تذكرة الفقهاء - ج ٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١

الأمان إليهنّ وإن كان بلفظ الذكور ، مثل : ليس لي إلاّ هؤلاء البنات والأخوات وأمّنوني على بنيّ و (١) إخوتي.

ولو قالوا (٢) : أمّنونا على آبائنا ، ولهم آباء وأمّهات ، دخلوا جميعا في الأمان ، لتناول اسم الآباء لهما.

قال الله تعالى ( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ) (٣).

وكذا لو كان لهم (٤) أب واحد وأمّهات شتّى ، لتناول الاسم للجميع من حيث الاستعمال.

وهل يدخل الأجداد في الآباء؟ الأولى ذلك ، لأنّ الأب يطلق عليه من حيث إنه أب الأب ، ويكفي في الإضافة أدنى ملابسة.

وقال أبو حنيفة : لا يدخلون (٥) ، لأنّ اسم الأب لا يتناول الأجداد حقيقة ولا بطريق التبعيّة ، لأنّهم أصول الآباء يختصّون باسم خاصّ ، فلا يتناولهم اسم الآباء على وجه التبعيّة لفروعهم.

ولو قالوا : أمّنونا على أبنائنا ، دخل فيه أبناء الأبناء أيضا ، لأنّ اسم الابن يتناول ابن الابن ، لأنّه طلب الأمان لمن يضاف إليه بالنبوّة ، إلاّ أنّه ناقص في الإضافة والنسبة إليه ، لأنّه يضاف إليه بواسطة الابن ، لأنّه متفرّع عنه ومتولّد بواسطة الابن ، والإضافة الناقصة كافية في إثبات الأمان ، لأنّه يحتاط في إثباته ، لأنّ موجبه حرمة الاسترقاق ، والشبهة ملحقة بالحقيقة في موضع الاحتياط ، بخلاف الوصيّة ، فإنّ الشبهة فيها غير كافية في‌

__________________

(١) في « ق » : « أو » بدل « و ».

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : قال. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) النساء : ١١.

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « له » بدل « لهم ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٥) الفتاوى الهنديّة ٢ : ١٩٩ ـ ٢٠٠‌

١٠١

الاستحقاق ، لثبوت مزاحمة الوارث (١).

وهذا كلّه إنّما هو بلسان العرب ، فالحكم متعلّق به مع استعماله ، لكنّا قد بيّنّا أنّ صيغة الأمان يكفي فيها أيّ لغة كانت ، فلو كان بعض اللغات يتناول ما أخرجناه في بعض هذه الصور وطلب الأمان بتلك اللغة ، دخل فيه ما أخرجناه.

وكذا لو اعتقد المشرك دخول من أخرجناه في الأمان حتى خرج بهم ، لم يجز التعرّض لهم ، لأنّهم دخلوا إلينا بشبهة الأمان ، فيردّون إلى مأمنهم ثمّ يصيرون حربا.

مسألة ٦٠ : يصحّ عقد الأمان للمرأة على قصد العصمة عن الاسترقاق‌ ـ وهو أحد وجهي الشافعي (٢) ـ للأصل ، ولأنّه غرض مقصود ، ويصحّ على سبيل التبعيّة فجاز على سبيل الاستقلال.

والثاني : لا يصحّ ، لأنّه تابع (٣).

وإذا أمّن الأسير من أسره ، فهو فاسد ، لأنّه كالمكره ، إلاّ أن يعلم اختياره في ذلك.

ولو أمّن غيره ، جاز ـ وللشافعيّة وجهان (٤) ـ ويلزمه حكمه وان لم يلزم غيره ، فلو أمّنهم وأمّنوه بشرط أن لا يخرج من دارهم ، لزمه الخروج مهما قدر ، قالت الشافعيّة : و (٥) إن حلف بالطلاق والعتاق والأيمان المغلّظة ، لكن يكفّر عن يمينه ودعه يقع طلاقه وعتاقه ، فلا رخصة في المقام حيث‌

__________________

(١) في « ق » : الورّاث.

(٢ و ٣) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٢.

(٤) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٤.

(٥) الواو وصليّة.

١٠٢

يذلّ (١) المسلم ولكن عند الخروج لا يغتالهم إن أمّنهم (٢).

ولو اتبعه قوم ، فله دفعهم وقتالهم دون غيرهم. ولو شرطوا عليه الرجوع ، لم يلزمه. ولو شرط إنفاذ مال ، لم يلزمه. وإن كان قد اشترى منهم شيئا ولزمه الثمن ، وجب إنفاذه.

وإن أكره على الشراء ، فعليه ردّ العين ، قاله الشافعي في الجديد.

وقال في القديم : يتخيّر بين ردّ العين أو الثمن ، إذ يقف العقد على إجازته (٣).

مسألة ٦١ : لو قال : اعقدوا الأمان على أهل حصني على أن أفتحه لكم ، فأمّنوه على ذلك ، فهو آمن وأهل الحصن آمنون.

وقال الحنفيّة : أموالهم كلّها في‌ء ، لأنّ الأمان بشرط فتح الباب لا تدخل فيه الأموال لا بالتنصيص ولا التبعيّة للنفوس ، لأنّه لم تبق للمسلمين حينئذ فائدة في فتح الباب ، وإنّما قصدوا بذلك التوسل (٤) إلى استغنام أموالهم (٥).

