مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٤

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة أهل البيت (ع)
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥١٦

صرعى دون بلوغ مغزاها ، قد أدهش الأملاك جلالها فتراهم خاضعين لا يرفعون الرؤوس ، وحيّر الأفلاك فلا تزال تتحرّك شوقا إلى الاقتراب وكلّما تقترب ميلا تفر أميالا لشدة أشعة الجلال وعظمة الاحتجاب يحترق كلّ من دنا منها ، وماذا أقول في اسم هو حياة كلّ ذي حياة وقيوم كل ذي ذات ـ جوهرا كان أو عرضا ـ.

الثاني : يستفاد من قوله تعالى : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) أنّ حفظ السّموات والأرض أعظم من إيجادهما فإنّ حفظ الشيء أعظم بكثير من إيجاده لأنّه يتطلّب جهدا أكبر فكم قد رأينا أنّ ملكا وصل إلى الملك ولم يقدر على حفظه وإبقائه فحرم من الاستمتاع به ولكن هذا غير متصوّر بالنسبة إلى الله تعالى فإنّه القادر القهار على جميع ما سواه حدوثا وبقاء إيجادا وإفناء ، فلا مضادّ له في حكمه ولا ندّ له في ملكه وقد جمع ذلك في قوله عزوجل : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ... وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما).

الثالث : يستفاد من قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) تمام الإحاطة العلمية بالمخلوقات ، وأنّ جميع المتدرجات الزمانية بل الدهرية حاضرة لدى علمه عزوجل حضورا علميّا إحاطيا وأنّها كذرة فلاة غير محدودة.

والتدرج إنّما هو في مرتبة المعلوم بالعرض لا في مرتبة العلم الإحاطي الغيبي ، وأنّ غيب الغيوب حاكم على الشهادة بكلّ معنى الحكومة إيجادا ، وتقديرا ، وتدبيرا ، وإفناء ، وتبديلا لصورة إلى أخرى فهو المبدئ والمعيد والمصوّر لكلّ ما شاء وأراد.

كما يشمل قوله تعالى جميع الممكنات التي منها الإنسان من بدء حدوثها إلى آخر فنائها إذ لا معنى لمالكيته تعالى للسّموات والأرض وعلمه بها إلا ذلك فيعلم تعالى جميع ما يتعلق بالإنسان أنواعه وأفراده وجميع صفاته وحالاته وسعادته وشقاوته وأفعاله وأقواله حتّى خطرات القلوب ولمحات العيون.

٢٦١

الرابع : يدل قوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) على أنّه تمتنع الإحاطة بعلم الباري تعالى إلا بمسمّى المشيئة ويستفاد منه أنّ كلّ علم يفاض منه تعالى على الممكن لا بد أن يكون محدودا بالمشية ، ولا يمكن للعقول درك خصوصيات المشية ولا الجهات المقتضية للإفاضة ، وإن كان يستفاد من قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) [البقرة ـ ٢٨٢] ، أنّ لحقيقة التقوى دخلا كبيرا فيها ، فإنّها توجب صفاء القلب واستعداده للاقتباس من الأنوار الغيبية فإذا انعكس شعاع الشمس على المرآة الظاهرية الجسمانيّة كيف يحتمل أن لا تنعكس الأنوار الغيبية الواقعية في المرآة الحقيقية الواقعية.

الخامس : يحتمل أن يكون متعلّق المشيئة الإحاطة ، كما يحتمل أن يكون نفس العلم ، ويحتمل أن يكونا معا وعلى أيّ تقدير لا يكون إلا بقدر القابليات والاستعدادات قال تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) [الرعد ـ ١٧] ، نعم لو فرض الفناء المطلق فيه جلّت عظمته بحيث تزول الاثنينية فهناك بحث خاص يقصر اللسان عن بيانه والقلم عن تحريره فإنّ جميع جهاته حاليّة لا أن تكون مقالية.

السادس : يستفاد من هذه الآية الشريفة ـ وما في سياقها من الآيات ـ أنّ المعبود بالحق لا بد أن يكون فيه هذه الأمور ، الحيّ ، القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم وغيرها ، لأنّ هذه كلّها ذاتية له فيمتنع التخلف وتنحصر لا محالة في الله جلّت عظمته.

