢.

٢٠٦

الربع (١) ، وهو عام في كلّ مغنوم.

وقال الأوزاعي : لا نفل في الدراهم والدنانير ، لأنّ القاتل لا يستحقّ النفل فيهما ، فكذا غيره (٢).

وليس بشي‌ء ، لأنّ القاتل إنّما نفل السّلب ، وليس الدراهم والدنانير من السّلب.

ولو قال : من رجع إلى الساقة فله دينار ، جاز ، لأنّ في الرجوع إليهم منفعة.

ويستوي في النفل الفارس والراجل إلاّ أن يفضّل بعضهم في القسم ، فيستحق قدر المسمّى ، لأنّ النفل شي‌ء رضخ للفعل فكيف صدر عن الفاعل استحقّ.

ولو بعث الإمام سريّة ونفلهم بالثلث بعد الخمس ثمّ إنّ أمير السريّة نفل قوما منهم لفتح الحصن أو للمبارزة بغير إذن الإمام ، فإن نفلهم من حصّة السريّة أو من سهامهم بعد النفل ، جاز ، ولو نفلهم من سهم العسكر ، لم يجز ، لأنّه أمير على السريّة لا على العسكر.

هذا إذا خرج الجيش مع السريّة ، أمّا لو لم يخرج ، جاز تنفيله ، لأن الغنيمة كلّها للسريّة ، ولا يشاركهم الجيش ، لاختصاص السريّة بالجهاد.

ولو بعث أمير السريّة سريّة من السريّة ونفل لهم أقلّ من النفل الأوّل أو أكثر ، جاز من حصّة أصحاب (٣) السريّة لا من حصّة العسكر ، إلاّ أن يكون أمير العسكر أذن له في التنفيل ، فحينئذ يكون نائبا عن الأمير.

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٠٤ ، الهامش (١).

(٢) المغني ١٠ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٢.

(٣) في « ق » : « أرباب » بدل « أصحاب ».

٢٠٧

ولو فقد رجل من السريّة فقام هناك بعضهم لطلبه وبعضهم ذهب حتى أصاب الغنائم ثمّ رجعوا إلى أصحابهم ووجدوا المفقود ، فكلّهم شركاء في النفل ، لأنهم فارقوا العسكر جملة وأحرزوا المصاب بالعسكر جملة ، فكانوا بمنزلة ما لو باشر القتال بعضهم ، وبعضهم كان ردءا لهم.

ولو أصاب الرجل المفقود غنيمة والذين أقاموا لانتظاره غنيمة والسريّة غنيمة ثمّ التقوا ، فالنفل من جميع ذلك بينهم بالسويّة ، كما لو لم يفترقوا ، لأنّهم اشتركوا في الإحراز.

ولو تفرّقت السريّة سريّتين وبعدت إحداهما عن الأخرى بحيث لا تقدر إحداهما على عون الأخرى ثمّ أصابت كلّ سريّة غنيمة أو أصابت إحداهما دون الأخرى ثمّ التقتا ، فالنفل من جميع ذلك بينهم بالسويّة ، ولو لم يلتقوا إلاّ عند العسكر ، فلكلّ فريق النفل ممّا أصابوا خاصّة.

ولو أصابت السريّة الغنائم ثمّ لم يقدروا على الرجوع إلى العسكر فخرجوا إلى دار الإسلام من موضع آخر ، قيل (١) : تكون الغنيمة كلّها لهم تقسّم على سهام الغنيمة ، لأنّهم تفرّدوا بالإحراز إلى دار الإسلام ، وهو سبب في التملّك ، وإذا صارت الغنيمة كلّها لهم ، بطل التنفيل.

ولو قال الإمام : من أخذ شيئا فهو له ، احتمل الجواز ـ وهو قول أبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي (٢) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوم بدر : « من أخذ شيئا فهو له » (٣).

__________________

(١) لم نعثر على القائل.

(٢) بدائع الصنائع ٧ : ١١٥ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٤٧ ، الامّ ٤ : ١٤٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ ، المغني ١٠ : ٤٥٤.