ولو قال : اعقدوا لي الأمان على أهل حصني على أن أدلّكم على طريق موضع كذا ، ففعلوا ففتحوا الباب ، فجميع النفوس والأموال تدخل في الأمان ، لأنّ شرط الأمان هنا جرى على الدلالة لا على فتح الباب ، فيكون كلامه بيانا أنّه يدلّهم ليتمكّنوا في الدار في حصنه مع أهل الحصن ، فتدخل الأموال تبعا للنفوس ، لأنّه لا يمكنهم المقام فيه إلاّ بالمال ، بخلاف الصورة‌

__________________

(١) في المصدر : يبذل. وفي « ق » : بذل.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٥.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٦.

(٤) كذا ، ولعلّها : التوصّل.

(٥) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفرة لدينا.

١٠٣

الأولى ، لأنّ في اشتراط فتح الباب دلالة على أنّ الذين يتناولهم (١) الأمان غير مقرّين بالسكنى في الحصن ، وإنّما تدخل الأموال في الأمان ، لأنّ التمكّن من المقام يكون بالأموال ، وإذا انعدم السكنى لم تدخل الأموال في الأمان.

ولو قال : اعقدوا لي الأمان على أن تدخلوا فيه فتصلّوا ، دخل الأموال في الأمان ، لأنّ فيه تصريحا بفائدة فتح الباب ، وهو الصلاة فيه دون إزعاج أهله ، وقد يرغب المسلمون في الصلاة في ذلك المكان إمّا لينتقل الخبر بأنّ المسلمين صلّوا جماعة في الحصن الفلاني فيدخل الرعب في قلوب باقي المشركين ، أو ليكونوا قد عبدوا الله في مكان لم يعبده في ذلك المكان أهله ، ومكان العبادة شاهدة للمؤمن يوم القيامة.

ولو قال : أمّنوني على قلعتي أو مدينتي ، فأمّنوه ، دخل المال والأنفس فيه وإن كان تنصيص الأمان إنّما هو عليهما لا غير ، لأنّ المقصود من هذا الأمان بقاء القلعة والمدينة على ما كانتا عليه عرفا ويكون هو المتصرّف والمتغلّب ، وليس غرضه إبقاء عين القلعة أو المدينة مع إفناء أهلهما ونهب الأموال.

ولو قال : أمّنوني على ألف درهم من مالي على أن أفتح لكم الحصن ، فهو آمن على ما طلب ، ويكون الباقي فيئا. ولو لم يف ماله بالألف ، لم يكن له زيادة على ماله. ولو لم يكن له دراهم ولكنّه كان له عروض ، أعطى من ذلك ما يساوي ألفا ، لأنّه شرط في الأمان جزءا من ماله والأموال كلّها جنس واحد في صفة الماليّة.

أمّا لو قال : أمنّوني على ألف درهم من مالي على أن أفتح لكم الحصن ، فهو آمن على ما طلب ، ويكون الباقي فيئا. ولو لم يف ما له بالألف ، لم يكن له زيادة على ما له. ولو لم يكن له دراهم ولكنّه كان له عروض ، أعطى من ذلك ما يساوي ألفا ، لأنّه شرط في الأمان جزءا من ماله والأموال كلّها جنس واحد في صفة الماليّة.

أمّا لو قال : عليّ ألف درهم من دراهمي ، ولا دراهم له ، كان لغوا ، لأنّه شرط جزءا من دراهمه ولا دراهم له ، فلا يصادف الأمان محلاّ ، فيكون لغوا.

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : تناولهم.

١٠٤

البحث السادس : في الأحكام.

مسألة ٦٢ : قد بيّنا أنّ من عقد أمانا لكافر ، وجب عليه الوفاء به ، ولا يجوز له الغدر ، فإن نقضه ، كان غادرا آثما ، ويجب على الإمام منعه عن النقض إن عرف بالأمان.

إذا عرفت هذا فلو عقد لحربيّ (١) الأمان ليسكن دار الإسلام ، وجب الوفاء له ، ودخل ماله تبعا له في الأمان وإن لم يذكره ، لأن الأمان يقتضي الكفّ عنه ، وأخذ ماله يوجب دخول الضرر عليه ، فيكون نقضا للأمان ، وهو حرام. ولو شرط الأمان لماله ، كان ذلك تأكيدا.

ولو دخل الحربيّ دار الإسلام بغير أمان ومعه متاع ، فهو حرب لا أمان له في نفسه ولا في ماله ، إلاّ أن يعتقد أنّ دخوله بمتاعه على سبيل التجارة أمان له ، فإنّه لا يكون أمانا ، ويردّ إلى مأمنه.

ولو ركب المسلمون في البحر فاستقبلهم فيه تجّار كفّار من أرض العدوّ يريدون بلاد الإسلام ، قال بعض العامّة : لم يقاتلوا ولم يعرّضوا (٢). وفيه نظر.