وما يتوهّم من أنّه يستلزم التركب في الذات الأقدس لا وجه له لأنّ جميع ذلك يرجع إلى سلب الإمكان والنواقص الواقعية والإدراكية عنه ، فتكون الذات بسيطة فوق ما نتعقله من معنى البساطة.

السابع : ظاهر نفي السنة والنوم عنه تعالى نفي حقيقتهما عنه مطلقا فيكون عدم الاختياري منهما عنه جلّت عظمته أيضا بل بالأولى ، كما أنّ مقتضى ذلك نفيهما عنه تعالى في الأزل والأبد لا أن يكون مختصا بوقت دون آخر.

٢٦٢

وظاهر الآية الشريفة أنّ عدمهما مختص به عزوجل ، أي نفي ذاتهما مطلقا بجميع مراتبهما الممكنة فيهما.

وأما غيره تعالى فإنّه لا دليل من عقل أو نقل على انحصار حقيقة النوم والسّنة فيما يعرضان للحيوان فقط ، بل لهما مراتب كثيرة لا يعلمها الا علّام الغيوب ، ومن تلك المراتب ما نسب إلى نبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «تنام عيني ولا ينام قلبي»وقد رأينا بعض المشايخ أنّه (رحمه‌الله تعالى) في أثناء بحث التفسير ينام مع أنّه كان مشغولا بالبحث حين النوم بلا خلل منه في البين.

فالقيوم الذي له القيومية الفعلية على ما سواه من كلّ جهة ، والممكن الذي هو زوج تركيبي له ماهية ووجود شيئان لا وجه لقياس أحدهما بالآخر.

مع أنّ للسّنة والنوم مراتب كثيرة ونفي جميعها منحصر به تعالى كما أثبتناه سابقا.

وأما العقول وبعض الروحانيين وسادات الملائكة ، فإنّ نفي بعض المراتب عنهم لا يستلزم نفي الجميع كما هو معلوم.

مع أنّ المقهورية المطلقة لما سواه عزوجل من أعظم أنواع النوم لجميع الممكنات. نعم ، من كان حياته بحياته وأفنى جميع شؤونه في مرضاته بحيث لا يرى لنفسه ذاتا ولا صفة ولا فعلا وقد وصل إليه كتاب كريم من الحيّ القيوم إلى الحيّ القيوم كما في بعض الروايات فهو خارج عن موضوع ما يكتب وما يختلج في الأوهام ولكنه مع ذلك كلّه بالنسبة إلى الأبد لا بالنسبة إلى الأزل فارتفع الوفاق وحصل الافتراق.

الثامن : قد أهمل تعالى إفاضة ما يفيضه من العلم وعلّقه على مشيته وإذنه تعالى ، إذ لا يحتمل البيان غير الإجمال لأنّ إفاضة العلم منه عزوجل على أقسام :

الأول : أن تكون الإفاضة من سلسلة العلل الطولية حتّى تنتهي إلى ذاته

٢٦٣

المقدّسة ، فيحيط المفاض عليه بتمام خصوصيات عالم الشهادة والغيب حتّى يصل إلى غيب الغيوب الذي لا يعقل له حدود ولا نهاية فتكون حقائق جميع ما سواه تعالى منطوية في هذا العلم وفي بعض الدّعوات المأثورة عن نبينا الأعظم «اللهم أرنا الأشياء كما هي».

الثاني : أن تكون الإفاضة علم الحقائق العامة البلوى بما لها من الآثار.

الثالث : أن يفيض علم الآثار من حيث لوازمها وملزوماتها دون أصل الحقائق.

الرابع : إفاضة بعض الآثار إجمالا.

الخامس : أن يتخصص كلّ فرد بخصوصية خاصة. ويمكن أن تصوّر الأقسام أكثر من ذلك والتفصيل لا يسعه المجال في مقام الثبوت ، ومقام الإثبات.

٢٦٤

بحث أدبي

المعروف بين أهل اللغة والأدب أنّ (اللام) تأتي للملك المجرد في مقابل سائر المعاني اللازمة للملكية من التدبير ، والتنظيم ، والإيجاد والإفناء وغير ذلك من لوازم الملكية عقلا وعرفا وقد وضع لذلك كله ألفاظ أخرى يستعملونها مع تحقق المعنى ، ولا تستعمل مع عدمه مع صحة الانفكاك. وقد حصل ذلك من تصوّر الملكية في الممكنات وانتفاء الملكية الواقعية الحقيقية من جميع الجهات.

