تحرير الأصول - ج ١

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني

تحرير الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني


المحقق: حمزة حمزوي
الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

فان قلت : استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد من قبيل استعمال العام الذى تعلق الحكم فيه بكل فرد من افراده ، فكما جاز فى العام تعلق الحكم بكل واحد من افراده على نحو الاستقلال فكذلك اللحاظ الاستعمالى ، يجوز تعلقه بكل واحد من المعانى على نحو الاستقلال ، فلو كان هذا محالا ، لكان ذلك محالا ، والتالى باطل فالمقدم مثله لوقوعه كثيرا ، وكذا الحال فى الوضع العام والموضوع له الخاص قد تعلق الوضع بكل واحد من افراد المعنى العام حتى صار كل واحد منها مستقلا فى وضعه لا يشترك فيه المعنى الآخر.

قلت : انما نشا المحال من تعدد اللحاظ ، والاستغراق الحكمى لم يتعدد لحاظه بل حكمه ، اذ ليس فيه إلّا لحاظ متعلق بصورة اجمالية بسيطة ذات افراد عديدة اعتبرت فى التصور وسيلة الى تعلق الحكم بافرادها ، وليست الافراد ملحوظة بنفسها وإلّا فربما تكون الافراد غير متناهية ، فلو كان كل فرد ملحوظا بحياله مستقلا لكان للاحظ لحاظات غير متناهية ، وهو محال قطعا.

وكذلك الحال فى الوضع العام والموضوع له الخاص ، ليس الملحوظ الا صورة اجمالية اعتبرت مرآة الى معرفة حال الافراد على سبيل الاجمال ، واين هذا من محل الكلام الذى فرض فيه استعمال واحد فى اكثر من معنى واحد ، على نحو الاستقلال الذى يرجع حاصله الى لحاظات متعددة متعلقة بملحوظات عديدة فى ان واحد ، وهذا مما تشهد الوجدان باستحالته.

وسر الفرق ان مقوم الاستعمال هو اللحاظ فالاستعمال فى اكثر من معنى واحد على نحو الاستقلال لا ينفك عن تعدد اللحاظ ، وهذا بخلاف الحكم على العام الاستغراقى والوضع ، فان اللحاظ ليس من مقوماتهما ، بل يتوقفان عليه ، اذ ما لم يلحظ الشىء او لا لا يحكم عليه

٨١

ولا يوضع له ، فاذا قيل : اكرم كل عالم ، منشأ لوجوبات عديدة متعلقة بافراد العالم على سبيل الاستغراق ، لا بد وان يكون ذلك ملحوظا فى مقام الاستعمال ، ولكنه لا يلزم ان يكون بلحاظات متعددة بل يكتفى باللحاظ الواحد المتعلق ، بتلك الصورة الاجمالية ، ويكون توزيع الوجوبات على الافراد بدال آخر ، وهو أداة الاستغراق من لفظة كل ونحوها ، وكذلك الحال فى الوضع ، هذا كله اذا كان الاستعمال فى المعنيين ، او المعانى بلحاظات استقلالية.

«فى استعمال المشترك فى معانيه بلحاظ واحد»

واما اذا كان بلحاظ واحد فهو بمكان من الامكان ، إلّا ان الشأن فى وقوعه حقيقة او مجازا وعدم وقوعه ، ولعل نظر المعالم (١) والقوانين (٢) فى مقام الاستدلال وبيان المختار الى هذا المعنى وان كان صدر عبارتهما فى تحرير محل النزاع يابى عن ذلك.

وكيف كان فلننقل الكلام الى الاستعمال الواحد باللحاظ الواحد المتعلق باكثر من معنى واحد فنقول : وبالله نستعين فانه خير معين.

ذهب صاحب المعالم الى جواز ذلك على سبيل المجاز فى المفرد والحقيقة فى التثنية والجمع ، واختار صاحب القوانين المنع فى الجميع مطلقا.

واستدل صاحب المعالم على مختاره فى المفرد بانسباق الواحدة فى المفرد فهى معتبرة فيه جزءا ، وعند استعماله فى اكثر من معنى واحد تنسلخ الوحدة عن المعنى ، فيكون استعمال اللفظ فيه من قبيل

__________________

(١) ـ المعالم الدين فى الاصول : ص ٣٣.

(٢) ـ القوانين الاصول : ص ٦٧.

٨٢

استعمال اللفظ الموضوع للكل فى الجزء ، وهو مجاز وعلى مختاره فى التثنية والجمع بانها فى قوة تكرار المفرد ولا ريب ان اللفظ المفرد اذا تكرر واستعمل فى معان فكل لفظ يكون حقيقة فى ذلك المعنى المستعمل فيه ، فكذلك ما هو فى قوته وبمنزلته.

