تذكرة الفقهاء - ج ٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١

أخماسها ، والخمس الباقي لمستحقّه (١) ، ولا نعلم فيه خلافا.

مسألة ٧٦ : ما يحويه العسكر ممّا ينقل ويحوّل إن لم يصح تملّكه للمسلمين كالخمور والخنازير ، فليس غنيمة ، وما يصحّ تملكه غنيمة إن أخذته الفئة المجاهدة على سبيل الغلبة دون ما يختلس ويسرق ، فإنّه خاصّ للمختلس ، ودون ما ينجلي عنه الكفّار من غير قتال ، فإنّه في‌ء ، ودون اللقطة ، فإنّها لآخذها.

أمّا الغنيمة : فهي للغانمين خاصّة يخرج منها الخمس لأربابه ، والباقي للغانمين.

وأمّا الأشياء المباحة في الأصل ـ كالصيود والأحجار والأشجار ـ فإن لم يكن عليها (٢) أثر لهم ، فهي (٣) لواجدها (٤) ، وليست (٥) غنيمة ، وبه قال الشافعي ومكحول والأوزاعي (٦) ، خلافا لأبي حنيفة والثوري حيث جعلاها (٧) للمسلمين (٨).

ولو كان عليها (٩) أثر ـ كالطير المقصوص والأشجار المقطوعة والأحجار المنحوتة ـ فهي (١٠) غنيمة.

__________________

(١) المغازي ـ للواقدي ـ ١ : ١٣١ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ : ٤٥ ، التفسير الكبير ١٥ : ١١٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٧ : ٣٦٠ ، أسباب النزول ـ للنيسابوري ـ : ١٣٢.

(٢ ـ ٥) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : عليه .. فهو .. لواجده .. ليس. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٦ ، المغني ١٠ : ٤٧٧ ـ ٤٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٧.

(٧) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : جعلاه. وما أثبتناه لأجل السياق.

(٨) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٤٧٧.

(٩ و ١٠) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : عليه .. فهو. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

١٢١

ولو وجد في دار الحرب شي‌ء يحتمل أن يكون للمسلمين والكفّار ـ كالخيمة والسلاح ـ فالوجه : أنّه لقطة.

وقال الشيخ : يعرّف سنة ثمّ يلحق بالغنيمة (١). وبه قال أحمد (٢).

فإن وجد قدح منحوت في الصحراء فعرفه المسلمون ، فهو لهم ، وإلاّ فغنيمة ، لأنّه في دارهم.

ولو وجد صيدا في أرضهم لا مالك له واحتاج إلى أكله ، فإنّه له ، ولا يردّه إجماعا ، لأنّه لو وجد طعاما مملوكا للكفّار ، كان له أكله إذا احتاج إليه ، فالصيد المباح أولى.

ولو أخذ من بيوتهم أو خارجها ما لا قيمة له في أرضهم كالمسنّ (٣) ، فهو أحقّ به إجماعا. ولو صار له قيمة بنقله أو معالجته ، فكذلك ، وبه قال أحمد ومكحول والأوزاعي والشافعي (٤).

وقال الثوري : إذا دخل به دار الإسلام ، دفعه في المغنم (٥) ، وإن عالجه فصار له ثمن ، اعطي بقدر عمله فيه ، ودفع في المغنم (٦) (٧).

وليس شيئا ، لأنّ القيمة صارت له بعلمه ونقله ، فلم يكن غنيمة حال أخذه.

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٠.

(٢) المغني ١٠ : ٤٨٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٦.

(٣) ورد في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : كالمن. وذلك تصحيف. والصحيح ما أثبتناه. والمسكن : حجر يحدد به. الصحاح ٥ : ٢١٤٠ « سنن ».

(٤) المغني ١٠ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٧.

(٥) في « ق ، ك‍ » المقسم. وكذا في المصدر.

(٦) في المصدر : المقسم.

(٧) المغني ١٠ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٧.

١٢٢

ولو ترك صاحب المغنم (١) شيئا من الغنيمة عجزا عن حمله فقال : من حمله فهو له ، جاز ، وصار لآخذه. وبه قال مالك (٢) ، خلافا لبعض العامّة (٣).

ولو وجد في أرضهم ركازا ، فإن كان في موضع يقدر عليه بنفسه ، فهو له ، كما لو وجده في دار الإسلام ، يخرج خمسه ، والباقي له.

وإن لم يقدر عليه إلاّ بجماعة المسلمين ، فإن كان في مواتهم ، قال الشافعي : يكون كما لو وجده في دار الإسلام ، وإلاّ فهو غنيمة (٤).

وقال مالك والأوزاعي والليث وأحمد : هو غنيمة ، سواء كان في مواتهم أو غير مواتهم ، لأنّه مال مشترك ظهر عليه بقوّة جيش المسلمين ، فكان غنيمة ، كالأموال الظاهرة (٥).