وأما فيما هو الحقيقي الواقعي فالملكية والمالكية تشمل جميع ما لها من اللوازم والآثار التي لا يستلزم منها النقص من إطلاقه عليه تعالى إيجادا وإفناء وتدبيرا وغير ذلك. فإنّ الملك فيه حقيقي لا اعتباري كالدائر بين الإنسان فالمستفاد من قوله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أنّ له الملكية الذاتية الحقيقية الشاملة لجميع اللوازم والملزومات التي لا توجب النقص إما بالدلالة التضمنية أو الالتزامية ، كما يقال : فلان رجل عاقل أي : يحسن تدبيراته وعمله وشؤونه ونحوها والكلّ منطو في معنى اللفظ الواحد.

وكلّ ما اتسع المعنى ازدادت آثاره ولوازمه وملزوماته ، ولا نحتاج إلى تكثير اللفظ خصوصا فيه جلّت عظمته ، ولأجل ذلك قلنا : إنّ لفظ (الله) اسم للذات المستجمع لجميع الصفات الكمالية الواقعية المسلوب عنه جميع

٢٦٥

النقائص الواقعية والإدراكية ، وتشهد لذلك الأدلة العقلية والسنة الشريفة فيكون إطلاق اللفظ الواحد بمنزلة إطلاق ألفاظ كثيرة وسلب معان متعددة وهذا الإطلاق يكون على نحو الحقيقة دون المجاز.

٢٦٦

بحث روائي

تقدم أنّ آية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم التي تشتمل على جملة من المعارف الإلهية منها التوحيد الخالص وبيان الصفات العليا ويكفي في شرفها أنّ اسم الله تعالى تكرر فيها ثمان عشرة مرة بين ظاهر ومضمر بل يمكن القول بأنّها تحتوي على كليات وأصول المعارف الحقة :

أما التوحيد ـ فيكفي فيه قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).

وأما العدل ـ فإنّه يكفي فيه قوله تعالى : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) إذ القيومية المطلقة لا تتم إلا بالعدل وإنّ به قامت السّموات والأرض.

وأما النبوة ـ فيرشد إليها قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ).

والنبوة والمعاد متلازمان تلازم المبدإ والمعاد ، لفرض أنّ النبي يخبر عن المعاد فهو بوجوده في هذا العالم وجود المعاد كما تدل عليه الآيات المباركة.

ومنه يستفاد الولاية أيضا إذ لا نبوة كاملة الا بتعيين الوصاية والولاية.

ولشرافة ما تضمنته هذه الآية الكريمة صارت من أعظم الآيات وأفضلها وأجمعها فقد ورد في السنة الشريفة ما يدل على فضلها وعظمة أمرها والاعتناء

٢٦٧

بها اعتناء بليغا ، والتوصية بقراءتها وحفظها لما فيها من الآثار العجيبة وقد اشتهرت بذلك من حين نزولها ونحن نذكر في هذا البحث جملة مما ورد في فضلها ، وما يتعلق في عددها وما يتعلّق بالكرسي ، وما ورد في تفسير مفرداتها.

فضل آية الكرسي وشأنها :

روى السيوطي في الدر المنثور عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنّه قال : «آية الكرسي سيدة آي القرآن».

وروى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي ذر : «قال : يا رسول الله ما أفضل ما أنزل عليك؟ قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : آية الكرسي».

وأخرج البخاري في تاريخه وابن الضريس عن أنس أنّ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : «أعطيت آية الكرسي من تحت العرش».

وأخرج أحمد والطبراني عن أبي أمامة قال : «قلت : يا رسول الله أيّما أنزل عليك أعظم؟ قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، آية الكرسي» رواه الخطيب البغدادي أيضا.

وفي سنن الدارمي عن أيفع بن عبد الله قال : «قال رجل : يا رسول الله أيّ آية في كتاب الله أعظم؟ قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : آية الكرسي : الله لا إله إلا الله هو الحي القيوم ـ الحديث ـ».