اقول : الوحدة التى اعتبرها فى المعنى ، ان أراد بها الوحدة الذاتية القائمة فى كل شىء ، فذلك لا ينافى استعمال اللفظ فى كلا معنييه وان كان كل واحد منها واحدا فى ذاته ، وان اراد بها الوحدة الوجودية المانعة من ضم وجود شىء آخر معه ، فهذا لا يلتزم به من هو ادنى منه فضلا عنه قده اذ ضم وجود الى وجود آخر مما لم يقم على امتناعه دليل عقلى ولا عرفى ، وان اراد بها الوحدة الاستعمالية اى يكون المعنى منفردا فى تعلق الاستعمال به لا منضما مع غيره ، قلنا هذا صحيح إلّا انه لا يكون الوحدة بهذا المعنى ماخوذة فى معنى اللفظ المفرد ، لاستحالة اعتبار ما يتاتى من قبل الاستعمال فى مفهوم المستعمل فيه كما مر منا غير مرة ، فان الاستعمال والقيود المتصيدة منه متاخرة طبعا عن المعنى المستعمل فيه ، فكيف تعتبر فيه وهو مقدم عليها طبعا ، واذ لم يكن مثل هذا الوحدة معتبرة فى المعنى فلا يكون خلوه عنها موجبا للتجوز فى اللفظ هذا ما يتعلق بالمفرد.

واما التثنية والجمع فان لحقا اسماء الاجناس كرجلين مثلا كانت دلالة رجل على الجنس نفسه والعلامة الملحقة به دالة على تعدد فرديه بنحو دخول التقيد وخروج القيد وليس هذا من استعمال اللفظ فى معنيين وان لحق الاعلام فربما ارتكب فيها التاويل بالمسمى وبناء عليه تكون بمنزلة اسماء الاجناس ، إلّا ان هذا مع تعسفه فى نفسه ربما يمتنع ارتكابه فى المعارف المتوغلة فى التعريف كما فى اسماء الاشارة ، ومن ثم التجأ بعض الفحول «صاحب الفصول» فى

٨٣

مثل ذلك الى القول بوضع على حدة للمثنى بنفسه من دون رجوعه الى وضع للعلامة وملحوقها. (١)

وهو بعيد جدا والتحقيق ان يقال : ان من شان المرآة سراية صفاتها الى المرئى كما ان صفات المرئى تسرى الى المرآة بسبب مزيد الاتحاد المتحقق فيما بينهما ، واللفظ لما كان متحد الصورة فى كلا معنييه سرت وحدته الى المعنيين كما سرى تعدد المعنى الى اللفظ فاعتبرت الوحدة من جهة والتعدد من جهة اخرى فصار اللفظ بمنزلة رجل معنى ، يحتوى على فردين ، فصح من اجل ذلك لحوق العلامة له لبيان حال هذا التعدد ، كما فى رجلين فلم يكن الاعلام فى حال التثنية الا كاسم الجنس ، يراد به فردان من معنى واحد من باب تعدد الدال والمدلول ، لا من باب استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد هذا ما يتعلق بكلام صاحب المعالم.

واما صاحب القوانين فحجته ان الوضع توقيفى لا يجوز التخطى عنه بغير رخصة من الواضع ، وقد وضع اللفظ فى حال الوحدة فلا يجوز استعماله فى غير ذلك الحال.

وهذه بظاهره مخدوش فيه اذ الحالات التى يقع الوضع عليها لم يجب مراعاتها ، كيف وإلّا لزم اختصاص اللفظ بالمعنى الذى كان عليه من الصفات والحالات ضحكا وقياما وقعودا وغير ذلك فلا يصح استعمال زيد مثلا فيه الا بالحالة التى كان عليها حين الوضع من هذه الصفات ، وهذا مما لا ريب فى بطلانه.

ويمكن ان يكون نظره قده الى ان الوضع لما كان جعل علاقة بين اللفظ والمعنى بنحو يكون اللفظ جهة مرآتية للمعنى ، والذى

__________________

(١) ـ الفصول فى الاصول : ص ٥٦.

٨٤

تحصل من الواضع ان اللفظ تمام مرآة للمعنى ، وهذا لا يكون إلّا فى حال انفراده عن غيره بلا ضم ضميمة اليه ، وإلّا فلو ضم المعنى الى غيره فى حال الاستعمال لم يكن اللفظ تمام مرآة له ، وان كان المعنى بتمامه مرئيا مع الغير وليس هذا من مجعولات الواضع.

وهذه الدعوى ان تمت فكلامه قده فى غاية المتانة ، ولا يرد عليه شىء اصلا ، إلّا ان الشأن فى تماميتها ودون اثباتها خرط القتاد ، اللهم إلّا ان يقال ان الاستقلال فى المرآتية ان لم يثبت اعتباره من الواضع ، فخلافه غير ثابت لعدم الدليل ويكفينا الشك فى الاقتصار على ما يتيقن رخصة فيه من استعماله فى المعنى منفردا.

«وهم ودفع» قد ورد فى الاخبار بان للقرآن بطونا سبعة او سبعين (١)

وربما يتوهم من ذلك ان هذا من استعمال اللفظ الواحد فى اكثر من معنى واحد.

ويدفعه ان المستحيل من الاستعمال فى اكثر من معنى واحد ما كان بلحاظات متعددة ولم يحرز فى الاستعمال القرآني كونه من هذا القبيل ، ويحتمل ان يكون المستعمل واحدا من المعانى والبقية من لوازم المعنى لا مما استعمل فيه اللفظ.

__________________

(١) ـ تفسير الصافى ج ١ ص : ٣١ ذيل المقدمة الرابعة : عن النبى «ص» ان للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطن الى سبعة ابطن. لم نعثر على الخبر المتضمن لفظ «سبعين».