مسألة ٧٧ : لا يجوز التصرّف في شي‌ء من الغنيمة قبل القسمة إلاّ ما لا بدّ للغانمين منه ، كالطعام ، وضابطه : القوت وما يصلح به القوت ، كاللحم والشحم ، وكلّ طعام يعتاد أكله ، وعلف الدوابّ : التبن والشعير وما في معناهما ، إجماعا ، إلاّ من شذّ (٦) ـ وبه قال سعيد بن المسيّب وعطاء والحسن البصري والشعبي والثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي (٧) ـ لما رواه العامّة عن ابن عمر ، قال : كنّا نصيب العسل‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : المقسم.

(٢) المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ١٧٧ ، المغني ١٠ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٧.

(٣) المغني ١٠ : ٤٧٨ ـ ٤٧٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٧.

(٤ و ٥) المغني ١٠ : ٤٧٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٦.

(٦) كما في المغني ١٠ : ٤٨٠ ، والشرح الكبير ١٠ : ٤٦٠.

(٧) المغني ١٠ : ٤٨٠ ـ ٤٨١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٠ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٧ ـ ١٧٨ ، الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٧.

١٢٣

والفواكه في مغازينا فنأكله ولا نرفعه (١).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام في وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« ولا تحرقوا زرعا لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه ، ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلاّ ما لا بدّ لكم من أكله » (٢).

ولأنّ الحاجة تشتدّ إلى ذلك ، فإنّ نقل الميرة (٣) عسر جدّا ، وقسمته تستلزم عدم الانتفاع بما يحصل منه.

وقال الزهري : لا يؤخذ إلاّ بإذن الإمام ، لأنّه غنيمة ، فهو لأربابه (٤).

وهو ممنوع ، لاشتداد الحاجة.

وهل يجوز أخذ الطعام أو العلف مع عدم الحاجة؟ الوجه : المنع ، لأنّه مغنوم لجماعة الغانمين غير محتاج إليه ، فأشبه سائر الأموال. نعم ، لهم التزوّد لقطع المسافة بين أيديهم.

وقال بعض العامّة : يجوز مع عدم الحاجة أيضا (٥) ، لأن عمر سوّغ الأكل (٦) ، ولم يقيّد بالحاجة.

والحيوان المأكول يجوز ذبحه والأكل منه مع الحاجة ، ولا تجب القيمة ، لأصالة البراءة.

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١١٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩ ـ ٨ ، التهذيب ٦ : ١٣٨ ـ ٢٣٢.

(٣) الميرة : الطعام. الصحاح ٢ : ٨٢١ « مير ».

(٤) المغني ١٠ : ٤٨١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٦٧.

(٦) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ـ ٢٧٥٠ ، المغني ١٠ : ٤٨١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦١.

١٢٤

ولا فرق بين الغنم وغيرها.

وقال بعض الشافعيّة : ما يمكن سوقه يساق ، وأمّا الغنم فتذبح ، لأنّها كالأطعمة ، ولهذا قال عليه‌السلام حين سئل عن ضالّتها : « هي لك أو لأخيك أو للذئب » (١) (٢).

وقال بعض العامّة : تجب القيمة ، لندور الحاجة إليه ، بخلاف الطعام (٣).

وليس بشي‌ء ، لأنا فرضنا الحاجة.

وإذا ذبح الحيوان للأكل ، ردّ الجلود إلى المغنم ، ولا يجوز استعمالها ، لعدم الحاجة إليها. ولو استعمل الجلد في سقاء أو نعل أو شراك ، ردّه إلى المغنم مع اجرة المثل لمدّة استعماله وأرش نقص أجزائه بالاستعمال. ولو زادت قيمته بالصنعة ، فلا شي‌ء له ، لأنّه متعدّ.

وأمّا ما عدا الطعام والعلف واللحم فلا يجوز تناوله ولا استعماله ولا الانفراد به ، لقوله عليه‌السلام : « أدّوا الخيط والمخيط فإنّ الغلول عار ونار وشنار يوم القيامة » (٤).

وللشافعيّة في الفواكه وجهان (٥).

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٦٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٤٦ ـ ١٣٤٧ ـ ١٧٢٢ ، سنن أبي داود ٢ : ١٣٧ ـ ١٧١٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٥٥ ـ ٦٥٦ ـ ١٣٧٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٦ ـ ٨٣٧ ـ ٢٥٠٤ ، الموطأ ٢ : ٧٥٧ ـ ٤٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٧.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٠ ـ ٩٥١ ـ ٢٨٥٠.

(٥) الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٩.

١٢٥

ويمكن الفرق بين ما يسرع إليه الفساد ويشقّ نقله وبين غيره.

وأمّا الدهن المأكول فيجوز استعماله في الطعام مع الحاجة ، لأنّه نوع من الطعام. ولو كان غير مأكول ، فإن احتاج إلى أن يدهن به أو دابّته ، لم يكن له ذلك إلاّ بالقيمة ، قاله الشافعي ، لأنّه ممّا لا تعمّ الحاجة إليه ، ولا هو طعام ولا علف (١).