وفي الكافي عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه‌السلام). «لما أمر الله هذه الآيات أن يهبطن إلى الأرض تعلقن بالعرش وقلن أي ربّ إلى أين تهبطنا إلى أهل الخطايا والذنوب؟! فأوحى الله عزوجل إليهنّ اهبطن وعزّتي وجلالي لا يتلوكنّ أحد من آل محمد وشيعتهم في دبر ما افترضت عليه من المكتوبة في كلّ يوم إلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كلّ يوم سبعين نظرة أقضي له في كلّ نظرة سبعين حاجة وقبلته على ما كان فيه من المعاصي. وهي أم الكتاب ، وشهد الله أنّه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ، وآية الكرسي ، وآية الملك».

٢٦٨

أقول : يستفاد من أمثال هذه الرواية أنّ للآيات الشريفة حياة حقيقية واقعية وإن كنا لا ندرك ذلك ويدل عليه قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى ـ ٥٢].

وفي تفسير العياشي عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) : «إنّ لكلّ شيء ذروة وذروة القرآن آية الكرسي».

وفي أمالي الشيخ باسناده عن أبي أمامة الباهلي : «أنّه سمع عليّ بن أبي طالب (عليه‌السلام) يقول : ما أرى رجلا أدرك عقله الإسلام أو ولد في الإسلام يبيت ليلة سوادها ، قلت : وما سوادها؟ قال (عليه‌السلام) : جميعها حتّى يقرأ هذه الآية : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ـ إلى قوله ـ (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) قال : فلو تعلمون ما هي ـ أو قال ما فيها ـ ما تركتموها على حال : إنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : أعطيت آية الكرسي من كنز تحت العرش ولم يؤتها نبيّ كان قبلي قال علي (عليه‌السلام) فما بتّ ليلة قط منذ سمعتها من رسول الله إلّا قرأتها».

وفي تفسير العياشي عن الصادق (عليه‌السلام) قال أبو ذر : «يا رسول الله ما أفضل ما أنزل عليك؟ قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : آية الكرسي ، ما السموات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض بلاقع ثم قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : وإنّ فضله على العرش كفضل الفلاة على الحلقة».

وسئل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) القرآن أفضل أم التوراة؟ فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «إنّ في القرآن آية هي أفضل من جميع كتب الله وهي آية الكرسي».

وعن نبينا الأعظم : «من قرأ آية الكرسي في دبر كلّ صلاة لم يمنعه دخول الجنة إلا الموت ومن قرأها حين ينام آمنه الله وجاره وأهل الدويرات حوله».

وعن علي (عليه‌السلام) قال : «سمعت نبيّكم (صلى‌الله‌عليه‌وآله)

٢٦٩

يقول ـ وهو على أعواد المنبر ـ : من قرأ آية الكرسي دبر كلّ صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ولا يواظب عليها إلا صدّيق أو عابد ، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله».

أقول : الأخبار في فضلها كثيرة مروية عن الخاصة والجمهور وقد ورد استحباب قرائتها في مواضع كثيرة منها عند السفر وبعد الصلاة ، وبعد الوضوء ، وعند المريض ، وحال النزاع وسكرات الموت وغير ذلك مما هو كثير راجع الكتب المعدة لذلك.

عدد آية الكرسي :

لا ريب في أنّ كلّ ما ورد فيه ذكر آية الكرسي يراد بها إلى قوله تعالى : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) وتقدم في حديث أبي أمامة الباهلي عن عليّ (عليه‌السلام) التصريح بذلك ، ويظهر ذلك أيضا مما ورد في قراءة آية الكرسي وآيتين بعدها ، فإنّه ظاهر في خروجها عنها ، وهو المنصرف من إطلاق آية الكرسي أي الآية التي يذكر فيها الكرسي هذا إذا لم تقم قرينة على الخلاف ، كما في بعض الروايات من زيادة إلى (هُمْ فِيها خالِدُونَ) أو زيادة «آيتين بعدها» ، ففي الخبر عن عليّ بن الحسين (عليهما‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من قرأ أربع آيات من أول البقرة وآية الكرسي وآيتين بعدها وثلاثا من آخرها لم ير في نفسه وماله شيئا يكرهه ، ولا يقربه الشيطان ولا ينسى القرآن» فحينئذ يؤخذ بها في موردها.

وفي تفسير القمي ذكر آية الكرسي إلى (هُمْ فِيها خالِدُونَ) ـ والحمد لله رب العالمين.