٨٥

«حول المشتق»

«الامر الثالث عشر انه اختلفوا فى ان المشتق حقيقة فى خصوص ما تلبس بالمبدإ فى الحال او فيما يعمه وما انقضى عنه على اقوال.»

وينبغى النظر او لا فى تحرير محل النزاع وتعيين ما هو المراد من حال التلبس ، فانه بظاهره لا تخلوا من اشكال ، فان حال التلبس يراد به حال تلبس الذات بالضرب ، واذا وصف به زيد كان ذلك حال الجرى والتطبيق واذا تعلق به حكم كالاكرام فقيل : اكرم زيد الضارب كان ذلك حال النسبة الحكمية ولا اشكال فى خروج النسبة الحكمية عن مدلول المشتق اذ المشتق طرف هذه النسبة ، فكيف تكون حال النسبة الحكمية معتبرة فى موضوعها ومتعلقها وكذلك الحال فى نسبة التطبيق والجرى فانهما نسبة ناشية من التوصيف اللاحق لزيد فى زيد الضارب ومن المعلوم ان التوصيف كالحكم خارج عن مدلول طرفيه ، فلم يبق الا اعتبار حال التلبس وهذا لا يصلح ان يراد به التلبس الخارجى اذ الالفاظ على ما هو التحقيق ليست موضوعة للذوات الخارجية الموجودة فى الخارج ، لما نجده من صحة توصيف زيد الموجود والمعدوم ، وهذا لا يتصور فرضه فى الموجود الخارجى لما فيه من التناقض بل الالفاظ الموضوعة للتصور الذهنية الحاكية عما فى الخارج واذا كان هذا معنى الالفاظ ، فضارب لا يراد به الا الصورة الذهنية المتصورة فى العقل المؤتلفة من ذات متصفة بالمبدإ ، وهذا ينوط بالتصور ، فان تصورت الذات متصفة بالمبدإ تحقق عنوان الضارب ، وإلّا فلا ، وحينئذ فلا معنى للنزاع فى حال التلبس

٨٦

او الاعم منه ومن المضى ، بعد فرض التسالم على المجازية فى الاستقبال ، لظهور ان عالم التصور والتعقل ليس ذوى هذه الاعتبارات المبتنية على الازمنة الثلاثة ، بل ان تصور المفهوم بكونه ذاتا متلبسة بالمبدإ تحقق عنوان المشتق ، وإلّا فلا ، هذا محصل الاشكال الذى يمكن ايراده على نزاع القوم فى هذا المبحث.

وحله ان المشتق لما كان بمفهومه حاكيا عن ذات خارجية موصوفة بالمبدإ والذات الخارجية المحكية تقبل الاتصاف بالمبدإ باعتبار الازمنة الثلاث ، فمآل نزاع القوم الى ان المشتق الحاكى عما فى الخارج ، هل ينحصر حكايته فيمن اتصف بالمبدإ فى حال التلبس ، او يعمه وما بعد انقضائه خاصة دون زمان الاستقبال فانه فيه مجاز بالاتفاق؟

والحاصل لفظ قائم دال على مفهوم حاك عمن هو متصف بالقيام فى زمان من احد الازمنة فيتوسل بهذا المفهوم الى تعرف حال المصداق ، فالقائل باعتبار حال التلبس يعتبر المصداق خصوص الذات المقرونة بالمبدإ المتلبسة به حال تلبسها بلا اختصاص فى ذلك بمن يتلبس فى خصوص زمان من الازمنة ، فيجوز عنده استعمال قائم حقيقة فى زيد القائم بالامس اذا نسب القيام اليه باعتبار الامس ، وهكذا اذا استعمل فى زيد القائم فى الغد أو فى الحال.

وهذا بخلاف القائل بالاعم فانه يجوز عنده استعمال القائم حقيقة فى زيد الذى قام بالامس ولو باعتبار حاله بعد الامس ، فيكون تلبسه بالقيام فى الزمان الماضى هو المصحح لحقيقة الاستعمال باعتبار كلتا حالتى التلبس وما بعده.

واذا عرفت الحال فى محل النزاع فربما يشكل الامر فيما ذكروه من ثمرة النزاع التى هى كراهية البول تحت الشجرة المثمرة اذ على

٨٧

كلا القوالين يمكن الالتزام بكراهة البول تحت الشجرة الخالية عن الثمرة بعد ان كانت ذات ثمر اذ على القول باعتبار حال التلبس يصح استعمال المثمرة بعد مضى الاثمار من الشجرة باعتبار حال اثمارها ، فيكره البول تحت الشجرة التى كانت مثمرة فى السابق ، وان لم تكن مثمرة فعلا ، وعلى القول الآخر فالامر اوضح من ان يخفى ، وعلى هذا فلا ثمرة فى هذا النزاع اصلا.

ويمكن التفصى عن هذه الشبهة وهذا الاشكال بان ظاهر الجملة والهيئة التركيبية يدل على اتحاد زمان النسبة الحكمية مع زمان الجرى والاتصاف ، وبهذا تظهر الثمرة بين القولين ، فان زمان الحكم بكراهة البول هو حين البول فمع لزوم مراعاة الاتحاد بين زمان الهيئة التركيبية وزمان التوصيف بالاثمار تنحصر الكراهة فى حين اثمارها عند معتبر حال التلبس ، بخلافه عند الاعمى فانها غير منحصرة فى ذلك ، لسعة زمان التوصيف عنده فتجرى الكراهة حين اثمارها وبعده هذا.

