تذكرة الفقهاء - ج ٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١

ولو كان الزوجان مملوكين ، قيل : لا ينفسخ النكاح ، لعدم حدوث رقّ فيهما ، لأنّه كان ثابتا قبل السبي (١).

والوجه : أنّ الغانم يتخيّر ، كما لو بيعا عليه.

مسألة ١٠٧ : قد ذكرنا فيما تقدّم (٢) أنّ الغانم الموسر إذا وطئ جارية المغنم ، تكون أمّ ولد في الحال‌ عند الشيخ.

وللشافعيّة طريقان : إن قلنا : إنّ الغانمين لا يملكون قبل القسمة ، فلا ينفذ الاستيلاد في نصيبه ، لأنّ نفوذه لم يصادف الملك. وإن قلنا : يملكون ، ففي نفوذ الاستيلاد وجهان ، لأنّه ملك ضعيف. ويقرب الوجهان لضعف الملك من الوجهين في نفوذ الاستيلاد للمشتري في زمن الخيار إذا حكمنا بثبوت الملك.

الطريق الثاني : إن قلنا بثبوت الملك ، قطعنا بنفوذ الاستيلاد ، وإلاّ فقولان كالقولين في استيلاد الأب جارية الابن. وقد تجعل هذه الصورة أولى بنفوذ الاستيلاد ، لأنّ حقّ الابن (٣) أقوى من حقّ سائر الغانمين ، وحقّ الأب أضعف من حقّ الغانم الواطئ.

ويخرج من الطريقين قولان في نفوذ الاستيلاد في نصيبه.

وإذا قيل به ، فلو ملك الجارية بالوقوع في سهمه أو بسبب آخر يوما ، ففي نفوذ الاستيلاد حينئذ قولان (٤).

__________________

(١) انظر : الوجيز ٢ : ١٩١ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٦ ، والوسيط ٧ : ٢٨ ، والمهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤١ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٥٤.

(٢) تقدّم في ص ١٥٢.

(٣) كذا ، وفي المصدر : « الام » بدل « الابن ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٠ ـ ٤٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٥.

١٨١

وقال بعض (١) الشافعيّة : ان كانوا محصورين ولم يغنموا غير تلك الجارية ، قطع بنفوذ الاستيلاد في حصّته منها ، بخلاف ما إذا كان في الغنيمة غيرها ، فإنّه يحتمل جعل الجارية لغيره.

وإذا نفذ الاستيلاد في نصيبه سرى مع يساره إلى الباقي ، وتحصل السراية بنفس العلوق أو بأداء قيمة نصيب الشريك؟ قولان.

ويحصل يسار الواطئ بحصّته في المغنم إذا غنموا غيرها ، فإن لم تف حصّته من غير الجارية بالقيمة ، حصلت السراية بمقدار حصّته.

ويمكن أن يخرج على أنّ الملك في الغنيمة هل يحصل قبل القسمة؟ إن قلنا : لا يملك ، لم يكن موسرا بالحصّة ، فإنّ الحكم بغناه موقوف على أن لا يعرض ويستقرّ ملكه ، فإن أعرض ، تبيّنّا أنّه لم يكن غنيّا ، ولا نقول : إنّ حقّ السراية يلزمه اختيار التملّك ، فإنّ الاختيار بمثابة ابتداء الاكتساب.

وإن لم يحكم بالاستيلاد ، فإن تأخّرت القسمة حتى وضعت ، قال بعضهم : تجعل الجارية في المغنم وتدخل في القسمة ، فإن دخلها نقص بالولادة ، لزمه الأرش ، وقبل الوضع الجارية حامل بحر. وبيع هذه الجارية لا يصحّ ، والقسمة عندهم بيع ، فكيف يمكن دخول القسمة فيها!؟ (٢) وقال بعضهم : تسلّم هذه الجارية بحصّته [ إليه ] (٣) إذا كانت حصّته تفي بقيمتها أو أزيد (٤).

__________________

(١) هو صاحب الحاوي كما في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤١ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٦٥ ، وانظر : الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٥ ـ ٤٦٦.

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٦.

١٨٢

وقيل : تؤخذ قيمتها وتلقى في المغنم ، لأنّه بالإحبال فرّق بينها وبين الغانمين (١).

وأمّا إذا كان الواطئ معسرا ، فقد سبق (٢) قول الشيخ فيه.

وقالت الشافعيّة : يثبت الاستيلاد في حصّته ولا يسري ، ويخلق الولد كلّه حرّا في قول ، لأنّ الشبهة تعمّ الجارية ، وحرّيّة الولد تثبت بالشبهة. وإن لم يثبت الاستيلاد ، كما لو وطئ جارية الغير بظنّ أنّها جاريته أو زوجته ، ينعقد الولد حرّا ، ولا يثبت الاستيلاد.