أقول : يمكن أن يكون التحميد إرشادا إلى استحباب ذكر الحمد بعد تمام الآيات ، كما ورد في سورة التوحيد من استحباب قول : «كذلك الله ربّي» وفي سورة الجحد من استحباب قول : «ربّي الله وديني الإسلام» بعد تمامها ومثل ذلك كثير في القرآن.

٢٧٠

معنى الكرسي :

في الكافي عن الفضيل بن يسار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) فقال : يا فضيل كلّ شيء في الكرسي ، السّموات والأرض ، وكلّ شيء في الكرسي».

أقول : أما قوله (عليه‌السلام) أولا : «كلّ شيء في الكرسي» فيه إجمال وقد بيّنه بقوله (عليه‌السلام) : «السّموات والأرض» وأما قوله (عليه‌السلام) ثانيا : «كلّ شيء في الكرسي» فهو عبارة عما في السّموات والأرض من الجواهر والأعراض والنفوس والمجردات والأملاك والأفلاك.

والمراد به : الإحاطة العلمية بما سواه كلية وجزئية كما فسر بها في رواية أخرى ، أو الإحاطة القيومية فإنّه تعالى محيط بجميع ما سواه وقائم عليه بتمام معنى الإحاطة والقيومية.

وفي الكافي أيضا عن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) السموات والأرض وسعن الكرسيّ أو الكرسيّ وسع السّموات والأرض؟ فقال (عليه‌السلام) : «إنّ كلّ شيء في الكرسي».

أقول : ظهر معنى الرواية ممّا مرّ في سابقتها. وأما سؤال زرارة فهو سؤال بدا في ذهنه ابتداء قبل التأمل فيه ، فأبدى الإمام (عليه‌السلام) الجواب على حقيقته بما يزيل الوهم.

وفي المعاني عن حفص بن غياث قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) قال (عليه‌السلام) علمه».

أقول : يصح التعبير عن العلم المحيط بالعرش والكرسي ويصح هذا التعبير باعتبار الإحاطة والاستيلاء فيشمل جميع جهات إحاطته تبارك وتعالى مثل كرسيّ الجمال والجلال والعزّة والقدرة والعظمة فما ذكره الإمام (عليه

٢٧١

السلام) بعض منها تقريبا للأفهام ، ولأنّ الإحاطة العلمية جامعة لجميع ذلك.

وفي المعاني أيضا عن المفضّل بن عمر قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن العرش والكرسيّ ما هما؟ فقال (عليه‌السلام) : العرش في وجه : هو جملة الخلق ، والكرسيّ وعاؤه. وفي وجه آخر : العرش هو العلم الذي أطلع الله عليه أنبياءه ورسله وحججه. والكرسي هو العلم الذي لم يطلع عليه أحدا من أنبيائه ورسله وحججه عليهم‌السلام».

أقول : المراد من الوعاء ليس الوعاء الجسماني بل الإحاطة الحقيقية.

وأما الوجه فهو بيان مراتب علمه التي هي غير متناهية وسيأتي البحث في علمه عزوجل مستقلا إن شاء الله تعالى.

وفيه أيضا عن الصادق (عليه‌السلام) : «السموات والأرض وما بينهما في الكرسي. والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره».

أقول : تقدم ما يتعلّق بقوله : «السّموات والأرض وما بينهما في الكرسي» أي : الكرسي بمنزلة الوعاء لها. وأما قوله (عليه‌السلام) : «العرش هو العلم» فهو صحيح بالنسبة إلى العرش الذي بمعنى العلم وقوله : «الذي لا يقدر أحد قدره» أي : لا يقدر على فهم حقيقته أحد ولا يمكن الاطلاع على جميع خصوصياته.

في تفسير العياشي عن زرارة في قوله عزوجل : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) قال (عليه‌السلام) : لا بل الكرسي وسع السّموات والأرض والعرش ، وكلّ شيء خلق الله في الكرسي.

قال الأصبغ بن نباتة : «سئل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) فقال (عليه‌السلام) : إنّ السّماء والأرض وما فيهما من خلق مخلوق في جوف الكرسي ، وله أربعة أملاك يحملونه بإذن الله».

أقول : قوله (عليه‌السلام) : «لا بل الكرسي وسع السّموات والأرض

٢٧٢

والعرش» دفع لما يمكن أن يتوهم من أنّ السّموات والأرض وسعت الكرسيّ كما سأله زرارة نفسه في رواية أخرى.