وقبل الخوض فى تحقيق المسألة ينبغى تمهيد امور.

«حول جريان النزاع فى الجوامد»

منها ان المذكور فى عباراتهم تحرير البحث والنزاع فى المشتق وهذا بظاهره يقتضى الاختصاص وعدم جريان النزاع فى غيره من الجوامد ، مع ان المستفاد من كلام المسالك جريانه فى كل ما كان مفهومه منتزعا عن الذات بملاحظة اتصافها بالصفات الخارجة عن الذاتيات ، سواء كانت عرضا كما فى المحمول بالضميمة نحو قائم وضارب وغير ذلك ، او عرضيا كما فى خارجات المحمول نحو الزوجية

٨٨

والرقية والحرية وغيرها من الاعتبارات والاضافات ، وان كان جامدا وهذا بخلاف ما كان مفهومه منتزعا عن مقام الذات والذاتيات كالانسان فانه لا نزاع فى كونه حقيقة فى خصوص ما اذا كانت الذات باقية بذاتياتها (١) ـ

ونقل التعميم ايضا عن ظاهر العلامة وابن ادريس قدس‌سرهما فى مسئلة من كانت له زوجتان كبيرتان ارتضعتا زوجته الصغيرة قال : فى المحكى عن الايضاح «ما هذا لفظه تحرم المرضعة الاولى والصغيرة مع الدخول باحدى الكبيرتين واما المرضعة الآخرة ففى تحريمها خلاف فاختار والدي المصنف وابن ادريس قدهما تحريمها لان هذه يصدق عليها ام زوجته لانه لا يشترط فى المشتق بقاء المشتق منه» انتهى. (٢)

«تنبيه» قد سمعت من العلامة وابن ادريس الفتوى بالحرمة فى المرضعة الثانية وهو مخالف للمنصوص عليه فى رواية على بن مهزيار عن ابى جعفر «ع» قال : قيل له : ان رجلا تزوج بجارية صغيرة فارضعتها امرأته ، ثم ارضعتها امرأة له اخرى ، فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتاه. فقال ابو جعفر «ع» : أخطأ ابن شبرمة تحرم عليه الجارية وامراته التى ارضعتها اولا فاما الاخيرة فلم تحرم عليه كانها ارضعت ابنته. (٣)

فان المستفاد منها ان المدار فى الحرمة ليس على تحقق عنوان ام من كانت زوجة ، كما هو كذلك فى المرضعة الثانية ، بل على من

__________________

(١) ـ مسالك الافهام ج ١ كتاب النكاح فى اسباب التحريم ص : ٣٧٩.

(٢) ـ ايضاح الفوائد : ج ٣ : ٥٢

(٣) ـ الوسائل ج ١٤ : ص ٣٠٥ رواه محمد بن يعقوب ، عن على بن محمد ، عن صالح بن ابى حماد ، عن على بن مهزيار ، عن ابى جعفر «ع».

٨٩

كانت ام زوجة كما هو كذلك فى المرضعة الاولى. فان هذا العنوان الثانى حيثما تحقق تحرم الزوجة وامها ، ولا يشترط فى حرمة ام الزوجة حيوة الزوجة بل تحرم بعد مماتها ايضا.

ولا اظن عدم وقوف العلامة قده على هذه الرواية ولعله لم يعمل بها لضعف سندها بصالح ابن ابى حماد ولا يبعد العمل بها لموافقتها للاصل.

واما ابن ادريس فلان بنائه على عدم حجية اخبار الآحاد.

ويحتمل ان يكون نظر العلامة قده الى اشكال يرد على ظاهر الرواية ، فلم يثق بصدورها من الامام «ع» وهو ان مقتضى قصر الحلية فيها على المرضعة الثانية هو المفروغية عن حرمة الاولى ، وهو كذلك فانه من المتسالم عليه بين الاصحاب ولم يعثر على مخالف فى ذلك ولا وجه له الا التعبد وإلّا فلا يكاد ينطبق الحكم بحرمة الاولى على القواعد ، اذ هى ليست ام الزوجة ، ولم يتحقق فيها هذا العنوان اصلا فانها قبل استكمال الرضا لم تتعنون بالامومة ، وبعده خرجت الزوجة من الزوجية بل خروجها عنها فى رتبة اتصافها بالامية لانهما معلولان للرضاع ، فليس لاحدهما تقدم على الآخر فحينئذ لا منشأ للحكم بحرمتها الا ما عنى من ظاهر الاجماع والمفروغية عنه فتوى ونصوصا ، حتى هذا النص الذى وقع فى رواية المتقدمة.

إلّا ان لسان الرواية ان الحكم بتحريمها على القاعدة ، بناء على ان التعليل فى الثانية يدل على ان حرمة الاولى لكونها ام زوجة وليس كذلك.

والحاصل ان مصب الرواية على ذكر الوجه فى الحكم بتحريم المرضعة الاولى وحلية الثانية ، فذكرت وجه الحكم الثانى ويستفاد منها بالفحوى وجه الحكم الاولى ، فهى ناطقة بصريحها ان حلية

٩٠

الثانية لانها لم تتعنون بعنوان من العناوين المحرمة ، ودالة بفحواها على ان حرمة الاولى لانها ام زوجة.