وفي قول آخر : الحرّيّة في قدر حصّته ، كالاستيلاد في قدرها ، وليس كالوطء بالشبهة ، فإنّ الشبهة حصلت من الظنّ ، وهو لا يتبعّض ، والشبهة هنا حصلت من جهة استحقاق المستولد ملكا أو ولاية ملك ، وهو متبعّض.

فإن قلنا : لا يعتق من الولد إلاّ قدر حصّته من الامّ ، فلو ملك باقي الجارية من بعد ، بقي الرقّ فيه ، لأنّها علقت برقيق في غير الملك. وإن قلنا : جميعه حرّ ففي ثبوت الاستيلاد في باقيها إذا ملكه قولان ، لأنّه أولدها حرّا في غير الملك (٣).

البحث الثالث : في أحكام الأرضين.

مسألة ١٠٨ : الأرضون على أربعة أقسام :

الأوّل : ما يملك بالاستغنام من الكفّار ويؤخذ قهرا بالسيف ، وهي تملك بالاستيلاء كما تملك المنقولات ، وتكون للمسلمين قاطبة لا تختصّ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٦.

(٢) سبق في ص ١٥٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٧.

١٨٣

بها المقاتلة ، بل يشاركهم غيرهم من المسلمين ، ولا يفضّل الغانمون على غيرهم أيضا ، بل هي للمسلمين قاطبة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال مالك (١) ـ لما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه فتح هوازن ولم يقسّمها (٢).

ومن طريق الخاصّة : قول الكاظم عليه‌السلام في حديث طويل : « والأرض التي فتحت عنوة ـ إلى قوله ـ ويأخذ الباقي ، فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد وغير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة ، وليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير » (٣) يعني الإمام.

وقال الشافعي : يقسّم بين الغانمين كسائر الأموال. وبه قال أنس بن مالك والزبير وبلال (٤).

وقال الثوري : يتخيّر الإمام بين القسمة والوقف على المسلمين (٥). ورواه العامّة عن علي عليه‌السلام (٦).

وقال أبو حنيفة : يتخيّر الإمام بين قسمتها ووقفها وأن يقرّ أهلها عليها ويضرب عليهم الخراج يصير حقّا على رقبة الأرض لا يسقط بالإسلام (٧).

__________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٤٠١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٩ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ٢٢٣ ، الأحكام السلطانيّة ـ للماوردي ـ : ١٣٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٨.

(٢) لم نعثر عليه في حدود المصادر المتوفّرة لدينا.

(٣) الكافي ١ : ٤٥٤ ـ ٤٥٥ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ ـ ١٣٠ ـ ٣٦٦.

(٤) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٦٠ ، الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ١٣٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٧ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ٢٢٣ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٣٧ ، وانظر : الشرح الكبير ١٠ : ٥٣١ ـ ٥٣٢.

(٥ و ٦) حلية العلماء ٧ : ٦٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٣١ ـ ٥٣٢.

(٧) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٧ و ٤٤٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٨.

١٨٤

الثاني : أرض من أسلم أهلها عليها طوعا من غير قتال ، فتترك في أيديهم ملكا لهم يصحّ لهم التصرّف فيها بالبيع والشراء والوقف وسائر أنواع التصرّف إذا عمروها وقاموا بعمارتها. ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر زكاة إذا بلغ النصاب ، فإن تركوا عمارتها وتركوها خرابا ، كانت للمسلمين قاطبة ، وجاز للإمام أن يقبّلها ممّن يعمرها بالنصف أو الثلث أو الربع ، وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة مئونة الأرض إذا بقي معه النصاب العشر أو نصف العشر ، ثمّ على الإمام أن يعطي أربابها حقّ الرقبة ، لرواية الرضا (١) عليه‌السلام.

الثالث : أرض الصلح ، وهي كلّ أرض صالح أهلها عليها ، وهي أرض الجزية يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من نصف أو ثلث أو غيره ، وليس عليهم غيره. فإذا أسلم أربابها ، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم أهلها عليها طوعا ، ويسقط عنهم مال الصلح ، لأنّه جزية وقد سقطت بالإسلام ، فلأربابها التصرّف فيها بالبيع وغيره.

وللإمام أن يزيد وينقص بعد انقضاء مدّة الصلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها.

ولو باعها المالك من مسلم ، صحّ ، وانتقل ما عليها إلى رقبة البائع.