وقال بعض العامّة : يجوز ، لأنّ الحاجة إليه في إصلاح بدنه ودابّته كالحاجة إلى الطعام والعلف (٢).

ويجوز أن يأكل ما يتداوى به أو يشربه ـ كالجلاب والسكنجبين وغيرهما ـ عند الحاجة ، لأنّه من الطعام.

وقال أصحاب الشافعي : ليس له تناوله ، لأنّه ليس قوتا ولا يصلح به القوت (٣).

والوجه : الجواز ، لأنّه يحتاج إليه ، فأشبه الفواكه.

وليس له غسل ثوبه بالصابون ، لأنّه ليس طعاما ولا علفا ، وإنّما يراد للتحسين والتزيين لا للضرورة.

ولا يجوز الانتفاع بجلودهم ولا اتّخاذ النعال منها ولا الجرب (٤) ولا الخيوط ولا الحبال ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لأنّه مال غنيمة لا تعمّ الحاجة‌

__________________

(١) الامّ ٤ : ٢٦٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤١ ، المغني ١٠ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٣.

(٢) المغني ١٠ : ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٣.

(٣) المغني ١٠ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٣.

(٤) الجرب جمع ، واحدها : الجراب. وهو وعاء من إهاب الشاء. لسان العرب ١ : ٢٦١ « جرب ».

(٥) الامّ ٤ : ٢٦٣ ، الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤١ ، المغني ١٠ : ٤٨٤.

١٢٦

إليه ، فلا يختصّ به البعض.

ورخّص مالك في الحبل يتّخذ من الشعر ، والنعل والخفّ يتخذ من جلود البقر (١).

مسألة ٧٨ : الكتب التي لهم : فإن كان الانتفاع بها حلالا ـ كالطبّ‌

والأدب والحساب والتواريخ ـ فهي غنيمة ، وإن حرم الانتفاع بها ـ مثل كتب الكفر والهجو والفحش المحض ـ فلا يترك (١) بحاله ، بل يغسل إن كان على رقّ (٢) أو كاغذ ثخين يمكن غسله ، ثمّ هو كسائر أموال الغنيمة ، وإن لم يكن ، أبطلت منفعته بالتمزيق ، ثم الممزّق كسائر الأموال ، فإنّ للممزّق قيمة وإن قلّت.

وكذا كتب التوراة والإنجيل ، لأنّها مبدّلة محرّفة ، فلا يجوز الانتفاع بها ، وإنّما تقرّ في أيدي أهل الذمّة ، لاعتقادهم ، كما يقرّون على الخمر.

والأولى أنّها لا تحرق ، لما فيها من أسماء الله تعالى.

وأمّا جوارح الصيد ـ كالفهد والبازي وكلب الصيد ـ فغنيمة. ولو لم يرغب فيها أحد من الغانمين ، جاز إرسالها وإعطاؤها غير الغانمين. ولو رغب فيها بعض الغانمين ، دفعت إليه ، ولا تحسب عليه من نصيبه ، لأنّه لا قيمة لها. وإن رغب فيها الجميع ، قسّمت ، ولو تعذّرت القسمة أو تنازعوا في الجيّد منها ، أقرع بينهم.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ الإمام يخصّ بالكلاب من شاء (٤).

__________________

(١) المدوّنة الكبرى ٢ : ٣٦ ، المغني ١٠ : ٤٨٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٤.

(٢) أي المكتوب.

(٣) الرّقّ : ما يكتب فيه وهو جلد رقيق. لسان العرب ١٠ : ١٢٣ « رقق ».

(٤) الوجيز ٢ : ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٣.

١٢٧

قالوا : وللإمام أن يسلّمها إلى واحد من المسلمين لعلمه باحتياجه إليه (١) ، ولا يكون محسوبا عليه (٢).

واعترض عليه : بأنّ الكلب منتفع به ، فليكن حقّ اليد فيه لجميعهم ، كما أنّ من مات وله كلب ، لا يستبدّ به بعض الورثة (٣).

وقال بعضهم : إن أراده بعض الغانمين أو بعض أهل الخمس ولم ينازع فيه ، سلّم إليه ، وإن تنازعوا ، فإن وجدنا كلابا وأمكنت القسمة عددا ، قسّمت وإلاّ أقرع بينهم ، وقد تعتبر قيمتها عند من يرى لها قيمة أو ينظر إلى منافعها (٤).

ولو وجدوا خنازير ، قتلوها ، لحصول الأذى منها.

ولو وجدوا خمرا ، أراقوه ، ولو كان لظروفه قيمة ، أخذوها غنيمة ، إلاّ أن تزيد مئونة الحمل على قيمتها أو تساويها فيتلفها عليهم.

ولا يجوز لبس ثياب الغنيمة ولا ركوب دوابّها ، لأنّه مال مغنوم ، فلا يختصّ به أحد.