ومن هنا ينقدح الاشكال فيها بان الاولى كيف تكون ام زوجة ، مع ما عرفت من كون الامومة والخروج عن الزوجية فى رتبة واحدة؟

اللهم إلّا ان يمنع دلالتها على ان الحكم بالتحريم فى المرضعة الاولى على وفق القواعد ، وليس فيها تعرض لوجه الحكم بالحرمة فيها اصلا ، وانما هى واردة فى رد ابن شبرمة فى حكمه بتحريمه الثانية كما يؤيده قصر التعليل عليها.

«حول جريان النزاع فى اسم الزمان»

ومنها ان المعتبر فى صدق المشتق على شىء بقاء الذات لا تصرمها ، كضارب اذا يطلق على زيد فان ذات زيد محفوظة وباقية ، سواء كان قد مضى عنها الضرب او كان هو بالفعل متلبسا به ، فالنزاع الجارى فى المشتق انما يجرى فيه ، فيما اذا كان الانقضاء وعدمه لاحقين للمبدا لا الذات المتلبسة به ، وحينئذ فيشكل الامر فى اسماء الزمان نحو مقتل الحسين روحى وارواح العالمين له الفداء فقد جرى النزاع فيه ، مع ان المنقضى منه ليس خصوص القتل بل زمانه ايضا ، فاطلاق مقتله عليه‌السلام على يوم العاشر من المحرم مقصور على زمان قتل فيه الحسين روحى لتراب مرقده الفداء لا على سائر الايام فيما بعد ذلك الزمان ، فانه مجاز حتى عند الاعمى القائل بحقيقة المشتق فى الاعم من الحال وما انقضى عنه المبدأ ، اذ هو انما يقول بالتعميم فى المنقضى عنه المتلبس به فى الحال اذا كانت الذات باقية غير متصرمة لا مثل الزمان الغير القار الذات ، فاطلاق المقتل على

٩١

عاشر المحرم بعد المقتل الحقيقى لا يكون إلّا مجازا عند الفريقين ، فكيف يدخل فى محل النزاع؟ فينبغى استثنائه عنه ، مع ان نزاع القول وتحرير محل الخلاف فيما بينهم غير آب عن شموله.

«ويمكن حل الاشكال بان انحصار مفهوم عام بفرد كما فى المقام لا يوجب ان يكون وضع اللفظ بازاء الفرد دون العام ، وإلّا لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة ، مع ان الواجب موضوع للمفهوم العام مع انحصاره فيه تبارك وتعالى.»

وهذا الجواب منه قده مبنى على تسليم انقضاء الذات فى اسماء الزمان ، فهى فى عالم الخارج والمصداقية على حسب ما رامه المستشكل ، إلّا ان النزاع فيما بينهم جار فى المفهوم وهو فى حد نفسه عام لا اختصاص له بلفظ دون لفظ.

ويمكن الجواب ثانيا بمنع تسليم الانقضاء عرفا ، فان العرف يرى يوم العاشر من المحرم بعينه الزمان المقتول فيه الحسين روحى له الفداء ، غير انه فى انظارهم زمان واحد ممتد باق وقع القتل فى قطعة منه وبقى الاطلاق عليه باعتبار ذلك القتل الواقع فى مبدإ ذلك الزمان ، ولا شك ان العرف محكم فى باب الالفاظ كما فى باب الاستصحاب ، فقد جرى نظير هذا الاشكال فيه ، وتعلقوا ، فى الجواب بالمسامحة العرفية ايضا ، حيث انهم بعد تسالمهم على جريان الاستصحاب فى الزمان والزمانيات ، استشكلوا بان الاستصحاب يفتقر الى بقاء الموضوع ، والزمان منقض بنفسه غير صالح للبقاء فالتجئوا بالتشبث بان العرف لما كان يرى الزمان واحدا نحو ما يرى الليل بتمامه واحدا والنهار كذلك ، صح استصحاب الليل والنهار هذا. (١)

__________________

(١) ـ كما نقل شيخنا الانصارى قده عن جماعة من الاصوليين بل نقل عن بعض الاخباريين ان استصحاب الليل والنهار من الضروريات راجع الرسائل : ص ٣٧٤

٩٢

وقد يقال بالفرق بين المقام وباب الاستصحاب ، فان الاستصحاب هو بنفسه حكم شرعى ذو موضوع ، وموضوعه امر عرفى فيلتمس فيه مذاق العرف ، ويتبين به تحديد دائرة موضوعه سعة وضيقا ، واما المقام فليس الاشكال فيه من حيث الترديد والشك فى معنى لفظ حتى يرجع فيه الى ما هو المتبادر عند اهل العرف ، ولا هو من قبيل الاستصحاب الذى هو حكم شرعى موكول تعيين موضوعه الى العرف حتى يلتمس موضوعه من فهم العرف وانظارهم ، بل هو لفظ مبين المفهوم ، بل والمصداق ايضا ، سوى ان العرف يتوسعون فى تطبيق المفهوم على ازيد من المصداق الحقيقى فيطلقون المقتل على سائر الازمة المتلاحقة المتشابهة صورة ليوم القتل الحقيقى ، ولا عبرة بمثل هذه المسامحة الجارية فى التطبيقات ، فان هذا نظير ما لو تسامحوا فصاروا يطلقون على ما ليس باحمر اسم الاحمر ، فانه لا يجب اتباعهم فى ذلك ، ويكون هذا من باب الاشتباه فى التطبيق لا من باب تعيين المسمى والمفهوم ، حتى يكونوا هم المحكم فيه.