مسألة ٦٣ : لو دخل الحربيّ دار الإسلام بتجارة معتقدا أنّه أمان ، فهو آمن حتى يرجع إلى مأمنه ، ويعامل بالبيع والشراء ، ولا يسأل عن شي‌ء ، وإن لم تكن معه تجارة وقال : جئت مستأمنا ، لم يقبل منه ، ويكون الإمام مخيّرا فيه. وبه قال الأوزاعي والشافعي (٣).

ولو كان ممّن ضلّ الطريق أو حملته الريح في المركب إلينا ، كان فيئا.

وقيل : يكون لآخذه (٤).

ولو دخل دار الإسلام بأمان ، دخل أمان ماله ، فلو عاد إلى دار الحرب‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : الحربيّ.

(٢ ـ ٤) المغني ١٠ : ٤٣٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٥.

١٠٥

بنيّة الرجوع إلى دار الإسلام ، فالأمان باق ، لأنّه على نيّة الإقامة في دار الإسلام ، وإن كان للاستيطان في دار الحرب ، بطل في نفسه دون ماله ، لأنّه بدخوله دار الإسلام وأخذ الأمان ثبت الأمان في ماله الذي معه ، فإذا بطل في نفسه بمعنى لم يوجد في المال ـ وهو الدخول في دار الحرب ـ بقي الأمان في ماله ، لاختصاص المقتضي بالنفس. أمّا لو أخذه معه إلى دار الحرب ، فإنّه ينتقض الأمان فيه كما ينتقض في نفسه. ولو لم يأخذه فأنفذ في طلبه ، بعث به إليه تحقيقا للأمان فيه. ويصحّ تصرّفه فيه ببيع وهبة وغيرهما.

ولو مات في دار الحرب أو قتل ، انتقل إلى وارثه ، فإن كان مسلما ، ملكه مستقرّا ، وإن كان حربيّا ، انتقل إليه وانتقض فيه الأمان ـ وبه قال أبو حنيفة (١) ـ لأنّه مال لكافر لا أمان بيننا وبينه في نفسه ولا في ماله ، فيكون كسائر أموال أهل الحرب.

وقال أحمد : لا يبطل الأمان ، بل يكون باقيا ـ وبه قال المزني ، وللشافعيّة قولان ـ لأنّ الأمان حقّ لازم متعلّق بالمال ، فإذا انتقل إلى الوارث ، انتقل بحقّه ، كسائر الحقوق من الرهن والضمان والشفعة (٢).

ونمنع ملازمته للمال ، لأنّ الأمان تعلّق بصاحبه وقد مات ، فيزول الأمان المتعلق به.

مسألة ٦٤ : إذا مات الحربيّ في دار الحرب وقد أخذ الأمان لإقامته‌

__________________

(١) المغني ١٠ : ٤٣٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٧.

(٢) المغني ١٠ : ٤٣٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٥٧ ، مختصر المزني : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٩ ـ ٢٢٠ ، الوجيز ٢ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٦ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨١.

١٠٦

في دار الإسلام وأقام بها ، تبعه ماله ، وزوال الأمان عنه بموته كما قلناه ، فينتقل إلى الإمام خاصّة من الفي‌ء ، لأنّه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، ولا أخذ بالسيف ، فهو بمنزلة ميراث من لا وارث له.

ونقل المزني عن الشافعي أنّه يكون غنيمة (١).

وهو ممنوع ، لأنّه لم يؤخذ بالقهر والغلبة.

وينتقل المال إلى وارث الحربيّ ، سواء كان الوارث في دار الإسلام أو في دار الحرب ، فإن كان الوارث حربيّا في الدارين ، صار فيئا للإمام على ما قلناه.

وقال الشافعي في أحد الوجهين : لا ينتقل إلى وارثه في دار الإسلام ، لأنّه مع اختلاف الدارين يسقط الميراث (٢). وليس بجيّد.

وكذا الذمي إذا مات وله ولد في دار الإسلام وولد في دار الحرب ، كان ميراثه لهما.

ولو كان له ولد في دار الإسلام ، صار ماله له ، ولو كان في دار الحرب ، انتقل ماله إليه ، وصار فيئا.

ولو دخل دار الإسلام فعقد أمانا لنفسه ثمّ مات في دار الإسلام وله مال ، فإن كان وارثه مسلما ، ملكه ، وإن كان كافرا في دار الحرب ، انتقل المال إليه ، وصار فيئا ، لأنّه مال لكافر لا أمان بيننا وبينه ، فيكون فيئا.

وقال بعض الشافعيّة : يردّ إلى وارثه. واختلفوا على طريقين ، منهم‌

__________________

(١) مختصر المزني : ٢٧٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٦.

(٢) انظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٦ ـ ٤٧٧ ، والمهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٥ ، وحلية العلماء ٧ : ٧٢٤.

١٠٧

من قال : فيه للشافعي قولان ، كما لو مات في دار الحرب. ومنهم من قال هنا : يردّ قولا واحدا ، لأنّه إذا رجع إلى دار الحرب فقد بطل أمانه ، وهنا مات وأمانه باق ، وحينئذ ينتقل إلى الإمام ، لأنّه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب. وكذا لو لم يكن له وارث (١).

مسألة ٦٥ : لو كان للحربيّ أمان فترك ماله ونقض الأمان ولحق بدار الحرب ، فإنّ الأمان باق في ماله ، فإن رجع ليأخذ ماله ، جاز سبيه.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز ، ويكون الأمان ثابتا ، لأنّا لو سبيناه أبطلنا ملكه ، وأسقطنا حكم الأمان في ماله (٢).