هذا إذا صولحوا على أنّ الأرض لهم ، أمّا لو صولحوا على أنّ الأرض للمسلمين وعلى أعناقهم الجزية ، كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة عامرها للمسلمين ومواتها للإمام.

الرابع : أرض الأنفال ، وهي أرض انجلى أهلها عنها طوعا وتركوها ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١١٩ ـ ٣٤٢.

١٨٥

أو كانت مواتا لغير المالك فأحييت ، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا تزرع فاستحدثت مزارع ، فإنّها كلها للإمام خاصّة ليس لأحد معه فيها نصيب ، فكان له التصرّف فيها بالبيع وغيره حسب ما يراه ، وكان له أن يقبّلها بما يراه من نصف أو ثلث أو ربع.

ويجوز له نزعها من يد متقبّلها إذا انقضت مدّة الضمان ، إلاّ ما أحييت بعد موتها ، فإنّ من أحياها أولى بالتصرّف فيها إذا تقبّلها بما يتقبّلها غيره ، فإن أبي ، كان للإمام نزعها من يده ، وتقبيلها لمن يراه ، وعلى المتقبّل بعد إخراج مال القبالة فيما يحصل في حصّته العشر أو نصف العشر.

قال الشيخ : وكلّ موضع أوجبنا فيه العشر أو نصف العشر من أقسام الأرضين إذا أخرج الإنسان مئونته ومئونة عياله لسنته ، وجب عليه فيما بقي بعد ذلك الخمس لأهله (١).

مسألة ١٠٩ : الأرض المأخوذة بالسيف عنوة يقبّلها الإمام لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف وغيره ، وعلى المتقبّل إخراج مال القبالة وحقّ الرقبة ، وفيما يفضل في يده إذا كان نصابا العشر أو نصفه ، فلا يصحّ التصرّف في هذه الأرض بالبيع والشراء والوقف وغير ذلك.

وللإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره إذا انقضت مدّة قبالته ، وله التصرّف فيه بما يراه من مصلحة المسلمين ، وارتفاع هذه الأرض ينصرف إلى المسلمين بأجمعهم وفي مصالحهم ، لقول الرضا عليه‌السلام : « وما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبّله بالذي يرى ، كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر ، قبّل أرضها ونخلها ، والناس يقولون : لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان‌

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٢٣٦.

١٨٦

البياض أكثر من السواد وقد قبّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر ، وعليهم في حصصهم العشر أو (١) نصف العشر » (٢).

إذا عرفت هذا ، فإنّ هذه الأرض للمسلمين قاطبة إن كانت محياة وقت الفتح ، لا يصحّ بيعها ولا هبتها ولا وقفها ، بل يصرف الإمام حاصلها في المصالح ، كسدّ الثغور ومعونة الغزاة وبناء القناطر وأرزاق القضاة والولاة وصاحب الديوان وغير ذلك من المصالح.

وأمّا الموات منها وقت الفتح فهي للإمام خاصّة ، ولا يجوز لأحد إحياؤه إلاّ بإذنه إن كان ظاهرا. ولو تصرّف فيها أحد من غير إذنه ، كان عليه طسقها ، وحال الغيبة يملكها المتصرّف من غير إذن ، لأنّ عمر بن يزيد روى ـ في الصحيح ـ أنّه سمع رجلا يسأل الصادق عليه‌السلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمّرها وأكرى أنهارها وبنى فيها بيوتا وغرس فيها نخلا وشجرا ، قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول :

من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها يؤديه إلى الإمام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائم عليه‌السلام فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه » (٣) إذا عرفت هذا ، فإذا زرع فيها أحد أو بنى أو غرس ، صحّ له بيع ماله فيها من الآثار وحقّ الاختصاص بالتصرّف ، لا بيع الرقبة ، لأنّها ملك المسلمين قاطبة.

روى أبو بردة بن رجا أنّه سأل الصادق عليه‌السلام : كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال : « ومن يبيع ذلك!؟ هي أرض المسلمين » قلت :

__________________

(١) في المصدر : « و » بدل « أو ».

(٢) التهذيب ٤ : ١١٩ ـ ٣٤٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٤٥ ـ ٤٠٤.

١٨٧

يبيعها الذي هي في يده ، قال : « ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ » ثمّ قال : « لا بأس اشتر حقّه منها ويحوّل حقّ المسلمين عليه ، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملأ بخراجها (١) منه » (٢).

مسألة ١١٠ : الأرض الخربة والموات ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام من الأنفال‌ يختصّ بها الإمام ليس لأحد التصرّف فيها إلاّ بإذنه حال ظهوره عليه‌السلام ، ويجوز للشيعة حال الغيبة التصرّف فيها ، لأنّهم عليهم‌السلام أباحوا شيعتهم ذلك.