(٣) سنن البيهقي ٦ : ٣١٥.

٢٠٨

واحتمل المنع ـ وهو الثاني للشافعي (١) ـ لأنّ من أجاز ذلك أسقط حقّ أهل الخمس من خمسه ، ومن يستحقّ جزءا من الغنيمة لم يجز للإمام ( أن يشترط ) (٢) إسقاطه ، كما لو شرط الغنيمة لغير الغانمين.

مسألة ١١٨ : لو بعث سريّتين يمنة ويسرة (٣) ونفل إحداهما بالثلث والأخرى بالربع ، جاز (٤) ، لاختلاف المصلحة باختلاف البعد والقرب ، وسهولة أحد الطريقين وصعوبة الآخر ، والأمن والخوف ، واختلاف المبعوث إليهم في القوّة والضعف.

فلو بعث واحدا مع سريّة الربع فخرج مع سريّة الثلث ، فلا شي‌ء له في السريّة التي خرج إليها بغير إذن الإمام ، والتي أذن له بالخروج إليها لم يخرج.

واستحسن أبو حنيفة أن يجعل له مع سريّة الثلث مقدار ما سمّى له ، وهو الربع (٥).

أمّا لو ضلّ رجل من إحدى السريّتين فوقع في الأخرى فأصاب الغنيمة ، فالوجه أنّه يشاركهم ، فيأخذ من السريّة التي وقع فيها ، لا من التي (٦) خرج معها.

ولو بعث سريّة ونفلهم بالربع ثمّ أرسل أخرى وقال لهم : الحقوا‌

__________________

(١) المهذب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ ، المغني ١٠ : ٤٥٤.

(٢) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : اشتراط.

(٣) في « ق ، ك‍ » : يمنة ويمنة.

(٤) في الطبعة الحجريّة : جاز له.

(٥) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة عندنا.

(٦) في الطبعة الحجريّة : لا من السريّة التي.

٢٠٩

بأصحابكم فما أصبتم فأنتم شركاؤهم ، فلحقوا السريّة الاولى وقد كانوا غنموا غنيمة ثم غنموا معهم غنيمة أخرى جميعا ، فنفل الغنيمة الثانية لهم جميعا ، ونفل الغنيمة الاولى للسريّة الأولى ، لأنّ حقّ النفلين يتأكّد في المصاب بالإصابة ، فلا يثبت حقّ للسريّة في الغنيمة الاولى ، فلا يملك الإمام إشراك الثانية فيما أصابت الأولى ، لأنّه يتضمّن إبطال حقّ التأكّد ، وحقّ السرية الأولى لم يثبت على وجه الخصوص في الغنيمة الثانية حين لحق بها الثانية ، بل يثبت حقّ السريّتين بإصابتهما ، فصحّ الاشتراك.

هذا إذا أخبرت السريّة الثانية الأولى بالتنفيل أو أخبروا بعضهم (١) ولو أميرهم ، ولو لم يخبروهم ، قال أبو حنيفة : تكون الغنيمتان للأولى ، لأنّ الشركة تشتمل على الضرر والغرور بالأولى ، فلا تصحّ إلاّ بعد العلم (٢).

قال ابن الجنيد : لو غنمت السريّة المنفلة فأحاط بها العدوّ ، فأنجدهم المسلمون ، شركوهم في النفل ما لم يحرزوه في العسكر.

مسألة ١١٩ : يصحّ التنفيل بالشي‌ء (٣) المجهول ، فلو قال : من جاء بشي‌ء فله منه طائفة ، فجاء رجل بمتاع ، نفله الإمام بما يراه مصلحة.

ولو قال : من جاء بشي‌ء فله منه قليل أو يسير أو شي‌ء منه ، فله أن يعطيه أقلّ من النصف ، لأنّ القليل واليسير يتناول ما دون النصف ، لأنّ مثله لا يكون يسيرا ، وكذا « الشي‌ء » يفهم منه في الغالب القلّة ، فصار كما لو قال : قليلا.