وليس بجيّد ، لأنّ ثبوت الأمان لماله لا يثبت له الأمان ، كما لو دخل إلى دار الإسلام بأمان ثم خرج إلى دار الحرب ، فإنّ الأمان باق في المال دونه ، وكما لو أدخل ماله بأمان وهو في دار الحرب ، فإنّ الأمان لا يثبت له لو دخل دار الإسلام ويثبت لماله.

ولو أسر الحربي الذي لماله أمان ، لم يزل الأمان عن ماله.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يمنّ عليه الإمام أو يسترقّه أو يفاديه أو يقتله ، فإن قتله ، انتقل إلى وارثه المسلم إن كان ، وإلاّ فإلى الحربي وصار فيئا ، فإن فأداه أو منّ عليه ، ردّ ماله إليه ، وإن استرقّه ، زال ملكه عنه ، لأنّ المملوك لا يملك شيئا وصار فيئا ، وإن أعتق بعد ذلك ، لم يردّ إليه ، وكذا لو مات لم يردّ على ورثته ، سواء كانوا مسلمين أو كفّار ، لأنّه لم يترك شيئا.

مسألة ٦٦ : إذا دخل المسلم أرض العدوّ بأمان فسرق شيئا ، وجب‌

__________________

(١) انظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٦ ـ ٤٧٧ ، والمهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٦٥ ، وحلية العلماء ٧ : ٧٢٤.

(٢) لم نعثر عليه في المصادر المتوفّرة لدينا.

١٠٨

عليه ردّه على (١) أربابه ، لأنّهم أعطوه الأمان بشرط أن يترك خيانتهم وإن لم يكن ذلك مذكورا صريحا ، فإنّه معلوم من حيث المعنى.

ولو أسر المشركون مسلما ثمّ أطلقوه بأمان على أن يقيم في دارهم ويسلمون من خيانته ، حرمت عليه أموالهم بالشرط ، ولا يجوز عليه المقام مع القدرة على الهجرة.

ولو لم يؤمّنوه ولكن استرقّوه واستخدموه ، فله الهرب وأخذ ما أمكنه من مالهم ، لأنّهم قهروه على نفسه ولم يملكوه بذلك ، فجاز له قهرهم.

ولو أطلقوه على مال ، لم يجب الوفاء به ، لأنّ الحرّ لا قيمة له.

ولو دخل المسلم دار الحرب بأمان فاقترض من حربيّ مالا وعاد إلينا ودخل صاحب المال بأمان ، كان عليه ردّه إليه ، لأنّ مقتضى الأمان الكفّ عن أموالهم.

ولو اقترض حربيّ من حربيّ مالا ثمّ دخل المقترض إلينا بأمان ، كان عليه ردّه إليه ، لأنّ الأصل وجوب الردّ ، ولا دليل على براءة الذمّة منه.

ولو تزوج الحربيّ بحربيّة وأمهرها مهرا ، وجب عليه ردّه عليها.

وكذا لو أسلما معا وترافعا إلينا ، فإنّا نلزم الزوج المهر إن كان ممّا يصحّ للمسلمين تملّكه ، وإلاّ وجب عليه قيمته خاصّة (٢).

ولو تزوّج الحربيّ بحربيّة ثمّ أسلم الحربيّ خاصّة والمهر في ذمته ، لم يكن للزوجة مطالبته به ، لأنّها أهل حرب ولا أمان لها على هذا المهر.

وكذا لو ماتت ولها ورثة كفّار ، لم يكن لهم أيضا المطالبة به ، لما مرّ في الزوجة. ولو كان الورثة مسلمين ، كان لهم المطالبة به.

ولو ماتت الحربيّة ثمّ أسلم الزوج بعد موتها ، كان لوارثها المسلم‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « إلى » بدل « على ».

(٢) كلمة « خاصّة » لم ترد في « ق ، ك‍ ». وعليها في الطبعة الحجريّة علامة نسخة بدل.

١٠٩

مطالبة الزوج بالمهر ، وليس للحربيّ (١) مطالبته به. وكذا لو أسلمت قبله ثمّ ماتت ، طالبه وارثها المسلم دون الحربيّ.

ولو دخل المسلم أو الحربيّ دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم اشترى به شيئا ، لم يتعرّض له ، سواء كان مع المسلم أو الذمي ، لأنّه أمانة معهم ، وللحربيّ أمان.

ولو دفع الحربيّ إلى الذمي في دار الإسلام شيئا وديعة ، كان في أمان إجماعا.

مسألة ٦٧ : إذا خلّى المشركون أسيرا مسلما من أيديهم واستحلفوه على أن يبعث إليهم فداء عنه ، أو يعود إليهم ، فإن كان كرها ، لم يلزمه الوفاء لهم برجوع ولا فدية إجماعا ، لأنّه مكره ، وإن ( لم يكن مكرها ) (٢) لم يجب الوفاء بالمال ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّه حرّ لا يستحقّون بدله ، فلا يجب الوفاء بشرطه.