وأمّا أرض مكّة : فالظاهر من المذهب أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتحها بالسيف ثمّ آمنهم بعد ذلك ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي (٣) ـ لأنّ العامّة رووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لأهل مكّة : « ما تروني صانعا بكم؟ » فقالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : « أقول كما قال أخي يوسف( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ ) (٤) أنتم الطلقاء » (٥).

ومن طريق الخاصّة : رواية صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر قالا : ذكرنا له الكوفة ، إلى أن قال : « إنّ أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر ، وإن أهل مكّة دخلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) في المصدر : بخراجهم.

(٢) التهذيب ٤ : ١٤٦ ـ ٤٠٦ ، الاستبصار ٣ : ١٠٩ ـ ٣٨٧.

(٣) شرح معاني الآثار ٣ : ٣١١ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ٢٢٠ ، معالم السنن ـ للخطّابي ـ ٤ : ٢٤٠ ، مختصر المزني : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٥ و ٤٥٦.

(٤) يوسف : ٩٢.

(٥) السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٤ : ٥٥ ، سنن البيهقي ٩ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٢٥.

١٨٨

عنوة وكانوا أسراء في يده فأعتقهم وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء » (١).

وقال الشافعي : إنّه عليه‌السلام فتحها صلحا بأمان قدّمه لهم قبل دخوله (٢). وهو منقول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومجاهد (٣).

وأمّا أرض السواد ـ وهي الأرض المغنومة من الفرس ، التي فتحها عمر بن الخطّاب ، وهي سواد العراق ، وحدّه في العرض من منقطع الجبال بـ « حلوان » إلى طرف القادسيّة ، المتّصل بـ « عذيب » من أرض العرب ، ومن تخوم الموصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبّادان من شرقي دجلة ، فأمّا الغربي الذي تليه البصرة إنّما هو إسلامي ، مثل [ شط ] (٤) عثمان بن أبي العاص وما والاها كانت سباخا ومواتا ، فأحياها عثمان بن أبي العاص. وسمّيت سوادا ، لأنّ الجيش لمّا خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض والتفاف شجرها سمّوها السواد لذلك. ولمّا فتحها عمر بعث عمّار بن ياسر على صلاتهم أميرا ، وابن مسعود قاضيا ، واليا على بيت المال ، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض ، وفرض للثلاثة في كلّ يوم شاة ، شطرها مع السواقط (٥) لعمّار ، وشطرها للآخرين ، وقال : ما أرى قرية تؤخذ منها كلّ يوم شاة إلاّ سريع في خرابها (٦) ـ قال الشيخ : الذي يقتضيه المذهب أنّ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٢ ـ ٥١٣ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١١٨ ـ ١١٩ ـ ٣٤١.

(٢) مختصر المزني : ٢٧٣ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٩ ، معالم السنن ـ للخطّابي ـ ٤ : ٢٤١ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ٢٢٠.

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٢٤.

(٤) أضفناها من منتهى المطلب ـ للمصنّف ـ ٢ : ٩٣٧.

(٥) المراد منها هو مثل الكبد والكرش والأمعاء.

(٦) الخراج ـ للقاضي أبي يوسف ـ : ٣٦ ، الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٧٤ ذيل الرقم ١٧٢.

١٨٩

الأرض التي فتحت عنوة يخرج خمسها لأرباب الخمس ، والأربعة الأخماس الباقية للمسلمين قاطبة الغانمين وغيرهم ، ويقبّلها الإمام لمن شاء ، ويأخذ ارتفاعها يصرفه في مصالح المسلمين.

ولا يصحّ بيع شي‌ء من هذه الأرض ولا هبته ولا معاوضته ولا تملّكه (١) ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا إرثه. ولا يصحّ أن يبنى دورا ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك ، ومتى فعل شي‌ء من ذلك كان التصرّف باطلا ، وهو باق على الأصل.

ثمّ قال : وعلى الرواية التي رواها أصحابنا أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير إذن الإمام فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصّة ، تكون هذه الأرضون [ وغيرها ممّا فتحت ] (٢) بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ ما فتح في أيّام أمير المؤمنين عليه‌السلام إن صحّ شي‌ء من ذلك يكون للإمام خاصّة ، ويكون من جملة الأنفال التي له خاصّة لا يشركه فيها غيره (٣).