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : معظمهم. وذلك تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه لأجل السياق.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٣) كلمة « بالشي‌ء » لم ترد في « ق ، ك‍ ».

٢١٠

ولو قال : من جاء بشي‌ء فله جزؤه ، فله أن ينفله بالنصف وما دونه دون ما فوقه ، لأنّ الجزء اسم للبعض منه إلى النصف ، يقال : جزء من جزءين ، ويقال لأكثر من النصف : جزءان من ثلثه ، فدلّ على أنّ ما زاد على النصف لا يكون جزءا.

ولو قال : من جاء بشي‌ء فله سهم رجل ، كان له أن يعطيه سهم راجل لا فارس ، لأنه المتيقّن.

قال محمّد بن الحسن الشيباني : لو قال : من جاء بألف درهم فله ألفا درهم ، فجاء بالألف ، لم يكن له أكثر من ألف.

ولو قال : من جاء بالأسير فله الأسير وألف ، لزمه دفعهما ، لأنّه في الأوّل قصد تحصيل المال لا غير ، فلا يعطيه إلاّ ما أصابه من المال ، وفي الثاني مقصوده كسر شوكتهم بأخذ الأسير (١).

قال ابن الجنيد : لو قال : من جاء بأسير فله مائة درهم ، كان ذلك من الغنيمة أو في رقبة الأسير أو بيت مال المسلمين.

مسألة ١٢٠ : لو قال : من أصاب ذهبا أو فضّة فهو له ، فأصاب سيفا محلّى بأحدهما ، كان له الحلية دون السيف والجفن ، لأنّهما متغايران ، والجعل إنّما وقع بأحدهما.

ولو أصاب خاتما ، نزع فصّه للغنيمة ، وكان الخاتم له.

ولو أصاب أبوابا فيها مسامير فضّة لو نزعت لهلكت الأبواب ، قال محمد : لا شي‌ء له ، لأنّ المسمار مغيب في الباب ، فصار كالمستهلك (٢).

ولو قال : من أصاب قزّا فهو له ، فأصاب جبّة محشوة بقزّ ، فلا شي‌ء له ، لأنّ الحشو مغيب في الجبّة ، والمغيب لا عبرة به.

__________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

٢١١

أمّا لو قال : من أصاب ثوب قزّ فهو له ، فأصاب رجل جبة بطانتها ثوب قزّ أو ظهارتها ، فله الثوب القزّ ، والآخر غنيمة.

ولو قال : من أصاب جبّة حرير فهو له ، فأصاب جبّة ظهارتها وبطانتها حرير ، فهي له. وكذا لو كانت الظهارة حريرا ، أمّا لو كانت البطانة حريرا ، فلا شي‌ء له.

ولو صعد رجل السور يقاتل المسلمين ، فقال الإمام : من صعد السطح فأخذه فهو له وخمسمائة ، فصعد رجل فأخذه ، لزمه دفعه ودفع خمسمائة. ولو سقط الرجل من السور فقتله رجل خارج الحصن ، فلا شي‌ء له ، لأنّ قصد الجعالة إظهار الجلادة والجرأة.

ولو رماه رجل فطرحه من السور ، قال محمّد : يستحقّ ذلك ، لأنّ القصد ليس هو الصعود بل فعل يؤثّر في السقوط لإظهار كسر قلوبهم (١).

ولو صعد إليه فسقط داخل الحصن فقتله ، فله النفل ، لأنّه أتى بالمطلوب وزيادة.

ولو التقى الصفّان ، فقال الأمير : من جاء برأس فله كذا ، انصرف إلى رءوس الرجال دون الصبيان ، أمّا لو انهزم الكفّار فقال : من جاء برأس فله كذا ، فجاء رجل بسبي أو برأس فله النفل.

ولو ادّعى قتله فقيل : بل كان ميّتا ، حلف واعطي النفل.