وقال عطاء والحسن والزهري والنخعي والثوري والأوزاعي وأحمد : يجب الوفاء به ، لقوله تعالى ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ ) (٤) (٥).

وليس حجّة ، لأنّه ليس على إطلاقه إجماعا ، بل المعتبر فيه المصلحة الدينيّة.

ولو عجز عن المال ، لم يجز له الرجوع إليهم ، سواء كان رجلا أو امرأة.

أمّا المرأة : فأجمعوا على تحريم رجوعها إليهم.

__________________

(١) أي : الوارث الحربيّ.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك‍ » : لم يكره.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٣ ، المغني ١٠ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٠.

(٤) النحل : ٩١.

(٥) المغني ١٠ : ٥٣٩ ـ ٥٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٠ ـ ٥٦١.

١١٠

وأمّا الرجل : فعندنا كذلك ـ وبه قال الحسن البصري والنخعي والثوري والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (١) ـ لأنّ الرجوع إليهم معصية ، فلا يلزمه بالشرط ، كما لو كان امرأة.

وقال الزهري والأوزاعي وأحمد في رواية (٢) : يلزمه الرجوع ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاهد قريشا على ردّ من جاءه مسلما (٣) (٤). وهو ممنوع.

مسألة ٦٨ : المستأمن إذا نقض العهد ورجع إلى داره ، فما خلّفه عندنا من وديعة ودين فهو باق في عهدة الأمان إلى أن يموت.

وللشافعي أربعة أوجه : أحدها : أنّه في‌ء. والثاني : أنّه في أمانه إلى أن يموت ، فإن مات فهو في‌ء. والثالث : أنّه في أمانه ، فإن مات فهو لوارثه. الرابع : أنّه في أمانه ، لأنّ عقد الأمان للمال مقصود ، وإلاّ فينتقض أيضا تابعا لنفسه (٥).

والرقّ كالموت في الرقيق ، فإن قلنا : يبقى أمانه بعد الرقّ ، فلو عتق ردّ عليه ، ولو مات رقيقا ، فهو في‌ء ، إذا لا إرث من الرقيق.

وفيه قول آخر لهم مخرّج : إنّه لورثته (٦).

ومهما جعلناه للوارث فله أن يدخل بلادنا لطلبه من غير عقد أمان ، وهذا (٧) العذر يؤمّنه ، كقصد (٨) السفارة.

__________________

(١) المغني ١٠ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦١ ، الوجيز ٢ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٦ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٣.

(٢) في الطبعة الحجريّة : في إحدى الروايتين.

(٣) سنن البيهقي ٩ : ١٤٤.

(٤) المغني ١٠ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦١.

(٥ و ٦) الوجيز ٢ : ١٩٦.

(٧) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : ولهذا. وما أثبتناه هو الصحيح.

(٨) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : لقصد. وما أثبتناه هو الصحيح‌.

١١١

البحث السابع : في التحكيم.

مسألة ٦٩ : إذا حصر الإمام بلدا ، جاز أن يعقد عليهم أن ينزلوا على حكمه ، فيحكم فيهم بما يراه هو أو بعض أصحابه إجماعا ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا حاصر بني قريظة رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأجابهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ذلك (١).

وهل يجوز للإمام إنزالهم على حكم الله تعالى؟ قال علماؤنا بالمنع ـ وبه قال محمد بن الحسن (٢) ـ لما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : « إذا حاصرتم حصنا أو مدينة فأرادوكم أن تنزلوهم على حكم الله فلا تنزلوهم ، فإنّكم لا تدرون ما حكم الله تعالى فيهم ، ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم ما رأيتم » (٣).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام في وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن ينزلوا على حكم الله فلا تنزلهم ولكن أنزلهم على حكمي ثمّ اقض بينهم بعد بما شئتم فإنّكم إن أنزلتموهم على حكم الله لم تدروا تصيبوا حكم الله فيهم أم لا » (٤).

ولأنّ حكم الله تعالى في الرجال : القتل أو المنّ أو المنّ أو الاسترقاق أو المفاداة ، وفي النساء : الاسترقاق أو المنّ ، فيكون مجهولا ، فكان الإنزال‌

__________________

(١) المغازي ـ للواقدي ـ ٢ : ٥١٢ ، صحيح البخاري ٥ : ١٤٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٨٨ ـ ١٣٨٩ ـ ١٧٦٨ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ١٤ : ٤٢٥ ـ ١٨٦٧٧ ، مسند أحمد ٣ : ٤٠١ ـ ١٠٧٨٤ و ٤٨٤ ـ ١١٢٨٣ و ٧ : ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ـ ٢٤٥٧٣ ، المغني ١٠ : ٥٣٧.

(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٠٧.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٨ ـ ٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٣٧ ـ ٢٦١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٤ ـ ٢٨٥٨ ، مسند أحمد ٦ : ٤٩٢ ـ ٢٢٥٢١ نحوه.

(٤) الكافي ٥ : ٢٩ ـ ٣٠ ـ ٨ ، التهذيب ٦ : ١٣٩ ـ ٢٣٢.

١١٢

على حكم الله مجهولا ، فكان باطلا.