قال الشيخ ـ ووافقه الشافعي (٤) ـ : إنّ عثمان بن حنيف مسح أرض الخراج ، واختلفوا ، فقال الساجي : اثنان وثلاثون ألف ألف جريب. وقال أبو عبيدة : ستّة وثلاثون ألف ألف جريب. ثمّ ضرب على كلّ جريب نخل عشرة دراهم ، وعلى الكرم ثمانية دراهم ، وعلى جريب الشجر والرطبة ستّة دراهم ، وعلى الحنطة أربعة دراهم ، وعلى الشعير درهمين. ثم كتب بذلك إلى عمر ، فأمضاه (٥).

__________________

(١) في المصدر : تمليكه.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٤.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٤.

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٣ ـ ٣٤.

١٩٠

وأبو حنيفة وافقهما إلاّ في الحنطة والشعير ، فإنّه قال : يؤخذ من الحنطة قفيز ودرهمان ، ومن الشعير قفيز ودرهم (١).

وقال أحمد : يؤخذ من كلّ واحد منهما قفيز ودرهم (٢) ، لقوله عليه‌السلام :

« منعت العراق قفيزها ودرهمها » (٣) معناه : ستمنع.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ سواد العراق فتح صلحا (٤). وهو محكي عن أبي حنيفة (٥).

وقال بعضهم : اشتبه الأمر عليّ فلا أدري أفتح عنوة أو صلحا (٦).

ثمّ اختلفت الشافعيّة ، فقال بعضهم : إنّ عمر جعل الأربعة الأخماس الباقية من الأرض لأهل الخمس عوضا عن نصيبهم من المنقولات من الغنيمة ، فصارت الأرض لأهل الخمس والمنقولات للغانمين (٧).

وقال بعضهم : إنّه قسّمها بين الغانمين ولم يخصّها بأهل الخمس ثمّ استطاب قلوبهم عنها واستردّها (٨).

[ ثمّ اختلفوا ] (٩) فقال الأكثرون : إنّه بعد ردّها وقفها على المسلمين وآجرها (١٠) من أهلها ، والخراج المضروب عليها اجرة منجّمة تؤدّي في كلّ سنة. وهو نصّ الشافعي في كتاب الرهن (١١).

__________________

(١) حلية العلماء ٧ : ٧٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٤.

(٢) حلية العلماء ٧ : ٧٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٥.

(٣) صحيح مسلم ٤ : ٢٢٢ ـ ٨٩٦ ، سنن أبي داود ٣ : ١٦٦ ـ ٣٠٣٥ ، مسند أحمد ٢ : ٥١٦ ـ ٧٥١١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٩.

(٥ ـ ٧) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٩.

(٨) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٩.

(٩) أضفناها لأجل السياق.

(١٠) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « أخذها » بدل « آجرها » وما أثبتناه كما في المصدر.

(١١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

١٩١

قال سفيان الثوري : جعل عمر السواد وقفا على المسلمين ما تناسلوا (١).

وقال بعضهم : إنّه باعها من أهلها والخراج ثمن منجّم ، لأنّه لم يزل الناس يبيعون أرض السواد ويشترون من غير إنكار (٢).

وقال آخرون من الشافعيّة : ما فعله عمر عدول عن الأصل الممهّد ، فإنّه يشترط في الإجارة ضبط المدّة ، وفي البيع ضبط جملة الثمن ، لكن قالوا : إنّها بالاسترداد رجعت إلى حكم أموال الكفّار ، والإمام يفعل للمصلحة الكلّيّة في أموال الكفّار ما لا يجوز مثله في أموال المسلمين ، فرأى عمر (٣) المصلحة لئلاّ يشتغلوا بالعمارة والزراعة عن الجهاد (٤).

وقال بعضهم : إنّه وقفها وقفا لا مؤبّدا محرّما ، بل جعلها موقوفة على مصالح المسلمين ليؤدّي ملاّكها على تداول الأيدي وتبدّلها بالبيع والشراء خراجا ينتفع به المسلمون ، فيجوز بيعها وهبتها ورهنها على الثاني لا الأوّل ، ويجوز على الوجهين لأربابها إجارتها مدّة معلومة (٥).

وهل لهم الإجارة المؤبّدة بمال يتراضيان عليه؟ جوزه بعضهم تبعا لفعل عمر ، وقال : من استحلّ منفعة على جهة لم يبعد أن يملك إخراج نفسه من البين وإحلال غيره محلّه (٦).

ومنع بعضهم (٧).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

(٣) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « غير » بدل « عمر » وذلك تصحيف ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠ ـ ٤٥١.

(٥ ـ ٧) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

١٩٢

والفاسد في إجارة عمر احتمل لمصلحة كلّيّة ، والجزئيّات ليست كالكلّيّات ، فلا يجوز لغير سكّانها أن يزعج واحدا من السكّان ويقول : أنا أستغلّها (١) واعطي الخراج ، لأنّه مالك رقبتها إرثا على أحد الوجهين ، ومالك منفعتها على الآخر ، لعقد بعض أجداده مع عمر ، والإجارة لازمة لا تنفسخ بالموت.