والمراد بالعرش : سائر مخلوقاته عزوجل ، أي : العرش الجسماني ، وقوله (عليه‌السلام) : «في جوف الكرسي» عبارة عن سعته للسّماوات والأرض وما فيهما كما تقدم في الرواية السابقة.

وأما حمل الأملاك الأربعة الكرسيّ فهو عبارة عن مظاهر قدرة الله تعالى لحمل كرسيّ العالم الجسماني فلا تنافي بين هذه الرواية وبين الآيات الدالة على ثبوت الحمل للعرش قال تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) [غافر ـ ٧] ، وقال تعالى : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) [الحاقة ـ ١٧] ، ويأتي شرحها في موضعها وقريب من هذه الرواية ما ورد في الاحتجاج عن الصادق (عليه‌السلام).

ومحصّل الكلام في العرش والكرسي أنّهما إما معنويان روحانيان أو جسمانيان أي عالم الأجسام ولا بد وأن يميّز بحسب القرائن بين الأقسام الأربعة لئلا يختلط بعضها ببعض ، والقرائن موجودة في نفس الأخبار لمن تأمل فيها.

في تفسير القمي عن الأصبغ بن نباته : «أنّ عليّا (عليه‌السلام) سئل عن قول الله عزوجل : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) فقال : السّموات والأرض وما فيهما من مخلوق في جوف الكرسي وله أربعة أملاك يحملونه بإذن الله ـ الحديث ـ» ورواه العياشي أيضا.

أقول : تقدم ما يتعلّق به في الرواية السابقة.

في الكافي عن الحسين بن زيد الهاشمي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وبناته وكانت تبيع منهنّ العطر فجاء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهي عندهنّ فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : إذا أتيتنا طابت بيوتنا؟ فقالت : بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : فإذا بعت فأحسني ولا

٢٧٣

تغشي فإنّه أتقى وأبقى للمال فقالت : يا رسول الله ما أتيت بشيء في بيعي وأتيت أن أسألك عن عظمة الله عزوجل قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : سأحدثك عن بعض ذلك ـ إلى أن قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : وهذه السبع ، والبحر المكفوف ، وجبال البرد ، والهواء ، عند حجب النور كحلقة في فلاة قي وهذه السبع ، والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء ، وحجب النور عند الكرسي كحلقة في فلاة في ثم تلا هذه الآية : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ). وهذه السبع والبحر المكفوف ، وجبال البرد ، والهواء ، وحجب النور ، والكرسي عند العرش كحلقة في فلاة قي وتلا هذه الآية : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى).

أقول : القيّ ـ بالكسر ـ هي الأرض القفر الخالية. وحقيقة مثل هذه الأحاديث لا يعرفها إلا من عبر تلك المحالّ المقدسة وهو مختص بسيد الأنبياء (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ويمكن أن يراد بالكرسي والعرش الجسماني منهما كما تقدّم والله تبارك وتعالى محيط على الجسم والجسمانيات والرّوح والرّوحانيات.

في التوحيد عن حنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن العرش والكرسي فقال (عليه‌السلام) : إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة له في كلّ سبب وضع في القرآن صفة على حدة فقوله تعالى : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) يقول : رب الملك العظيم ، وقوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) يقول على الملك احتوى ، وهذا علم الكيفوفية في الأشياء ، ثم العرش في الوصل مفرد عن الكرسي لأنّهما بابان من أكبر أبواب الغيوب ، وهما جميعا غيبان ، وهما في الغيب مقرونان لأنّ الكرسيّ هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ، ومنه الأشياء كلّها والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون ، والقدر ، والحد ، والأين ، والمشية ، وصفة الإرادة ، وعلم الألفاظ ، والحركات والترك ، وعلم العدد ، والبداء. فهما في العلم بابان مقرونان لأنّ ملك العرش سوى ملك الكرسي ، وعلمه أغيب من علم الكرسي فمن ذلك قال : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أي صفته جار الكرسي قال (عليه

٢٧٤

السلام) : إنّه صار جارها لأنّ علم الكيفوفية فيه ، وفيه الظاهر من أبواب البداء ، وإنيتها وحد رتقها وفتقها ، فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الظرف ، وبمثل صرف العلماء ، وليستدلوا على صدق دعواهما ، لأنّه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز».