وقال أبو يوسف : يجوز ذلك ، لأنّ حكم الله تعالى معلوم ، لأنّه في حقّ الكفرة : القتل في المقاتلين ، والاسترقاق في ذراريهم ، والاستغنام في أموالهم (١).

ونحن نقول : حكم الله تعالى معلوم في حقّ قوم ممتنعين ومع الظهور عليهم ، أمّا في حقّ قوم ممتنعين تركوا منعتهم باختيارهم فمجهول.

مسألة ٧٠ : يجوز أن ينزلوا على حكم الإمام أو بعض أصحابه فيحكم فيهم بما يرى بلا خلاف ، فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجاب بني قريظة لمّا رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم بقتل الرجال وسبي الذراري ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لقد حكم بما حكم الله تعالى به فوق سبعة أرقعة » (٢).

قال الخليل : الرقيع اسم سماء هذه الدنيا ، ويقال : كلّ واحدة رقيع للأخرى ، فهي أرقعة (٣).

مسألة ٧١ : يشترط في الحاكم سبعة : الحرّيّة والإسلام والبلوغ والعقل والذكوريّة والفقه والعدالة. فالعبد ليس مظنّة للفراغ في نظر أمور الناس وكيفيّة القتال وما يتعلّق به من المصالح ، لاشتغال وقته بخدمة مولاه. والكافر لا شفقة له في حقّ المسلمين ولا يؤمن عليهم. والصبي جاهل بالأمور الخفيّة المنوطة بالحرب ، وكذا المجنون. والمرأة قاصرة النظر قليلة المعرفة بمواقع الحروب ومصالحها (٤). والجاهل قد يحكم بما لا يجوز شرعا. والفاسق ظالم فيدخل تحت قوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٥).

__________________

(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٠٧.

(٢) المغازي ـ للواقدي ـ ٢ : ٥١٢ ، المغني ١٠ : ٥٣٨.

(٣) العين ١ : ١٥٧.

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : مصالحه. والصحيح ما أثبتناه.

(٥) هود : ١١٣.

١١٣

ولا يشترط الفقه بجميع المسائل ، بل بما يتعلّق بالجهاد.

ويجوز أن يكون أعمى ـ وبه قال الشافعي وأحمد (١) ـ لأنّ المقصود رأيه دون بصره ، والرأي لا يفتقر إلى البصر.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز (٢) ، لأنّه لا يصلح للقضاء.

والفرق : احتياج القاضي إلى معرفة المتداعين بالبصر ، مع أنّا نمنع الحكم في الأصل.

وكذا يجوز أن يكون محدودا في القذف مع التوبة ، لاجتماعه الشرائط ، خلافا لأبي حنيفة (٣).

ويجوز على حكم أسير معهم مسلم ، لارتفاع القهر بالردّ إليه.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز (٤) ، لأنّه مقهور. وهو ممنوع.

ولو كان المسلم عندهم أو عندنا حسن الرأي فيهم ، احتمل الجواز على كراهيّة ، لأنّه جامع للصفات ، والمنع ، للتهمة.

ولو نزلوا على حكم رجل غير معيّن ويتعيّن باختيارهم ، جاز ، فإن اختاروا من يجوز حكمه ، قبل ، وإلاّ فلا ، وبه قال أبو حنيفة (٥).

وقال الشافعي : لا يجوز إسناد الاختيار إليهم ، لأنّهم قد يختارون من لا يصلح للتحكيم ، أمّا لو جعلوا اختيار التعيين إلى الإمام ، جاز إجماعا ، لأنّه لا يختار إلاّ من يصلح للتحكيم (٦).

ويجوز أن يكون الحاكم اثنين إجماعا ، فإن اتّفقا ، جاز. ولو مات أحدهما ، لم يحكم الآخر إلاّ بعد الاتّفاق عليه أو تعيين غيره. ولو اختلفا ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٢ ، المغني ١٠ : ٥٣٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٦.

(٢ ـ ٤) الفتاوى الهندية ٢ : ٢٠٢.

(٥) بدائع الصنائع ٧ : ١٠٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٢.

١١٤

لم ينفذ حكم أحدهما إلاّ أن يتّفقا.

ويجوز أن يكون الحاكم أكثر من اثنين إجماعا.

ولو كان أحدهما كافرا ، لم يجز ، لأنّ الكافر لا يركن إليه لا حالة الجمع ولا الانفراد.

ولو مات الحاكم الواحد قبل الحكم ، لم يحكم غيره إلاّ أن يتّفقوا على من يقوم مقامه ، فإن اتّفقوا ، ردّوا إلى مأمنهم.

ولو رضوا بتحكيم فاقد أحد الشرائط ورضي به الجيش ونزلوا على ذلك إلينا ثمّ ظهر عدم صلاحيته ، لم يحكم ، وردّوا إلى مأمنهم ، ويكونون على الحصار كما كانوا.

مسألة ٧٢ : وينفذ ما يحكم به الحاكم (١) ما لم يخالف مشروعا ، ويشترط أن يكون الحظّ للمسلمين. فإن حكم بقتل الرجال وسبي النساء والذرّيّة وغنيمة المال ، نفذ إجماعا ، كقضيّة سعد (٢) ، وإن حكم باسترقاق الرجال وسبي النساء والولدان وأخذ الأموال ، جاز أيضا ، وإن حكم بالمنّ وترك السبي بكلّ حال ، جاز أيضا إذا رآه حظّا ، لأنّه قد يكون مصلحة للمسلمين ، وكما يجوز للإمام أن يمنّ على الأسارى مع المصلحة جاز للحاكم.