ولو كان للغازي دوابّ أو رقيق ، جاز له أن يطعمهم ممّا يجوز له أكله ، سواء كانوا للقنية أو للتجارة ، للحاجة ، بخلاف ما لو كان معه بزاة أو صقور ، لعدم الحاجة إليها ، بخلاف الخيل.

ولا يجوز استعمال أسلحة الكفّار إلاّ أن يضطرّ إليه في القتال ، فإذا انقضى الحرب ، ردّه إلى المغنم ، وبه قال الشافعي (٥).

__________________

(١) تذكير الضمير باعتبار الكلب.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٧.

(٣) كما في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٥٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٩.

١٢٨

وقال أبو حنيفة : يجوز استعمال أسلحتهم (١).

ولو جمعت الغنائم وثبتت يد المسلمين عليها وفيها طعام أو (٢) علف ، لم يجز لأحد أخذه إلاّ لضرورة ، لأنّا أبحنا له الأخذ قبل استيلاء يد المسلمين عليها مع الضرورة ، فبعد الاستيلاء أولى. ولأنّ الغانمين ملكوها بالحيازة ، فخرجت عن المباحات ، فلا يجوز الأكل منها إلاّ أن لا يجد غيره ، لأنّ حفظ النفس واجب ، سواء حيزت في دار الحرب أو دار الإسلام.

وقال بعض العامّة : إن حيزت في دار الحرب ، جاز الأكل ، كما جاز قبل الحيازة ، لأنّ دار الحرب مظنّة الحاجة (٣).

وهو غلط ، لأنّ المسلمين ملكوه ، فلا يباح أخذه إلا بإذن. ولأنّ الحيازة في دار الحرب تثبت الملك ، كالحيازة في دار الإسلام ، ولهذا جاز قسمته ، وتثبت فيه أحكام الملك.

مسألة ٧٩ : لو فضل معه من الطعام فضلة فأدخله دار الإسلام ، ردّه إلى المغنم وإن قلّ ، فإن كانت الغنيمة لم تقسّم ، ردّ في المغنم ، وإن قسّمت ، ردّه إلى الإمام ، فإن أمكن تفريقه كالغنيمة ، فرّق ، وإن لم يمكن ، لتفرّق الغانمين وقلّة ذلك ، احتمل جعله في المصالح.

ولا خلاف في وجوب ردّ الكثير ، لأنّ المباح أخذ ما يحتاج إليه في دار الحرب ، فالفاضل غير محتاج إليه ، فيردّ.

__________________

(١) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤٤ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٤ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٩.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجرية : « و » بدل « أو ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) المغني ١٠ : ٤٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٦ ـ ٤٦٧.

١٢٩

وأما القليل فكذلك ـ وهو أحد قولي الشافعي وقول أبي حنيفة وأبي ثور وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين (١) ـ لقوله عليه‌السلام : « أدّوا (٢) الخيط والمخيط » (٣).

ولأنّه مال لم يقسّم ، فأشبه الكثير.

وقال مالك : يكون مباحا لا يجب ردّه إلى المغنم ـ وبه قال الأوزاعي وعطاء الخراساني ومكحول والشافعي في القول الآخر ، وأحمد في الرواية الأخرى ـ لأنّه أبيح إمساكه عن القسمة ، فأبيح في دار الإسلام ، كمباحات دار الحرب (٤).

والفرق ظاهر.

وعن أبي حنيفة أنّه إن كان ذلك قبل قسمة الغنيمة ، ردّه إلى المغنم ، وإن كان بعدها ، باعه وتصدّق بثمنه (٥).

مسألة ٨٠ : ما يؤخذ من أموال المشركين حال الحرب بالقهر ، فهو‌

__________________

(١) الامّ ٤ : ٢٦٢ ، الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٨ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٦٩ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٠ ، المغني ١٠ : ٤٨٦ ـ ٤٨٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٦.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجرية : « ردّوا .. » وما أثبتناه من المصدر ، وكما سبق في ص ١٢٥.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٠ ـ ٢٨٥٠.

(٤) المدوّنة الكبرى ٢ : ٣٨ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٦٩ ، الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٠ ـ ٤٣١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٨ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ، المغني ١٠ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٦.

(٥) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٨.

١٣٠

للمقاتلة يؤخذ منه الخمس ، والباقي للغانمين. وما تأخذه سريّة بغير إذن الإمام ، فهو للإمام خاصّة عندنا. وما يتركه المشركون فزعا ويفارقونه من غير حرب ، فهو للإمام أيضا. وما يؤخذ صلحا أو جزية ، فهو للمجاهدين ، ومع عدمهم يقسم في فقراء المسلمين ، وما يؤخذ غيلة من أهل الحرب إن كان في زمان الهدنة ، أعيد إليهم ، فإن لم يكن كان لآخذه ، وفيه الخمس. ومن مات من أهل الحرب وخلّف مالا فماله للإمام إذا لم يكن له وارث.