ولو جاء برأس لا يعلم كفره وإسلامه ، لم يعط حتى يعلم كفره. ولو ادّعى آخر أنّه قتله ، فالقول قول الآتي به مع اليمين ، فلو نكل فلا نفل.

وفي استحقاق المدّعي إشكال ينشأ من أنّ نكوله إقرار بأنّ المدّعي‌

__________________

(١) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

٢١٢

قتله ، وهو إقرار بإبطال حقّ نفسه وإثبات الحقّ للمدّعي ، وإقراره حجّة عليه لا على غيره ، ومن أنّ الحقّ ثابت له يكون الرأس في يده ، فإذا نكل عن اليمين ، فقد جعل ماله من الحقّ إلى المدّعي ، وله هذه الولاية ، فصار ذلك للمدّعي.

مسألة ١٢١ : لو قال : من دخل باب هذه المدينة فله ألف ، فاقتحم ( جماعة من المسلمين ) (١) فدخلوها ، استحقّ كلّ واحد منهم ألفا ، لأنّه شرط لكلّ داخل ، بخلاف : من دخل فله الربع ، فدخل عشرة ، فلهم الربع الواحد ، لأنّ الربع اسم لجزء واحد من المال. ولو دخل واحد ثمّ آخر ، اشتركوا في النفل ، لتعلّق الاستحقاق بالدخول حالة الخوف.

ولو قال : من دخل فله جارية ، فدخلوا فإذا هناك جارية واحدة ، فلكل واحد قيمة جارية وسط ، أمّا لو قال : جارية من جواريهم ، فليس لهم إلاّ ما وجد ، فرقا بين المضاف والمطلق.

ولو قال : من دخل أولا فله ثلاثة ، ومن دخل ثانيا فله اثنان ، ومن دخل ثالثا فله واحد ، فدخلوا على التعاقب ، فلكل منهم ما سماه ، لأنّ التفاوت في النفل مع التفاوت في الخوف جائز.

ولو دخلوا دفعة ، بطل نفل الأوّل والثاني ، وكان لهم جميعا نفل الثالث ، لأنّ الأوّل هو المتقدّم ، والثاني من تقدّمه واحد ولم يوجد ، والثالث إذا سبقه اثنان أو قارناه ، كان ثالثا ، لأنّ خوف الثالث إذا قارنه اثنان فوق خوفه إذا تقدّمه اثنان ، فيكون فعله أشقّ ، فاستحقاقه أولى.

فلو دخل اثنان أوّل مرّة ، بطل نفل الأوّل ، ونفل الثاني يكون لهما ،

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك‍ » : جماعة مسلمون.

٢١٣

لانعدام الأوّليّة بالمقارنة ، بخلاف الثاني ، فإنّه يصدق مع المسبوقيّة والمقارنة.

ولو قال : من دخل أوّلا من المسلمين فله كذا ، فدخله ذمّي ثمّ مسلم ، استحقّ المسلم ، لأنّ أوّليّة الذمّي لا تمنع هذه الصفة ، كالدابّة ، أمّا لو قال : من دخل من المسلمين أوّلا من الناس ، لم يستحقّ.

البحث الثالث : في السّلب.

مسألة ١٢٢ : يجوز للإمام أن يجعل للقاتل سلب المقتول إجماعا ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوم حنين (١) : « من قتل قتيلا فله سلبه » فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين فأخذ سلبهم (٢) ، رواه العامّة (٣).

ومن طريق الخاصّة : رواية عبد الله بن ميمون ، قال : أتي علي عليه‌السلام بأسير يوم صفّين فبايعه ، فقال علي عليه‌السلام : « لا أقتلك إنّي أخاف الله ربّ العالمين » فخلّى سبيله ، وأعطى سلبه الذي جاء به (٤). وإذا أخذ الآتي السّلب فالقاتل أولى.

ولأنّ فيه مصلحة عظيمة تنشأ من التحريض على القتال.