ومن ثم ترى المشهور فى الفقه بعد ان بنوا على ان الفقاع هو الماء المتخذ من الشعير اقتصروا فى الحرمة على خصوص ذلك الماء وما تعدوا الى كل ما يسمى فقاعا فى العرف ولو لم يكن كذلك خلافا لما ذهب اليه شهيد الثانى فى الروضة حيث اخذ بالتعميم وبجريان حكم الفقاع على كل ما يسمى فقاعا عرفا مع حصول خاصيته او اشتباه حاله (١).

ويمكن الجواب ثالثا بما قرره الماتن قده فى باب الاستصحاب للتفصى عن جريانه فى الامور التدريجية الغير القارة ، قائلا ثمة ان

__________________

(١) ـ روض الجنان ص ١٦٤ وروضة البهية ص ٢١.

٩٣

الانصرام والتدرج فى الوجود ، فى الحركة ، فى الاين ، وغيره ، انما هو فى الحركة القطعية ، وهى كون الاول فى حد او مكان آخر فى الآن الثانى ، لا التوسطية وهى كونه بين المبدإ والمنتهى فانه بهذا المعنى يكون قارا مستمرا.

ونقول بمثله هنا فنعتبر الزمان بالحركة التوسطية ليكون من الامور القارة المستمرة.

«فى وضع المشتقات»

ومنها ان المشتق كغيره من سائر الجوامد لا بد وان يشتمل على مادة وهيئة ويفترقان فى ان وضع المشتقات نوعى ، وان وضع الجوامد شخصى ، وهل يستقل كل من المادة والهيئة فى المشتقات بوضع او ان للجموع منهما وضع واحد نوعى؟ فيه تردد.

والمراد من الوضع النوعى ذكر الضابطة فى الوضع على وجه لا يختص بلفظ دون لفظ ، كان يقول الواضع فى ضرب ان هذه المادة من صيغة ضرب موضوعة للحدث الخاص المولم فى ضمن اى هيئة كانت وتحققت من المواد الموضوعة دون المهملة نحو نصر واكل وقتل وغير ذلك من المصادر المشاكلة لهيئة الضرب فى الصورة. فعلى هذا يكون الوضع فى كل منهما نوعيا ويستقل كل منهما بوضع.

واما اذا اريد الوضع نوعيا للمجموع بوضع واحد ، فيضع الواضع اولا المصادر شخصيا كل لمعناه المختص به من الضرب والنصر وغير ذلك ، ثم يذكر بعد ذلك قانونا كليا على انى قد وضعت كل ما كان على زنة فاعل الى مجموع ما تشمل عليه الكلمة من المادة والهيئة ، لا الى الهيئة خاصة ، فيكون المجموع فى كل ما صيغ على هيئة فاعل

٩٤

من نحو ضارب وناصر الخ موضوعا للذات المتلبسة بالضرب والنصر وهكذا وهذا بخلاف الجوامد كالانسان والبقر والحمار ، فانها مستقلة بوضع شخصى يختص به كل واحد منها تفصيلا.

ثم ليعلم ان مادة المشتقات وما تشتق منه لا بد وان يكون فى عالم التعبير والنطق فى ضمن هيئة من الهيئات ويستحيل خلوها عنها ، حتى لو عبرت عنها بالحروف المفردة نحو ضاد ، وراء ، وباء كانت هذه الحروف مقرونة مع هيئة خاصة تغاير الهيئة فى ضارب ومضروب وغيرهما من سائر المشتقات فهى بحسب الصورة اللفظية ، تعد متبايية ، لا يجمعها جامع لفظى يحتوى على ما يشمل الهيئات اللفظية المختلفة ، وهكذا معناها المتصيد منها فى ضمن الهيئات يختلف بحسب اللحاظ والاعتبارات فاذا لوحظ معرى عن تمام النسب والاضافات ، كان ذلك معنى اسم المصدر كالغسل بالضم وبعده السكون ، وان لوحظ مقرونا بنسبة الى فاعل ما ، كان ذلك معنى المصدر كالغسل بالفتح ويستحيل اعتبار الجامع فى عالم التصور بين هذين الاعتبارين الواجد والفاقد فكانت المادة على هذا كالكلى الطبيعى فى عالم الوجود الخارجى والذهنى مندكة فى ضمن الهيئات اللفظية والصور الذهنية ، سوى ان الكلى الطبيعى يمكن تعقله مستقلا ومنحازا عن افراده ، والمادة يستحيل فيها ذلك ، وكان اقرب المعانى الى المادة اسم المصدر لتعريته عن جميع الحيثيات والاضافات ، حتى حيثية الانتساب السلبى ، فانه ليس التجرد المعتبر فيه بمعنى سلب معناه عن جميع الاضافات والنسب حتى يتخيل فيه انه يتضمن النسبة السلبية ، بل هو فى الحقيقة لم يعتبر فيه شىء وان لزم من ذلك السلب إلّا انه عدم اعتبار شىء لا انه اعتبار العدم حتى يكون قد تضمن النسبة السلبية ، والحاكم بذلك الذوق السليم والتبادر فان المنسبق الى الذهن من

٩٥

كلمة الغسل بالضم ما يعبر عنه بالفارسية «شست وسو» وهذا هو المعنى المعرى عن تمام الحيثيات والاضافات.