وقال بعض الشافعيّة : لو دخل واحد أو شرذمة دار الحرب مستخفين وأخذوا مالا على صورة السرقة ، كان ملكا لآخذه خاصّة ، لأنّ السارق يقصد تملك المال وإثبات اليد عليه ، ومال الحربي غير معصوم ، فكأنّه غير مملوك ، وصار سبيله سبيل الاستيلاء على المباحات ، بخلاف مال الغنيمة ، فإنّه وإن حصل في يد الغانمين فليس مقصودهم التملّك ، إذ لا يجوز التغرّر بالمهج لاكتساب الأموال ، وإنّما الغرض الأعظم رفع كلمة الله تعالى ، وقمع أعداء الدين ، وللقصد أثر ظاهر فيما يملك بالاستيلاء (١).

وقال بعضهم : إنّه غنيمة مخمّسة ، كأنّهم جعلوا دخوله دار الحرب وتغريره بنفسه قائما مقام القتال ، ولهذا قالوا : لو غزت طائفة بغير إذن الإمام متلصّصين وأخذت مالا ، فهو غنيمة مخمّسة (٢).

وروي عن أبي حنيفة أنّه لا يخمّس ، بل ينفردون به إذا لم يكن لهم قوّة وامتناع (٣).

وفي رواية أخرى : يؤخذ الجميع منهم ، ويجعل في بيت المال (٤).

وقال بعض الشافعيّة : إذا دخل الرجل الواحد دار الحرب وأخذ من‌

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٧.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥.

١٣١

حربيّ مالا بالقتال ، أخذ منه الخمس ، والباقي له ، وإن أخذه على جهة السوم ثمّ جحد أو هرب ، فهو له خاصّة ولا خمس (١).

وقال بعضهم : ما يؤخذ بالاختلاس يملك المختلسون أربعة أخماسه ، لأنّهم ما وصلوا إليها إلاّ بتغرير أنفسهم ، كما لو قاتلوا (٢).

وعن أبي إسحاق أنّ المختلس يكون فيئا ، لأنّه حصل بغير إيجاف خيل ولا ركاب (٣) ، كما هو مذهبنا.

وقال بعضهم : هذا إذا دخل الواحد أو النفر اليسير دار الحرب وأخذوا ، فأمّا إذا أخذ بعض الجند الداخلين بسرقة واختلاس ، فهو غلول ، لأنّهم قالوا : ما يهديه الكافر إلى الإمام أو إلى واحد من المسلمين والحرب قائمة لا ينفرد به المهدى إليه ، بل يكون غنيمة ، بخلاف ما إذا أهدى من دار الحرب إلى دار الإسلام (٤).

وقال أبو حنيفة : إنّه ينفرد المهدى إليه بالهديّة بكلّ حال (٥).

والمال الضائع الذي يؤخذ على هيئة اللقطة إن علم أنّه للكفّار ، قال بعض الشافعيّة : إنّه يكون لواجده ، لأنّه ليس مأخوذا بقوّة الجند أو قوّة الإسلام حتى يكون فيئا ، ولا بالقتال حتى يكون غنيمة (٦).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٧.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٧ ـ ٤٥٨.

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨ ، وانظر : الحاوي الكبير ١٤ : ٢٢٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، وانظر : مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٩٨ ـ ١٦٥٠.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨.

١٣٢

وقال بعضهم : يكون غنيمة لا يختصّ به الآخذ (١).

ولو أمكن أن يكون للمسلمين ، وجب تعريفه يوما أو يومين ، لأنّه يكفي إنهاء التعريف إلى الأجناد إذا لم يكن مسلم سواهم ، ولا ينظر إلى الاحتمال ( بطروق التجّار ) (٢).

وقال بعضهم : إنّه يعرّف سنة على ما هو قاعدة التعريف (٣).

وقال بعضهم : لو وجد ضالّة في دار الحرب ، فهو غنيمة ، فالخمس لأهله ، والباقي له ولمن معه. ولو وجد ضالّة لحربيّ في دار الإسلام ، لا يختصّ هو به ، بل يكون فيئا. وكذا لو دخل صبي أو امرأة بلادنا فأخذه رجل ، يكون فيئا. ولو دخل منهم رجل فأخذه مسلم ، يكون غنيمة ، لأنّ لآخذه مئونة ، ويرى الإمام فيه رأيه ، فإن رأى استرقاقه ، كان الخمس لأهله ، والباقي لمن أخذه ، بخلاف الضالّة ، لأنّها مال الكفّار حصل في أيدينا من غير قتال (٤).

مسألة ٨١ : لو أتلف بعض الغانمين من طعام الغنيمة شيئا ، ضمن‌ لأنّه لم يستعمله في الوجه السائغ شرعا ، وما يأخذه لا يملكه بالأخذ ولكن أبيح له الأخذ والأكل.

ولو أخذ بعض الغانمين فوق ما يحتاج إليه وأضاف به غانما أو غانمين ، جاز ، وليس فيه إلاّ إتعاب نفسه بالطبخ وإصلاح الطعام.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : بطرف التجاوز. وذلك تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨.