مسألة ١٢٣ : وإنّما يستحقّ القاتل السّلب بشروط :

الأوّل : أن يخصّه الإمام به ويشرطه له‌ ـ وبه قال أبو حنيفة والثوري‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجرية : خيبر. وما أثبتناه من المصادر.

(٢) في المصادر : أسلابهم.

(٣) المصنف ـ لابن أبي شيبة ـ ١٢ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ـ ١٤٠٣٠ ، و ١٤ : ٥٢٤ ـ ١٨٨٣٤ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٢٢٧ ، سنن أبي داود ٣ : ٧١ ـ ٢٧١٨ ، وفيه : « من قتل كافرا .. » المغني ١٠ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤١.

(٤) التهذيب ٦ : ١٥٣ ـ ٢٦٩.

٢١٤

ومالك وأحمد في رواية (١) ـ لأنّ السّلب جعل تحريضا على القتال ، فلا يستحقّه إلاّ بشرط الإمام ، كالنفل.

وقال الأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن الجنيد من علمائنا ، وأحمد في الرواية الأخرى : يخصّ به القاتل ، سواء قال الإمام أو لم يقل (٢) ، لما تقدّم من الرواية (٣).

وليس فيها دلالة على عدم الشرط قبل ابتداء القتال ، فجاز أن يكون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرط له ذلك أوّلا ، وإذا شرط له السّلب ، جاز له أخذه وإن لم يأذن له الإمام.

وقال الأوزاعي : يشترط إذن الإمام. وإن لم يشرطه (٤). في الاستحقاق. قال : لأنّه مجتهد فيه ، فلا ينفذ أمره فيه إلاّ بإذن الإمام (٥).

الثاني : أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم ، فلو قتل امرأة أو صبيّا أو شيخا فانيا لا رأي له ونحوهم ممّن لم يقاتل ، لم يستحقّ سلبه إجماعا ، لأنّ قتل هؤلاء منهيّ عنه ، فلا يستحقّ به نفل. ولو قتل‌

__________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٩٧ ، النتف ٢ : ٧٢١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٥٦ ـ ١٦١١ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٧ ، المغني ١٠ : ٤١٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٣ و ١٤ : ١٥٥.

(٢) المغني ١٠ : ٤١٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٦ ـ ٤٤٧ ، الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٥ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٣ و ١٤ : ١٥٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٨ ، المهذب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٨ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٧ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٩٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤٩ ، النتف ٢ : ٧٢١.

(٣) تقدّمت الرواية وكذا الإشارة إلى مصادرها في ص ٢١٤ والهامش (٣).

(٤) في الطبعة الحجريّة : وإن لم يكن شرطه.

(٥) المغني ١٠ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٨.

٢١٥

أحدهم وهو مقاتل ، استحقّ سلبه ، لأنّه يجوز قتله إذا كان يقاتل ، فيدخل تحت عموم الخبر.

الثالث : أن يكون المقتول ممتنعا ، فلو قتل أسيرا له أو لغيره ، أو من أثخن بالجراح وعجز عن المقاومة ، لم يستحقّ سلبه ـ وبه قال الشافعي وأحمد ومكحول (١) ـ لأنّ ابني عفراء أثخنا أبا جهل يوم بدر فأجاز عليه عبد الله بن مسعود فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلبه لابني عفراء ، ولم يعط ابن مسعود شيئا (٢).

ولأنّه لم يغرّر بنفسه في دفع شرّه.

وقال أبو ثور وداود : يستحقّ سلبه على أيّ وجه قتله ، لعموم الخبر (٣).

والخبر محمول على القاتل حالة الامتناع.

ولو قطع يدي رجل ورجليه وقتله آخر ، فالسّلب للقاطع دون القاتل ، لأنّه الذي منع شرّه عن المسلمين.