أقول : أما قوله (عليه‌السلام) : «إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة» مطابق للواقع والحقيقة لأنّ كلما عظم الشيء كثرت صفاته والعرش والكرسي أعظم المخلوقات فتكون لهما صفات كثيرة وقد يجتمعان في بعضها وقد يختلفان. وهذه الفقرة تدل على ما ذكرناه آنفا من انقسامهما إلى قسمين روحاني وجسماني.

والمراد من قوله (عليه‌السلام) : «في كل سبب وضع في القرآن» أي : لكلّ سبب اصطلاح خاص في القرآن.

والمراد من قوله (عليه‌السلام) : «وهذا علم الكيفوفة» أي : العلم بالمخلوق من حيث الكيفية لأنّ العرش والكرسي مخلوقان له تعالى فيجري فيهما الكيفية وسائر الجهات المخلوقة وإن لم تجر الكيفية بالنسبة إلى الباري عزوجل لقولهم (عليهم‌السلام) : «وهو الذي كيّف الكيف فلا كيف له».

والمراد من قوله (عليه‌السلام) : «ثم العرش في الوصل مفرد عن الكرسي» أي : من حيث ملاحظة العرش مع الكرسي فهما شيئان مختلفان لأنّهما بابان من أبواب الغيب ، وإن كان يجتمعان في كونهما من الغيب ، وهذه صفة كلّ جنس له نوعان مختلفان ، وأما كونهما بابين من أبواب الغيب فلفرض احتوائهما على جميع ما سوى الله عزوجل ولا يمكن أن يحيط بذلك غيره تعالى ، والحاوي والمحتوي غيبان محجوبان عن البصائر فضلا عن الأبصار.

والمراد من الظهور في قوله (عليه‌السلام) : «لأنّ الكرسيّ هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع» النسبي منه أي بالنسبة إلى العرش فيكون العرش بمنزلة الباب الداخل والكرسي بمنزلة الباب الخارج ، والكرسي مطلع الموجودات الإبداعية التي خلقها الله تعالى.

٢٧٥

ويمكن أن يراد بباب الغيب أي ما فوقهما لا ما فيهما ، وما فوقهما هو غيب الغيوب الذي هو سرّ محجوب.

والمراد من قوله (عليه‌السلام) : «العرش هو الباب الباطن» العرش الرّوحاني العلمي لفرض أنّه (عليه‌السلام) حدّد المعلومات بالنسبة إليه ومنه يكون البداء كما ذكره (عليه‌السلام) من جملة العلوم ، وكذا علم العدد فإنّه من أهمّ العلوم الغيبية وكلّ ذلك منطو في قوله (عليه‌السلام) : «العرش هو الباب الداخل والكرسي هو الباب الخارج» فيكون تفصيلا لذلك الإجمال.

والمراد من قوله (عليه‌السلام) : «وبمثل صرف العلماء» يعني أنّ علومهم تنتهي إلى هذا الباب الخارج مؤيدا من الله تبارك وتعالى.

ما ورد في تفسير مفردات آية الكرسي :

في تفسير القمي عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) في قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) قال : «ما بين أيديهم فأمور الأنبياء ، وما كان وما خلفهم ما لم يكن بعد إلا بما شاء أي بما يوحى إليهم».

أقول : هذا تفسير الكلّي ببعض مصاديق العلم والا فإنّ علمه تعالى عين ذاته فهو إحاطي بجميع ما سواه ، ويمكن أن يجعل ذلك أيضا من التعميم فإنّ جميع العلوم لا تخرج عمّا يوحى إلى أنبيائه وعما يكون في الممكنات.

وفي تفسير العياشي عن معاوية بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) «قلت : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه قال (عليه‌السلام) : نحن أولئك الشافعون» ورواه البرقي في المحاسن أيضا.

أقول : هذا من باب التطبيق.

في معاني الأخبار عن محمد بن سنان عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) قال : «سألته هل كان الله عزوجل عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق قال (عليه‌السلام) : نعم قلت : يراها ويسمعها؟ قال (عليه‌السلام) : ما كان محتاجا إلى ذلك لأنّه لم يكن يسألها ولا يطلب منها هو نفسه ، ونفسه هو ،

٢٧٦

قدرته نافذة ، فليس يحتاج إلى أن يسمّي نفسه ولكنّه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها لأنّه إذا لم يدع باسمه لم يعرف فأول ما اختار لنفسه العليّ العظيم ، لأنّها أعلى الأشياء كلّها. فمعناه الله واسمه العليّ العظيم. وهذا أول أسمائه لأنّه على كلّ شيء قدير».