١٣٣

وليس له أن يضيف غير الغانمين ، فإن فعل ، فعلى الآكل الضمان إن كان عالما ، وإن كان جاهلا ، استقرّ الضمان على المضيف.

ولو لحق الجند مدد بعد انقضاء القتال وحيازة الغنيمة ، فالوجه : أنّ لهم الأكل في موضع يشاركون في القسمة. وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : الجواز ، لحصوله في دار الحرب التي هي مظنّة عزّة الطعام. وأصحّهما عندهم : المنع ، لأنّه معهم كغير الضيف (١).

مسألة ٨٢ : إنّما يسوغ للغانمين أكل ما سوّغناه إذا كانوا في دار الحرب‌ التي تعزّ فيها الأطعمة على المسلمين ، فإذا انتهوا إلى عمران دار الإسلام وتمكنوا من الشراء ، أمسكوا.

ولو خرجوا عن دار الحرب ولم ينتهوا إلى عمران دار الإسلام ، فالأقرب جواز الأكل ، لبقاء الحاجة الداعية إليه ، فإنّهم لا يجدون من يبيعهم ولا يصادفون سوقا. وهو أحد وجهي الشافعيّة (٢).

والثاني : المنع ، لأنّ مظنّة الحاجة دار الحرب ، فيناط الحكم بها (٣).

ولو وجدوا سوقا في دار الحرب وتمكّنوا من الشراء ، احتمل جواز الأكل ، للعموم.

وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، لأنّهم جعلوا دار الحرب في إباحة الطعام بمنزلة السفر في الرخص ، فإنّ الرخص (٤) وإن ثبتت (٥) لمشقّة السفر‌

__________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٠.

(٢ و ٣) الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٠ ـ ٤٦١.

(٤) وردت العبارة في الطبعة الحجريّة و « ق ، ك‍ » هكذا : في الترخّص ، فإنّ الترخّص. والصحيح ما أثبتناه لأجل السياق.

(٥) في « ق ، ك‍ » : أثبتت. وفي الطبعة الحجريّة : ثبت. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

١٣٤

فالمترفّه الذي لا مشقّة عليه يشارك فيها من حصلت له المشقّة (١).

وليس للغانم أن يقرض ما أخذه من الطعام أو العلف من غير الغانمين أو يبيعه ، فإن فعل ، فعلى من أخذه ردّه إلى المغنم. فإن أقرضه غانما آخر ، فليس ذلك قرضا حقيقيّا ، لأنّ الآخذ لا يملك ما يأخذه حتى يملّكه غيره. وحينئذ فالأقرب أنّه ليس للمقرض مطالبة المقترض بالعين أو المثل ما داما في دار الحرب ، ولا يلزم الآخذ الردّ ، لأنّ المستقرض من أهل الاستحقاق أيضا ، فإذا حصل في يده ، فكأنّه أخذه بنفسه. وهو أحد وجهي الشافعيّة (٢).

والثاني : أنّ له مطالبته بالعين أو المثل ما داما في دار الحرب ، لأنّه إذا أخذه صار أحق به ، ولم تزل يده عنه إلاّ ببدل.

وعلى هذا الوجه له مطالبته بردّ مثله من المغنم لا من خالص ملكه ، فلو ردّ عليه من خالص ملكه ، لم يأخذه المقرض ، لأنّ غير المملوك لا يقابل بالمملوك حتى لو لم يكن في المغنم طعام آخر سقطت المطالبة. وإذا ردّ من المغنم ، صار الأوّل أحقّ به ، لحصوله في يده.

وعلى هذا الوجه إذا دخلوا دار الإسلام انقطعت حقوق الغانمين عن أطعمة المغنم ، فيردّ المستقرض على الإمام.

وإذا دخلوا دار الإسلام وقد بقي عين القرض في يد المستقرض ، بني على أنّ الباقي من طعام المغنم هل يجب ردّه إلى المغنم؟ إن قلنا : نعم ، ردّه إلى المغنم ، وإن قلنا : لا ، فإن جعلنا للقرض اعتبارا ، فيردّه إلى المقرض ، وإن قلنا : لا اعتبار له ، فلا يلزمه شي‌ء (٣).

مسألة ٨٣ : لو باع الغانم ما أخذه من غانم آخر بمال آخر أخذه‌ من‌

__________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦١.

(٢ و ٣) الوجيز ٢ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦١.

١٣٥

الغنيمة ، فهو إبدال مباح بمباح ، كإبدال الضيوف (١) لقمة بلقمة ، وكلّ منهما أولى بما تناوله من يد الآخر.

ولو تبايعا صاعا بصاعين ، لم يكن ذلك ربا ، لأنّه ليس معاوضة حقيقيّة ، بل هو كما لو كان في يد عبده طعام فتقابضا صاعا بصاعين.