ولو قطع يديه أو رجليه وقتله آخر ، قال الشيخ : السّلب للقاتل ، لأنّه لم يصيّره بالقطع ممتنعا ، فإنّ مقطوع اليدين يمتنع بالعدو ، ومقطوع الرّجلين يمتنع برمي يديه (٤).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣١ ، المغني ١٠ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ ، المغني ١٠ : ٤١٤ و ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤ ، وانظر : صحيح البخاري ٥ : ٩٥ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٤٢٤ ـ ١٨٠٠ ، وسنن البيهقي ٩ : ٩٢ ، ومسند أحمد ٣ : ٥٦٠ ـ ١١٧٣٣ ، و ٥٨٣ ـ ١١٨٩٥ ، و ٤ : ١١٧ ـ ١١٨ ـ ١٣٠٦٥.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ ، المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤.

(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٦٧.

٢١٦

وقال بعض العامّة : يخصّ القاطع ، لأنّه عطّله (١).

وليس جيّدا ، لما قاله الشيخ.

وقال بعضهم : يكون غنيمة ، لأنّ القاطع لم يكف شرّه كلّه ، والقاتل قتل مثخنا (٢).

أمّا لو قطع يده ورجله من خلاف ثمّ قتله آخر ، فإن كان القاطع يمنع شرّه أجمع بقطع العوضين ، فالسّلب له ، وإلاّ فللقاتل.

ولو عانق رجل رجلا فقتله آخر ، فالسّلب للقاتل ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّ المعانق ليس قاتلا ، والقاتل كفى المسلمين شرّه.

وقال الأوزاعي : للمعانق (٤).

الرابع : القتل أو الإثخان بالجراح بحيث يجعله معطّلا في حكم المقتول ، فلو أسر رجلا ، لم يستحق سلبه وإن قتله الإمام أو لم يقتله ، لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل السّلب للقاتل (٥).

وقال مكحول : من أسر مشركا ، استحقّ سلبه (٦).

وقال بعض العامّة : إن استبقاه الإمام ، كان له فداؤه أو رقبته وسلبه ، لأنّه كفى المسلمين شرّه ، لأنّ الأسر أصعب من القتل ، وقد كفى المسلمين شرّه (٧).

__________________

(١ و ٢) المغني ١٠ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩.

(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩ ـ ٤٥٠.

(٥) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٧ : ٢٩٥ ـ ٢٩٧ ـ ٦٩٩٥ ـ ٦٩٩٧ ـ ٦٩٩٧ و ٧٠٠٠ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ١٢ : ٣٦٩ ـ ١٤٠٣٠ ، و ٣٧٢ ـ ١٤٠٣٦ ، و ١٤ : ٥٢٤ ـ ١٨٨٣٤ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٢٢٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠٧ و ٣٠٩.

(٦) المغني ١٠ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩.

(٧) المغني ١٠ : ٤١٥ ـ ٤١٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩.

٢١٧

وليس جيّدا ، لأنّ الجعل للقتل لا للأسر. نعم ، لو شرط الإمام السّلب لمن استأسر ، استحقّ سلبه (١).

الخامس : أن يغرّر القاتل بنفسه في قتله بأن يبارز إلى صفّ المشركين أو إلى مبارزة من يبارزهم ، فيكون له السّلب ، فلو لم يغرّر بنفسه ، مثل أن يرمي سهما في صفّ المشركين من صفّ المسلمين فيقتل مشركا ، لم يكن له سلبه ، لأنّ القصد التحريض على القتال ومبارزة الرجال ولا يحصل إلاّ بالتغرير.

ولو حمل جماعة من المسلمين على مشرك فقتلوه. فالسّلب في الغنيمة ، لأنّهم باجتماعهم لم يغرّروا بأنفسهم في قتله.

ولو اشترك اثنان في قتله بأن ضرباه فقتلاه أو جرحاه فمات من جرحهما ، فالسّلب لهما ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد في رواية (٢) ـ لأنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من قتل قتيلا فله سلبه » (٣) يتناول الاثنين والواحد على حد واحد ، فلا وجه للتخصيص.

وقال أحمد في رواية : يكون غنيمة ، لأنّ سبب استحقاق السّلب التغرير ، ولا يحصل بقتل الاثنين (٤).

وهو ممنوع ، فقد يحصل التغرير بالاثنين.