ثم ان اسم المصدر بعد ان كان متلبسا بهيئة خاصة كما فى الغسل بالضم ، فربما يتوهم من ذلك ان استفادة التجرد عن معناه ناش عن هيئة وليس كذلك اذا التجرد معنى قائم باسم المصدر الخاصة ، ومدلول الهيئة لا بد وان يكون من سنخ المعانى الحرفية قائما بالطرفين لا طرف واحد كما هو كذلك فى اسم المصدر.

ودعوى ان التجرد ينحل الى سلب شىء عن شىء ، فيكون نسبة سلبية قائمة بالطرفين ، قد عرفت انها دعوى على خلاف ما هو المتبادر من اسم المصدر ، نعم المصدر وسائر المشتقات قد وضعت هيئاتها للنسبة والاضافة ، اما المصدر فقد عرفت ان مدلوله المعنى الحدثى المنتسب الى فاعل ما ، وبقية المشتقات مختلفة بحسب المدلول ، فان اشتملت على مدلول المصدر مع زيادة اضافة الى سبق او لحوق او زيادة طلب لفعل شىء او تركه ، كانت هى الافعال ماضيا ومضارعا وامرا ونهيا وان كانت مشتملة على معنى حدثى مع انتسابه الى مكان ، او زمان ، او آلة ، كانت اسماء زمان ومكان ، وآلة ، وعلى هذا المنوال بقية المشتقات فانها تحتوى على معنى حدثى وزيادة.

ومن ثم كانت المشتقات فى اصطلاحهم ماخوذة من اسم المصدر ، وربما يتفق فى بعضها ترتب لفظى فيما بينها كما ترى ذلك فى المضارع فانه لا يتشكل إلّا مع زيادة على صيغة ماضيه بواحد من حروف المضارعة فكان فرعا عليه ، وبهذا الوجه صح اطلاق اشتقاقه منه.

وقد يتفق الترتب المعنوى فيما بينها كما ترى ذلك فى اسم الفاعل فانه بحسب المعنى مرتب على الفعل ، اذ هو متضمن للنسبة الوقوعية والفعل يتضمن النسبة الإيقاعية ، والوقوع متاخر طبعا

٩٦

عن الايقاع ، وبذلك صح القول باشتقاق اسم الفاعل من الفعل.

وبالجملة مثل هذه الوجوه الاعتبارية صار منشأ للذهاب الى الاشتقاق وتفرع المشتقات بعضها على بعض ، وإلّا فلو لم يعتبر مثل هذه المسامحة امكن المناقشة فى الاشتقاق ، بان الصيغ بصورتها اللفظية متباينة لم يؤخذ بعضها فى بعض كما ان صورتها المعنوية كذلك.

«فى عدم دلالة الفعل على الزمان»

ومنها ان المشهور فى كلمات النحاة دلالة الفعل على الزمان ، وظاهر كلام بعضهم ان دلالته عليه بالتضمن كما قال ابن مالك : المصدر اسم ما سوى الزمان ، من مدلولى الفعل كامن من امن (١).

وقد يقال ان دلالته عليه بالالتزام باعتبار دلالته على نسبة المادة الحديثة الى فاعل ما ، بنحو التقييد بالزمان على نحو يكون القيد خارجا والتقيد داخلا ، وقد يمنع دلالته عليه باحدى من الدلالات الثلث كما يميل اليه كلام متاخرى المتاخرين من الاصوليين ، والسر فى ذلك يبتنى على تمهيد مقدمة.

هى ان دلالة المفردات على معانيها دلالة تصورية كما اشرنا اليه آنفا فى مطاوى المباحث السالفة ، ومثله فى ذلك المركبات الناقصة واما المركبات التامة ، فانها تدل على معاينها الذى هو انتساب شىء الى شىء آخر بعد الفراغ عن وجود الطرفين وتحققهما فى عالم الخارج ، وبهذا تفترق المفردات والمركبات التقييدية عن

__________________

(١) ـ كتاب السيوطى : ص ٩٩.

٩٧

المركبات التامة ، ألا ترى انك اذا قلت زيد وغلام زيد فلا تتعقل منهما الا المعنى بلا ملاحظة الوجود والعدم ، وهذا بخلاف زيد قائم فانه ينتقل من الهيئة التركيبية الى وجود زيد وقيامه فى عالم الخارج علاوة عن انتساب القيام اليه.

لا يقال : فى قضية زيد معدوم كيف يسوغ لك الحكم بدلالة الهيئة على وجود زيد مع ان مصب القضية على نفى وجوده.

لانه يقال : هذا من قرينة المحمول فانه بمادته اقتضى نفى الدلالة ، وإلّا فلو خليت القضية ونفسها لكانت دالة على وجود موضوعها فى عالم الخارج ، فلا ينبغى الشك والتشكيك فى مثل هذه الدلالة فى الجمل الاسمية ، وهكذا الحال على هذا المنوال فى الجمل الفعلية ، بل فى ضرب نفسها ، ويضرب بنفسها ينتقل الى تحقق ضرب فى عالم الوجود الخارجى كائنا او يكون.