قال بعض الشافعيّة : من جعل للقرض اعتبارا يلزمه أن يجعل للبيع (٢) اعتبارا حتى يجب على الآخذ تسليم صاع إلى بائعه. وإن تبايعا صاعا بصاعين ، فإن سلم بائع الصاع الصاع ، لم يملك إلاّ طلب صاع تشبيها بالقرض ، وإن سلّم المشتري الصاعين ، لم يطلب إلاّ صاعا ، وملك الزائد على البذل (٣).

إذا عرفت هذا ، فالمأخوذ حيث قلنا : إنّه مباح للغانم غير مملوك فليس له أن يأكل طعامه ويصرف المأخوذ إلى حاجة أخرى بدلا عن طعامه ، كما لا يتصرّف الضيف فيما قدّم إليه إلاّ بالأكل.

ولو قلّ الطعام وخاف قائد الجيش الازدحام والتنازع عليه ، جعله تحت يده وقسّمه على المحتاجين على إقدار الحاجات.

مسألة ٨٤ : الأقرب أنّ حقّ الغانم من الغنيمة يسقط بالإعراض عن الغنيمة وتركها قبل القسمة ، لأنّ المقصود الأعظم من الجهاد إعلاء الدين والذبّ عن الملّة ، والغنيمة تابعة ، فمن أعرض عنها فقد أخلص عمله بعض الإخلاص ، وجرّد قصده للمقصد الأعظم. ولأنّ الغنيمة لا تملك قبل القسمة ، بل تملك إن تملّك على قول (٤) ، فالحقّ فيه كحقّ الشفعة.

__________________

(١) كذا ، والظاهر : كإبدال الضيفين.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجرية : للبائع. وما أثبتناه من المصدر.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٣.

١٣٦

وبالجملة ، إن قلنا : تملك إن تملّك فهو كحقّ الشفعة ، وإن قلنا : تملك ، فلا ينبغي أن يكون مستقرّا ، ليتمكّن من تمحيض الجهاد ليحصل المقصد الأعظم ، فلو قال أحد الغانمين : وهبت نصيبي من الغانمين ، صحّ ، وكان إسقاطا لحقّه الثابت له ، وهو قول بعض الشافعيّة (١).

وقال بعضهم : إنّه إن أراد الإسقاط ، صحّ ، وإن أراد التمليك ، لم يصح ، لأنّه مجهول (٢).

مسألة ٨٥ : إذا حاز المسلمون الغنائم وجمعوها ، ثبت حقّهم فيها ، وملكوها ، سواء جمعوها في دار الحرب أو في دار الإسلام ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّه يجوز القسمة في دار الحرب.

وقال أبو حنيفة : إذا حازوها في دار الحرب ، لا تملك ، وإنّما تملك بعد إحرازها في دار الإسلام (٤). وليس بجيّد.

ومع الحيازة يثبت لكلّ واحد منهم حقّ الملك.

وقيل : لا يملك إلاّ باختيار التملّك ، لأنّه لو قال واحد : أسقطت حقّي ، سقط ، ولو كان ملكا له ، لم يزل بذلك ، كما لو قال الوارث : أسقطت حقّي في الميراث ، لم يسقط ، لثبوت الملك له واستقراره (٥).

وفيه نظر ، لأنّه بالحيازة قد زال ملك الكفّار عنها ، ولا يزول إلاّ إلى المسلمين. نعم ، ملك كلّ واحد منهم غير مستقرّ في شي‌ء بعينه ، أو جزء‌

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٩٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤٢.

(٤) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤٢ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٩٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢١ ، المغني ١٠ : ٤٥٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٩.

(٥) انظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٦ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٦٣.

١٣٧

مشاع ، بل للإمام أن يعيّن نصيب كلّ واحد بغير اختياره ، بل هو ملك ضعيف.

مسألة ٨٦ : من غلّ من الغنيمة شيئا ، ردّه إلى المغنم ، ولا يحرق رحله ـ وبه قال مالك والليث والشافعي وأصحاب الرأي (١) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يحرق رحل الغالّ (٢). ولأنّ فيه إضاعة المال ، ولم يثبت لها نظير في الشرع.

وقال الحسن البصري وفقهاء الشام منهم ، مكحول والأوزاعي : إنّه يحرق رحله ، إلاّ المصحف وما فيه روح ، لما رواه عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إذا وجدتم الرجل قد غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه » (٣) (٤).

ونمنع صحّة السند.

قال أحمد : ولا تحرق آلة الدابّة ، كالسرج وغيره ، لأنّه يحتاج إليه للانتفاع (٥).

وقال الأوزاعي : يحرق سرجه (٦).

__________________

(١) شرح السنّة ٦ : ٣٦٨ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ٢٠٤ ، الجامع لأحكام القرآن ٤ : ٢٦٠ ، المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٢٤.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٦٨ ـ ٦٩ ـ ٢٧١٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٢ ، المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٢٤ ، شرح السنّة ٦ : ٣٦٨.