هذا فيما يزرع ويغرس من الأراضي ، وأمّا المساكن والدور : فإن قلنا : إنّ تلك الأراضي مبيعة من أربابها ، فكذا المساكن والدور ، وإن قلنا : موقوفة ، فوجهان (٢).

مسألة ١١١ : إذا نزل الإمام على بلد فحاصره وأرادوا الصلح على أن يكون البلد لهم وكانوا من أهل الكتاب ، جاز له أن يصالحهم بشروط ثلاثة : بذل الجزية ، وأن يجري عليهم أحكام المسلمين ، وأن لا يجتمعوا مع مشرك على قتال المسلمين.

وتكون أرضهم ملكا لهم [ يصحّ لهم ] (٣) التصرّف فيها بجميع الأنواع.

ويجوز للمسلمين استئجارها منهم ، لأنّها ملك له (٤) وتكون الأجرة له (٥) والخراج عليه (٦).

ولو باعها من مسلم ، صحّ البيع ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي (٧).

وقال مالك : لا يصحّ ، لأنّه يؤدّي إلى إسقاط الخراج ، وهو غير‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : أشغلها. والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الوجهان للشافعيّة ، انظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥١ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

(٣) أضفناها لأجل السياق.

(٤ ـ ٦) قوله : له .. له .. عليه : أي : للمؤجر .. وعلى المؤجر.

(٧) حلية العلماء ٧ : ٧٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٨.

١٩٣

جائز ، لأنّه حقّ للمسلمين (١).

وليس بجيّد ، لأنّه لا يسقط بل ينتقل ما كان على الأرض إلى رقبته.

فحينئذ إذا اشتراها المسلم ، انتقل ما كان عليها من الخراج إلى رقبة الذّميّ ، وبه قال الشافعي (٢).

وقال أبو حنيفة : يكون متعلّقا بالأرض ، لأنّ عنده لا يسقط بالإسلام (٣).

تذنيب : كلّ أرض ترك أهلها عمارتها ، كان للإمام تقبيلها ممّن يقوم بها ، وعليه طسقها لأربابها ، لأنّه مصلحة لهم ، فكان سائغا.

وكلّ أرض موات سبق إليها سابق فعمرها وأحياها ، كان أحقّ بها إذا لم يكن لها مالك معروف ، فإن كان لها مالك معروف ، وجب عليه طسقها لمالكها.

وإذا استأجر مسلم دارا من حربيّ ثمّ فتحت تلك الأرض ، لم تبطل الإجارة ، لأنّ حقّ المسلم تعلّق بها ، وتملّكها المسلمون ، لأنّها من الغنائم.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٣٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤.

١٩٤

الباب الثاني : في كيفية قسمة الغنيمة‌

وفيه مباحث :

الأوّل : ما ينبغي تقديمه ، وهي الديون والجعائل والسّلب والرضخ والخمس.

والنظر في هذا البحث مختصّ بالأوّل ، فنقول : إذا كان لمسلم على حربيّ دين فاسترقّ الحربيّ ، لم يسقط الدّين عنه ـ وبه قال الشافعي (١) ـ عملا باستصحاب البقاء ، وعدم سقوط ما ثبت في الذمّة شرعا.

وقال أبو حنيفة : يسقط ، لأنّ المسترقّ انقلب عمّا كان عليه وكأنّه قد عدم ثمّ وجد (٢).

نعم ، لو كان الدّين للسابي وملكه ، فالأقوى سقوطه ، إذ لا يتحقّق للمولى شي‌ء على عبده ، كما لو كان له على عبد غيره دين فملكه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (٣).

والثاني : لا يسقط في صورة السبي ولا في المشتري ، وإذا لم يسقط ، فيقضى من المال المغنوم بعد استرقاقه ، ويقدّم الدّين على الغنيمة كما يقدّم على الوصيّة وإن زال ملكه بالرقّ ، كما أنّ دين المرتدّ يقضى من ماله وإن‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٤.

(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٥ : ٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٤.

١٩٥

حكمنا بزوال ملكه ، ولأنّ الرقّ بمثابة الحجر أو الموت ، فيوجب تعلّق الديون بالمال (١).

وإن غنم المال قبل استرقاقه ، ملكه الغانمون ، ولم ينعكس الدّين عليه ، كما لو انتقل بوجه آخر.