وهذه العلاوة فى معانى المركبات التامة والافعال من دلالتها على الوجود ، هى الباعثة الى توهم اعتبار الزمان فى مفاهيم الافعال ، حيث ان الوجود لما يلزمه الكينونة فى زمان ، يخيلوا ان ذلك من مداليل الكلمة ، انه مستفاد من حاق اللفظ ، وهو توهم فاسد كما لا يخفى.

وإلّا لاقتضى ذلك اعتبار الزمان فى مداليل الجمل الاسمية ايضا ، مع انهم لم يلتزموا به.

والحاصل ان الدلالة المعتبرة فى الالفاظ ما كانت واحدة من ثلث ، وليس للفعل دلالة على الزمان بشىء منها ، اما المطابقة فظاهر ، واما التضمن فلان المستفاد من الفعل ليس هو الحدث والزمان لكى يكون دلالته عليه بالتضمن ، بل الحدث المنسوب الى فاعل ما ، بنحو السبق فى الماضى واللحوق فى المضارع واما الالتزام فلان المعتبر

٩٨

فى الدلالة الالتزامية اللزوم الذهنى ، بمعنى الانتقال من المسمى الى اللازم وليس فى الفعل مثل هذا اللزوم ، وانما اللزوم فيه على تقدير تسليمه هو اللزوم الخارجى ، لظهور ان كل زمانى يوجد فى الخارج لا بد وان يكون فى احد الازمنة الثلاثة من غير اختصاص فيه بالفعل ، بل يشترك معه فى هذا المعنى جميع الجمل اسمية وفعلية ، وليس هذا مناط الدلالة الالتزامية.

وربما يستانس لذلك من خروج الزمان عن مدلول الفعل بما نجده فى الافعال المنسوبة الى المجردات ونفس الزمان ، مثل كان الله ولم يكن معه شيء (١) ومثل قول الشاعر : مضى الزمان وقلبى يقول انك آت فان هذه مما لا ريب فى انسلاخها عن معنى الزمان.

ويبعد كل البعد ارتكاب التجوز فى مثل هذه الموارد ، او تجشم القول بالاشتراك اللفظى.

وكذا ينبغى استثناء فعل الامر من الافعال بناء على دلالة الفعل على الزمان ، لما نجده فى الامر انه لا دلالة له الا على الطلب دون الزمان.

ثم انه ظهر لك مما قدمناه الفرق بين الماضى والمضارع باعتبار السبق فى الاول واللحوق فى الثانى ، اى اعتبار خصوصية ينتزع منها السبق فى الفعل الماضى واللحوق فى المضارع ، وهذا الاختلاف ينشأ من كيفية اختلاف النسبة المستفادة من هيئة الكلام وذلك السبق واللحوق لا اختصاص له بالسبق واللحوق الزمانى بل يجرى فى السبق الذاتى ، كما فى سبق بعض الازمنة على بعض فى مضى الزمان ، وفى سبق الرتبة كما فى سبق العلة على المعلول.

__________________

(١) ـ التوحيد للصدوق : ١٤٠ حديث : ٥.

٩٩

وان شئت قلت : ان المستفاد من الجمل الاسمية هو الوجود ، وتحقق لا بشرط ، وفى الجمل الفعلية بل الافعال وحدها يستفاد الوجود المحدود الذى ينتزع منه فى بعضها عنوان السبق وفى بعض آخر عنوان اللحوق ، وهذا السبق واللحوق يختلف بحسب الموارد والمقامات ، ففى الزمانيات ينطبق على السبق الزمانى ، وفى العلل بالنسبة الى معلولاتها ينطبق على السبق الرتبى ، وفى اجزاء الزمان فى قولك : مضى الزمان ، ينطبق على السبق الذاتى ، ونحو ذلك ، فهو فى كل مقام يناسب شيئا ولا اختصاص له بالزمان ذهنا ولا خارجا.

«حول اختلاف المبادى فى المشتقات»

«ومنها ان اختلاف المشتقات فى المبادى ، وكون المبدإ فى بعضها حرفة وصناعة وفى بعضها قوة وملكة وفى بعضها فعليا لا يوجب اختلافا فى دلالتها بحسب الهيئة اصلا ...» فلا يتوهم من اطلاق العالم والتاجر على من لم يتشاغل بتحصيل العلم ، وصنعة التجارة ، ان ذلك من باب استعمال المشتق فيمن انقضى عنه المبدأ ، لظهور اندفاعه بسعة معنى المبدإ هنا على نحو لا يختص بحال التشاغل بتحصيل العلم وحرفة التجارة ، فان العلم فى العالم بمعنى الملكة والتجارة فى التاجر بمعنى الحرفة ، وهما حاصلان لهما فى كلتا حالتى تشاغلهما بهما وعدمه ، وحينئذ فتندرج مثل هذه الامثلة والصيغ فى زمرة الصيغ المستعملة فى خصوص حال التلبس بالمبدإ الماخوذ بمعنى عام لا يختص تحققه بحال التشاغل هذا.

ولكن ربما يستشكل فى ذلك بان لازم هذه المقالة وهذا البيان

١٠٠