وإن حكم بعقد الذمّة وأداء الجزية ، جاز ، لأنّهم رضوا به ، فينفذ كغيره من الأحكام ، وهو أحد قولي الشافعي (٣).

وفي الآخر : لا يلزم ، لأنّ عقد الذمّة عقد معاوضة ، فلا يثبت إلاّ بالتراضي ، ولهذا لا يسوغ للإمام إجبار الأسير على إعطاء الجزية (٤).

__________________

(١) في « ق » : الحكم.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ١١٣ ، الهامش (٢).

(٣ و ٤) الوجيز ٢ : ١٩٦ ـ ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٣.

١١٥

والفرق : أنّ الأسير لم يرض بفعل الإمام وهؤلاء قد رضوا.

وإن حكم عليهم بالفداء ، جاز كما جاز للإمام.

ولو حكم بالمنّ على الذريّة ، قال بعض العامّة : لا يجوز ، لأنّ الإمام لا يملك المنّ على الذرّيّة إذا سبوا فكذا الحاكم (١).

وقال بعضهم : يجوز ، لأنّهم لم يتعيّنوا للسبي ، بخلاف من سبي ، فإنّه يصير رقيقا بنفس السبي (٢).

وإن حكم على من أسلم بالاسترقاق ومن أقام على الكفر بالقتل ، جاز. ولو أراد أن يسترقّ بعد ذلك من أقام على الكفر ، لم يكن له ذلك ، لأنّه لم يدخل على هذا الشرط. وإن أراد أن يمنّ عليه ، جاز ، لأنّه ليس فيه إبطال شي‌ء شرطه ، بل فيه إسقاط ما كان شرطا من القتل.

ولو حكم بالقتل وأخذ الأموال وسبي الذرّية ورأى الإمام أن يمنّ على الرجال أو على بعضهم ، جاز ، لأنّ سعدا حكم على بني قريظة بقتل الرجال ، ثمّ إنّ ثابت بن قيس الأنصاري سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يهب له الزبير ابن باطا اليهودي من بني قريظة ففعل (٣) ، بخلاف مال الغنيمة إذا حازه المسلمون ، فإنّ ملكهم قد استقرّ عليه.

مسألة ٧٣ : إذا نزلوا على حكم الحاكم فأسلموا قبل حكمه ، عصموا أموالهم ودماءهم وذراريهم من الاستغنام والقتل والسبي ، لأنّهم أسلموا وهم أحرار لم يسترقّوا وأموالهم لم تغنم.

ولو أسلموا بعد الحكم عليهم ، فإن حكم بقتل الرجال وسبي الذراري ونهب الأموال ، نفذ الحكم إلاّ القتل ، فإنّهم لا يقتلون ، لقوله عليه‌السلام :

__________________

(١ ـ ٣) المغني ١٠ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٧.

١١٦

« أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم » (١).

ولو أراد الإمام استرقاقهم بعد الإسلام ، لم يجز ، لأنّهم ما نزلوا على هذا الحكم ، بل وجب القتل بالحكم وسقط بالإسلام.

وقال بعض العامّة : يجوز استرقاقهم كما لو أسلموا بعد الأسر (٢).

وليس بجيّد ، لأنّ الأسير قد ثبت للإمام استرقاقه.

ويكون المال على ما حكم به من الاستغنام ، وتسترقّ الذرّيّة.

وإذا حكم بقتل الرجال وسبي النساء والذرّيّة وأخذ المال ، كان المال غنيمة ، ويجب فيه الخمس ، لأنّه أخذ بالقهر والسيف.

مسألة ٧٤ : لو دخل حربيّ إلينا بأمان فقال له الإمام : إن رجعت إلى دار الحرب ، وإلاّ حكمت عليك حكم أهل الذمّة ، فأقام سنة ، جاز أن يأخذ منه الجزية.

وإن قال له : اخرج إلى دار الحرب ، فإن أقمت عندنا صيّرت نفسك ذميّا ، فأقام سنة ، ثمّ قال : أقمت لحاجة ، قبل قوله ، ولم يجز أخذ الجزية منه ، بل يردّ إلى مأمنه ، لأصالة براءة الذمّة.

قال الشيخ : وإن قلنا : إنّه يصير ذمّيا ، كان قويّا ، لأنّه خالف الإمام (٣).

ولو حكم الحاكم بالردّ ، لم يجز ، لأنّه غير مشروع وقد قلنا : إنّ حكم الحاكم يشترط فيه المشروعيّة.

__________________

(١) المغني ١٠ : ٥٣٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٢ ، ونحوه في صحيح البخاري ٢ : ١٣١ ، وسنن أبي داود ٣ : ٤٤ ـ ٢٦٤٠ ، وسنن النسائي ٥ : ١٤ ، وسنن الدارمي ٢ : ٢١٨.

(٢) المغني ١٠ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤١٧.

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ١٦.