وإن غنم مع استرقاقه ، احتمل تقديم الدّين على حقّ الغانمين ، كما يقدّم في التركة على حقوق الورثة. وتقديم الغنيمة ، لأنّ ملك الغانمين يتعلّق بعين المال ، والدّين في الذمّة ، والمتعلّق بالعين متقدّم على المتعلّق بالذمّة ، كما إذا جنى العبد المرهون ، يقدّم حقّ المجنيّ عليه على حقّ المرتهن.

ولا تتحقّق الجمعيّة بين الاغتنام والأسر في حقّ الرجال في هذا الحكم ، فإنّ المال يملك بنفس الأخذ ، والرقّ لا يحصل بنفس الأسر للرجال الكاملين ، ولكن يظهر ذلك في حقّ النسوة وفيما إذا فرض الاغتنام مع إرقاق الإمام بعد الأسر.

وإذا لم يوجد مال يقضى منه ، فهو في ذمّته إلى أن يعتق.

وهل يحلّ الدّين المؤجّل بالرقّ؟ وجهان (٢) ، كالوجهين في الحلول بالفلس ، والرقّ أولى بالحلول ، لأنّه أشبه بالموت ، فإنّه يزيل الملك ويقطع النكاح.

هذا إذا كان الدّين لمسلم ، وإن كان لذمّيّ ، فكذلك ، لأنّه محترم كأعيان أموال الذمّي ، وهو قول بعض الشافعيّة (٣).

وقال بعضهم بسقوطه (٤).

وإن كان لحربيّ واسترقّ المديون ، فالأقرب : سقوط الدّين ، لأنّ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٤.

(٢ ـ ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٤.

١٩٦

ملتزم الدّين انتقل من كونه حربيّا لا يجري عليه حكم إلى كونه رقيقا ليس له على نفسه حكم ، وهو قول بعض الشافعيّة (١).

وقال بعضهم : لا يسقط ، كما لو أسلم من عليه الدّين أو قبل الأمان ، ويجعل الرقّ كأمان يحدث (٢).

هذا إذا استرقّ من عليه الدّين ، أمّا لو استرقّ من له الدّين ، فلا تبرأ ذمّة من عليه الدّين ، بل هو كودائع الحربيّ المسبيّ ، وكما لو استقرض مسلم من حربيّ مالا ، أو اشترى منه سهما (٣) والتزم الثمن ثمّ استرقّ مستحقّ الدّين ، فإنّ الدّين لا يسقط عن ذمّة المسلم عند بعض الشافعيّة (٤).

وقال بعضهم : لو كان لحربيّ على حربيّ دين فاسترق أحدهما ، يسقط ، لزوال ملكه (٥).

ولو قهر المديون ربّ المال ، سقط ، لأنّ الدار دار حرب حتى إذا قهر العبد سيّده ، يصير حرّا ، ويصير السيّد عبدا. ولو قهرت الزوجة زوجها ، انفسخ النكاح.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان دين المسترقّ على مسلم ، يطالب به ، كما يطالب بودائعه ، لأنّه ملتزم ، وإن كان على حربي ، يسقط ، لأنّ المستحقّ قد زال ملكه ، والحربيّ غير ملتزم حتى يطالب (٦).

ولو استقرض حربيّ من حربيّ أو التزم بالشراء ثمنا ثمّ أسلما أو قبلا الجزية أو الأمان معا أو على الترتيب ، استمرّ الاستحقاق عند بعض‌

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٤.

(٣) كذا ، والظاهر : « شيئا » بدل « سهما ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٤ ـ ٤٥٥.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٥.

١٩٧

الشافعيّة (١).

ونصّ الشافعي على أنّه لو ماتت زوجة الحربيّ فجاءنا مسلما أو مستأمنا فجاء ورثتها يطلبون مهرها ، لم يكن لهم فيه شي‌ء (٢).

ولأصحابه طريقان : أحدهما : أنّ فيهما قولين نقلا وتخريجا.

أصحّهما : أنّه يبقى الاستحقاق ، فيستدام حكم العقد بعد الإسلام.

والثاني : المنع ، لبعد أن يمكّن الحربيّ من مطالبة المسلم أو الذمي في دارنا.

والطريق الثاني : القطع بالقول الأوّل ، وبه قال ابن سريج من الشافعيّة. وحمل نصّه الثاني على ما إذا سمى لها خمرا أو خنزيرا وقبضته في الكفر (٣).

ولو أتلف حربي مالا على حربيّ أو غصبه ثمّ أسلما أو أسلم المتلف ، فوجهان :

أصحّهما : أنّه لا يطالب بالضمان ، لأنّه لم يلتزم شيئا ، والإسلام يجبّ ما قبله ، والإتلاف ليس عقدا يستدام ، بخلاف الملتزم بها ، ولأنّ الحربيّ إذا قهر حربيّا على ماله ، ملكه ، والإتلاف نوع من القهر.