أقول : المراد من هذا العرفان هو الوجدان بالذات أي يجد نفسه بنفسه ويكون حاضرا لدى نفسه وهذا يجري في غيره تعالى أيضا لأنّ الإنسان يعرف وجود نفسه.

وأما قوله (عليه‌السلام) : «اختار لنفسه أسماء» لعلمه الأزلي باحتياج خلقه إليه ودعاء عباده له فجعل تلك الأسماء وسيلة لهم.

٢٧٧

بحث عرفاني

الحضور عند الله جلّت عظمته من طرف الممكنات له مراتب كثيرة يمكن أن يقال بأنّها لا تتناهى ما دام يكون للحاضر لديه جلّ جلاله استعداد لذلك وتدور مراتبه على مراتب التخلق بأخلاق الله عزوجل والتفاني في مرضاته وأساس ذلك يرجع إلى حبّ الله تعالى بحيث يجري في الجوارح جريان الدم في جميع العروق فإنّ القلب منبع الحياة الأبدية وإذا خضع خضعت جميع الجوارح.

وأول من سلك هذا المسلك العظيم ومشى في هذا الطريق الجليل الكريم إنّما هو سيد الأنبياء وإمام المرسلين الذي هو أعظم أبواب رحمة الله لجميع العالمين حيث نال بحبّه له تعالى حياة أبدية حقيقية لا يتصوّر حياة أفضل وأشرف منها فتأمل في قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «أبيت عند ربّي يطعمني ربّي ويسقيني ربّي» فإنّ المحبوب يسقى مباشرة من حبيبه فهل يتصوّر حياة ألذ وأوفى من هذه الحياة؟!! ثم تأمل في قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «ليغان على قلبي فأستغفر الله في كلّ يوم سبعين مرة» فإنّ قلبه الشريف أبدا كان مشغولا ومربوطا به جلّت عظمته فإن عرض له عارض من أمور الأمة والملة ومصالحهما فزع إلى الاستغفار ، فجعل المعاشرة مع غيره تعالى ـ ولو في المباحات الضرورية ـ حجابا عنه تعالى ، فما أشدّ الحب ، وما أفضل الحبيب وما أجل المحبوب وفي مثل هذا الحب والحضور لا نوم ولا سنة وهو

٢٧٨

الذي قال : «تنام عيني ولا ينام قلبي». وكيف يصلح النوم لواسطة الفيض وغاية الكمال المستفاض خاتم كمالات من سبق وفاتح أبواب المعارف!!

وكيف ينام وهو بمحضر محبوبه وشهيده! كلّا وربّ الناس إنّ مقام الحبّ أعزّ وأمنع من أن يعرضه النوم والنعاس.

٢٧٩

بحث فلسفي

الآية الشريفة تضمنت جملة من الأسماء الحسنى والصفات العليا ، وهي كثيرة. ولا فرق بين الأسماء والصفات إلا بالاعتبار فإنّ الثانية تحمل على الذات دون الأولى كما أثبتناه في الأصول وقد اصطلحوا على مصادر النعوت (صفات الله تعالى) مثل العلم والقدرة والرّحمة ونحو ذلك وعلى مشتقاتها (أسماء الله تعالى) مثل العالم والقادر والرّحيم وغيرها.

وعن بعض أنّ هذا الفرق ذاتي لا أن يكون اعتباريا ، وكيف كان فإنّ البحث في المقام يقع تارة في أقسام الصفات. وأخرى : في بيان معنى بعض الصفات الواردة في الآية الشريفة.

أقسام صفاته عزوجل :

ذكر الفلاسفة والمتكلمون تقسيمات عديدة لأسماء الله الحسنى وصفاته العليا باعتبارات مختلفة نذكر المهمّ منها :

التقسيم الأول : الصّفات الحقيقية المحضة ، والصفات الحقيقية ذات الإضافة ، والصّفات الإضافية المحضة.

والاولى : عبارة عن الصّفات التي يصح أن تلحظ بذاتها من دون لحاظ أمر آخر مثل الحياة ، والوجوب ، والحقية ، فهو تعالى حيّ واجب ، حق.

٢٨٠