(٣) سنن أبي داود ٣ : ٦٩ ـ ٢٧١٣ ، سنن البيهقي ٩ : ١٠٣ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ١٢٨.

(٤) المغني والشرح الكبير ١٠ : ٥٢٤ ، معالم السنن ـ للخطابي ـ ٤ : ٣٩ ، شرح السنّة ٦ : ٣٦٨.

(٥) المغني ١٠ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٦.

(٦) المغني ١٠ : ٥٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٦ ، معالم السنن ـ للخطابي ـ ٤ : ٤٠ ، شرح السنّة ٦ : ٣٦٨.

١٣٨

ولا تحرق ثياب الغالّ التي عليه إجماعا ، لأنّه لا يجوز تركه عريانا ، ولا ما غلّ من الغنيمة إجماعا ، لأنّه مال المسلمين ، ولا يحرق سلاحه ، لأنّه يحتاج إليه للقتال ، وهو منفعة للمسلمين عامّة ، ولا نفقته. ولو أبقت النار شيئا ـ كالحديد ـ فهو لمالكه ، للاستصحاب.

ولا تحرق كتب العلم والأحاديث ، لأنّه نفع يرجع إلى الدين ، وليس القصد بالإحراق إضراره في دينه.

ولو لم يحرق متاعه حتى تجدّد له آخر ، لم يحرق المتجدّد إجماعا.

وكذا لو مات لم يحرق رحله إجماعا ، لأنّها عقوبة ، فتسقط بالموت.

قال أحمد : ولو باعه أو وهبه ، نقض البيع والهبة وأحرق (١). ولو كان الغالّ صبيّا ، لم يحرق إجماعا.

وكذا لو كان عبدا ، لأنّ المتاع لسيده ، فلا يعاقب بجناية عبده.

ولو غلّت امرأة أو ذمي ، قال أحمد : يحرق متاعهما (٢).

ولو أنكر الغلول وادّعى ابتياعه ، لم يحرق متاعه إجماعا ، إلاّ أن يثبت بالإقرار أو البيّنة ، فيحرق عند أحمد (٣).

ولا يحرم الغالّ سهمه من الغنيمة ، سواء كان صبيّا أو بالغا ، لأنّ سبب الاستحقاق ـ وهو حضور الحرب ـ ثابت ، والغلول لا يصلح مانعا ، كغيره من أنواع الفسوق ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد (٤).

وفي الثانية : يحرم سهمه (٥).

وقال الأوزاعي : إن كان صبيّا ، حرم سهمه (٦).

وإذا أخذ سهمه ، لم يحرق إجماعا.

__________________

(١ ـ ٦) المغني ١٠ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٧.

١٣٩

مسألة ٨٧ : إذا تاب الغالّ قبل القسمة ، وجب ردّ ما غلّة في المغنم إجماعا ، لأنّه حقّ لغيره ، فيجب عليه ردّه إلى أربابه.

ولو تاب بعد القسمة ، فكذلك ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّه مال لغيره ، فيجب ردّه إلى أربابه ، كما لو تاب قبل القسمة.

وقال مالك : إذا تاب بعد القسمة ، أدّى خمسه إلى الإمام ، وتصدّق بالباقي ـ وبه قال الحسن البصري ـ بناء على فعل معاوية (٢) (٣). وليس حجّة.

فإن تمكّن الإمام من قسمته ، فعل ، وإلاّ تصدّق به بعد الخمس ، لأنّ تركه تضييع له وتعطيل لمنفعته التي خلق لها ، ولا يتخفّف به شي‌ء من إثم الغالّ ، وفي الصدقة به نفع لمن يصل إليه من المساكين ، وما يحصل من أجر الصدقة يصل إلى صاحبه ، فيذهب به الإثم عن الغالّ ، فيكون أولى.

مسألة ٨٨ : لو سرق من الغنيمة شيئا ، فإن كان له نصيب من الغنيمة بقدره أو أزيد بما لا يبلغ نصاب القطع ، لم يجب عليه القطع ، لأنّه وإن لم يملكه لكن شبهة الشركة درأت عنه الحدّ ، وإن زاد على نصيبه بمقدار النصاب الذي يجب فيه القطع ، وجب عليه القطع ، لأنّه سارق.

هذا إذا لم يعزل منه الخمس ، ولو عزل الإمام الخمس ثم سرق ولم يكن من أهل الخمس ، فإن كان من الخمس ، قطع ، وإن كان من أربعة الأخماس ، قطع إن زاد على نصيبه بقدر النصاب.

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ـ هامش إرشاد الساري ـ ٨ : ٢٤ ، وانظر : المغني ١٠ : ٥٢٧ ، والشرح الكبير ١٠ : ٥٢٨.

(٢) سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٧٠ ـ ٢٧٣٢.

(٣) المغني ١٠ : ٥٢٦ ـ ٥٢٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٧ ـ ٥٢٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٤ : ٢٦١ ، صحيح مسلم بشرح النووي ـ هامش إرشاد الساري ـ ٨ : ٢٤.

١٤٠