والثاني : يطالب ، لأنّه لازم في شرعهم ، فكأنّهم تراضوا عليه (٤).

ولو جنى الحربيّ على مسلم فاسترقّ ، فأرش الجناية في ذمّته‌

__________________

(١) المهذب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٥ ، منهاج الطالبين : ٣٠٩ ـ ٣١٠.

(٢) المهذب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ ـ ٤١٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٥.

١٩٨

لا يتحوّل إلى رقبته ، بخلاف المكاتب إذا جنى يكون الأرش في ذمّته يؤدّيه من الكسب ، فإن عجز وعاد قنّا ، تحوّل الأرش إلى رقبته.

والفرق : أنّ الرقّ ـ الذي هو محلّ تعلّق الأرش ـ كان موجودا في حال الكتابة إلاّ أن الكتابة المانعة من البيع منعت من التعلّق ، فإذا عجز ، ارتفع المانع وثبت التعلّق ، وفي الحربيّ لم يكن عند الإتلاف رقّ وإنّما حدث بعده.

البحث الثاني : في الجعائل.

مسألة ١١٢ : يجوز للإمام أن يجعل جعلا لمن يدله على مصلحة من مصالح المسلمين ، كسهولة طريق أو ماء في مفازة أو موضع فتح القلعة أو مال يأخذه أو عدوّ يغير عليه أو ثغر يدخل منه بلا خلاف ، وقد استأجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الهجرة من دلّهم على الطريق (١).

ويستحقّ المجعول له الجعل بنفس الفعل الذي جعل له الجعل مسلما كان أو كافرا.

فإن كانت الجعالة عينا ممّا في يده ، وجب أن تكون معلومة بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة ، وإن كانت دينا ، وجب أن تكون معلومة الوصف والقدر ، وإلاّ لزم الغرر وأفضى إلى التنازع.

وإن كانت من مال المشركين ، جاز أن يكون معلوما ومجهولا جهالة لا تمنع التسليم ، ولا يفضي إلى التنازع ، مثل : من دلّ على القلعة الفلانية فله جارية منها ، أو جارية فلان ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل للسريّة الثلث أو الربع ممّا غنموا (٢). ولا نعلم فيه خلافا ، وصحّت هذه المشارطة مع جهلها ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١١٦ ، سنن البيهقي ٦ : ١١٨.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٨٠ ـ ٢٧٤٨ ـ ٢٧٥٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥١ ـ ٢٨٥١

١٩٩

للحاجة ، بل الجعل نفسه غير مملوك ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه.

وإنّما تثبت الجعالة بحسب الحاجة ، لأنّ الغنيمة يستحقّها الغانمون ، فلا تصرف إلى غيرهم إلاّ مع الحاجة. فإن كان المال منه ، مثل : من دلّنا على ثغر القلعة فله دينار ، وجب دفع الجعل بنفس الدلالة ، ولا يتوقّف على فتح القلعة ، خلافا لبعض الشافعيّة (١). وإن قال : من الغنيمة ، استحقّ بالدلالة والفتح معا ، لأنّ جعالة شي‌ء منها يقتضي اشتراط فتحها حكما.

مسألة ١١٣ : لو شرط جارية معيّنة من القلعة ثمّ فتحت على أمان وكانت من الجملة ، فإن اتّفق المجعول له وأربابها على بذلها أو إمساكها بعوض ، جاز ، وإن تعاسرا ، قال الشيخ : تفسخ الهدنة ، ويردّون إلى مأمنهم (٢). وهو قول بعض الشافعيّة (٣). وعندي فيه نظر.

ولو لم يستثن المصالح في الصلح الجارية ، أخذت منه وسلّمت إلى الدالّ.

وإن كان المصالح قد استثنى جماعة من أهله يختارهم فاختار الجارية منهم ، فالصلح صحيح ، خلافا لبعض الشافعيّة ، فإنّه قال : يبطل ، لأنّ الجارية مستحقّة للدالّ (٤).

وليس بجيّد ، لإمكان إمضائه بالتراضي.

__________________

و ٢٨٥٢ ، المغني ١٠ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٥.

(١) ما نسب في المتن إلى بعض الشافعيّة لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر. نعم ، ذلك رأي بعض الحنابلة ، انظر : المغني ١٠ : ٤٠٧ ، والشرح الكبير ١٠ : ٤٢٦.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٢٨.

(٣) المهذب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٥ ، المغني ١٠ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٧.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٥ ـ ٦٧٦.

٢٠٠