ولو اشترك اثنان في ضربه وكان أحدهما أبلغ في قتله من الآخر ، قال‌

__________________

(١) كلمة « سلبه » لم ترد في « ق ، ك‍ ».

(٢) الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٥ ، المغني ١٠ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٨ ـ ٤٤٩.

(٣) انظر : المصادر في الهامش (٥) من ص ٢١٧.

(٤) المغني ١٠ : ٤١٦ ـ ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٨ ـ ٤٤٩.

٢١٨

بعض العامّة : يكون السّلب له ، لأنّ أبا جهل ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء وأتيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبراه ، فقال : « كلاكما قتله » وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح (١) (٢).

السادس : أن يقتله والحرب قائمة ، سواء قتله مقبلا أو مدبرا ، أمّا لو انهزم المشركون فقتله ، لم يستحقّ السّلب ، بل كان غنيمة ، إذ لا تغرير حينئذ ، بخلاف ما لو قتله مدبرا والحرب قائمة لأنّ التغرير موجود ، فإنّ الحرب كرّ وفرّ. وبه قال الشافعي (٣).

وقال أبو ثور وداود : لا يشترط قيام الحرب بل يستحقّ القاتل السّلب مطلقا (٤).

وليس بجيّد ، لأنّ ابن مسعود ذفف (٥) على أبي جهل فلم يعطه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلبه (٦).

وإن شرطنا في المبارزة إذن الإمام ، لم يستحقّ القاتل السّلب إلاّ مع إذنه في المبارزة ، وإلاّ استحقّ.

السابع : أن يكون القاتل له نصيب من الغنيمة أمّا سهم أو رضخ ، ولو لم يكن له نصيب ولا رضخ له الإمام شيئا بأن يكون مخذلا كعبد الله بن‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١١٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٧٢ ـ ١٧٥٢.

(٢) المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩.

(٣) الام ٤ : ١٤٢ ، الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٧ و ١٤ : ١٥٦ ، المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤.

(٤) المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٨.

(٥) الذفّ : الإجهاز على الجريح. لسان العرب ٩ : ١١٠ « ذفف ».

(٦) المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤.

٢١٩

أبيّ ، أو يكون معينا على المسلمين أو مرجفا ، لم يستحقّ سلبا ، لأنّ ترك السهم من حيث إنّه عاون على المسلمين ، فلا يستحقّ السّلب ، أو يكون لنقص فيه ، كالمرأة والمجنون ، فالذي قوّاه الشيخ استحقاق السّلب ، لعموم الخبر (١). وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : لا يستحقّ ، لأنّ السهم آكد من السّلب ، للإجماع على استحقاق السهم دون السّلب ، فإذا انتفى السهم انتفى السّلب (٢).

والصبي عندنا يسهم له ، فيستحقّ السّلب.

وللشافعي قولان (٣).

ومن يستحقّ الرضخ ـ كالمرأة والعبد والكافر ـ فالأقوى استحقاقه للسّلب ، للعموم ، ولأنّه من أهل الغنيمة.

وللشافعي قولان (٤).

والعاصي بالقتال ـ كالداخل بغير إذن الإمام أو بنهي أبويه عنه مع عدم تعيينه ـ لا يستحقّ السّلب.

ولو قتل العبد ، استحقّ مولاه سلبه. ولو خرج بغير إذن مولاه ، قال بعض الجمهور : لا سلب له ، لأنّه عاص (٥).

مسألة ١٢٤ : اختلف علماؤنا في السّلب هل يخمّس أم لا؟ على قولين :

أحدهما : يجب فيه الخمس ، وبه قال ابن عباس والأوزاعي‌

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٦٦ ، وتقدّم الخبر وكذا الإشارة إلى مصادره في ص ٢١٧ والهامش (٥).

(٢ ـ ٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٩ ، و ١٤ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٢ ، المغني ١٠ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤١ ـ ٤٤٢.

(٥) المغني ١٠ : ٤١٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٢.

٢٢٠