١١٧

ولو اتّفقوا على حاكم جامع للشرائط ، جاز أن يحكم إجماعا ، كما تقدّم ، ولا يجب عليه الحكم سواء قبل التحكيم أو لم يقبله ، بل يجوز له أن يخرج نفسه من الحكومة ، لأنّه دخل باختياره ، فجاز أن يخرج باختياره.

ولو حكم الحاكم بغير السائغ ، لم ينفذ ، فإن رجع وحكم بالسائغ ، فالوجه نفوذه ، لأنّ الأوّل لا اعتبار به في نظر الشرع ، فلا يخرجه عن الحكومة ، كما لو وكّله المالك في بيع سلعة بألف فباعها بخمسمائة ثمّ باعها بألف.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز حكمه استحسانا (١).

وينفذ حكم الحاكم على الإمام ، فليس للإمام أن يقضي بما فوقه ، وله أن يقضي بما دونه ، فإنه قضى بغير القتل ، فليس للإمام القتل ، وإن قضى بالقتل ، فهل له الاسترقاق وفيه ذلّ مؤبّد؟ للشافعيّة وجهان (٢).

وكذا الوجهان لو حكم بقبول الجزية فهل يجبرون وهو عقد مراضاة؟ فإن قلنا : يلزمهم ، فمنعهم كمنع أهل الذمّة الجزية (٣).

ولو حكم بالإرقاق فأسلم واحد منهم قبل الإرقاق ، ففي جواز إرقاقه للشافعيّة وجهان (٤).

وكذا الخلاف في كلّ كافر لا يرقّ بنفس الأسر إذا أسلم قبل الإرقاق (٥).

ولو شرط أن يسلّم إليه مائة نفر فعدّ مائة ، قتلناه ، لأنّه وفّى المائة.

__________________

(١) الفتاوى الهندية ٢ : ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٣.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٦ ـ ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨١.

(٤) الوجيز ٢ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٣.

(٥) الوجيز ٢ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨٣ ـ ٤٨٤.

١١٨

الفصل الرابع

في الغنائم‌

وفيه بابان :

الأوّل : في أقسامها.

الغنيمة هي الفائدة المكتسبة سواء اكتسبت برأس مال وشبهه ، كأرباح التجارات والزراعات والصناعات وغيرها ، أو اكتسبت بالقتال والمحاربة ، وقد مضى (١) حكم الأوّل ، والبحث هنا في القسم الثاني.

وأقسامه ثلاثة : ما ينقل ويحوّل ، كالأمتعة والأقمشة والدوابّ والنقدين وغيرها ، وما لا ينقل ولا يحوّل ، كالأراضي ، وما هو سبي ، كالنساء والأطفال.

البحث الأوّل : فيما ينقل ويحوّل.

مسألة ٧٥ : الغنيمة من دار الحرب ما أخذت بالغلبة والحرب وإيجاف الخيل والركاب.

وأمّا الفي‌ء فهو مشتقّ من « فاء يفي‌ء » إذا رجع ، والمراد به في قوله تعالى ( ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ) (٢) ما حصل ورجع عليه من غير قتال ولا إيجاف بخيل ولا ركاب ، وما هذا حكمه فهو للرسول عليه‌السلام خاصّة ولمن قام بعده من الأئمّة عليه‌السلام دون غيرهم.

وما يؤخذ بالفزع ، مثل أن ينزل المسلمون على حصن أو قلعة‌

__________________

(١) مضى في ج ٥ ص ٤٢٠.

(٢) الحشر : ٦.

١١٩

فيهرب أهله ويتركون أموالهم فيه فزعا ، فإنّه يكون من جملة الغنائم التي تخمّس ، وأربعة الأخماس للمقاتلة ، كالغنائم.

وقال الشافعي : إنّ ذلك من جملة الفي‌ء ، لأنّ القتال ما حصل فيه (١).

قال الشيخ : وهو الأقوى (٢).

وقد كانت الغنيمة محرّمة فيما تقدّم من الشرائع ، وكانوا يجمعون الغنيمة فتنزل النار من السماء فتأكلها ، فلمّا أرسل الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنعم بها عليه ، فجعلها له خاصّة.

قال الله تعالى ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) (٣).

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « أحلّ لي الخمس ولم يحل لأحد قبلي .. وجعلت لي الغنائم » (٤).

وقال عليه‌السلام : « أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي » وذكر من جملتها « أحلّت لي الغنائم » (٥) فاعطي عليه‌السلام الغنائم بقوله ( قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ) (٦) نزلت يوم بدر لمّا تنازعوا في الغنائم ، فقسّمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأدخل معهم جماعة لم يحضروا الوقعة ، لأنّها كانت له عليه‌السلام يصنع بها ما شاء ، ثمّ نسخ ذلك وجعلت للغانمين أربعة‌

__________________

(١) الوجيز ١ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٨ ، منهاج الطالبين : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٨٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٠.

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٦٤.

(٣) الأنفال : ١.

(٤) أورده الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ٦٤.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١١٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣٧٠ ـ ٣٧١ ـ ٥٢١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٢٤ ، مسند أحمد ١ : ٤٩٥ ـ ٢٧٣٧ ، و ٤ : ٢٣٧ ـ ١٣٨٥٢.

(٦) الأنفال : ١.

١٢٠